-->

من القضاء الأجنبي حكم وتعليق قضية الحجاب في فرنسا

من القضاء الأجنبي حكم وتعليق
ترجمة وتقديم : ذ. الناوي مصطفى 

أثارات قضية الحجاب في فرنسا، جدلا ساخنا حول قضايا حرية الاعتقاد والضمير ومفهوم اللايكية وحدود التدخل في تنظيم المؤسسات التعليمية، بل ان النقاش توسع ليتطرق الى قضايا اشمل واكبر مثل الاسلام في فرنسا وحقوق الاجانب وحقوق الانسان .

وقد اتيح للقضاء ان يقول كلمته في هذا الباب مما افسح المجال لنقاش من نوع اخر، نقاش قانوني هذه المرة يحاول ان يغطي مثنويات الحق والواجب، النص والواقع، المبدا والاستثناء.
ونقدم فيما يلي تعميما للفائدة نص الحكم الصادر في القضية عن محكمة باريس الادارية ويليه تعليق للاستاذة كريستين بيرتران نشرتهما معا دورية، " الاسبوع القانوني La semine juridique ( السنة 66، العدد 17- 22 ابريل1992، ص 130- ص 133).

1- تعليم : انضباط، مجلس ادارة ثانوية، منع تلميذة من ارتداء الحجاب، شرعية القرار ( نعم)، عدم الاحترام،  مسطرة تاديبية، طرد نهائي من المؤسسة، خطا بين في التقدير (لا).
2- حريات عامة : مساس بحرية من الحريات الاساسية، تعليم، حرية الضمير، مبدا لايكية التعليم العمومي، عدم الملاءمة (لا)، حمل الحجاب، مجلس الادارة، تنظيم وضبط، شرعية (نعم)، مسطرة تاديبية، رقابة القاضي الاداري .

المحكمة الإدارية لباريس، الشعبة السادسة، الغرفة الأولى
يوليوز1991، ملف عدد 9009588
قضية خرواعة ومن معها

يستخلص من النصوص الدستورية والتشريعية وكذلك من التزامات فرنسا الدولية ان مبدا لايكية التعليم يقتضي بوجه خاص احترام الضمير عند التلاميذ ويمنع كل تمييز قائم على اساس قناعات التلاميذ او معتقداتهم الدينية ومن ثم، فاذا كان حمل التلاميذ لعلامات يريدون بواسطتها اظهار انتمائهم الى دين من الاديان غير متعارض في حد ذاته مع مبدا العلمانية، ما دام يشكل ممارسة لحرية التعبير، فان هذه الحرية لا يمكنها، مع ذلك، ان تسمح للتلاميذ بحمل علامات الانتماء الديني التي من شانها ان تشكل، بحكم الشروط التي تحمل فيها او بحكم طابعها البتجحي او المطلبي نوعا من الضغط، والاستفزاز والتبشير او الدعاية ومن شانها ان تخل بسير النشاطات التعليمية والنظام داخل المؤسسة او تعطل السير العادي للمرفق العام، وبالتالي فان حمل مثل هذه الشارات قد يكون موضوع تنظيم وضبط يعود الاختصاص فيه، في الثانويات والاعداديات الى مجلس ادارة المؤسسة وقد يفسح المجال، عند الاقتضاء،  لمباشرة مسطرة تاديبية .

فعلى هذا النحو استطاع مجلس ادارة احدى الثانويات، نظرا لخطر التعصب الديني ان يمنع حمل الحجاب في القسم ويتخذ، دون ان يرتكب خطا ظاهرا في التقدير، قرار الطرد النهائي للتلميذات اللواتي خالفن هذا المنع من المؤسسة.

ان المحكمة، - (…..) - نظرا  لاعلان حقوق الانسان والمواطن المؤرخ بتاريخ 26 غشت1789، - ونظرا لديباجة دستور 27 اكتوبر1946، - ونظرا لدستور 4 اكتوبر1958، - نظرا للاتفاقية الاوربية لحماية حقوق الانسان والحريات الاساسية ليوم 4 نونبر1950، والبروتوكول الاضافي المؤرخ بتاريخ 20 مارس 1952، ونظرا للامر عدد 45-59 المؤرخ بتاريخ 6 يناير1959، - ونظرا للقانون عدد 620 - 75 المؤرخ بتاريخ 11 يوليوز1975، ونظرا للمرسوم عدد 924-85 بتاريخ 30 غشت 1985، - ونظرا للمرسوم عدد 164-86 المؤرخ بتاريخ 21 يناير1986، ونظرا لراي مجلس الدولة عدد 346-893، الجمعية العمومية بتاريخ 27 نونبر1987،  - ونظرا لمنشور وزير الدولة، وزير التربية الوطنية، والشبيبة والرياضة بتاريخ 12 دجنبر1989، - ونظرا لمدونة المحاكم الادارية ومجالس الاستئناف الادارية، ونظرا للقانون عدد 14-86 المؤرخ بتاريخ 6 يناير1986، وخصوصا الفصل 18 منه (…..).

حول الدفوع الرامية الى إرجاع المعنيات بالأمر الى المؤسسة :
حيث ان القاضي الاداري لا يختص باصدار اوامر الى الادارة، وان هذه الدفوع تكون والحالة هذه غير مقبولة وينبغي رفضها.

حول الدفوع الاخرى الواردة في الشكايات :
نظرا لما يستنتج من النصوص الدستورية والتشريعية ومن التزامات فرنسا الدولية من ان مبدا لايكية التعليم يقتضي بوجه خاص احترام حرية الضمير عند التلاميذ ويمنع كل تمييز على اساس قناعات التلاميذ ومعتقداتهم الدينية، ومن ثم، فاذا كان حمل التلاميذ لعلامات يريدون بواسطتها اظهار انتمائهم الى دين من الاديان لا يتعارض في حد ذاته مع مبدا العلمانية، ما دام يشكل ممارسة لحرية التعبير، فان هذه الحرية لا يمكنها، مع ذلك،ان تسمح للتلاميذ بحمل علامات الانتماء الديني التي من شانها ان تشكل، بحكم الشروط التي تحمل فيها او بحكم طابعها التبجحي او المطلبي ضربا من ضروب الضغط والاستفزاز والتبشير او الدعاية ومن شانها ان تخل بسير النشاطات التعليمية وبالنظام داخل المؤسسة او تعطل السير العادي للمرفق العام، وبالتالي فان حمل مثل هذه الشارات قد يكون موضوع تنظيم وضبط يعود الاختصاص فيه، وعلى صعيد الثانويات والاعداديات، الى مجلس ادارة المؤسسة وقد يفسخ المجال عند الاقتضاء لمباشرة مسطرة تاديبية .

حول الدفوع الرامية الى ابطال قرار مجلس ادارة ثانوية جان جوريس بمونت فيرماي المؤرخ بتاريخ 28 شتنبر1990.
حيث انه اذا كانت ادارة ثانوية جان جوريس بمونت فيرماي، بواسطة رسالة عادية مؤرخة بتاريخ فاتح اكتوبر1990، لم تكن موضوع أي طعن، قد اخبرت المشتكين ان " مجلس الادارة، في جلسته المنعقدة يوم الجمعة 28 شتنبر1990 قد مه حمل الحجاب"، فانه يستنتج من تمحيص محضر الجلسة المذكورة الذي ادلت به الادارة وبلغ الى الاطراف ان مجلس الادارة الذي رفعت اليه مسالة ارتداء الحجاب داخل المؤسسة بخصوص حالة تلميذتين و" خطر التعصب الديني بالنسبة لاحداهما"، قد تبنى، بالاغلبية المطلقة للاصوات ملتمس منع حمل الحجاب داخل القسم، على ان التلميذة يمكنها ارتداؤه، ان اقتضى الامر في ساحة المؤسسة او في ممراتها وان قرار مجلس الادارة المعبر عنه بواسطة الملتمس المصوت عليه بعد نقاش واسع خلافا للدفع المثار، ليس خاليا من التعليل وليس فيه فضلا عن ذلك ان انتهاك المبادئ المذكورة اعلاه.

حول الدفوع الرامية الى ايقاف تنفيذ القرار المشار اليه اعلاه والمؤرخ بتاريخ 28 شتنبر1990.
حيث انه بمجرد البت، بواسطة الحكم الحالي، في الجوهر، اصبحت الدفوع المذكورة غير ذات موضوع ولم يعد هنالك من مجال للبت فيها.

حول الدفوع الرامية الى الغاء العقوبات التأديبية :
حيث انه من الثابت ان الادارة وجهت لاولياء المعنيات بالامر بتاريخ 19 اكتوبر1990 رسالة تذكرة بالمحاولات والتنازلات المقدمة، وكذلك بمنع حمل الحجاب داخل القسم ولاسيما خلال حصص التربية البدنية، وان مجلس الادارة قد اكمل، بتاريخ 30 نونبر1990، في اطار ممارسته لاختصاصاته، التنظيم الداخلي للمؤسسة بتبني فصل يحمل رقم 13 محرر كما يلي : " احترام اللايكية يمنع منعا باتا حمل اية علامة مميزة من اللباس او في غيره. سواء كانت ذات صبغة دينية، او سياسية او فلسفية"، وان الشابات سميرة خرواعة، وهاتيس وايمن بالو اللواتي بقين متمسكات بموقفهن، أحلن، شانهن شان تلميذات اخريات، على المجلس التاديبي، وان رئيس المؤسسة اخبر المشتكين، بواسطة تبليغ مؤرخ بتاريخ في 16 دجنبر1990 يتضمن القرار المنازع فيه، وان المجلس التاديبي المذكور قد قرر في جلسته المؤرخة بتاريخ 14 دجنبر1990، طرد اطفالهم من المؤسسة طردا نهائيا بسبب " عدم احترام ( هكذا) التنظيم الداخلي للمؤسسة المتعلق بقضية اللايكية (حمل الحجاب)"، وان رئيس اكاديمية كريتاي المحال عليه الامر تطبيقا للفصل 31 من المرسوم عدد 924/85 بتاريخ 30 غشت 1985، قد ايد، بعد اجتماع اللجنة الاكاديمية لاستئناف قرارات المجالس التأديبية، عقوبة الطرد النهائي المتخذة في حق المعنيات بالامر، وهو قرار لم يطعن فيه سوى خرواعة ومن معها - وحيث انه يتبين من خلال فحص وثائق الملف، وخصوصا محاضر الجلسة التي عقدها بتاريخ 14 دجنبر1990 المجلس التاديبي لثانوية مونت فيرماي وجلسة لجنة الاستئناف الاكاديمية بتاريخ 5 مارس1991 اللتين تمكن امامهما المعنيات بالامر في نطاق احترام حقوق الدفاع، من التعبير بحرية، بحضور اخوانهن، عن ان موقفهن يكتسي طابعا تجاهريا واحتجاجيا مطلبيا من شانه ان يخل بسير الانشطة التعليمية، وخصوصا انشطة التربية البدنية، وكذلك بالسير العادي للمرفق العام للتعليم في المؤسسة المعنية، وان مجلس الادارة ارتاى هكذا عن حق ودون ان يتجاهل ايا من المبادئ المذكر بها اعلاه، وذلك بغية فرض احترام مبدا اللايكية والواجب الملقى على عاتق كل تلميذ في المساهمة في جميع الانشطة المرتبطة بتمدرسه، ارتاى ان يقرر منع حمل كل شارة مميزة ذات طبيعة دينية او سياسية او فلسفية، وان السلطة المعنية، دون ان ترتكب خطا بينا في التقدير، قررت عقوبة الطرد النهائي من المؤسسة، مما لا يشكل بسبب ذلك، خرقا لاجبارية التعليم، طالما ان هذا التعليم يمكن تقديمه اما في مؤسسة اخرى واما في حسب اشكال اخرى وقع تحديدها صراحة لاولياء المعنيات بالامر بواسطة رسالة المفتشية الاكاديمية المؤرخة بتاريخ 14 يناير1991، وعليه فان الدفوع المشار اليها اعلاه لا يمكن سوى التصريح برفضها، دونما حاجة بالمحكمة الى البت في استثناء عدم القبول الذي يثيره رئيس الاكاديمية ضد الدفوع المقدمة في مواجهة قرار المجلس التاديبي للمؤسسة ولا في تاخر قرار رئيس الاكاديمية التاديبي الذي تحتج به خرواعة ومن معها .

تقرر : أولا : - ضم الشكايات المشار اليها اعلاه، ثانيا : - رفض الشكايات عدد 9009588، 9009590، 910135، 910136، 9102454، ثالثا : - صرف النظر عن البت في الشكايتين عدد 9009589 و9009591، - رابعا : - تبليغ هذا الحكم الى خرواعة ومن معها، الى بالو ومن معها الى رئيس اكاديمية كريتاي .
السيد نميرا رئيسا، السيدة بيكار والسيد كولي مستشارين، بورشير مندوبا للحكومة.
الاستاذ مبارك محاميا .

تعليق
لقد خلفت قضية الحجاب منذ بضعة شهور تعليقات شتى، فمحمل الحجاب اعتبره البعض بمثابة ترجمة مظهرية للدونية التى يحض بها الدين الاسلامي المراة ضدا هذا المبدا تساوي الجنسين المعمول به في فرنسا. بينما ربط البعض الاخر، ممن يتميزون بحس سياسي مميز، بين هذا المشكل الدقيق وبين المشاكل الاعم، مشاكل الهجرة والاندماج. وقد حاول كل من راي مجلس الدولة المؤرخ بتاريخ 27 نونبر1989 ( المجلة الفرنسية للقانون الاداري 1990، العدد الاول، ص 6) الصدر بطلب من وزير التربية الوطنية ومنشور نفس الوزير المؤرخ بتاريخ 12 دجنبر1989 والمستوحى الى حد كبير من راي المجلس الدولة ( المجلة الفرنسية للقانون الاداري، 1990، ص 20)، حل هذا المشكل في الجوهر، على اساس قانوني، ومن خلال محاولات التصفية العامة هذه، 

فان النزاعات التي اثارت وقتئذ اهتمام وسائل الاعلام كانت لها فيما بعد تبعات قضائية، ولا شك ان حكم محكمة باريس الادارية هذا المؤرخ بتاريخ 2 يوليوز1991 واحد من الاحكام الاولى الصادرة في هذا النوع من القضايا .

في هذه القضية، فان تلميذين من ثانوية مونت فيرماي تعرضتا للطرد النهائي من هذه المؤسسة لانهما ارتدتا، الحجاب بالرغم من منع مجلس الادارة لذلك، فوقع الطعن في تلك القرارات من اجل الغاء قرار مجلس الادارة وقرارات الطرد التي اصدرها المجلس التاديبي، غير ان الحكم، الذي استند على نفس المبادئ التي ارتكز عليها كل من راي مجلس الدولة والمنشور الوزاري، انتهى مع ذلك الى نتيجة معكوسة، ففي حين ينادي كل من مجلس الدولة والوزير بالتوفيق، ايدت المحكمة الادارية قرار طرد التلميذات اللواتي حملن الحجاب وقررت شرعية قانونية قرار مجلس الادارة. فهذا التضارب في المواقف يفسر التاويل الشائك لمبدا اللايكية، ولا سيما اذا تطلب الامر، كما في هذه القضية، مقابلته مع حرية الضمير (1)، فهذا المبدا، الذي هو من القدم في فرنسا بحيث يبدو بديهيا يكون تطبيقه العملي، في الواقع، عسيرا متى تعلق الامر بتحديد ما يقتضيه بالملموس في سير المؤسسات التعليمية الفرنسية(2).

1- ان التوفيق بين مبدا اللايكية ومبدا حرية الضمير ضروري ….
1) لئن كان يوجد في فرنسا مبدا اللايكية، فلا احد ينازع في ذلك، لكن هل يقتضي هذا المبدا احترام الدولة لحرية ضمير الافراد ام يعني وجوب مراعاة هؤلاء الافراد للحياد، هذا هو السؤال الجوهري الذي تطرحه هذه القضية. 
وعلى صعيد نظري صرف، فان الجواب ليس موضوع شك بتاتا : فاللايكية وحرية الضمير مرتبطان. ثم ان الامر يتعلق بمبدأين لهما قيمة دستورية ( بالنسبة لمبدا اللايكية، تنظر ديباجة دستور 27 اكتوبر1946 والفصل 2 من دستور4 اكتوبر1958، اما بالنسبة لمبدا حرية الضمير فينظر الفصل 10 من اعلان حقوق الانسان لعام 1789 [" لا يمكن مضايقة احد من اجل ارائه حتى الدينية منها مادام التعبير عنها لا يخل بالنظام العام"]، الفصل 2 من دستور 1958 الذي ينص في فقرته الاولى على ان الجمهورية " تحترم جميع المعتقدات"، وقرار المجلس الدستوري عدد 87-77 المؤرخ بتاريخ 23 نونبر1977). فلا يمكن الفصل بين المبداين، بل انهما في الواقع متكاملان : ففرنسا دولة لايكية بقدر ما تحترم حرية ضمير كل شخص. من ثم فان التصور الفرنسي للايكية تصور حيادي، وحتى تتبنى تعبير الاستاذ ريفيرو Rvéro، فان الامر لا يتعلق ب " لايكية صراع" ولكن ب " احترام الدولة لجميع الضمائر، الامتناع عن غرس اية إيديولوجية رسمية في الاطفال" ( مجلس الدولة الراي المؤرخ بتاريخ 27 نونبر1989 : المجلة الفرنسية للقانون الاداري، 1990، العدد 1، ص. 9) ان الامر لا يتعلق بالتالي بان تفرض باسم اللايكية مدرسة بدون دين، بل يتعلق على العكس من ذلك تشجيع تصور متسامح للايكية التي تتجلى في استمالة ممارسة وازدهار دين بعينه او على عكس ذلك منع ممارسته، ولو في المدرسة .

والنتيجة الطبيعية والمنطقية لهذا التوفيق بين اللايكية وحرية الضمير هي اباحة المظاهر الخارجية للعقيدة بل وحمايتها، والا فما الفائدة من اعلان وجود حرية الضمير اذا لم تكن هذه الحرية مكفولة بامكانية تعبير المرء عن ارائه الدينية ؟
فهذا، على الاقل، هو التاويل الذي اورده مجلس الدولة في الراي الصادر عنه ( لان حرية الضمير " المعترف بها على هذا النحو للتلاميذ تستتبع بالنسبة اليهم حق التعبير واظهار المعتقدات الدينية داخل المؤسسات المدرسية") والذي تبناه كل من المنشور الوزاري (" ان حمل التلاميذ لعلامات دينية ليس متنافيا في حد ذاته مع مبدا اللايكية") والحكم الذي يعنينا (" ان مبدا لايكية التعليم العمومي يقتضي بصفة خاصة احترام حرية ضمير التلاميذ").

وهذا الحل ليس جديدا في فرنسا. فمن المسلم به منذ امد طويل ان ممارسة المعتقدات حرة ومحمية، شريطة احترام النظام العام، كما يبين ذلك بخاصة وجود مرشدين في المؤسسات العمومية ( المستشفيات، السجون، المدارس، الثانويات، الاعداديات، مجلس الدولة، فاتح ابريل1949، شافنو والمرسوم عدد 391-60 بتاريخ 22 ابريل1960، الذي ينص على تنصيب مرشدين في مختلف مؤسسات التعليم العمومية) او وجود برامج دينية في قنوات التلفزيون العمومية.

2) فحل النزاعات المتعلقة بحمل علامات دينية يكمن اذن في التوفيق بين مبدأي اللايكية وحرية الضمير. لكن اذا كان هذا التوفيق ضروريا، فان الامر بالمثل بالنسبة للمراقبة التي ستمارس على نتائج هذه المحاولة. وهذا هو دور القاضي الاداري، فحكم المحكمة الادارية هذا له هنا دلالته .
لاشك ان القاضي الاداري قد استدرج من قبل الى مراقبة قرارات طرد التلاميذ، فمنذ قرار فييار Veillard (مجلس الدولة، 19 مارس 1952،  مجموعة قرارات مجلس الدولة، ص 169) أصبحت مستساغة إمكانية الطعن في اجل الشطط في استعمال السلطة في مثل هذه القرارات التي تستحق الطعن، فالحكم ليس مجددا هنا البتة بقدر ما يحصر مراقبته في التثبت من وجود خطأين، تماما كما فعل مجلس الدولة في قرار غوتييه Gauthier ( مجلس الدولة، 10 يناير1969، مجموعة قرارات مجلس الدولة، ص 21). وفي الجوهر، فان قرار المحكمة يستلهم الى حد كبير جدا راي مجلس الدولة الذي كان قد ذكر بان قرار الرد يجب اتخاذه في اطار احترام حقوق الدفاع وبانه لا يتنافى في حد ذاته مع الزامية التعليم، اذا كان بالامكان اتباع التمدرس بوسائل اخرى. وفي هذا الصدد فان المحكمة تؤكد ان اولياء التلاميذ احيطوا علما بالطرق الاخرى التي تسمح لبناتهم بمواصلة الدراسة.

ان قبول المحكمة الادارية للطعن من اجل الشطط في استعمال السلطة ضد قرار مجلس الادارة الذي يمنع "

حمل كل علامة مميزة في اللباس او في غيره، سواء كانت ذات طابع ديني او سياسي او فلسفي" ليبدو من الاصالة بمكان. فحتى لو كان مجلس الدولة في قرار بالدي Baldy  ( م د 10 غشت 1917، مجموعة قرارات مجلس الدولة، ص 637)، قد استجاب لطلب مراقبة شرعية قرار اداري بمنع حمل بعض العلامات في الشارع العام ( ليقرر بابطاله، بما أي دافع عمومي يبرر مثل هذا الاجراء). فقد كان من المسلم به، في مجال التعليم، ان مثل هذه القرارات التي تطبق داخل حرم مؤسسة من المؤسسات التعليمية تشكل تدابير داخلية غير قابلة للطعن بسبب الشطط في استعمال السلطة. وبالفعل فان مجلس الدولة، في قرار لوت Lote ( م ج، 21 اكتوبر1938، مجموعة قرارات المجلس مجلس الدولة، ص 786) كان قد قضى بان منع حمل كل علامة داخل الثانوية يكون الهدف منه هو الحفاظ على الانضباط داخل المؤسسة وبالتالي فانه يفلت من رقابة القاضي. فمحكمة باريس الادارية تخلت اذن عن هذا الحل عندما قبلت مراقبة شرعية قرار مجلس الادارة الذي يمنع حمل علامات .

ومع ذلك فقد كان هذا التطور منتظرا فرأي مجلس الدولة والمنشور الوزاري، كلاهما ألحا بالفعل على الدور الذي سوف يلعبه القاضي الاداري في مراقبة شرعية القرارات المتخذة في المؤسسات قصد تقنين حمل العلامات الدينية.
ان راي مجلس الدولة والمنشور اكتفيا باقرار المبادئ : فالنزاعات يجب ان تحلها السلطات التي تضطر الى التدخل في المؤسسات المدرسية قبل ان تعرض عند الاقتضاء على رقابة القاضي، غير ان التطبيق الملموس لهذه المبادئ يبدو عسيرا.

2- لكنه في الواقع صعب للغاية ….
ان القول بان اللايكية وحرية الضمير مترابطتان وبان حمل علامات دينية مسموح به من حيث المبدا، معناه التسليم ايضا بامكانية صراح قضايا التوفيق في الواقع الملموس، وخصوصا عندما يتعلق الامر، على الصعيد المحلي بتحديد الخطة التي يمكن فيها منع حمل علامات دينية بدعوى انه يصبح متعارضا مع مبدا اللايكية، وللاسف الشديد فلا راي مجلس الدولة ولا المنشور الوزاري يسعفان السلطات المدرسية والقاضي سواء بسواء .

1) ان راي مجلس الدولة، اذ يطرح مبدا واضحا بلا شك ولكنه مشوب بالعديد من الاستثناءات، ويبقى مضمونه الصحيح صعب التحديد، والمنشور اذ يتبنى نفس المبادئ مضيفا اليها خط سيرة يجب على السلطات المدرسية انتهاجه ويغيره تغييرا محسوسا من حمولة المبادئ الاصلية،  يعقدان بوجه خاص مهمة أولئك الذين سيكون عليهم البت في نزاع نشب داخل مؤسسة تعليمية .

فالواقع ان مجلس الدولة يعرض عددا من الاوضاع التي تبرر منع العلاقات الدينية. فاظهار القناعات الدينية لا يجب ان يكتسي بصفة خاصة طابعا " تبجحيا" او " مطلبيا" ولا يجب ان يشكل " ضربا من ضروب الضغط، والاستفزاز والتبشير او الدعاية" او يخل بسير التعليم او بالنظام داخل المؤسسة، واقل ما يمكن ان يقال عن هذه الاستثناءات التي تبناها المنشور، هو ان تأويلها شائك. فمن الممكن الزعم، بلا شك، بان التنظيم الداخلي للمؤسسة هو الذي يجب ان يوضح المبدا واستثناءاته قصد تكييفها مع الظروف المحلية، ( ينظر المرسوم عدد 824-85 بتاريخ 30 غشت 1985 المتعلق بالمؤسسات التعليمية العمومية المحلية. الفصل 3 : " ان التنظيم الداخلي الذي يتبناه مجلس الادارة ….. يحدد بوجه خاص الكيفيات التي يطبق بها : احترام مبدا اللايكية والتعددية" …..) وهذا هو المسلك الذي يقترحه المنشور. ويمكن ان نتساءل عن فعالية مثل هذا الحل عندما نلاحظ ان مجلس الادارة، في هذه القضية، استطاع ان يقرر منعا مطلقا من حمل الشارات الدينية، قالبا بذلك المبدا الذي اقره راي مجلس الدولة، دون ان يتعرض بسبب ذلك لجزاء محكمة ادارية. زد على ذلك انه من راس مجلس الدولة، دون ان يتعرض بسبب ذلك لجزاء المحكمة الادارية. زد على ذلك انه من المؤكد ان المؤسسات التعليمية سوف تتبنى مقتضيات جد متباينة، ما دامت قضية ارتداء الحجاب لا تطرح في كل مكان بنفس الحدة. فالامر يتعلق هنا بخرق لمبدا المساواة امام المرافق العمومية. لا سيما وان الامر يتصل بكل أسف في هذه الحالة بتطبيق مبادرة ذات قيمة دستورية .

اما بالنسبة للمنشور، فانه يزيد مسالة تصفية النزاعات تعقيدا، اذ ينادي أنى كان هناك نزاع ( مما لا يعني بالضرورة الحالات التي قد تبرر منع الحجاب) بفتح نوع من الحوار مع التلميذ الذي يحمل علامة دينية من اجل اقناعه بالتخلي عنه ( " يجب فتح الحوار مع الشاب ومع اوليائه فورا من اجل (… .) حمله على التخلي عن حمل هذه العلامات. ويجب عليكم ان تكرسوا لهذا الحوار كامل قدرتكم على الاقناع وكامل استعدادكم"). في حالة الفشل، واذا ما بقي النزاع قائما، فيجب على رؤساء المؤسسة ان يفرضوا احترام مبدا اللايكية، مما لا يؤدي بسبب ذلك الى منع حمل الحجاب، طالما ان هذا الحجاب ليس " في حد ذاته متعارضا" مع هذا المبدا. اننا نرى هنا حقا تحريفا للحلول التي نادى بها مجلس الدولة : فمما لا شك فيه ان حمل الحجاب مباح مبدئيا (شريطة مراعاة الاستثناءات المحددة في راي مجلس الدولة)، لكن يجب فعل كل شيء ليتخلى عنه التلميذ ولئلا تحمل بالتالي في المدارس اية علامة دينية اخرى…

2) اننا نتصور في هذه الشروط ان الاوضاع الملموسة، في المؤسسات التعليمية، تكون في بعض الاحيان صعبة التسيير. والخطر هو الوصول الى نتيجة عكس النتيجة المبتغاة، فالمنع اللامشروط ( كما هو الشان في قضيتنا) او المبرر باسباب مخادعة الى هذا الحد او ذاك مثل خطر حمل الحجاب في بعض الحصص مثل حصص الكمياء ( حدث هذا في بريطانيا : انظر : جون بيل John Bell، المدرسة والدين في المملكة المتحدة : المجلة الفرنسية للقانون الاداري، 1991، العدد 1، ص 76) او بصعوبة تمييز هوية التلاميذ …. او الترخيص بدون قيد او شرط تبدو على المستوى المحلي بمثابة حلول بسيطة جدا. وحكم محكمة باريس الادارية يبين ذلك جيدا : فارتداء الحجاب، الذي يجب قبوله مبدئيا منع هنا منعا باتا، وبمخالفة تلميذتين لهذا المنع فقد تعرضتا للطرد النهائي من احدى المؤسسات التعليمية، والمحكمة لم تبطل ايا من القرارين : فقرار مجلس الادارة الذي منع حمل العلامات، لا يتضمن أي انتهاك للمبادئ المذكورة اعلاه" ( مما يبدو على الاقل موضوع جدال كما راينا) وهو يستهدف " فرض احترام مبدا اللايكية"،  فقرارات الطرد مبررة " بموقف التلميذات التبجحي والمطلبي".

فالمحكمة اذن لم ترجح المبدا بل رجحت الاستثناء، دون توضيحات تذكر، واننا لا نعلم ما هي الاوضاع التي تبرر منع حمل العلامات الدينية، واذا كان هذا القرار يثير الانتقاد فليس ذلك بسبب حل المنصب على الجوهر (فعدم تدقيق المبدا ولا سيما الاستثناءات وصعوبات التاويل الناتجة عنه لا يمكن ان تؤدي الا الى موقف قابل للجدل ولكن بالدرجة الاولى بسبب ضعف التبريرات التي ادت بالقضاء الى تاييد القرارات التي اتخذتها السلطات التعليمية.

ان هذا القرار والنزاع الذي سبقه يقودان حتما الى التساؤل حول ما اذا كان بالامكان التوفيق حقيقة بين اللايكية وحرية الضمير. فازاء تلميذ يعلق علامة مطلبية جدا الا يكون من العبث المناداة بالحوار او حتى تطبيق مبادئ تبقى ( بالرغم من راي مجلس الدولة والمنشور الوزاري) نظرية قبل كل شيء. فهذا الحكم ينزع الى تبيان ان الحل الوحيد القابل للتطبيق في الواقع. في مثل هذه الحالة، هو المنع والطرد ….

في ظل هذه الشروط، يمكن التساؤل عما اذا لم يكن ابسط حل واعدله ( لان القواعد المطبقة ستكون هي في جميع المؤسسات) هو ان يستنتج من مبدا اللايكية التزام التلاميذ باحترام الحياد، الذي لاحظنا انه يفرض نفسه اصلا على المدرسين والبرامج .
كرستين برتراند
أستاذة محاضرة بجامعة باريس 12

* مجلة المحاكم المغربية، عدد 66، ص 237.


Sbek net
كاتب ومحرر اخبار اعمل في موقع القانون والقضاء المغربي .

جديد قسم : القضاء الاجنبي