-->

لا مجال للادعاء بوجود حالة اعتداء مادي متى تبين من ظاهر اوراق الملف ان النيابة العامة لا زالت بصدد دارسة التصريحين باصدار الجريدة، وان قرارها نهائيا بشانهما لم يتخذ بعد

امر رقم 397 بتاريخ 04/01/‏2001،  قسم : الاستعجالي، ملف رقم 397/2000 س 
---------------------------------------------------------------------------------------

القاعدة
-الاعتداء المادي …. تعريفه …. الاعتداء المادي هو كل عمل يستعصي ادخاله ضمن ممارسات السلطات العامة يتمثل في نشاط مادي تنفيذي عديم اصلة باي نص قانوني تشريعي او تنظيمي .
-لا مجال للادعاء بوجود حالة اعتداء مادي متى  تبين  من  ظاهر اوراق الملف ان النيابة العامة لا زالت بصدد دارسة التصريحين باصدار الجريدة، وان قرارها نهائيا بشانهما لم يتخذ بعد …… نعم .


باسم جلالة الملك
بتاريخ 9 شوال 1412 موافق 4 يناير ‏2001
بناء على مقتضيات الفصول :
- 7 و19 من قانون 90/41 المحدث بموجبه محاكم ادارية
- 149 من قانون المسطرة المدنية .
نحن حسن العفو نيابة عن سيادة رئيس المحكمة الادارية
بصفتنا قاضيا للمستعجلات
اصدرنا الامر الاستعجالي الاتي نصه :
بحضور كاتب الضبط السيدة زاوك كلثوم .
بين : شركة ميديا تروست ذات مسؤولية محدودة الممثلة في شخص مسيرها السيد ابو بكر الجامعي .
الساكن بحي ابن سيناء الرباط .
نائبه ذ. النقيب عبد الرحيم الجامعي .                                           من جهة

وبين : - السيد وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية بانفا .
- السيد وزير العدل
- الدولة المغربية في شخص الوزير الاول .
نائبهما : ذ. طبيح عبد الكبير .
- السيد الوكيل القضائي للمملكة
من جهة اخرى
الوقائع
بناء على المقال الاستعجالي المقدم من طرف المدعية شركة ميديا تروست بواسطة نائبها ذ. عبد الرحيم الجامعي والذي اودعه كتابة الضبط بتاريخ 21/12/2000 اورد فيه ان العارض طالب من وكيل الملك لدى ابتدائية البيضاء انفا تسليمه الايصال المنصوص عليه بالفصل السادس من قانون الصحافة الصادر بتاريخ 15/11/1958 الا انه امتنع عن ذلك بدون مبرر مشروع بعد ما طالبه بالادلاء بوثائق اخرى لا يلزمها القانون منها البطاقة رقم 1 … وانه رغم اسلوب المماطلة والتسويف فان العارض تقدم الى النيابة العامة بالوثائق المطلوبة بواسطة رسالة وضعت لديها بتاريخ 12/12/2000، وانه بالرغم عن ذلك فان النيابة العامة لازالت تمانع من تسليم الوصل القانوني من ايداع التصريح الصحفي، مما يجعل الامتناع من تسليم الايصال الى العارض قرار يمس بحريته في التعبير وفي النشر ويعرقل ممارستها ذلك ان الفصل السادس من قانون الصحافة يشير الى ان التصريحات تسلم عنها وصول، وانه لم يعط للنيابة العامة اجلا لذلك مما يعني ان الوصل يسلم مباشرة عند ايداع التصريح ودليل ذلك ان المشرع اعطى مقابل الالتزام بتسليم الوصل عند ايداع التصريح الحق في متابعة مدير النشر او صاحب المطبعة عند مخالفة مقتضيات الفصل الخامس.

وان النيابة العامة بتصرفها هذا تكون قد ارتكتب بمقتضى قرارها الضمني اعتداء على حرية اساسية من الحريات العامة وهي حرية التعبير، وكذا المس بالحق في الطباعة وفي النشر عندما رفضت تسليم الوصل لحظة ايداع الملف وانه بذلك يكون قرار النيابة العامة قد فقد طبيعته واكتسى طابع الاعتداء المادي ولم يعد له ميزة القرار الذي يمكن الطعن فيه بسبب الشطط بل اصبح قرارا معدوما يعطي الحق للمتضرر في اللجوء الىالقضاء الاستعجالي لرفعه لهذه الاسباب يلتمس العارض قبول المقال شكلا والصريح بان امتناع السيد وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية بالدار البيضاء انفا من تسليم وصل الايداع هو قرار يشكل اعتداء ماديا خطيرا على حرية الطاعن وحقه في التغيير والطباعة والنشر المكفولة كلها بقانون الصحافة، والحكم تبعا لذلك بايقاف هذا الاعتداء وذلك بالغاء القرار المطعون فيه وتسليمه وصل الايداع تحت طائلة غرامة تهديدية قدرها 5000 درهم من تاريخ الرفض.  والامر انه في حالة عدم تسليم الوصل للعارض اعتبار الامر الذي سيصدر في موضوع الطلب بمثابة وصل قانوني يمكن للعارض معه من اصدار الجريدتن موضوع التصريحين عدد 50/2000 ص و51/2000 .
وارفق العارض مقاله بصورة من مراسلة النيابة العامة بدون تاريخ مع صورة الرسالة المودعة بتاريخ 12/12/2000 تتضمن تذكيرا للنيابة العامة بالايداع الذي تم في 7/12/2000 .

وبناء على مذكرة جواب السيد وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية بانفا والتي اودعها كتابة الضبط بتاريخ 29/12/2000 والتي جاء فيها ان النيابة العامة سلطة قضائية وليست ادارية، ثم انها لم تتخذ اي قرار لحد الساعة بشان التصريحين المقدمين اليها، وانما هي بصدد استكمال الاجراءات في الملفين، وبالتالي لا يمكن ان يوصف موقفها بالقرار وبالاحرى عملا ماديا يشكل اعتداء ماديا مادام ان العارضة لم تقم باي عمل ايجابي او تنفيذي، كما انها لم ترفض تسليم الوصل بل طالبت تزويدها بالبيانات والوثائق اللازمة المحددة في الفصل الخامس من قانون الصحافة باعتبار ان حرية النشر مكفولة للمدعية وغير مهددة باي عمل مادي، وانما قيدها المشرع بضرورة سلوك المسطرة القانونية المعمول بها، ومن تم فان عناصر الاعتداء المادي غير متوفرة في النازلة، مما يجعل المحكمة الادارية غير مختصة للبت في الطلب .

ومن جهة اخرى فان اختصاص قاضي المستعجلات ينعقد بتوفر شرطين اساسيين اولهما وجود حالة استعجال، وثانيهما عدم وجود منازعة جدية، والحال ان النزاع المعروض على المحكمة لا يكتسي اية صبغة استعجالية لان اصدار جرائد اومنشورات بقدر ما هو حق من حقوق التعبير فان القانون حدد شروط  لممارسته ثم ان النزاع الحالي يكتسي طابع منازعة جدية وهو ما يخرج  به عن اختصاص القاضي الاستعجالي واحتياطيا في الموضوع فان المدعية شركة ميديا تروست تعيب على النيابة اتخاذها قرارا يتسم بالاعتداء المادي على حرية التعبير والنشر بسبب عدم تسليمها الوصول لكن انه بالرجوع الى مقتضيات ظهير 15 نونبر 1958 بشان قانون الصحافة فانه يمكن تبعا للفصل الثالث نشر الجرائد بحرية بعد القيام بالاجراءات المقررة في الفصل الخامس بعده ومن تم فان الحق في النشر والطباعة مقيد بتنفيذ المقتضيات الواردة في الفصل الخامس لان المشرع عبر عن ذلك بلفظ " بعد القيام" بمعنى انه قبل القيام بتلك الاجراءات لا يمكن نشر الجريدة او المطبوع الدوري ثم جاء الفصل 5 لينص بصيغة الوجوب مؤكدا على تقديم التصريح قبل النشر، وبذلك فان تسليم الوصل بالايداع يفيد ان التصريح قانوني مستكمل للشروط التي يتطلبها قانون الصحافة ومن تم فان سلامة التصريح سابقة على تسليم الوصول، واذا كان التصريح لا يستجيب لمقتضيات الفصل 5 فان النيابة العامة لا يحق ان تسلم عنه وصلا لان تسليمه يعني ان التصريح جاء مستجمعا لكافة عناصره وان المصرح له الحق في ممارسة الطباعة والنشر.

الا ان العكس هوالحاصل في النازلة اذ انه بالرجوع الى التصريحين للذين ادلى بها السيد ابو بكر الجامعي بتاريخ 7/12/2000 يلاحظ انهما يستهينان بجملة من المقتضيات المشار اليها بالفصل الخامس تضمنتها كتابات النيابة العامة للمعنى بالامر في تواريخ 11 و13 و18 من دجنبر 2000، مما يتضح معه بان موقف النيابة العامة اتسم بالمشروعية واقتصر على تطبيق القانون ولم يتضمن اي اعتداء مادي على حرية النشر، لان موقفها كان مستندا الى نصوص قانونية ومتصلا اتصالا وثيقا بمهامها وليس فيه اي مساس بحق من الحقوق او الحريات الاساسية، لاجله يلتمس العارض القول بان التصريحين المدلى بهما مخالفين لقانون الصحافة والحكم تبعا لذلك برفض الطلب .

وحيث ادرجت القضية بعد ذلك بجلسة 2/1/2001 حضرها ذ. النقيب عبد الرحيم الجامعي ذ. ماني عن الشركة المدعية كما حضرها ذ. عبد الكبير طبيح عن الدولة المغربية ممثلة بالوزير الاول ووزير العدل واجاب بان الدعوى غير مقبولة شكلا للاعتبارات الاتية :
1-انعدام الصفة لدى الشركة المدعية ميديا تروست باعتبار ان الجهة المؤهلة لتسلم الوصول هي مدير النشر وليس المقاولة
2- خرق مقتضيات الفصل 33 من قانون المسطرة المدنية الذي ارتبط بالفصل 5 من قانون الصحافة نظرا لعدم بيان مركز الشركة المدعية وموطنها ومقرها للتاكد من الاختصاص الترابي للمحكمة المرفوعة اليها القضية .
3- ان بالرجوع الى الفقرة السادسة من المقال نجدها تنص على : " …. ان النيابة العامة مارست ممارسة تكتسي طابع الاعتداء المادي …" اذن فان جوهر النزاع هو رفع حالة الاعتداء المادي . ويبقى السؤال الذي يطرح نفسه في النازلة هل هناك فعلا اعتداء مادي ؟
4- ان التسليم الفوري للوصل المنصوص عليه في الفصل السادس مرتبط بتقديم تصريح مستجمع لكافة شروط الفصل الخامس من قانون الصحافة، وهذا ما اشارت اليه اتفاقية الدولة للحقوق المدنية والسياسية والتي صادق عليها المغرب في 8/11/1979 سيما المادة 19 منها التي تشير الى انه لكل فرد الحق في حرية التعبير . كما لكل فرد الحق في البحث عن مصادر الخبر ونقلها، الا ان ممارسة تلك الحقوق ترتبط بقيود وشروط معينة، وهو نفس ما اشارت اليه المادة 10 من الاتفاقية المتعلقة بالحريات الاساسية وحماية حقوق الانسان الصادرة في سنة 1998 ومن تم يتاكد ان المبادئ الدولية لحقوق الانسان في اكثرها حداثة تجعل حق النشر والطباعة مرهونا بشروط واجبة التطبيق، وانه في النازلة لم تقم النيابة العامة باكثر من مطالبتها للمدعية بالخضوع واحترام القانون أي انها في تعاملها كانت مطبقة لمبادئ حقوق الانسان كما هي متعارف عليها دوليا، وبالتالي لا يمكن ان يوصف عملها بكونه اعتداء ماديا لاجله يلتمس العارضان التصريح اساسا بعدم قبول الطلب، واحتياطيا الحكم برفضه .

وتناول الكلمة بعد ذلك نائب الشركة المدعية الاستاذ النقيب الجامعي متسائلا متى نكون امام حالة اعتداء مادي؟  وهل الاعتداء المادي مرتبط بعمل مادي تنفيذي ام بمجرد امتناع من القيام بعمل ما ؟ واضاف بان الفقه والقضاء الفرنسيين يعتبران مجرد التلويح بوقوع اعتداء يشكل اعتداء ماديا، وانه بالتالي يمكن القول بانه حتى في حالة انتهاء حالة الاعتداء المادي فان اثاره تبقى مستمرة، وبذلك يبقى القضاء الاداري الاستعجالي مختصا في مراقبة الادارة وبرفع حالة الاعتداء المادي.  والحكم بالتعويض عند الاقتضاء او توقيع الغرامة التهديدية، وان النيابة العامة والدولة حين افتعلت نصوص اخرى تكون قد خرجت عن اطار المشروعية، وتكون في وضعية المعتدية ما دام انه لا يوجد في الفصل 5 من قانون الصحافة ما يعطي وكيل الملك حق مراقبة التصريحات، ملتسما في الختام الحكم للعارضة وفق ملتمساتها المضمنة بالمقال .

ثم بعد ذلك تناول الكلمة ذ. ماني عن المدعية مؤكدا ما جاء في مرافعة الاستاذ النقيب عبد الرحيم الجامعي، واضاف ان الفصل الخامس من قانون الصحافة يتحدث عن ايداع التصريح ولا ينص بتاتا على اضافة وثائق جديدة، كما ان الفصل السابع يشير الى انه للنيابة العامة في حالة ما ثبت لديها مخالفة للمقتضيات المنصوص عليها في الفصول 3 و4 و5 الحق في متابعة مدير النشر وعند الاقتضاء صاحب المطبعة .

ملتمسا الحكم للعارضة وفق الطلب، وتدخل ذ. طبيح معقبا بان السؤال الذي يطرح نفسه هو هل يحق للادارة ان تدرس التصريح ام لا ؟ بالنظر الى ان هناك جهتين اعطاهما المشرع حق تسليم الوصول بحسب الجهة طالبة  التصريح وطنية او اجنبية ففي الحالة الاولى يسلم الوصل عن ايداع التصريح من طرف النيابة العامة للمكان الذي توجد به ادارة الجريدة وتحريريها وفي الحالة الثانية فانه لا يجوز ان تحدث او تنشر اية جريدة او نشرة دورية الا اذا صدر بشانها سابق اذن بموجب مرسوم على اثر طلب كتابي يوجه الى مصلحة الانباء ضمن الكيفيات المقررة في الفصل الخامس .

واستطرد بانه بمطالعة التصريحين يلاحظ عليهما انهما لا يتضمنان اية اشارة الى عنوان الشركة المدعية بالدار البيضاء، ملتمسا الحكم برفض الطلب .
بعد ذلك تقرر حجز القضية للتامل والنطق بالحكم بجلسة 4/1/2001 .

التعليل
وعليه نحن قاضي المستعجلات :
1- في الاختصاص النوعي :
حيث تمسك السيد وكيل الملك لدى ابتدائية البيضاء انفا بعدم اختصاص القضاء الاستعجالي الاداري للبت في النزاع باعتبار ان النيابة العامة لم تتخذ اي قرار اداري يشكل اعتداء ماديا على حرية او حق من الحقوق الاساسية مما ينعقد به الاختصاص للمحاكم الادارية .

لكن حيث انه اذا كان الاختصاص قبل احداث المحاكم الادارية منعقدا للمحاكم الابتدائية كدرجة اولى ولمحاكم الاستئناف كدرجة ثانية للنظر في دعاوي التعويض عن الاضرار التي تسببها اعمال ونشاطات اشخاص القانون العام، وكانت هذه المحاكم تنظر في دعاوي التعويض عن الاعتداء المادي في هذا الاطار، وتقضي تبعا لذلك اذا طلب منها برفع حالة الاعتداء المادي وارجاع الحالة الى ما كانت عليه كطلب تابع او بامر استعجالي وقتي من قاضي المستعجلات او بحكم قطعي بناء على طلب منفرد بذلك، فان المشرع  عندما  نقل اختصاص النظر في دعاوي التعويض عن الاضرار التي تسببها اعمال ونشاطات اشخاص القانون العام ومنها دعاوي التعويض عن الاعتداء المادي الى المحاكم الادارية،  ونقل اختصاص قاضي المستعجلات الوقتي المرتبط من رئيس المحكمة الابتدائية الى رئيس المحكمة الادارية  يكون بذالك  قد نقل الى المحاكم الادارية والى رئيسها اختصاص النظر في رفع الاعتداء المادي الممارس من طرف الادارة .
( انظر القرار رقم 474 الصادر عن المجلس الاعلى بتاريخ 20/6/96 في ملف اداري عدد 150/96) .
2- في الشكل :
حيث اثار نائب الدولة المغربية دفعا بعدم قبول الدعوى لخرقها لمقتضيات الفصل 1 و32 من قانون المسطرة المدنية ولانعدام الصفة عند رافعها لكون التصريحين باصدار الجريدتين موقعين من طرف السيد ابو بكر الجامعي بصفته المدير المسؤول عن النشر في حين ان الدعوى مرفوعة من طرف شركة ميديا تروست .

لكن حيث انه بالرجوع حقا الى المقال نجد ان الدعوى مرفوعة من طرف شركة ميديا تروست بصفتها شركة ذات مسؤولية محدودة ممثلة في شخص مسيرها السيد ابو بكر الجامعي الساكن بحي ابن سينا بالرباط ، ومن تم فان هذا الاخير تكون له الصفة في رفعها مادام انه هو المسؤول عن الشركة، وما دام التصريحين مرفوعين وموقعين منه بهذه الصفة .
وحيث انه بذلك تكون الدعوى مرفوعة من ذي صفة ومصلحة واهلية مستوفية لكافة شروطها الشكلية المتطلبة قانونا مما ينبغي معه التصريح اذن بقولها شكلا .

3-في الموضوع :
حيث ان مناط النزاع في هذه النازلة يبقى هو معرفة ما اذا كان موقف النيابة العامة من ايداع التصريحين يشكل اعتداء ماديا على حق من الحقوق او الحريات الاساسية وهو حق الطالب في النشر والطباعة، ام لا ؟ وهذا ما يجرنا الى طرح السؤال التالي : متى نكون امام حالة من حالات الاعتداء المادي ؟ وفي هذا الصدد نجد الفقه والقضاء المغربيين قد تاثرا بصفة مباشرة بالنقاش الفقهي والقضائي الذي عرف في كل من فرنسا ومصر حول تحديد مفهوم الاعتداء المادي من جهة وبتحديد الجهة القضائية المختصة برفعه او وضع حد له من جهة اخرى باعتبار هاتين الدولتين رائدتين في مجال القضاء الاداري وتطبيقاته وهكذا نجد ان الفقه الفرنسي انتهى الى تعريف الاعتداء المادي بكونه : "كل عمل مادي تنفيذي غير مشروع ماس بالملكية الخاصة او بالحريات العامة او بحقوق الافراد والجماعات صادر عن سلطة ادارية وبالتالي يصبح مجردا عن صفته الادارية وتفتقد الادارة بسببه كل الامتيازات المعترف لها بها كسلطة عامة فتنزل منزلة الافراد العاديين ويخرج عملها هذا عن رقابة القضاء الاداري"  وهو الراي الذي اجمع عليه الفقهاء لا فريير - ايليتون لوفير ولاند - جون جانني - ودولوبادير ( المجلة المغربية للادارة المحلية والتنمية العدد 12 الصفحة 39 مقال للاستاذ سمو لحسن) هو نفس الاتجاه الذي سار عليه الفقه المصري في تعريفه للاعتداء المادي من انه : "ارتكاب الادارة لخطا جسيم اثناء قيامها بعمل مادي تنفيذي يتضمن اعتداء على حرية فردية او ملكية خاصة ويكون مقطوع الصلة تماما بالمشروعية اما لخروجه عن اختصاصها، او لكونه داخلا في اختصاصها ولكنها لم تتبع في اتخاذه الاوضاع والاجراءات القانونية …" .

وهكذا يرى الدكتور رافت فودة في كتابه " دروس في قضاء المسؤولية الادارية" بانه يوجد اعتداء مادي في كل مرة تتخذ الادارة قرارات او عملا ماديا يبين من ظاهره انه لا يقوم على اساس قانوني ويلحق اضرارا بحق الملكية او بحريات الافراد الاساسية، وقد ياخذ العمل الذي يشكل اعتداء ماديا باحدى صورتين : صورة قرار اداري او ذات مظهر اداري معيب بعيب جسيم او صورة عمل مادي تنفيذي ترتكب جهة الادارة اثناء القيام به خطا جسيما يحدث اضرارا واعتداء على حقوق الملكية او على حريات الافراد الاساسية .

وحيث انه بالرجوع الى الفقه والقضاء المغربيين في تعريفه لمفهوم الاعتداء المادي نجد انهما قد خلصا الى نفس النتيجة و اعتبر ان الاعتداء المادي هو ارتكاب الادارة لعدم مشروعية جسيم وظاهر اثناء قيامها بنشاط مادي تنفيذي يتضمن اعتداء على حق الملكية او مساسا بحرية من الحريات العامة، ويكون في حد ذاته منعدم الصلة بتطبيق اي نص قانوني او تنظيمي او حتى باحدى السلطات المخولة للادارة وهو الاتجاه الذي تبناه القضاء المغربي حين انتهى الى تعريف الاعتداء المادي بانه عمل مادي غير مرتبط بنص تشريعي او تنظيمي وليست له اية صلة بالقرارات الادارية الصادرة عن السلطات الادارية. قرار المجلس الاعلى عدد 74 بتاريخ 12/3/92 المنشور في كتاب القضاء الاداري لمؤلفه الاستاذ عبد الله حداد ص 49-50 وايضا في قراره الصادر بتاريخ 4/12/1958 في قضية فبليكس ضد الدولة المغربية حين اعتبر المجلس الاعلى الاعتداء المادي محققا في الحالة التي تكون فيها الادارة قد اتخذت تصرفا لا صلة له باية صفة من الصفات بالسلطات التي تستعملها الادارة والتي خولت لها بمقتضى القوانين المعمول بها" .

وحيث انه باستقراء جل هذه التعاريف يمكن الجزم بوجود اعتداء مادي لما ترتكب الادارة اثناء قيامها بنشاط مادي تنفيذي عدم مشروعيته جسيم ظاهر من شانه ان يتضمن اعتداء ماديا على حق الملكية او مساسا بحرية من الحريات العامة ومن تم فان الاعتداء المادي هو كل عمل يستعصي ادخاله ضمن ممارسات السلطة العامة. انظر كتاب نزع الملكية من اجل المنفعة العامة محمد الكشبور طبعة 1989 ص 119 .
وحيث انه ترتيبا على ما سبق بيانه، وباستقراء ظاهر الأوراق المدلى بها في الملف يلاحظ ان التصريحين باصدار الجريدتين الصحيفة الاسبوعية Le journal Hebdomadaire والمودعين بكتابة النيابة العامة لدى ابتدائية انفا يوم 7/12/2000 لازالا قيد الانجاز والدراسة حسبما يستفاد من المرسلات المتبادلة بين طرفي الدعوى من قبل النيابة العامة التي اوكل لها المشرع في الفصل 6 من قانون 15 نونبر 1958 المتعلق بالصحافة الحق في تسليم وصول بايداع التصريحات - كلما تعلق الامر بنشر جرائد او مطبوعات دورية وطنية وكانت مستوفاة لجميع البيانات المسطرة في الفصل الخامس - والذي لا يتضمن إطلاقا ما يفيد التسليم الفوري للوصول بمجرد ايداع التصريح، وانما يحيل على مقتضيات الفصل الخامس من نفس القانون الذي يشير الى كيفية تقديم التصريح والبيانات اللازمة التي يجب ان يتضمنها، وان القول بحلاف ذلك فيه مصادرة لحق النيابة العامة باعتبارها ممثلة للحق العام والساهرة على تطبيق القانون  للتثبت من صحة هذه البيانات قبل تسليم الوصول بالايداع، وبالتالي يفرغ الفصل الخامس من كل مغزى اذا ما استعيض عنه بالفصل السابع كما يزعم الطرف المدعي والذي خول النيابة العامة الحق في المراقبة والتشبت من المخالفات لمقتضيات الفصول 4 و5 و6 من الظهير المذكور .

وحيث انه تبعا لذلك فان موقف النيابة العامة لا يعتبر امتناعا من تسليم الوصول باصدار الجريدتين الانفتي الذكر، ومن تم فانه لا يشكل اعتداء ماديا على حرية الطباعة والنشر بالمفهوم الفقهي والقضائي، الامر الذي يستدعي منا التصريح برفض الطلب .
وحيث انه يتعين ابقاء الصائر على رافعه .

المنطوق
وتطبيقا لمقتضيات الفصول 3 و7 و8 و19 من قانون 90/41 المحدث للمحاكم الادارية والفصول 3 و4 و5 و6 من الظهير الشريف رقم 378-58-1 الصادر بتاريخ 1958 ) بشان قانون الصحافة بالمغرب .

لهذه الاسباب
نصرح علنيا ابتدائيا :
شكلا : بقبول الطلب
موضوعا :  برفضه .
وبابقاء الصائر على رافعه .
بهذا صدر الامر في اليوم والشهر والسنة اعلاه ……………..

امضاء
الرئيس                     كاتب الضبط

*مجلة المحاكم المغربية، عدد 86، ص 190 .
Sbek net
كاتب ومحرر اخبار اعمل في موقع القانون والقضاء المغربي .

جديد قسم : اجتهادات قضائية