-->

رأي حول القرار الاداري المسؤولية الشخصية المرتكزة على الالتزام ببذل عناية، وليس بضمان السلامة .

     
 للأستاذ محمد عطاف 
المستشار بمحكمة الاستئناف بورزازات 

يكرس  قرار  الغرفة  الادارية  عدد 397/79  سابقة  قضائية ، حول مسؤولية مالك البناء صدرت عن محكمة الاستئناف بالرباط منذ 24/12/1934، ويقر القرار بذلك قيام مسؤولية مالك الحمام، على اساس المسؤولية الشخصية المرتكزة على الالتزام ببذل عناية، وليس بضمان السلامة .

لكن، أليس من الملائم، كمناقشة قانونية لمسؤولية  مالك  الحمام ،  التاكيد  اولا، على انه يتعين اعتبار الحمام "كبناء"، وهي بذلك "شيء" لان مفهوم الشيء في الفقه  و القضاء  قد  يكون  عقارا  بطبيعته ،  كالاشجار  و الارض  اذا انخسفت، والمباني اذا نجم الضرر لا عن تهدمها، او عقارا بالتخصيص كالمصاعد والاليات الصناعية . الخ.

أليس من الممكن التفكير في كون كل مستعمل حمام، قد ابرم تعاقدا مع المالك للحمام على الاستحمام في ظروف تأمينية ملائمة، ويتعين على المالك بذلك ضمان سلامة زبونه، فاذا انعدم العقد، او اذا لم يوجد العقد اصلا ( وهو الغالب)، كان المالك مسؤولا مسؤولية تقصيرية تقوم على خطا مفترض .

يقول  الفقيه  السنهوري ،  في  موضوع  تطور  مسؤولية حارس الشيء "….. فهو خطا اقرب الى  الصنعة  منه  الى الحقيقة، فهو خطا موهوم اخترعته الصناعة  القانونية  لتخفي  تحته  الواقع ،  اذ  المسؤول قد أقحم عليه الخطا إقحاما، وفرض عليه  فرضا  لا يستطيع  التخلص  منه ، والاولى ان يقال ان المسؤولية  قد  فرضها  القانون ، واقامها على اساس  تحمل التبعة، وذلك ان المسؤول هو الذي القى الى المجتمع بشيء يصح ان يكون مصدرا للضرر، وانتفع به، فاذا وقع الضرر فعلا  وجب ان يتحمل تبعته …."

فيؤدي ذلك الى جعل التزام حارس  الشيء التزاما بتحقيق غاية، هي عدم احداث الشيء ضررا لاحد، فاذا حدث ضرر لم تتحقق الغاية، وكان هذا هو الخطا ….) ( الفقيه السنهوري في كتابه الوجيز في شرح القانون المدني ج 1 صفحة 404).

ان المناقشة القانونية التي أود اثارتها، بمقتضى هذا التعليق المتواضع، يمكن تلخيصها في النقط الاتية :
أولا : ان التشريع المغربي في الفصل 88 من ق ل ع المتحدث عن مسؤولية حارس الشيء لم يستبعد بتاتا العقارات والمباني كاشياء قد تستوجب مسؤولية حارسها، وان المباني المستثناة هي المشار اليها في الفصل 89 من نفس القانون، التي ينجم الضرر عن تهدمها.

ثانيا : ما الذي يمنع مساءلة مالك الحمام " بناء"، في حالة عدم الهدم، كمسؤول مسؤولية حارس الشيء، وبالتالي تكون مسؤوليته قائمة على الخطا المفترض، طبقا للفصل 88 من ق ل ع، اذ هو الذي احدث "بناء"  للانتفاع به وعرضه للاستعمال من طرف الجمهور، الاستعمال الذي قد تنتج عنه اضرار يجب البحث عن طريقة تعويضها، لا على اساس المسؤولية الشخصية للمالك. لان الضرر لا يحدث، في غالب الاحوال، بسبب فعل قام به المالك او تابعه، وانما يحدث بسبب تعرض المستعمل للبناء لعدة اخطار، تتمثل في انزلاقه في ارضية الحمام مثلا، او اصابته بواسطة سلك كهربائي، او سقوط مصباح او اناء عليه … الخ .

وحيث تؤسس مسؤولية مالك البناء على اساس الخطا المفترض، طبقا للفصل 88 من  ق ل ع، فلا مانع، بعد ذلك من تقدير نسبة المسؤولية وتحميل المتضرر او وليه النسبة الملائمة، عند الاقتضاء، او اعفاء المالك من كل مسؤولية عند تحقق الشرطين المنصوص عليهما في الفصل المذكور.

ثالثا : ان ميادين تطبيق هذا النوع من المسؤولية اصبح يتكاثر ويتعقد تبعا للتطور التكنولوجي والصناعي، مما يحتم على القضاء وعلى راسه المجلس الاعلى مسايرة التطور، فالمرجون ( المنعشون) العقاريون على بينة من تشعب المخاطر التي تسببها مختلف المباني التي يشيدونها ( حمامات - مسابح - مسارح - فنادق - الخ…)، مما جعلهم يبرمون عقود تامين باقساط عالية لتامين الاخطار التي تقع لرواد تلك المباني.

يقول الفقهاء هانري وليون وجون مازو، في موضوع مدى شمولية الفصل 1384/1 من القانون المدني الفرنسي للمسؤولية عن الشيء منقولا او عقارا، باستثناء حالة الهدم التي نص عليها الفصل 1386 من نفس القانون - ما يلي :
"..Que le domage soit causé par une chose mobilière ou immoubilière, la victime peut se prévouloir de l'art 1384/1 sauf le cas ou le préjudice est causé par la ruine d'un batiment.
Cette sollution aujourd'hui admise en jurisprudence, n'a pas triomphé sans difficulté" traite théorique et pratique de la responsabilité civile ( Henri et leon Mazeaud-jean Mazeaud.
Tome II 6e édol.

وفي الختام، آمل ان تتاح الفرصة للغرفة المدنية بالمجلس الاعلى، ان لم تتح لها سابقا  - فرصة لمناقشة هذا النوع من المسؤولية، لتقرر على ضوء التطور القضائي والفقهي ما تراه ملائما، وان تتراجع، ان امكن، عما أقرته الغرفة الادارية التي يظهر انها نظرت النزاع بصفة استثنائية، فقط، وانها بذلك لا تملك "الاختصاص" لاعطاء الراي السديد في موضوع لا علاقة له بالميدان الاداري .

عطاف محمد 
المستشار محكمة الاستئناف بورزازات 

* مجلة المحاكم المغربية، عدد 63، ص 91.

Sbek net
كاتب ومحرر اخبار اعمل في موقع القانون والقضاء المغربي .

جديد قسم : التعليق على الاحكام و القرارات