-->

الجزء الثاني السبب الفاعل الذي يجب ان يدان في قضية الطلاق





-------------------
21 - الولاية في الزواج ص 107 و 108.
------------------
ومما  يجعل هذا واردا بالحاح ، ان حالات  التعدد  الشرعي ،   تناقصت اليوم، حتى كادت تصبح من النادر الشاذ، كما كشفت عن ذلك عدة احصاءات قديمة وحديثة، في حين ان الظاهرة العصرية التي نتحدث عنها، تتكاثر وتنتشر بمرور الايام ، بحكم حرصنا على الاقتراب من النموذج الأوروبي في الحياة، بحيث قل ان تجد ذا رئاسة تخلو بطانته من طاقم نسوي من الخدم والحشم ،  يضع امامه فرصا كثيرة لممارسة ( التعدد العصري) بكل افاقه الروحية، التي لا حد لها ولا وعد، والتي يمكن ان تؤدي الى تعدد الازواج ايضا !

وكما هو واضح فاننا نرى هنا ايضا ان الاستلاب والامعية، هما العلة الدافعة المحركة للضجة المثارة حول تعدد الزوجات والنصوص المبيحة له فالمقصود ليس هو تحرير الزوجة من الضرة او الضرات، وانما هو الدخول فيما عليه الغربيون في عاداتهم واعرافهم، من غير التفات للواقع، الذي يؤكد ان تعدد الزوجات نادر الممارسة، ومن غير ان يخيفنا ان تكون اعراف الاوربيين التي نجري وراءها، جاءتنا بتعدد اخر لا حد لطوله وعرضه، وضرات لا تنقطع مواكبهن، لينكشف لنا في النهاية ان الهدف المراد هو استيراد التعدد الذي يمارسه الاوربيون بكل  ما فيه، ليكوم لنا تعدد مثل الذي لديهم، ليس الا !

* * *
ان الكاتبة صاحبة البحث، لم تفعل من هذا، ولا ما هو قريب منه، وما كان لها ان تفعل، لانها، وكل الذين يعالجون مشاكلنا في هذا الجانب يخشون، ان فعلوا، ان يقتربوا من المحرمات الاسلامية المعروفة، ويبتعدوا في نفس الوقت، عن تقاليد العصر، الداخلة في "المتعارف عليه دوليا" وهو ما يحرص اليوم كل مثقف، يريد ان ينتمي الى العصر، على اجتنابه والتبرؤ منه، بفعل الاستلاب الحضاري الذي هو بدون شك، مرض يفقد الانسان شخصيته وكيانه، وينتهي به الى احتقار نفسه ومحاسنه وتفضيل رذائل غيره !

(11)
انه لمن خطل الراي وجحود الحق، ان نتعامى عن تلك الضوابط، التي فرضها الاسلام، لتمكين الزوجة من احتكار زوجها، ليكون لها وحدها، ثم نجحدها جحدا، ونلتفت فقط، الى ان الاسلام يبيح الطلاق للزوج بارادته المنفردة، ونعتبر ذلك سر المعضلة، والحال ان اعراف العصر التي يحاربها الاسلام، ويعدها من المناكر الكبرى، تؤدي الى تطويق كل زوج، بكل قاهر غلاب، من وسائل الفتنة، التي هيهات ان تستطيع الزوجة منافستها، ثم ننصحها رغم كل هذا، بان  تسعى لان تقدم لزوجها، اضعاف ما يمكن ان تقدمه زميلة العمل، كما نقلنا على الكاتبة فيما سلف، مع ان في هذا تكليفا بما لا يطاق، لانه يشبه تماما تكليف شخص اعزل، بان يدافع عن نفسه في مواجهة جيش مسلح، كما ان فيه تبرئة للجاني وادانة لضحيته كما قلنا.

ان كل منهج للعيش، يمارسه الانسان، عالما كان ام جاهلا ويدبر به اموره، يفرض عليه، بالبداهة، ان يلتفت الى الضرر الكبير قبل الصغير، والى السبب الفاعل، قبل العرض المفعول، باعتبار ان هذا لا يزول الا بزوال ذاك.

* * *
اذا نظرنا الى حكم الطلاق على مقتضى ما قلناه وجلبناه، وجدنا انه عمل غير علمي وغير موضوعي، من غير حاجة لان نبطله بالمعيار الديني،انه ليس الامن قبيل تلك النظائر التي مثلنا بها للاستلاب الفكري والحضاري، كالحملة على التدخين، التي رأينا مدى ما فيها من سخافة وعبث.
ان قضية الطلاق ليست الا عرضا لمرض، او مرضا فرعيا لمرض اصلي، هو ما تعانيه الاسرة كليا في عصرنا، بسبب تقاليد العصر، واعرافه التي تعرقل قيامها سليمة منذ البداية، فتنشا عليلة سقيمة معرضة للانحلال والانهيار لاتفه عارض (22).

والسبب كما هو مفهوم، انه لا يكاد اليوم يقترب رجل من امراة، بغرض ان يرتبط معها بزواج وعقد، يكون منطلقا لاسرة سليمة النشاة مضمونة الاستقرار، لان العصر بحضارته المادية، يريد من المراة ان تكون شيئا اخر، ينافي كل المنافاة دور الزوجة الصالحة والام المحترمة، وغير ذلك من الوظائف، التي هبطت بها الام حواء الى الارض، ونزل بها الوحي من السماء.

فالعصر كله يطلب من النساء كلهن ان يكن راقصات خليعات، وممثلات فاتنات، ورفيقات مؤنسات، ويريد منهن ان يتجندن لخدمة التنمية الاقتصادية، بتسخير مفاتنهن لتنشيط السياحة والدعاية للبضائع التجارية، والترفيه عن رجال الاعمال في مكاتبهم الفخمة وان يكن خليلات للادباء والفنانين يلهمونهم ويخصبون مواهبهم !
-----------------------
22- ومما يجب ان يقال هنا، ان بعض هذه الاعراف القبيحة، اصبح جزءا من المواثيق الدولية، التي صدرت لتكون قانونا عاما وشرعة عالمية تلزم الدول، باعتبارها معيارا لقيام المجتمع المدني ودولة القانون، وغير ذلك من الشعارات المتداولة وبذلك صارت لها حصانة بل قدسية تعصمها من كل معارضة. وهذا يكشف ان تلك المواثيق اضفت الشرعية على بعض اعراف الغربيين، النابتة في بيئتهم المنحلة، والصادرة عن الفكر الاوربي المعروف بماديته المتجلية في التحلل من الالتزام الخلقي، وتفضيل المال على العرض، وتسخير هذا الحفظ ذاك. ولا ريب ان الزام الناس بهذه المواثيق، بحالتها المذكورة ، ينطوي على فرض اعراف الحضارة الاوربية، على من ليس على ملة اصحابها. وفي هذا خرق صريح، لاحد الحقوق الاصلية للانسان، وهو ان يكون لكل جماعة او امة تحتكم الى اعرافها المحلية او القومية وحدها لان العرف قانون، والقانون يتعلق بالسيادة التي لا يجوز ان تخترقها سيادة، اجنبية عنه او حين يطالبنا البعض بان نذعن لهذه الاعراف كليا وحرفيا، فانه يجردنا من احد حقوقنا الكبرى، ويطعننا في اهم خصائصنا بكل مكوناتها، ومنها عنصر الدين الذي لا يمكن اقصاؤه بجرة قلم. ولا ادري كيف غاب عن المتحمسين لحرفية هذه المواثيق، انها من انتاج النخبة التي تشرع للناس في اروبا، وتضع لهم حدود الحظر والاباحة، من غير ان يكون لنا فيها راي، أي انها من صنع البرلمانات الاوربية، المشهورة بسوء السيرة والسمعة في ميدان الاخلاق، كما يتجلى ذلك في هذا العدد من التشريعات الشاذة التي اباحت بها فواحش خارقة للطبيعة والفطرة، تخرج بالناس من جنس الانسان الى جنس الحيوان الاعجم، فلو عاصرها تشارلز دراوين لوجد فيها ما يؤيد نظريته، المشهورة ولاستخلص منها البرهان الحاسم، على ان الانسان، او الاوربي منه بالخصوص، ينحدر من اصل حيواني، وربما يكون هو الخنزير وليس القرد، وانه اخذ يقترب من هذا الاصل للرجوع اليه. ونضيف هذا الهامش بما فيه من اطناب، لان محكمة الطلاق استندت الى بعض المواثيق الدولية لتعليل الحكم الذي اصدرته.
--------------------------------
وفي هذه البيئة يستحيل ان يقترب رجل من امراة، ليتعاقد معها على الزواج، ويستحيل حين يقع هذا الزوج، لسبب ما، ان تكون للزوجة سيادة في بيتها، وعلى قلب زوجها وعقله وعينيه، والحال ان لديه كل تلك البدائل، التي تهديها اليه تقاليد العصر، حيث يتيح له مجال شغله، عددا هائلا من رفيقات العمل، يتنافس على كل جوارحه، ويتيح له مركزه حين يتكهل ويترقى في العمل، ان تكون له سكرتيرة تتجدد كما يتجدد الاثاث في مكتبه، وتتيح له الفنون الجميلة، كل ما يزهد في بيت الزوجية، بحيث ينتهي بنا المطاف الى ان تفقد الزوجة كل مزية فيما يرجع لانس المساكنة، المفروض ان تنفرد به وحدها، وبحيث تصبح ربة البيت عبءا ثقيلا، وتصير الزوجة مطلقة من غير طلاق، لانها منفية من ذهن الزوج ! ! !
 
* * *
ومن ثم نرى ان ما يجب ان يدان هو هذا الواقع، أي تقاليد الحضارة الاوربية التي تبيح وتتيح، ان يكون للزوج نساء في حياته غير زوجته، قبل الزواج ومعه، كما ان ما يجب محاكمته هو هذا الاستلاب والتغريب، الذي اصبح مرضا نفسيا وعقليا، له كل خواص واعراض المرض العقلي، واهمها العجز عن استعمال المنطق لاختيار، ما هو نافع بدل ما هو ضار، كما نرى ذلك واضحا في اننا نؤمن بخرافة يكذبها الواقع، وهو اعتقادنا اننا لا نستطيع ان ننهض ونتحضر، الا اذا التزمنا تقاليد العصر، التي صنعتها الحضارة الاوربية وصدرتها، ونتمسك بهذا ونتعصب له، بل نناضل من اجله، على الرغم من ان تجاربنا وواقعنا، يقدم لنا الدليل كل يوم، على ان تمسكنا بهذه الاعراف، هو الطريق المفضي سريعا الى التخلف المادي والمعنوي، اعني التخلف الاقتصادي والاخلاقي معا، لتكون حالنا اسوا من حال الذين نقلدهم.

* * *
فهل يستطيع منصف، ان يجد في محكمة الطلاق، بعد كل هذا الذي قلناه، عملا جديا راشدا وهل يستطيع ان يجد في حكمها حلا سديدا يجلب المصلحة ويدفع الضرر؟
اننا نعي اليوم ونعرف، ان اكبر مظهر للظلم، هو ان نهتم بريئا ونسوقه الى المحاكمة والادانة، ونترك المجرم المسؤول طليقا، او ناتي بمتهم صغير، ليس له الا دور تافه في الجريمة، لنلقي عليه كل تبعاتها، ونترك الفاعل البادئ لها والخاتم لها بعيدا عن كل اتهام.

ان هذا هو ما فعلته محكمة الطلاق، اذ ركزت على النصوص الشرعية، التي تجعل الطلاق بيد الزوج، والقت عليها كل التبعة، وسكتت سكوتا مطبقا، عن الاسباب الفعلية الجالبة للطلاق والمكثرة له، الاتية كلها من اعراف العصر، وتقاليد الحضارة الأوربية، التي اصبحت لها ايضا قوة الزامية، اشد من قوة النصوص، والتي يستوجب واقعنا ان تحارب وتدان لما جرته على الاسرة من خراب في قيامها واستقرارها.

* مجلة المحاكم المغربية، عدد 79/78، ص 22.




Sbek net
كاتب ومحرر اخبار اعمل في موقع القانون والقضاء المغربي .

جديد قسم :