-->

تعليق على القرار الجنحي رقم 5827 الصادر عن استينافية البيضاء بتاريخ 4/7/1988


تعليق على قرار استينافي
بقلم: الأستاذ عبد الصمد الزعنوني 
المستشار باستئنافية بني ملال

تمهيــــد:
صدر عن محكمة الاستئناف بالبيضاء القرار رقم 5827 المؤرخ في رابع يوليوز1988 نشرته مجلة المحاكم المغربية في العدد 58  يناير-  فبراير1989 بالصفحة 71 الى 73 ارتأينا التعليق عليه لا لدحض الاتجاه الذي نحاه لاننا نسانده ونشاطره الرأي في النتيجة التي أسس عليها قضاءه وانما سنركز على تقنية القرار والتعليل الذي سلكه.

ومنذ البداية نقول ان الحافز الذي حدا بنا الى الادلاء بالتعليق ان نشر القرار الموما اليه الذي يلامس موضوعا له حساسيته يتمثل في الحراسة النظرية صادف اهتمامنا بذات الموضوع عالجناه في بحث متواضع نشرته ايضا نفس المجلة بنفس العدد بالصفحات 29 الى 50 كما سبق ان أرسلنا قرارا جنائيا في نفس الموضوع صادر عن محكمة الاستئناف ببني ملال بوصفنا مقررا فيه الى مجلة الاشعاع الصادرة عن هيئة المحامين بالقنيطرة التي أطلت وطلعت علينا مؤخرا في أبهى زي أطلعتنا بالتوصل به " لم ينشر بعد". فضلا عن ان اشكالية الوضع تحت الحراسة أسالت مداد العديد من الاقلام وكانت مناط ومحط اهتمام الباحثين بل يمكن التنبؤ بتصاعد الاهتمام بها لاسيما في عالم يسير نحو محو الامية وصون الكرامة البشرية ونكتفي بالاشارة الى ان جمعية المحامين بالمغرب في اجتماعها المنعقد بتاريخ 15/5/1989 بالرباط عمدت في اطار توجهات عملها خلال الفترة الراهنة الى دعوة المحامين لعقد ندوات ومحاضرات قانونية في هذا الموضوع كما ان كتيبات صدرت مؤخرا لم تخل من التطرق اليها ولو بنوع من الايجاز.

الوقائع:
بعض التعاليق دأبت على استعراض الحكم موضوع التعليق بحذافيره ثم إردافه بالتعليق بيد اننا نفضل طريقة ايراد الوقائع بايجاز واشفاعها بالتعليق.
تقدمت الضحية رشتي سميرة بشكاية امام الضابطة القضائية للتضرر من سرقة اقترفها في مواجهتها الظنين فخري يوسف وعند الاستماع الى هذا الاخير بتاريخ 6/5/1988 من طرف الضابطة أنكر التهمة المسندة اليه وعندما اعادت النيابة العامة المحضر للشرطة القضائية ( لتعميق) البحث دون الافراج عنه اعترف امامها بافعاله وعند مثوله امام محكمة اول درجة ابتدائية البيضاء اصدرت بتاريخ 16/6/1988 حكمها تحت عدد 8618 بإدانته والحكم عليه بثلاثة اشهر حبسا نافذا وغرامة نافذة قدرها 400 وبالمصاريف وتحديد مدة الاجبار.

التعليل:
عند عرض القضية على انظار محكمة الاستئناف بالبيضاء اصدرت غرفتها الجنحية قرارها رقم 5827 قضى بالغاء الحكم الابتدائي والحكم من جديد بعد التصدي ببراءة الظنين وكان تعليلها على النحو التالي :
" حيث ان الظنين عقد استنطاقه بتاريخ 6/5/1988 انكر ما نسب اليه وكانت حراسته النظرية في هذا الاستنطاق قانونية وعندما تم الاستماع اليه بتاريخ 12/5/1988 اعترف بما نسب اليه وكانت حراسته النظرية في هذه الحالة غير قانونية وحيث ان انكاره في الحالة الاولى يرجح على اعترافه في الحالة الثانية ما دام اعترافه مشوبا بعيب قانوني مما يتعين معه الغاء الحكم الابتدائي والحكم بعد التصدي ببراءة الظنين مما نسب اليه للاسباب الانفة".

المناقشة:
مفهوم الحراسة النظرية
نعيد القول ان مشروع قانون المسطرة الجنائية لسنة 1959 يسمى هذا الاجراء بالوضع تحت الحراسة اما العمل القضائي فيستعمل المصطلحين معا. ان الحراسة النظرية تعني الاجراء الذي تبقى بموجبه الشرطة القضائية الشخص رغما عنه رهن إشارتها وتحتفظ به بعض الوقت حيث يوضع " تحت النظر" او " تحت الحراسة" ( ومن هنا تسميتها) أي تحت نظر ممثلي القوة العمومية بأماكن معدة لهذا الغرض وبشروط خاصة. واذا كان المشرع المغربي لم يعرف الحراسة النظرية فان مشروع قانون المسطرة الجنائية الموما اليه عرفها بكونها التدبير الذي تستبقي بمقتضاه الشرطة القضائية اشخاصا مريبين دون ان يكونوا بعد محل تهمة.

مدة الحراسة النظرية
بالنسبة للحالة التي تهمنا وهي حالة التلبس فان مدة الحراسة النظرية هي حسب المادة 68 من قانون المسطرة الجنائية المعدلة بظهير18/9/1962 لا يمكن ان تتجاوز 96 ساعة مع امكانية تمديد هذا الاجل 48 باذن كتابي من النيابة العامة. فالحد الاقصى هو144 ساعة أي ستة ايام.

الملاحظات 
ان صياغة وسبك القرار جاء مركزا ومحكما وموجزا بيد ان هذا الايجاز الصلب Rigide جعل التعليل في نظرنا مشوبا ببعض النقص. فالحيثية الاساسية للقرار استعبدت الاعتراف الثاني للظنين بدعوى انه " مشوب بعيب" قانوني دون الافصاح او ابراز ماهية هذا العيب. كما ان الفقرة الاولى من الحيثية تضمنت كون الحراسة النظرية الاولى كانت قانونية وان الحراسة الثانية كانت غير قانونية دون تبيان السبب غير القانوني. ان القرار اكتفى عن طريق السرد بالاشارة الى تاريخ 6/5/1988 الى غاية 12/5/1988 مما قد يستشف منه ان الحراسة النظرية تجاوزت الامد القانوني لكن كان على المحكمة ان  تضمن قرارها صراحة التنصيص على فوات الاجل وابراز بدء ونهاية امد الوضع تحت الحراسة وعدد الساعات سيما وان القرار لا يشير بتفصيل الى موضوع مرافعة الدفاع واكتفى بالقول " حيث ان دفاع الظنين التمس براءة موكله" لانه لو كان هذا الدفع مثارا من طرف الدفاع واحتوته حيثيات القرار لكان ذلك كافيا لان استخلاصه لذات النتيجة التي يرمي اليها الدفع يعد بمثابة المصادقة عليه وتبنيه. كما يستحسن ان يشير القرار الى النص المنظم للحراسة النظرية. ففي قرار لغرفة الجنايات باستئنافية الرباط كان تعليلها مفصلا على هذا النحو " ان مدة الحراسة النظرية استغرقت 255 ساعة وهو ما يتنافى مع مقتضيات الفصلين 68 و82 من قانون المسطرة الجنائية التي تحدد الحراسة النظرية في 96 ساعة…"

1) ما من شك في ان لجوء المحكمة مصدرة القرار الى ترجيح انكار الظنين عن اعترافه في الظروف التي اشارت اليها انما هو تطبيق سليم لمبدا طالما هيمن على القوانين الزجرية يتمثل في حرية القاضي الجنائي في تكوين قناعته بهذا المبدا الذي يستند ويقوم على اساس استبعاد تدخل المشرع في تحديد ادلة الاثبات التي يرتكز عليها القاضي الزجري في حكمه باعتبار ان القاضي يملك في ظل هذا المبدا حرية واسعة في تقييم عناصر وادلة الاثبات بالكيفية التي تمكنه من تكوين اقتناعه الصميم لا يستشير في ذلك الا ضميره ووجدانه، فقانون التحقيق الجنائي الفرنسي كان يستلزم كتابة نص القناعة الوجدانية للقاضي باحرف بارزة بقاعة الجلسة ذاتها وبمكان بارز امام أعين المحلفين. ومضمون هذه القاعدة ان القانون لا يسال القضاة عن الوسائل التي أفضت الى قناعتهم وانما يطرح عليها فقط سؤال: هل لديكم القناعة الوجدانية ؟Avez vous une intime conviction ? مما يستخلص منه ان محكمة الموضوع تتمتع وفق هذا المبدا بسلطة واسعة في تقديرها للاعتراف سواء فيما يتعلق بتقدير قيمته في الاثبات او في تقدير العدول عنه او فيما يتعلق بسلطتها في تجزئة الاعتراف.

2) ان القرار موضوع التعليق تعامل مع موضوع الحراسة النظرية بنوع من الذكاء والحذر فبلجوئه الى الترجيح وتقييم الاعتراف تفادى اثارة الخوض في مسائل ما فتئ الجدل الفقهي حولها محتدما وساخنا مثل:
هل المحكمة عندما تعاين تجاوز امد الحراسة النظرية هل تعتبر الوضع تحت الحراسة كان لم يكن وتستبعد محضر البحث.
ام تصرح ببطلان محضر بحث الضابطة وتستبعد نتيجة ذلك المحضر الباطل.
مسالة الاعتقال التحكمي للشخص الذي تم اخضاعه لهذا التدبير والعقوبة الاحتمالية التأديبية للضابط … وللتدليل على " حرارة" الجدل بخصوص هذه النقط تكفي الاشارة الى ان الاستاذ احمد الخمليشي يصف بعض احكام المجلس الاعلى في موضوع الحراسة النظرية بانها من اغرب الاحكام التي اصدرها في تفسير نصوص المسطرة الجنائية في حين ان الاستاذ الاجراوي وهو من مستشاري المجلس الاعلى يرى -  في مناسبة اخرى وفي معرض رده عن احدى التعاليق - " ان المجلس الاعلى يعد بلا مراء أسمى مؤسسة قضائية في البلاد وانه يتألف من عدة غرف وكل غرفة تشتمل على عدة اقسام وكل قسم يتألف من مجموعة من المستشارين لا يقل عددهم عن خمسة وانه من الطبيعي ان يقع اختلاف في وجهات النظر قد يترتب عليه اختلاف في وجه الحل بين قسم واخر، وبان الاختلاف في وجهات النظر ظاهرة معروفة في جميع محاكم العالم بما فيها محاكم البلدان التي سبقتنا كثيرا في هذا المجال  …. ومن هنا ندرك -  يتابع الاستاذ الاجراوي - الغاية التي يهدف اليها المشرع من امكانية عرض الدعوى على غرفتين مجتمعتين او على المجلس الاعلى بجميع غرفه اعترافا منه بإمكانية اختلاف وجهات النظر في بعض القضايا وبما يجب في هاته الحالة مناقشة جميع الاراء وانتقاء الراي الذي تتفق عليه الاغلبية وتلك هي القاعدة التي تقوم عليها الديمقراطية في جميع مظاهرها بما فيها حرية القضاء في ظل القانون".

خاتمة 
هذه المواقف الدفاعية من هذا وذاك تجعلنا ندعو الى الايمان والاقتناع بانه:
يجب ان نختلف لنتفق
 ويجب ان نحترم اختلاف الراي عند عدم الاتفاق
وبانه ليس بالضرورة ان  تكون دائما آراؤنا متطابقة
علما بان الاعتقاد بهذه القاعدة ليس دائما بالشيء الهين
بنى ملال
عبد الصمد الزعنوني

* مجلة المحاكم المغربية، عدد 61، ص 95.

Sbek net
كاتب ومحرر اخبار اعمل في موقع القانون والقضاء المغربي .

جديد قسم : التعليق على الاحكام و القرارات