-->

قابلية السند للتنفيذ الجبري في ضوء التشريع المغربي مقارناً بالفرنسي والمصري



مثلما أن التنفيذ  الجبري  لا يتم إلا بموجب سند قابل للتنفيذ ولا يجوز دونه  بل إنه  يتفرع  عنه  ويُنسب إليه، إذ أن قابلية التنفيذ ما هي إلا قابلية التنفيذ الجبري بالذات، وما كانت لتعني أي شئ لولا أن  هناك سنداً   موصوفاً  بها.  فإن لم يكن السند قابلاً للتنفيذ في نظر القانون، كعقد رسمي مبرم بالمغرب أو حكم  تقريري  أو  منشئ لا يقضي  بإلزام  أو حكم إلزام  ابتدائي غير انتهائي ولا مشمول بالتنفيذ المعجل، فلن يُفسح  مجالٌ لمسطر التنفيذ الجبري، والإقبال على أي إجراء  من  إجراءات التنفيذ الجبري في هذه الحالة يشكل صعوبة في التنفيذ، بل إن الصعوبةلا تتحقق إلا في نطاق  سند تنفيذي لا فرق بين ألا يكون السند التنفيذي قابلاً للتنفيذ منذ  البداية  وبين  أن  يفقد  قابليته  للتنفيذ  بعدما  كان  قد  اكتسبها،  كحكم  ابتدائي  مشمول بالتنفيذ المعجل قضت المحكمة المستأنف أو المتعرض عليه لديها  بإيقاف  تنفيذه، وكحكم انتهائي  يُقضى  بنقضه. ذلك أن المسألة تدور في الحالتين حول انعدام  السبب  الموضوعي  للتنفيذ وبالتالي فإن  كل  اختلال  قانوني  يتصل  بالصفة التنفيذية للسند أو بقابليته للتنفيذ يجعل الإجراءات  التي تنجز تنفيذاً له باطلة، مما  يستتبع  القول  بأن  مجرد  الإقبال على القيام بتلك الإجراءات صعوبةٌ في التنفيذ.


لكن مما يلفت الإنتباه ندرةُ الحالات التي تثار  فيها  صعوبة  من  هذا  القبيل  أو  يُرفع  فيها  إشكال قضائي بسببها أو في موضوعها، إذ ليس متداولاً من هذه الصعوبات إلا  ما يحصل عند الطعن  بالإستيناف  في  حكم  غير مشمول  بالتنفيذ  المعجل  حالَ  كون طلب التنفيذ مرفقاً بشهادة بعدم الطعن في ذلك الحكم  بالتعرض  أو بالإستيناف،  مع  أن  واقع  شيوع  تنفيذ  سندات  خارجة عن نطاق الحصر القانوني للسندات التنفيذية تتولد  عنه  صعوبات كثيرة غالباً ما لا يعيرها العون المكلف بالتنفيذ ولا حتى من تمس تلك الصعوبات بمصالحهم  أي  اهتمام، نظراً  لكون  المعايير المعمول بها في هذا الميدان تستوعب تلك الحالات، الشئ الذي يعني أن المشكلة فكرية قبل أن تكون عملية أو تطبيقية، والذي يضع كثيراً من التحفظات على ما هو متداول من شروط لقابلية السندات للتنفيذ الجبري.  وبديهي  أن  ذات  الأسباب  التي  تصرف ذوي  المصالح  عن  ادعاء الصعوبة عند الإقبال على التنفيذ في تلك الحالات  هي نفسها التي تفسر عزوفهم  عن  الطعن  في  التنفيذ  بعد  تمامه  في الحالات نفسها.

ويمكن طرح تساؤل كبير عن  مدى تنوع  السندات  التنفيذية  أو القابلة  للتنفيذ  في  التشريع  المغربي، وصولاً إلى نتيجة الإقتصار منها، مبدئياً، على السندات ذات الطبيعة القضائية، ومن ثم  تنبغي  دراسة  طبيعة  ومفهوم  الحكم  باعتباره سنداً تنفيذياً والكشف عن انضواء بعض السندات التنفيذية الأخرى تحت مفهومه الواسع، وبعدئذ يمكن تناول العلاقة  بين  السند القابل للتنفيذ ونسخه وبين الصيغة التنفيذية. وقبل كل  ذلك، يُستحسن البدء بدراسة فكرة السند القابل للتنفيذ وشروط  الدين محل هذا السند.
وعليه، فسوف يقسم الموضوع إلى ثلاثة فصول:

الفصل الأول: فكرة السند القابل للتنفيذ.
الفصل الثاني: الحكم القضائي سنداً قابلاً للتنفيذ.
الفصل الثالث: علاقة السند القابل للتنفيذ ونسخه بالصيغة التنفيذية.

الفصل الأول
فكرة السند القابل للتنفيذ وخصائصه

       التمييز بين السند القابل للتنفيذ والسند التنفيذي:

لا نجد في الكتابات الفقهية تمييزاً بين السند التنفيذي والسند القابل للتنفيذ، وأغلب ما يُعبر بالسند  التنفيذي  يكون  عن  السند القابل للتنفيذ وما ذلك إلا لعدم اتضاح الحدود الخاصة بكل وضع من

الوضعين وماهية العلاقة التي تربط بينهما. ولعل مما صرف  الإهتمام  عن  استكشاف  تلك  الحدود  والعلاقة كونُ الكتابات الفقهية المصرية والفرنسية التي تستأنس الكتابات المغربية  بها  عادة لا تتكلم  إلا عن  السند  التنفيذي،  بسبب  أن  صياغة التشريعين المصري والفرنسي لا تعرف إلا السند التنفيذي. ولعل هذا  راجع  إلى تنوع السندات التنفيذية فيهما بين القضائية وغير القضائية بما فيها بعض السندات الشكلية للحق الموضوعي التي لا انفصال فيها للصفة التنفيذية عن قابلية التنفيذ، لا مرحلياً ولا موضوعياً ولا إجرائياً. أما التشريع المغربي فالأصل فيه أن الأعمال  القضائية  هي  التي  تكون تنفيذية وتقبل التنفيذ، وهي محكومة بتعدد درجات التقاضي وما يواكبها من صفات ترد  على  السند  القضائي،  مما فرض تصوراً واضحاً لوضعين متميزٌ أحدهما عن الآخر، أولهما يكون فيه السند تنفيذياً، والثاني يصبح فيه السند التنفيذي قابلاً للتنفيذ، وأحياناً ينشأ الوضعان في نفس الوقت إذا كان التنفيذ معجلاً أو صدر الحكم  ابتدائياً  وانتهائياً معاً.  فإذا  ما أُطلق مصطلح السند  التنفيذي  في التشريع  أو الفقه المصريين أو الفرنسيين،  فهما  يعنيان  ما يسميه  قانون  المسطرة المدنية المغربي  سنداً  قابلاً  للتنفيذ.  فقانون المسطرة المدنية المغربي يتكلم  كثيراً عن  قابلية  التنفيذ  صفةً  للسند  أو للحكم،  كما  بالفصول 149 و162 و163 و320 و413 و425 و428 و433 و437 و438 و494 مثلاً، بينما  يتكلم عن  السند  التنفيذي  بالفصل 491، مع ملاحظة كون صفة تنفيذي وردت بالفصول 161 و162 و163 و483 في صيغتها الفرنسية فقط، بينما  اختفت  منها  في  صيغتها  العربية  واستُبدل بها التنفيذ المعجل!! والحقيقة أن هناك مسائل في  غاية  الأهمية  ظل  الإبهام  يلفها  حتى  الآن،  ومثلما  أن  لغزها  يكمن  في التباس السند التنفيذي بالسند القابل للتنفيذ، فمفتاحه في التمييز بينهما . وأهم  تلك  المسائل  تتعلق  بأربعة مساطر: الأمر بالأداء، وادعاء الغير ملكية العقارات المحجوزة، والحجز لدى الغير، وبيع  العقار  المرهون رسمياً بناء على  الشهادة  الخاصة  للتسجيل. وسوف يأتي بيان بعض ذلك.


   

بعد هذه الملاحظة، يمكن القول  بأن السند التنفيذي يعني سند  الإلزام المتضمن  التأكيد  الكافي  ـ  القضائي  مبدئياً  ـ  للحق الموضوعي المرغوب في استيفائه عن طريق التنفيذ الجبري. لكنه قد  يكون  قابلاً أو غير قابل  للتنفيذ،  بحسب  ما إذا كان حائزاً للقوة التنفيذية أو غير حائز لها، أي أن السند التنفيذي في التشريع المغربي وعاء للقوة  التنفيذية قد يكون محتوياً عليها أو خالياً منها. واحتواؤه عليها قد يرجع إلى لحظة استهلاله، كما في حكم الإلزام المشمول بالتنفيذ  المعجل  أو الصادر ابتدائياً وانتهائياً معاً، وكما في محضر أو أمر الصلح في القضايا الإجتماعية، بينما قد ترد  القوة  التنفيذية على السند التنفيذي لاحقاً، كما في الحكم الإبتدائي غير الإنتهائي ولا المشمول  بالتنفيذ  المعجل  والأمر بالأداء  في الميدان  المدني،  فكلاهما  لا يقبلان لاتنفيذ عند صدورهما، إلا أنهما يصبحان قابلين للتنفيذ عند اكتسابهما الصفة التنفيذية. فإذا لم يكن من شك في ضرورة اعتماد التنفيذ على سند تنفيذي، فهو لا يكفي لطلب التنفيذ أو لمباشرته إلا إذا كان السند حائزاً  للقوة  التنفيذية. وبعبارة أخرى، إذا لم يكن وجود الحق الموضوعي في الواقع كافياً لإجراء التنفيذ الجبري  فوجود  سند  قانوني يثبته لا يكفي أيضاً، ما لم يكن ذلك السند تنفيذياً أولاً، وقابلاً للتنفيذ ثانياً. فكون السند تنفيذياً
 Un  titre  exécutoire لا يعني  أنه  حتماً  سند  قابل  للتنفيذ
'Un titre susceptible d être exécuté 
وإنما يعني أنه مرشح ليقبل التنفيذ  عند  اكتسابه  القوة  التنفيذية، أي  أنه  مهيأ لاحتواء شروط قابلية التنفيذ. وعليه، يكفي لكي يكون الحكم القضائي سنداً تنفيذياً أن يتضمن قضاء إلزام،  ولكي  يكون  حكمُ الإلزام نفسُه قابلاً للتنفيذ فلا بد أن يكون انتهائياً مبدئياً...

إن للتمييز بين الصفة التنفيذية وصفة قابلية التنفيذ أثراً  حاسماً  في  تفسير  بعض  النصوص  التشريعية، كالفصل 491 من ق.م.م الذي ينص على أن الحجز لدى الغير يتم بناء على سند تنفيذي أو بأمر يصدره  رئيس  المحكمة  الإبتدائية  بناء  على طلب...، والفصل 204 من ظهير 02/06/1915 المطبق على العقارات المحفظة الذي ينص  على  أن  الدائن  المحرز على شهادة تسجيل سلمه المحافظ إياها... يمكنه ـ وإن لم يكن بيده سند تنفيذي ـ طلب إجراء البيع عند عدم الأداء في إبانه... ومن منطلق أن التخيير بين إجراء الحجز لدى الغير بناء على سند تنفيذي  وبين إجرائه  بأمر  يصدره  رئيس  المحكمة الإبتدائية بناء على طلب دالٌّ على أن الخيار الأخير شُرع لحالة عدم توفر السند التنفيذي، والخيار الأول لحالة توفره، فقد ساد الإعتقاد بأن للتقابل بين الحالتين مجالاً آخر على الصعيد الوظيفي، وأن للحجز لدى الغير بأمر  من  رئيس المحكمة الإبتدائية وظيفة تحفظية مقابل الوظيفة التنفيذية للحجز لدى الغير الذي يتم بناء على سند تنفيذي(7)، على



أساس أن الإجراء المعتمد على السند التنفيذي هو أحد إجراءات التنفيذ. لكن هذا الفهم مردود لما ذكر من أن السند التنفيذي لا يقبل التنفيذ بالضرورة، ولما يترتب  على  ذلك  من  أن الإجراء  المعتمِد  على  السند  التنفيذي   ليس  إجراء  تنفيذياً بالضرورة، ولكون الحجز لدى الغير ـ انسجاماً  مع  ذلك  ـ  ينشأ تحفظياً في جميع الأحوال، وهو ما  أجمع  عليه  الفقهاء  في مصر. أما في فرنسا فإن الوضع مختلف، ومع أن الحجز  لدى  الغير لم  يعد له وجود بعد بدء العمل بالقانون رقم 650 الذي عوض مقتضيات قانون المسطرة المدنية الفرنسي المتعلقة بالتنفيذ الجبري وبمرسوم تطبيقه رقم 755،  إذ حل  محله  ما يسمى  La saisie  -attribution الذي وردت مسطرته المعتادة بالفصل 42 وما يليه من القانون  المذكور،  وتكلم عن نوع خاص منه يتعلق بحجز أقساط من أجور  العمال  لدى  مشغليهم  الفصلان 145 و146 من  مدونة  الشغل  الفرنسية،  وإجراؤه مشروط في الحالتين بالتوفر على سند تنفيذي، وقد صار مصنفاً مع الحجوز التنفيذية.


    

وقد أدى ما سبقت ملاحظته من أن التشريعين الفرنسي  والمصري  لم  يصفا  السند  بأنه  قابل  للتنفيذ  إلى  انصراف  السند التنفيذي فيهما إلى السند الممكن تنفيذه أو التنفيذ بمقتضاهأي إلى  ما يعن  السند  القابل للتنفيذ.  وقد حذا الكتاب المغاربة حذو الفرنسيين والمصريين في هذا، مع أن الأوضاع  التشريعية  المغربية  في  المسألة  مختلفة ولا تسمح بذلك،  خاصة من حيث إن السند التنفيذي الأصلي الوحيد في التشريع المغربي هو الحكم القضائي،  حيث  لا يعرف  سند  تنفيذي  أصلي  آخر لتلحق به الصفة التنفيذية وقابلية التنفيذ في وقت واحد فيؤدي تلازمهما إلى  عدم  تميُّز  إحداهما  في  الأذهان  عن  الأخرى وينعكس الإلتباس على الأحكام القضائية كما حصل في ظل التشريعين الآخرين.

تبين إذن أن السند التنفيذي وضع يتوسط وضعين آخرين هما السند غير التنفيذي للحق الموضوعي  من  جهة، والسند القابل للتنفيذ من جهة أخرى. وهذا ما يتضح جلياً متى كان السند التنفيذي حكماً قاضياً بإلزام. أما في  بعض  السندات  الأخرى  فقد تنصهر الأوضاع الثلاثة بعضها في بعض أو اثنان منها، فيكون محضر أو أمر الصلح  في  القضايا  الإجتماعية، مثلاً، سنداً مثبتاً للحق الموضوعي وسنداً تنفيذياً وسنداً قابلاً للتنفيذ في نفس الوقت.

باتضاح تميُّز السند التنفيذي عن السند القابل للتنفيذ وما بينهما من علاقة، يتبين  أنهما  غير  مستقلين  أحدهما  عن  الآخر، وأنهما يدوران حول نفس فكرة تمكين الدائن من وسيلة لإجبار مدينه الممتنع من  الوفاء  بالتزامه.  غير  أن  هذه الفكرة تمر بطورين اثنين: طور تأكيد وجود حق يمكن أن
يتطلب التمكين منه الإجبار على الوفاء أولاً، ثم طور تخويل الدائن الحق في مباشرة الإجبار على الوفاء بالإلتزام إذا فشلت محاولة التنفيذ الإختياري ثانياً.

آثار السند التنفيذي والسند القابل للتنفيذ:
ما دام أن كل سند قابل للتنفيذ هو سند تنفيذي ـ والعكس غير صحيح ـ في اصطلاح قانون المسطرة المدنية، فآثاره تستغرق آثار السند التنفيذي. فأما مجمل آثار السند التنفيذي فهي آثار السند بالنظر إلى نوعه، لا بالنظر إلى صفته التنفيذية، لأن هذه الصفة لا تزيد على ترشيحه ليصبح قابلاً للتنفيذ. فإذا كان السند حكماً قضائياً فله أثرَا كافة أحكام الإلزام:
1)  حسم النزاع على أصل الحق.

     

2) تقرير الحق وتقويته  تضاف إلى هذين الأثرين بالنسبة إلى السند القابل للتنفيذ القوة التنفيذية وتفعيلها لا بد له من وسيلة إجرائية هي النسخة التنفيذية. وبصفة عامة، فحسم النزاع أثر خاص بالأحكام القضائية  دون  سواها  من  سندات الإلزام، إلا أنه أثر بعيد المدى في ميدان الصعوبة من حيث وجوب عدم مساس معالجة الصعوبة أو  ادعاءاتها  بما  يتمتع به الحكم من حجية شئ مقضي به. وما دام أن الأصل في التشريع المغربي أن السندات التنفيذية أعمال قضائية، فالأثر الخاص بها أثر أصلي.

أسس فكرة السند القابل للتنفيذ:
تدور فكرة السند القابل للتنفيذ عند الفقهاء حول ثلاثة أسس:
الأول: مراعاة صالح الدائن في الحصول على حقه بسرعة وعدم تمكين العون المكلف بالتنفيذ من تقدير مضمون السند القابل للتنفيذ مجدداً.
الثاني: حماية صاحب الحق من مماطلة المدين الذي لا يفتر عن ابتداع وسائل عرقلة التنفيذ.
الثالث: تمكين المدين من الإعتراض والمنازعة في شكل أو مضمون السند القابل  للتنفيذ  بوسائل  معينة وبإجراءات  مستقلة عن إجراءات التنفيذ الجبري وهذا ما لن يُتاح إذا ما انبتت الصلة بين السند القابل للتنفيذ  وبين  الحق الموضوعي كما سوف يأتي في بعض الأقوال.




هذه الأسس والإعتبارات تنطبق على السند  الممكن طلب تنفيذه جبرياً، وهو السند القابل للتنفيذ وليس مطلق السند التنفيذي، لأنها تدور حول  آثار  تنفيذ  جبري  حقيقي لا يمكن إجراؤه  إلا بتوفر القوة  التنفيذية.  أما  السند التنفيذي  المفتقر إلى القوة التنفيذية، أو المنظور إليه  بمعزل عن القوة التنفيذية ولو  توفرت  فيه،  فهو الدليل  المؤكد  لوجود  


الحق  الموضوعي المرشح لاكتساب القوة التنفيذية أو يعتبرها القانون كافية في وعاء القوة التنفيذية.  وهذا  التأكيد  غير  مختلف في  معناه  عن تأكيد الحق الموضوعي في السندات غير التنفيذية، لكنه مختلف في مداه بما يتضمنه من إلزام.  والمبدأ  في  قانون  المسطرة المدنية المغربي أن تأكيد الحق الموضوعي في السند التنفيذي تأكيد قضائي، وشرطه الجوهري أن يتضمن إلزاماً.

السند القابل للتنفيذ بين الشكلية وعدمها:
اعتاد الفقهاء إبراز العنصر الشكلي للسندات التنفيذية باعتبارها أوراقاً، وهو ما يظهر أنهم في مصر قد استقوه من نص المادة 280 من ق.م.م.ت التي تنص على أن السندات التنفيذية هي الأحكام...و"الأوراق"الأخرى التي يعطيها  القانون  هذه الصفة، وتنص أيضاً على أنه لا يجوز التنفيذ...إلا بموجب صورة من السند  التنفيذي عليها صيغة التنفيذ. فقد قيل بأن السند التنفيذي هو عمل قانوني شكلي وظيفته هي تأكيد وجود حق موضوعي  جدير  بالحماية  التنفيذية وقيل  أنه  هو  الورقة  التي أعطاها القانون صفات محددة وشروطاً خاصة تجعلها صالحة لأن تكون  هي  الأساس  الذي  عليه  يمكن الشروع في التنفيذ القضائي كما قيل أن السند التنفيذي - الذي يبدو شكلاً في هيئة وثيقة أو سند كتابي -   توضع  عليه  الصيغة  التنفيذية، وموضوعاً يتضمن تصرفاً يؤكد وجود الحق الموضوعي - هو السبب المنشئ  للحق  في التنفيذ لكن الفقه المصري، مع إبرازه الجانب الشكلي للسند التنفيذي، يوضح كون فكرة السند التنفيذي هي  فرض تأكيد الحق الموضوعي بالنسبة للمستقبل، بحيث يتضمن بذاته ويحمل في طياته إمكانية التنفيذ في أي وقت دون تأكيد  جديد  مسبق  لوجود  الحق  بصرف النظر عن اعتراض المنفذ ضده، فهو ينشئ حقاً في التنفيذ متميزاً ومستقلاً عن الحق الموضوعيفالسند التنفيذي له قوة ذاتية، فهو يعطي بذاته الحق في التنفيذ الجبري، وذلك بصرف النظر عن  وجود  الحق  الموضوعي.  ولهذا  فإن  الدائن الذي معه سند تنفيذي يتقدم إلى عامل التنفيذ، لا لإثبات حقه  الموضوعي،  وإنما لطلب  التنفيذ...  حقيقة  أن  أهم  السندات  التنفيذية، وهو الحكم، لا يصدر إلا بعد التأكد من وجود الحق، إلا أنه بعد صدور الحكم يفقد الوجود الحقيقي للحق كل قيمة، ولا يرتبط الحكم كسند تنفيذي بالحق الموضوعي الذي أكد الحكم، وإنما يكتسب وجوداً  مستقلاً وتكون له قوة ذاتية من نفس المنطلق قيل أن لسبب التنفيذ معنيين، معنى موضوعي يتمثل في الحق الموضوعي  الذي يجري التنفيذ لاقتضائه، ومعنى شكلي يتمثل في السند التنفيذي الذي هو بمثابة أداة التنفيذ




والذي  يتبلور فيه الحق الموضوعي ومن  أمثلته  الحكم  القضائي وتعليقاً  على  نفس  الكلام  قيل  أن  كل  معنى من المعنيين السابقين لا يغني عن المعنى الآخر، بل لا بد من اجتماع المعنيين معاً، أي لا بد من  وجود  الحق الموضوعي  ووجود  السند التنفيذي الذي يتبلور فيه هذا الحق حتى يتوافر سند التنفيذ... ومعنى ذلك أنه لو كان  للدائن حق موضوعي كحق الملكية مثلاً ولكنه غير ثابت في سند مستوف للشكل الذي يزوده بالقوة التنفيذية فإنه لن يستطيع  التنفيذ،  لأن  سبب  التنفيذ  لم  يكتمل له الشكل المادي اللازم قانوناً لإجرائه ثم إن هناك من ذهب  إلى  كون  الشكل  الكتابي  المتمثل  في  الصيغة  التنفيذية لا ينضاف إلى الحق الموضوعي، بل إلى السند التنفيذي نفسه، وأن الصيغة  التنفيذية  مجرد  شرط  شكلي  في  السند التنفيذي


هذه النماذج من أقوال الفقه المصري تعطي تصوراً واضحاً لعدم  انسجام بعضها مع بعض، ودليلاً على نوع من الحيرة، كما يدل على الحيرة الذهابُ أبعد فأبعد في الخلط بين مفاهيم وأوضاع  غير  متطابقة.  فنجد  في  اشتراط  الشكل الكتابي  بالسند التنفيذي تسوية له بنظائره وبنسخه، وخاصة منها النسخة التنفيذية، كما نجد في الربط بين الشكل الكتابي وبين اكتساب القوة التنفيذية ما يؤكد هذا الخلط. ولنا أن نقول بأن سير بعض الفقه المغربي في نفس الإتجاه  لم  يكن  موفقاً  ليس لاختلاف المعطيات التشريعية المغربية في المسألة عن المصرية  فقط،  بل  لكون  التشريع  المصري  نفسه لا يسمح  بالسير  في هذا الإتجاه:

فأما في التشريع المصري: فتنصيص المادة 280 من ق.م.م.ت  على عدم جواز التنفيذ إلا بموجب صورة من السند التنفيذي عليها صيغة التنفيذ لا دليل فيه على أن  الصيغة  التنفيذية  توضع  على  عين  السند  التنفيذي أو القابل للتنفيذ، ولا على أن صورة السند الموضوعة عليها الصيغة التنفيذية هي عين السند التنفيذي أو السند القابل للتنفيذ، بل إن هذا النص التشريعي ـ بالعكس ـ واضح في التمييز بين السند التنفيذي وصورته، وفي التعبير  عن  أن  التنفيذ  يتم بموجب الصورة الحاملة للصيغة التنفيذية وليس بموجب السند التنفيذي، مما يعني أن  الشكل  الكتابي  مطلوب في الصورة المتخذة أداة للتنفيذ وليس في السند التنفيذي نفسه. أما تنصيص نفس المادة على أن  السندات  التنفيذية  هي  الأحكام  والأوامر  والمحررات  الموثقة  ومحاضر الصلح التي تصدق عليها المحاكم أو مجالس الصلح والأوراق الأخرى التي يعطيها القانون هذه الصفة فلا يدل أيضاً على أن السندات التنفيذية أوراق، وإنما على أن بعضها، وهي ما عدا الأحكام منها،  يتحد  فيها  السند  التنفيذي  بالقابل  للتنفيذ وبسند الحق المتميز أصلاً بالطبيعة الشكلية الكتابية، حتى إذا ما اتصف السند بالتنفيذي أو بالقابل للتنفيذ فإن الصفتين  تلحقان  نفس الحق الذي يتضمنهسنده الكتابي، فإذا بالشكل الكتابي الذي يظهر فيه السند التنفيذي أو القابل للتنفيذ ناتج عن طبيعة سند الحق  



  الموضوعي في ميدان الإلتزامات، لا عن  صفته  في  ميدان  التنفيذي. ولا يمنع التقاء الأوضاع الثلاثة  في سند واحد  من التصور الذهني لكل وضع منها مستقلاً بذاته وبمواصفاته التي تقتضي القول بأن السند التنفيذي أو القابل  للتنفيذ  ليس  سنداً شكلياً في ذاته، ولو لازمته الكتابة، لأن الكتابة شكل لسند الحق الموضوعي، لا للحق الموضوعي نفسه،  ومن  ثم فإن  لحوق الصفة التنفيذية أو قابلة التنفيذ بالحق الموضوعي يحصل بمعزل عن الشكل  الكتابي لسند الحق. وهكذا يتماثل السند التنفيذي أو القابل للتنفيذ من حيث صفتهما المعنوية، سواء كان سند الحق الموضوعي شكلياً  كتابياً  أو  لم  يكن،  كما  تتماثل الوظيفة التوثيقية الإثباتية للكتابة سواء كانت هي التي وردت على السند التنفيذي أو القابل للتنفيذ أو كان هو الذي ورد عليها.

وأما في التشريع المغربي: فليست هناك مقتضيات توقع في التباس مماثل وتحتاج إلى  تأويل، لأن السندات غير  القضائية لا تقبل التنفيذ إلا بصفة استثنائية، فلا ترخي بظلالها على التصور العام للمسألة كما حصل في ظل  التشريع  المصري،  ثم إن في قانون المسطرة المدنية المغربي دلائل إيجابية على أن الحكم القابل للتنفيذ سند غير شكلي سوف تُبسط عند تناول الأحكام على حدة.

خصائص السند التنفيذي والسند القابل للتنفيذ:
فضلاً عن الشكل الكتابي المتقدم الكلام عنه، والذي سوف تكون إليه  عودة  بمناسبة  دراسة  إحدى  الخاصيات، ذكر الفقهاء للسند التنفيذي خصائص أخرى أهمها ثلاث:
أولاً: ترمي فكرة التنفيذ الجبري إلى التوفيق بين مصلحة الدائن ومقتضى العدالة. فمن مصلحة الدائن  الإسراع  بإتمام  التنفيذ دون إلقاء بال إلى اعتراضات المدين، ومن مصلحة العدالة السماح للمدين بالمنازعة في شرعية التنفيذ  قبل  بدئه  وألا يسمح بالتنفيذ إلا إذا ثبت حق الدائن على وجه التأكيد والسند القابل للتنفيذ يتطلبه القانون كي يكون قيداً موضوعياً على أهواء الأفراد، ضماناً لعدم مباشرة التنفيذ إلا إذا وجد حق تراد حمايته، حتى لا يتعرض  المدين لتعسف الدائن، ولا يفتح الباب - في نفس الوقت - للمدين للمماطلة تضييعاً لحق الدائن. فيجب أن  يبدأ  التنفيذ بناء على أساس موضوعي كاف للدلالة على وجود حق جدير بالحماية التنفيذية إن فكرة اعتماد الحماية  التنفيذية  على  أساس  موضوعي  فكرة  وجيهة،  وهي تتنافى مع شكلية السند التنفيذي، إذ أن إعطاء المعنى الموضوعي دوره الحاسم  يجعل  الكتابة  وسيلة للإثبات، لا ركناً شكلياً، ويخلصها بالتالي من قيود القوالب والصيغ المحددة، ويتركها في عهدة القواعد  العامة  للإثبات  بطريق  الكتابة الرسمية، فلا تتقيد بتلك الشكليات إلا نسخ الأحكام، كما أن ذات الفكرة تتيح التصور الواضح  للفرق  بين  الحق  الموضوعي  والحق في التنفيذ على المستوى الأول، وبين هذين الحقين وسنديهما على  المستوى  الثاني،  وبين  سند  الحق  الموضوعي  والسند  التنفيذي  على المستوى الثالث، وبين السند التنفيذي والسند القابل للتنفيذ على  المستوى  الرابع،  وبين السند القابل للتنفيذ ونسخته التنفيذية على المستوى الخامس.

ثانياً: الأصل أن التنفيذ الجبري يستند إلى  سند  قابل  للتنفي ذ دال  بذاته  على  استيفاء الحق للشروط اللازمة لاقتضائه بهذا الطريق، ولا يجوز الإعتماد على دليل آخر لا يصلح بذاته سبباً للتنفيذ وقد قيل  بأن السند التنفيذي (يعني القابل للتنفيذ) هو السبب المنشئ للحق في التنفيذ الذي هو عبارة عن سلطة أو مكنة إجرائية تخول  صاحبها  تحريك الجهاز القضائي للقيام بالتنفيذ، وبأن القانون يمنح ذلك السند في ذاته قوة تنفيذية، فيبدأ التنفيذ بناء عليه، بصرف النظر  عن  الوجود  الحقيقي للحق الموضوعي



وإذا كانت للسند القابل للتنفيذ قوة تنفيذية وكان سبباً منشئاً للحق في  التنفيذ، فهذه خصائص  موضوعية لا يمكن قطع صلتها بالحق الموضوعي وبوجوده الحقيقي، ولو امتنع الإعتراض على التنفيذ بما يمس بحجية الشئ  المقضي به مما يتعلق بالحق الموضوعي، لأن امتناع الإعتراض عائد إلى ما لدلالة حجية الشئ  المقضي به على وجود  الحق الموضوعي من مصداقية، لا إلى قيام هذه الحجية حائلاً بين الإعتراض على التنفيذ وبين الحق  الموضوعي. فينبغي  وضع السند القابل للتنفيذ، بما له من قوة تنفيذية وحجية شئ مقضي به، في قالبه المسطري للقول بأن له وجهاً موضوعياً  ووجهاً إجرائياً،  وبأن  الحاجز بين الحق الموضوعي وبين الإعتراض على التنفيذ هو محض  حاجز  افتراضي اقتضت   تشريعَه  الضرورات  والإفتراضات المبنية عليها حجية الشئ المقضي به. فالتطابق مفترض بين الحق الموضوعي وبين  الوجه الموضوعي للسند القابل للتنفيذ، بل إن المفترض بتدقيق هو أن الوجه الموضوعي للسند القابل للتنفيذ ما هو إلا الحق  الموضوعي  عينه مكسواً تزكيةً قضائية وقوة تنفيذية ولن  تستسيغ  العدالة  سنداً  تنفيذياً  أو قابلاً  للتنفيذ  منبتَّ  الصلة  بالحق  الموضوعي،  ويمكن


 الإعتراض  على  سند  تنفيذي  من  هذا  القبيل  بالتساؤل  عن  سبب  صدور الحكم  القابل  للتنفيذ  إن  لم  يكن  هو  الحق الموضوعي؟!!  وعن الحق الذي ترد عليه القوة التنفيذية  في  سند الحق الشكلي إن لم يكن هو نفس الحق الموضوعي المقام له ذلك السند؟!!

إن لهذا التفصيل أهمية بارزة في ميدان الصعوبة يتجلى في أن ضرورة الرجوع  إلى  الحق الموضوعي تظل قائمة في كثير من الحالات أثناء جريان التنفيذ أو عند معالجة الصعوبات أو معالجة الإدعاءات المتعلقة بها أو الإشكالات . فقد يشوب تعيين الحكم للشئ المقضي بتسليمه غموض أو خطأ مادي مثلاً، كما لو سقط رقم المنزل المحكوم بإفراغه من  نسخة الحكم أو شابهُ خطأ، فشكَّل ذلك صعوبة واقعية أوقف التنفيذ بسببها وتعين تذليلها بتأويل الحكم أو تصحيح الخطإ المادي، وكلاهما لن يتم إلا بالرجوع إلى الحق الموضوعي، وإلا لبقي الحكم حبراً على ورق طالما بقيت قوته التنفيذية معطلة.  وعند  منازعة  الطرف المضاد موضوعياً أو وقتياً في ادعاء الخطإ أو النقص في حدود العقار المحكوم بإفراغه مثلاً،  فلا  بديل  أيضاً  عن  رجوع قضاء الموضوع أو القضاء الإستعجالي إلى الحق الموضوعي للبت في النزاع. هذا كله يستلزم النظر  إلى  السند التنفيذي أو القابل للتنفيذ على أنه وضع قانوني جوهره هو الحق الموضوعي عينه، وعلى أن هذا الجوهر هو الذي  يكتسى حجية الشئ المقضي به في حدود ما زكاه القضاء وأكده منه، وهو الذي يكتسي القوة التنفيذية عند استيفاء شروطها  القانونية ليصبح سنداً قابلاً للتنفيذ.

ثالثاً:  هناك  من  يرى  أن  السند  القابل للتنفيذ مقدمة لازمة قانوناً لمباشرة التنفيذ ولصحته، فيكون التنفيذ باطلاً  إذا  بدأ قبل الحصول عليه، ولا يصححه الحصول عليه بعد ذلك لكن أغلب الفقهاء لا يرون هذا الرأي  ولا  يصنفون  السند  القابل للتنفيذ مقدمةً للتنفيذ، بل يقتصرون من هذه المقدمات  على  إعلان  السند  التنفيذي  ـ  أي  تبليغه  ـ  والتكليف  بالوفاء وبيان المطلوب من المدين وهناك من زاد منح المدين مهلة قبل التنفيذوتقديم طلب للتنفيذ
لكن الصحيح أن الحصول على السند التنفيذي أو القابل للتنفيذ ليس من مقدمات التنفيذ، سيما إذا ما أُخذ بعين الإعتبار الفرق بين السند ونسخه وكونه مُدركاً معنوياً لا شكل له. ذلك أن التنفيذ لا يباشر إلا بمقتضى سند قابل للتنفيذ يعتبر سبباً موضوعياً لمختلف إجراءاته، بما فيها مقدماته لكن ما سبقت الإشارة إليه من  التباس  السند  التنفيذي أحياناً بالسند القابل للتنفيذ أو بالنسخة التنفيذية يؤدي إلى رؤى مغايرة، كالقول بأن شروط الحق الذي  يجري  التنفيذ  لاقتضائه  هي  السبب  الموضوعي لإجراء التنفيذ وبأن السند / د.وجدي


التنفيذي هو السبب الشكلي لإجراء التنفيذ ولمزيد من التوضيح والتفصيل  يمكن  تقسيم  أسباب  التنفيذ  على  ثلاثة مستويات:
فعلى مستوى أول: هناك سبب جوهري للتنفيذ هو توفر أصل الحق أو الحق  الموضوعي  أو  جوهر  الحق،  وهو  يخضع لنظرية الحق في كل شئ ويقع خارج نطاق مسطرتي التقاضي والتنفيذ الجبري معاً.  وبالمقابل، هناك سبب مسطري للتنفيذ يتجلى في الوسائل التي تتيح اتباع مسطرة التنفيذ الجبري.
وعلى مستوى ثان: ينقسم السبب المسطري نفسه إلى عنصرين اثنين هما الوسيلتان  اللتان  تعتمد  عليهما  مباشرة  مسطرة التنفيذ الجبري:




 -  العنصر الموضوعي: وهو يعني الوجه الموضوعي  من  مسطرة  التنفيذ الجبري،  أي  ما يدل  من هذه المسطرة موضوعياً على الحق في التنفيذ الجبري، وهو يقابل وجهها الإجرائي من جهة، كما يقابل السبب الجوهري  غير المسطري، أي جوهر الحق، من جهة أخرى.

 -  العنصر الإجرائي: وهو يعني النسخة التنفيذية التي يجب  أن  يدلي  صاحب  الحق  الموضوعي  بها  عند  طلبه التنفيذ. فالنسخة التنفيذية ليست وسيلة لتأكيد الحق أو لوضعه على عتبة  التنفيذ الجبري،  بل  وسيلة  شكلية  إجرائية  لطلب التنفيذ الجبري إذ لولاها لما جاز قبول طلب التنفيذ من الدائن الحاصل على سند قابل للتنفيذ، ولا للعون المكلف بالتنفيذ أن يتخذ للتنفيذ مقدمات ولا إجراءات جبرية.
وعلى مستوى ثالث: للعنصر الموضوعي المسطري طوران اثنان:

1) طور السند التنفيذي: وهو الطور الذي يتم فيه التأكيد الكافي للحق الموضوعي  ولكون  استيفائه  يتطلب  تنفيذاً  جبرياً إذا استمر المدين في امتناعه من الوفاء هو أو الغير الذي تدعو الضرورة إلى مشاركته في التنفيذ. وكفاية التأكيد  القضائي للحق الموضوعي يختلف مدلولها بحسب ما إذا كانت المسطرة موضوعية  أو  استعجالية .  ففي  الأولى  يتأكد  الحق  الموضوعي قطعياً، وفي الثانية يتأكد وقتياً، والتأكيد الوقتي لا يعني سوى احتمال وجود الحق، وهو ليس تأكيداً له،  وإنما  هو تأكيد للحق في الإجراء الوقتي المطلوب والمبني على مجرد احتمال صحة الإدعاء المتعلق بالحق الموضوعي.

2)  طور السند القابل للتنفيذ:  وهو  الطور الذي  يتعزز  فيه  تأكيد  الحق  الموضوعي بالقدر الذي يخول طلب استيفائه عن طريق التنفيذ الجبري، حيث يحوز القوة التنفيذية.

حقيقة أن عدم الحصول على سند قابل للتنفيذ يجعل أي إجراء يُنجز من إجراءات التنفيذ باطلاً، والإقبال على أي إجراء منها مشوباً بصعوبة قانونية، بغض النظر عما إذا كان السند القابل للتنفيذ مقدمة للتنفيذ أم لا، نظراً لتعارض التنفيذ دون هذا السند مع مقتضيات الفقرتين الثالثة والرابعة من الفصل 428 من ق.م.م من حيث إن الربط بين  الحق  في  الحصول  على النسخة التنفيذية وبين الرغبة في التنفيذ يعني أن التنفيذ يتم  اعتماداً  على  هذه  النسخة،  وأن  عدم  الحصول  عليها لا يسمح بالقيام بالتنفيذ، فأحرى عدم الحصول على السند الذي ما هي إلا نسخته، ومن حيث إن عبارة"سلمت طبقاً  للأصل  ولأجل  التنفيذ" التي تميز النسخة التنفيذية تعني أنها الوسيلة القانونية  لمباشرته. لكن هذا لا يسوِّي إدخال الحصول على السند  القابل للتنفيذ في دائرة مقدمات التنفيذ بإخراجه من دائرتها إزاء  معالجة  الإدعاءات  المتعلقة  بالصعوبة  بالطريق  الخاص غير القضائي المنصوص عليه بالفصل 436 من ق.م.م، لأن هذه المعالجة لا يُفتح  لها بابٌ  إلا بانطلاق عملية التنفيذ التي تُستهل بمقدماته.

الفصل الثانيالحكم القضائي سندا تنفيذيا


إن لتحديد المفهوم الخاص للحكم باعتباره سنداً تنفيذاً أو قابلاً للتنفيذ  أهمية  بالغة  في فهم الكثير من المقتضيات  القانونية المتعلقة بالتنفيذ، وخاصة منها المتعلقة بالصعوبة. فالفصلان 26 و436 من ق.م.م  بالذات يتميزان بتعلُّقِهما  بتنفيذ  الأحكام القضائية دون سواها من السندات القابلة للتنفيذ، بينما الفصل 149 من  ق.م.م  تسري  مقتضياته على الصعوبات المتعلقة بتنفيذ حكم أو سند قابل للتنفيذ، كما أن الفصول 468 و482 و483 و484 من ق.م.م  قد  عممت  القول  ولم  تنص على ما يفيد تعلق مقتضياتها بالأحكام دون سواها. لذا فإن  من  غير الممكن التعامل مع المقتضيات التشريعية المتصلة  بالصعوبة  تعاملاً صحيحاً ودقيقاً إذا لم يُحدد مفهوم الحكم كسند قابل للتنفيذ بوضوح يميزه عن سواه.

لا شك أن الأحكام لا تقبل التنفيذ بإطلاقها، وإنما تحدُّ شروط قابلية التنفيذ من  هذا الإطلاق. أما المستوفية من الأحكام لتلك الشروط فتؤخذ بالمعنى الواسع لتشمل أحكام قضاء الموضوع وأوامر القضاء المستعجل وأحكام المحكمين وأحكام  المحاكم الأجنبية، كما تشمل الأوامر بالأداءوسندات  أخرى  سوف  يدل  التحليل عليها. ولا شك أن في هذا التوسيع  توسيعاً لنطاق الحماية القانونية الخاصة بالأحكام. ويُذكر أن هناك مقتضيات تخص  تنفيذ الأوامر  بالأداء،  وأخرى  تخص  تنفيذ  الأوامر الإستعجالية، وأخرى تخص تنفيذ أحكام المحكمين... وهي تقدم على  القواعد العامة، إلا أن أهمية تلك المقتضيات وطبيعتها ومداها لا  تبلغ ما  يجعلها  تشكل  مساطر  تنفيذ  خاصة، بل  يبقى  الأصل هو الخضوع للقواعد  العامة  للتنفيذ  الجبري  للأحكام.
وسوف يتم الإكتفاء مما يهم الأحكام في ميدان التنفيذ بمبحثين اثنين:
المبحث الأول: مفهوم الحكم في التنفيذ الجبري.
المبحث الثاني: الشروط الموضوعية لقابلية الحكم للتنفيذ.

المبحث الأول
مفهوم الحكم في التنفيذ الجبري

  إن ما سوف  يساعد  كثيراً على  ضبط  مفهوم  وطبيعة  الحكم  باعتباره  سنداً قابلاً  للتنفيذ  استحضارُ مذاهب التشريع  والفقه المصريين بقصد المقارنة عند قراءة المقتضيات التشريعية  المغربية. فقد  قيل أن القانون المصري يطلق اصطلاح





الحكم بصفة عامة على كل إعلان لفكر القاضي في استعماله لسلطته القضائية، وأن الحكم هو الإطار الخارجي للعمل القضائي بالمعنى الخاص، أي هو الشكل الخارجي له، وهو أيضاً الشكل العام له، ما لم ينص القانون صراحة على غير ذلك. وهناك من قال بأن الحكم هو قرار صادر من محكمة في خصومة وفقاً لإجراءات معينه،

ثم استدرك قائلاً أن الحكم ينطوي  على عنصرين، عنصر موضوعي (قرار في منازعة)، وعنصر شكلي (مراعاة أوضاع معينة عند إصداره)، وأضاف أنه  يجب كتابة الحكم باللغة العربية، فالقانون لا يعترف بحكم غير مكتوب. كما قيل بأن الحكم القضائي هو القرار الصادر  عن  جهة  لها  ولاية  القضاء  بعد  تحقيق  كامل متضمناً تأكيداً قضائياً يحسم نزاعاً ناشباً بين الخصوم. وقيل أيضاً  أن  الحكم  هو  القرار الصادر من  جهة قضائية بعد تحقيق كامل وفقاً لإجراءات وضمانات معينة متضمناً تأكيداً  قضائياً  يحسم  نزاعاً  ناشباً  بين  الخصوم، وأن الحكم هو القرار الذي يصدر من القاضي أثناء الخصومة القضائية أو في  نهايتها  ليفصل  في  موضوع  الدعوى - أو  في جزء منه - أو في مسألة إجرائية، وذلك في الشكل القانوني للأحكام، بل إن من الفقهاء في مصر من قال بأنه يتعين  أن يكون الحكم مكتوباً وإلا كان معدوماً.

أما الفقه الفرنسي فيعرف الحكم كعمل قضائي  بأنه الجواب القانوني عن طلب ولم يضع  للحكم  كسند  تنفيذي  تعريفاً مختلفاً. واستلزام الفصل 502 من ق.م.م الفرنسي الإدلاء بنسخة حاملة للصيغة التنفيذية من أي  حكم  أو سند  لتنفيذه لا يعني أن الكتابة شرط أو ركن في الحكم ذاته، لأن الحكم ذاته غير نسخته، وبالتالي فإن  استلزام الشكل الكتابي  في  نسخة الحكم لا يعني استلزامه في الحكم نفسه. أما تعاريف الفقه المصري، فالتأمل بالنماذج المذكورة  منها يُظهر أن  منها  ما  استلزم الكتابة لوجود الحكم، ومنها ما لم يستلزمها. ومهما يكن من هذا التفاوت أو الإختلاف، فكتابة  مسودة  الحكم هي الكتابة التي يمكن أن ينظر جدياً في ما إذا كان المتوقف عليها حسب المادة 175 من ق.م.م.ت المصري هو وجود الحكم أم إثبات  وجوده، لا كتابة صورته (نسخته). والذي يبدو واضحاً هو أن ما قيل عن الكتابة بالنسبة إلى الحكم في الفقه المصري ليس  إلا تكراراً لما قيل عنها بالنسبة إلى السند التنفيذي بصفة عامة، مما ينطبق عليه الرد الذي سبق عند الكلام عن السند  التنفيذي  أو القابل للتنفيذ وما اعتمد عليه من تحليل للمقتضيات التشريعية المصرية. لكن دراسة الحكم على انفراد سوف تعزز الآراء  السابق إبداؤها، والتي تستمد أهميتها من كون التشريع المغربي يضيِّق نطاق السندات القابلة للتنفيذ  ويقتصر  منها  على  السندات  القضائية المستوفية للشروط القانونية،

       
 ومن كون الفقه المصري   يؤكد  في  ظل  تشريع  يتسع لسندات تنفيذية أخرى غير الأحكام أن الحكم القضائي من أهم السندات التنفيذية على الإطلاقوأكثرها شيوعاًوأقواها  من  حيث ثبوت الدينوأعلاها مرتبة
والحقيقة أن الحكم ـ من حيث هو عمل قضائي ـ إنجاز فكري محض لا يعقل أن  تدخل الكتابة في تكوينه .  فإذا كانت الكتابة وسيلة لإثبات وجود الحكم وللإستدلال به أو على وجوده، فوجوده غير متوقف عليها. والأهم  بصدد  التنفيذ  الجبري  هو أن نسخ الحكم بكافة أنواعها ليست شرطاً شكلياً لوجود الحكم، وإن كان من شرطٍ  شكلي  فهو  محضر  جلسة  النطق بالحكم. أما مسودة الحكم التي دار حولها الخلاف في مصر فلا يعرفها قانون المسطرة المدنية المغربي،  في حين أن تحرير  أصل الحكم الذي عنه يتكلم الفصل 50 من ق.م.م ليس شرطاً لوجود الحكم، وما هو إلا إحدى وسيلتين  مباشرتين  لإثبات  أسباب  الحكم ومنطوقه.

ولتوضيح المسألة ينبغي تسجيل ملاحظات سوف تكون  إلى  تفصيلها  عودة  عند  الكلام  عن علاقة الصيغة التنفيذية بالسند القابل للتنفيذ وبنسخه:
أولاً: مفهوم الحكم لا يمكن أن يتغير في مرحلة التنفيذ عنه في غيرها، ولو  أن  له  وظيفة  معينة  في  هذه  المرحلة  مرتبطة بصفته التنفيذية وبقابليته للتنفيذ، وهو دور غير مؤثر في طبيعة الحكم ولا في شكله.  لذا  فإن  ازدواجية  المعنى  التي تبناها بعض الفقهاء المصريين وفرقوا فيها بين الحكم سنداً قضائياً وبينه سنداً تنفيذياً أو قابلاً للتنفيذ مرفوضة، وإلا فإن  التسليم  بها يعني التسليم بأن ما يعتبر حكماً في مرحلة لن يكون حكماً في مرحلة أخرى، أو أن ما لا خلاف في كونه  حكماً  خارج  ميدان التنفيذ الجبري قد لا يكون حكماً داخله!!

ثانياً: يتعين التمييز بوضوح بين الكتابة ركناً أو شرطَ وجودٍ، وبينها شرط نفاذ، وبينها وسيلةَ إثبات، وبينها أداة تنفيذ. وبتحديد أي هذه الوظائف مناطة بالأحكام في ميدان التنفيذ وخارجه يمكن الحسم في المسألة  بالنسبة إلى الأحكام. والحقيقة أن قانون المسطرة المدنية المغربي ليس به أي نص يفيد كون الكتابة ركناً من أركان عموم الأحكام، وإنما هي وسيلة إثبات فقط، علماً بأن استلزام الشكلية الكتابية استثناء لا بد من نص تشريعي لتقريره. وتنصصيص الفقرة  الأخيرة  من  الفصل 418 من ق.ل.ع على أن الأحكام أوراق رسمية لا يعني سوى أن هذه الأحكام يمكنها حتى قبل صيرورتها  واجبة  التنفيذ أن تكون حجة على الوقائع التي تثبتها، ولا تعني أن كتابتها بالضرورة هي تهيئ نسخها، ولا أن الكتابة ركن في تكوينها.

ثالثاً: يتعين التمييز أيضاً بين الحكم مع وسيلة إثباته الأولية التي هي محضر جلسة النطق به  من  جهة  وبين  مختلف نسخه العادية والتبليغية والتنفيذية من جهة أخرى. وإذا كانت إجراءات  التنفيذ  متوقفة  على  هذه  النسخ،  فهي لا شك شرط للقيام بالتنفيذ، إلا أن هذا لا يعني أن الحكم باعتباره سنداً تنفيذياً أو قابلاً للتنفيذ لا يكون موجوداً  قبل تهيئ النسخ، إذ لا تلازم بين وجود السند التنفيذي أولاً، وبين قبول نفس السند للتنفيذ ثانياً، وبين مباشرة إجراءات تنفيذه ثالثاً.  وحتى  لو اعتُبر الحكم سنداً شكلياً، فالكتابة التي سوف تشكل ركناً من أركانه هي محضر جلسة النطق به وليست نسخه.
الخلاصة أن الحكم في التشريع المغربي لا يختلف مفهومه وطبيعته في نطاق التنفيذ الجبري  عنهما  خارجه،  وما هو بالسند الشكلي بحال من الحالين، إلا إذا كان الشكل المقصود هو تثبيت منطوق الحكم في محضر جلسة النطق به. أما  شكلية  النسخ فاستلزمها كونها وسيلة إجرائية لا يلزم من عدمها عدم وجود الحكم، إذ  النسخ  بأنواعها  الثلاثة  أسباب  إجرائية  في  قانون المسطرة المدنية المغربي. وإذا لم يكن التنفيذ ليتم إلا بواسطة ورقة مكتوبة فتلك  هي  النسخة 

التنفيذية. هذا التمييز لا يختلف فيه التشريع  المصري عن المغربي، وإن كانت الفقرة الثانية من المادة 280 من ق.م.م.ت المصري توحي عباراتها بأن الحكم ورقة، فهو إيحاء ينبغي استبعاده إزاء ما تم استخلاصه من مقتضيات المادة 175 من نفس القانون.

بالإمكان إدراك السند التنفيذي أو القابل للتنفيذ إذن في ما يُكتب بأصل الحكم  أو  بمحضر جلسة النطق به  أو في  نسخة  أي منهما، لكن باعتباره فكرة مضمَّنة في أحد هذه المحررات، لا باعتباره أحد هذه  المحررات .  بل  إن  بالإمكان  إدراك  الحكم والتعرف عليه والتأكد من وجوده حتى قبل تحريره، وذلك اعتماداً على النطق به قبل  إثبات منطوقه في محضر الجلسة التي صدر فيها طبقاً للفقرة الأولى من الفصل 51 من ق.م.م. وإذا كانت المادة 175 من ق.م.م.ت  المصري  ترتب على عدم كتابة مسودة الحكم قبل النطق به تنفيذي بالمعنى الصحيح.  وإذا  رجعنا  إلى  نطاق  القانون  الخاص،  فإننا  نجد  وسائل  استيفاء الشخص البطلان، وكان الفقهاء المصريون مترددين ومختلفين في اعتبار هذا  البطلان  مطلقاً  أو غير  مطلق، وكانت المادة 174 من نفس القانون تنص على أن القاضي ينطق بالحكم بتلاوة منطوقه أو تلاوة منطوقه مع أسبابه...علانية،  وكان النطق بالحكم هو قراءته بصوت عال في الجلسة، فقانون المسطرة المدنية المغربي لم يوجب كتابة هذه المسودة  بالمرة،  وإنما كتابة أصل الحكم طبقاً للفصل 50 وكتابة منطوقه طبقاً للفصل 51، وأسند مهمة كتابة المنطوق إلى كاتب  الضبط  وليس إلى القاضي، وحدد تثبيت الحكم أو إثباته بمحضر الجلسة هدفاً مُتوخًّى من ذلك، مما يعني أن الحكم لا يتوقف وجوده  على  كتابة منطوقه بمحضر الجلسة، فأحرى على تهيئ نسخ المنطوق، والقول بخلاف  هذا  يجعل  كاتب  الضبط  شريكاً  للقاضي  في ممارسة الوظيفة القضائية. فلو كان إثبات أو تثبيت المنطوق بالمحضر من أركان الحكم  أو  من  شروط  وجوده  لما جاز أن يقوم به غير المخول ولاية القضاء الذي هو القاضي دون منازع ولا مشارك. أما أصل الحكم فتدل  على  أنه  ليس  هو ذات الحكم أربعة أدلة:

 1) تنص الفقرة التاسعة من الفصل 50 من ق.م.م على أن ما يبلغه كاتب الضبط حالاً عند  صدور الحكم  حضورياً  ومعاينةِ حضور الأطراف أو وكلائهم هو نسخة منطوق الحكم، وهو ما يدل على أنه لا يلزم عند النطق بالحكم تثبيت أسبابه أو أصله بمحضر الجلسة، كما لا يلزم أن يكون شئ من ذلك محرراً بكيفية مستقلة عن المحضر، وإلا لكان  الأولى  تبليغ   نسخة  من الحكم، أو تبليغ أسبابه مع منطوقه على الأقل، لما يترتب على التبليغ التلقائي بالجلسة من انطلاق لأجل


 الطعن بالإستيناف المتطلِّب القيامُ به الإطلاع على أسباب  الحكم  وعلى  كافة  بياناته  لمناقشتها  والكشف  عن فسادها أو نقصانها أو انعدامها.
2) جرى العمل على إصدار الأحكام والنطق بها قبل تحريرها، ولطالما تراخى تحرير  بعض الأحكام شهوراً بعد النطق بها، وكثيراً ما صدرت أحكام ثم انتقل مصدروها للعمل في محاكم أخرى قبل التمكن من تحريرها...ولم  يقل  أحد أن تلك  الأحكام باطلة أو غير موجودة. ذلك أن الفقرة العاشرة من الفصل 50 من ق.م.م نصت على إجراءات توقيع الحكم، ثم  جاءت  الفقرة الموالية بمقتضيات تسمح بتصور فجوة زمانية بين صدور الحكم وبين التوقيع تزكيةً لنظرة التمييز بين الحكم وبين أي محرر من محرراته، ولكون الحكم المنطوق به لا يعتبر منعدماً قبل تحريره، ولكون تاريخ الحكم هو تاريخ النطق  بهالذي قد يكون سابقاً على تاريخ تحريره، وهو ما ليس القول به متوقفاً على نص قانوني كالفصل 453 من ق.م.م  الفرنسي  الذي قرر هذا صراحة. وإذا كانت الفقرة الأخيرة من الفصل 50 تقتضي اعتبار الحكم منعدماً بسبب تعذر اكتمال تحريره، فليس لأنه لم يكن موجوداً فور النطق به، بل لأن إثبات أسباب الحكم لا غنى عنه، ولأن  المشرع  اعتبر تعذر هذا  الإثبات  سبباً  لتجريد الإصدار القانوني للحكم من آثاره المعتادة. على أن هذه النتيجة مقيدة بحصول  مانع  قانوني  للقاضي  وللكاتب  معاً  وفي آن واحد، وإلا فإن عدم حصول المانع للكاتب يحول دون صيرورة الحكم

المنطوق به عدماً رغم أن كاتب الضبط لن يضيف أية  مقتضيات قضائية إلى الملف، وإنما يثبت  ما تم النطق به في محضر قانوني أو يوقع أصل الحكم  مع  القاضي.  ثم  إن تقيُّد إعادة القضية إلى المناقشة بسبب معين يستتبع القول بأن عدم تحرير الحكم لأسباب أخرى لا يؤدي إلى  نفس  النتيجة، الشئ الذي يعني أن ما جاءت به الفقرة الأخيرة من الفصل 50 المذكور ليس سوى استثناء، ويعني أن القاعدة هي  أن  عدم تحرير الحكم لا يحول دون اكتمال وجوده إذا لم يعتر القاضي والكاتب معاً مانع من توقيعه.

3 ) يوحي تنصيص الفقرة الأولى من الفصل 53 من ق.م.م على  تسليم  نسخة  مصادق  على  مطابقتها  للأصل  من  جميع الأحكام بمجرد طلبها بوجوب أن تكون النسخة جاهزة عند صدور الحكم، لأن  من  المتصور  أن  يطلبها  ذو المصلحة  فور صدور الحكم، فيكون مقتضى تسليمها إليه بمجرد الطلب أن تكون جاهزة وقتئذ، فيلزم من ذلك  أن  يكون  الحكم  محرراً عند النطق به. لكن تنصيص الفقرة الثانية من نفس الفصل على إضافة نسخة من الحكم إلى الملف  بمجرد  إمضائها  تدحض هذا الإيحاء بما تفيده من احتمال تراخي الإمضاء إلى ما بعد صدور الحكم بمدة قد تطول.

4 ) لا ينال من عدم توقف وجود الحكم على تحريره قول الفقرة الأولى من  الفصل 318 من  ق.م.م :  يجب  أن  يكون  حكم المحكمين مكتوباً ويتضمن بياناً لادعاءات الأطراف ونقط النزاع التي تناولها والمنطوق  الذي  بت  فيه، لأن لحكم المحكمين مسطرة خاصة  استمدت  خصوصيتها  من  استثناءات  ميزتها  عن المسطرة  المعتادة  للتقاضي  ولأن

العام لا يُستدل عليه بالخاص. وما اختصت به أحكام المحكمين من شكلية كتابية ليس إلا نتيجة لعدم وجود  جهاز  مماثل لكتابة الضبط يُثبِّت ما يقوم به المحكمون من إجراءات مسطرية في محاضر رسمية، الأمر الذي استلزم قيام المحكمين أنفسهم بتحرير المحاضر. وقد نصت الفقرة الثانية من الفصل 311 من ق.م.م على مشاركة المحكمين جميعاً في ذلك، ما لم يأذن  الأطراف  لهم  بالعهدة لأحدهم بتنفيذ الإجراء. وهذا يعني أن مجرد النطق بحكم المحكمين لا يعبر ولا يعلن عن  وجوده،  فأحرى  أن  يوثِّقه،  ما لم يحرره المحكمون أو المعهود إليه بتحريره من بينهم.

مدى اتساع مفهوم الأحكام في التنفيذ الجبري
عندما نظم قانون المسطرة المدنية قواعد التنفيذ الجبري ضمن الباب الثالث من  القسم  التاسع  جعل  عنوان  الباب" القواعد العامة للتنفيذ الجبري للأحكام"، فعبر بهذه العنونة عن كون المقتضيات المنضوية تحتها تتعلق ـ مبدئياً ـ بالأحكام، وعن كون الأحكام هي الأصل في السندات التنفيذية والقابلة للتنفيذ ما دام أن أية مسطرة أخرى لتنفيذ سندات  غير  الأحكام  خارج  هذا الباب لم يشتمل عليها قانون المسطرة المدنية. أما العبارة القائلة من الفصل 149 من ق.م.م: الصعوبات المتعلقة بتنفيذ حكم أو سند قابل للتنفيذ... فتفيد فعلاً وجود سندات تنفيذية غير الأحكام، الشئ الذي يؤكده قول  الفصل 452  من   ق.م.م  عن  الأمر المبني على الطلب بالحجز التحفظي: ويبلغ هذا الأمر وينفذ دون تأخير، وقول الفصل 278 من ق.م.م عن الأوامر بالتصالح في النزاعات المتعلقة بالشغل أو الخلافات الناشئة بين المشغل والأجير وعن محاضر أو أوامر  الصلح  في  قضايا  الضمان الإجتماعي: إن إثبات الإتفاق بمحضر أو أمر يضع حداً للنزاعات وينفذ بقوة القانون ولا يقبل أي طعن، وقول الفقرة الأخيرة من الفصل 180 من ق.م.م الوارد ضمن باب المساطر المتعلقة بالأحوال الشخصية: إذا  تم  التصالح  أصدرت  المحكمة حالاً حكماً يثبت الإتفاق وينهي النزاع وينفذ بقوة القانون ولا يقبل أي طعن لكن قبول هذه الأوامر والمحاضر للتنفيذ لا يعني في غياب أنظمة أو مساطر تنفيذ خاصة بها، وبالنظر إلى خضوعها للقواعد العامة للتنفيذ الجبري للأحكام، إلا أحد أمرين: إما أنها مشمولة بالمفهوم العام للأحكام، وهو ما ينطبق على الأوامر بالأداء المستوفية  شروط  قابليتها  للتنفيذ،  وإما  أن  صفتها التنفيذية صفةٌ استثنائية، تأكيداً لانفراد الأحكام بأصل الإتصاف بهذه الصفة في الحالتين.  وبهذا  يدخل  التشريع المغربي في زمرة التشريعات التي ضيقت دائرة السندات القابلة للتنفيذ  واقتصرت  منها  على  القضائية،  مثله  في هذا  مثل  التشريعين السوداني والأنجليزي هذه الأوضاع لا تتفق مع ما ذهب إليه  الذين  أدخلوا  في  دائرة السندات التنفيذية أو القابلة التي  ليست أحكاماً ولا من السندات المنصوص على قبولها للتنفيذ على سبيل الإستثناء. وقد أدي انقطاع الكتابات المعنية بهذه للتنفيذ العديد من السندات  الملاحظة عن النصوص التشريعية  أيضاً  إلى  الإختلاف  وعدم  التطابق  فيما  بينها  بخصوص التعداد. وعلى أية حال، فالتوسع في إسباغ الصفة التنفيذية على  السندات  لا يجوز،  لأن  القانون يحددها على سبيل الحصر ونفس الملاحظة تنطبق على بعض ما يجري به العمل في المحاكم، حيث تُتبع إجراءات  التنفيذ 


الجبري  على  أوسع  نطاق  بخصوص عموم الأوامر المبنية على الطلب  وعلى  الشواه د  الخاصة  للتسجيل  ومقررات  تحديد  نقباء  المحامين للأتعاب مثلاً، مع أن التحليل ينفي عنها جميعاً أن تكون  سندات  تنفيذية  أو قابلة  للتنفيذ.  ولعل هذه الظاهرة وجه من وجوه التأثر بالفقه المصري والفرنسي اللذين ينطلقان من مقتضيات تشريعية مختلفة عن مقتضيات التشريع المغربي واللذين صنفهما الفقه مع التشريعات


المتوسطة بين توسيع وتضييق نطاق السندات القابلة للتنفيذ وإذا كان قانون المسطرة المدنية الفرنسي موافقاً للمغربي من حيث تركيزه على الأحكام أصلاً للسندات التنفيذية، فالفقه هناك يذهب في تأويل مصطلح الحكم باعتباره سنداً تنفيذياً تأويلاً مرناً يستوعب الأوامر الولائية، بينما تعتبر هذه الأوامر في الميدان التطبيقي غير مشمولة به هذا هو ما ذهب 



إليه بعض الكتاب المغاربة أيضاً على خلاف اصطلاحات قانون المسطرة المدنية. والملاحظ  أن  التشريع  المصري لم ينص صراحة على أن الأوامر على العرائض من السندات التنفيذية أو القابلة  للتنفيذ.  لكن  المتفق  عليه  أنها  منها،  والفقه الفرنسي أدخلها في المفهوم العام للأحكام. فأما الفقه المصري فله مبرران يتمثل أولهما في إطلاق المشرع  المصري مصطلح الحكم على قيام قاضي الأمور المستعجلة بالبت في الطلبات الوقتية المرفوعة إليه مما يفسح المجال لانصراف مصطلح الأوامر إلى الأعمال الولائية، وهو ما دفع إلى القول بأن ما يكون استعمالاً  لسلطة  القاضي  الولائية  فإن  القانون  المصري يطلق عليه عادة اصطلاح "أمر ويتمثل ثانيهما في  توجه المشرع  المصري  إلى  إسباغ  القوة  التنفيذية  على  سائر السندات الولائية المتداولة. أما الفقه الفرنسي فليست لديه مبررات مشابهة أو بديلة، إذ رغم التنصيص تشريعياً على محاضر الصلح والعقود الموثقة والأوامر المبنية على الطلب سنداتٍ تنفيذية، وما يعبر عنه ذلك من توجه عام نحو قابلية كافة الأعمال الولائية للتنفيذ الجبري، فهذا لا يسمح بتكييف الأوامر المبنية على الطلب أحكاماً،

وهي التي تختلف عن الأحكام في أهم خصائصها التي  هي  الفصل  في  النزاعات   قطعياً تجدر  الإشارة  إلى  تمييز المشرع المغربي من أعمال محكمة الموضوع التي لا تخرج القضية من  ولايتها بين  ما يبت قطعياً في جزء من أصل الحق أو في مسألة فرعية، فيسميها أحكاماً، وهي الأحكام التمهيدية التي تكلم  عنها الفصل 140 من ق.م.م بالذات،  وبين ما لا يبت في أي شئ من ذلك، فيسميها أوامر حسب تعبير الفصل 55 من ق.م.م.  وهذا  أولى   وأوضح  من  اعتبارها  جميعاً  أحكاماً تمهيدية Jugement avant dire droit قبل الإضطرار إلى الإعتراف بأن ما لا يحوز حجية الشئ المقضي  به  منها  وقتي Provisoir، وما هو في الحقيقة بحكم، بل أمر ولائي.
 والحقيقة أن الأعمال الولائية لا تدخل في المفهوم الواسع ولا الضيق للأحكام في ميدان التنفيذ حسب قانون المسطرة المدنية المغربي، لأن هذا المفهوم مقيَّد بالإتجاه العام للمشرع المغربي إلى قصر قابلية التنفيذ  على  السندات القضائية 


دون الولائية، مما يُخرج من دائرة الأحكام كل سند ليس قضائياً. أما الأوامر القضائية، كالأوامر الإستعجالية التي يسميها  الفقه  الفرنسي  أوامر  تارة وأحكاماً تارة أخرى والأوامر بالأداء، فليس في إطلاق تسمية الأحكام عليها من حرج  متى  تعلق  الكلام  بالتنفيذ  الجبري، نظراً لطبيعتها القضائية الموافقة لطبيعة الأحكام وغير المتنافرة مع قواعد تنفيذها جبرياً، ونظراً للنص  فعلياً  على  أنها  تقبل  التنفيذ، ولعدم وجود مسطرة خاصة لتنفيذها غير مسطرة تنفيذ الأحكام، ما عدا بعض الشروط  الخاصة.  فوجب  القول  أنها مشمولة بالمعنى الواسع للأحكام.
هذا المعنى الذي يتسع لكل سند قضائي يشمل الأحكام الإستنافية أيضاً. ولو كانت الأحكام بعنوان الباب الثالث من القسم التاسع تعني الأحكام بالمعنى الضيق الذي  ينصرف  إلى  أحكام  الموضوع  الإبتدائية  لما  قبلت  التنفيذ الجبري


غير أحكام  المحكمة الإبتدائية التي  تصدر انتهائية أو المشمولة بالتنفيذ المعجل أو التي أيدتها محكمة الإستيناف  دون تعديل لمنطوقها أو لأسبابها أما التنصيص في الصيغة التنفيذية الواردة بالفصل 433 من ق.م.م على  الحكم  أو  القرار  دون  الأمر، فيدل على وجود خلل ما، إذ لو كان مصطلح الحكم مستعملاً هناك بالمعنى الواسع الشامل للأوامر القضائية،  فالمفروض أن القرار أيضاً من مشتملاته، ولا حاجة إلى التنصيص عليه  إلى  جانب  الحكم،  ولا إلى  التمييز  في  هذا  بين  القرار  وبين  الأمر بالتنصيص على أحدهما دون الآخر. أما إذا كان سبب ذكر القرار إلى جانب الحكم في الصيغة التنفيذية هو ورود الحكم هناك بالمعنى الضيق الذي لا يستوعب القرار، فالمعنى الضيق لن يتسع للأمر الإستعجالي  أيضاً  وبالأحرى.  والحقيقة  أن لا مفر من القول بأن الحكم مذكور في الصيغة التنفيذية بالمعنى الواسع، وإلا لوجب التسليم بأن الأوامر الإستعجالية والأوامر بالأداء غير معنية بها ما دام أن المشرع لم يسمها إلا أوامر، ولم يسمها  على  انفراد  أحكاماً  بالمرة.  ويبدو  أن  الخلل  لحق  النص الفرنسي للصيغة التنفيذية أيضاً من حيث إنه عبر عن القرار  المذكور  إلى  جانب  الأحكام بـUn arrêt ،  وهذا  المصطلح الفرنسي لم يستعمله المشرع المغربي إلا للتعبير عن قضاء


المجلس الأعلى بالنقض أو بعدمه، وعن قضاء محكمة الإستيناف  بتأييد الحكم الإبتدائي أو بتعديله كلياً أو جزئياً، وهو مجرد  قضاء  تقريري  في  جميع  هذه  الحالات،  وبالتالي  فإنه لا يقبل التنفيذ الجبري، إذ لا يقبله إلا حكم الإلزام أو جانِب  الإلزام  من  الحكم  كما  سوف  يأتي.  أما  ما يصاحب  الإلغاء  الجزئي (التعديل) أو الكلي من تصدٍّ للبت في موضوع القضية  من  لدن  محكمة  الإستيناف فالأصل قبوله للتنفيذ الجبري إن كان من قبيل قضاء الإلزام، إلا أن قانون المسطرة المدنية يسميه بالفرنسية Une décision،  وهو حكم بالمعنى الدقيق، وبالتالي فإن من المتعذر القول بأنه هو المعبر عنه في الصيغة التنفيذية بالقرار.

مما شمله مفهوم الأحكام في قانون المسطرة المدنية أحكام المحكمين والأحكام المبرمة  بالخارج  والعقود  الموثقة  المبرمة في الخارج. فهذه كلها تنفذ على سبيل الأصل، لا على سبيل الإستثناء. قد يُستغرب ورود العقود الموثقة  المبرمة بالخارج  تحت عنوان يقتصر على الأحكام، والحالة أن العمل التوثيقي  عمل  ولائي  لكن  التشريع  المغربي  الذي  لا يعترف  بعموم الأعمال الولائية سنداتٍ تنفيذية، ولا بالعقود الموثقة على وجه الخصوص، أخضع العقود المبرمة في الخارج لرقابة قضائيةٍ موضوعية، بحيث لا تعطى لها الصيغة التنفيذية إلا بحكم يصدر بعد تأكد المحكمة من  صحة  العقد  واختصاص  الضابط أو الموظف العمومي الذي أصدره، وبعد تحققها من عدم مساس أي محتوى من محتوياته بالنظام  العام المغربي، عملاً بالفصول 430 و431 و432 من ق.م.م هذا الحكم الموضوعي بإعطاء  الصيغة  التنفيذية 
.

يشكل  عنصراً  في تكوين السند  التنفيذي  إلى جانب العقد. فإذا ما بوشر التنفيذ اعتماداً عليهما معاً  فإنه  يكون  تنفيذاً  لسند  مزدوج :  عنصر  المديونية  منه يتضمنه العقد الرسمي المبرم بالخارج، والقوة التنفيذية يسبغها عليه الحكم القاضي بإعطاء الصيغة التنفيذية، وعنصر الإلزام ينبثق عن العقد ويؤكده الحكم. وبهذا فإن تنفيذ العقد الرسمي المبرم بالخارج هو تنفيذ لحكم  قضائي عند النظر إليه من زاوية حكم إعطاء الصيغة التنفيذية.

ملاحظة حول القرارات الإدارية:
واضح تماماً أن القرارات الصادرة عن السلطة الإدارية  ليست  أحكاماً،  وأنها  تختلف  اختلافاً  جذرياً  عن  الأحكام  المدنية خاصة، ولا سيما من حيث السلطة التي تصدر هذه أو تلك والوظيفة الأساسية التي أناطها بها القانون، مع ما يترتب على ذلك من اختلاف طبيعة القرار الإداري عن طبيعة الحكم القضائي. وإذا أردنا التشبيه، فأوامر إدارة  القضاء
Les ordonnances  de  L'administration judicière  
  التي تصدرها  السلطة  القضائية هي أشبه شئ من أعمال هذه السلطة بقرارات السلطة الإدارية، ووجها تشابههما هما وجها تميُّزهما معاً عن الأحكام القضائية في الميدان المدني:

الوجه الأول: هو أن القرارات والأوامر الإدارية يستهدفان حماية المصلحة العامة،  بينما  الأحكام  تستهدف  حماية  المصالح الخاصة للأفراد أساساً.

الوجه الثاني: هو أن القرارات والأوامر الإدارية تفتقد حجية الشئ  المقضي  به  التي  تحتكرها  الأحكام  القضائية  القطعية.
لكن القرارات الإدارية الإيجابية تقبل التنفيذ، بخلاف الأوامر الولائية في التشريع المغربي. والقرارات الإدارية تصدر قابلة للتنفيذ، أي أن الأصل فيها قبول التنفيذ، بينما الأصل في الأحكام  القضائية  الملزمة  ألا تصدر  قابلة  للتنفيذ،  ما  لم  تصدر ابتدائية وانتهائية في نفس الوقت أو مشمولة بالتنفيذ المعجل،  وأنها لا تصبح  قابلة للتنفيذ إلا بعد صيرورتها انتهائية. والذي يهم من هذه المقارنة هو أن القرارات الإدارية ليست أحكاماً  قضائية، وبالتالي  فهي لا تخضع  للقواعد  العامة  بشأن  التنفيذ الجبري في قانون المسطرة المدنية، ما لم يرد نص خاص في حالات معينة يحيل بصددها على  هذه القواعد أو على بعضها.

تبعاً لخروج القرارات الإدارية عن دائرة السندات التي تنفذ تنفيذاً جبرياً  بالطرق  التي  يحددها  قانون المسطرة المدنية، يرد التساؤل عن مدى صحة ما ذهبت إليه بعض  قضاة  المستعجلات بالمحاكم الإدارية من الأمر بإيقاف تنفيذ قرار إداري بسبب الصعوبة طبقاً للمادة 19 من القانون  المحدث  للمحاكم  الإدارية  رقم 41/90  والفصل 149 من  ق.م.م؟!!  وهل يكفي لتطبيق المساطر المتعلقة بالصعوبة على تنفيذ القرارات الإدارية أن المادة  السابعة  من  القانون 41/90 نصت  على  تطبيق قواعد قانون المسطرة المدنية أمام المحاكم الإدارية إذا لم ينص القانون على خلاف ذلك؟!!
لعل ذهاب بعض قضاة المستعجلات هذا المذهب راجع إلى الإعتقاد بأن القانون لم يمنع تطبيق المساطر المتعلقة  بالصعوبة في قانون المسطرة المدنية على تنفيذ القرارات الإدارية، وإلا لما أدى تطبيق المادة السابعة المذكورة إلى ما ذهبوا  إليه. لكن أسباباً ثلاثة تجعل القول بعكس ذلك هو الأولى:

1) ما دام أن القرارات الإدارية ليست من السندات القابلة للتنفيذ الجبري الذي نظمه قانون المسطرة المدنية، فهي غير معنية بالمقتضيات المتعلقة فيه بالصعوبة.
2) التنفيذ الجبري الذي يمكن أن تعترضه الصعوبة لا يجري على  القرارات  الإدارية،  وعدم  جريانه  عليها  يستتبع  عدم جريان ما يتفرع عنه من مساطر متعلقة بالصعوبة عليها  أيضاً.  والقول  بغير  هذا  يستوجب  التسليم  بأن  تنفيذ  القرارات الإدارية يخضع لقواعد التنفيذ الجبري الواردة بقانون المسطرة المدنية  ما  دام أن لا دليل  في القانون على عدم خضوعه لها سوى ما ذكر.
3 ) قول المادة 24 من القانون رقم 41/90 بأن إيقاف تنفيذ القرارات  الإدارية المطلوب إلغاؤها ممكن  بصفة استثنائية يعني أن الأصل عدم جوازه. وبما أن الإستثناء مقيد بأسبابه، فإيقاف  تنفيذ  القرارات  الإدارية  مشروط  بطلب  إلغائها،  وهو من اختصاص المحكمة الإدارية وليس من اختصاص رئيسها أو  قاضي  المستعجلات بها.  وبما  أن  أية  شروط أخرى لإيقاف التنفيذ لم يحددها القانون المنشئ للمحاكم الإدارية، فلا مانع من طلب إيقاف تنفيذ القرارات الإدارية لأي 




سبب استثنائي، بما  في ذلك ما يمكن تكييفه صعوبة في التنفيذ. وإذا كان هذا التأويل مؤدياً إلى إغلاق باب إيقاف التنفيذ بسبب الصعوبة في حالة فوات فرصة عدم تقديم طلب إلغاء القرار الإداري أو حالة فشل طلب إلغائه، فلعل القصد من ذلك ليس تقليص الضمانات عما هي عليه في تنفيذ الأحكام القضائية، وإنما الحفاظ على استقلال السلط المستوجب عدم تدخل القضاء في عمل الإدارة إلا في أضيق الحدود.

تنفيذ الحكم الصادر في الدعوى المدنية التابعة:
لم يجادل أحد في كون المقتضيات الباتة في الدعوى المدنية التابعة من أحكام المحاكم الجنحية والجنائية يمكن تنفيذها جبرياً، ولا في كون تنفيذها يتم وفقاً لمقتضيات قانون المسطرة المدنية. وسند كل هذا هو الفصل 645 من ق.م.ج الموافق للفقرة الثانية من المادة 461 من قانون الإجراءات الجنائية المصري. هذه المقتضيات لم تكن كافية لتوحيد الرأي حول ما إذا كانت الصعوبة في تنفيذ الأحكام الصادرة في الدعاوى المدنية التابعة تخضع لما تخضع له الصعوبة في تنفيذ أحكام القضاء المدني من طرقِ معالجة قضائية وغير قضائية أم لا. فقد ظهر في ساحة الفقه اتجاهان رئيسيان لم يعدم أي منهما ما يستشهد به من الأحكام القضائية:

الإتجاه الأول: يقول أن المقصود بجريان التنفيذ طبقاً لقواعد المسطرة المدنية أن التنفيذ يتم وفقاً للإجراءات المسطرية المحددة في قانون المسطرة المحال عليها. وإجراءات التنفيذ هي مجموع القواعد التي ترسم الطرق الواجب اتباعها لضمان تنفيذ الأحكام... ولعل أول ما يتعين بيانه هنا هو أن موضوع الصعوبات في التنفيذ يعتبر مبحثاً واحداً من المباحث العديدة التي تشملها دراسة موضوع إجراءات التنفيذ.

الإتجاه الثاني: يقول أن إشكالات التنفيذ هي غير إجراءات التنفيذ إذ أن الإشكال أو الصعوبة في التنفيذ هي النزاعات في المسائل العارضة التي تحدث أثناء التنفيذ ولذلك جاء الفصل 646 بعده ـ أي بعد الفصل 645 من ق.م.ج الذي كان صاحب النص بصدد التعليق عليه ـ ليبين الجهة التي يطرح عليها هذا النزاع...فلم يستثن من هذه المنازعات العارضة المنازعة بشأن التنفيذ التي يمكن أن تقوم بشأن الحكم المدني في الدعوى المدنية التابعة للدعوى العمومية .


هذا الخلاف لم يعدُ نطاق التقاضي في شأن النزاعات المتعلقة بالصعوبة في التنفيذ أمام القضاء الإستعجالي، إذ اتفق صاحبا النصين المتعارضين على أن المنازعات الموضوعية المتعلقة بالصعوبة في تنفيذ حكم صادر في دعوى مدنية تابعة تخضع للفصل 646 من ق.م.ج ، وهذا نفس ما أكدته بعض الإجتهادات القضائية أيضاً . أما النص الثالث

الفقهي المنقول  بالهامش عن الدكتور محمد السماحي، والموافق لأول النصين المذكورين بالمتن،  فلم  يتطرق  للإشكالات  الموضوعية، لأنه ورد في سياق الكلام عن الإختصاص الإستعجالي للرئيس الأول لمحكمة الإستيناف.
إن مطالعة ما ساقه كل فريق من أسباب وأدلة يخلِّف انطباعاً بأن مقتضيات الفصول 643 حتى  646 من   ق.م.ج   لم  تُقرأ بالتدقيق اللازم، فضلاً عن انحصار النظر إلى طرق المعالجة المتعلقة بالصعوبة في التنفيذ في  حدود  المنازعات  القضائية، دون الإلتفات إلى المساطر غير القضائية!! وللإحاطة بالمسألة من مختلف جوانبها تستحسن مناقشتها  من  أساسها،  مع  الرد أثناء ذلك على ما يحتاج إلى رد. ولا يكفي الإعتماد على معيار واحد للوصول إلى فكرة متكاملة، بل إن المعايير أربعة ينبغي العمل بكل واحد منها على مستوى من مستويات المسألة:

فعلى المستوى الأول:  ينبغي  تقرير  كون  الإختصاص  الجنائي  في  مقابل  الإختصاص المدني ليس من قبيل الإختصاص النوعي لمحكمة من طبقة معينة في مقابل اختصاصات محاكم الطبقات الأخرى  أو المحاكم  الأخرى  لنفس الطبقة، وإنما هو من قبيل الإختصاص النوعي لهيأة من هيآت المحكمة حسب التوزيع الأفقي للدعاوى  داخلها  في  مقابل  اختصاصات هيآتها الأخرى ذات المهام المختلفة نوعياً. وبما أن الحكم الجنحي أو الجنائي المعترضة الصعوبة لتنفيذ مقتضياته  المدنية قد  يكون ابتدائياً أو استينافياً، فمعالجة الصعوبة في تنفيذه وما يتعلق بها من ادعاءات أو نزاعات تتوزعها المحكمة  الإبتدائية ومحكمة الإستيناف بادئ الأمر، سواء تم التوزيع على أساس مقتضيات الفصل 646 من ق.م.ج أو على أساس مقتضيات  الفصل 26 من ق.م.م.

وعلى المستوى الثاني: بعدما تُعرف المحكمة المختصة، ينبغي التحري عما إذا كانت قواعد المسطرة  المدنية  المحال  عليها بالفصل 645 من ق.م.ج في إجراء التنفيذ هي التي يجب أن تطبق أم قواعد المسطرة الجنائية.

وعلى المستوى الثالث: ينبغي التحري، إن كانت قواعد المسطرة المدنية هي التي يجب أن  تطبق، عما  إذا  كانت  المعالجة يجب أن تتم قضائياً أم لاقضائياً.

وعلى المستوى الرابع: ينبغي التحري، إن كانت  المعالجة  يجب  أن  تتم  قضائياً،  عما إذا  كان  المختص  بها  هو  قضاء الموضوع أم القضاء الإستعجالي.
هذا التدرج يؤدي إلى نتيجتين:
الأولى: عدم التسليم بما اتجه إليه المذهب  الأول  أعلاه  من  التمييز  بين  الإشكالات  الوقتية  والإشكالات  الموضوعية  في الخضوع لقواعد المسطرة المدنية، وهو لم يعتمد في ذلك على تعليل متين، لا في إخضاع الإشكالات الوقتية لقواعد المسطرة المدنية، ولا في إخضاع الإشكالات الموضوعية لقواعد المسطرة الجنائية.  بل  إن التمييز في ذاته لم يكن مقبولاً، إذ لو أمكن القول بأن الإشكالات من  إجراءات  التنفيذ  لكانت  جميعها  منها،  وقتية  وغير  وقتية.  والحقيقة أنها ليست  منها، لأن إجراءات التنفيذ هي التي ترمي إلى الإجبار على الوفاء للدائن بحقه المضمن بالسند القابل للتنفيذ. أما القضاء  فلا  يقوم أثناء ممارسته لمهامه، حتى غير القضائية منها، بإجراءات، وأقرب صلةٍ له بالإجراءات هي أمره بها، كما في  الأمر استعجالياً أو ولائياً أو إدارياً بإيقاف التنفيذ مثلاً. ثم إن مما يؤخذ على المذهب الأول اتخاذه تأويل إجراءات التنفيذ طريقاً إلى النتيجة التي تبناها، مما جعله لا يهتم بتأويل عبارة المحكمة التي أصدرت الحكم التي صاغ بها المشرع  القاعدة  القانونية  المتحَرَّى عنها.


الثانية: عدم التسليم بما أخذ به المذهب الثاني في تفسير مصطلح المحكمة  من عبارة المحكمة  التي  أصدرت الحكم. فقد تكلم بمناسبة ذلك عن مكان المحكمة، مع أن المسألة ليست مسألة اختصاص محلي،  ولو أنها  تستغرق  الإختصاص  المحلي  من حيث إن الحسم فيها لا يدع مجالاً لمناقشته. كما أنه تكلم بنفس المناسبة  عن "جهة"  المحكمة الزجرية، وهو تعبير يوحي بأن المناقشة تدور حول الإختصاص الوظيفي الذي يعني توزيع العمل بين  الجهات  القضائية،  والذي لا يتحقق  إلا  إذا  تعددت جهات القضاء كما في مصر وفرنسا حيث توجد جهة للقضاء العادي  وجهة  للقضاء  الإداري. وبغض النظر عن هاتين الملاحظتين، وما دام أن الفكرة التي يظهر من مجمل النص  الفقهي أنه يقصد التعبير عنها هي أن المحكمة بالفصل  646 من ق.م.ج ليست إحدى المؤسسات التي تضم الهيآت المختصة بالقيام بالوظيفة   

القضائية،  بل  هيأة  واحدة من بين  تلك الهيآت،  فتأسيس هذا التأويل على الفصل 647 من ق.م.ج تأسيس غير متماسك. فإذا كان  يفهم  من  عبارة  البت  بغرفة  المشورة أن الكلام يدور حول هيأة معينة من هيآت المحكمة، فهي لا تعني  شيئاً  بالنسبة  إلى  المحكمة  التي أصدرت  الحكم،  وذلك  من وجهين:

الوجه الأول: هو أن غرفة المشورة بالفصل 647 من ق.م.ج مذكورة في سياق  بيان نوع المسطرة الواجب اتباعها للنظر في النزاعات العارضة، وهو مختلف عن سياق ذكر المحكمة بالفصل 646 من  ق.م.ج  عند  بيان  من  يعود  إليها  الإختصاص النوعي من المحاكم.

الوجه الثاني: هو أن مقتضيات الفصل 647 من ق.م.ج دالة بذاتها على أن  ما  يتم  البت  فيه  بغرفة  المشورة  هي  المسائل النزاعية المتعلقة بتنفيذ ما هو مقضيٌّ به في الدعوى العمومية. أما ما هو مقضي به  في  الدعوى  المدنية  التابعة  فلا  علاقة للنيابة العامة بتنفيذه، ولا مجال لتقديمها ملتمسات أو لاستدعائها بشأنه. وما يزكي هذا ويؤيده هو تنصيص الفقرة الأخيرة من الفصل 657 على عدم جواز طلب النقض إلا بطريق الطعن في الحكم الذي يبت في المسألة  العارضة، والصعوبة في التنفيذ ليست مسألة عارضة بالنسبة إلى الدعوى القضائية.

هذه النتائج تعني أن قانون المسطرة الجنائية لا يشتمل على أية مقتضيات بشأن معالجة الصعوبة  في  تنفيذ  ما يُقضي به في الدعوى المدنية التابعة أو بشأن معالجة الإدعاءات والمنازعات المتعلقة بها، مما يحول دون  قبول  أي  تأويل  من  التأويلين المتعارضين المذكورين.

وكما يعاب على المذهبين معاً قولهما بوجود نص في المسألة بالتشريع المغربي، يعاب على الإتجاه  الأول  أيضاً قوله بوجود نص ينظمها بالتشريع المصري الذي لا يختلف في المسألة عن التشريع المغربي كما سبقت الإشارة. وعليه، فالبحث عن حل للمسألة يجب أن ينطلق من التسليم بعدم وجود نص ينظمها بقانون المسطرة  الجنائية. وقد كان المشرع منطقياً في عدم وضع نص من هذا القبيل، لأن الدعوى المدنية التابعة، وإن كانت تابعة للدعوى  العمومية  مسطرياً،  فهي متميزة  عنها  تماماً  من حيث طبيعتها، ويزداد التميُّز اتضاحاً بعدما يصدر الحكم ويُشرع في تنفيذه، حيث تستقل عملية  التنفيذ بخطها المدني الذي لا أثر فيه للصبغة الزجرية أو للتبعية. فإذا ما شابت عملية التنفيذ المدنية  صعوبة  فمعالجتها  ومعالجة  الإدعاءات والمنازعات المتعلقة بها تخضع لقواعد قانون المسطرة المدنية، لا لأن مقتضيات أي من الفصلين 645 و646 من  ق.م.ج تستوجب ذلك، بل لأن إشكالات التنفيذ والإدعاءات المتعلقة بالصعوبة ليست من إجراءات التنفيذ ولا خاضعة لهذين  الفصلين بالمرة، ولأن العبرة والعمل في هذه الظروف يجب أن يكونا بقانون المسطرة المدنية المتضمن القواعد العامة والمساطر المعتادة.


الأستاذ عبد الرحيم الصقلي
                                                                                                    محام بهيئة القنـيطرة

Sbek net
كاتب ومحرر اخبار اعمل في موقع القانون والقضاء المغربي .

جديد قسم : التنفيذ المدني