-->

فتاوى العلمانيين وإقصاء الدين من دولة القانون [ موازنة بين المقدسات الدينية والسياسية ]



القسم الثاني
تغيير المنكر من حقوق الإنسان
                                                                                                                                                                         ذ. احمد باكو

مرة أخرى، أقول أنني لا اكتب " وعظا وإرشادا" فإذا كان الإسلام ركنا من أركان دولة القانون، فان تغيير المنكر واجب على السلطة،بنصوص القرآن، المحال عليها بنصوص الدستور، لان كل ما كان واجبا على الدولة كان حقا للفرد.
وحيث كان الدين مما يكون الهوية الإنسانية للفرد في بلادنا، وكان الإسلام يحتوي على محرمات، تقصد إلى دفع الأضرار وجلب المنافع،لأنها تتعلق كلها باجتناب الخبائث، فان النتيجة الحتمية لكل هذا، ان نقول ان تغيير المنكر، من حقوق الإنسان، التي يجب ان تأخذ مكان الصدارة، مع بقية الحقوق المدنية المشهورة.
وإذا أردنا التوسع في بحث المسالة، وجدناان هناك عدة أسباب دينية وقانونية وعقلية واجتماعية، تجعل تغيير المنكر من الالتزامات العامة، التي لا تقبل أي نزاع أو جدال.
فمن الجانب الديني، فالمظنون أنني في غنى عن جلب الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية، التي تفيد بالقطع،ان تغيير المنكر، واجب على الفرد والجماعة، وواجب بالخصوص على الدولة، التي لها الاختصاص الأهم والأكبر في ذلك، لأنها تملك الوزاع الأكبر، وهو السلطان  الذي  يزع الله به ما لا يزع بالقران ‍‍‍‍‌‌!
ومن الجانب القانوني، فإني في غنى كذلك، عن تكرار ان هذه النصوص الدينية، واجبة التنفيذ والتطبيق، لأنها محال عليها  بنص  الدستور ،  الذي يجعل الدولة ملزمة بحماية الدين، كما سلف شرحه والبرهنة عليه.
ومن جانب العقلي والاجتماعي، فان المناكر كلها أمراض اجتماعية، لا تختلف في شيء عن الأمراض البدنية، وكما ان الفرد محتاج لمن يساعده لكي يصح بدنيا وعقليا، فانه كذلك محتاج لمن يساعده على ان يصح دينيا.
ومن المسلم به ان الدولة مسؤولة عن صحة المواطنين وسلامتهم، كما هي مسؤولة عن أمنهم، بل حتى في ذهابهم وإيابهم في الطريق العامة، حيث نعلم بالضرورة، ان الدولة إذا قصرت في تعبيد الطريق، وتضرر أحد المارة من ذلك، كان يتعرض لحادثة سير مثلا، فإنها تكون مسؤولة ومدينة بالتعويض !
قياسا على هذا، فان البداهة تهدي كل من يستعمل عقله بأمانة، إلى ان الدولة ملزمة بتعبيد الطريق للمواطن المسلم، لكي يمارس إسلامه، من غير ان يجد ما، أو من يقطع عليه سبيله إلى دينه، بأي من نوع من العراقيل المادية او المعنوية. وكثيرا ما نسمع من يسعى إلى الجدال في هذه الحقيقة، بنوع من السفسطة، لا يمكن ان تنطلي على أي عاقل.
قال مرة أحد وزرائنا في الإعلام، ردا على من تظلم أو احتج، على ما تفعله التلفزة بالناس داخل بيوتهم، بتدبير من الذين يديرونها، وتزكية من الدولة التي بيدها الامر كله قال ان ان الجهاز له مفتاح يغلقه، وليس على من لا يعجبه ما فيه، الا ان يبادر إلى اغلاقه ويستريح!
وفي احدى المحاكمات السياسية ( خارج المغرب) قال رئيس الجلسة للمتهم" : هل تستطيع ان تدعي على الدولة، انها اجبرت احدا ما، على دخول احدى الحانات !!
وهذا الكلام الذي له نظائر كثيرة، تقال من حين لحين، ليس الا من السفسطة التي لا تنطلي على أي عاقل كما ذكرنا.
فإذا قلنا ان الفواحش أمراض، وكان مسلما ان الدولة ملزمة بان تضمن للناس صحتهم، وتعمل على ان تقيهم من الأمراض، وان هذا يصل احيانا إلى حد اجبار الناس على ما تتخذه من اجراءات وقائية، شفائية، كما نرى في حالة انتشار الاوبئة، فانها يجب عليها ان تضمن لهم صحتهم الدينية، بان تسلك كل السبل الضرورية لذلك، وفي مقدمتها الاجراءات  الوقائية،  التي تحفظ للمسلم دينه وتسهل له امتثال اوامره ونواهيه.
بل اننا إذا اقتنعنا بان الدولة يجب عليها ان تجبر الناس في حالة وجود الاوبئة، على ما تتخذه من اجراءات وقائية أو علاجية، فاننا نستطيع ان نقول ، بقياس بصحيح، لان حقوق الإنسان المسلم على دولته، لا تقتصر على ان تعبد له الطريق لدينه ليسلكه إذا شاء، بل ان ذلك يمتد إلى حقه، في ان تجبره الدولة على ذلك، بالزواجر الرادعة التي تعجزه عن اقتراف أي منكر !.
واقترح على من ساسته عبارة الاجبار هذه، ان نحتكم في هذا الامر، الى من له الحق في ان يحسم فيه، لان له تجربة تجعله اولى بان يستفتى في شانه، واعني بهذا بعض الذين تركتهم الدولة، ومهدت لهم ان يمارسوا "حريتهم" مع المناكر المسموح بها قانونا، حتى غرقوا فيها، وليكن مثلا احد الذين اخذوا حريتهم مع الخمر، حتى فقدوها واصبحوا عبيدا لها !.
علينا ان نساله عما اذا كان يتمنى، ان لو كانت الدولة قد حظرت هذه الحانات، التي اهدت له هذه المادة السامة، التي ذهبت بصحته وعقله وماله وسمعته، وعلينا ان نصارحه بان للشريعة الاسلامية عقابا بدنيا مؤلما، وان نطلب منه ان يصارحنا بدوره، ويجيبنا عما اذا كان يفضل هذه الالام البدنية العابرة بكل ما فيها، على الامه المادية والمعنوية المزمنة الحالية، التي فقد حتى الامل في دفعها والشفاء منها !؟
ما اظن الا ان ما بقي لدى البائس من عقل، لا بد ان ينطقه بالحق طوعا او كرها، ليقول انه يتمنى فعلا، ان لو اجبرته الدولة بالعقاب الزاجر، على الا يقرب هذا المنكر ابدا، او ان لو حرمته من هذه الحرية، التي ادت به الى ان يستعبده الادمان على هذا النحو.
ان هذا الشخص وامثاله، هم الذين يحق لهم ان يفتونا في الامر، ويعطونا رايهم في الحرية التي تمنحها لهم الدولة مع المناكر، لانهم مؤهلون لذلك بالتجربة.
وقد جاءت مناسبات راينا فيها هذا المثال المفترض راي العين، وسمعناه سماع الاذن، كان ذلك في برنامج تلفزي عن اليناصيب، وغيره من انواع القمار، المستترة وراء الاعمال الاجتماعية او الخيرية، حيث انقلت الكاميرا الى بعض المراكز، التي تنظم هذه الالعاب، واخذت في استجواب بعض الممارسين او المبتلين على الاصح، فراينا اشخاصا بوجوه كالحة، وهيئات تنضح بالبؤس والقهر، الذي يعانون من ادمانهم هذا المنكر، وعندما طولبوا بالادلاء برايهم، تكلموا بما يشبه الصراخ، رافعين اصواتهم بالشكوى، مما فعلته بهم مقاولات الميسر، التي لا تختلف في شيء عن حانات الخمور، طالبين بالحاح، ان يخلصهم وينقذهم الذين بيدهم اغلاق هذه المقاولات وانهاء نشاطها.
ان الدولة حين ترخص بفتح حانة فانها تقوم بما لا يختلف عن الترخيص بفتح مركز لتوزيع الاوبئة والامراض الخبيثة ونشرها، وكذا الحال حين تاذن بمقاولات القمار والدعارة، او تتساهل مع من يتجر في هذا النشاط الحرام.
والحق الذي لا يخفى على احد، ان الدولة تخلت عن واجبها، وحقوق الناس في تغيير المناكر، ولم تؤد واجبها الديني، الذي هو كذلك واجب قانوني. وتركت الناس نهبا للمفاسد، تاخذهم من كل جانب، على نحو ما يمكن ان يحدث لو ان الدولة الغت مرافق الصحة، وتركت الناس يواجهون الامراض والاوبئة لوحدهم !
لقد ديست حقوق الانسان المسلم، في هذا الجانب الخطير من حياته، واهين المواطن المغربي في كرامته الدينية والانسانية، دون ان يجد من يدافع عنه ويؤيد شكواه، في المؤسسات والمنظمات، التي تخصصت في المعارضة السياسية، والدفاع عن حقوق الانسان، لانه لا يخفى ان هذه المنظمات والمؤسسات او جلها، اقتنعت من قديم، عملا بروح عصر الحضارة الاوروبية، بان الدين لا يجوز له ان يفتي في هذا الموضوع !
بل اخشى ان اقول، لانه ربما كان لدى هذه المنظمات والمؤسسات، اقتناع بان من حقوق الانسان، ان يرتكب هذه المحرمات الدينية، من غير عقاب، وان تضمن له الدولة حريته في ذلك، بان توفر له كل مرافق الفسق، التي تمكنه من ممارسة حريته الشخصية في هذا الجانب.

يسجنون أنفسهم في باطل غيرهم
ولا ادري لماذا يفترض البعض هنا، فرضا باطلا يلزمون به انفسهم، من غير الزام، وهو ان افكار الغربيين بلغت الكمال في كل شيء، وان ما اتوا به في ميدان حقوق الانسان، هو الصورة المثالية، التي لا تقبل اية مراجعة او تنقيح او تصحيح !
ان هذا الافتراض هو المسيطر الان على العقول، في مجال التشريع وفي مجال حقوق الانسان وفروعها، مثل حقوق الطفل وحقوق المراة وغير ذلك، وهو باطل وضلال، والتشبث به من البعض، لا يدل الا على انقماعهم للاجنبي الغالب، وقبولهم لاستلابه وتغريبه.
ان فكر الحضارة الاوروبية، يعاني من الافراط في الجانب المادي، والتفريط في الجانب الروحي للانسان، والسبب انه الغى من اعتباره، جانبا مهما من الحياة، وعنصرا جوهريا من مكونات الوجود، وهذا هو التراث الديني الصحيح الذي اسسه الانبياء والرسل عليهم السلام، وناضلوا من اجله وضحوا طوال قرون وقرون، ليتركوا لنا ذلك الهدي السماوي العظيم، الذي له الحق في ان ياخذ الصدارة في الاعتبار.
ونتيجة لهذا الخلل، جاء الفكر الاوروبي، معيبا بما يعيب الانسان، حين يفقد عقله، بل الاولى ان نقول انه جاء فاقدا للروح، ومعيبا بما يعيب الجسم، حين يفقد الروح، انه فكر ميت كالميت، ونتيجة لهذا، جاءت الحلول التي وضعها لمعاملات الناس، وسلوكهم ومشاكلهم عقيمة، بل كانت مشاكل اخرى زادتهم عناء ورهقا !
وعلى كل فان كان للفكر الغربي الاوروبي، اسبابه التي جعلته يعادي الدين ويتمرد عليه. وهو ذلك الخصام او الصراع القديم، بين رجال الفكر رجال الكنيسة، فان هذا ليس حجة على الاسلام، الذي كان بعيدا عن هذه الخصومة، لانه لم يرتكب أي شيء مما ينعاه المفكرون الغربيون على الكنيسة. بل ان الاسلام كان ايضا ضدا على الكنيسة وحربا عليها، فيما ابتدعته واهقت به الناس، كما يظهر ذلك من ان القرآن نعى عليها وشنع، ما ابتدعته من الرهبانية وما تفرع عنها !
بل يجب ان نشير هنا، الى ان هناك من نبه الى ان هبة الاصلاح الديني التي وصلت التي وصلت الى اوروبا كانت بتاثير من تعاليم الاسلام، في يسره المعروف، الخالي من كل الطقوس الكنيسة الثقيلة، لا سيما تلك التي تجعل مفاتيح التوبة والغفران، والجنة والنار بيد اناس من البشر، عينوا انفسهم لذلك.
وهذا راي لا يجوز استغرابه، لان في قرائن الاحوال، الكثير مما يرجحه، لكون تاثير الاسلام في الحضارة الاوروبية امرا مسلما، له اكثر من دليل في اكثر من جانب من جوانبها.
فاذا كان هناك من يقول يؤكد، ان الشارع الايطالي ( دانتي اليجري) استلهم او اقتبس ( كوميدياه الالهية)، من ( رسالة الغفران)، لابي العلاء المعري، نظرا للتشابه الكبير الذي بينهما، فان من الجائز ان يكون ( مارتن لوثر) او غيره، قد تعلم من الاسلام ما هداه الى ابتداع مذهبه، الذي جاء ليحرر المسيحيين من جبروت الكنيسة، ورهبة السخط البابوي المعروف.
وايضا، فاذا كان الاوروبيون معذورين، حين يهملون الاسلام وما جاء به، لانهم يجهلونه، فانه لا عذر لنا، نحن الذين نعرف ديننا وخصائصه، وصحة سنده، ونعرف النبي الذي جاء به ونحتفل بذكراه، ولكننا نبتعد عنه بقدر اما هو قريب منا، ونتجاهله بقدر ما نعلم عنه.
فيكيف يسوغ لمن ينظرون ويشرعون اليوم في ميدان حقوق الانسان، ان يسجنوا انفسهم، في القوالب التي صاغها الفكر الاوروبي، في عماه وضلاله، لا سيما حين نرى بالتجربة والمعاينة، النتائج القبيحة التي تعانيها المجتمعات الاوروبية، بسبب هذا الجفاف الروحي !!

أرقام قياسية في كل أنواع الفساد
وقد وصلنا اليوم الى اعداد ضخمة، وكميات هائلة، في كل انواع المناكر والمفاسد، حتى اخذنا نقرا في الصحف، عن ارقام قياسية افي استهلاك الخمور وكل انواع المسكرات، وعواقبها القاتلة  في عدة جوانب من حياتنا، ومنها حوادث السير، التي تترك كل يوم وفواجع ومآسي، ما كانت لتقع لولا هذه الحانات، المبثوثة في الطريق، كما نبهت الجرائد الى ذلك مرارا، واخذنا نسمع ونقرا عن ارقام قياسية في الدعارة، وعدد الحوامل من غير زواج، حتى بين الطالبات والتلميذات، وعدد اللقطاء المعثور عليهم، في الطريق ابل حتى في المزابل احيانا!
وهناك رقم قياسي عن مفسدة اخرى شديدة الشناعة، هي ان عدد المغربيات المسلمات، المتجرئات على التزوج باليهود والنصارى، من كل الجنسيات العالمية، تكاثر حتى اصبح يلفت النظر ويثير الانتباه !
وقد تعمدت ان اسال بعض الاخوان الشرقيين، عن مدى انتشار هذا "الزواج" في الشرق، حيث يتساكن المسلمون والمسيحيون، ويتشاركون في الجنسية والمواطنة، وحيث العلمانية راسخة فاعلة من قديم، فكان جوابه ان ذلك من المستحيلات.
ورغم انني اعتبرت هذا الجواب منطويا على شيء من المبالغة، فانه يدل على ان الظاهرة نادرة هناك، رغم الاشتراك في القومية والجنسية، واننا نحظى فيها بسبق غير مشرف، لا سيما انها لا تقتصر عندنا على الطبقات الدنيا المستضعفة، بل تعم كذلك الطبقات العالية، ذات الحسب والنسب !!
والواقع المؤلم ان هذا الزواج بكل ما فيه، كثيرا ما ينقاد ويستسلم له الاباء، باعتباره اهون الشرين، لانه يكون عادة مسبوقا بعلاقة سفاح بين الطرفين، وفي هذه الحالة يكون قبول الزواج بكل ما فيه، اهون من الاستمرار في علاقة سفاح، غير مؤطرة باي شكل قانوني، يضمن للاولاد نسبا مدنيا، وابا يعترف بهم على الاقل !
وصارت لدينا صحف للفضائح، استدعتها احوالنا العفنة، وتكاثرت. حتى اصبحت كالذباب، حين تتزاحم اسرابه على القذارة والقروح المتعفنة، تتسابق كلها الى تتبع ما يقع يوميا من مناكر، لنقله الى القراء في اخراج جذاب بالعناوين الكبيرة والصورة الملونة، يزيد في عدد المقبلين عليها لان اشهار المناكر على هذا النحو، ليس له الا نتيجة واحدة، هي الاغراء بها وتهوينها على الناس (1).
وشاعت الاخبار في الخارج عن واقعنا القبيح هذا، حتى كتبت الجرائد مرارا، ان المغربي اصبح يخجل من الانتماء الى مغربيته، عندما يكون بين الاجانب خارج بلاده، لكثرة ما اشاعه السياح عن بلادنا، من اخبار مستمدة من تجاربهم، حيث اصبح مسلما عندهم، ان المغرب مباح فيه كل شيء، وان بضاعتنا في سوق الدعارة، هي اوجد وارخص واخدم واطوع بضاعة !!
-----------------------------
1)  وبكل اسف ومرارة، فان العدوى سرعان ما انتقلت الى كل صحفنا على اختلاف انواعها، حتى الحزبية منها، التي رايناها اليوم تنافس صحف الفضائح، وتهتم بحشد اكبر قدرا من اخبار المناكر والماثم، وانتقاء الاقبح والاقذر منها، وتقديمه مكبرا بالعنوان البارز والصورة الجذابة، والسبب هنا هو السبب هناك، اعني التحايل على القارئ لدفعه الى شراء الجريدة، بتلك الوسيلة المغرية التي لا تقاوم، وهذا ايضا نتيجة لاهمال العمل بضوابط تغيير المناكر، اذ ان العاقبة الحتمية لعدم المبادرة الى التصدي لها بما يجب، هو ان تنتقل عدواها الى الكل، حتى يرتكبها الجميع وتعم الفاسد من الناس، الذي يبادر اليها بطبعه الخبيث، والصالح منهم الذي سرعان ما يندفع اليها، بحكم التقليد والعادة، او بحكم " الاضطرار" حين تصبح لها منافع مادية، وارباح تفوت الذين يجتنبونها وحدهم وتصير الاستقامة، عامل خسارة، يصبح بها صاحبها مغبونا ومغفلا ( انظر لكتابه مقال " صحفنا الحزبية تنافس صحف الفضائح" الذي تفضلت بنشره جريدة الانطلاقة) العدد 109 ( جمادى الاولى1416 / 16 اكتوبر1995 ص 14).
------------------------------
من الغريب ان صحفنا الحزبية، تظل تسجل اخبار هذه المناكر، للتنديد بها وبتفريط السلطة في القيام بواجبها، بحيث نتوقع ان نجد لذلك صداه، فيما تعقده الاحزاب من اجتماعات ومؤتمرات اقليمية او وطنية، وما تصدره من بيانات، فاذا بك لا تجد لذلك أي اثر فيما يبحثه المجتمعون والمؤتمرون، وحتى اذا كان، فلا ياخذ من الاهتمام والوقت والكلام ما يستحقه.
واخطر من هذا سكوت المنظمات النسوية، لا سيما الموازية للاحزاب، حيث تجد الصمت التام، عن كل ما تعانيه المراة من هذه المناكر المرخص بها، وكأن هذه الملاهي والحانات وما يجري فيها على النساء، شيء محمود مشرف، يجب الابقاء عليه !

انتهاك حرمة المنزل الدينية
واخطر ما اهين فيه المواطن المغربي مرارا وتكرارا وباستمرار، انتهاك حرمة منزله بالاخلال بالحياء عليه، وهو بين اولاده، عن طريق افلام الخلاعة والاعلانات الماجنة، التي تفاجئه بها اجهزة الاعلام البصرية.
ولا نقصد بهذا ما هو منقول على الاطباق من تلفازات الخارج، ولكن ما يصدر من اجهزة تديرها الدولة او ترخص بها، وتبدا وتختم بالنشيد الوطني، وبقية الرموز السامية للدولة وبالقران الكريم ايضا ! ويفاجا المواطن بهذا الاستفزاز في كل الاوقات، حتى بعد ركن المفتي والندوات الدينية، بمناسبة الاسراء والمعراج او حلول رمضان او غيرها، بل تنطلق الاعلانات الماجنة، التي لم تبق شيئا من قلة الحياء الا استعملته، حتى قبيل وبعيد المسيرة القرآنية في رمضان (2).
-----------------------------------
2)  لقد سبق لكاتبه ان تناول هذا الموضوع بالنقد منذ سنوات في مقال بعنوان " البرامج الدينية في الاذاعة والتلفزة ( مجلة الاحياء - المجلد الاول - الجزء الثاني  صفحة 3). ولكن التلفزة ما زالت الى الان متمادية في ابتداع كل غريب منكر في هذا. من ذلك ما فعلته في رمضان قبل الاخير حين نقلها لحفلات الاحياء الرسمي لليلة القدر، بكل ما فيها من تراويح وقران واذكار، وختم الدروس الحسنية وخطب رسمية وقصائد مناسبية، اذ فوجئ النظارة فور انتهاء هذا الشريط الديني الطويل باشهار عن " البولشوي" الروسي ( أي فرقة البالي التي استدعتها وزارة الثقافة، لعرض فنونها ببلادنا في شهر رمضان)، كان عبارة عن لقطات منتخبة لاوقح ما في برنامجها من عورض ماجنة، تقتحم الشاشة وكانها من وقائع هذا الاحتفال الديني !
 واظن اني لا أحتاج لان اقول ان الذوق السليم، كان يقتضي المباعدة بين هذين المتناقضين، احتراما للمناسبة والمحتفلين بها، لا سيما انه كان بين حاضريها، كثير من العلماء المسلمين المستدعين للمشاركة في الدروس الحسنية".
الا اننا يجب ان نتذكر ان احد المفتين العلمانيين، الذي تحدثنا عنهم، سبق ان شبه راقصات البالي بالملائكة.
ولا عجب ان يقوم اصحاب التلفزة حينئذ بانزال الراقصات على المحتفلين بهذه المناسبة الدينية !!!
----------------------------------
ان من حق المواطن ان يامن على نفسه وعلى اسرته واولاده، من ان يفاجا بافلام الخلاعة ولقطات الاشهار الماجنة، وهو يفتح جهازا تديره وتحكمه دولة اسلامية، ومن حقه ان يامن من ذلك على الاقل، بعد ان يكون قد استمع مع اولاده الى ركن المفتي، او في وقت التقت فيه الاسرة لمتابعة المسيرة القرانية، او مشاهدة الاحياء الرسمي لليلة القدر.
ان الافلام المستوردة، التي تفتح لها التلفزات المغربية بيوت المسلمين المغاربة، صنعها قوم اباحيون منحلون، لمجتمع منحل، لم يبق لديه ما يخجل منه. وحين تدخل بمناظرها المخجلة للبيت الاوروبي، فانها لا تفاجئ احدا بشيء غريب او شاذ، لانه لا يخفى انه لم يبق هناك وجود للاسرة بمعنى الكلمة، او بالمعنى الذي يعيشه المغاربة.
فكيف يتجرا هؤلاء الذين يديرون هذه الاجهزة، وكذا الذين يحكمونهم، على ان يقتحموا بهذه البضاعة المحرمة، البيت المغربي، بكل ما فيه من وقار واحترام وحياء بين الابوين واولادهما (3).

اصبح المسلم عاجزا عن ممارسة إسلامه
ان من حق كل مسلم على دولته، ان توفر له البيئة الاسلامية، التي تساعده على ممارسة اسلامه، وقد ادى تخلي الدولة عن اداء واجبها في تغيير المنكر، الى ان انعدمت لهذه البيئة الاسلامية، واصبحت كل الطرق تؤدي الى الحرام.
فاذا كانت هناك وزارة للشؤون الاسلامية، فان هناك وزارات اخرى لرعاية المحرمات وكل انواع الفجور المحظورة بالكتاب والسنة، مثل وزارة الثقافة، التي ترعى وتؤطر كثيرا من انواع الفنون المحرمة شرعا، باعتبار انها داخلة في مفهوم الثقافة لان اصحابها الذين صنعوها وقلدناهم فيها، يعتبرونها كذلك، ومثل وزارة السياحة التي ترعى كثيرا من المفاسد، التي تجري داخل المركبات السياحية وتستباح فيها الاعراض (4).
---------------------------------
3)  ان الانسان لا بد ان يخطر بباله ان يتساءل عن الهوية الدينية والوطنية لهؤلاء، أليس لهم اباء يخجلون منهم واولاد يخافون عليهم ان ينشاوا بلا حياء، ان من حقنا ان نسائلهم بمرارة وحسرة، هل انتم منا حقا، وهل انتم لنا ام علينا ؟! من حقنا ان نسال هذا السؤال لان اشد اعدائنا، اذا اراد ان يفتك بنا، فانه لن يجد سما اقتل من هذا.
4)  ونعود الى مثال الاشهار المتعلق " بالبالي" الروسي، الذي برمجته التلفزة ضمن مشاهد الاحتفال بليلة القدر، لقد حرصت وزارة الثقافة على استدعاء هذه الفرقة، لعرض فنونها المحرمة على المسلمين المغاربة، في شهر رمضان، في وقت يوافق عشره الاواخر، وما فيها من ليلة او ليالي القدر، وحرصت وزارة الاعلام على الدعاية لها، بهذه الطريقة الوقحة بارسال منتخبات من لقطاتها، فور انتهاء مشاهدة الاحتفال بليلة القدر، حتى كانها جزء منها !
الا ترى في هذا دليلا حاسما، عل ان كل ما تحرص وزارة الشؤون الاسلامية على بنائه، تهدمه وزارة الثقافة والاعلام وغيرها على الفور ! بل الا ترى في هذا اهانة صريحة للمقدسات الدينية.
-------------------------------
لنتأمل الان عدد الملاهي والمقاهي المرخص بها، التي تكاثرت حتى اصبت تجاور المسجد وتطوقه، مع ملاحظة انه لم يبق أي فرق بين الملاهي والمقاهي، التي اعتدت على كثير من اختصاصات الحانات، وسطت على الكثير من اسرار النوادي الليلية.
هناك حالات اخرى اغرب، نشاهدها في المواسم التي تقام على الاضرحة، حيث تتجاوز المناكر المحرمات، والمقدسات المحترمات وتختلط على نحو غريب، فنرى المجون والقمار والخمور والدعارة، تتجاور مع التعبد والتبرك، ومع هذا يقال ان السلطة ترعى هذه المواسم، اهتماما منها بدين المغاربة و" احتراما لاولياء الله الصالحين" كما تردد اجهزة الاعلام، لقد ذكرنا من قبل ان الانسانية في بعض فتراتها الجاهلية، سقطت فيما سمي " البغاء المقدس" حيث راينا المكان الواحد، يكون دارا للعبادة والبغاء في وقت واحد، وهنا نحن نرى اننا نقترب من هذه الحالة الشاذة، التي انجرت اليها الانسانية في جاهليتها، وليس لديها كتاب سماوي يهديها، ولا نبي يرشدها، كحالنا نحن الذين نعيش حضارة العلم والنظام، تحت دستور يلتزم بحماية الدين !

***
سفسطة مفضوحة
لقد اصبح المسلم عاجزا عن ممارسة اسلامه، واصبح عاجزا بالاولى عن توريث هذا الدين القيم لاولاده، اداء للامانة التي تلقاها من ابائه، ولذلك حدثت هذه الفجوة الكبيرة الاتساع بين الاباء واولادهم، وهذه اهانة اخرى يتلقاها المواطن المغربي، بسبب تخلي الدولة عن القيام بواجبها في تغيير المنكر.
ان الاباء يرون الان ابنائهم يقعون فريسة للخمور وكل انواع المسكرات، ولا يستطيعون ان يفعلوا شيئا، يقون به ذريتهم من هذه الافات الخطرة.
بل لقد راى الاباء بناتهم تتخطفهن مصائد الدعارة، المنصوبة في كل مكان، وليس لديهم قول ولا فعل يستطيعون به انقاذهن !
هنا ايضا نسمع كثيرا من السفسطة يريد بها اصحابها، ان يقنعونا بان الدولة لا يمكن ان تكون مسؤولة عن اخلاق الشباب، اذا تخلت الاسرة عن واجبها في التربية والتوعية!
ونحن نقول ان وجود حانات وملاه مرخص بها، ووجود اماكن للدعارة، يملك اصحابها احيانا حماية وحصانة، لا سيما في المركبات السياحية، يجعل المسؤولية في كل ما اصاب الناشئة، على من رخص بهذه الوسائل او المصائد، دون غيره، من اسرة او مدرسة، لان هذه الاماكن كلها، تعتبر حفرا في الطريق، لا بد ان يسقط فيها المار احب ام كره !
ومرة اخرى، اذا كانت السلطة مسؤولة مدنيا عما يقع لمستعملي الطريق، بسبب ما فيها من حفر، فانها مسؤولة عما يقع لهم من السقوط في الحانات والملاهي !
والا فماذا لو ان الدولة الغت جهاز الشرطة وعطلته، تاركة للناس ان يعولوا على ابواب منازلهم، في حماية اموالهم واعراضهم وارواحهم، فبماذا ستنفعهم هذه الابواب، ولو كانت من حديد، او ما هو اقوى من الحديد، اذا لم يكن جهاز للامن يتصدى للعدوان قبل ان يقترب من ابوابهم !
ان من يطالب الاب بان يقوم وحده بالواجب، في تغيير المنكر في بيته، وبين اولاده، شبيه بمن يطالب الفرد، بان يعول على نفسه في حماية داره، من غير ان يكون هناك جهاز للامن، يستنجد به، ليقوم عنه بما لا يطيق الفرد ان يقوم به في هذه الحالة، مهما كانت قوته، ومهما كانت عدته وعتاده.

مثال مما يمكن ان يحدث
نستطيع ان نفترض هنا مثالا، يمكن ان يحدث الان لكل عائلة، ان لم يكن قد وقع فعلا، لنفترض ان بنتا تسلط عليها من اقنعها بانها تملك "جسدا فنيا" يؤهلها لان تكون راقصة من الطراز الرفيع، لتنال تلك الامجاد، التي يحظى بها هذا النوع من النساء في المجتمع العصري، من المؤكد انها اذا لم تكن معها عناية الاهية خارقة، فانها ستنقاد لهذا الاغراء، لتفاجئ الاب والام والاخ، بانها عازمة على احتراف الرقص !
هنا لا بد من ان تتحرك في الاب غيرته الفطرية، ليمنع بنته من السقوط،  وهنا يمكن ان تتمرد البنت على الاب وعلى العائلة كلها، لتحدث تلك المشكلة التقليدية التي تكررت مرارا ! .
ان هذا الوالد لن يجد من ينصفه في محنته هذه، لان البيئة كلها، تسير في الاتجاه الذي مالت اليه بنته. فما دام ان هناك ملاهي مرخصا بها، ومرافق سياحية، تعتمد عليها الخزينة في جلب العملة الصعبة، تقوم كلها على استثمار هذا النوع من " الفنون الجميلة"، فهيهات ان يجد الاب المسكين، حماية من دولته، على تغيير هذا المنكر. في بيته، ليقدم للمجتمع، أما وزوجة صالحة، بدلا من راقصة فاتنة، تزهد الازواج في بيت الزوجية!
بل اعتقد ان الراي العام نفسه، الذي تؤطره الصحافة واقلام الادباء والمفكرين، سيكون مع البنت "المتحررة"، ضدا  على الوالد المتخلف.
فلو عرضت هذه الفتاة " الفنانة" مشكلتها على الصحافة، وشكت اليها وما تعانيه من الوالد، لأجمعت على اختلاف اتجاهاتها الحزبية والسياسية، من يمين ويسار ووسط، على ان تدخل الوالد ظلم وعسف، لا يليق بهذا العصر، سيقول ذلك العلمانيون، على اساس اقتناعهم بان الدين لا يجوز ان يتدخل في الفنون، التي يجب ان نمارسها حسب " المتعارف عليه دوليا" من غير احتكام الى معيار الحلال والحرام، وسيقول ذلك غيرهم، تقليدا ومجاراة " لروح العصر"، خوفا من تهمة الرجعية والتخلف، الى اخر الكلام المعروف.
فاذا قال الاب، ان من حقي ان أربي وان امارس  الابوية، لانقاد بنتي من مصير لا خير فيه، قيل له ان للبنت حريتها في اختيار نوع العمل الذي تريده، واذا قال اني بصراحة، اريد ان امنعها من احتراف الدعارة، قيل له ان  الرقص " فن جميل" وليس دعارة، كما يتصور، وسيحتجون هنا بكثير من الكلام الذي سبق ان عرضنا له، عند الحديث عن فتواهم في الرقص، الا ان ما سيسكته ويفحمه حقا، هو احتجاجهم عليه بان للدولة معاهد، تقوم بتلقين عدد من الفنون، منها الرقص الذي " يقذفه" هو بوصف الدعارة، هنا سيسكت الاب، راغما صاغرا لائذا بالحوقلة والاسترجاع .(5).

ومثال مما وقع فعلا
ساقت الى الاقدار قضية لأحرر فيها طلبا بالعفو، وما كدت افتح الملف حتى فاحت منه رائحة الجريمة، التي لم تكن الا واحدة، من جنايات انتهاك الاعراض، التي تقع كل يوم، فتساءلت متعجبا، الا يستحي هذا، من ان من يبرز لطلب العفو، وقد كان الاولى ان يظل محجوبا، بالسجن، الى ان ينسى الناس جريمته الشائنة !
غير اني ما ان شرعت في قراءة الاوراق، حتى بدات أغير رايي، وما ان انتهيت من القراءة، حتى صرت مقتنعا، بان الشخص يحق له ان يطلب العفو والاعتذار كذلك، اعني ان تعتذر له الدولة عن الجريمة، التي وقع فيها، وادين وعوقب بسببها!
لقد كان فيما حكاه هذا الشخص، وهو يعترف، انه بدا اولا بشرب كمية من الخمر مع رفاقه، حتى شبع عقله جنونا ! وعندما خرج الى الشارع بحالته تلك، سنحت له ضحيته، التي لم تقصر في ابراز كل ما يلفت اليها الانظار " حسب العادة" ومن تفاعل هذين العنصرين، او هاتين الجريمتين المباحتين على الاصح، تولدت الجريمة التي ادين بها، طبقا لتفاعل الاسباب والمسببات.
-----------------------------------------
5)  قد يظن البعض، اننا انتقينا الاسوا، حين ضربنا المثل بالرقص، ولكن الواقع ان القلم انما سرقته العادة، وسبق الى ذلك جريا على التصنيف القديم، الذي كان يجعل الرقص، ادخل الفنون في الدعارة، اذ ان ما تطور اليه فن التمثيل، في المسرح والسينما معا، بدفع من الواقعيات القديمة والجديدة، "وعبقريات " المخرجين المبدعين، جعل الرقص بكل ما فيه فضيلة محمودة !
فاذا كانت الراقصة قديما " تخجل الناس بعريها الجزئي وحركاتها الماجنة، فان الممثلة اليوم،  مطالبة بان تشخص كل الافعال المكونة للركن المادي، في الجرائم المخلة بالحياء، والهاتكة للعرض، كما يحددها ويعرفها القانون الوضعي نفسه.
-----------------------------------------
وهناك عناصر اخرى، اظن ان طالب العفو تركتها للاختصار، ولكني استطيع ان اضيفها، من غير ان اخشى تزوير الواقع، منها مثلا ملصقات السينما، التي تحمل من عوامل الاغراء والتحريض، ما يخطف الابصار، ويدفع من يراها الى الجريمة، حتى في حالة تمتعه بكل قواه العقلية ! وبما ان ما تعرضه الملصقات من مناظر مغرية جذابة، مبثوثة في كل مكان، حتى في الجريدة والمجلة والكتاب، بله الصور المتحركة في التلفزة، فان علينا ان نتوقع، ان تكون عينا هذا الشخص، قد سكرتا من هذه المناظر المغريات، بالقدر الذي به سكر عقله بما شربه من الخمر، " وسكرك على قدر شربك" كما يقول الصوفية في غير هذا المقام !
اختصار اقول، ان هذا " المجرم الضحية"، كان محاصرا ومطوقا بعدة محرضات ومغريات، يحتاج معها الى عصمة الانبياء، لكي ينجو مما وقع فيه، وان المجرم وضحيته، كانا معا ضحية لطرف ثالث، هو الدولة التي تخلت عن واجبها في تغيير المنكر، لان هذه المغريات المحرضات، كلها من المحرمات الدينية المقررة،  بنصوص قطعية.
فوجود الخمر والترخيص بها، سبب للاقدام على شربها، وما يتبع ذلك من عواقب مهلكة معروفة، ولا تحتاج لان نبرهن على تفاعل الخمر، ايجابا وسلبا زيادة ونقصانا، مع المفاسد الاجتماعية، فقلما يمر شهر رمضان المبارك، دون ان يترك في علاقة الناس مع الخمر، تلك الاثار المفيدة، التي تبادر الصحف دائما الى تسجيلها، فاغلاق الحانات يقلل كميات الخمور المشروبة، ويؤدي فورا الى تناقص في شرورها الكثيرة، ومنها حوادث السير الخطرة، ومنها بالاولى الجرائم بمختلف انواعها، التي يصبح الناس يمسون كل يوم على كثير منها.
ولكيلا يستغرب او يستنكر احد، ان ادعي على الضحية المجني عليها، انها اسهمت فيما وقع عليها، اقول ماذا لو انها خرجت مدججة بكل ما تستطيع ان تتزين به من الاساور والخواتم والاقراط، متعمدة كشف ذلك وتقريبه للانظار، بنفس القدر الذي تزينت به جسديا، لو انها فعلت لاستحال ان تعود الى بيتها، دون ان تفقد ثروتها الذهبية، المعروضة على هذا النحو الذي يغرى بها!
وحينئذ لا بد ان يقول الجميع عن لسان واحد بحق، انها الملومة الاولى، فيما وقع على كنزها الذهبي البراق، من سلب ونهب !

***
هكذا نرى ان تغيير المنكر اعظم وسيلة وانجعها للوقاية من الجرائم، وان اختفاء المحرمات الاسلامية، لا بد ان يؤدي الى انشاء بيئة سليمة، لا تنبت الا الخير والصلاح، وان وجودها لابد ان ينشئ بيئة وبيئة، يكون فيها الناس بدون مناعة ازاء الشرور بمختلف انواعها، على نحو ما يحدث لهم، حين يتركون نهبا للامراض، بدون وقاية صحية، لا سيما في اوقات الاوبئة !
وإذن فان من حق الانسان على دولته، ان تجبره على ترك هذه المناكر، بتلك الزواجر الاسلامية المعروفة، التي تباعد بينه وبين تلك الموبقات، بمسافات طويلة، حتى لا يروح رائحتها ابدا، فضلا عن ان يعتادها.
وللذين يخططون ويؤطرون، في ميدان حقوق الانسان اقول، انكم ترتكبون غبنا كبيرا على الانسان وحقوقه، حين ترون سهوا او جهلا او تقليدا، ان الدين لا يجوز له ان يتدخل في هذا الموضوع، ليعطي رايه في تعريف حقوق الانسان وضبطها، وانكم ترتكبون تفريطا شديدا، حين ترون ان تعريف حقوق الانسان، يجب ان يتم حسب " المتعارف عليه دوليا"، أي كما وضعه الغرب العلماني بحضارته المادية، لان المقصود بالذات من العبارة، كما لا يجوز ان ينطلي على أي احد، هو اقصاء الاسلام عن الافتاء في هذا الشان الكبير، وعن التدخل فيه، ليقول ما يجب بالاستناد الى الكتاب والسنة اللذين يلزمنا العمل بهما بمقتضى قواعد القانون الوضعي، نفسه على ما راينا.
ان اخطر معضلة في ميدان حقوق الانسان اليوم، هي حماية الفرد من تعسفات جهاز الامن، حين يؤخذ متهما للبحث والتحقيق، فيؤدي الامر الى تلك المفارقة الغريبة، وهي ان يعاقب الفرد لمجرد الشك، وقبل ثبوت ادانته، باكثر ما يمكن ان يعاقبه به القاضي، بعد ثبوت الادانة، ان لم نفترض انه بريء كليا.
واذا كانت هذه المعضلة قد حيرت الناس، وتسببت في جدال وصراع مزمن، بين السلطة ومنظمات حقوق الانسان، فان الاسلام يقدم فيها حلا يريح الجميع، بمحرماته الوقائية الكثيرة، وبضوابط تغيير المنكر، التي تنشئ بيئة سوية سليمة، تنزل بالجريمة الى ادنى مستوى لها، فيقل عدد المتهمين، الذين لم يمكن ان تسوقهم الاقدار الى مراكز الشرطة، ويستريح جهاز الامن من عناء كبير، يلقيه عليه تكاثر الجرائم، الذي كثيرا ما يكون سببا في تلك التجاوزات والخروق التقليدية المنعية عليه، وهذه الكثرة نفسها، هي التي تفوت على المحاكم، الوقت الكافي للتروي والاستقصاء، لاصدار احكام سليمة، وهي نفسها التي تفوت على السجون، الوسائل الضرورية، لتمتيع نزلائها بالحد الادنى، من الحقوق المقررة لهم.
أليس من الغبن اذن، ان نهمل هذه الحلول الاسلامية، لمجرد اعتقادنا ان من الواجب علينا، ان نخلص للمعني بالامر، الذي يعطيه الغرب العلماني لحقوق الانسان، حتى وصل بنا الحال الى ان صرنا نعتقد ان من حقوق الانسان، ان نترك له السلطة والحرية لارتكاب ما يريد من المناكر، لان الغرب العلماني، يدخل كثيرا من الموبقات، ضمن ما هو داخل في الحرية الشخصية للانسان !

(7)
أوضاع مقلوبة لا بد لها من تقويم
هناك اذن اوضاع مقلوبة، سببها غياب ركن جوهري من اركان دولة القانون، كما يحددها الدستور، وهو ركن الدين، الذي قرره الدستور وقننه، واكد ذلك من خلال النص عليه في التصدير وتكرراه مرتين، فجاءت الثالثة منهما، للنص صراحة على الزام الدولة بحمايته.
ولا بد اذن من رفع لهذا التناقض الغريب المريب، ولا بد ان تتدخل الدولة في هذا الامر، على النحو الذي تدخلت به، فيما يرجع لحقوق الانسان الاخرى، فقامت بانشاء مؤسسات لهذه الغايات، واجراء تعديلات في النصوص القانونية، ومراقبات لمخافر الشرطة والسجون، وسرحت المعتقلين بدون قانون، الى غير ذلك من الاعمال، التي كان القصد منها، رفع التضارب والتناقض، بين ما تنص عليه القوانين، وما يجري على الناس واقعا، في علاقاتهم مع الدولة، واجهزتها التنفيذية.
ونحن نقبل كل طريق يؤدي الى هذه الغاية، وكل شرط يشترطه المسؤولون، ولو كان هو استفتاء رجال القانون، اعني رجال القانون الوضعي انفسهم، ليعطونا حلا من القانون نفسه، ويقترحوا ما يجب، ( بدلا من المفتين الشرعيين الذين لهم الاختصاص في الاصل).
بل اننا لن نمانع بل سنرحب، بان تقترح علينا دولتنا اسناد هذا الاستفتاء، او هذه الاستشارة، او التحكيم، الى فقهاء من الاجانب ومن القانونيين الفرنسيين بالذات، الذين يبدو ان لهم اختصاصات من نوع ما بدستورنا !
اننا نرحب بهذا، لاننا نتوقع ان يذعنوا لمنطق القانون، وان يكون لرايهم قوته وحجته، ودالته ايضا على المسؤولينّ!
ولا نشترط الا شيئا واحدا، هو ان يترك لنا المسؤولون الحرية، في ان نعرض مشكلتنا او مظلمتنا كما نتصورها، وان نقدم لها حججها، على النحو الذي يحق به للمدعي، ان يعرض دعواه ويهيئ دفاعه.

القضية ووقائعها
واذا وقع هذا فاننا سنعرض القضية على شكل سؤال مركب، هو ان الدستور يحتوي على نصوص، تقرر ان الاسلام دين الدولة، وتلزم اكبر مؤسساتها بحمايته، وان هذه النصوص، جاءت مجاورة للنصوص المقررة لنظام الحكم ونوعه، ومجتمعة معها في مكان واحد.
أليس من الواجب والحال كما ذكر، ان تكون النصوص المقررة لمركز الاسلام، والنصوص المقررة لنظام الحكم ونوعه، في درجة واحدة، من حيث الاهمية القانونية، وعلى مستوى واحد، من حيث الحماية والتطبيق، والظهور العملي في واقع الناس. وبالتحديد والتدقيق، الا تعني عبارة الاسلام دين الدولة ان الدولة لا يجوز ان تكون علمانية، والا يعني هذا، ان الدستور يحيل على القران والسنة، باعتبارهما المرجعين المحددين لمفهوم الاسلام، في اصوله وفروعه نظريا وعمليا، وان الدولة مقيدة بهذا المفهوم، وان معنى الزام الدولة بحمياته، يقتضي ان يكون للاسلام من الظهور، مثل ما لنظام الحكم ونوعه، بمعنى ان تختفي الممنوعات الدينية، بنفس القدر الذي تختفي الممنوعات السياسية، وبنفس الوسائل !
ولاجل تصور الاشكال، لا بد ان يعرف من سيفتي في قضيتنا، ان حياتنا العملية التي نعيشها، لا تختلف في أي شيء عن الحياة التي يعيشها الناس، في الدول العلمانية، من حيث المحرمات التي يحرمها الاسلام، وتبيحها القوانين الوضعية، وان المقارنة بين عواصمنا وبين العواصم العلمانية، تفيد انه لا وجود لاي فرق مميز في هذا الجانب.
ولاجل التحقيق والتاكد، لابد ان نعطيه الفرصة لمعاينة احوالنا، بكل ما فيها من مسموعات ومنظورات ومطعومات.
وهنا سيجد ان لدينا، في كل مدننا، حانات ومراقص وملاهي ومسارح ودورا للسينما، تعرض احدث ما ابتكرته الدول الاوروبية، التي لا تحرم أي شيء مما يحرمه الاسلام، من منظورات ومسموعات، واحدث ما ابتدعه المخرجون الاباحيون، الذين لا يؤمنون بدين ولا خلق، ولا يعبدون الا اهواءهم، ولا يطيعون الا اطماعهم المادية، بل لا يخفون انهم يبتغون تحطيم " الطابو" والغاء الحياء من حياة الناس.
وسيجد لدينا حياة الليل، المشهورة في الدولة العلمانية وعواصمها الكبرى، حامية اسواقها، على نفس النحو والمنهاج " المتعارف عليه دوليا"، من حيث استثمار العرض واستغلال  لحوم النساء، من غير تقيد ولا تحفظ!
وسيجد بالنسبة لاجهزة الاعلام المرئية، انه يستطيع ان يشاهد كل ما يمكن ان يشاهده في دولته العلمانية، ليس عن طريق ما تنقله الاطباق المقعرة الغازية ( او المغزية منا على الاصح)، ولكن من اجهزة وطنية. تدريها الدولة او ترخص بها، وتبدا بالنشيد الوطني وبقية الشعارات السامية للدولة، وبالقران الكريم وآياته، التي قلما تخلو من النهي الصريح، عما تعرضه الشاشات، المفتوحة على بيوت المغاربة المسلمين، تلقي على مائدة الاسرة الافلام المصنوعة في اروبا وامريكا، عارية كما خرجت من ايدي صناعها، من غير ان تمسها يد الرقابة بسوء !
واذا أتيح له ان يكون ضيفا على موائد اعيننا وعليتنا، فانه سيفاجا بالمشروبات والمطعومات، التي يعرف الناس في العالم كله، ان الاسلام يحرمها، وان المسلمين يعافونها.
واذا صادف عطلة الاحد او السبت، وأراد ان يذهب الى الكنيسة او البيعة، فانه سيجد ان ذلك اسهل، مما لو كان مسلما، واراد ان يؤدي صلاة الجمعة، وسيفاجا  حينئذ بحقيقة أمر من كل مر، وهي ان اليهود والنصارى، وهم الاقلية، يؤدون شعائرهم الدينية في سبتهم واحدهم، في راحة ويسر، وان المسلمين وهم الاغلبية، يعانون العسر كل العسر، لحضور صلاة الجمعة، لا سيما اذا كانوا من عمال القطاع الخاص، وكان هؤلاء هم الاقلية في هذا البلد (6).
وكل هذا، لان دولتنا، تابى الا ان تكون العطلة الاسبوعية، هي يوم السبت والاحد، تقليدا للدول العلمانية، وليس الجمعة تقليدا لما تسير عليه اغلب الدول الاسلامية والعربية، حتى تلك التي لها انظمة علمانية.
واذا امعن في البحث حول هذه المسالة، فسيفاجأ بان البرلمان المغربي، سبق ان رفض مشروع قانون، قدمه احد الاحزاب، يرمي الى جعل الجمعة هو العطلة الرسمية للدولة، دخولا في القاعدة التي تسير عليها اغلب الدول الاسلامية، والتي نحن اولى بها !
واذا امعن، اكثر، لمعرفة مدى الاثر الضار لهذه المشكلة على حياة المواطنين، فسيجد ان الشخص قد يضطر الى التضحية بشعائره الدينية، ومنها صلاة الجمعة، حين يكون تحت تبعية مشغل يفرض عليه ما يريد، دون ان يجد حماية من دولته الاسلامية، او من النقابة على الاقل!
وهناك وقائع ثابتة، تؤكد ان هذا ليس امرا متخيلا او مفترضا، من ذلك ما كتبته منذ مدة، صحيفة تحكي عن شاب مغربي تخرج من الجامعة، ولم يجد عملا، وبعد انتظار، حصل على شغل بوساطة من احد اصدقائه، فقال له المشغل منذ البداية، انك مكلف باحصاء البضائع وان منها صناديق للمشروبات الكحولية، فاياك ان تمتنع من ذلك، وانه محرم عليك ان تتغيب عن العمل لاداء الصلاة، وألح الشاب على مشغله ان يعطيه نصف ساعة لاداء صلاة الجمعة، مع التعهد بان يعوض له ذلك الوقت فلم يقبل، وعندما حاول الشاب، ان يعمل بقاعدة لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، فوجئ بمشغله يستدعيه ليقول له انت مطرود (7).
---------------------------
6)  سبق ان عالج كاتبه هذا الموضوع بتفصيل، انظر  مقال "محنة الجمعة بالمغرب المستقل" في صحيفة (الصحوة) العدد 3 صفحة 9.
7)  هذه الواقعة منشورة بصحيفة ( منبر الرابطة) التي تصدرها رابطة علماء المغرب بقلم رئيس تحريرها (العدد 69/24 جمادى الثانية 1414 هـ صفحة 8).
---------------------------
ولا شك ان هذا مثال اخر لما قلناه، من ان المسلم اصبح عاجزا عن ممارسة اسلامه، وهو مثال لابد ان يجد فيه من يريد ان يفحص حال الاسلام من الجانب الدستوري والواقعي، ذلك التضارب الذي نعيناه.
من المؤكد ان من سيفتي في حالنا، لا بد ان يصل من هذه المعاينات والمقارنات، الى وجود تناقض غريب من الدرجة الاولى، بين احوالنا العلمانية، التي تشبه احوال الدول العلمانية في كل شيء، وبين نصوص الدستور والمراجع الدينية، المحال عليها منه، وما تقتضيه هذه النصوص من الزام الدولة بان يكون للاسلام وجود في حياتنا ولو في الظاهر المرئي على الاقل.

نتائج حتمية تفرض نفسها
ومن النتائج الحتمية التي ستفرض نفسها في هذا المقام ان جميع القوانين الوضعية، المنظمة لحياتنا المدنية والجنائية، تعد لاغية باطلة، في كل ما خالفت فيه الشريعة الاسلامية، من عقوبات ومعاملات ومباحات !
فمن المسلم به ان الدستور هو القانون الاعلى، الذي له الصدارة على كل ما عداه من القوانين الدنيا، ومن المقتضيات هذا، انه لا يجوز ان يتعارض مع احكام الدستور، أي قانون آخر لا سيما فيما يعتبر من اركان الدولة.
فهل نستطيع اذا سلمنا بان الاسلام من اركان الدولة، ان نهرب من نتيجة حتمية تفرض نفسها فرضا، وهي ان كل الرخص الممنوحة لاستغلال المحرمات لاغية باطلة.

(8)
حماية الدين لا تتوقف على نص دستوري
وقد يرد في هذا الموضوع، ان يلاحظ المتأمل في نصوص الدستور، المقررة  لإسلامية الدولة، قصورا لا يبرز كل الواجبات التي يقليها الالزام بحماية الدين على الدولة، حسب المفاهيم الاسلامية ونصوصها النظرية، وتطبيقاتها العملية، وذلك من حيث صياغتها وسياقها، ومكان ورودها، وغير ذلك من المعايير المرعية في تفسير النصوص.
وارى شخصيا، ان من العبث ان نثير او يثير علينا احد اشكالا من هذا النوع، لاني ارى من العبث، ان نحتاج الى نص دستوري، ينشئ لأمتنا التزاما على الدولة بحماية دينها نظريا وعمليا، لان هناك عدة اعتبارات مادية ومعنوية، واقعية وعملية، تغني عن هذا، بحيث لو فرضنا ان دستورنا، جاء خاليا بالكلية، من أي نص يفرض هذا، لما كان ذلك دالا على علمانية الدولة، بل الاولى ان يكون هذا دليلا مقررا لاسلامية الدولة، على اساس ان ذلك حاصل طبعا، ولا يحتاج الى نص يحصله وينشئه.
وهذا ليس نهجا جديدا ابتدعه لان من المسلم فقهيا، ان هناك قواعد دستورية تفرض نفسها، من غير ان تحتاج الى نص يقررها ويلزم بها، وان هناك اعرافا تاريخية وعملية مطردة لا بد من الرجوع اليها، لتفسير نصوص الدستور على مقتضاها، حين تاخذ طريقها الى التطبيق العملي.
والاسلام بكونه عنصرا جوهريا، في الشخصية الطبيعية والمعنوية للامة والدولة، وكون ظهوره فاعلا ومنظما في المعاملات، وفي ميدان الاباحة والحظر، او الحلال والحرام، وفي تكوين " النظام العام" الذي لا يجوز مخالفته الاسلام بكل هذا، من البديهيات التي تفرض نفسها، في التطبيق العملي، بما هو اقوى من النص الدستوري، لعدة عوامل قولية وفعلية تاريخية وانية نظرية وعملية (8).
ومع كل هذا وعلى الرغم منه، فاننا اذا فرضنا ان الاسلام يحتاج في الالتزام به الى هذه النصوص الواردة بالدستور، فلن نجد عند دراستها، لتفسيرها على مقتضى دلالاتها العرفية والتاريخية، الا ما يؤكد ان التزام الدولة بالاسلام دينا، يعادل التزامها بالنظام السياسي للحكم في نوعه ونمطه، وكل مميزاته الخاصة وتطبيقاته العملية، المسلوكة لاقراره وحمايته، ومن حسن الحظ اني وجدت مصدرا شاهدا ومقنعا، يغنيني عن ان ارتجل أي كلام من عندي في الموضوع، كما يعفيني من كل مسؤولية يمكن ان تنتج عن الخوض فيه بصراحة.
والمرجع المقصود هنا، اطروحة جامعية نوقشت رسميا واجيزت وكوفئ صاحبها بالدرجة العلمية التي توخاها.
لقد ورد هذا المرجع في فقرة بعنوان " الطابع الديني للسلطة الملكية" ان الدولة المغربية كانت دينية النشاة والتطور. وقد اصبح الاسلام دين الدولة الرسمي، منذ القانون الاساسي للملكية المؤرخ في 2 يونيه61 (الفصل 1) ثم بمقتضى الدساتير الثلاث، واذا كان المبدا موجودا في عموم الدساتير العربية، فان الدولة المغربية، تبدوا اكثر إصباغا به وتتجلى هذه الملامح الدينية خاصة، على مستوى السلطة الملكية".
وزاد المؤلف كاتبا : " ومن اهم العناصر المترجمة للطابع الديني للسلطة الملكية الالقاب الدينية للملك، وتقلده باعتباره إماما للسلطة القضائية ".
--------------------------
8)  وقد سبق ان لاحظنا ان فرنسا قبلت ان تقيد نفسها في معاهدة الحماية باحترام دين المغاربة، من غير ان تجادل في ذلك، بانعدام نص دستوري او غير دستوري، يمنعها من فرض علمانيتها علينا، وقد كان لالتزامها اثره الايجابي لان سلطات الحماية، وان اساءت الى دين المغاربة فيما كانت تخرق به تعاليم الاسلام بما كانت تبيحه من المحرمات، فانها حرصت على الا تتعسف في ذلك، ليكون بمقدار، وكل مقارنة بين ما فعلته في هذا الجانب، وما تجرأت عليه حكوماتنا بعد الاستقلال، تكشف انه لا شطط في ان نشهد لمستعمرنا السابق بهذه البراءة الجزئية!
-----------------------
وكتب ايضا في فقرة بعنوان ( الالقاب الدينية) انه : يحمل الملك في المغرب القابا دينية متعددة : خليفة، إمام أمير المؤمنين وهذا الاخير وحده منصوص عليه في الدستور، وكان لقب أمير المؤمنين وقفا على خليفة المشرق، غير ان ملوكا اخرين تسموا بعد ذلك بهذا اللقب".
وفي المغرب لم يتلقب احد بهذا اللقب، حتى جاء المرابطون فتسمى يوسف بن تاشفين بأمير المسلمين، ثم تسمى عبد المؤمن بن علي بأمير المؤمنين، رغم اصله البربري، اما السلالات الملكية المنحدرة من الرسول، والملقبة بالشرفاء، فكانوا دائما يحملون هذا اللقب، لهذا لم يجد العلويون اية غضاضة في حمله، وخاصة بعد احتلال الجزائر، وانقطاع المغرب عن العالم الاسلامي، مما برر كثيرا، ان يكون عاهل المغرب خليفة لرعاياه، وان يحمل لقب الإمام وأمير المؤمنين، حيث كانت خطبة الجمعة في اغلب شمال افريقيا، تقام باسم سلطان المغرب".
" واذا كان الملك يحمل لقب أمير المؤمنين، بمقتضى الدستور، وينفرد به في كافة البلدان الاسلامية، فقد شاع ايضا استعمال القاب دينية اخرى كالامام".
وقد استعمل المغرب ايضا لقب الخليفة .. وفي جميع الاحوال، فان الالقاب الثلاثة، ترتدي في النهاية، مدلولا واحدا، يعود الى الشخص الذي يتولى الرئاسة الكبرى (9).
ان هذه الحقائق التي وردت في هذه الاطروحة لا تدع أي مجال للشك، في ان الدين ركن جوهري في الدولة، يرتبط بشخصيتها المعنوية والطبيعية معا، ويكون مع نظام الحكم كما متصلا لا تنفرط ذراته، ومن هذه الحقائق التي لم يفت المؤلف ابرازها ان تدين الدولة بنص الدستور، وان كان شائعا في بعض دساتير الدول العربية، فان الدولة المغربية تنفرد بالحرص، على ان تكون اشد تمسكا بذلك من غيرها.
واذا لم يكن هذا كافيا، فان في امكاننا ان نضيف اليه برهانا اخر، يمكن ان نعده من الاقرار، الذي هو اقوى من اقامة الحجة)، نراه في نظام البيعة، الذي نجد ان الدولة تعترف به رسميا، بل تتمسك به وتستعمله سندا، في كثير من المناسبات لا سيما الحرجة منها.
ومن حسن الحظ هنا ايضا، ان هناك ما يغنيني عن ان ارتجل في هذا كلاما قد يرى فيه البعض افتئاتا او الزاما بما  لا يلزم، وهو او وزارة الاوقاف اقامت في السنين الاخيرة ندوتين حول البيعة، يتبين مما راج فيهما من الخطب الرسمية والبحوث الفقهية، والمناقشات الشفوية، والبيان الختامي لهما، ان المفهوم الاصطلاحي الشرعي الاسلامي للبيعة، بكل ما فيه من حقوق والتزامات، متبادلة بين الامام والامة، كما تقررت منذ بيعة السقيفة البكرية
----------------------------
9)  محمد اشركي ( الظهير الشريف) في القانون العام المغربي ط. اولى 1403/1983 صفحات 154 و155.
---------------------------
وما تلاها عبر الاحقاب، وما جاء على نهجها في بلادنا بالذات، وخصوصا ايام الازمات ( مثل البيعة الحفيظية)، مقصود غير متجاهل ولا مستبعد من أي احد ممن تكلموا(10) .
وظهر هذا بوجه خاص، في البحوث وعناوينها، والمناحي التي تناولتها من القضية، كما نرى ذلك صراحة، في ان احدها كان بعنوان ( بيعة المغاربة للدولة العلوية الشريفة، قبس من البيعة النبوية الشريفة)(11).
ابعد كل هذا نحتاج، الى سند قولي بقوة معنية نؤسس به التزام الدولة بحماية الدين، بحيث يصح ان نتساءل، عن مدى حجية النصوص الدستورية، في كون الدولة، ملزمة بظهور الاسلام، واختفاء كل المناكر المحرمة، بمقتضى نصوصه القطعية؟
ان التزام الدولة بحماية الدين، لم يكن يحتاج الى نص دستوري مكتوب يؤسسه ويقرره على نفس النحو الذي لم يكن نظام الحكم يحتاج معه الى نص من هذا النحو، لحمايته وضمان استمراره.
واظن اني في غنى كذلك. عن تقرير حقيقة اخرى، وهي ان الوفاء بهذا الالتزام، وحماية الدين عمليا لا يمكن ان يتحقق بمجرد وجود وزارة للأوقاف، تقوم بتأسيس المساجد وتجهيزها ورعايتها وضمان ارتيادها، مع احياء بعض المناسبات والمواسم الدينية، فهذا شيء موجود شائع في الدول العلمانية نفسها، التي تضمن وجود المعابد وحرية ارتيادها من غير عائق ولا تقصر في احياء بعض المواسم والذكريات الدينية.
ولكن المقصود الذي لا مفر منه، في دولة تلتزم بحماية الدين، بكل تلك الدلالات القولية والعرفية، التي أشرنا اليها، لا يمكن ان يتحقق، الا بظهور الاسلام بمفهومه الشامل، الذي يبرز به الدين حيا، كما في العهد النبوي والخلافة الراشدة، بكل حدوده الدنيا والقصوى المعروفة، في العبادات والمعاملات، التي تبدا بحظر كل المحرمات المعروفة، ولا تنتهي إلا بالاحتكام الى النصوص القرآنية والسنية في كل المعاملات، وتدخل السلطة لالزام الناس بذلك، بحيث تكون " القاعدة الدينية" هي نفسها " القاعدة القانونية" من غير اعتبار لذلك الفرق المعروف في القانون الوضعي، الذي يذهب الى ان القانون لا علاقة له بالدين!
-------------------------------------
10)    انظر البيان الختامي للندوة الأخيرة  المنعقدة بالعيون بتاريخ 11/12 صفر1415 هـ بصحيفة ميثاق الرابطة العدد 102 صفر 1415 / 26/7/94 الصفحة الثانية، وعلى ذكر البيعة الحفيظية، يجدر بالذكر ان نسجل انها ( وكذا الانقلاب الحفيظي الذي انتجها ) تعد دليلا مهما، فيما نحن بصدده، لانها في حيثياتها، تكشف انه كان مما اسخط العلماء على سلفه السلطان عبد العزيز، وحملهم على الانقياد لخلعه وبيعة اخيه، ارتكابه بما عبروا عنه بأمور منكرة شرعا وطبعا" ولم يكن الا قبوله لبعض مظاهر العلمانية، ويذهب بي الظن الى ان هذه البيعة كان لها اثرها في صياغة معاهدة الحماية، من حيث التزام الدولة الحامية باحترام الدين ومراعاة احكامه، وصيانة المؤسسات الاسلامية، وهو التزام طالما عرقل ايغال فرنسا، في محاولاتها لفرض علمانيتها، لا سيما فيما يرجع لاباحة بعض المحرمات، ( او الاسراف في ذلك، الى الحد الذي وصلنا اليه بعد الاستقلال).
11)    وبما يخطر بالبال ان المعاني الكبيرة الكامنة في هذا العنوان ومثله، لا تعدو ان تكون من كلام المناسبات الذي يدخل ضمن ما يشم ولا يفرك، الا ان تتبع بعض ما يقرا او يسمع من " الكلام الرسمي" الذي يمكن عده مرجعا لتفسير النصوص الدستورية وتفصيل مجملها، يكشف لنا انه ينطوي، بمنطوقه ومفهومه على ما يؤكد ان المعنى الشرعي الاصطلاحي للكلمة مقصود مستصحب، من غير انكار او تأويل، بحيث كان منهج الاستدلال يقتضي منا ان الاكتفاء بالاستشهاد بهذا الكلام الرسمي" الذي هو بمثابة الصوت المغني عن الصدى، او ضوء النهار المغني عن المصابيح والسرج.
-----------------------------------
وعلى كل ومهما جاز لنا ان نتساهل او نتهرب او نترخص، او نعتذر بضرورة ما، فان هناك حدا لا نستطيع ان نتجاوزه في هذا، وهو ان يكون ظاهر حالنا على الاقل، مخالفا لظاهر حياة الناس في الدول العلمانية، ولن يتحقق هذا، الا باختفاء المناكر والمحرمات، بزوال المقاولات التي تعرضها بحماية من القانون، الذي يرخص بها وياذن، ان هذا هو الحد الادنى، الذي ليس وراءه حبة خردل من إيمان!
والمعيار المنطقي الذي لا محيد عنه، هو ان تزول تلك المفارقة الشاذة القبيحة، حين يحل بيننا علماني يميني او يساري، فيجد ان كل ما هو مباح في مذهبه وملته من مفعولات ومتروكات ومطعومات وملبوسات ومنظورات، موجودة وافر عندنا، ليفاجأ بالخصوص بموائد المسكرات واسرة الدعارة، مبسوطة امامه في كل الجهات والاوقات، بل يفاجأ بها معروضة عليه، من غير ان يطلبها.

الواقع لا يمكن ان ينسخ حجية النصوص
وربما ينخدع من يريد الافتاء في هذه القضية، بما استقر واطرد عليه واقعنا، وواقع المسلمين بوجه عام، وهو انعدام الاسلام العملي من حياتنا، ليكون هذا الواقع هو المرجع في بيان معنى الاسلام، وليس نصوصه في الكتاب والسنة، استنادا الى ان العبرة بالواقع وبما جرى به العمل.
وهنا لا بد من ان نرجع الى التاريخ، تاريخ الاسلام وبداياته، واسباب النزول في القران الكريم، والسيرة النبوية، وسيرة الخلفاء الراشدين، وصراع العلماء مع الحكام قديما وحديثا.
واول ما يجب الالتفات اليه من ذلك، ان سورة " الكافرون" انما نزلت لان بعض وجهاء قريش، فاوضوا الرسول صلى الله عليه وسلم، على ان يعترفوا بالاسلام، ويعترف من جانبه بآلهتهم، ليتساكن الايمان والشرك، ويتعايشا في مكان واحد، فنزلت سورة { قل يا ايها الكافرون لا اعبد ما تعبدون}(12) التي تشبه البلاغ او البيان بلغتنا اليوم، لتعلن انه لا مساومة ولا حل وسطا في العقيدة، ولتلقن الرسول عليه السلام، الرد الحاسم المنقط من كل محاولة ترمي الى ذلك.
---------------------------
12)    الايتان 1 و2 من سورة الكافرون
--------------------------
وعمليا وتبعا لهذا التوجيه الالهي وتطبيقا له، فان النبي عليه السلام عندما فتح مكة، لم يقنع بالانتصار الذي حققه، والاذعان الذي اظهره كفار قريش، بل ابى الا ان يامر بالاصنام، التي كانت حول الكعبة وفي جوفها وعلى ظهرها، فجمعت ثم كسرت رافضا ان تبقى ولو للذكرى والاعتبار!
واوضح من هذا في الدلالة على المراد، فيما يرجع للمحرمات بالخصوص، اننا نقرا في السيرة النبوية، ان بين العرب من ساوم النبي صلى الله عليه وسلم بان يقبل منه الاسلام، على شرط اسقاط بعض الواجبات كالصلاة، او اباحة بعض المحرمات كالربا والزنى والخمر، لاسباب اقتصادية او اجتماعية، ولم يقبل منهم الا الاسلام العملي، الذي لا يستثني أي شيء، من واجباته ومحرماته، وابى إباء تاما الا ان يقنطهم من كل أمل فيما يريدون(13).
وكما هو واضح، فقد كان مقصود هؤلاء، ان يحملوا النبي عليه السلام، على ان ياذن لهم باسلام نظري، من النوع الذي نعيشه اليوم، وحيث يمارسه الانسان حسب هواه، ويحرم فيه ويحلل، حسب الاحوال وتبعا للتطور!.
وبعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، طرأت نوازل اكدت استمرار هذا المفهوم العملي للاسلام، الذي لا يستثني أي شيء من وجباته، وقد برز ذلك اول ما برز، في امتناع بعض العرب عن اداء الزكاة، ومبادرة الخليفة الاول ابي بكر الصديق رضي الله عنه، الى مقاتلتهم باعتبار انهم مرتدون، والخلاف الذي شجر بينه وبين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، الذي رجع اخيرا الى راي الخليفة الصديق، عندما اقتنع الجميع، بان شهادة ان لا اله الا الله محمد رسول الله، عقد يقتضي التزامات يجب تنفيذها، وليس مجرد قول يردده الانسان، كما يتغنى بالشعر احيانا!
وقد استمر هذا المفهوم حيا حاضرا، لدى مختلف الدول الاسلامية، التي تولت حكم المسلمين، في مختلف عصوره، وظهر واضحا في نظام الحسبة التي ليست الا مرفقا عاما، للامر بالمعروف او النهي عن المنكر، لرد المسلمين الى الاسلام العملي، كلما ظهر منهم انحراف، بتاثير من الاجانب، او تمسك بتقاليد موروثة او بتاثير ما يظهر التطور من بدع وعادات واعراف، في كل ما يجب على المسلم ان يفعله او يتركه، ابتداء من اداء الصلاة في وقتها، الى ترك الغش في المعاملات، الى الاقتصاد في الاستهلاك، الى التزام السلوك السوي في الزي والسمت، الى ادنى شيء في سلم الاوامر والنواهي !
---------------------------
13)    انظر فقه السيرة للدكتور سعيد رمضان البوطي ط. ثانية دار الفكر ص 493.
--------------------------
فقه المعارضة ودلالته الكبرى في هذا المقام
وفي صراع العلماء المكلفين بتغيير المنكر بالقول،  مع الحكام المكلفين بتغييره باليد والسلطان، دلائل ساطعة، على ان المفهوم العملي للاسلام، كما اسسه وخلفه ورسوله عليه السلام، ظل حيا في الاذهان، يثيره اهل الحل والعقد، الذين سماهم الرسول ورثة الانبياء، ويحاجون به الحكام، كلما استدعت الاحوال ذلك، ولا يسكتون حين يسكتون، الا على مضض، واتقاء لفتنة اشد.
وقد ترك لنا اسلافنا عن هذا الموضوع، تراثا حيا، يستحق ان يصنف ويجمع ويروي ويذاع، ليرى فيه الناس نماذج رائعة من " فقه المعارضة" الذي اسسته تلك الطائفة من العلماء، التي ظلت محافظة على نضال الانبياء، في صراعهم مع الباطل، والاهواء الشخصية للحكام، مدفوعين لذلك بالالتزام الذي القاه عليهم الرسول عليه السلام، حين جعل منهم الخلف العام للانبياء واولياء عهدهم، يرثون عنهم وظيفتهم الكبرى، في الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، والايمان بالخالق عز وجل!

(9)
تغيير الواقع أم تغيير الدستور
هذا الواقع العلماني الذي نعيشه، وهذه النصوص الدستورية التي تجعل الدين ركنا في دولة القانون، وهذه القواعد الدستورية البديهية، التي تجعل كل قانون يعارض النصوص الدينية لاغيا باطلا ، لابد ان يقودنا الى نتيجة حتمية، وهي ان هناك تناقضا ونشازا، لابد لكل من يعد نفسه عاقلا منزها عن العبث، ان يتنزه عنه ويسعى الى رفعه.
ومنطقيا فان رفع التناقض، يكون ازالة سببه، وهو نفي احد طرفيه واثبات الاخر.
واسلاميا فان الذي يجب نفيه هنا، هو الواقع العلماني، الذي يناقض الاسلام ويهدم ضرورياته.
ونحن لا نطمئن وقد افترضنا اننا قبلنا استفتاء رجال القانون الوضعي، لا سيما اذا كانوا من الاجانب عن الاسلام، ان يختاروا لنا الحل الاسلامي، ويفتوا بوجوب تغيير الواقع لينسجم مع الدستور، بل المتوقع هو ان يفتوا بتغيير الدستور، لكون دولة علمانية، سيرا وعملا بما قامت به " بعض الدول الاسلامية"، التي فعلت ذلك وأرحتنا على كل حال، لانها صارحتنا بالحقيقة منذ البداية!
وهنا نقول اننا لا نرهب هذا الحل، بل نقبله ونرحب به، لانه اذا كان من المسلم به ان تغيير الدستور، لا يكون باستفتاء عام، فان هذا يقتضي ان ترجع الدولة الى الامة، والى اهل الحل العقد فيها، لتقول لهم بصراحة : اننا نريد ان نخرج من تناقض لا يليق بدولة تحترم نفسها، وانه لا يمكن ان يكون ذلك بتغيير الواقع العلماني، لاننا نحتاج الى حانات وملاه ليلية ومسارح وسينما وفنون جميلة، وراقصات وملكات للجمال، ونساء مجندات للاصطياد السياح وعملتهم الصعبة، وغير ذلك من اساليب الحضارة العصرية" المتعارف عليها دوليا" وانه لم يبق امامنا الا ان نغير الدستور، بان نحذف منه تلك النصوص الاسلامية التي تلزمنا بالتخلص من هذه المحرمات، لا سيما اننا اذا احترمنا انفسها واحترمنا القانون، فاننا يجب ان نلغي كل الرخص الممنوحة لاصحاب الحانات والملاهي، بل يجب ان نلغي كل القوانين الوضعية المخالفة لنصوص القران والسنة النبوية القولية والفعلية، فهل يطمئن السادة المسؤولون الى انهم سيحصلون على الاصوات التي تزكي مرادهم هذا ؟
ان اجهل جاهل في هذا البلد سينبري ليقول : ولماذا اخرجنا فرنسا ؟ اذ ان لعوامنا فقها فطريا في هذه المسالة، جديرا بان يحسدهم عليه كثير من الفقهاء القانون !
اعود الى ذلك البرنامج، الذي ذكرت ان التلفزة خصصته للحديث عن مقاولات القمار، الرائجة تحت اسماء مختلفة، لقد احضر اصحاب البرنامج، مجموعة من المختصين في الموضوع ومعهم رجل من عامة الناس، ليقولوا رايهم في المسالة. وبعد ان تكلم المختصون، واشاروا الى هذه المقاولات منظمة كلها بظهائر، صدرت في عهد الحماية، وبقي العمل جاريا بها بعد الاستقلال، وانها تساهم في عدة اعمال اجتماعية وتحقق " نفعا عاما"! ابعد هذا كله، تحدث الرجل العادي ليقول كلمات قليلة وكبيرة، هي انه لا يعرف الا ان القمار حرام وان الدولة اسلامية، وانه يجب عليها ان تحرم القمار ! ان جمهور الناس كلهم من هذا الصنف الذي سبق ان عاينا رايه ورد فعله في مناسبات مختلفة، اثناء صدامنا مع الاستعمار الفرنسي .

نتيجة طبيعية سبق العمل بها
واذن فليس هناك من حل، سوى تغيير الواقع لينسجم مع عقيدة الناس، المدونة في عقولهم وقلوبهم، قبل ان تدونها نصوص الدستور، ولمن يستغرب هذه النتيجة او يستنكرها، اقول إني لا اعلن جديدا لان تغيير هذا الواقع هو ما بادرت اليه الحركات الوطنية، في عالمنا الاسلامي وفي بلادنا بالخصوص، وهو ما كان الوطنيون يبشرون به ويرددونه في خطبهم ومقالاتهم وتجمعاتهم!
فالذي حدث اثناء الحماية، هو ان المغاربة وجدوا انفسهم فجاة محكومين، وهم امة اسلامية العقيدة، بدولة نصرانية علمانية، تفرض عليهم قانونها الوضعي، وخبائثها المحرمة بالقطع في الكتاب والسنة، ولذلك كان من الطبيعي، ان يكون المنطلق الاول للحركة الوطنية، هو ان هذا الوضع  شاذ يجب تغييره لتكون سيادة الامة اسلامية كدينها، ويكون امرها بيدها، تشرع لنفسها حسب مراجعها الدينية المقدسة.
وهذا ما جعلنا نلاحظ، ان كل الخلايا الوطنية، التي نشات في مختلف الحواضر المغربية لتوعية الشعب، انتبهت باتفاق عفوي، الى وجوب المبادرة الى استنكار وجود الحانات، التي اخذت سلطات الحماية ترخص بها، على الرغم من انها كانت قليلة محصورة في الاحياء الاوروبية، وعلى الرغم من ان القانون كان يمنع بيع الخمر للمسلمين!
 لقد اعتبر الوطنيون وجود هذه المرافق، التي لم يكن لهم بها عهد من قبل، اكبر اهانة للوطن ودينه، واكبر استهزاء بشعور المسلمين، ولذلك وجدوا فيها البرهان الذي يقنع الناس، بان سلطات الحماية لا تريد لهم الخير، ولا تسعى الا للفساد، ومن هذا انطلقوا كذلك لاقناع  المواطنين بخيانة الباشوات، وغيرهم، من المغاربة الذين كانوا ينفذون سياسة الحماية.
وأولى من هذا واجدر منه بالذكر قضية " الظهير البربري" : فهل يجوز ان ننسى هذه القضية، ومغزى الضجة التي اثارها الوطنيون في شانها، حتى عمت اصداؤها ارجاء العالم الاسلامي، الذي تداعى كله بالتعاطف مع بلادنا، بالخطب والمقالات والرسائل، التي يمكن ان تتالف منها اليوم، لو جمعت اسفار كبيرة كثيرة.
فمن يستطيع ان يتجاهل انها لم تكن الا وقفة عنيفة، في وجه سلطات الحماية، التي اخذت تسعى الى الغاء الشريعة الاسلامية، واحلال قانونها الوضعي مكانها بذرائع باطلة !!!
بل اننا نجد دليلا اخر اسطع، في الحكومة المحلية، التي اسسها المرحوم عبد الكريم الخطابي في الريف، إبان جهاده للاستعمال الاسباني.
لقد حرصت هذه الحكومة على ان تكون اسلامية قولا وفعلا، من غير ان يكون هناك تفكير في أي بديل اخر، وقد سمعت احد قدماء قضاتنا رحمه الله، يحكي ان الخطابي كان يجبر جنوده على الصلاة ويعاقبهم اذا تركوها، وقرأت كذلك انه كان يطبق التعزيرات الاسلامية على الجنود الذين يتجاوزون حدود الجهاد في سبيل الله، ويرتكبون ما يعتبر عدوانا، وانه لم يتردد في اعمال بعض النصوص القرآنية وتنفيذ احكامها القاسية، على بعض الافراد من جيشه، الذين ثبت عليهم انتهاك الحرمات الشخصية في حربه للاستعمار الاسباني.
ولم يكن هذا الا التزاما منه " بفقه الجهاد" الذي اسسه القران الكريم ورسخه النبي عليه السلام، بسنته القولية والفعلية، وسار عليه خلفاؤه الراشدون من بعده، حتى تركوا لنا ذلك التراث المشرف من اداب الحرب، الذي كانوا به ارحم الفاتحين، والعبارة لاحد الاوروبيين، الذي بهره ما سجله التاريخ عن جيوش الجهاد الاسلامي، فادى هذه الشهادة الثمينة!
وليس هذا من دلالة سوى ان الحركة الوطنية، سواء في جانبها النظري او جانبها المسلح، كانت تتجه الى تغيير الواقع، لينسجم مع عقيدة المغاربة المدونة في وجدانهم، من غير حاجة لنص دستوري، وانه لم يكن في نية رجالها ابدا، ان يصير واقعنا الى ما صار اليه، حيث كل المحرمات الكبرى مباحة محمية، على الرغم من اننا اكدنا هويتنا الاسلامية، باكثر مما كانت عليه، فصارت متجلية في نصوص دستورية، تقتضي حسب القواعد المجمع عليها، قانونا وفقها وقضاء، ان تكون المحرمات الاسلامية ممنوعة بقوة القانون، وان تكون القوانين المرخص بها لاغية باطلة ّ!

الدعوى للرجوع الى الاسلام اصل لا انحراف
وعليه فاذا جاء اليوم من يقول، اننا يجب ان نعمل بالكتاب والسنة، في كل مناحي حياتنا، ونمنع كل ما يحرمه الاسلام، من المفعولات والمتروكات، فانه لا يزيد على ان يكون داعيا الى ارجاع وضع منحرف الى حالته السوية، وارساء الهرم المقلوب على قاعدته العادية، ولا يمكن ابدا ان ينسب الى الشذوذ والتطرف، انسجاما مع طبيعة الاشياء، وامتدادا لما سبق ان بادرت اليه الحركات الوطنية.
ومن هناك نرى ان اغرب كلام يقال اليوم ويردده، هو الذي نقرأه ونسمعه عن التطرف الديني، الذي يريد ان يقنع الناس، بان الدعوة الى العمل بالاسلام، شيء طارئ او دخيل.
ان كثيرا من الذين تولوا حكمنا بعد الاستقلال، وما زال البعض منهم جالسا على كراسي المسؤوليات، كانوا ينعون على سلطات الحماية، ما احدثته في بلادنا من مظاهر العلمانية، المتجلية بالخصوص في المحرمات الكبرى، وكذا في برامج التعليم، لا سيما ما يرمي منها، الى حجب التاريخ الاسلامي، عن ذاكرة التلاميذ والطلبة، او تجهيلهم لغتهم القومية.
بل ان بين هؤلاء من كانوا يقودون المقاومة المسلحة، ويخططون للمقاومين، الاهداف البشرية والاقتصادية، التي يجب ضربها، وكان بين الذين حصدهم رصاص الفداء، بامر منهم، مغاربة يتجرون في المحرمات الاسلامية، ثبتت خيانتهم لهذا السبب نفسه.
فاذا كان بين هؤلاء اليوم، من يابى الا ان يزعم، ان الدعوة للرجوع الى الاسلام قولا وفعلا، بدعة غريبة، ويصرون على ان يخترعوا لها اصطلاح الاصولية او التطرف الديني، او أي نعت اخر، فعليهم انم يتذكروا تاريخهم القريب، ليكتشفوا انها دعوة سمعها منهم المواطنون المغاربة اول ما سمعوها، يوم كانت السلطة بيد الاجنبي، وان هذه الدعوة ان كانت شرا في نظرهم، فعليهم ان يعلموا انهم الذين بدءوها ولقنوها للناس، وعدلوا بها وجرحوا أدانوا وبرءوا واحيوا وقتلوا.

(10)
لنؤمن بنبينا العربي
في محاورة نسيت مناسبتها واشخاصها، ولعلها كانت مع احد مبعوثي الرسول عليه السلام، الى بعض ملوك العجم، ملوك العجم، لدعوته الى الاسلام، يقول السائل، كيف عرفتهم محمدا نبيكم هذا، صادق فيما جاءكم به، فبادرتهم الى الايمان به والاذعان له وطاعته ؟!
والسؤال ينطوي على تعريف خفي، يشي به السياق، لان السائل يريد ان يقول لمسئوله، كيف استطاع هذا الشخص ان يستحوذ على عقولكم وقلوبكم، على هذا النحو البادي منكم، وكانه يريد ان ينعي على الذين بادروا الى الايمان به من المسلمين الاوائل سذاجتهم او غفلتهم !.
ولكن الجواب الشافي، كان حاضرا في قلب المسؤول، الذي سرعان ما نطق بالرد الحاسم، وهو اننا عرفنا صدق وصحة دعوته، من انه لم يترك فضيلة الا امرنا بها، ولم يترك رذيلة الا نهانا عنها !
هذا هو المعيار الفصل في صدق الرسول، الذي وصفه القران بانه على خلق عظيم، وقال عن نفسه، انما بعثت لاتمم مكارم الاخلاق، وبه انفتحت له لدعوته قلوب الذين تهافتوا على الايمان به، وبالدين الذي بلغه وما زالوا.
وحين يكون شخص من هذه الطينة وبهذه المرتبة والمنقبة، قائدا ومربيا، فلابد ان تنشا على يده طائفة من الاتباع الفضلاء المتطبعين بطبعه، والسائرين على نهجه، وحين يكون هو الحاكم، الذي يسوس وينظم، فان النتيجة معروفة، وهي ان يصلح به الناس، ويعيشوا على هديه وسننه، وان يعشقوا سجاياه، ومكارم اخلاقه، فيتنافسوا في الاقتداء به في كل شيء، وقولة ابن خلدون : الناس على دين ملوكهم واردة هنا بقوة. وهذا ما سجله التاريخ، عن ذلك الرعيل النادر المثال، من صحابته الكرام، لا سيما خلفاءه الراشدين المهديين، الذين ورثوا منه اسرار النبوة وهديها العظيم، وكذا كل من سعى الى التشبه بهم والتخلق باخلاقهم وان فاتتهم المعاصرة، مثل عمر بن عبد العزيز، الذي ظهر منه ما حمل المؤرخين على ان يلقبوه بخامس الخلفاء الراشدين، ولو انه تولى امور المسلمين، في عهد الملكية الاموية.
وكل ما ظهر على هذا السلف العظيم الكريم من الفضائل والمعالي، انما كان من تربية هذا الرسول الكريم، الذي علمهم وهذبهم بسيرته الشخصية، وسنته الفعلية قبل ان يفعل ذلك بالاوامر والنواهي القولية.
وما اصدق من قال في هذا المقام ( ولعله الامام احمد بن تيمية) " اصحاب رسول الله من معجزات رسول الله"، لانهم حقا بما كانوا عليه وصاروا اليه، معجزة حية، لا تكون الا بوجود هدي رباني صحيح، ورسول امين يبلغه عن الله بصدق واخلاص .
وحين يتامل المرء في هذا الهدي النبوي، كما دونته السنة الفعلية والقولية للرسول، وكما شخصه الخلفاء الراشدون، جميع الصحابة والصحابيات، في حياتهم الخاصة والعامة، لا يسعه الا ان يقر بان العلاج الناجع لكل المحن والازمات والمعضلات، التي تعاني منها الانسانية اليوم، وليس المسلمون فقط، موصوف ومحفوظ، فيما جاء به محمد عليه السلام.
ولامر ما قال الكاتب الانجليزي جورج برناردشو : ان محمدا يجب ان يدعى منقذ الانسانية، اني اعتقد انه لو تولى رجل مثله، زعامة العالم الحديث، لنجح في حل مشاكله، بطريقة تجلب للعالم السلام والسعادة (14).
ولامر ما راينا ذلك الكاتب الامريكي ( مايكل هارت) صاحب كتاب المائة الاوائل، يجعل نبينا زعيم العظماء المائة، الذين اختارهم من بين مشاهير العالم، في السياسة والفكر، والتاريخ والعلم والادب والدين، بعد ان فاضل بينهم، لانتقاء الاحسن والابهر، فانتهى الى القضاء لمحمد عليه السلام ، بالسبق والسيادة عليهم جميعا.
ويجدر بنا ان نسمي بعض هؤلاء العظماء، الذين سبقهم نبينا في هذه المباراة، فبمعرفة المسبوق يعرف قدر السابق، لقد كان بينهم الاسكندر وافلاطون ونابليون، ولافوازيي وفولتير وشكسبير، واديسون وماركس واينشتاين، وغيرهم من من الفاتحين والمخترعين والمفكرين، الذين يجب الا ننسى، انه كان بينهم فرويد، أي ذلك الذي تفقه عليه العلمانيون، واستندوا الى آرائه في العفة والغيرة والحياء، وبقية الاخلاق الفطرية، فيما اخذوا يفتون به في امور الاسلام، على النحو الذي راينا.
واظن انني في غنى عن ان اقول بعد هذا ان كتاب " المائة الاوائل" انما جاء ليقول لنا، بالاستناد الى الاحصاء والاستقصاء، ان نبي الاسلام هو " سيد الاولين والاخرين" !
ولامر ما ايضا نرى هذا الجم الغفير، من الاجانب من مختلف القارات ومن اروبا وأمريكا بالذات، يتهافتون على الاسلام، يؤمنون به ويبايعون نبيه، وكانه حاضر معهم، يؤمنون به ويبايعون نبيه، وكانه حاضر معهم، يهديهم بسيرته، كما فعل بصحابته منذ قرون، وبينهم كثير من العلماء والفلاسفة والمفكرين، الذين بلغوا الشأو الكبير، في الثقافة والعلم والنباهة والصيت، وبينهم بالخصوص بعض الكنسيين الذين اكتشفوا، ان الاناجيل المتداولة، كذبت عليهم، حين اخفت عنهم حقيقة كبرى، سبق ان تحدث عنها القران، وهي ان عيسى بشر المسيحيين بمحمد عليهما معا ازكى السلام، ليتهيئوا للإيمان به عند ظهوره.
بل كان بينهم ايضا، بعض " نجوم الفنون الجميلة" ، وبعض نجوم الغناء بالذات، الذين الم يترددوا في هجر فنونهم، التي اعطتهم ثراءهم الفاحش، وشهرتهم الواسعة ائتمارا براي الاسلام وتسليما بحكمه فيها.
----------------------------
14)    " الاسلام في قفص الاتهام" للاستاذ شوقي ابو خليل. ص دار الفكر دمشق ص 15 ( الطبعة الثانية).
---------------------------
وانا لا اتحدث هنا عن خيال، فهذا هو حال نجم البوب الانجليزي المشهور ( كات ستيفنس)، الذي يسمى اليوم يوسف اسلام، بعد ان اختار الاسلام واحبه، ولم يقنع بان يكون مسلما عاديا، بل ابى الا يكون من الدعاة المناضلين عنه، مستعينا في ذلك بما اكتسبه من فنه، من ثروة وشهرة وجاه، وصار نجما في ميدان الدعوة، بعد ان كان نجما على مسارح اللهو والعبث، وله في سبيل النضال عن الاسلام عدة نزاعات ومصادمات، ادارية وقضائية، مع السلطة في بلاده!
وربما كان اهم من هذا كله، انه ضحى بتلك الشهرة والامجاد، التي اكتسبها من فنه، وزهد في ذلك الجيش العرمرم، من جمهوره الذي يتزاحم عليه، وخصوصا منه تلك الجموع الكثيفة العدد، من المعجبات من كل الاجناس والاعمار. واثر على ذلك كله، ان ينزوي ليعيش حياة اسلامية نظيفة، وان يتزوج على " سنة الله ورسوله"، ويسكن الى زوجته، التي لا ريب انها يحق لها ان تفخر على مواطناتها، بان لها زوجا لا يخونها بفضل اسلامه!.
ويقع كل هذا الاقبال على الاسلام، والحب لنبيه من العلية والنخبة، في اوروبا وامريكا، وبقية القارات، على الرغم من ان واقع المسلمين ليس فيه ما يغري بالانتماء اليهم والانتظام في عددهم، لانهم عطلوا الاسلام وحجبوا مزاياه ومكارمه، بسلوكهم الجاهلي، المستمد من التقاليد القديمة، وسلوكهم العلماني المستمد من التقاليد الجديدة، التي تصر على ان الإسلام متخلف، ولا يمكن ان يكون مقبولا إلا إذا ساير العصر أباح ما تبيحه الحضارة الاوروبية، والحال او مزيته الكبرى، انه ينفرد اليوم بتحريم كل هذه المناكر، التي أصبحت وبالا على الإنسانية.

التحي الإلهي
والعاقل لا يخفى عليه، التحدي الإلهي الواضح، الذي يبدو ساطعا باهرا كالشمس، فهاهم أصحاب العلمانية وأساتذتنا فيها، الذين دأبنا على الاحتجاج بآرائهم واقوالهم، فيما كنا نرمي به الدين من إفك وبهتان، يكذبوننا ويفضحون جهلنا، اذ نراهم يتسابقون الى الإسلام يلتزمون به كليا من غير تحفظ، معجبين قبل كل شيء بمحرماته وضوابطه، التي ترفض خبائث الحضارة الاوروبية، الممارسة اليوم تحت تلك الشعارات البراقة المعروفة.
وها هي علومهم، التي غرتنا وانطلقنا منها لرفض الاسلام، تقودهم وتهديهم الى انه الحق الذي لا بديل له، والخلاص الذي لا محيد عنه، على نحو يؤكد صدق ذلك الذي قال، ان كثير العلم يؤدي الى الايمان، وقليله هو الذي يؤدي الى العكس ! وقبل هذا ومن غير حاجة إليه السنا نقرا في القران الكريم في الآية 28 من سورة فاطر { إنما يخشى الله من عباده العلماء}؟!.

* مجلة المحاكم المغربية، عدد 75، ص 9.




Sbek net
كاتب ومحرر اخبار اعمل في موقع القانون والقضاء المغربي .

جديد قسم : أبحاث قانونية مغربية