-->

لا يمكن عزل المحامي من طرف موكله بعد صيرورة القضية جاهزة للحكم


تعليق للأستاذ عبد الكبير طبيح 

الأمر الاستعجالي المنشور اعلاه، كان مناسبة لطرح اشكال قانوني ذي اهمية بالغة سواء على مستوى القانون او على مستوى الممارسين له.
والإشكال المتحدث عنه يدور حول التساؤل القانوني التالي:
*هل يحق للموكل ان يباشر بنفسه الاجراءات المسطرية التي سبق له ان كلف ووكل فيها محاميا عنه ؟ ام ان توكيله للمحامي يحد من حقه في ممارسة تلك الاجراءات الى حين فسخ عقد الوكالة.
*وهل يحق للموكل ان يفسخ عقد الوكالة التي تربطه بمحاميه في أي وقت شاء وباية وسيلة شاء؟

الاشكال اذن جدير بالبحث، ونظرا لكونه لم يسبق ان طرح، سحب ما في عملي، فانه جدير بالحذر.
وبدأ اشير ان الغاية من هذه المحاولة ليست دفاعا عن مصالح ضيقة مالية، ما دام ان اتعاب المحامي مضمونة بغض النظر عن نتيجة القضية، ونظرا لكونها تستحق من اجل بذل عناية وليس من اجل ضمان غاية، وانما الغاية هي الحب في التنقيب في النصوص القانونية والبحث عن ارادة المشرع.

* * *
من المعلوم ان العلاقة التي تربط محام ما بموكله هي علاقة قانونية تدخل في اطار الوكالة باعتبارها عقدا، وذلك تطبيقا للفصل 879 من ظهير الالتزامات والعقود الذي ينص على :
الوكالة عقد بمقتضاه يكلف شخص اخر باجراء عمل مشروع  لحسابه…"
وغني عن التوضيح ان المشرع عندما أضفى على الوكالة صفة العقد، وضع على كاهل طرفيها التزامات وحقوق متبادلة، كما اخضع استمرار تلك الوكالة واثارها والتزامات اطرافها الى  ما اخضع اليه جميع العقود الرضائية، وذلك تطبيقا للمبدا العام المنصوص عليه في الفصل 230 من ظهير الالتزامات الذي ينص على ما يلي:
الالتزامات التعاقدية المنشاة على وجه صحيح تقوم مقام القانون بالنسبة لمنشئيها ولا يجوز الغاؤها الا برضاهما او في الحالات المنصوص عليها في القانون".

وان ما يعنيه الفصل المذكور، أي ما يوجبه ويقرره، ان طرفي عقد الوكالة لان كان لهما ولإرادتهما فقط، الحق المطلق في ابرام العقد المذكور، فان فسخه خلاف ذلك، اذ لا يمكن ان يتم الا برضاهما معا او في  الحالات التي يحددها القانون، أي ان طرفا ما لا يمكنه ان يفسخ عقد الوكالة الا برضى الطرف الاخر، او، في حالة عدم رضاه، وفقا للحالات والكيفيات المنصوص عليها في القانون.

وان اقرار مبدا عدم امكانية فسخ الوكالة من طرف الموكل وحده، وخارج الحالات المنصوص عليها في القانون، تعني بصفة لا تقبل التأويل، ان هذا الاخير لا يمكنه ان يباشر بنفسه الاعمال التي كلف بها وكيله، بصفة عامة، و بالاحرى اذا كانت تلك الاعمال هي حكرا على المحامي تطبيقا للقانون المنظم لمهنة المحاماة.

وان الخلاصة المنطقية القانونية التي يمكن الانتهاء اليها هي ان التصرفات التي يقوم بها الموكل في الوقت الذي لم يلغ بعد عقد الوكالة التي تربطه بوكيله لا يكون لها أي اعتبار قانوني ولا اثر إلزامي.
وان هذه الخلاصة هي التي انتهى اليها المشرع والتي يمكن فهمها من جميع الفصول المنظمة لعقد الوكالة وعلى الخصوص الفصل925 من ظهير الالتزامات والعقود الذي ينص على :
التصرفات التي يجريها الوكيل على وجه صحيح باسم الموكل وفي حدود وكالته تنتج اثارها في حق الموكل فيما له وما عليه كما لو كان هو الذي اجراها بنفسه".
وان هذه القاعدة لا تعني في الحقيقة سوى ان التصرفات التي تلزم الغير هي تلك التي تصدر عن الوكيل وليس الموكل، بل ان تلك التصرفات تلزم حتى الموكل نفسه.

وان عبارة " كما لو كان هو الذي اجراها بنفسه" المشار اليها في الفصل 925 المذكور، تعني ان تصرفات الوكيل هي التي يتعين اعتبارها، لانها تصرفات صادرة عن الموكل نفسه، ما دام ان عقد الوكالة لا زال قائما ومنتجا لجميع اثاره القانونية.

وان مما يزيد في تاكيد رغبة المشرع على اعتبار تصرفات الوكيل وحده وعدم اعتبار تصرفات الموكل اثناء سيريان عقد الوكالة، هو انه، أي المشرع، اقر مبدأ عدم التزام الموكل بما يجريه خارج حدود وكالته او تجاوزا لها، واقراره في نفس الوقت استثناءات حصرها في الفصل 927 من ظهير الالتزامات والعقود الذي ينص على ما يلي:
لا يلتزم الموكل بما يجريه الوكيل خارج حدود وكالته او متجاوزا إياها الا في الحالات الاتية:
* 1)…………………..
* 2) اذا استفاد منها.
* 3) اذا ابرم الوكيل التصرف بشروط افضل مما تضمنته تعليمات الموكل.
وان جملة " لا يلتزم الموكل بما يجريه الوكيل خارج حدود وكالته" الواردة في بداية الفصل المذكور يعلن بها المشرع عن مبادئ ثلاث:
الاول: ان تصرفات الوكيل داخل حدود الوكالة تلزم الموكل، سواء كانت تلك التصرفات قبولا يحق او تنازلا عنه.
الثاني: ان الموكل لا يمكنه في الحالة تلك، ان يتصرف فيما أوكل فيه لوكيله.
الثالث: ان حدود الوكالة هي موضوعية، نسبة الى موضوعها، وزمانية، أي ما دامت سارية في الزمن ولم يتم فسخها بعد.

وان حصيلة هذه المبادئ تقرر القاعدة الرامية الى ان تصرفات الوكيل هي المعتبرة وليس تصرفات الموكل.
وكمثال نموذجي نعود الى النازلة موضوع الامر الاستعجالي المذكور اعلاه ونقول ان التنازل الموقع من طرف الموكل، والحال ان له محاميا ينوب عنه ولازال ينوب عنه، ما دام ان تلك الوكالة لم تفسخ، لا اعتبار له وانما العبرة بما يصدر عن المحامي، فان هو طالب بمواصلة تنفيذ الحكم، فان تنازل موكله لا يقوم حجة على عدم مواصلة ذلك التنفيذ.

فاذن فالخلاصة المنطقية القانونية هو انه ما دام عقد الوكالة ساريا ولم يفسخ فان الموكل لا يمكنه ان يتصرف فيما اوكل فيه لوكيله، ما لم يفسخ عقد الوكالة، الشيء الذي يدفعنا الى الدخول في الجانب الاخر للاشكال، وهو متى يحق للموكل ان يفسخ عقد الوكالة؟ وهل تلك الامكانية تبقى دائما متوفرة، ام ان لها حدود قانونية لا يسمح بتجاوزها؟
* * *
ان إمكانية استرجاع الموكل لسلطته في التصرفات فيما اوكل فيه لوكيله تمر عبر فسخ عقد الوكالة، أي ان تلك الامكانية تبقى معلقة ما دامت الوكالة قائمة ولم تلغ بعد.
وان الغاء الوكالة اجمع فيه القانون والاجتهاد والفقه على ضرورة علم الوكيل بذلك الغاء حتى يكون له اثر قانوني تجاه الموكل والوكيل والغير.
ولان كان الامر بخصوص القانون لا اشكال فيه انطلاقا من مفهوم الفصل 932 من ظهير الالتزامات والعقود، فان الاجتهاد القضائي والفقه كذلك كانا واضحين بخصوص ضرورة اعلام الوكيل لصحة تحقق الغاء عقد الوكالة.

وبالفعل فلقد اكد الفقه على ضرورة اعلام الوكيل بفسخ عقد الوكالة من طرف الموكل اذ يقول الدكتور السنهوري، في كتابه " الوسيط" في شرح القانون المدني، مجلد عقد المقاولة والوكالة طبعة 1964 الصفحة 646 ما يلي :
ان الوكالة لا تنتهي بموت الموكل او بعزل الوكيل الا اذا علم الوكيل بالموت او العزل".
ويضيف :
وقد ورد في المذكرة الايضاحية للمشروع التمهيدي للقانون المدني المصري في هذا الصدد على انه مهما كان السبب في انتهاء الوكالة فما دام الوكيل لا يعمل بانتهائها فهي قائمة حتى يعلم كما اذا عزل الموكل الوكيل ولم يخطره بذلك.

وهذه القاعدة القانونية والفقهية هي التي تبناها المشرع عند تنظيمه لقانون مهنة المحاماة لسنة 1979 الذي ورد في فصله 46 ما يلي:
يمكن للموكل ان يجرد محاميه من التوكيل المسند اليه في اية مرحلة من المسطرة بشرط ان يعلم الموكل المحامي بقراره ويبلغه الى الطرف الاخر او محاميه وكذا رئيس كتابة الضبط بالمحكمة التي تنظر في القضية، وذلك برسالة مضمونة مع الاشعار بالتوصل على ان يحيطهم علما باسم المحامي الجديد والمحل الجديد للمخابرة معه.

فاذن فان علم المحامي او الوكيل بالغاء عقد الوكالة شرط جوهري لا بديل عنه لسريان اثر الالغاء، اذ ان هذا الاخير ليس موقوفا على صدور إرادة بخصوصه من طرف الموكل وانما هو موقوف على وصول تلك الارادة الى علم المحامي او الوكيل.
وان صدور تلك الارادة، أي ارادة الغاء عقد الوكالة، ووصولها الى علم المحامي او الوكيل تطرح سؤالا، حول القيمة القانونية للتصرفات الصادرة عن المحامي او الوكيل في الفترة ما بين ذلك الصدور وهذا الوصول.

وفي مجال الجواب على ذلك السؤال عثرت على قرار للمجلس الاعلى يجيب بصفة واضحة على ذلك السؤال وهو القرار الصادر تحت عدد: 170 في سنة 1961 المنشور في مجلة القضاء والقانون عدد 43-44 الصفحة 137 الذي ورد فيه.
ينتهي العمل بالوكالة حين  يتلقى الوكيل الخبر بانهاء وكالته (932) لكن الافعال التي ينجزها بين تاريخ انتهاء الوكالة وتاريخ بلوغه خبر هذا الانتهاء وهو جاهل ذلك تبقى صحيحة.

ان القرار المتحدث عنه اقر مبدأين أساسيين:
الاول: هو ضرورة علم الوكيل بالغاء الوكالة من طرف الموكل، وهو الامر الذي تم تناوله سابقا.
الثاني: هو ان التصرفات الصادرة عن الوكيل قبل علمه بالغاء الوكالة تبقى صحيحة.
وانه من غير الضروري الاشارة الى ان كلمة " صحيحة" في التعبير القانوني تعني انها محدثة لجميع اثارها القانونية وعلى راسها طابعها الالزامي سواء للغير او الموكل ذلك الطابع المتحدث عنه في الفصل 925 المذكور اعلاه.

وعودة الى النازلة موضوع الامر الاستعجالي المشار اليه اعلاه، فان المحامي عندما يطالب بمواصلة تنفيذ الحكم لا يمكن ان يحتج ضد تلك المواصلة بتنازل عن التنفيذ صادر عن موكل لم يفسخ عقد الوكالة وبالاحرى انه قام بتبليغ ذلك الفسخ لمحاميه.
فجميع ما يصدر عن الموكل لا قيمة قانونية له ما دام ان اهلية التصرف قد تخلى عنها لمحاميه فيما اوكله، قانونا، به.

لكن، هل الحق في الغاء الوكالة هو حق مطلق للوكيل ان يستعمله في أي  وقت شاء ام انه حق احدث له المشرع حدودا يجب احترامها؟
ان المشرع المغربي عند حديثه على الغاء عقد الوكالة فرق ما بين الوكالة بصفة عامة أي عملية التوكيل في جميع الاعمال المادية والقانونية التي تتم مع افراد اخرين غير الموكل وبين وكالة الخصام التي يكلف فيها الموكل شخصا ليتقاضى ويباشر الاجراءات المسطرية والقضائية نيابة عنه أي بعبارة اخرى تنصيب محام عنه.

وان المشرع وان اعطى للموكل الصلاحية في  فسخ  عقد الوكالة في صورتها الاولى المشار اليها سابقا، في أي وقت شاء الا انه بخصوص الغاء وكالة الخصام، أي الوكالة التي يتم فيها تعيين المحامي او أي شخص مؤهل قانونيا للنيابة عن الافراد امام القضاء، اوجب ان يتم ذلك الالغاء قبل ا ن تصبح القضية جاهزة للحكم والا فقد الحق في ذلك، اذ ينص  الفصل 931 من ظهير الالتزامات والعقود على ما يلي:
للموكل ان يلغي الوكالة متى شاء وكل شرط يخالف ذلك يكون عديم الاثر بالنسبة الى المتعاقدين والى الغير على حد سواء ولا يمنع اشتراط الاجر من مباشرة الحق الا انه، 
1) ……………
2) لا يسوغ عزل وكيل الخصومة متى اصبحت الدعوى جاهزة للحكم.

وانه يفهم من ذلك الفصل ان المشرع واضح في كون عزل وكيل الخصومة، المحامي في النازلة، لا يسوغ للموكل ان يقوم به ما دام ان القضية اصبحت جاهزة للحكم فيها وان حقه في ذلك الفسخ يتوقف عندما تصبح القضية جاهزة للحكم اذ لا يسوغ له بعد ذلك ان يقوم بالغاء عقد الوكالة.
وان هذه القاعدة، أي قاعدة عدم جواز فسخ عقد وكالة الخصومة بعد صيرورة القضية جاهزة للحكم، هي قاعدة مقررة لمصلحة الموكل وليس الوكيل.

ذلك ان الموكل عندما يكلف محاميا بقضية ما تبتدئ تلك القضية من الاجراءات المتعلقة بتقديم الدعوى للمحكمة وتمر عبر تبادل المذكرات مع خصوم الموكل ويتوقف عمل المحامي او الوكيل عندما تقرر المحكمة ان قضية ما اصبحت جاهزة للحكم اذ يكف المحامي او الوكيل عن القيام باي عمل لفائدة الموكل في انتظار صدور الحكم.
لكن المشرع حماية لمصلحة الموكل، منع الغاء الوكالة بعد تلك المرحلة وابقى على استمرارها ولم يسمح بفسخها.

وانه من الثابت فقها ان المشرع عندما يقرر قاعدة ما لفائدة المدين باعتباره الطرف الضعيف في العلاقة التعاقدية تصبح تلك القاعدة من النظام العام  او في اسوء الحالات تصبح قاعدة آمرة لا يمكن مخالفتها ولا الاتفاق على مخالفتها.

وان المشرع عندما سن تلك القاعدة راعى فيها مصلحة الموكل دون اية مصلحة اخرى الشيء الذي يبقى معه المحامي او وكيل الخصومة هو المسؤول وان تصرفاته هي المعتبرة والملزمة للغير وللموكل طبقا للفصل925 المذكور.

وانه ينتج مما سبق ان التنازل الصادر عن موكل بعد صدور الحكم سبق ان نصب عنه محاميا، لا قيمة له والا اثر قانوني له سواء بالنسبة للغير او بالنسبة للموكل نفسه ما دام انه لا يمكنه ان يلغى الوكالة التي بمقتضاها كلف المحامي بالنيابة عنه.

*مجلة المحاكم المغربية، عدد 61، ص 155.


Sbek net
كاتب ومحرر اخبار اعمل في موقع القانون والقضاء المغربي .

جديد قسم : التعليق على الاحكام و القرارات