-->

تقادم حادثة الشغل المقترنة بحادثة السير

الأستاذ البشير بلبركة
محامي بهيئة القنيطرة

تمهيد :
· لم يكن هذا الموضوع يشغل بال اسرة العدالة الا بعد ظهور ـ اخيرا  ـ  بعض الاعمال القضائية حول تقادم حادثة الشغل المقترفة بحادثة السير أو حادثة الفصل6 من ظهير63.2.6.
· في اطار محاولة معالجة هذا الموضوع يمكن تقسيمه  إلى  وقائع  وعناصر الملفات التي صدر فيها هذا  العمل القضائي كمقدمة وفي فقرة  ثانية مبادئ ونصوص قانونية ثم فقرة ثالثة تخص التقادم والقواعد العامة.

الفقرة الأولى ـ مقدمة :

يحصل ان يصاب احد العمال وهو في طريقه إلى العمل بحادثة سير حيث يحرر رجال الضابطة القضائية محضرا بذلك.
عند تحريك المتابعة أو عند حفظ الملف من طرف النيابة العامة يتقدم الاجير كمطالب  بالحق  المدني أو يتقدم بدعوى في اطار المسؤولية التقصيرية مطالبا مرتكب الفعل باصلاح الضرر.

تدفع شركة التامين المؤمنة لحوادث السير بكون الامر بالنسبة للمطالب أو المدعي يعتبر حادثة شغل ملتمسة ايقاف البث إلى حين انتهاء مسطرة الشغل معتمدة على عناصر محضر الضابطة القضائية  واحيانا  مدعمة  دفعها  برسالة تلقتها من شركة التامين المؤمنة لحوادث الشغل بناء على التصريح بحادثة الشغل الموجه من طرف المشغل.

ان بعض المحاكم ( ابتدائية واستئنافية) ترد الدفع من تلقاء نفسها ذاهبة إلى ان حادثة الشغل تقادمت.
الاحكام والقرارات الصادرة في هذا الموضوع وان كانت ليست كثيرة فلا يمكن حصرها في هذه العجالة مع الاكتفاء بحيثيات قرار صادر عن احدى محاكم الاستئناف بتاريخ5/2/1988 ملف 2273/83 والتي جاء فيها :
" وحيث انه من المسلم به قانونا ان اثارة صبغة حادثة شغل ( بالنسبة لاي حادثة كيفما كان نوعها) من النظام العام تثار تلقائيا من طرف المحكمة.
"وحيث انه من المعتمد عليه قانونا كذلك ان التقادم المسقط لهذا الحق يحول دونه  طبقا للقواعد الواردة في ظهير6 فبراير1963 والذي ينبغي اعتماده دون غيره"

" وحيث ان تاريخ الحادثة هذه .... يعود إلى تاريخ31/12/1977 وان الطعن لم يثر الا بتاريخ 17/12/82 أي بعدما طالها امد التقادم قانونا مما يتعين معه إبعاد هذا الدفع من كل مناقشة. 
وتجدر الإشارة إلى ان بعض الاحكام سواء الصادرة في المادة الجنحية أو في اطار المسؤولية التقصيرية تقرر نفس ما ذكر رغم انه سبق لها بتاريخ سابق ان قررت ايقاف البت إلى حين انتهاء مسطرة الشغل مع اضافة أو تقادمها وان كانت هذه الاضافة لا تستقيم مع النص الذي  سيذكر فيما بعد.
فهل مثل هذا القرار ينسجم مع المبادئ والنصوص القانونية ؟

الفقرة الثانية ـ مبادئ ونصوص قانونية

هذه النصوص جاءت في ظهير6/2/1963 وكذلك في ظهير الالتزامات والعقود
جاء في الفصل269 من الظهير الشريف الصادرفي6/2/1962.
" الحقوق في الإعانات والتعويضات المنصوص عليها في ظهيرنا الشريف هذا تتقادم بمضي سنتين على يوم الحادثة أو يوم اختتام بحث قاضي الصلح أو يوم انتهاء اداء التعويض اليومي على ان تراعى في ذلك الحالات المنصوص عليها في الفصلين 280 و291"،
وفي نفس الظهير الشريف

الفصل 270
" ان مدة التقادم المنصوص عليها في الفصل269 هي ستة ابتداء من تاريخ الحادثة واذا ما لم يقع التصريح بهذه الحادثة من طرف المؤاجر أو ماموريه، فان المصاب أو ذوي حقوقه يباشرونها  خلال ثلاثة اشهر الثانية من السنة الموالية للحادثة".
الفصل270 من نفس الظهير حسب مرسوم12/10/1966 ان مدة التقادم المنصوص عليها في الفصلين269 و270 ترفع مؤقتا على التوالي إلى اربع سنوات وسنة واحدة.

الفصل271 من نفس الظهير
" تكون مدة التقادم خمس سنوات ابتداء من يوم وقوع الحادثة إذا اغفل المؤاجر التصريح بالحادثة ضمن الاجال والكيفيات المقررة في الفصل 14 ولو كان قد اشعر مؤمنه بذلك"

الفصل 272 من ظهير6/2/1963
" إذا لم يتوصل المصاب أو ذوي حقوقه بالاستدعاء للبحث أو لمحاولة التوفيق من اجل منع ايراد فان قاضي الصلح يحكم بالحفظ المؤقت ولا يعمل بالتقادم الجارية عليه قواعد القانون العام الا بعد انتهاء اجل خمس عشرة سنة الموالية للحفظ".
كما ان الفصل 272 لم يحصر التقادم في 15 سنة ولكنه اشار إلى ان 15 سنة تلك تطبق عليها قواعد القانون العام وهذا سيذكر فيما بعد.

من خلال ما ذكر سابقا وحسب هذه النصوص قد لا يمكن الوقوف على تقادم حادثة الشغل لان ملف قاضي الحق العام ليست به العناصر المذكورة حتى يتسنى له القول بتقادم حادثة الشغل.
نعم اعطاه المشرع هذا الحق للقول بتقادم حادثة الشغل في الفصل174 الذي جاء فيه:
" يجب ان تقام دعوى المسؤولية عن الجنحة لكي تكون مقبولة في غضون ( الخمس) سنين الموالية لوقوع الحادثة، غير ان المحكمة المرفوع إليها الدعوى يجب ان تؤخر البت فيها حتى تنتهي الدعوى الناجمة عن ظهيرنا هذا ما لم تتقادم.
ان المشرع اعطى الحق للمحكمة المرفوع إليها الدعوى أي الدعوى العادية ان تنظر في تقادم حادثة الشغل بعد ان يثار ـ  كما سيذكر ـ ان تكون هناك عناصر تسمح له بالتاكد من التقادم كالإدلاء بان الملف حفظ أو غير ذلك من العناصر الاخرى، ولكن قد لا يكون القول  صحيحا بان المحكمة ان قررت ايقاف البث فبعد خمس سنوات من هذا الايقاف ستتقادم دعوى حادثة الشغل لان بدء سريان التقادم، يتطلب زوال سبب الوقف وفي هذه الحالة هو الحكم الذي سبق وان قرر ايقاف البت.
                                                   * * *
استطرادا يمكن الاشارة إلى موضوع اخر وهو ليس بعيدا عن موضوع المحاولة : 
ان المحكمة احيانا تقرر ايقاف البت إلى حين انتهاء مسطرة الشغل وتضيف ( أو تقادمها)
ان المشرع في الفصل174 من ظهير6/2/1963 حسب صياغته ( ما لم تتقادم)  قد اعطى الحق لقاضي الحق العام قبل قرار ايقاف البث ان يتاكد من خلال عناصر ووثائق الملف من ان حادثة الشغل تقادمت أو لم تتقادم.
ان المحكمة الجنحية أو المدنية الاصلية إذا قررت ايقاف البت إلى حين انتهاء مسطرة الشغل فهذا معناه ان الحادثة لن تتقادم الا بعد زوال اثر الحكم على يد محكمة الدرجة الثانية أو مرور مدة ازالة حجية الاحكام حيث تبدا ان كان انقطاعا مدة جديدة للتقادم.
هل يحق للمحكمة ان تثير التقادم من تلقاء نفسها ؟

* * *

 الفقرة الثالثة ـ التقادم والقواعد العامة ـ

اجاب الفصل 273 من الظهير الشريف الصادر في6/2/1963 عن هذا التساؤل موضحا ان انواع تقادم الفصلين269 و271 تطبق عليها قواعد القانون العام.
ان قواعد القانون العام هي الواردة بالنسبة للموضوع في ظهير الالتزامات والعقود.
جاء في الفصل372 من قانون الالتزامات والعقود " التقادم لا يسقط الدعوى بقوة القانون بل لابد لمن له مصلحة فيه ان يحتج به.

" وليس للقاضي ان يستند الى التقادم من تلقاء نفسه"
من اهم المبادئ القانونية والتي جاء بها الفصل 372 ل ع هوان التقادم لا يسقط الحق بقوة القانون ولكن لا بد لمن له مصلحة فيه ان يحتج به وليس للقاضي اثارته تلقائيا.
ليس من مخالف ان القاضي حسب هذا الفصل  لا يحق له اثارة هذا التقادم من تلقاء نفسه.
إذا قيل ان الاجير من حقه اثارة تقادم حادثة ظهير6/2/1963 فهذا يؤدي إلى القول ان ظهير6/2/1963  وجد للاضرار بالاجير وهذا يجب ان يستبعد.

لا يمكن هدم هذه القاعدة بالمصلحة الشخصية للاجير لان القانون واجب التطبيق حسب إرادة المشرع ولا سيما إذا كانت واضحة.
قد يقال ان ظهير1963 من النظام العام طبقا للصيغة التي جاءت في فصله347 لكن إذا كان الامر كذلك فان قواعده يجب ان تطبق ومن هذه القواعد اعتبار ان القاضي لا يحق له ان يستند إلى التقادم  من تلقاء نفسه لان هذا الظهير هو الذي احال على القواعد العامة في القانون.

كما ان ظهير الالتزامات والعقود المغربي نظم عدة حالات لوقف التقادم أو قطعه.
اذ قد يكون الاجير لم يبلغ بعد  أهلية التقاضي حيث نص الفصل 379 على ان التقادم لا يسري في حقه الا بعد بلوغه سن الرشد أو الترشيد.
ويتضح هذا اكثر عندما نص مشرع ظهير1963 في الفصل 272 ان الخمسة عشر سنة تطبق عليها فوائد القانون العام وهذا ما حدى بالمشرع " الفصل273 إلى حصر قاعدته في الفصلين 269 و270 و271"
* * *

يمكن اجمال القول ان الفصول المثارة في هذه المحاولة واضحة وليس بها أي غموض وقد لا تحتاج إلى تفسير بل ان هذه الفصول القانونية واجبة التطبيق حفاظا على إرادة المشرع لان احترام القاعدة القانونية يغني العمل القضائي والتمسك بها يحفز ذوي المصلحة للحفاظ على حقوقهم وذلك بسلوك الطريق الذي اوجبه القانون.

مجلة الاشعاع، عدد 1، ص50.

Sbek net
كاتب ومحرر اخبار اعمل في موقع القانون والقضاء المغربي .

جديد قسم : قانون الشغل