-->

السبب الفاعل الذي يجب ان يدان في قضية الطلاق




ذ/ احمد باكو (1)

انعقد بالرباط تجمع قانوني تحت عنوان " محكمة الطلاق"، اتخذ شكل محكمة فيها قضاة ودفاع، وادعاء ومحلفون وشهود. وتألفت من نخبة من الأطر القانونية، تمثل هيئات المحامين وكراسي الجامعات والمنظمات الحقوقية والنسوية.(1)

وانتهى هذا التجمع بإصدار"حكم" جاء فيه، من حيث الوقائع، ان "محكمة الطلاق  الرمزية "  تنعقد للبث في الدعوى المرفوعة من إحدى المنظمات النسوية، في موضوع الطلاق بالمغرب، فيما يرجع لأسبابه ونتائجه والقوانين المطبقة عليه.
وجاء في الحيثيات ان المحكمة استمعت الى شهادة إحدى عشرة امرأة من ضحايا ظاهرة الطلاق ،  ثبت منها للمحكمة ما تجلبه هذه الظاهرة من مآس فردية واجتماعية.

وجاء فيها أيضا ان المحكمة استمعت الى الدفاع، الذي تولاه مجموعة من المحامين، الى هيئة المحلفين الممثلة في مكونات المجتمع المدني، ملاحظة وهي تعلل لمنطوق الحكم الذي أصدرته، ان الطلاق يمارسه الرجل غير المقيد بأي شرط، على خلاف  المرأة، وان هذا يخل بمبدأ المساواة، المنصوص عليه في الدستور والمواثيق الدولية، التي صادق عليها المغرب، وانه ليس في الشريعة الإسلامية ما يفيد ان جعل الطلاق بيد الزوج من النظام العام.

وبعد مناقشة قضايا تتعلق بالنفقة والحضانة والمتعة وعمل الزوجة، انتهت المحكمة الى منطوق جاء فيه ان  "  محكمة الطلاق الرمزية" تقضي علنيا وحضوريا بما يلي:
-----------------------
كان هذا منذ 19 شوال1416 هـ 9 مارس1996 وهو تاريخ "الحكم" الصادر عن هذه " المحكمة "، وقد أنجزت هذا البحث مواكبا له لينشر بعده بشهر
 او شهرين إلا ان عوامل قاهرة تدخلت لتأخر ظهوره الى اليوم.
-----------------------
أولا : ضرورة إلغاء جميع النصوص التشريعية التي تتضمن ميزا بين المرأة  و الرجل،  في  الحقوق ، وجعلها متلائمة مع الإعلانات والمواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، التي تنص على المساواة بين الرجل والمرأة
ثانيا: ونتيجة لذلك جعل الطلاق بيد القضاء بالنسبة للرجل والمرأة معا، على السواء.
ثالثا: مراجعة شاملة لمدونة الاحوال الشخصية
وكما هو واضح من الوقائع، فان هذا التجمع المتميز انعقد بغاية بحث معضلة الطلاق وعواقبه الخطيرة على الأسرة واستقرارها وما يلحق المرأة من حيف في حقوقها الزوجية.
وكما هو واضح من الحيثيات فان النخبة المجتمعة انتهت من نظرها في المعضلة الى ان أسبابها ودواعيها كاملة في النصوص الشرعية، المقنن بعضها في مدونة الاحوال الشخصية، ومنها بالخصوص، جعل الطلاق بيد الزوج بإرادته المنفردة.
وهذا واضح بوجه اكبر في المنطوق، الذي أفاد ان" محكمة" تقضي بوجوب ان يكون الطلاق بيد القضاء بالنسبة للرجل والمرأة على السواء.

ان أية نظرة منطقية لهذا "الحكم" تكشف انه يفتقر الى المنهج العلمي، المعمول به في بحث المشاكل الاجتماعية وعلاجها، ومن ثم جاء بعيدا عن الصواب والحق، فيما سجله من آراء، وما انتهى إليه من نتائج، لا يمكن أبدا ان تحقق الاستقرار المطلوب للأسرة، ولا يمكن ان تحمي المرأة من الطلاق.
إذ ان المنهج العلمي يحتم النظر الى المشكل بعمق وإحاطة، لاستقصاء كل نواحيه، لأجل التوصل الى الأسباب الجذرية والاهتمام بعلاجها، قبل غيرها، على النحو الذي يقع به الاهتمام طبيا بأسباب المرض قبل أعراضه، لان العلاج يجب ان يتجه إليها أساسا، لكون الاكتفاء بعلاج الأعراض، لا يجلب الشفاء الصحيح كما هو معلوم بداهة.

فالحق الذي لا ريب فيه، ان هناك أزمة قاتلة تحيط بالأسرة، في نشوئها واستمرارها معا، فالزواج لا يكاد ينعقد اليوم، واذا انعقد لا يكاد يستقر. وبطبيعة الحال فانه ليس من المنهج العلمي ان نبحث أزمة عدم استمراره، قبل ان نبحث أزمة عدم نشوئه، لان تلك من هذه.
والحق الذي لا ريب فيه، ان هذه الأزمة بشقيها،هي من إنتاج بيئة الحضارة الأوروبية، بما فيها من فلسفات مادية، ونظريات علمانية، وقوانين طبيعية تتضامن كلها في إقصاء الدين من الميدان، وتنكر عليه ان يفتي في تنظيم حياة البشر!
فالحق الذي لا ريب فيه، ان ما تعانيه الأسرة عندنا، في قيامها واستقرارها، وانما جاءنا مع هذه البيئة الأوربية التي جلبناها وتحمسنا لها، بعلمانيتها وقوانينها الوضعية التي نناضل عنها باستماتة عجيبة، كنا فيها ملكيين اكثر من الملك أحيانا!

لقد تجاهلت "محكمة الطلاق" كل هذه الحقائق الواضحة، فادى بها ذلك، الى الوقوع في خطا منهجي في تشخيص المشكلة، نتج عنه خطا قانوني في تكييف "الدعوى"، ثم خطا ثالث في المنطوق الذي توصلت إليه، فيما أفاده ، من كون علاج مشكلة الطلاق، ينحصر في تعديل قوانين الاحوال الشخصية الشرعية، حتى تنسجم مع القوانين الدولية، ومبدأ المساواة، لاسيما فيما يرجع لكون الطلاق بيد الزوج بالإرادة المنفردة.

وهذه الأخطاء جميعها متولدة من خطا فكري قبلي سابق عليها، هو اعتقادنا، بفعل الاستلاب، ان أحوالنا لا يمكن ان تستقيم وتصلح حضاريا واقتصاديا واجتماعيا، الا اذا ابتعنا نهج الغربيين، في سلوكهم الحياتي وقوانينهم الوضعية، وأعرافهم التي نجحوا في ان يجعلوها ملزمة للعالم كله، بتدوينها في القوانين الدولية.
ولهذا قلت، من غير شطط، ان "حكم" الطلاق، ينقصه المنهج العلمي الذي يقتضي البدء بالأصل قبل الفرع، والاهتمام بالمرض قبل العرض!

والبحث الذي سيطالعه القارئ في السطور الآتية، انما يريد ان يستدرك ما فات ويقدم التشخيص السليم، الذي تستدعيه الحالة ويوجبه المنطق، لمشكلة الأسرة بوجه عام. وذلك بعرض لأحوال البيئة العصرية التي صنعتها أوروبا وصدرتها، وبيان ما فيها من سلوك وأنماط للعيش، لا يمكن ان ينشا فيها زواج سليم، تسعد فيه المرأة، ثم مقارنتها بالبيئة التي يحرص الإسلام على إنشائها ، وما فيها من ضوابط لابد ان تؤدي عند العمل بها، الى قيام أسرة يتماسك فيها أطرافها، كما يتماسك البنيان بجدرانه وسقفه، ثم التطرف لبيان السبب والحكمة المبررة لان يكون طلاق الزوج إراديا وطلاق المرأة قضائـيا، مع الالتفات الى مباحث أخرى فرعية، يستدعيها المقام، بغاية جلب اكبر قدر ممكن من البراهين، للإقناع بالنتيجة التي انتهيت إليها، وهي ان المحاكمة وقعت على برئ لان ما يجب محاكمته هو البيئة الأوربية العصرية، بماديتها المشهورة، وكذا الاستلاب الفكري الذي جلبها وفرضها!

(2)
مما لا ريب فيه، ان اضطراب الأسرة بكثرة الطلاق والخصام بين الأزواج- من خواص هذا العصر، وما فيه من سلوك جديد في العلاقة بين الجنسين.
وقد سبق لهذا السلوك ان جلب هذه الكارثة على الأسرة الأوربية قبلنا، فكان حتما ان يحل بنا ما حل بالقوم هناك، بعد ان قلدناهم في سلوكهم، وطرق حياتهم من غير احتياط ولا تحتفظ !
وما اكثر الأسباب التي يمكن ان نسوقها تعليلا للآفة وعواقبها، وعندما تكثر الأسباب، فان الممكن، بل من الواجب، لأجل الوصول الى العلاج، تعيين السبب الفاعل الذي يكون هو علة العلل، أي العلة الأولى، التي تفرعت عنها باقي العوامل الجالبة للآفة وأضرارها، والتي لا يمكن درء الضرر الا بإزاحتها.

وبصراحة لابد منها، فان اغلب حالات الطلاق، التي ترفع نسبته اليوم الى أرقامها الوبائية المخيفة، يرجع الى وجود امرأة أخرى، هي التي تزهد الزوج في زوجته، وتدفعه لان ينفصل عنها أحيانا، وهذا هو سبب الأسباب وعلة العلل في هذه الكارثة وهو الذي يجب التركيز عليه قبل غيره، لأجل الوصول الى علاج جدي ناجع! (2) وما اكثر الدواعي التي تدفع امرأة ما، لان تطيح بزوجة ما لتحل محلها، وتحمل الزوج على ان يسارع الى ان يفكر في فراق زوجته، ويقع في المحذور المذموم شرعا وعقلا، من غير اعتبار لعواقبه المرة.
فالاختلاط الحر الذي اصبح هو القاعدة في العلاقة بين الجنسين، أدى الى ما أدى إليه في الغرب، من قلب للوضع الأصلي المعروف، لتصبح المرأة هي التي تجري وراء الرجل، بعد انتشار العنوسة، التي صارت اليوم من الكوارث القارة، التي تعاني منها المرأة عالميا!
------------------------
لا ادعي هذا من عندي، فزيادة على ما هو مشاهد في الواقع، فان هناك إحصاءات تؤكده فتحت يدي إحصاء قديم، يرجع الى سنة 1973، يسجل انه في ستين في المائة من الاحوال التي يطلب فيها الزوج الطلاق، يكون السبب هو معاشرته لامرأة أخرى. والإحصاء يأخذ مادته من المجتمع الأوربي حقا. ولكن هذا لا يمنع من الاستدلال به على حالنا، لان اتباعنا لأعراف الأوربيين لابد ان يجر علينا ما جره عليهم. ونظرا لان حكم"محكمة الطلاق" يذكر انه يستند الى شهادات مجموعة من النساء عن معاناتهن من الطلاق، فان من المناسب ان نورد هنا ان إحدى جرائدنا، نشرت في هذه الأيام رسالة من زوجة تقول فيها أنها أم لستة أبناء كانت تعيش مع زوجها وأولادها حياة هادئة، الى ان تدخلت في حياة الزوج صحافية أخذته من أولاده وتركتهم للضياع، ذاكرة انها توجه نداء عبر الجريدة الى هذه الصحفية، لتطلب منها ان تذهب الى حال سبيلها، في هدوء ، ليعود الأب الى أولاده، انها نوع من الشهادات النسوية، لا يمكن، ولا يجوز إغفاله وإهماله، في هذا المقام. واعتقد انها ليست الا واحدة من آلف!
----------------------
ان هذا يفرض علينا ان نتوقع، وجود نساء يتربصن لصرف الأزواج عن زوجاتهم، ويسعين لذلك بكل الوسائل الممكنة، والضعف البشري وما فيه من أنانية مجربة في هذه الاحوال، يسيغ لنا ان نرجح كل الاحتمالات السيئة، المتوقعة في هذا الباب.

ولذات الأسباب والدواعي، فان المقام يفرض علينا ان نتحدث عن أزمة الزواج، قبل أزمة الطلاق، وان نتساءل أين الزواج، قبل ان نعجب او نستغرب من انفصاله بالطلاق، فالمرأة اليوم لا تكاد تصل الى زوج يقترن بها، الا بعد ان تخوض تجارب قاسية، وسباق تلهث فيه كثيرا. قبل ان تصل الى ذلك المبتغى الطبيعي، لان كل من يقترب منها، يريدها لشيء آخر غير الزواج، ولان الميدان يكتظ بكثير من المنافسات اللواتي يسعين لنفس الغاية، ولان الرجل من جانبه غير مضطر، والحال انه يجد بغيته من كل نوع بغير زواج!

والزواج اليوم حين يقع لا يتحقق تبعا لأعراف العصر، الا بعد علاقة يتم فيها الكثير مما يتزوج الناس لأجله، من غير استثناء للمساكنة او الدخول، بل من غير استثناء للحمل نفسه بكل خطورته وعواقبه، ولهذا أيضا ونظرا لانقراض الولاية الشرعية التي لها دورها الوقائي في هذا الجانب، ولكون عقد الزواج لا يعطي للزوج شيئا جديدا، فان النتيجة الحتمية ان يكون الزواج عبءا منذ البداية، والا يجد الزواج أي حرج في الانفصال عن قرينته في أول فرصة، ولأتفه سبب، وسيما حين يكون قد اضطر الى عقده، لإصلاح ما أفسده طيش "الحرية الشخصية" رغبة في التفكير او خوفا من عواقب متوقعة!

فهل هناك من يستطيع ان يتحدانا بأننا نفتري في هذا على الواقع، وندعي أشياء غريبة لا تفشيها الأخبار يوميا ولا نعاينها ونعانيها، فيما نعيشه من حياتنا ؟ !
ان كل رجل في بيتنا العصرية اليوم، لا يقدم عن الزواج، الا وهو يعرف جمهورا من النساء، فيهم الكثيرات من الراغبات فيه، نجد بينهن القريبات وزميلات الدراسة او العمل ورفيقات الطريقالخ.

وحين يبرم الزواج مع واحدة منهن، فان باقيهن يصبحن خطرا على استمرار زواجه وانصرافه لزوجته وحدها.
وبالنظر لحرية الاختلاط والاختلاء، التي هي طابع العصر وعرفه القار، فان احتمال ان يعود الزوج الى واحدة من الباقيات، للمعاشرة العابرة او المستمرة وارد، كما ان احتمال ان يسعى بعضهن لاسترداده والاستئثار به، فرض راجح، ولاسيما حين يكون بينهن من ترى انها غبنت بهجره لها، لكونها ترى نفسها أولى بالتفضيل، او تكون بينهن من ترى انها  ضحية مغدور بها، لكونها اعطته مالا يعطى الا بالزواج وهجرها الى غيرها.

فكيف يمكن ان يستقر زواج اليوم كما كان الحال في زواج الامس، وهو محفوف بهذه المخاطر، التي جاءت من اعراف العصر، وسلوك الحضارة الأوربية، التي قربت النساء من الرجال مجانا، حتى فقد الزواج امتيازه الذي يجب ان يكون له، لكي يقوى ويستقر ويستمر!! ؟

(3)
وجدت وانا اراجع بعض المجلات النسوية فيما يحكيه النساء عن مشاكلهن مع ازواجهن، ان احداهن كتبت الى مجلة تقول: انه مضى عن زواجها سبع سنوات، وانها في حالة سيئة لان الزوج صدمها ذات مرة بقوله: كل هؤلاء الجميلات في الدنيا، ونقضي حياتنا مع امرأة واحدة
وهذا كلام وقح يدل على سفاهة قائله حقا، ولكن يجب ان نقول كذلك، ان بيئتنا العصرية اوقح واسفه، لانها هي التي جرأته على ان يصدم أم أولاده بهذا القول الجارح !

ان هذا الواقع المر، فرض نفسه بالحاح، واجبر الكل على الاعتراف بوجوده وعواقبه، ولم يبق الا استخلاص العبرة وتقرير العلاج بما يقتضيه المنطق، وهو تلافي اسباب الداء بعد اكتشافها فالموضوع سبق ان طرق باسهاب، وتناولته الابحاث والدراسات وعالجته الاقلام النسوية نفسها بكلام صريح، هو حجة تفحم كل جاحد.

ففي بحث صحافي بعنوان" نساء في حياة زوجك" انجزته صحافي مصرية، ونشرته احدى المجلات النسوية، منذ اكثر من عقدين من السنين، نقرا كلاما جديرا بان يقراه الانسان ويرويه لمن لم يطلع عليه.
تقول كاتبة التحقيق وهي تخاطب الزوجات في مقدمة بحثها: هل تظنين انك المراة الوحيدة في حياة زوجك يا سيدتي، مخطئة اذن انت في اعتقادك. وهذا الخطا هو الذي يعرضك احيانا لعواصف الحيرة والقلق والشك والغيرة ذلك ان في حياة زوجك نساء اخريات، يؤثرن عليه فكرا واحساسا وسلوكا، ويشاركنك مهما كرهت، عقله ووجدانه، ويفرضن وجودهن على حياتك وحياته، ولا ينبغي ان تجزعي لذلك، فلست وحدك التي تواجهين هذه الحقيقة، كل الزوجات يعشن هذه التجربة  وكلهن يجب ان يتقبلن الحقائق وان يحاولن التعايش السلمي معها، اذا كن بالفعل حريصات عن استقرار حياتهن الزوجية وتوفيقها ودوامها. وبداية الخطا والخطر معا، ان المراة تتصور عند عقد الزواج، انها لابد ان تصبح المراة الوحيدة في حياة زوجها، وبهذا التصور تتوقع اكثر مما تفرضه الحقائق، وبهذا التصور تعتقد ان لها وحدها ان تصول وتجول في قلب زوجها وفكره، ثم تنكشف وجوه الحقائق فتنكرها جازعة وتقاومها ملتاعة، ثم تئن بالشكوى المريرة من خيبة الامال وانهيار الاحلام، وخديعة الزوج، واكذوبة الحب الفريد".

وبعد هذا تضع الكاتبة للموضوع عناوين فرعية، تتضمن نصائح للزوجات منها: لا ينبغي للزوجة ان تفزع لحالات الحب الاول في حياة زوجها" ومنها "على الزوجة ان تذكر ان عليها ان تتغلب على تاثير المراة التي خاض معها الزوج اول تجربة حسية " ومنها "وعلى الزوجة ايضا الا تنسى وجود زميلة العمل في حياة زوجها.."
ثم بعد هذا تاخذ الكاتبة في استعراض النماذج النسوية التي تفرض وجودها المؤثر في الحياة الزوجية، فتذكر التي كانت حبه الاول، التي نبض لها قلبه للمرة الاولى، ثم المراة المجربة التي خاض معها لاول مرة العلاقة الطبيعية، قائلة انها امراة لا تنسى وتترك عادة بصمات على انفعالاته واحاسيسه، وتشكلها على نحو معين، بحث يصعب عليه فيما بعد الفكاك من اثارها.
ثم تتحدث اخيرا عن نموذج زميلة العمل، بكلام ننقل عنها اغلبه لما فيه من حقائق قاسية لابد من ابرازها في هذا المقام.

تقول الكاتبة عن زميلة العمل هذه: انها امراة لم يكن لها وجود او حسبان الى وقت غير بعيد، ولكنها بسرعة فائقة، استطاعت ان توطد وجودها وتنشر تاثيرها، وتخلق ايضا المشكلات في حياة زوجات زملائها، لا لانها قصدت الى ذلك ولكن لانها وجدت في حياة الرجال نوعا من العلاقات التي ما زالت تعامل بشيء من الارتياب، لاننا لم نألف بعد مودة الزمالة كعلاقة انسانية، ولا تقتصر المشكلة على ذلك، وانما تتعداها الى وجود الزميلة الدائمة مع الزوج كل يوم، ولمدة ساعات، والزميلة غالبا ما تذهب الى عملها في مظهر انيق جذاب، وغالبا ما تظهر اجمل ما في طباعها. الابتسامة المشرقة، والكلمة الطيبة الحلوة، والمعاملة الرقيقة والزمالة بمرور الايام ترفع الكلفة، وتدعو الى التبسيط ويجد الرجل لدى زميلته اذنا صاغية، تنصت باهتمام الى همومه وتحاول ان تخفيها عنه، وتشترك معه في حل مشكلاته، وتتبلور هذه الماساة، اذا كان يفتقد هذه الصورة المشرقة المتكاملة، التي تبدو عليها الزميلة في زوجته، انه حينئذ يقارن ويندم ويجزع، ويحيل حياته وزوجته الى جحيم، ولذلك فعلى الزوجة ان تتذكر دائما، وجود هذه الزميلة في حياة زوجها وان تحرص على ان تمنح زوجها اضعاف ما يمكن ان تمثله الزميلة في حياته (3)
----------------------
نساء في حياة زوجك" تحقيق سعاد حلمي - مجلة حواء، العدد 758/3 ابريل1971.
ومن الطريف ان رسام المجلة، حرص على ان يزين التحقيق برسم معبر، ويضمن صورة مكبرة لزوج تحتها صور لمجموعة من النساء، فيهن الجالسة على الكرسي والماشية بمحفظة الشغل والمستلقية على الشاطئ بتبان السباحة، وذات الوقفة الرصيفية المشهورة. ومن الأظرف ان الرسام حرص ان يجعل عددهن ستا، متجاوزا بذلك نصاب التعدد المعروف، وكانه يريد ان يقول انا اعراف العصر يبيح للرجل اكثر من اربع.
--------------------
الا ن الملاحظ ان الكاتبة لم تستقص كل النماذج لانه، بقي عليها نموذج مرؤوسة الزوج في العمل، تلك المراة التي له عليها من سلطان التبعية، ما ليس له على زوجته، بمقتضى القوامة الزوجية لانه يملك تشغيلها واداء اجرتها وترقيتها، ويملك ايضا طردها اذا اساءت، ولو بالكلام ولا تدخل عليه الا وهي في اكمل زينتها المثيرة، ولا تخاطبه الا بالتأدب الواجب للخادم على مخدومه، ولو كانت تحمل اعلى الشهادات، وكان هو من اجهل الجهال، وتقتضي اعراف العصر، كما هو معلوم ان يكون لكل زوج بقدر ما يرتقي في عمله، اكثر من مرؤوسة من هذا النوع(4).

وربما جاز ان نظيف نموذجا اخر هو رئيسة الزوج في العمل، أي النموذج المعكوس فهذه المراة الرئيسة تثير ايضا مخاطر على بيت الزوجية، اذ ان بعض الازواج في اروبا، يشكون من انهم كانوا ضحية لهذا النوع من النساء وهناك فضائح من هذا القبيل معروضة في وسائل الاعلام، وربما وصلت الى المحاكم ايضا.
ربما جاز ايضا ان نستدرك الحالة المقابلة او المناظرة لحالة الزوجة، من حيث ان ما يقع لها، يمكن ان يقع لزوجها كذلك. فقياسا على هذا، فانه يرد بالحاح نفترض مثال زميل العمل الذي يقتحم على الزوجة العاملة او الموظفة حياتها الزوجية، ويابى الا ان يفرض عليها نفسه لذات الاسباب، التي سردتها الكاتبة، عن زميلة العمل، أي الابتسامة المشرقة، والكلمة الطيبة الحلوة، والاذن الصاغية للهموم والمشاكل، والاستعداد للنجدة والتعاون وغير ذلك من "الفضائل" الناتجة عن كون زميل العمل يحرص كذلك على ان يتكلفها، ويتقرب الى زميلته بكل سلوك طيب.

ولدينا في هذا الجانب كذلك شواهد مؤيدة، نورد احدها، وان كنا نعتقد انه مفهوم بالبداهة، والشاهد يتعلق بزوجة تتحدث عن واقعة حدثت لها مع زميل العمل، وتعطينا من التفاصيل والصراحة ما يجعلنا في مواجهة وقائع زاخرة بكثير من المغازي والعبر.
تقول الزوجة حاكية عن نفسها: " انا زوجة اعمل باحدى الشركات، ويعمل معي في الشركة شاب اعتبره رجلا مثاليا، جذبني اليه بادبه وذوقه ورقته، فحفظت له اعظم تقدير، وكانت نظراتي اليه كلها نظرات اعجاب بشخصه ذات مرة سالت نفسي ماذا وراء نظراتي له. انني احب زوجي حبا جما واقدس حياتي الزوجية ولا ينقضي شيء في الدنيا وزوجي يحتفظ لي بكل حب ومودة وتقدير، فما معنى هذه النظرات: التي لا أستطيع ان اوقفها عند حد؟ !"
--------------------
انظر كتاب ( الولاية في الزواج)، لكاتبه، ط. المكتبة الجامعية 1416-1995، ص 108 وما بعدها.
-------------------
لم أستطيع الاجابة على هذا السؤال، ولكني كلما نظرت اليه شعرت بالراحة والحنين، شعرت بانه انسان طيب، استطيع ان اتخذه صديقا، احكي له مشاكلي وعذابي وآلامي . لقد فكرت في هذا الوضع واصبحت اقضي الساعات الطوال، افكر فيه وفي نظراته، التي لم اعد استغنى عنها ... ماذا افعل وقد اصبحت احب عملي من اجل ان اراه وانظر اليه (5)
اننا امام واقعة نموذجية جامعة، وامام اعتراف صريح، يقول كل شىء وفيه من العبر ما هو جدير بالتامل والتفكير.
واغرب هذه العبر، اننا نرى زوجة تميل لغير زوجها، لا عن نية اجرامية، بل عن نية حسنة منبعثة من الاعجاب باخلاق زميلها، الذي لا يقصر في توقيرها واحترامها، وهو اعجاب، يبدو مشروعا ، كما ان هذا الزميل من جانبه لا يضمر لها اية نية خبيثة تدل على انه يسعى الى اغوائها وافسادها على زوجها.

ويحصل هذا الميل لا لكونها تشكو من نقص في زوجها، ولا لكمال وجدته في زميلها، لانها صارحتنا بانها تعيش حياة زوجية سعيدة، وتحظى لدى زوجها بمعاملة فيها كل ما تتمناه الزوجة في قرينها من حب ومودة!
وهنا نجد انفسنا امام غريبة اخرى، هي ان الزوجة عاجزة على ان تحب زوجها وتخلص له، رغم انها  تحبه، وعاجزة على ان تجد الانس في بيتها، رغم انها سعيدة فيه! وقد كشفت لنا عن هذا حين لم تخف انها اصبحت تحب عملها ووجودها بمكانه، من اجل ان ترى زميلها فقط!

وهنا نجد انفسنا كذلك امام زوجة  توشك ان تسقط، وتدمر حياتها وحياة قرينها المخلص لها، من غير ان يكون لديها نية سابقة للخطيئة والاجرام، ومن غير ان يكون شيء من ذلك، لدى زميلها المرشح لان يكون شريكها في الخيانة، بحيث يمكن ان نقول انهما معا ضحية لهذه الزمالة المؤنسة، التي فرضتها اعراف العصر، وما فيها من فرض للتعاطف، لابد ان تفتن كل زوجة عن زوجها، وكل زوج عن زوجته!(6)
----------------------
(55) مشكلة حب، الدكتور مصطفى محمود سلسلة اقرأ، ط، الثانية ص 144.
وهذا ما يؤكد ما سبق ان قلناه وكررناه وهو ضرورة ترشيد عمل المرأة، من حيث النوع والكيف والطريقة تلافيا لهذه العواقب المرة.
ولا يجوز أبدا ان نتمادى في مجاراة الغربيين في استعمال المرأة، من غير وقايات ضرورية لحفظ الزواج في وجوده وبقائه، لأنهم ينطلقون من ( نظام عام) لا يعترف بالعرض والزواج والتزامات الأسرة، ولا يرى قادحا في أمانة الزوج والزوجة، ان يتبادلا الخيانة، مهما كانت العواقب وتجاهلنا لهذا لابد ان يسقطنا في عاقبة في غاية القبح والنشاز، هي ان نأخذ من الغربيين كل انحلالهم المعروف، من غيران نأخذ شيئا من تقدمهم الصناعي وتفوقهم الاقتصادي، لان من المعلوم انهم لا يضعون قيودا على تصدير انحلالهم ولا يشرطون علينا ثمنا لاستيراده وتقليدهم فيه على خلاف القيود والأثمان الباهظة التي يشترطونها للانتفاع بمعلومهم وخبراتهم في الصناعة والاقتصاد. ولذا ترانا اليوم نزداد إيغالا في انحلالهم، بقدر ما نزداد ابتعادا عنهم في تقدمهم التكنولوجي وتفوقهم الاقتصادي لنسقط في تلك الحالة الشاذة التي سبق ان عبر عليها الشاعر القديم ( بالكفر والإفلاس) وعبر عنها اللسان الشعبي بحالة ( مزاليط اليهود).
-------------------------
ان العاقل لابد ان يصل إذا استعمل فكره بأمانة، الى ان الإسلام أصاب الحق كله، حين نظر بسوء الظن والارتياب، إلى هذه الزمالة والصداقة بين الزوجة وغير زوجها، وبين الزوج وغير زوجته وحرص على ان يعاملها بخشونة، ويحرمها بصراحة بضوابطه وقيوده المعروفة في العلاقة بين الجنسين.
ولابد كذلك ان يدرك حين يقارن ويوازن ان رأى الإسلام معلل بواقع لا مهرب منه، وهو اننا أمام خيارين لا بديل له، فاما ان نضحي بهذه الزمالة بكل لطائفها، لأجل استبقاء الزواج، بكل آثاره المعروفة، ومنها ان يعرف كل إنسان من هو أبوه، واما ان نستبقيها ونضحي بالزواج بكل العواقب المرة لذلك، ومنها ان يكون فراش الزوجية مباحا لكل من تستلطفه الأهواء!

وبالمناسبة نقول مضيفين شواهد أخرى، ان الغربيين درسوا المشكلة ومازال ويدرسونها، أنجزوا فيها أبحاثا موثقة بالشهادات والمعاينات الحية، واخرما اطلعت عليه من ذلك مقالا نشرته إحدى المجلات الاجنبية عن الأسباب التي تدفع الأزواج الى "الانسحاب من بيت الزوجية" ورد فيه ضمن عدة أشياء حقيقية تعزز ما سلف، وهي انه تبين من خلال استطلاع شخصي عن "المرأة الاخرى" التي يستغني بها الزوج عن قرينته ان العلاقة معها، تكون في اغلب الحالات، مجرد صداقة بريئة، تتحول بعد حين الى علاقة محرمة يزهد بها الزوج في بيت الزوجية.

(4)
نلاحظ من ثم، ان وجود هذه البدائل النسوية، التي تضعها الحضارة الاوربية أمام الازواج، لابد ان يفسد الحياة الزوجية، سواء استمرت او انقطعت بالطلاق. فحتى في الحالة التي يبقى فيها الزوج مرتبطا بزوجته، لسبب ما، فان حياتهما الزوجية تكون فاقدة لسرها وروحها، وتكون الزوجة فاقدة للاهتمام من قرينها، الذي يظل عقله وقلبه مسكونين بالبدائل الكثيرة التي  يصادفها في كل طريق وتظل الزوجة منفية من حياته، مفارقة له بدون طلاق!

والسر ان هذا يخلق في نفسه دواعي للنفور من بيت الزوجية، ويحرره من ذلك الاضطرار، الذي يجب ان يشعر به كل زوج، لكي ينجذب الى شريكة حياته، ويحصل الارتباط والتماسك بينها، في السراء والضراء، والا كان مستعدا لان يكرهها لأتفه عيب، بل من غير عيب، وان يخاصمها لأتفه سبب، بل من غير سبب، وكان غير مستعد لان يقوم بما يجب عليه، من الصبر على عوارضها البشرية.
وهنا يصبح بيت الزوجية، بكل ما فيه من المزايا، المادية والمعنوية، فاقدا لقيمته لدى الزوج، مزهودا فيه منه، على النحو الذي يفقد به أي انسان الحوافز الضرورية لاتقان عمله، حين يكون غير مضطر الى الاجر الذي ياخذه عنه .

وكما هو واضح من المثال فان القضية تتعلق باحد النواميس الازلية الكونية، التي تقوم عليها كل العلاقات الانسانية، فالاضطرار ركن في قيام كل معاملة اجتماعية. فلولاه لما اقدم اثنان على ابرام عقد، لان اللقاء بينهما لا يمكن ان يتم الا اذا سبقه احتياج كل منهما للاخر. فالاستغناء سبب للطغيان وما ينتج عنه من جور وعقوق وقطعية، ولعل هذا من مدلول الاية القرآنية الكبرى: { كلا ان الانسان ليطغى، ان راه استغنى }(7).
واذا كان هذا الاضطرار ضروريا في كل المعاملات، فان عقد الزواج اشد تطلبا له من كل ما عداه، لانه عقد من نوع خاص، يتميز بكون كل طرف فيه، هو نفسه موضوعه او محله. فالرجل يعقده على المراة والمراة  تعقده على الرجل، وكل منهما يحوز قرينه لاستهلاكه، بنية التابيد. ولعل هذا ايضا من مدلول الاية القرآنية: { هن لباس لكم وانتم لباس لهن} (8).

وكما قلنا، وكما هو واضح ، فان البيئة الاجتماعية العصرية، التي صنعتها الحضارة الاوربية وصدرتها، افرغت الحياة الزوجية من هذا العنصر المهم. وكما هو واضح ايضا، فان الاسلام لم يكن يهدف من محرماته المعروفة المضيقة من الحريات التي جاءت بها الحضارة العصرية، الى ان يتعسف على الناس، ويحرمهم من نفع مشروع، لان غايته من كل ما شرعه وفرضه في ذلك، هو استبقاء هذا الاضطرار، الذي لابد منه لتماسك الاسرة ، لانه يشبه تماما القوة الجاذبة التي نعلم انها ضرورية لتماسك الاجرام السماوية.

ومن هنا ندرك السبب الذي يبطل العجب، في ان الحضارة الاوربية، بكل مهاراتها وعبقريتها في الضبط والاتقان والتنظيم والاحسان، عجزت تاما، عن اقامة "مؤسسة الاسرة" وترسيخها، على النحو الذي اقامت مؤسساتها الاجتماعية والقانونية المشهورة.
لقد كان القياس يقتضي ان يقدم لنا الغربيون بيتا للزوجية نموذجيا، يكون مضرب المثل في النقاء والوفاء والانضباط والاستقرار، على النحو الذي قدموا لنا به البرلمان المثالي والادارة المثالية والمحكمة المثالية، وحتى السجن المثالي، فاذا بنا لا نرى في بيت الزوجية الاوربي الا نموذجا منحطا لأسوا ما سقطت فيه البشرية ، في كل جاهليتها لما قبل التاريخ وما بعده، في وقت كانت فيه معذورة بالجهل، والحال ان الزواج كان اولى بكل ما لديهم من عبقريات في التنظيم والاحكام، لان الاسرة قوام الانسان الذي يميزه عن الانواع الاخرى من الحيوان (8).
--------------------
الاية 6 من سورة العلق.
الاية 187 من سورة البقرة.
--------------------
وطالما اعطت هذه المفارق الشاذة مفارقات اخرى من جنسها. فهناك امثلة كثيرة من هذا، لا يسع العاقل حين يتاملها، الا ان يتشكك في كل "القيم الحضارية"، التي تفخر بها اوروبا اليوم. فمما هو مجرب ان من يعيش هناك، يجد من الصعب عليه ان يخرق القانون او يغش في معاملاته مع الناس، ابتداء من ضوابط السير وشراء غذائه اليومي من البقر، الى الصفقات التجارية الضخمة لان هناك انضباطا قانونيا يمارسه الجميع بانتظام، اصبح عادة وطبيعة ثانية .

وبقدر ما يسر الانسان بهذا ويمتلئ به اعجابا، فانه لابد ان يقف حائرا متعجبا، حين يكتشف ان هذه القاعدة المطردة،، تنعكس فجاة، فيما يخص اجل عقد يبرمه الانسان، اذ ان من يختار ان يتعاقد مع امراة لتكون له زوجة، سيجد ان هذه" البيئة المثالية"، في كل معاملاتها، تعطيه شتى الفرص ليخرق شريعة المتعاقدين في عقد الزواج، ويقيم علاقات محرمة مع غير قرينته، ويسرف في ذلك ما شاء له هواه، من غير ان يناله تثريب من المجتمع، او عقاب من الدولة.

واذا كان هذا مثالا يقوم على الفرض الاحتمالي، فان فيما يقع بالفعل نماذج حية جديرة بالذكر. نحكي منها ما جرى في احدى الدول الاروبية الملكية النظام، حيث قرا الناس في صحافتها ان شرطة المرور استوقفت ذات يوم ولي العهد فيها، بسبب افراطه في السرعة وعاقبته بغرامة، من غيران يشفع له حسبه ونسبه ومركزه في الدولة. وزادت الصحف فروت الخبر بشيء من التشنيع على الامير، ينطوي على توبيخ، زاده عقابا على عقاب.

وهذا من المثاليات الاوربية التي تثير الاعجاب حقا، الا ان هذا الامير المرشح لاعلى كرسي في بلاده، هو نفسه الذي صارح الصحافة ذات يوم، والراي العام من خلالها، بان له علاقات شرعية مع غير زوجته، دون ان يخشى متابعة او عقابا، ولو من نوع تلك الغرامة، التي اداها عن مخالفته لضوابط السير، ودون ان يرهب سخطا من الراي العام، يجر العرش من تحته .
وهنا نجد مثالا اخر لذلك النشاز القبيح، الذي يقول مرة اخرى،انه لابد ان يحمل كل عاقل على ان يتشكك في كل الفضائل الحضارية، التي تفخر بها اوربا، اذ اننا نعاين فيه ان خرق ضوابط السير، اخطر عند القوم هناك، من خرق عهود الزواج وضوابطه الامرة، بكل جلالها المعروف، الا ترى في هذا ان العلمانية جنون حقيقي، يفقد الانسان التمييز في اخطر ما يجب فيه التمييز؟ !

(5)
ونعود الى ذلك التحقيق الذي بدانا به، لنلاحظ ان مما يثير الانتباه ان الكاتبة توصي الزوجة ناصحة لها بصراحة، بان تعتبر وجود زميلة العمل، ومزاياها وسلطانها على زوجها، امرا واقعا لا مفر منه، وان تحرص من جانبها على ان تمنحه اضعاف ما يمكن ان تقدمه او تمثله الزميلة!
ولكن هل في استطاعة الزوجة ان تدخل هذه المنافسة؟ انه تكليف بما لا يطاق، لانها شخص آدمي يتقادم بمرور الايام، وزميلة العمل، شيء اخر كالشخص المعنوي، يتالف من شخصيات نسوية متنوعة، بل تتجدد وتتعدد ولا تذبل ولا تشيح .

وهذا يحتم على الزوجة لكي تنجح في المنافسة، ان تجمع في شخصا الضعيف، بين شخصية  الخادمة المطيعة، والجارية المملوكة والمربية والطبيبة التي تنصت للمشاكل الجسدية والروحية، وتقدم العلاج والحلول المفرجة للهموم، الى غير ذلك من النماذج النسوية، التي تضعها الحياة العصرية تحت تصرف الزوج كل يوم !
وهذا كله زيادة على شخصية عارضة الازياء الانيقة الفاتنة، التي تحرص على الظهور باحدث ما دفعته دور الازياء، من زخارف وبهارج، وربما وجب ان نضيف كذلك شخصية الفنانة ( الراقصة او الممثلة) التي تفرج وترفه، وتمسح الهموم، بما تقدمه من " الفنون الجميلة".

وتذكرني هذه " الوصفة" باخرى سبق ان ظهرت في كتاب في الموضوع، تداولت محتوياته الصحف منذ سنوات، ينصح فيه مؤلفه الزوجة بان تكون "عشيقة زوجها" باعتبار ذلك الوسيلة المثلى لصرفه عن الالتفات لغيرها.
وهذا يقضي من الزوجة ان تمثل امام الزوج، دور الفاتنة اللعوب، التي تنحصر كل مواهبها وخبراتها، في اغراء الرجال واغوائهم وارضاء الجانب الحيواني في طبيعتهم.

وحتى اذا جاز ان نعد هذه الوصفات والنصائح ممكنه ومطاقه، أليس فيها اعتداء على حرمة المراة وكرامتها، من حيث كونها انسانا، وعلى حقوقها من حيث كونها زوجة وشريكة للزوج في حياته، يجب عليه ان يتقبلها بحالتها بمحاسنها وعيوبها معا، أليس مما يهين الزوجة وام الاولاد، ويهدر حرمتها، ان تلزمها بان تكتم غيظها وتكبت همومها، وتتحمل نزق نزوجها، لتظل دائما مستعدة لارضائه واشباع نزاواته، تلافيا لان تنافسها فيه النساء اللاتي في حياته، من تلك النماذج التي تحدثت عنها الكاتبة وغيرها؟ !

ويقتضي المقام ان ناتي بمقارنة بين هذه "الوصايا العصرية" وما وضعه الاسلام من حلول وقائية، وعلاجية في هذا الجانب، ولعل الكثيرين والكثيرات سيفاجأون بان الاسلام، ذهب الى عكس ما جاء في هذه الوصايا، فالقى العبء كله واغلبه على الازواج، حيث اوصاهم بالصبر على مساوئ الزوجات، وكل النقائص البشرية، التي من شانها ان تجعلهم يفكرون في البحث عن البديل الاحسن، واعدا اياهم بالخير الكثير، على اساس فضيلة توجب الثواب.

ورد هذا في نص قراني صريح هو الاية الكريمة: { فان كرهتموهن فعسى ان تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا } (10)
وزاد الاسلام على هذا فحرم على الزوج ان يلتفت الى امراة اخرى، ولو بنظرة عين، كما نقرا الاية الكريمة: {قل للمؤمنين يغضوا من ابصارهم } (11) واعتبر امتثال هذا الامر، من الحسنات العظيمة، التي تعدل ثواب الجهاد، حسبما يفهم من بعض الاحاديث الشريفة، كما عد مخالفته من المعاصي المذمومة، حتى ذهبت بعض الاحاديث النبوية، الى عد هذه النظرية المربية الى المرأة بمجردها، نوعا من الزنى، أي الخيانة الزوجية، بعبارة العصر!
ولا يجوز أبدا ان نتمادى في مجاراة الغربيين في استعمال المرأة، من غير وقايات ضرورية لحفظ الزواج في وجوده وبقائه، لأنهم ينطلقون من ( نظام عام) لا يعترف بالعرض والزواج والتزامات الأسرة، ولا يرى قادحا في أمانة الزوج والزوجة، ان يتبادلا الخيانة، مهما كانت العواقب وتجاهلنا لهذا لابد ان يسقطنا في عاقبة في غاية القبح والنشاز، هي ان نأخذ من الغربيين كل انحلالهم المعروف، من غيران نأخذ شيئا من تقدمهم الصناعي وتفوقهم الاقتصادي، لان من المعلوم انهم لا يضعون قيودا على تصدير انحلالهم ولا يشرطون علينا ثمنا لاستيراده وتقليدهم فيه على خلاف القيود والأثمان الباهظة التي يشترطونها للانتفاع بمعلومهم وخبراتهم في الصناعة والاقتصاد. ولذا ترانا اليوم نزداد إيغالا في انحلالهم، بقدر ما نزداد ابتعادا عنهم في تقدمهم التكنولوجي وتفوقهم الاقتصادي لنسقط في تلك الحالة الشاذة التي سبق ان عبر عليها الشاعر القديم ( بالكفر والإفلاس) وعبر عنها اللسان الشعبي بحالة ( مزاليط اليهود).
-------------------------
ان العاقل لابد ان يصل إذا استعمل فكره بأمانة، الى ان الإسلام أصاب الحق كله، حين نظر بسوء الظن والارتياب، إلى هذه الزمالة والصداقة بين الزوجة وغير زوجها، وبين الزوج وغير زوجته وحرص على ان يعاملها بخشونة، ويحرمها بصراحة بضوابطه وقيوده المعروفة في العلاقة بين الجنسين.
ولابد كذلك ان يدرك حين يقارن ويوازن ان رأى الإسلام معلل بواقع لا مهرب منه، وهو اننا أمام خيارين لا بديل له، فاما ان نضحي بهذه الزمالة بكل لطائفها، لأجل استبقاء الزواج، بكل آثاره المعروفة، ومنها ان يعرف كل إنسان من هو أبوه، واما ان نستبقيها ونضحي بالزواج بكل العواقب المرة لذلك، ومنها ان يكون فراش الزوجية مباحا لكل من تستلطفه الأهواء!

وبالمناسبة نقول مضيفين شواهد أخرى، ان الغربيين درسوا المشكلة ومازال ويدرسونها، أنجزوا فيها أبحاثا موثقة بالشهادات والمعاينات الحية، واخرما اطلعت عليه من ذلك مقالا نشرته إحدى المجلات الاجنبية عن الأسباب التي تدفع الأزواج الى "الانسحاب من بيت الزوجية" ورد فيه ضمن عدة أشياء حقيقية تعزز ما سلف، وهي انه تبين من خلال استطلاع شخصي عن "المرأة الاخرى" التي يستغني بها الزوج عن قرينته ان العلاقة معها، تكون في اغلب الحالات، مجرد صداقة بريئة، تتحول بعد حين الى علاقة محرمة يزهد بها الزوج في بيت الزوجية.

(4)
نلاحظ من ثم، ان وجود هذه البدائل النسوية، التي تضعها الحضارة الاوربية أمام الازواج، لابد ان يفسد الحياة الزوجية، سواء استمرت او انقطعت بالطلاق. فحتى في الحالة التي يبقى فيها الزوج مرتبطا بزوجته، لسبب ما، فان حياتهما الزوجية تكون فاقدة لسرها وروحها، وتكون الزوجة فاقدة للاهتمام من قرينها، الذي يظل عقله وقلبه مسكونين بالبدائل الكثيرة التي  يصادفها في كل طريق وتظل الزوجة منفية من حياته، مفارقة له بدون طلاق!

والسر ان هذا يخلق في نفسه دواعي للنفور من بيت الزوجية، ويحرره من ذلك الاضطرار، الذي يجب ان يشعر به كل زوج، لكي ينجذب الى شريكة حياته، ويحصل الارتباط والتماسك بينها، في السراء والضراء، والا كان مستعدا لان يكرهها لأتفه عيب، بل من غير عيب، وان يخاصمها لأتفه سبب، بل من غير سبب، وكان غير مستعد لان يقوم بما يجب عليه، من الصبر على عوارضها البشرية.
وهنا يصبح بيت الزوجية، بكل ما فيه من المزايا، المادية والمعنوية، فاقدا لقيمته لدى الزوج، مزهودا فيه منه، على النحو الذي يفقد به أي انسان الحوافز الضرورية لاتقان عمله، حين يكون غير مضطر الى الاجر الذي ياخذه عنه .

وكما هو واضح من المثال فان القضية تتعلق باحد النواميس الازلية الكونية، التي تقوم عليها كل العلاقات الانسانية، فالاضطرار ركن في قيام كل معاملة اجتماعية. فلولاه لما اقدم اثنان على ابرام عقد، لان اللقاء بينهما لا يمكن ان يتم الا اذا سبقه احتياج كل منهما للاخر. فالاستغناء سبب للطغيان وما ينتج عنه من جور وعقوق وقطعية، ولعل هذا من مدلول الاية القرآنية الكبرى: { كلا ان الانسان ليطغى، ان راه استغنى }(7).
واذا كان هذا الاضطرار ضروريا في كل المعاملات، فان عقد الزواج اشد تطلبا له من كل ما عداه، لانه عقد من نوع خاص، يتميز بكون كل طرف فيه، هو نفسه موضوعه او محله. فالرجل يعقده على المراة والمراة  تعقده على الرجل، وكل منهما يحوز قرينه لاستهلاكه، بنية التابيد. ولعل هذا ايضا من مدلول الاية القرآنية: { هن لباس لكم وانتم لباس لهن} (8).

وكما قلنا، وكما هو واضح ، فان البيئة الاجتماعية العصرية، التي صنعتها الحضارة الاوربية وصدرتها، افرغت الحياة الزوجية من هذا العنصر المهم. وكما هو واضح ايضا، فان الاسلام لم يكن يهدف من محرماته المعروفة المضيقة من الحريات التي جاءت بها الحضارة العصرية، الى ان يتعسف على الناس، ويحرمهم من نفع مشروع، لان غايته من كل ما شرعه وفرضه في ذلك، هو استبقاء هذا الاضطرار، الذي لابد منه لتماسك الاسرة ، لانه يشبه تماما القوة الجاذبة التي نعلم انها ضرورية لتماسك الاجرام السماوية.

ومن هنا ندرك السبب الذي يبطل العجب، في ان الحضارة الاوربية، بكل مهاراتها وعبقريتها في الضبط والاتقان والتنظيم والاحسان، عجزت تاما، عن اقامة "مؤسسة الاسرة" وترسيخها، على النحو الذي اقامت مؤسساتها الاجتماعية والقانونية المشهورة.
لقد كان القياس يقتضي ان يقدم لنا الغربيون بيتا للزوجية نموذجيا، يكون مضرب المثل في النقاء والوفاء والانضباط والاستقرار، على النحو الذي قدموا لنا به البرلمان المثالي والادارة المثالية والمحكمة المثالية، وحتى السجن المثالي، فاذا بنا لا نرى في بيت الزوجية الاوربي الا نموذجا منحطا لأسوا ما سقطت فيه البشرية ، في كل جاهليتها لما قبل التاريخ وما بعده، في وقت كانت فيه معذورة بالجهل، والحال ان الزواج كان اولى بكل ما لديهم من عبقريات في التنظيم والاحكام، لان الاسرة قوام الانسان الذي يميزه عن الانواع الاخرى من الحيوان (8).
--------------------
الاية 6 من سورة العلق.
الاية 187 من سورة البقرة.
--------------------
وطالما اعطت هذه المفارق الشاذة مفارقات اخرى من جنسها. فهناك امثلة كثيرة من هذا، لا يسع العاقل حين يتاملها، الا ان يتشكك في كل "القيم الحضارية"، التي تفخر بها اوروبا اليوم. فمما هو مجرب ان من يعيش هناك، يجد من الصعب عليه ان يخرق القانون او يغش في معاملاته مع الناس، ابتداء من ضوابط السير وشراء غذائه اليومي من البقر، الى الصفقات التجارية الضخمة لان هناك انضباطا قانونيا يمارسه الجميع بانتظام، اصبح عادة وطبيعة ثانية .

وبقدر ما يسر الانسان بهذا ويمتلئ به اعجابا، فانه لابد ان يقف حائرا متعجبا، حين يكتشف ان هذه القاعدة المطردة،، تنعكس فجاة، فيما يخص اجل عقد يبرمه الانسان، اذ ان من يختار ان يتعاقد مع امراة لتكون له زوجة، سيجد ان هذه" البيئة المثالية"، في كل معاملاتها، تعطيه شتى الفرص ليخرق شريعة المتعاقدين في عقد الزواج، ويقيم علاقات محرمة مع غير قرينته، ويسرف في ذلك ما شاء له هواه، من غير ان يناله تثريب من المجتمع، او عقاب من الدولة.

واذا كان هذا مثالا يقوم على الفرض الاحتمالي، فان فيما يقع بالفعل نماذج حية جديرة بالذكر. نحكي منها ما جرى في احدى الدول الاروبية الملكية النظام، حيث قرا الناس في صحافتها ان شرطة المرور استوقفت ذات يوم ولي العهد فيها، بسبب افراطه في السرعة وعاقبته بغرامة، من غيران يشفع له حسبه ونسبه ومركزه في الدولة. وزادت الصحف فروت الخبر بشيء من التشنيع على الامير، ينطوي على توبيخ، زاده عقابا على عقاب.

وهذا من المثاليات الاوربية التي تثير الاعجاب حقا، الا ان هذا الامير المرشح لاعلى كرسي في بلاده، هو نفسه الذي صارح الصحافة ذات يوم، والراي العام من خلالها، بان له علاقات شرعية مع غير زوجته، دون ان يخشى متابعة او عقابا، ولو من نوع تلك الغرامة، التي اداها عن مخالفته لضوابط السير، ودون ان يرهب سخطا من الراي العام، يجر العرش من تحته .
وهنا نجد مثالا اخر لذلك النشاز القبيح، الذي يقول مرة اخرى،انه لابد ان يحمل كل عاقل على ان يتشكك في كل الفضائل الحضارية، التي تفخر بها اوربا، اذ اننا نعاين فيه ان خرق ضوابط السير، اخطر عند القوم هناك، من خرق عهود الزواج وضوابطه الامرة، بكل جلالها المعروف، الا ترى في هذا ان العلمانية جنون حقيقي، يفقد الانسان التمييز في اخطر ما يجب فيه التمييز؟ !

(5)
ونعود الى ذلك التحقيق الذي بدانا به، لنلاحظ ان مما يثير الانتباه ان الكاتبة توصي الزوجة ناصحة لها بصراحة، بان تعتبر وجود زميلة العمل، ومزاياها وسلطانها على زوجها، امرا واقعا لا مفر منه، وان تحرص من جانبها على ان تمنحه اضعاف ما يمكن ان تقدمه او تمثله الزميلة!
ولكن هل في استطاعة الزوجة ان تدخل هذه المنافسة؟ انه تكليف بما لا يطاق، لانها شخص آدمي يتقادم بمرور الايام، وزميلة العمل، شيء اخر كالشخص المعنوي، يتالف من شخصيات نسوية متنوعة، بل تتجدد وتتعدد ولا تذبل ولا تشيح .

وهذا يحتم على الزوجة لكي تنجح في المنافسة، ان تجمع في شخصا الضعيف، بين شخصية  الخادمة المطيعة، والجارية المملوكة والمربية والطبيبة التي تنصت للمشاكل الجسدية والروحية، وتقدم العلاج والحلول المفرجة للهموم، الى غير ذلك من النماذج النسوية، التي تضعها الحياة العصرية تحت تصرف الزوج كل يوم !
وهذا كله زيادة على شخصية عارضة الازياء الانيقة الفاتنة، التي تحرص على الظهور باحدث ما دفعته دور الازياء، من زخارف وبهارج، وربما وجب ان نضيف كذلك شخصية الفنانة ( الراقصة او الممثلة) التي تفرج وترفه، وتمسح الهموم، بما تقدمه من " الفنون الجميلة".

وتذكرني هذه " الوصفة" باخرى سبق ان ظهرت في كتاب في الموضوع، تداولت محتوياته الصحف منذ سنوات، ينصح فيه مؤلفه الزوجة بان تكون "عشيقة زوجها" باعتبار ذلك الوسيلة المثلى لصرفه عن الالتفات لغيرها.
وهذا يقضي من الزوجة ان تمثل امام الزوج، دور الفاتنة اللعوب، التي تنحصر كل مواهبها وخبراتها، في اغراء الرجال واغوائهم وارضاء الجانب الحيواني في طبيعتهم.

وحتى اذا جاز ان نعد هذه الوصفات والنصائح ممكنه ومطاقه، أليس فيها اعتداء على حرمة المراة وكرامتها، من حيث كونها انسانا، وعلى حقوقها من حيث كونها زوجة وشريكة للزوج في حياته، يجب عليه ان يتقبلها بحالتها بمحاسنها وعيوبها معا، أليس مما يهين الزوجة وام الاولاد، ويهدر حرمتها، ان تلزمها بان تكتم غيظها وتكبت همومها، وتتحمل نزق نزوجها، لتظل دائما مستعدة لارضائه واشباع نزاواته، تلافيا لان تنافسها فيه النساء اللاتي في حياته، من تلك النماذج التي تحدثت عنها الكاتبة وغيرها؟ !

ويقتضي المقام ان ناتي بمقارنة بين هذه "الوصايا العصرية" وما وضعه الاسلام من حلول وقائية، وعلاجية في هذا الجانب، ولعل الكثيرين والكثيرات سيفاجأون بان الاسلام، ذهب الى عكس ما جاء في هذه الوصايا، فالقى العبء كله واغلبه على الازواج، حيث اوصاهم بالصبر على مساوئ الزوجات، وكل النقائص البشرية، التي من شانها ان تجعلهم يفكرون في البحث عن البديل الاحسن، واعدا اياهم بالخير الكثير، على اساس فضيلة توجب الثواب.

ورد هذا في نص قراني صريح هو الاية الكريمة: { فان كرهتموهن فعسى ان تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا } (10)
وزاد الاسلام على هذا فحرم على الزوج ان يلتفت الى امراة اخرى، ولو بنظرة عين، كما نقرا الاية الكريمة: {قل للمؤمنين يغضوا من ابصارهم } (11) واعتبر امتثال هذا الامر، من الحسنات العظيمة، التي تعدل ثواب الجهاد، حسبما يفهم من بعض الاحاديث الشريفة، كما عد مخالفته من المعاصي المذمومة، حتى ذهبت بعض الاحاديث النبوية، الى عد هذه النظرية المربية الى المرأة بمجردها، نوعا من الزنى، أي الخيانة الزوجية، بعبارة العصر!
وبهذا الوازع القرآني، كان الواحد من المسلمين يلجا الى الصبر، راجيا ثوابه من الله، حين يكتشف انه غبن في زواجه، بقرينة ذميمة او شريرة، او ناقصة عن المستوى العادي في شيء ما !
ولكن يجب الا ننسى ان هناك ضوابط اخرى تتكامل مع هذه، هي التي ساعدت عل ترسيخ هذا الوازع، وهي كل تلك الوقايات التي فرضها الاسلام بمقتضى ضوابط الحجاب، التي متمنع، في مقدمة ما تمنع، الاختلاط والاختلاء والتبرج. ففي بيئة تحكمها هذه الضوابط، يستحيل ان يكون هناك ظهور لنساء في حياة الزوج، يجدن الفرصة لشغله عن زوجته او عن الزواج كليا !

وهكذا تنتهي بنا المقارنة الى انه في بيئة اسلامية، يستقر فيها هذا الوازع في النفوس، بكل اسبابه ودواعيه الجالبة والمرسخة له، فان الزوجة لن تكون في حاجة لمن يعلمها كيف تجتهد، لمنافسة صاحبة الحب الاول، وصاحبة التجربة الاولى وزميلة العمل وغيرهن، لان المجال سيخلو لربة البيت وحدها من غير منافس، وستعجز حتما زميلة العمل، بكل جلالها وجمالها، عن ان تكون امرا واقعا لا مفر من تقبله ومعايشته كما اوصت الكاتبة صاحبة التحقيق !

(6)
من هنا نرى ان تقييد الطلاق بجعله قضائيا على اساس انه سيجد من تعسف الازواج في استعماله علاج عقيم، لانه ليس الا سعيا لعلاج عرض الداء، من غير اهتمام بسببه الفاعل، الذي لا يزول الا بزواله.
فكما ان هذا يعد خطا طبيا في علاج الاجساد، فانه لابد ان يكون خطا اجتماعيا قبيح العاقبة، حين نتخذه وسيلة العلاج والاصلاح، في هذا الجانب الدقيق من حياتنا الاجتماعية، لان الضوابط التي تحكم العلاج واحدة، في الجانب الصحي والجانب الاجتماعي من غير فرق!
-----------------------
10- سورة النساء الاية 19.
11- الاية 30 من سورة النور.
---------------------
فماذا يجدي ان نقيد الزوج باجراء او حكم قضائي، قبل ان يصح طلاقه ويصبح نافذا، اذا كان محققا ان نية الطلاق لم تنبت في ذهنه، الا بعد ان انصرف بكل كيانه الى امراة اخرى، هي التي حملته على اقالة ربة البيت قبل النطق به.
فهناك عامل واقعي جبار، يكمن في وجود منافس يقدم للزوج احسن مما تقدمه الزوجة في كل شيء. ولنتذكر ما نقلناه قبل عن الكاتبة التي حللت الموضوع وتحدثت عن بعض النماذج من النساء، التي تظل تسكن ذهن الزوج، وتكيف علاقته بشريكة حياته، ولنتصور الزوج يخرج من بيته بواجباته والتزاماته  المستقلة ليجد هذه النماذج خارجه فارضة نفسها ويجد فرص التفاعل معها وافرة، في ميدان شغله وعمله، حيث المرافقة والخلوة مباحة الى ابعد الحدود !

فاي فائدة ترجى من ان نغل لسان الزوج عن النطق بالطلاق، اذا كان هذا العامل الخبيث، سيظل يفعل فعله يوميا، وهو تقبيح زوجته وتضخيم عيوبها، وان لم تكن، وحجب محاسنها التي يعميه عنها الحب القديم والجديد، والزمالة المؤنسة في مرافق العمل، على ذلك النحو الذي وصفته الكاتبة  ! !
اذا كان لا نزاع في اننا ازاء مشكلة تتعلق بالنفس البشرية، وما فيها من رغبات واهواء وطيش، لا تنضبط الا بتدخل زاجر حاسم، على النحو الذي نتدخل به لفطم الاطفال، فان المنطق هاد الى ان العلاج لن يكون الا بازاحة هذه العوامل الجالبة للآفة والفارضة لها، وان كل وسيلة اخرى لن تجدي في شيء، لانها عمل عقيم من قبيل الحرث في البحر واستحلاب الصخر !

ثم ما هي الفائدة المادية من تقييد الطلاق، على هذا النحو، اذا كان اثر ذلك لن يتعدى تعليق نفاذه على حكم المحكمة، وما يسبق ذلك ويتلوه من اجراءات التقاضي المعلومة، والحال ان السبب الحقيقي موجود يفعل فعله، قبل هذا النفاذ، ومن غير ان يتوقف عليه، لان الزوج يكون قد انصرف الى اخرى غير زوجته ( وهو العامل الذي جرأه على السعي لفراقها)، يحوزها وتحوزه، بفضل اعراف العصر، ومقتضيات القانون الوضعي ! !

ان انتظار حكم القاضي والحال كما ذكر، سيضر الزوجة قبل الزوج، الذي سيكون في راحة وهناء، لانه لا وجود لما يمنعه من ان يعود الى "النساء اللواتي في حياته" القديم منهن والجديد، ليربط معهن ما شاء من العلاقات الطارئة او الدائمة، بفضل بيئتنا العصرية، وقوانينها الوضعية التي لا تحرم شيئا من هذا، واعرافها الاجتماعية التي لا تجعل ذلك عيبا مجرحا(12).
--------------------------------
12- مما لا يجوز ان ننساه، وقد كان يفوتنا، ان حكم القاضي البات في الطلاق، سيتطلب زمنا يقدر بالسنوات، لا بالشهور، وان الزوجين سيتعين عليهما خلال هذه المدة، ان يظلا في حالة بين الزواج والطلاق، يزداد بها العداء بينهما، بعد كل جلسة وما يجري فيها، وحتى اذا استهان الزوجان بهذا، فلا يحق لهما ان يتجاهلا عاقبته على الاولاد الذين سيتعين عليهم ان يعيشوا بين ابوين، يجمع بينها العداء والسباب والشتائم . انها عاقبة مرة، لابد من ادخالها في الاعتبار، على كل حال.

بل ان الذي يبدو ان تعليق الطلاق على حكم القضاء ستكون له اثار سلبية على الزواج، ورد فعل سريع، يزيد في صرف الرجال عنه، لان التجارب التي تتوالى لابد ان تجعل كل رجال ميالا الى تفضيل معاشرة من يعرف من النساء، في الحرام، تلافيا لان يرتبط بزواج يثقله بالتزامات يصعب عليه التخلص منه.

بل اني أتوقع ان نشهد من مريدي الزواج، من الرجال انفسهم، جنوحا الى التهرب من توثيقه، ليبقى بدون عقد، بل ربما جعلوا ذلك شرطا على من يخطبونها ( او تخطبهم)، لنرى في العمل، كثرة من الزواج الخالي من الاشهاد الشرعي الضروري لقيامه وسماع الدعوى به، ليتاتى انكاره وانكار اثاره بسهولة !
وهذا احتمال يرجحه امران، اولهما انقراض"مؤسسة الولاية" التي جاءت لحماية المراة بوجود اب او اخ، يفرض الجدية المطلوبة، وصارت المراة هي التي تختار بل هي التي تخطب احيانا، من غير حضور للعائلة بهيبتها المعروفة (13)، وثانيهما ان اعراف العصر وقوانينها تبيح للرجل ان يحوز المراة قبل ابرام الزواج، بل قبل التفكير فيه احيانا.
ان هذين الامرين فرضا على المراة اذعانا ثقيلا، لا حد لقهره، يجعلانها في وضع يشبه  تماما، حالة المتعاقد الذي يبادر الى تنفيذ التزامه قبل توثيق العقد، ليصير مغلول الراي والارادة، لا يملك ان يفرض شرطا من عنده، ولا ان يرفض شرطا من غيره .

(7)
ان المقام يقتضي منا ان نبحث مذهب الاسلام في الطلاق، والمنهج الذي سلكه لتقرير ما قرره فيه، لنعلم انه ما جنى وما تعسف بل اختار السداد والصلاح كله، وتوخى التوسط واجتناب التفريط والافراط.
فاذا استقصينا مذاهب الناس في الطلاق، وجدناها تدور بين طرف يمنعه كليا( الا في حالات ضيقة نادرة)، ليكون الزواج مؤبدا بوجه اجباري، وطرف يبيحه باطلاق، ليكون من حق الزوجين معا على وجه المساواة بينها.
والاول هو ما كان معمولا به في اوربا، تبعا لقوانين الكنيسة، وعلى سبيل المثال، فقط ظل الطلاق ممنوعا في  فرنسا، الى ان جاءت الثورة الفرنسية، سنة 1789، فاجازته وتوسعت في اجازته الى حد كبير(14)، والثاني هو ما تاخذ به الدول العلمانية على اختلاف في التطبيقات، كلها تجنح الى التوسع في اجازته للطرفين.
-----------------
13 - الولاية في الزواج، ص 69 وما بعدها.
14- عقد الزواج في القانون الفرنسي الدكتور عبد الفتاح عبد الباقي. مطبعة نهضة مصر ص 170.
----------------
ولا ريب ان كلا المذهبين متطرف، يحمل كل اضرار التفريط والافراط، لان هناك حالات تستدعي الفراق وانحلال ميثاق الزوجية، لاشك فيها، ولان اباحته للطرفين معا، على وجه المساواة فيه افراط وتوسع، ينافي الاستقرار المطلوب لعقد، هو قطعا اعظم ما يبرمه الانسان في حياته كلها.
فتأبيد الزواج مطلوب مؤكد، ولذلك يجب ان يكون القاعدة القارة، ولكن الالزام به، غير مقبول وغير ممكن عمليا، واباحة الطلاق لها اسبابها المبررة لها، ولكن لا يجوز اتيانها، الا بالمقدار الذي لا يؤدي الى الاخلال، بالاستقرار الذي هو اولى بالرعاية، ولذلك وجب ان يكون استثنائيا.

فالحالة اذن تستدعي حلا، يبقى عن القاعدة والاستثناء معا، مع وضع ضوابط تضمن تضيق الاستثناء، لئلا يرتكبه الطرفان الا في اضيق الحدود.
وهذا هو الحل الوسط الذي اختاره الاسلام، اذ اباح الطلاق بالارادة المنفردة لطرف واحد، فضل ان يكون هو الزوج، لان ردود فعله ازاء عوارض الحياة، اقل حدة، واباحه للمراة ايضا، ولكن بشروط موضوعية وشكلية، بمعنى انه لابد ان يستند الى سبب مقبول، وان يحكم به القاضي.
 وزاد على هذا فكمله بحث الازواج دينيا، على الصبر على المساوئ المحتملة من الزوجة، وعد ذلك من الطاعات، التي يقترب بها المسلم الى ربه، رجاء الاجر والثواب، على ما راينا، مع ترهيبهم من الطلاق، بوصفه بانه ابغض الحلال او المباح عند الله، وهو وصف لابد ان يحمل كل ذي تقوى، على ان يتحرج من الاقدام عليه !

ولا ينقض هذه الوسطية وغاياتها، ان تكون القوانين الوضعية، قد انتهت اخيرا الى جعل الطلاق قضائيا، يتوقف على حكم المحكمة بالنسبة للزوج والزوجة معا، والدليل على ذلك موجود في الواقع، والمقارنة بين حال الزواج عندنا وعندهم، من حيث الاستقرار، فاخضاع الطلاق للقضاء في الغرب، لم يقلل منه، كما ان اباحته للزوج بالارادة المنفردة وحده، لم يرفع وتيرته عندنا، حيث ما زالت نسبته في اوربا وامريكا ، تصل الى ارقام مفزعة بإطراد، بينما مازال عندنا محدودا في عدده.

واذا كنا نلاحظ ان وتيرته اخذت تزداد عندنا في العقود الاخيرة، فان مرجع ذلك بالاساس، الى تقليدنا للاوربيين، في انماط العيش والسلوك، التي تزهد في الزواج وبيت الزوجية، كما قلنا.
واذا قعد الاسلام هذه الضوابط، حرص على ان يضع لها  بيئتها لابد منها، لكي تعمل وتفعل وتوتي نتائجها المرجوة، وهي الحجاب بواجباته ومحرماته المعروفة، التي هي كالتربة للنبات والسكة للقاطرة.
وقد برهنت التجربة الواقعية والتاريخية، على ان هذا هو العلاج الذي لا يغني عنه غيره، فلا احد يستطيع ان يتجاهل الواقع، حين ياتينا بالبرهان والعاقبة المرة، والدليل المادي الذي يفرض نفسه على البادي والحاضر، والعالم والجاهل.

ان التشخيص السليم للحالة، يفيد، كما سلف القول، ان العلاج الذي لا مفر منه لاستقرار الزواج وقيام الاسرة، هو توفير البيئة الذي يضطر فيها الرجل للزواج، فيشعر عندما يبرمه بانه ظفر بشيء ثمين، لا ينال الا بالزواج، فبهذا سيصعب عليه ان يبادر الى الطلاق ، حتى عندما يكون هناك ما يستدعيه، لكونه سيشعر بان تسريح قرينته، سيؤذيه هو نفسه، لانه سيلقى به في فراغ لا يجد له البديل الذي يملاه !

ومعلوم ان حياتنا العصرية، بكل ما فيها من قوانين وضعية، وثقافات وسلوك وانماط للعيش، لا تحقق هذه البيئة الضرورية لاستقرار الزواج، بسبب تلك العوامل التي سبق ان ذكرناها، واهمها وجود اكثر من بديل ينافس الزوجة ويغني عنها، في كل الماديات والمعنويات المطلوبة في الحياة الزوجية.
ولكن يجب ان نقول ان ثقافة العصر نفسها، التي تكيف عقل الانسان وتفكيره، لا تملا ذهنه الا بما يبعده عن احترام الزواج، واعطائه قيمته الجليلة، التي يجب ان تكون له:
فكل ما نقراه اليوم من اخبار وادب وقصص، في الجرائد والمجلات والكتب، وكل ما نشاهده ونسمعه من فنون الغناء والتمثيل وغيرهما، تلح على ان الحياة المثالية بين الرجل والمراة، لاتدرك الاخارج بيت الزوجية !
ولاشك ان فنون التمثيل بالغت في هذا، حتى وصلت فيه من حيث الكم والكيف، الى الاقصى ، لان بعض الأشرطة السينمائية، وبعض المسرحيات اليوم، تقدم فتاوى نظرية وعملية، تدور كلها على الاقناع بان الزواج قيد والزوجات شريرات، نلمس هذا الموضوع والحوار والاخراج والمغزى، وفي كل شيء، حتى في العناوين نفسها، لدرجة انك تكشف ان المخرجين لا يختارون لدور الزوجة في السينما والمسرح، الا الممثلات الثانويات او المشهورات بتشخيص ادوار الشر وفي ذلك ما فيه من دلالة لا تخفى (15).
----------------------------
15 - ليس غريبا ان ياتينا هذا من اصحاب التمثيل. فهي اخلاقهم، يرشح بها انتاجهم، لان من المعلوم انهم كانوا دائما مضرب المثل في الاباحية، التي لهم فيها " بطولات" سارت بذكرها الركبان ! انظر لكتابه مقال"دعاية خبيثة على الاسرة" مجلة الكلمة، ذو القعدة1391- دجنبر1971 صفحة9 ومن هذا يجب ان يعرف من لا يعرف، ان الفتاوى الشرعية، بتدخلها لتحريم ما تحرمه من ثقافة العصر وفنونه، انما تفعل ذلك بغاية درء مفاسد محققة، ترمي الى هدم الاسرة والاطاحة بالزوجة وسيادتها.

(8)
ارجو الا اكون في حاجة لان انبه، الى اني لا اسوق هذا الكلام، واتعب في تصنيفه، لأدافع عن حق او امتياز للرجل، ضدا على المراة، وتفضيلا له عليها، فهذا غير وارد بتابا، لاننا في سياق البحث في اصلاح الاسرة، والتماس الوسائل الجالبة لاستقرارها، وفي مقدمة ذلك، الوسائل المبعدة للتفكير في الطلاق، ولاننا بصدد البحث، عما اذا كان تعليق الطلاق على حكم القضاء، سيقلل من وقوعه، ويجلب الاستقرار للاسرة ام لا !  وهذا يفرض علينا موضوعيا، الا نندفع في التحمس لتقييد طلاق الزوج، لمجرد انه معمول به في اوربا، وانه سيتحقق لنسائنا تلك للمساواة الشكلية، من غير ان ننظر بعيدا، لاستكشاف ما يخشى ان يؤدى اليه من ردود فعل ضارة على الزواج في عمومه.

وبجانب هذا فاننا محجوجون منهجيا بالواقع، الذي لابد من الاحتكام اليه، قبل ان نفعل شيئا في هذا اذ لا مهرب لنا من ان نعتبر بحال الغربيين، الذين ياخذون بتقييد الطلاق والذين نود ان نقتدي بهم في هذا.
ان من المعلوم بالضرورة ان تقييد الطلاق في اوربا بجعله قضائيا لم يحد منه، ولم يتحقق أي ثبات للاسرة، لانه اصبح معلوما بالتواتر، لدى قارئ الجريدة قبل المتخصص الجامعي، ان الطلاق في اوربا وامريكا، ما زال يتراكم، وان مرور الايام وازدياد الوعي والتقدم الحضاري، لا يزيده الا استفحالا، حتى صار الان من الاوبئة الاجتماعية، التي عجز المصلحون عن علاجها، ولو بحصرها في نطاق عدد محدود تستقر عنده، لئلا تزداد الاسر المنكوبة به سنة بعد سنة.

كما ان من الثابت ان حكم القضاء برفض طلاق الزوج، حين يقع ذلك، بعد سنوات من الاجراءات لا يترتب عنه، ان تعود الاسرة الى تماسكها، على النحو الذي يلتئم به الجرح، عند استعمال الدواء، فيعود الزوجان الى استئناف تعايشهما، ويعود الزوج خاصة الى ملازمة زوجته وحبها تنفيذا لحكم القضاء.
ان الواقع حجة دامغة، وحكم لا يجابي ولا يداري، والناس كلهم محجوجون به من غير استثناء.
ان أي انسان، مهما بلغت سذاجته، لابد ان يرده الواقع الى الصواب، حين ياخذه سبيله الى مكان معين، ثم يكشف ان الطريق الذي اختاره لا يوصل الى الغاية المقصودة، فيكون اول رد فعلي تلقائي لذلك، ان يغير طريقه لياخذ الاتجاه الصحيح، الذي يفضي به الى المكان المراد.

كما ان منهج العلاج والاصلاح في كل الامراض، المادي منها والمعنوي، الصحي والاجتماعي، يفرض لاجل الوصول الى العلاج الناجع، البحث عن السبب الجالب للداء والضرر، من غير اهتمام بالاعراض، التي ليست الا فرعا لابد ان يزول اذا عولج اصله.
كل هذا من شانه ان يعطينا تشخيصا صحيحا للقضية، يصرف كل ذي تفكير سليم، عن الاندفاع والتحمس لتقييد الطلاق، يعد ان راينا الواقع يتحدانا بوجود سبب فعال، يزهد الناس رجالا ونساء في بيت الزوجية، على نحو ما اسلفنا، ويتحدانا ايضا، بحال الاوربيين، الذين ياخذون بتعليق الطلاق على حكم القاضي، من غير ان نرى أي اثر نافع لذلك على تماسك الاسرة واستقرارها.

وبطبيعة الاشياء، فان هذا يفرض علينا، ادخال تغيير على السلوك، بنفس النحو الذي يغير به السائر طريقه، حين يكتشف انه لا يمكن ان يوصله الى المكان المقصود، وبنفس النحو الذي يغير به المريض علاجه، حين يظهر عقمه، او بغير به عاداته في الاكل والعمل، وكذا المناخ والبيئة، حين يكشف التشخيص السليم، ان مرضه ناتج عما ياكله من طعام، او يقوم به من عمل او يرتديه من لباس، او يستنشقه من هواء ملوث وغير ذلك، اذ ان مما اجمع عليه الاطباء قديما وحديثا، ان كل دواء، لابد ان يكون مقرونا بحمية تكون هي الاساس لنجاعته، تقوم على تغيير عادات سيئة في الاكل او السلوك او المكان.

ومن ثم نرى ان الطلاق الذي يسارع الازواج اليه في هذا العصر، شيء من بضاعة الاوربيين وانتاج بيئتهم وما فيها، انتقل الى كل من اقتدى بهم في سلوكهم، وانه كان متوقعا ان نعانيه بيننا فاشيا متكاثرا، بعد ان اخترنا ان نكون من هؤلاء المقلدين، واستوردنا البيئة الاوربية نعيش فيها ونربي اجيالنا.

 كما اننا نرى من ذلك، ان العلاج لا يكون الا بتغيير الطريق، أي بالتحرر من السلوك والعادات المكونة للبيئة الاوربية، في كل انواعها الظاهرة والباطنة، ومن غير استثناء للزي والفنون او غير ذلك من الاشياء، التي يمكن ان يعد البعض النهي عنها، من قبيل الكلام الفارغ، والتي هي في الواقع من الشرر، الذي تستصغره العين، فاذا بمعظم النار منه، كما تقول الحكمة المشهورة.

واحب الا يفوتني التنبيه كذلك، الى انني لا اقول هذا لأعارض كليا في امكان تقييد الطلاق الازواج، بكل وسيلة تؤدي الى كبحهم عن التعسف في استعمال هذه الرخصة، ولحملهم على ان يراعوا الترهيب، الوارد في الحديث النبوي الشريف { ابغض الحلال عند الله الطلاق} بل ربما جاز لي ان افتي بان هذا شيء لا تأباه الشريعة الاسلامية، عملا بالقاعدة المهمة الكبيرة " تحدث الناس اقضية (أي احكام) بقدر ما احدثوا من الفجور" التي تقيد جواز التشديد على الناس، كلما ظهر منهم جنوح الى التعسف في استعمال المباحات ، بشرط ان تتحقق العلة الشرعية لذلك، وهي ان تكون هناك مصلحة، لا يمكن تحصيلها الا بهذا، وضرر لا يمكن دفعه الا به.

الا ان هذا التقييد لا يمكن ان يكون معقولا ومقبولا شرعا، الا اذا جاء وفق منهج سليم، وهو ان يستنزله الواقع ويستدعيه، وليس ان نستورده لمجرد الرغبة في التقليد، ولن يكون هذا الا اذا اعترفنا اولا بان كثرة الطلاق وباء عصري، ناتج عن البيئة الاوربية العصرية، وما فيها من سلوك وتفاعل، هو السبب الاصلي للوباء، وان كون طلاق الزوج عندنا غير مقيد، ليس الا سببا عارضا او فرعيا لا يحوز الاهتمام به، الا بعد التخلص من السبب الاصلي، وان هذا يوجب علينا ان نبدا اولا بتغيير البيئة وازاحة ما فيها من العوامل المزهدة في بيت الزوجية، فاذا فعلنا وتبين انه مازال هناك خطر على استقرار الزواج، من بقاء طلاق الزوج غير مقيد، ساغ ان نستدعي كل قيد عليه يرفع الضرر، لان الواقع سيكون هو الذي استدعى ذلك، بسبب منطقي مقبول عقلا وشرعا.

(9)
يجب بعد هذا كله ان افشي انني اخشى ان يتحداني شخص ما، بانه يجب علينا ان نفعل ما فعله غيرنا، وان ندخل في المتعارف عليه دوليا، بصرف النظر على ان اعتبار اخر، لان هناك معيارا دوليا للتحضر والتقدم، وضعه الراي العام الدولي، لا يمكن ولا يجوز، ان نستظل بغيره، وحينئذ فان المراد هوان نعدل قانونا ليطابق قوانين اوربا وامريكا، اللتين تصنعان الراي العام وتكيفانه، لنباهي بذلك في المؤتمرات العالمية، على اساس انه نموذج لنضال المراة وتحضرها، واقترابها من العرف الدولي، بصرف النظر عن كل اثر سلبي يجره ذلك على الاسرة.

انني اعترف بان من سيتحداني بهذا سيفحمني افحاما، وسيحبط كل ما اجتهدت لسوقه بهذا البحث، لأبرهن على ان معاناة المراة في عصرنا، ناتجة عن انماط السلوك المصنوعة في اوربا، والمجلوبة منها، لكون كل هذا الذي سقته، سيكون غير ذي موضوع، لان الذين يطلبون تقييد طلاق الزوج، انما يسعون لذلك بغاية ان يحقق لهم رغبة عزيزة، هي الانتماء الى سلوك الاوربيين لكي ينالوا رضاهم ليس الا ! (16)

ويجب ايضا ان اقول، انني لا أخشى هذا لكونه سيحبط آرائي، وكل ما اتمنى ان يكون لها من تاثير مقنع بصوابها، ولكن لاننا سنكون بذلك امام "مصيبة اعظم"، لان هذا سيدل على اننا امام دعوة صريحة، الى الزج باسرتنا.
------------------------
 16 - ولا ادري ما اذا كان هؤلاء ينتبهون، الى ان الغربيين مازالوا يعدوننا من الاعداء، على الرغم من اننا اقتربنا منهم وتقربنا لهم، ولبسنا حضارتهم واكلناها وشربناها بكل سمومها، من غير ان نستثني منها شيئا فقد اخذنا قانونهم الوضعي، وحللنا به كل حرام، واخذنا فنونهم وقتلنا بها حياءنا، كما هو واضح من انك اذا قارنت  بين عواصمنا وعواصمهم، فانك لن تجد أي فرق يكشف عن اصلنا واصالتنا، حيث الخمارات ومرافق الدعارة والقمار، وكل مظاهر المجون في الزي والسلوك موجودة هنا، كما هي موجودة هناك، بحيث ان الاوربي الذي يحل بيننا لا يجد أي شيء مما هو مباح من المناكر في بلاده بمقتضى القانون الوضعي محرما وممنوعا هنا. ويتميز مغربنا بزيادة تضحك لكثرة ما فيها من النشاز وهي ان اليهودي او المسيحي، يستطيع ان يؤدي شعائر سبته او احده نحو ايسر مما يستطيع المسلم ان يؤدي به شعائر جمعته. وعلى الرغم من كل هذا نفاجأ بتلك الصدمة التي تكررت وما زالت، وهي اننا لا نجد من الغربيين أي انصاف او عطف يدل على انهم يكنون لنا تقديرا من أي نوع، على ايثارنا لحضارتهم وتعاليمها، كما يتجلى ذلك في المنظمات الدولية، حيث نرى بصراحة مكشوفة، ان الغربيين ما زالوا يعاملوننا بمنطق العصور الصليبية.
-------------------------
بكل تراثها التقليدي والديني، في "المتعارف عليه دوليا" لكي ننظمها ونضبطها، على النحو الذي اختاره الغربيون ، بثقافتهم وفلسفتهم وحضارتهم المريضة، التي تسوي بين سرير الدعارة وسرير الزوجية، وترفع مقام الخليلة على مقام الزوجة، وترى ان "المراة المثالية" هي نجمة السينما او راقصة البالي، بما تملكه من عبقريات في العهارة وتجلبه للدولة من شهرة ولخزينتها من اموال ! !

وهذا نهج سبق ان سلكناه، ومازلنا في كثير من امورنا ومناحي حياتنا، ولكننا لم نكن نتوقع، ان يظهر بيننا من يدعونا الى تمديده، الى مجال الاسرة، وهي ذلك المرفق الاجتماعي العزيز المقدس، الذي يحفظ لنا حرمة الابوة والامومة والاخوة والبرور، وكل تلك الفضائل الكبرى التي تميز جنس الانسان عن جنس البهائم.

وطالما اعطانا هذا المنهج مفارقات مضحكة في كثير من معاملاتنا وسلوكنا، نستحسن ان نطيل بعض الشيء بجلب امثلة منها، ففي هذه الايام، ومنذ شهور، ظهر بيننا فجاة اهتمام كبير بمحاربة التدخين، حيث بادر بعض البرلمانيين الى اقتراح قانون يضع قيودا على حرية الناس في استعماله واستغلاله، وبادر البرلمان الى التصويت عليه بالاجماع، فصدر القانون ودخل حيز، التطبيق بجد. واقيمت ندوات تلفزية وايام دراسية، للتوعية والتحذير، من مضار التبغ والحث على الاقلاع عنه. وتساهلت الدولة ازاء كل هذا، على الرغم من الخسائر المحتمل ان يجرها على الارباح، التي تجنيها الخزينة من مرفق احتكار التبغ، الذي تديره الدولة وتحميه !
نعم ان كل هذا عمل راشد يستحق التنويه، ولكن كم يبدو سخيفا، ان يقع في وقت نرى فيه الخمور تحظى بحرية لا حد لها، من حيث الانتاج والاستهلاك والدعاية لذلك، من غير ان يتدخل برلمان او سلطة تنفيذية لوضع قيد ( ولو من ذهب)، على هذه الحرية القاتلة ولكم يبدو اسخف حين يجرى في دولة اسلامية، تعد الخمر فيها، من الكبائر المحرمة، بالكتاب والسنة والاجماع !   تصر على التمسك بالمذهب المالكي، الذي قال امامه في الخمر، ما اصبح مضرب المثل ويقع هذا كله على الرغم من ان اضرار الخمور تستغرق اضرار التدخين، كثرة وتنوعا، وعلى الرغم من عواقبها المعروفة على ارواح الناس، في حوادث السير، التي تهلك من البشر، ما لا تهلكه الحروب، وهي عواقب تجعل اخطار التدخين، مهما بلغت من الفداحة، اتفه من ان تقارن باخطار المسكرات. ويزداد العجب حين نرى ان الخمور تعامل في كل المناسبات ، بكثير من الاحترام والتوقير وكانها احدى المقدسات ( السياسية لا الدينية طبعا)، حتى انك اذا تتبعت بعض الندوات او البرامج التي اقيمت عن حوادث السير، وجدت حرصا من المتكلمين، على اجتناب كل اشارة الى اثر الخمور ومسؤوليتها، في استفحال الحوادث، لاسيما الخطير القاتل منها، وهو امر مقطوع به بحيث تستنتج ان المتكلمين، فرضوا على انفسهم "رقابة ذاتية" في هذا الجانب، على النحو الذي يقع بالنسبة للمقدسات السياسية.

وبطبيعة الحال فان سبب المفارقة، يرجع الى الرغبة في الاقتداء بما هو موجود حاليا في اوربا وامريكا، حيث التركيز على محاربة التدخين، لانه سبب فعال في الاصابة بالسرطان، الذي يزعجهم هناك، بكثرته وتكاثره ان الحملة على التدخين، تنطلق من نفس المعيار القائم على الدخول في "المتعارف عليه دوليا"، بصرف النظر عن الواقع الذي يفيد ان السرطان غير منتشر عندنا كما هو منتشر عندهم وبصرف النظر عن اضرار الخمور اخطر وكون اثارها في استفحال حوادث السير بالذات من المعلوم بالضرورة (17) فبصرف عن الجانب الديني الوارد بالحاح، فان نسبة الوفيات، بسبب حوادث السير، التي تعد الخمر من اهم اسبابها، اكثر ارتفاعا عندنا، على خلافا نسبة الوفيات بسبب السرطان، الذي لم يصل عندنا الى الدرجة الوبائية كما وصلت حوادث السير، وبهذا كان الواقع والمنطق يفرضان، ان تكون الحملة على الخمر اسبق واولى !!!

*  *  *
هناك مثال اخر من الشرق يقدم لنا صورة اخرى من هذا النشاز المضحك، وهو ان مديرة الرقابة على الفنون، في جمهورية مصر العربية، اصدرت قرارا جريئا، يحظر الرقص الشرقي في المسرح، وذلك بقصد محاربة اقحام عروض من الرقص داخل التمثيل، وهي بدعة انتشرت، واصبحت بها كثير من الممثلات راقصات، وكثير من الراقصات ممثلات، على نحو ما وقع في السينما، وهي مما ابتكره المسرحيون للتنافس على الجمهور.

وهذا قرار جريء، يدل على اهتمام جدي ولو جزئي، من صاحبته بكرامة المراة، وينطوي على تدخل طالما انتظره الجمهور، لتلخيصه من سفه كثير، يقدم للناس مبيضا باسم الفن !
ولكنك حين تقرا القرار قراءة قانونية، تفسر الفاظه، بدلالة المنطوق والمفهوم، تجد ان " الحظر يخص نوعا من الرقص، ويستثني انواع لا يعمها، لان هناك صفة هي مناط الحظر. وهذا يعني ان كل انواع الرقص العصري مستثناة من المنع.

وحيث تبحث عن الفارق الموضوعي، الذي يمكن ان يبرر الاستثناء، تجد ان الرقص العصري لا يختلف عن التقليدي في شيء لانهما معا ماخوذان من مادة واحدة، هي جسم المراة وعوراتها، وفيهما معا ذلك العري والايقاع الماجن، الذي هو علة التحريم الشرعي او الديني المعروف. بل ان بعض انواع الرقص العصري يحتوي من ذلك على قدر اوسع واكبر.
------------------------
  17- ومن هذا القبيل ان احدى جرائدنا خصصت احد ملحقاتها الاسبوعية، للحديث عن الادمان في بلادنا واستكتبت لذلك كثيرا من المختصين، للكلام عن الافة واثارها. وعندما تقرا ما كتبه الكاتبون تجدهم يكادون يجمعون على اجتناب الاشارة الى تحريم الخمر، باعتباره العلاج الحاسم، الذي يجب ان يرد في المقدمة، بل ان الاقتراحات في اغلبها تنطلق من ان الخمر امر واقع، يجب ان يبقى، مع ترشيد استهلاكها، متجاهلة، انه لا احد يسقط في الادمان باختياره، وان  مدمن اليوم، لم يكن الا ذلك الذي يشرب منها القليل في بعض المناسبات. والسبب كما هو واضح، هو حرص الكاتبين، على الانتماء الى عصرهم، باجتناب كل تاييد لراي الدين في المسكرات، مع ان بين عقلاء اوربا اليوم، من ينظرون بكثير من التقدير والاعجاب الى الضوابط التي وضعتها الشريعة الاسلامية لمحاربتها فقد صرح احد الاطباء ذات يوم لاحدى جرائدنا بان المسلمين مغبوطون على وجود نصوص دينية تحرم الخمر، ووجود احساس لدى عموم الناس بكونها ذنبا وخطيئة بالمعنى الديني.
------------------------
وحين تتعمق لاستكشاف السر الذي جعل الانواع المستثناة بريئة من علة الحظر، فلن تجد الا انها " صناعة اوربية"، وان الغربيين يزكونها ويصنفونها ضمن" الفنون الجميلة"، وان مرافق الثقافة عندنا تتهيب ان تقول فيها براي الدين، القائم على سد الذرائع ودرء المفاسد، تهربا من خرق اعراف الحضارة الاوربية ليس الا! (18).

اننا اذا جنحنا الى معالجة قضية الاسرة عندنا، بهذا المنهج ومعياره، لنذهب هنا ايضا الى ان كل ما هو معمول به اوربا نظريا عمليا، هو الحل الناجع، فاننا سنجر علينا ذلك الخراب المدمر، الذي قضى على  الاسرة هناك، لنصاب بما اصيبوا به، بعد ان نضيف اليه اضرار الضعف والفقر، ونجمع بين التخلف الاقتصادي والتخلف الاخلاقي معا.

(10)
ومن المؤسف المخيف اننا نرى هذا الاتجاه باديا في كثير مما يروج من الكلام، والاراء والاقتراحات. ولاشك ان البحث الاجتماعي الذي جعلناه عمدتنا في هذا المقال، ينطوي على كثير من الشواهد على ما نقول، بحيث نراه نموذجا لرسوخ هذا الاتجاه، لدى الكثيرين ممن يفكرون في حال المراة ويدافعون عن حقوقها.
انك تلمس هذا واضحا في ان الكاتبة تنطلق من ان وجود نساء في حياة الزوج، على ذلك النحو الذي فصلته، امر واقع لا مفر منه ولابد للزوجة من ان تتقبله، وتسعى الى التعايش معه  ! !

وقد اغنتنا الكاتبة عن كل مشقه لاستخراج هذا من كلامها، حين صارحتنا بنصحها للزوجة، ان تسعى للتغلب على تاثير النساء اللواتي في حياة زوجها، وان تحرص على ان منحه اضعاف ما يمكن ان تمثله زميلة العمل في حياته، فألقت عليها العبء كله لانقاذ بيت الزوجية، من غير ان تخص الزوج او زميلته بنصيحة ما، تساعد على هذا الانقاذ، على الرغم من ان لها صفة الجاني وللزوجة صفة الضحية المجني عليها.

وتقول هذا وتختاره والحال ان المناسبة كانت تقتضي بالحاح، ان تقترح لاسباب موضوعية عملية، على زميلات العمل، ان يلزمن بعض التحفظ في مكان العمل، كان يقتصدن في زينتهن، فلا يحضرن الى العمل بهندام يلفت الانظار ويلوى الرؤوس ويثير الانوف، من باب اللياقة التي تقتضي ان تختلف ازياء العمل عن ازياء السهرة، وتتميز امكنة الشغل عن المراقص والمخادع !
----------------------
18- ونحن نتساءل على هامش هذا، ماذا لو اعجب الغربيون غدا برقصنا الشرقي وعدوه داخلا في "الارابيسك"، او الف ليلة وليلة" التي لهم بها اهتمام واعجاب ؟ لا ريب ان نقادنا وحراس الفنون عندنا، سيسارعون الى "رد الاعتبار" للرقص الشرقي ومحترفاته. فهل بعد هذا من دليل على اننا ازاء استلاب مرضي افقدنا التمييز واسقطنا في امعية بعيدة الاغوار !

وكانت المناسبة تقتضي بالحاح كذلك، ان تخص زميلات العمل بنصحهن بالتحرز في معاملاتهن مع زملائهن، لاسيما المتزوجين منهم، باجتناب ذلك التقارب والتعاطف، الذي يصل الى ذلك الحد، الذي لا يوجز ان يكون الا مع الزوجة، التي يحق لها ان تنفرد به وحدها من غير شريك.
اذ ان مما لا ريب فيه، ان كل مبالغة من زميلة العمل، في هذه الجوانب، يكون على حساب زوجة الزميل، واعتداء على حق لها، لان لكل ذلك دلالات واثارا معلومة، لا ينفيها ان تكون مجحودة من البعض، لان الواقع لا يرتفع، فحين تحرص العاملة على ان تحضر للعمل، بهندام العرس او السهرة، او بهيئة المخدع احيانا، فانها توجه الى زملائها خطابا تسمعه كل جوارحهم، يقول انها احسن من ربة البيت في كل شيء فللأفعال دلالات اقوى من دلالات الاقوال، كما لا نحتاج الى القول وكل منا يستطيع ان يستنتج مدى الحيف والجور، الذي يلقى على الزوجة حين تلزمها هذه النصائح وحدها، بان تقوم بما يجب للتغلب على اثار النساء الاخريات على الزوج، وكانها وحدها المسؤولة عن زهده في بيت الزوجية، وهو محاصر بفنون من الاغراء والاغواء من زميلاته، لا حد لعددها واصنافها، انه اتجاه غريب يفضي بنا الى نتيجة اغرب، وهي تجريم الضحية وتبرئة الجاني (19).

وهناك من تقاليد العصر، في هذا الجانب ما لا يمكن قبوله ولا تبريره باي وجه، لانه ينطوي على تخريب لبيت الزوجية، وتقويض لاركانه من الاساس، عن عمد واصرار وكيد مبيت، واقصد بالخصوص اتخاذ السكرتيرات وانتقائهن، كما تنتقي الجواري قديما، وتسخيرهن للمسؤولين الكبار والصغار، حيث صار تقليدا قارا ان يكون من تكريم الادارة للرئيس او المدير، اتحافه بجانب المكتب الفخم، بحسناء تكون في مكتبه كالاثاث، تاتيه كل صباح، على احسن وافتن ما تكون عليه المراة، وتتلطف له بكل ما هو موجود في اداب السلوك والطاعة من خضوع وخنوع !

انها اقبح العادات العصرية الموروثة من الغربيين في ميدان العمل، لان فيها اعتداء صريحا على حرمة بيت الزوجية وربته، وتقويضا لاسسه وخصائصه، وهل نحتاج الى كشف انها ليست الا تزويدا لمكتب الرئيس اوا لمدير، بمخدع بجهازه وعروسه التي تزف اليه نفسها كل صباح!(20)
-----------------------------
 19- الا يرى العاقل في هذا ما يثير الاعجاب ويوجب الاشادة بالضوابط التي فرضها الاسلام، لتنظيم العلاقة بين الجنسين وجعل بها هذه الزمالة بكل وقائعها ومقدماتها من المحرمات الكبرى، حماية للزوجة، وابقاء لسيادتها في بيت الزوجية وعلى قلب زوجها ( ام على قلوب اقفالها ؟!! .
20 - وقد تحدثت بعض الصحف منذ شهور، عن اكتشاف ان احد الاطر الادارية ، كانت له احدى عشرة كاتبة يحطن به من كل جانب احاطة السوار بالمعصم كما تقول العرب. ولو حاول الذين رددوا هذا الخبر، ان ينقبوا عن الاسرار المحيطة به، لأطلعونا على مسلسل من المفاسد لا حد لبدايته ونهايته، فلو اطلعونا على الصور الشخصية لهذا الموكب الطويل من النسوة لاستعراض اشكالهن، وسعوا الى معرفة الطرق التي تم بها توظيفهن والشفاعات المقدمة لذلك والاختصاصات المسندة لكل واحدة منهن واثر وجودهن على الحياة للمدير او الرئيس المخدوم، واثره ايضا على اخلاق الموظفين العزاب منهم  والمتزوجين، وعلى نشاطهم المهني انتاجيتهم الاقتصادية، الى غير ذلك من الفروض التي يستدعيها الموضوع، ولو حصل شيء من هذا لخرجنا باطروحة ذات ابواب وفصول، تضعنا امام حقيقة دامغة، هي انه يستحيل ان تستقيم لنا اسرة وزواج سليم فيه اخلاص وعفة ونسب صحيح، اذا كنا نص على تقليد الغربيين في هذا النوع وما شاكله من عمل المراة، ولاكتشافنا ان الضحية الاولى لهذه المفاسد، هي المراة نفسها، وانه بجانب كونه مفسدة اخلاقية، هو ايضا مفسدة اقتصادية لانه سفه صريح يوجب التجريح.
----------------------------

تابع  الجزء الثاني من المقال:  السبب الفاعل الذي يجب ان يدان في قضية الطلاق


Sbek net
كاتب ومحرر اخبار اعمل في موقع القانون والقضاء المغربي .

جديد قسم :