-->

التقادم وأثره على اجل السنة المنصوص عليه في المادة 32 من ظهير2 يونيو1915

بقلم السيد الادريسي مصطفى أستاذ كلية الحقوق بالدار البيضاء.

ان مؤسسة الشفعة لا يمكنها ان تؤدي وظيفتها الاجتماعية والاقتصادية المتوخاة من إقرارها، الا اذا مورست طبق الإجراءات وفي المواعيد المحددة لها قانونا.

ولمعرفة هذه المواعيد في التشريع المغربي ينبغي ان نميز مع الفقه(1) بين ممارسة الشفعة على منقول او عقار غير محفظ، وبين ممارستها على عقار خاضع لنظام السجل العقاري.

فبالنسبة لشفعة حصة شائعة في منقول او عقار عادي يجب ان تباشر خلال سنة من تاريخ العلم بالبيع، وذلك تحت طائلة سقوط حق الأخذ بالشفعة(2) اما بالنسبة للعقار المحفظ فقد فرق المشرع بين حالتين حسبما يكون المشتري قد بلغ الشراء الى من له حق الأخذ بالشفعة ام انه لم يقم بذلك.

ففي الحالة الاولى وهي الحالة المنصوص عليها في المادة31 من الظهير المومأ له أعلاه، يجب على من تبلغ الشراء ان يمارس حق الشفعة خلال ثلاثة أيام من تاريخ التبليغ، مضافا اليها مهل المسافة عند الاقتضاء، والا سقط حقه.
وفي الحالة الثانية المنصوص عليها في المادة 32 المشار إليها، يتقادم حق الشفعة ما لم يباشر الشفيع المطالبة بحقه خلال شهرين اذا نظم عقد البيع بحضوره، وفي كل الأحوال خلال مدة سنة من تاريخ تسجيل البيع في التسجيل العقاري اذا تم البيع دون حضور من لهم حق الشفعة، والسؤال الذي يطرح نفسه وبإلحاح، ما الحكم لو تراخى المشتري على تسجيل عقد البيع في الصك العقاري حتى مضى عليه وقت قد يصل الى خمس عشرة سنة مثلا، وهو اجل التقادم العادي، هل للشفيع في مثل هذه الحالة ان يتمسك بأجل السنة المنصوص عليه في المادة32 من ظهير 2 يونيو1915؟ وما موقف القضاء من ذلك؟

لم تتضمن المواد المنظمة لاحكام الشفعة لا في ظهير2 يونيو1915 ولا في غيره مدة أخرى لتقادم حق الأخذ بالشفعة غير المدد المشار إليها اعلاه لذا ومما لا ريب فيه، انه اذا لم يبدأ للشفعة ميعاد على النحو المبين في المادتين 31 و32 المذكورين، فان حق الشفيع في المطالبة بحقه يظل  قائما وبالتالي يجوز له ان يمارسه في أي وقت يشاء (3)، ما لم يكن قد نزل عنه صراحة او دلالة(4)، او يكون حقه قد سقط - شأن سائر الحقوق - بمضي خمسة عشر عاما، وهو ميعاد التقادم المسقط العادي (5).

وبناء على ذلك، اذا مضى على عقد البيع اجل التقادم العادي والشفيع عالم بالبيع حاضر، فلا يسوغ له- على ما نعتقد - ان يتمسك بأجل السنة الوارد عليه النص في المادة 32 من ظهير2 يونيو1915، حتى لو لم تكن قد مضت مدة تسجيل البيع في السجل العقاري، ذلك انه من المقرر فقها واجتهاد(6) في القانون المقارن، انه متى تعددت إجراءات او مواعيد  سقوط الحق الواحد، فان قيام إجراء منها وبدء سريان ميعاده لا يمنع من اتخاذ إجراء اخر بعد ذلك وسريان ميعاده الخاص به كذلك، ويمضي كل من الإجراءين في سريانه طبقا لشروطه، ويكون كل منهما قابلا لإنتاج ما هو مقرر له قانونا من اثار(7)، ومن ثم اذا اكتملت المدة المحسوبة من أي من الإجراءين سقط الحق فورا دون توقف على اكتمال الميعاد المحسوب من الإجراء الاخر، سواء أكان الإجراء سابقا او لاحقا في بدء سريانه.

وتطبيقا لهذا المبدأ واعمالا له اذا لم يقم المشتري بتسجيل شرائه حتى مضى على تاريخ البيع وقت طويل، فانه ينبغي ان ينظر الى المدة الباقية من ميعاد التقادم المسقط المنصوص عليه في القواعد العامة، ان كانت تزيد
 على سنة من تاريخ تسجيل الشراء على الصك العقاري، فان اجل الشفعة يظل خاضعا لاحكام الفقرة الثانية من المادة32 من ظهير2 يونيو1915 المطبق على العقارات المحفظة، وان كانت المدة الباقية تقل عن سنة من تاريخ تسجيل البيع، فالعبرة - ما لم يقم اجل الثلاثة ايام المنصوص عليه في المادة31 من الظهير اعلاه - في سقوط حق الشفيع تكون بانقضاء الشهور او الأيام الباقية من ميعاد التقادم المسقط العادي، ولو لم تكن مدة السنة المنصوص عليها في المادة32 قد انتهت بعد، ومعنى هذا ان حق الأخذ بالشفعة، شأنه في ذلك شأن سائر الحقوق(7)، يتقادم بأقصر الاجلين، سنة من تاريخ التسجيل، او خمس عشرة سنة من تاريخ البيع، وهذا الحكم بالاضافة الى مطابقته للقواعد العامة وما تتطلبه المعاملات من استقرار فانه يساير إرادة المشرع من إقرار التقادم المسقط وحصر ميعاده في خمسة عشر عاما، حتى لا تبقى الحقوق مهددة مدة اطول، مما يزعزع الثقة التي ينبغي ان تتحلى بها المعاملات، أضف الى ذلك ان الشفعة لم تأت لتزعزع الثقة بين الشركاء او الملاك. بل جاءت لتعزيز هذه الثقة بعدما تهددت بدخول الأجنبي مجال الملكية المشتركة - لذا جعل لها المشرع ميعادا محددا يجب التمسك به.

ورب معترض يرى في هذا الرأي تشجيعا للمشتري على التواطؤ مع البائع ضد مصلحة الشفيع، فيتراضى المشتري على تسجيل عقد البيع في السجل العقاري حتى يمضي أمد التقادم العادي، وعندها يقدم على تسجيل شرائه بالمحافظة العقارية وهو في مأمن من الأخذ منه بالشفعة، مثل هذا الاعتراض كان له وجه معقول ومقبول عندما كان الاجتهاد القضائي في المغرب يقف من دعوى الشفعة قبل تسجيل الشراء في السجل العقاري موقف المعارض، اما وقد غير الاجتهادي من موقفه وأضحى يقبل دعوى المطالبة بالشفعة ولو قبل تسجيل الشراء بالمحافظة العقارية(9)، فلم يعد لمثل هذا الاعتراض ما يبرره من الناحيتين، القانونية والعملية، لا سيما وقد أجاز المشرع صراحة دعوى المطالبة بالشفعة قبل تسجيل البيع، وذلك في الحالة التي يكون فيها  البيع قد نظم بمحضر من له حق الأخذ بالشفعة قبل تسجيل البيع، وذلك في الحالة التي يكون فيها البيع قد نظم بمحضر من له حق الأخذ بالشفعة (10).
نقول هذا معتمدين على ان الشفعة جاءت لدفع الضرر، ولا يمكن ان تصير وسيلة للاستغلال والتعسف في استعمال الحق، باعتبار أننا لو أعطينا الشفيع حق ممارسة الشفعة رغم مرور وقت التقادم العادي على عقد البيع نكون قد جعلنا بيده وسيلة قانونية يثري بها على حساب غيره دون سبب مشروع، لان الشفيع الممارس لحق الشفعة لا يلزم الا برد الثمن الحقيقي وملحقاته(11)، وحتما ان الثمن الذي سوف يصبح للعقار المبيع بعد خمسة عشر عاما يتضاعف عدة مرات لاسيما ما عرفه وسيعرفه سوق العقار من جنون في ارتفاع الأسعار.

لذا نرى ان الأخذ بهذا الرأي يسهل طريق العدالة ويقف بوجه الغش والاحتيال ويمنع التعسف في استعمال الحق ويدفع الضرر المحقق الوقوع عملا بقول الرسول عليه الصلاة والسلام { لا ضرر ولا ضرار} وهو المبدأ التي جاءت من اجله الشفعة.

هوامش:
(1) مأمون الكزبري، الحقوق العينية الأصلية والتبعية، الطبعة الثانية، الصفحة456 وما بعدها.
(2) غني عن البيان ان الشفعة في العقارات الغير المحفظة لازالت تخضع لاحكام الفقه الإسلامي، لاسيما فقه الإمام مالك باعتبار مذهبه السائد في بلادنا، وبه اخذ المشرع المغربي في المادة976 من قانون الالتزامات والعقود.
(3) قرر المجلس الاعلى انه: " يجوز للشفيع ان يمارس حق الشفعة ولو قبل تسجيل عقد الشراء على الرسم العقاري، ان المقتضيات المنصوص عليها في الفصلين31 و32 من ظهير2 يونيو1915 المتعلق بالعقار المحفظ، تحدد اجال السقوط وليس فيها ولا في غيرها من المقتضيات الاخرى ما يمنع الشفيع من استعمال حقه في الشفعة ولو قبل التسجيل"  قرار رقم 588 بتاريخ 20 شتنبر1976، مجلة القضاء والقانون عدد 130 الصفحة189.
(4) يرى بعض الفقه ان القواعد العامة لا تجيز النزول عن حق الا بعد ثبوته لصاحبه، وعللوا رأيهم بان النزول عمل إرادي يتعين ان يرد على محل قائم ومن ثم انتهوا الى انه قبل تسجيل الشراء لم يكن للشفيع ثمة حق حتى يطلبه وحتى يقبل منه النزول عنه. 
وذهب رأي اخر الى صحة نزول الشفيع عن ممارسة الشفعة ولو كان ذلك قبل تسجيل الشراء في السجل العقاري، وعلة هذا الرأي، ليس النزول الا تعهد يلتزم الشفيع بموجبه بعدم استعمال حق محتمل الوجود، والبيع موجود فعلا بإتمامه بين البائع والمشتري ومن ثم فان حق الشفيع ينشأ بمجرد انعقاد البيع التام المنجز، والبيع موجود وتام"، وهذا الرأي هو الذي نؤيده ونأخذ به لمطابقته لروح الشفعة ومسايرته بصفة عامة لروح الفقه الإسلامي.
(5) راجع المادة314 من قانون الالتزامات والعقود.
(6) انظر في هذا المعنى المستشار عزت حنورة، نظرية الشفعة طبعة1978 ص231، ثم الصفحة237.
(7) انظر في هذا المعنى المستشار عزت محمد حنورة، المرجع السابق، الصفحة238.
(8) انظر احمد حسن البرعي، نظرية الالتزام في القانون المغربي، دار الثقافة الدار البيضاء، ص175، راجع كذلك المواد311، 312،313، من قانون الالتزامات والعقود.
(9) قرار المجلس الاعلى  رقم 588 الصادر بتاريخ 20 شتنبر1976، منشور بمجلة القضاء والقانون عدد130 ص 1989.
(10) الفقرة الاولى من المادة 32 من ظهير2 يونيو1915 المطبق على العقارات المحفظة.
(11) المادة 25 من ظهير2 يونيو1915.

* مجلة المحاكم المغربية، عدد 64-65، ص 73.

Sbek net
كاتب ومحرر اخبار اعمل في موقع القانون والقضاء المغربي .

جديد قسم : أبحاث قانونية مغربية