-->

صلاحيات قاضي تطبيق العقوبات في مراقبة الفضاء السجني في القانون المغربي.

عبد العلي حفيظ
 قاضي ملحق بمديرية الشؤون المدنية وزارة العدل.
  باحث بكلية الحقوق أكدال الرباط

صلاحيات قاضي تطبيق العقوبات في مراقبة الفضاء السجني                                   

من المؤكد أن المحاكمة العادلة كمفهوم لا تستنفد مضمونها بمجرد صدور حكم قابل للتنفيذ مستوف للصيغ الإجرائية والأحكام الموضوعية النافذة المفعول, وإنما تشمل أيضا التنفيذ الجنائي , حيث يمكن الحديث في هذا الصدد عن "التنفيذالعادل"كمقابل ضروري للمحاكمة العادلة, فالخطأ في التنفيذ قد يكون أكثر خطرا من الخطإ في الحكم, وهو الجانب الغائب للأسف في الأدبيات الفقهية وممارسات الدفاع للحد الذي يمكن الحديث معه عن وجود تشريع معطل في الكثير من مقتضياته وهو "التشريع السجني",مما لم يسمح بالتبعية بوجود عمل قضائي في هذا المجال, ورعيا لهذه الأهمية فقد أقرت العديد من التشريعات منذ وقت مبكر مبدأ الإشراف القضائي على التنفيذ الجنائي في أشكال وصيغ مختلفة, ومن ذلك قاضي الإشراف الإيطالي , وقاضي تطبيق العقوبات الفرنسي, وقاضي اليقظة السجنية الإسباني, وقاضي تطبيق الأحكام الجزائية الجزائري, وهو التوجه الذي أقره المشرع المغربي مؤخرا بمقتضى التعديلات التي أدخلت على ق.م.ج بإحداثه لمؤسسة قاضي تطبيق العقوبات بمقتضى المادة 596 من ق.م.ج, فالإشراف القضائي على التنفيذ الجنائي يعتبر إذن وسيلة مهمة جدا لتحقيق الضمانات الممنوحة للمحكوم عليهم خلال مرحلة التنفيذ الجنائي, ذلك أنه من المبادئ المسلم بها في علم العقاب, أن العقوبة لا تلغي كلية حقوق المحكوم عليه,وإنما تضع لها حدودا وقيودا (1), وذلك بالقدر الذي يتطابق مع ما ورد في الحكم القضائي , فمبدأ شرعية العقوبة أو التحديد القانوني للعقوبات والآثار المتربة عنها, يقتضي أن لا تنصرف العقوبة إلا إلى الحقوق التي تشملها بنص القانون, دون باقي الحقوق الأخرى التي يبقى حق التمتع بها قائما دون قيود, إلا ما ارتبط بالقيد العام وهو الحرمان من الحرية , لذلك فإن المعاملة العقابية للمحكوم عليهم عرفت تطورا مهما واكب تطور نظرة الفكر الجنائي إلى دور العقوبة, من مجرد الانتقام والإيلام والردع, إلى الرغبة في إصلاح المحكوم عليه وإعادته إلى حظيرة المجتمع فردا صالحا , وهو ما لا يتحقق إلى عن طريق حفظ الكرامة المتأصلة في الإنسان ولو كان سجينا ,  مما انعكس على تطور أنماط العقوبة نفسها , من العقوبات البدنية إلى العقوبات السالبة للحرية فالعقوبات المقيدة للحرية, أو ما يعرف ببدائل العقوبة السالبة للحرية كنظام نصف الحرية ونظام الاختبار القضائي وغيرها , مما يؤكد توجه الفكر القانوني نحو فسح المجال أكثر لرد الفعل العلاجي في مواجهة السلوك الضار بالمجتمع ، بدل الاقتصار فقط على رد الفعل العقابي ،وبالتالي معاملة السجين كمريض قد افتقر للوسائل الصحية للاندماج الاجتماعي, و هو ما يدخل ضمن المسائل العلمية من نوع مسائل الطب والعلوم الاجتماعية ، ويفترض في رد الفعل العلاجي أن لا ينبني على العداوة وألا يقوم على العاطفة, بحيث لا يكون الألم إلا بالقدر اللازم لضبط عملية العلاج ،فلا يكون هدفا وإنما فقط أمرا عرضيا تتطلبه العملية العلاجية (1).
فتطور المعاملة العقابية للمحكوم عليهم ،أفضى إلى ترسيخ ما يعرف "بأنسنة المعاملةالعقابية "،وهو الأمر الذي حرصت كل التشريعات الدولية والوطنية على  الإشارة إليه ، حيث نصت المادة 7 من الميثاق الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الصادر في 16 دجنبر 1966 على أنه "لا يجوز إخضاع أي فرد للتعذيب أو لعقوبة أو معاملة قاسية أو غير إنسانية أو مهينة ..." ,وهو ما أكدته المادة 3 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان الصادرة سنة 1950 التي جاء فيها بأنه "لا يمكن إخضاع أحد للتعذيب ولا لعقوبة أو معاملة قاسية أو غير إنسانية أو مهنية ",كما نصت المادة 42 من الدستور المصري على أن "كل مواطن يقبض عليه أو يحبس أو تقيد حريته بأي قيد تجب معاملته بما يحفظ عليه كرامة الإنسان ، ولا يجوز  إيذاؤه بدنيا أو معنويا ، كما لا يجوز حجزه أو حبسه في غير الأماكن الخاضعة للقوانين الصادرة بتنظيم السجون...",وهو التصور الذي تبناه المشرع المغربي من خلال مصادقته على الميثــاق
الدولي المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية بمقتضى ظهير 8 نونبر 1979 (1), وكذا من خلال الضمانات المهمة المخولة للمحكوم عليهم والمنصوص عليها في الظهير والمرسوم المنظمين للمؤسسات السجنية ولكيفية تسييرها .
فالتصور الحديث للمعاملة العقابية ينطلق من فكرة أساسية , وهي أن للمحكوم عليه حقــا على المجتمع في الإصلاح والتهذيب والتأهيل, " فالمجرم الذي قاسى من ظروف اجتماعية دفعت به إلى الانحراف وارتكاب السلوك الإجرامي , من حقه قبل الدولة أن تخلصه من هذه الظروف –التي للمجتمع نصيب في تأثيرها عليه -وله الحق في أن يعود إلى الحياة الاجتماعية عضوا صالحا نافعا في داخل إطار  الجماعة "(2), بحيث تستلزم عملية الإصلاح تدخل المجتمع ممثلا في الدولة وهيئات المجتمع المدني لمعالجة دوافع الفعل الإجرامي, التي غالبا ما يكون منشأها الظروف الاجتماعية والتفاوت الطبقي والانحلال الأسري ... فالمجتمع مسؤول عن الجريمة بقدر مسؤولية الفرد , على النحو الذي يؤكد وجود نوع من المسؤولية التضامنية بين جميع أفراد المجتمع عن جميع ظواهر السلوك الطيبة والرديئة , شأنهم في ذلك شأن مسؤولية جميع حبيبات التربة عن مستوى النبات الذي قد ينبت فيها , سواء أكان نباتا طيبا أم رديئا(3).
وانطلاقا من هذا التصور,انتقل المركز القانوني للمحكوم عليه أو وضعه الحقوقي , من مستوى التجريد الكامل من أي حق, أو ما كان يعبر عنه " بالموت المدني للسجين", إلى الإقرار بوجود حقوق شخصية للسجين (4), على الدولة توفير الإطار الملائم للاستفادة منها , ووضع الأجهزة الضرورية للإشراف على مدى احترامها .
ورعيا للمضامين الجديدة للمعاملة العقابية المشار إليها أعلاه , فإن المشرع المغربي قد أولى السجين معاملة خاصة , وأفرده بمجموعة من الحقوق والضمانات أثناء مرحلة التنفيذ الجنائي, بدءا من التصنيف الجنائي للمحكوم عليهم داخل المؤسسة العقابية, وانتهاء بالتدابير التشجيعية كالعفو والإفراج الشرطي ورخص الخروج , ولم يقتصر الأمر على مجرد التعداد  التشريعي لتلك الحقوق والضمانات , وإنما أناط بجهاز قضائي مستقل صلاحية مراقبة مدى مراعاة تلك الحقوق , وهو قاضي تطبيق العقوبات الذي خوله المشرع بمقتضى الفقرة 5 من المادة 596 من ق.م.ج ,مراقبة مدى احترام الحقوق المخولة للسجناء من طرف الإدارة العقابية .
و تعتبر مراقبة الفضاء السجني , أهم صلاحية يضطلع بها قاضي تطبيق العقوبات في جميع الأنظمة القانونية التي تبنت نظام الإشراف القضائي في شكله المتخصص(1), إذ على مستوى الفضاء المذكور يتم تحقيق الوظيفة النفعية للعقوبة في تأهيل المحكوم عليهم وإصلاحهم, من خلال مراقبة مدى انضباط المعاملة العقابية لأحكام النظام السجني, وبذلك أصبح دور القضاء لا ينتهي بتقرير العقوبة الملائمة فقط , وإنما يمتد لتتبع وتقييم أثر العقوبة الصادرة في إصلاح المحكوم عليه, عن طريق التدخل إن اقتضى الحال في تعديل العقوبة الصادرة أوحتى استبدالها أو وضع حد لها, وما دام أن تنفيذ العقوبة يتم داخل الفضاء السجني ,فإن تقييم الرقابة القضائية للمر دودية النفعية للعقوبة,استلزم ضرورة الإشراف على الفضاء المذكور.
ومن ثم فإن امتداد الحماية القضائية للمحكوم عليهم إلى المؤسسات السجنية , بإقرار مبدأ الإشراف القضائي على التنفيذ الجنائي, إنما يرتبط بتحقيق هدفين اثنين:
 أولهما : وهو الحرص على ضمان حقوق المحكوم عليهم في مرحلة التنفيذ الجنائي, والتي تعتبر بمثابة شروط أساسية للتأهيل الاجتماعي للمحكوم عليه, وخرقها يؤدي دون شك إلى تعثر عملية الإصلاح, كما يشكل في نفس الوقت انتهاكا لحقوق أساسية يضطلع القضاء بحمايتها.  
و ثانيهما : وهو تحقيق التفريد الحركي للعقوبة عن طريق تفعيل بدائل العقوبة السالبة للحرية  , وذلك متى استنفذت هذه الأخيرة وظيفتها الردعية والنفعية , عن طريق التدخل في تعديل المقرر القضائي المتضمن للعقوبة , كإيقاف تنفيذ العقوبة أو تأجيلها أو تجزيئها , أو استبدالها بأحد التدابير المقيدة للحرية كالوضع تحت الاختبار أو تحت المراقبة القضائية أو العمل من أجل المصلحة العامة .... , أو حتى اقتراح المحكوم عليه للاستفادة من نظام العفو أو الإفراج المقيد بشروط , وكل ذلك سعيا نحو إصلاح المحكوم عليه وضمان إعادة إدماجه الاجتماعي, وتجاوبه مع قواعد السلوك العام .
فضلا عما في الإشراف القضائي على المؤسسات السجنية , من توحيد جهود كافة المتدخلين في ميدان تنفيذ العقوبة , سواء تعلق الأمر بجهات قضائية كالنيابة العامة وقاضي التحقيق وقاضي الأحداث...أو إدارية كإدارة السجون و اللجنة الإقليمية لمراقبة السجون, بالإضافة إلى مصالح إدارية أخرى كالصحة والشبيبة والرياضة والتعليم....وكذا باقي مكونات المجتمع المدني ,وذلك بخلق تصور موحد للمعاملة العقابية , والمساهمة في توفير الوسائل المادية الضرورية لتحسين الأداء القضائي في مجال الإشراف على التنفيذ.
وهذا هو التصور الذي انطلق منه المشرع المغربي في تحديد الصلاحيات المخولة لقاضي تطبيق العقوبات في  تتبع مدى تطبيق القانون المتعلق بتنظيم المؤسسات السجنية وتسييـرها,, والمعبر عنه في الفقرة السابعة من ديباجة قانون المسطرة الجنائية بالقول, بأنه" ولعل في إحداث مؤسسة قاضي تطبيق العقوبة تدعيم ضمانات الدفاع , وصيانة كرامةالمعتقل,  بالإضافة إلى استمرار الحماية القضائية للمحكوم عليه لما بعد صدورالحكم, وهو شيء إيجابي لأن صلة القضاء بالمحكوم عليهم كانت تنتهي بمجرد صدور الحكم ليصبح تنفيذه بيد جهاز إداري".
وتأكيدا لهذا التصور ,فقد نص المشرع في الفقرتين الرابعة و الخامسة من المادة 596 من ق.م.ج على أنه " يعهد إلى قاضي تطبيق العقوبات بزيارة المؤسسات السجنية التابعة لدائرة المحكمة الابتدائية التي ينتمي إليها مرة كل شهر على الأقل.
يتتبع مدى تطبيق القانون المتعلق بتنظيم وتسيير المؤسسات السجنية في شأن قانونية الاعتقالوحقوق السجناء ومراقبة سلامة إجراءات التأديب.....",ويتضح من خلال هذا المقتضى القانوني أن نطاق الرقابة المخولة لقاضي تطبيق العقوبات على الفضاء السجني, ينصب بالخصوص على المسائل التاليـــــــــة:
×     مراقبة قانونية الاعتقال.
×     مراقبة مدى مراعاة حقوق السجناء.
×     مراقبة سلامة إجراءات التأديب داخل المؤسسة السجنية.
ويمكن التأكيد على أن المسائل المذكورة أعلاه, تستجمع كل أحكام النظام السجني, وتنصب على جميع المراحل التي يستغرقها الوضع الجنائي والقانوني للمحكوم عليه داخل الفضاء السجني, مما يجعل من هذه الرقابة ضمانة فعلية للمعتقل في إطار النظام السجني المغربي.
ونظرا لتشعب عناصر هذه الموضوعات فإننا ستقتصر في هذه العجالة على التعرض لعناصر الحماية القانونية لحقوق السجين(المبحث الأول ) ,ثم صلاحيات قاضي تطبيق العقوبات في مراقبة قانونية الاعتقال ( المبحث الثاني) .


المبحث الأول :الحماية القانونية للمعتقل في التشريع

 السجني المغربي(1).
     إن الغاية من الارتقاء بالمزايا المخولة للسجناء إلى مستوى الحقوق, هو تفعيل مردودية المعاملة العقابية داخل الفضاء السجني, والانتقال بها من معاملة الإيلام والتعذيب إلى معاملة الإصلاح والتهذيب , مادام أن تلك الحقوق إنما تمارس في مواجهة وبتدخل القائمين على إدارة المؤسسة العقابية , لذلك فإنه لا يمكن إدراك الغاية المتوخاة من وراء الحقوق المخولة للمعتقلين, إلا بارتباط مع فهم خصائص وأهداف المعاملة العقابية في التشريع المغربي .
وهكذا فإن الحديث عن مظاهر الحماية القضائية بالخصوص للمعتقل(المطلب الثاني), يستلزم توضيح خصائص المعاملة العقابية في التشريع السجني المغربي         ( المطلب الأول ) .

المطلب الأول : خصائص المعاملة العقابية في التشريع السجني المغربي.

إن تصفح النصوص القانونية المشكلة للتشريع السجني في القانون المغربي , كمقتضيات ظهير 25 غشت 1999 ,ومرسوم 3 نونبر 2000 وبعض مواد قانون المسطرة الجنائية , وبعض الاتفاقيات التي صادق عليها المغرب, كالاتفاقية الدولية المتعلقة بالحقوق المدنية والسياسية الصادرة في 16 دجنبر 1966 , واستئناسا ببعض المواثيق الدولية كمجموعة القواعد الدنيا لمعاملة السجناء لسنة 1955 ... , يسمح لنا باستخلاص مجموعة من الخصائص, تتمحور في مجموعها حول بعض المبادئ العليا الأساسية,وهي المساواة , الكرامة , والتأهيل, وذلك على التفصيل الآتي :

   الفقر ة الأولى : أنها معاملة تقوم على مبدأ المساواة بين المعتقلين.

       تعتبر المساواة قاعدة دستورية يتعدى نطاقها الحياة الحرة إلى الفضاء السجني المغلق, لذلك فإن أحكام المساواة في المعاملة العقابية داخل المؤسسة السجنية يفرض نفسه على إدارة المؤسسة العقابية , بحيث لا تقيم أية تفرقة في هذه المعاملة بين المعتقلين بناءا على أي اعتبار كيفما كان  , ولقد آثر المشرع المغربي التنصيص صراحة على هذه القاعدة ,إذ ورد في المادة 51 من ظهير 25 غشت 1999 على أنه " لا يجوز أن يكون هناك تمييز في المعاملة بين المعتقلين , بسبب العرق أو اللون أو الجنس أو الجنسية أو اللغة أو الدين أو الرأي أو المركز الاجتماعي ", كما أكده كذلك من خلال مرسوم 3 نونبر 2000 حيث نص في المادة 4 منه على أنه " يجب على الموظفين معاملة السجناء معاملة حسنة تقوم على المساواة وبدون تمييز  " , وهو المقتضى الذي نصت عليه العديد من المواثيق الدولية وخاصة مجموعة القواعد الدنيا لمعاملة السجناء لسنة 1955 في القاعدة السادسة ( الفقرة 1),و التي ورد فيها على أنه" يجب أن تطبق القواعد التالية بدون تحيز , بحيث لا تقوم ثمة تفرقة  أو تمييز في المعاملة على أساس السلالة , أو اللون , أو الجنس , أو اللغة , أو العقيدة السياسية أو أية عقيدة أخرى , أو الأصل الوطني أو الاجتماعي , أو الثروة أو المولد أو أي مركز آخر" .
  غير أن إقرار قاعدة المساواة هاته, لا تنفي التمايز في المعاملة العقابية , أو إفراد بعض المعتقلين بمعاملة عقابية متميزة استنادا إلى ضوابط موضوعية ,كالتمييز في المعاملة العقابية بين أصناف المعتقلين ( المعتقلين احتياطيا , المدانين والمكرهين بدنيا ), أو بين الرشداء والأحداث, وبين النساء والنساء الحوامل , أو منح المعتقلين الذين يتابعون دراستهم بعض الامتيازات الخاصة كإعفائهم من العمل مثلا ( المادة 38 من ظهير 25 غشت 1999 ) , وغيرها من الأحكام المماثلة  , وفي هذا  تنص الفقرة الأخيرة من المادة 10 من الاتفاقية الدولية المتعلقة بالحقوق المدنية والسياسية الصادرة  بتاريخ 16 دجنبر 1966 من أنه " ... يفصل المذنبون من الأحداث عن البالغين منهم ويعاملون معاملة تتناسب مع أعمارهم ومراكزهم القانونية ..." ,وهو تمايز يفرضه ما يمكن تسميته " بمبدأ تفريد المعاملة العقابية "بما يتناسب والوضع الفردي لكل سجين , وهو الأمر الذي لا يتعارض أبدا مع مبدأ المساواة, ولا يتنافى وكرامة السجناء .

الفقرة الثانية : أنها معاملة تقوم على احترام كرامة المعتقل .

إن مراعاة كرامة السجين تعتبر شرطا جوهريا لنجاح المعاملة العقابية , وهي قاعدة تتأسس عليها كل قواعد وأحكام النظم السجنية في العالم , فارتكاب الفعل الجرمي لا يسقط عن الفاعل صفة الإنسانية الكامنة فيه , وهي مزية أصيلة في كل البشر لقوله سبحانه وتعالى  " ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا ...", ولقد جاءت أحكام الشرع الإسلامي المتعلقة بتنفيذ العقوبات كلها منضبطة ومراعية لهذا التكريم, سواء تعلق الأمر بالحدود أو التعازير, ولقد جسد رسول الله صلى الله عليه وسلم إنسانية المعاملة العقابية في العديد من المواقف ,,كتأجيل إقامة الحد على المرأة حتى ينقضي أمد الفطام كما في حديث الغامدية المشهور , وما ورد عنه صلى الله عليه وسلم من النهي عن سب الجاني أو لعنه, فقد روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال " أتي النبي صلى الله عليه وسلم بسكران فأمر بضربه, فمنا من يضربه بيده ومنا من يضربه بنعله ومنا من يضربه بثوبه, فلما انصرف قال رجل ماله أخزاه الله , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم , لا تكونوا عون الشيطان على  أخيكم " , ومنه كذلك ما روي عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن: " رجلا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان اسمه عبد الله ويلقب حمارا, وكان يضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم , وكان النبي صلى الله وعليه وسلم قد جلده في الشراب , فأتي به يوما فأمر به فجلد , فقال رجل من القوم اللهم العنه ما أكثر ما يؤتى به , فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا تلعنوه فوالله ما علمت إلا أنه يحب الله ورسوله ", وغير هذا من المواقف الكثيرة التي يضيق المجال عن الإفاضة فيها(1).
ولقد سعت كل الاتفاقيات والمواثيق الدولية إلى التأكيد على هذه القاعدة , وهو نفس التوجه الذي تبنته التشريعات الوطنية , ومن ذلك القانون المغربي, حيث نصت الفقرة الأولى من المادة العاشرة من الميثاق الدولي المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية الصادر بتاريخ : 16 دجنبر 1966 والمصادق عليها من طرف المغرب بمقتضى ظهير 8 نونبر 1979 على أنه "يعامل جميع الأشخاص المحرومين من حرياتهم معاملة إنسانية مع احترام الكرامة المتأصلة في الإنسان ....",وهي القاعدة التي حاول المشرع المغربي ترجمتها عمليا من خلال العديد من الأحكام الواردة سواء في ظهير 25 غشت 1999 أو مرسوم 3 نونبر 2000 , ومن ذلك مـــــثلا :
1-الفصل بين أصناف المعتقلين وجنسهم , وذلك بالفصل بين الإناث والذكور( المادة 4 من الظهير ) وبين المعتقلين الاحتياطيين والمدانين,والمكرهين بدنيا لأسباب مدنية( المادة 6 من الظهير ) .
2-تخصيص أماكن مستقلة للأحداث أو لمن لا يتجاوز سنهم 20 سنة ( م 5 من الظهير ) وكذا للمعتقلات الأحداث ( م 34 من الظهير ) وللمعتقلين المرضى ( الفقرة 3 م 6 من الظهير ) والأمهات المرفقات  بأطفال صغار ( م 34 من الظهير ) .
3-عدم الإشارة إلى واقعة الاعتقال في بعض الوثائق الخاصة بالمعتقل كالشهادات والدبلومات المحصل عليها داخل السجن ( المادة 121 فقرة 2 من المرسوم ) , وكعدم الإشارة أيضا إلى أن الولادة أو الوفاة حصلت بالمؤسسة السجنية, وإنما يكتفي بالإشارة إلى عنوان المؤسسة السجنية فقط ( م 73 و 138  من الظهير ) .
4-الإعفاء من العمل بالنسبة للعاجزين من المعتقلين ( م35 من الظهير ) .
5-عدم تسليم تقرير مستخرج من الملف الطبي للمعتقل إلا بموافقته( م35 من الظهير).
6-ضبط عملية التأديب داخل المؤسسة السجنية من خلال تحديد لائحة الأخطاء التأديبية وكدا التدابير التأديبية, وشروط الوضع في زنزانة التأديب ،وضوابط استعمال وسائل الضغط كالأصفاد والقيود و قميص القوة (المواد 53الى 62 من الظهير ).
7-عدم جواز تفتيش المعتقلين إلا بواسطة أشخاص من جنسهم و في ظروف تصان فيها كرامتهم, مع استلزام أن تكون الأطر الصحية العاملة في الأحياء الخاصة بالنساء من الإناث ( م68     و125 من الظهير).
8-توفير ظروف ملائمة للاعتقال هيكليا وصحيا وبدنيا وفكريا ( م 113 و 114 من الظهير ) .
9-عدم إخضاع المعتقلين لتجارب طبية أو علمية ( المادة 132 من الظهير ) .
10-                    إبقاء الأطفال صحبة أمهاتهم حتى بلوغ سن الثالثة أو الخامسة بعد موافقة وزير العدل       ( م 139 من الظهير )   .
11-                    تحريم استعمال العنف ضد المعتقلين ( م 3 من المرسوم) .
12-                    تحري اللباقة وحسن التدبير في تبليغ خبر مؤلم للسجين(م 20 و140 من المرسوم ) .
13-                    ارتداء المعتقلين للباس المدني عند مثولهم أمام السلطات القضائية(م81 فقرة4 من المرسوم ).
14-                     التحري في عدم إثارة الانتباه إلى وضعية المعتقلين الذين أذن لهم وزير العدل في متابعة الحصص الدراسية أو اجتياز الامتحانات خارج المؤسسة السجنية ( م 118 / فقرة 2 من المرسوم ) .
15-                    يمكن بعد إذن المدير العام لإدارة السجون مرافقة معتقل لزيارة أحد أصوله أو فروعه أو زوجته أو   إخوته الموجودين في حالة مرض خطير أو لحضور مراسيم جنازتهم (م141من المرسوم) .
16-                    عدم إبلاغ المحكوم عليه بالإعدام بقرار رفض طلب العفو ( م 145 من المرسوم)..... .
     وكلها مقتضيات توضح مدى العناية التي أولاها المشرع للجوانب الأدبية والإنسانية والأخلاقية والنفسية في معاملة السجناء , حتى لا يتحول الفضاء السجني إلى فضاء إذلال وإهانة وامتهان للكرامة البشرية , على النحو الذي يلغي كلية الإحساس الإنساني لدى السجين واعتداده الطبيعي بنفسه , فالكرامة هي منطلق الإصلاح والتأهيل كهدف أساسي للمعاملة العقابية .

الفقرة الثالثة : أنها معاملة تستهدف تأهيل المعتقل.

يعتبر تأهيل المعتقل الغاية الأساسية للمعاملة العقابية في النظم العقابية المعاصرة , والثمرة المرجوة من وراء تمتيع المعتقل بمجموعة من الحقوق, وإخضاعه لعدد من البرامج المهنية والثقافية والصحية , وهذا ما أكدته القاعدة 65 من مجموعة القواعد الدنيا لمعاملة السجناء لسنة 1955 ,التي نصت على أنه : " يجب أن تهدف معاملة الأشخاص المحكوم عليهم بعقوبة السجن أو تدبير مماثل – على قدر ما تسمح به مدة العقوبة – إلى خلق الرغبة في نفوسهم والصلاحية لديهم لأن يعيشوا بعد الإفراج عنهم في ظل القانون وأن يعولوا أنفسهم , كما يجب أن تشجع منهم هذه المعاملة احترامهم لأنفسهم وتنمي فيهم الشعور بالمسؤولية ", كما نصت الفقرة الأولى من نفس القاعدة على وسائل تحقيق هذا التأهيل, حيث جاء فيها على أنه " لتحقيق هذه الأغراض يجب استخدام جميع الوسائل الملائمة التي تشتمل على الرعاية الدينية في الأقطار التي يمكن فيها ذلك , والتعليم , والتوجيه والتدريب المهني , والخدمة الاجتماعية الفردية والتشغيل الموجه والتربية البدنية وتقوية الصفات الخلقية وفق الحاجات الفردية لكل مسجون مع مراعاة تاريخه الاجتماعي وماضيه الإجرامي , وقدراته الجسمانية والعقلية واتجاهاته وميوله ومزاجه الشخصي , وطول مدةعقوبته" .
وهو نفس المعنى الذي نصت عليه الفقرة الأخيرة من المادة 10 من الاتفاقية الدولية المتعلقة بالحقوق المدنية والسياسية الصادرة في 16 دجنبر 1966 ,التي ورد فيها على أنه " ... يتضمن النظام الإصلاحي معاملة السجناء معاملة تستهدف أساسا إصلاحهم وإعادة تأهيلهم اجتماعيا ....".
وفكرة  إصلاح وتأهيل المعتقل تعتبر مرتكزا محوريا في النظام السجني المغربي , وعليها مدار كل الأحكام المكونة للنظام المذكور, سواء تعلقت بالجوانب الإدارية أو الأمنية أوالتأهيلية المحضة,بحيث تضمن كل من ظهير25 غشت 1999 ومرسوم 3 نونبر2000,العديد من المقتضيات القانونية التي تؤكد بصفة صريحة على هاجس الإصلاح والتأهيل الاجتماعي,ومن ذلك على سبيل المثـــــال :
1- ضرورة توفر المؤسسات السجنية على تنظيم إداري ونظام أمني داخلي يهدفان إلى تأمين وتطوير سبل إعادة إدماج المدانين في المجتمع ( م 8 من الظهير ) .
2- جعل التأهيل الاجتماعي للمعتقل هو الأساس في تصنيف المؤسسات السجنية إلى سجون مركزية ومحلية وفلاحية ومراكز للإصلاح والتهذيب ,على النحو الذي يقيم نوعا من التخصص المهني داخل المؤسسات السجنية  ( المواد 8 , 10 , 11 و 12 من الظهير ),وكذا الغاية المتوخاة من مزاولة الأنشطة المهنية والبدنية والرياضية والثقافية والترفيهية ( م 33 من الظهير )  .
3- إخبار المعتقل بأحكام وقواعد النظام السجني بكل الطرق التي تلائم وضعه المعرفي( م 26 من الظهير ) .
4- الحرص ما أمكن على استمرار المعتقل في ممارسة نفس النشاط المهني الذي كان يزاوله قبل دخوله السجن ( م 37 من الظهير ), وفي إطار مناهج عمل تساير تلك المتداولة في الوسط الحر ( م 41 من الظهير ) .
5- إعفاء المعتقلين الذين يتابعون دراستهم أو تكوينهم المهني من أي عمل , مع تقديم كل التسهيلات المتاحة ( م 38 من الظهير ) .
6- تمتيع بعض المحكوم عليهم برخص استثنائية للخروج, وذلك بقصد الحفاظ على الروابط العائلية وتحسينها وتهيئ شروط إدماجهم الاجتماعي (م 41 و74 من الظهير ) ,وكذا ببعض التدابير التشجيعية والامتيازات الإضافية المتعلقة خاصة بالزيارة والمراسلة والتوصل بمؤن إضافية ، أو اقتراحهم للعفو أوالإفراج المقيد بشروط (م 32 و 33 من المرسوم).
7- إعداد برامج موجهة للتأهيل الديني والمساعدة الروحية وللتربية والتعليم (المواد من 110الى 117 من المرسوم).
8- الإذن لبعض المعتقلين من طرف وزير العدل بحضور حصص دراسية أو اجتياز الامتحانات خارج المؤسسة السجنية (م 118 من المرسوم).
9- إقرار برنامج للتكوين المهني ينصب على مختلف الحرف ، وتراعى فيه متطلبات سوق التشغيل لتسهيل عملية إدماج المعتقلين المفرج عنهم (م122 من المرسوم فقرة 3).
تفعيل نظام المساعدة الاجتماعية والرعاية اللاحقة للسجناء (م132 من المرسوم).... وغيرها من الأحكام التي يضيق المجال عن استعراضها ،والتي يستهدف من خلالها المشرع جعل المؤسسة السجنية مجالا التأهيل الاجتماعي, يستجمع كافة معطيات للتأهيل المتاحة في الوسط الحر لضمان العبور السليم والاندماج الصحي في المجتمع بعد الإفراج،وتقليص حالات العود إلى الجريمة (1) ،وهي مهمة تستدعي توجيه الاهتمام أكثر نحو الرعاية اللاحقة أي ما بعد الإفراج ، وذلك بتتبع الوضعية الاجتماعية والمهنية للمفرج عنهم, وضمان الاندماج الاجتماعي للمعتقل في وسط قد يعطل فيه الوصم الاجتماعي كل مبادرات التأهيل ، وهو مجال قد تلعب فيه اللجنة الإقليمية لمراقبة السجون دورا مهما بحكم تنوع تشكلتها الإدارية .
إن مراعاة حقوق السجناء داخل الفضاء السجني يعتبر شرطا جوهريا لنجاح المعاملة العقابية , لكونها تعتبر من صميم الحقوق الأساسية للإنسان , وتبقى مشمولة بالحماية الدستورية والقانونية المقررة لحقوق الإنسان بصفة عامة , والتي تتجسد عمليا من خلال التدخل القضائي لحماية تلك الحريات , للحد الذي أصبح معه القضاء يعتبر ضامنا وحاميا للحريات الفردية , بما فيها بطبيعة الحال حقوق السجناء , سواء تلك الواردة في التشريع السجني أو غيرها من نصوص القانون , ولقد تعززت هذه الحماية مع إحداث المشرع المغربي لمؤسسة قاضي تطبيق العقوبات , وجعله مختصا بمراقبة مدى مراعاة الإدارة العقابية لحقوق السجناء .
لكن الغاية تبقى غير مرتبطة فقط بإحداث أجهزة للمراقبة , وإنما بالسلطات المخولة لها في سبيل تحقيق حماية فعالة تتأكد معها أهداف الإشراف القضائي على محيط وأحكام التنفيذ الجنائي ,

المطلب الثاني : الحماية القضائية لحقوق السجناء.

  تعتبر حقوق السجناء جزء لا يتجزأ من حقوق الإنسان(1) , لذلك فإنها كانت موضوعا للحماية من طرف العديد من الاتفاقيات الدولية, كالإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر سنة 1948 , والاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان الصادرة سنة 1950 والتي دخلت حيز التنفيذ سنة 1953 , والاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان لسنة 1964 والتي دخلت حيز التنفيذ سنة 1978 ,وكذا الميثاق الإفريقي لحـقوق الإنسان و الشعوب لسنة 1981 و الذي دخل حيز التنفيذ سنة 1986 , بالإضافة إلى مواثيق و اتفاقات دولية أخرى , والتي أكدت كلها على مناهضة التعذيب والمعاملة اللاإنسانية أو المهينة , ووضعت عددا من الأجهزة المكلفة بالسهر على احترام حقوق الإنسان بصفة عامة بما فيها حقوق السجناء ,كلجنة حقوق الإنسان و المفوضية السامية لحقوق الإنسان, واللتان تنهضان بمهمة دراسة التقارير الصادرة عن الدول في مجال حقوق الإنسان, وتتلقى الشكايات المتعلقة بخرق تلك الحقوق.
  غير أن ما يعاب على الحماية الدولية لحقوق الإنسان , هو افتقارها لسلطة الإلزام الفعلي لتنفيذ القرارات الصادرة في إطارها , والتي تظل ذات قيمة أدبية فقط , وفي شكل توصيات , فمبدأ السيادة الوطنية يحد من فعالية هذه الحماية , غير أن النموذج الأوربي في مجال حماية هذه الحقوق يعتبر نموذجا رائدا بالمقارنة مع التجمعات الإقليمية الأخرى, حيث ساهمت كل من المحكمة الأوربية واللجنة الأوربية لحقوق الإنسان مساهمة مهمة في حماية حقوق السجناء استنادا إلى الحقوق الأساسية التي تضمنتها الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان لسنة 1950 , ومن أهم القرارات الصادرة مثلا عن اللجنة الأوربية لحقوق الإنسان ,السماح لسجين بإقامة حفل زفاف في السجن مراعاة للمادة 12 من الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان المنظمة لحق الزواج , لكن شرط عدم الإخلال بالأمن و النظام في السجن , وكذلك اعتبارها إقدام الإدارة العقابية على منع معتقل من استعمال الآلة الكاتبة داخل الزنزانة  فعــلا مبـررا, و غيرها من القرارات المهمة (1).
  أما بخصوص موقف التشريعات الوطنية في مجال حماية حقوق الإنسان , فلقد اختلفت ممارسات الدول في هذا الصدد , فبعض التشريعات أناطت هذه المهمة بالقضاء الإداري بحيث أجازت للمعتقلين الطعن بالإلغاء من أجل الشطط في استعمال السلطة , ضد القرارات الصادرة عن الإدارة العقابية ,والتي تمس بحق من الحقوق المقررة لفائدة السجناء أو تحد من نطاقه في غير الحدود التي رسمها القانون , كالنقل غير المبرر من مؤسسة إلى أخرى أو الحرمان من المراسلة أو الزيارة, أو إخضاع المعتقل لتدابير تأديبية غير منصوص عليها قانونا أوغيرها من التعسفات, ومن هذه الدول فرنسا وإنجلترا(2) , والبعض الآخر أحدث أجهزة خاصة للنظر في تظلمات وشكايات المعتقلين, كإيطاليا التي أنشأت محاكم للتنفيذ تبت باعتبارها درجة ثانية بالنسبة للطعن في القرارات الصادرة عن الإدارة العقابية , كما أن قراراتها تبقى قابلة للطعن أمام محكمة النقض,وكألمانيا التي أنشأت غرفة لتطبيق العقوبات ,وهناك دول أخرى كبلجيكا وهولندا أسندت لقاضي المستعجلات في إطار القضاء المدني صلاحية التدخل لوضع حد لأي خطر محدق يهدد السجين من جراء قرار أو إجراء قامت به الإدارة العقابية, والذي لا تسعف الإجراءات أمام القضاء الإداري في تداركه , وذلك متى توفر عنصر الاستعجال, والقرار الاستعجالي في هذه الحالة إنما يتناول فقط رفع الضرر غير المشروع الذي يقع تحت طائلة القانون المدني, دون الخوض في تقدير مدى شرعية أو ملاءمة القرار الإداري .... (1), وتجدر الإشارة إلى أن المشرع الفرنسي قد اختار مؤخرا ترجيح فكرة إحداث قضاء متخصص في ميدان التنفيذ الجنائي , حيث أحدث بمقتضى القانون الصادر بتاريخ 9 مارس 2004 مؤسستين قضائيـتين جديدتـين, وهما محكمة تطبيق العقوبات والغرفة الاستئنافية لتطبيق العقوبات,وهو توجه مهم من شأنه تفعيل الأداء القضائي في ميدان الإشراف على التنفيذ (2).
  أما حول موقف المشرع المغربي من الموضوع , فالملاحظ أن التعديلات التي أدخلت على قانون السجون في المغرب بمقتضى ظهير 25 غشت 1999 و مرسوم 3 نونبر 2000 ,جاءت خالية من أية إشارة بخصوص الحماية القضائية لحقوق السجناء , حيث اكتفى المشرع بفتح المجال أمام التظلمات والشكايات وطلبات الاستماع الموجهة إلى مدير المؤسسة السجنية أو مدير إدارة السجون والسلطات القضائية ولجنة المراقبة الإقليمية (المادة 98 من ظهير 25 غشت 1999) , إلا أن سكوت المشرع هذا لا يعتبر مانعا من اللجوء إلى القضاء للطعن في القرارات الصادرة عن المؤسسة السجنية , سواء أمام المحكمة الإدارية في نطاق المادة 8 من القانون رقم 90-41 المحدث للمحاكم الإدارية بخصوص الطعن بسبب تجاوز السلطة ,و كذا المادة 20 المتعلقة بطلبات الإلغاء بسبب تجاوز السلطة, والتي تنص على أن "كل قرار إداري صدر من جهة غير مختصة أو لعيب في شكله أو لانحراف فيالسلطة أو لانعدام التعليل أو لمخالفة القانون , يشكل تجاوزا في استعمال السلطة , يحق للمتضرر الطعن فيه أمام الجهة القضائية الإداريةالمختصة" , كما يمكن كذلك اللجوء إلى رئيس المحكمة العادية في إطار القضاء الاستعجالي لوضع حد للمخاطر الحالة و الخطيرة المرتبطة بأعمال و قرارات صادرة عن الإدارة العقابية على النحو الذي أوضحناه سابقا , وهي الحلول التي نعتقد أنها تساير الوضع القانوني المغربي وتتلاءم وتوجه سياسة الدولة نحو تدعيم حقوق الإنسان والارتقاء بمظاهر حمايتها , وهو ما يتجلى من خلال تأسيس المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان بمقتضى ظهير 20 أبريل 1990 , وإصدار الميثاق الوطني لحقوق الإنسان في 08 دجنبر 990 ,وإنشاء مؤسسة ديوان المظالم بمـوجب ظهير09دجـنبر2001,والتي يمكنها أن تلعب دورا مهما في مجال حماية حقوق السجناء من خلال التوصيات التي يرفعها إلى الوزير الأول,والتقرير الذي يوجهه إلى المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان, وكذا من خلال إحداث هيئة الإنصاف والمصالحة , المؤسسة بمقتضى ظهير 20 أبريل 2004 .
وفي ظل ندرة اللجوء إلى المساطر المذكورة أعلاه سواء من طرف السجناء أو حتى الدفاع , تبقى الملاحظات والتقارير والتعليمات والأوامر الصادرة عن بعض الجهات القضائية والإدارية , إما في إطار زيارات التفتيش , أو بناء على شكايات وتظلمات المعتقلين, الوسائل الأكثر أهمية في حماية حقوق الإنسان, وخاصة الأوامر الكتابية الصادرة عن السلطة الرئاسية لمدير المؤسسة السجنية و التي اعترف لها المشرع بقوة الإلزام, حيث نصت الفقرة الثالثة من المادة 21 من ظهير 25 غشت 1999 على أنه "... يعتبر مدير المؤسسة السجنية مسؤولا عن تنفيذ الأوامر والمقررات الصادرة عن السلطة القضائية وعن الأوامر التي تلقاها كتابة من السلطة التابع لها",وهي وزير العدل ومدير إدارة السجون وإعادة الإدماج, وهي الإلزامية التي لا تتوفر للملاحظات والتقارير الصادرة عن الجهات الأخرى بشأن حقوق السجناء, كالسلطة القضائية و اللجنة الإقليمية لمراقبة السجون التي منعها المشرع أصلا من القيام بأي عمل من أعمال السلطة (الفقرة الثالثة من المادة 621 من ق.م.ج),و تقتصر صلاحيتها فقط في".... زيارة السجون الموجودة في تراب الولاية أو العمالة أو الإقليم , و ترفع إلى وزير العدل الملاحظات أو الانتقادات التي ترى من الواجب إبداؤها, و تشير إلى أنواع الشطط الذي يجب إنهاؤه  وإلى التحسينات التي ينبغي تحقيقها" , و هذا الأمر يدفعنا إلى التساؤل حول مدلول الفقرة الثالثة من المادة 98 من ظهير 25 غشت 1999 ,التي نصت على أنه "يجب دراسة الشكايات و اتخاذ الإجراءاتاللازمة", بعد أن نصت الفقرة الأولى والثانية من نفس المادة على أنه"للمعتقلين أن يتقدموا بتظلماتهم إلى مدير المؤسسة أو إلى مدير إدارة السجون و السلطات القضائية و لجنة المراقبة الإقليمية المنصوص عليها في قانون المسطرة الجنائية , إما شفويا أو كتابة .
يمكن للمعتقلين تقديم طلبات الاستماع إليهم من طرف السلطات الإدارية أو القضائية بمناسبة الزيارات أو التفتيش , و تتم هذه المقابلة تحت أنظار عون بمكان لا يستطيع معه سماع الحديث ما لم تقرر هذه السلطات الاستغناء عن حضور العون" , فما هي هذه الإجراءات اللازمة ؟ وخاصة بالنسبة للسلطة القضائية و اللجنة الإقليمية لمراقبة السجون, التي لا تملك سلطة توجيه أوامر أو تعليمات لمدير المؤسسة السجنية , لاسيما حينما يكون موضوع الشكايات خروقات و تعسفات صادرة عن الإدارة العقابية نفسها , مما تبقى معه الإجراءات اللازمة –في ارتباط مع مضمون الفقرة الثالثة من المادة 21 من ظهير 25 غشت 1999- منحصرة في القيام ببعض المساعي الحبية أو إعداد تقرير وتوجيهه إلى وزير العدل "لاتخاذ الإجراءات اللازمة" , شأنها في ذلك شأن قاضي تطبيق العقوبات .

المطلب الثالث: الوسائل المقررة قانونا لفائدة قاضي تطبيق العقوبات لمراقبة الفضاء السجني.

 إن مراجعة النصوص القانونية المشكلة للنظام  السجني في المغرب، وهي ظهير 25 غشت 1999 ومرسوم 03 نونبر 2000، وبعض مقتضيات قانون المسطرة الجنائية, تسمح بالتأكيد على محدودية هذه  الوسائل, والمتمثلة على الخصوص في الصلاحيات الآتية:

×                          زيارة المؤسسة السجنية.
×                          الإطلاع على سجل الإعتقال وسجل التدابير التأديبية.
×                          الاستماع إلى إفادة السجناء وشكاياتهم.
أولا: زيارة المؤسسةالسجنيــــة:
 تعتبر زيارة المؤسسة السجنية، المدخل الأساسي للوقوف على مجريات الوقائع ووضع المراكز القانونية داخل الفضاء السجني، وتتضح من خلاله معالم التقيد أو عدم التقيد بالضوابط القانونية المنظمة للحياة داخل الفضاء المذكور، وفي هذا الصدد فقد أوجب المشرع على قاضي تطبيق العقوبات ضرورة زيارة المؤسسة السجنية على الأقل مرة في الشهر، وتتيح الزيارة المذكورة الاطلاع على قانونية الاعتقال وسلامة إجراءات التأديب المتخذة  من طرف اللجنة التأديبية، من خلال الاطلاع بالخصوص على سجل الاعتقال وسجل التدابير التأديبية, ويمكن لقاضي تطبيق العقوبات زيارة المؤسسة السجنية في أي وقت بما في ذلك أثناء الليل لأن هناك أوضاعا لا يمكن التثبت منها إلا خلال الليل كالفصل بين أصناف المعتقلين مثلا,وذلك بعد موافقة مدير المؤسسة السجنية كما تستوجب ذلك المادة 17 من ظهير 25 غشت  1999 التي ورد فيها على أنه " يمكن للقضاة والموظفين المشار إليهم في المادة  السابقة التحدث مع السجناء خلال الأوقات العادية لفتح محلات الاعتقال و إذا  عبروا  عن رغبتهم في التحدث مع المعتقل على انفراد تعين على الموظفين الابتعاد إلى مسافة لا يتأتى لهم معها السماع.
يمكن للقضاة والموظفين المذكورين أعلاه بصفة استثنائية وفي حالة الاستعجال، زيارة المعتقلين خارج الأوقات العادية لفتح محلات الاعتقال بعد موافقة مدير المؤسسة".
ثانيا: الإطلاع على سجل سجل الإعتقال وسجل التدابير التأديبية.
لقد نص المشرع على ضرورة تسجيل عملية الاعتقال بسجل يسمى سجل الاعتقال(1) , كما أوجب تسجيل التدابير التأديبية بالملف الخاص بالمعتقل(المادة 60/2) وكذا بسجل خاص، يمسك تحت سلطة مدير المؤسسة السجنية ويقدم إلى السلطات القضائية والإدارية أثناء زيارتها للمؤسسة (الفقرة الثالثة من المادة 60 من الظهير)، كما نص كذلك على قيام مدير مؤسسة السجنية بإشعار كل من مدير إدارة السجون والسلطة القضائية المختصة عند الاقتضاء  بالتدابير التأديبية المتخذة وذلك بواسطة لوائح شهرية (المادة60/1 من الظهير), وهكذا تتحدد آليات الرقابة القانونية على قانونية الاعتقال وسلامة إجراءات التأديب فيما يلي :

×الاطلاع على سجلي الاعتقال و التدابير التأديبية :والوقوف من خلالهما على سند الاعتقال و مدة العقوبة وسن المحكوم عليه , وكذا على نوع المخالفة المرتكبة والجزاء التأديبي المتخذ, وهل يندرج ضمن لائحة التدابير التأديبية المحددة قانونا، وكذا إجراءات التأديب ومراعاة حقوق الدفاع وتبليغ التدبير التأديبي كتابة وباقي الأحكام القانونية التي أوضحناها سابقا، مع التأشير على السجل المذكور.

×الاطلاع على الملف الخاص بالمعتقل(1): ومقارنة ما ورد به مع ما ضمن بسجلي الإعتقال و التدابير التأديبية، خاصة وأن ملف المعتقل يتضمن معلومات متنوعة بخصوص سن المعتقل وسند اعتقاله, وعموما وضع المعتقل القانوني والاجتماعي والصحي، وبالتالي مدى التقيد بالمقتضيات القانونية المنظمة لأحكام التأديب داخل المؤسسة السجنية بخصوص عدم جواز الوضع في زنزانة التأديب، أو الوضع الاحتياطي في العزلة بالنسبة للأحداث، وغيرها من الأحكام.

× الاطلاع على اللوائح الشهرية المتعلقة بالتدابير التأديبية المحالة عليه من طرف مدير المؤسسة السجنية: ومطابقتها مع ما هو مضمن بسجل التدابير التأديبية وملف المعتقل ،وإذا ما لاحظ وجود أي اختلاف أو تناقض أمكنه استفسار مدير السجن بخصوصه أو حتى الاستماع إلى المعتقل المعنى بالأمر.
ثالثا: الاستماع إلى إفادة السجناء وشكاياتهم.
إن زيارة المؤسسة السجنية تتيح فرصة اللقاء مع السجناء والاستماع إلى شكاياتهم   (1)، والتي قد تتعلق بالجانب الخاص بالاعتقال أو بالمسطرة التأديبية أو بإخلال بالحقوق المعترف بهلا للمعتقلين، مما يدفع بقاضي تطبيق العقوبات إلى التحري بخصوص ذلك انطلاقا من البيانات الواردة في سجلي الاعتقال و التدابير التأديبية وملف المعتقل.
وكما هو واضح فإن هذه الوسائل لا تتيح بقاضي تطبيق العقوبات مجالا مهما للتدخل الفعلي في ميدان التنفيذ الجنائي, على النحو الذي يتيح إمكانية تفريد التنفيذ الجنائي.

المبحث الثاني: صلاحيات قاضي تطبيق العقوبات في مراقبة قانونية الاعتقال(1):

تشكل الحريات الشخصية كحرية الاجتماع وحرية الرأي وحرية الصحافة وحرية المبادرة ، أحد الدعائم الأساسية لدولة الحق والقانون ، والترجمة الفعلية لمفهوم المواطنة، وكل مساس بهذه الحريات في غير الحدود التي رسمها القانون يمثل انتهاكا للكرامة الإنسانية ، ويبقى الحق في الحرية أهم تلك الحقوق, والوعاء الذي يستوعب باقي الحريات، لذلك فإن كل الدساتير والمواثيق الدولية كفلت الحماية القانونية للحرية الشخصية ، ومن ذلك الدستور المغربي الذي نص في فصله العاشر على أنه "لا يلقى القبض على أحد ولا يعتقل ولا يعاقب إلا في الأحوال وحسب الإجراءات المنصوص عليها في القانـون ".
ولقد وضع المشرع عدة ضوابط قانونية لإلقاء القبض على الأشخاص أو اعتقالهم، كما خول المعتقل مجموعة من الضمانات الإجرائية والموضوعية ، ويبقى إسناد صلاحية مراقبة قانونية الاعتقال لقاض مختص ، -وبالرغم من الحدود الواردة على هذه الصلاحية- ، أهم تلك الضمانات.
وتستمد قانونية الاعتقال من مبدأين أساسيين يشكلان أحد ثوابت النظام العقابـي, وهما :
ü    أن يتم الاعتقال بناء على سند , يعتبر هذا الشرط تكريسا لخاصية قانونية أو شرعية العقوبة , و تجسيدا إجرائيا لمبدأ لا جريمة ولا عقوبة و لا اعتقال إلا بنص , بحيث لا يمكن وضع حد لحرية شخص معين إلا بموجب سند قانوني مستوف لمجموعة من الشروط الشكلية و الموضوعية , فالسند بذلك هو القالب الإجرائي الذي تتمظهر فيه العقوبة باعتبارها الجزاء القانوني المقرر باسم الجماعة و لصالحها ضد مرتكب الفعل الجرمي, لذلك فإن جل التشريعات آثرت التنصيص صراحة على هذا الشرط ضمن قوانينها , ومن ذلك التشريع المغربي في المادة 608 من ق.م.ج والمشار إليها  سابقا, وكذا في المادة 611 من نفس القانون والتي جاء فيها على أنه " لا يمكن لأي مأمور من إدارة السجون أن يقبل أو يحجز شخصا إلا إذا قدم له سند من سندات الاعتقال المنصوص عليها في المادة 608 أعلاه ، وبعد تسجيل هذا السند في سجل الاعتقال المنصوص عليه في المادة 13 من القانون رقم 98-23 المشار إليه في المادة السابقة،و إلا اعتبر مرتكبا لجريمة الاعتقال التحكمي ",وكذا المشرع المصري في المواد 40 و41 ( الفقرة الثانية )و459 من قانون الإجراءات الجنائية حيث نصت المادة 40 على أنه "لا يجوز القبض على إنسان أو حبسه إلا بأمر من السلطات المختصة بذلك قانونا، كما يجب معاملته بما يحفظ عليه كرامة الإنسان ولا يجوز إيذائه بدنيا أو معنويا"(1).
ü   أن يتم الاعتقال بمؤسسة سجنية تابعة لوزارة العدل, باعتبارها المشرف على الجهاز العقابي في الدولة يشكل العقاب واحدا من أهم وظائف الدولة الأساسية , وشكلا من أشكال سيادتها , لذلك فلا يمكن أن ينفرد غيرها بهذا الأمر , أو أن تستقل جهة أخرى دونها بالقيام بوظيفة الزجر والعقاب .    
ووحدة الجهاز العقابي يستلزم وحدة المكان الذي يوقع فيه العقاب , وهو المؤسسة السجنية , والتي تتوزع تبعا لتنوع المعاملة العقابية التي يخضع لها السجناء ولخطورتهم الإجرامية وسنهم واستعدادهم للاندماج الاجتماعي , لذلك فإنه لا يمكن اعتقال الأشخاص في غير المؤسسات السجنية التابعة للجهة المشرفة على إدارة السجون داخل الدولة , وفي هذا الصدد فقد نصت الفقرة الثانية من المادة 608 من قانون المسطرة الجنائية على أنه "لا يمكن الاعتقال إلا بمؤسسات سجنية تابعة لوزارةالعدل, وذلك باعتبار أن وزارة العدل هي الجهة المشرفة على المؤسسات السجنية بالمغرب من خلال مديرية إدارة السجون وإعادة الإدماج, التي أصبحت بموجب المرسوم رقم 335-92-1 الصادر بتاريخ 23 يونيو 1998 ,تتكون من خمسة أقسام وهي : قسم الشؤون السجنية ,قسم إعادة الإدماج , قسم المواد البشرية , القسم المالي وقسم مراقبة المؤسسات السجنية , بالإضافة إلى مصلحة الإعلاميات والإحصائيات والتتبع والتقييم , وتجدر الإشارة إلى  أنه باستثناء المغرب والجزائر, فإن غالبية الدول بما فيها فرنسا ومصر تجعل إدارة المؤسسات السجنية من اختصاص وزارة الداخلية((2))،وبذلك فإن أي اعتقال خارج هذه المؤسسات يعتبر اعتقالا تحكميا وغير قانوني ..
وفي هذا الصدد تنص المادة 608 من قانون المسطرة الجنائية, على أنه "لا يمكن حرمان شخص من حريته إلا بمقتضى سند صادر عن السلطة القضائية يأمر باعتقاله احتياطيا, أو بناء على سند يأمر بتنفيذ مقرر مكتسب لقوة الشيء المقضي به صادر عن هيئة قضائية يقضي عليه بعقوبة السجن أو الحبس أو الاعتقال أو الإكراه البدني مع مراعاة مقتضيات المادتين 66 و80 من هذا القانون المتعلقتين بالوضع تحت الحراسة النظرية.
 لا يمكن الاعتقال إلا بمؤسسات سجنية تابعة لوزارة العدل ""(1).

       ويعتبرإسناد صلاحية مراقبة قانونية الاعتقال إلى قاض مختص ،أهم مظهر لحماية الحريات الفردية ، ودور القضاء في هذا الصدد – وعلى خلاف ما قد يعتقد – هو دور أصيل ، ينبع من مبدأ الشرعية الذي يجب أن يسود حتى في مرحلة التنفيذ الجنائي, من خلال مراعاة شروط وظروف الاعتقال و كذا الحقوق المكفولة للمعتقل وغيرها من الضمانات ، وهو دور كذلك تستلزمه وظيفة القضاء باعتباره الساهر على تطبيق القانون الذي هو أساس الحريات, لذلك فإن تخويل قاضي تطبيق العقوبات مهمة الإشراف على مراقبة قانونية الاعتقال, يشكل تحقيقا لرقابة من نوع خاص وفي الحد الأقصى للرقابة، فمراقبة مدى مراعاة أحكام القانون في الاعتقال ، حينما تتولاها جهة ذات دراية بأحكام القانون تحقق مردودية فعالة ، وحينما تكون هذه الجهة تعمل باستقلال عن باقي الجهات القضائية والإدارية المتدخلة في عملية الاعتقال, فان الرقابة تكون اكثر فعالية إن هي اقترنت بالوسائل القانونية الكفيلة بتدعيم هذه الرقابة .
     و تبعا لذلك فإن مقاربتنا لصلاحيات قاضي تطبيق العقوبات في مراقبة قانونية الاعتقال  ستتم عبر بحث المسائل التالية :
ü   خصائص رقابة قاضي تطبيق العقوبات على قانونية الاعتقال .
ü   نطاق الصلاحيات المخولة لقاضي تطبيق العقوبات في التحقق من قانونية الاعتقال.
ü   العلاقة بين قاضي تطبيق العقوبات و مدير المؤسسة السجنية.

المطلب الأول: خصائص الرقابة القانونية لقاضي تطبيق العقوبات على قانونية الاعتقال .

تنفرد رقابة قاضي تطبيق العقوبات على قانونية الاعتقال بسمات خاصة تميزها عن باقي الرقابات ، و يمكن إجمال هذه الخصائص فيما يلي :
أ‌-   أنها رقابة تتولاها جهة قضائية : وما يوفره ذلك من مصداقية وفعالية،لما يجتمع للقاضي من دراية قانونية تؤهله للتأكد من سلامة الاعتقال ومدى مراعاته للأحكام القانونية,ومن حصانة تمكنه من مراقبة كل الجهات التي لها علاقة بالاعتقال مهما كانت المراتب الوظيفية لأعضائها .
ب‌-  أنها رقابة تتولاها جهة مستقلة : لا تربطها عادة بالجهات المتدخلة في عملية الاعتقال أي روابط مهنية ، سواء كانت تلك  الجهات قضائية آمرة كالنيابة العامة ، قضاء التحقيق وقضاء الحكم , أو إدارية تضطلع بالتنفيذ كموظفي المؤسسات السجنية أو كتابة الضبط,وهو ما يعني أن هذه الرقابة تستجمع لها عناصر الجدية والموضوعية في الأداء ، وتنتفي عنها شبهة المجاملة في معاينة الإخلالات القانونية،وهي انتقادات طالما نعتت بها الرقابة التي تقوم بها النيابة العامة في هذا الشأن،وهذا ما دفع البعض إلى التأكيد على أن التجربة أثبتت بأن " دور النيابة في الإشراف غير جدي نظرا للصلات الوثيقة التي تجمعها بالسلطة التنفيذية بوجه عام ، و لعدم تمتعها بالاستقلال الكافي عنها،بالإضافة إلى تضخم مسؤوليات النيابة العامة و مهامها "(1).
ت‌-        أنها رقابة شاملة : تنصرف إلى كل السندات التنفيذية السالبة للحرية ، سواء كانت صادرة عن سلطة قضائية كالنيابة العامة وقضاء التحقيق وهيئة الحكم عند قيامها بتحقيق تكميلي،أوعن هيئة قضائية كالغرفة الجنحية أو غرفة الجنايات،من خلال التثبت من مدى استيفائها للشروط الإجرائية و الموضوعية المحددة للاعتقال،وبذلك فلا توجد سندات اعتقال تخرج عن رقابة قاضي تطبيق العقوبات ، اللهم ما تعلق بالعقوبات السالبة للحرية أو الاعتقال الذي تمارسه السلطات العسكرية،والذي يتم بمراكز و سجون خاصة لا تخضع لولاية قاضي تطبيق العقوبات.
         ث‌-      أنها رقابة لاحقة : لكونها لا تمارس إلا بعد الاعتقال و الإيداع في السجن ، لذلك فهي تتخذ صفة الرقابة اللاحقة للرقابة التي تضطلع بها الجهة المصدرة للمقرر المؤسس عليه الاعتقال ، وكذا مدير المؤسسة السجنية أو العون المكلف بالضبط القضائي بها ، حيث تتحقق الجهة القضائية الآمرة من توفر موجبات الاعتقال    واحترام الأوضاع الشكلية والآجال المقررة قانونا،كما يراقب كذلك مدير المؤسسة السجنية مدى مراعاة سند الاعتقال للشروط الشكلية المحددة في قانون المسطرة الجنائية .

المطلب  الثاني : نطاق الصلاحيات المخولة لقاضي تطبيق العقوبات في التحقق من قانونية الاعتقال .

       واضح من خلال الخصائص التي عرضناها أعلاه ، أن صلاحيات قاضي تطبيق العقوبات في مراقبة قانونية الاعتقال ، إنما تستهدف التأكد من قانونية تواجد المعتقل بالمؤسسة السجنية ، و هو ما يتأتى بالخصوص من خلال مراقبة ما يلي :
·         تسجيل المعتقل " بسجل الاعتقال " الممسوك من طرف المؤسسة السجنية أو باقي السجلات الأخرى المحددة بموجب المادة 13 من مرسوم 3نونبر2000والمتمثلة في سجل المكرهين بدنيا و سجل المعتقلين المارين وسجل المعتقلين المفرج عنهم.
·         وجود سند مبرر للاعتقال وفق الشروط التي أوضحناها سابقا .
       إلا أن التساؤل يثار بخصوص حدود الصلاحيات المخولة لقاضي تطبيق العقوبات في مراقبة سندات الاعتقال ، هل تنحصر فقط في حدود التثبت من الوجود الشكلي للسند؟ أم تنصرف كذلك إلى التحقق من صحة السند من الناحية الشكلية؟، أم تتجاوز ذلك إلى مراقبة مدى مراعاة سند الاعتقال للمقتضيات القانونية النافذة المفعول فيما يتعلق بالوصف القانوني للجريمة ، و قانونية العقوبة المحكوم بها ، و غيرها من الأحكام الموضوعية ؟ أو بعبارة أخرى هل تقف حدود صلاحيات قاضي تطبيق العقوبات عند التأكد من وجود سند مبرر الاعتقال ، و بالتالي قانونية تواجد المعتقل داخل المؤسسة السجنية ، أم تشمل حتى مراقبة مدى صحة السند المذكور ؟ و هل يكتفى بصحة السند شكلا ليكون الاعتقال قانونيا ؟ أم يلزم أن تتوفر له عناصر الصحة من ناحية الموضوع ؟ و بالتالي تصل رقابة قاضي تطبيق العقوبات إلى مستوى مراقبة مدى مراعاة الجهة المصدرة لسند الاعتقال للأحكام القانونية التي تنطبق على النازلة موضوع السند ؟ حيث يضطلع قاضي تطبيق العقوبات بنفس الوظيفة التي يقوم بها المجلس الأعلى في مراقبة حسن تطبيق القانون؟ .
          لتفصيل الإجابة حول هذا التساؤل يجدر في اعتقادنا – التمييز بين سلطات قاضي تطبيقالعقوبات والتي لا تمتد بأي حال من الأحوال إلى تصحيح الوضع  غير القانوني، و إنما تقتصر فقط على معاينة الإخلال القانوني و تحرير محضر بشأنه ، و بين صلاحيات قاضي تطبيق العقوبات ، و التي تختلف بحسب نوعية سندات الاعتقال موضوع المراقبة, وهكـــــــــذا:
§      فإذا تعلق الأمر بسندات اعتقال مؤقتة , فان صلاحيات قاضي تطبيق العقوبات تنحصر في حدود المراقبة الشكلية للسند , مادام أن الرقابة الموضوعية على صحة السند , والمنازعة في قانونيته إنما محلها هو ممارسة طرق الطعن أو إثارة الإشكال في التنفيذ (1),وأن من شان توسيع رقابة قاضي تطبيق العقوبات في هذا الصدد التطاول على اختصاص جهات أخرى , وتثار في هذا الصدد مسألة مهمة, وهي مدى إمكانية إثارة الإشكال في التنفيذ من طرف قاضي تطبيق العقوبات ؟.
        حقيقة فإنه وإن كانت المادتان 599و600 من ق.م.ج لم تشيرا إلى قاضي تطبيق العقوبات ضمن الجهات التي لها صلاحية إثارة النزاعات العارضة المرتبطة بالتنفيذ, حيث نصت المادة 600 على أنه " تنظر المحكمة في النزاعات العارضة بغرفة المشورة بناء على ملتمسات النيابة العامة أو على طلب يرفعه المعني بالأمر, ويستمع إلى ممثل النيابة العامة وإلى محامي الطرف إن طلب ذلك والى الطرف شخصيا إن اقتضى الحال.........", فانه بإمكان قاضي تطبيق العقوبات أن يضمن الإشكال أو الصعوبة التي عاينها في التقرير أو محضر التفتيش المنجز من طرفه, وإحالة نسخة منه إلى وكيل الملك الذي يرفع الأمر إلى المحكمة, إما تلقائيا أو بعد توصله بتعليمات من وزير العدل الذي يتوصل هو الآخر بنسخة من تقرير قاضي تطبيق العقوبات ( المادتين 596و 616 من ق.م.ج ).   
§      أما إذا تعلق الأمر بسندات اعتقال باتة, فإننا نميل إلى التأكيد على أن رقابة قاضي تطبيق العقوبات تنصرف إلى التأكد من صحة سند الاعتقال شكلاوموضوعا , وذلك تأسيسا على الأسباب الآتيــة :
v  أنه من الثوابت المتفق عليها في مجال التشريع ، أن المشرع حينما يقرر صلاحية قانونية معينة لجهة قضائية ما ، و دون قيود ، تؤخذ تلك الصلاحية على إطلاقها، ما لم تتقرر هذه القيود بمقتضى القواعد العامة أو بموجب نصوص خاصة تحد من تلك الصلاحية ، وهو الأمر غير القائم بخصوص صلاحيات قاضي تطبيق العقوبات في مراقبة قانونية الاعتقال،حيث نصت المادة 596 من ق.م.ج على أن قاضي تطبيق العقوبات " يتتبع مدى تطبيق القانون المتعلق بتنظيم وتسيير المؤسسات السجنية في شأن قانونية الاعتقال وحقوق السجناء ومراقبة سلامة إجراءات التأديب " ، فمراقبة قانونية الاعتقال وردت على عمومها,لذلك فهي تشمل مدى مراعاة سند الاعتقال للأحكام القانونية الإجرائية والموضوعية ، فالعام يؤخذ على عمومه حتى يرد المخصص.
v  أن قانونية الاعتقال لا تتحقق فقط بمجرد الوجود الشكلي لسند معين،و إنما يجب أن يستجمع السند المذكور مجموعة من الشروط الشكلية و الموضوعية المحددة قانونا ، و إلا لكانت الحجية الثبوتية و قوة الشيء المقضي به تثبت لشكل السند لا لمضمونه و هو ما لا يمكن القبول به .
v  أن مجرد الرقابة الشكلية للسند هو أمر يقوم به مدير المؤسسة السجنية أو العون المكلف بالضبط القضائي داخل المؤسسة المذكورة،وفق ما تنص عليه المادة 17 من ظهير 25 غشت 1999 التي جاء فيها على أنه " يتعين على العون المكلف بالضبط القضائي التأكد من أن سند الاعتقال مستوف للشروط الشكلية المتطلبة حسب مقتضيات قانون المسطرة الجنائية ... ", وبالتالي فما محل الحاجة إلى رقابة قاضي تطبيق العقوبات إذا لم تضف جديدا للرقابة المخولة لموظفي المؤسسة السجنية و باقي الجهات التي لها صلاحية المراقبة؟, وألا يصل بنا هذا الفهم في محصلة الأمر,إلى القول بأن قاضي تطبيق العقوبات هو قاضي إجراءات شكلية فقط, وظيفته الهيمنة على مراقبة إجراءات الاعتقال       والسندات الآمرة بها والتحقق من استيفائها للأوضاع الشكلية التي يستلزمها القانون ، و دون أية ولاية في مراقبة مدى احترام السند للأحكام الموضوعية,و هو أمر لا نرى له مؤيدا ولا يوافق غاية المشرع في إسناد مراقبة قانونية الاعتقال لقاض مختص ، و يفرغ التجربة في مجملها من أية فعالية؟ .

v  و أخيرا أليس من شان توسيع نطاق الرقابة على قانونية الاعتقال المخول لقاضي تطبيق العقوبات,أن يساهم في إثارة الانتباه إلى الأخطاء القضائية المحتملة,من خلال تفعيل مسطرتي المراجعة والطعن بالنقض لفائدة القانون ؟ذلك أن تحري القائمين على تطبيق القانون الدقة و الحرص في تنفيذ مقتضياته, لا يحول دون وقوع حالات لخرق القانون،والتجاوز على أحكامه, إما عن قصد, أوعن غير قصد ، وبخصوص ما نحن بصدده فإن قاضي تطبيق العقوبات ، وبمناسبة مراقبته لمدى تطبيق القانون المتعلق بتنظيم المؤسسات السجنية وتسييرها, وتتبعه لوضعية تنفيذ العقوبات المحكوم بها, من خلال زيارته للمؤسسات السجنية       واطلاعه على سجلات الاعتقال،واستماعه لبعض السجناء ، قد يقف عند حالات للاعتقال غير القانوني،أو بوجود مقررات قضائية صدرت خرقا للقانون أو للصيغ الجوهرية المتعلقة بالإجراءات،أو تبث لديه تحقق أحد الحالات الموجبة لسلوك مسطرة المراجعة كوجود مقررين بالإدانة ضد شخصين بخصوص نفس الفعل، أو قدمت لفائدته مستندات من شأنها تبرئة المتهم المحكوم عليه، ففي مثل هذه الأوضاع ،وعملا بمقتضيات المادتين 596و616 من قانون المسطرة الجنائية فإن قاضي تطبيق العقوبات يحرر محضرا و يحيله فورا إلى وزير العدل ، الذي يتخذ المبادرة لتصحيح المراكزغير القانونية عن طريق سلوك الإجراء المسطري الملائم للإخلال الملاحظ ، وذلك عن طريق اللجوء إلى مسطرة الطعن بالنقض لفائدة القانون في إطار المادة 560 من قانون المسطرة الجنائية التي تنص على أنه " يمكن للوكيل العام للملك لدى المجلس الأعلى أن يحيل إلى الغرفة الجنائية- استنادا إلى الأمر الكتابي الذي يوجهه إليه وزير العدل - الإجراءات القضائية أو القرارات أو الأحكام التي تصدر خرقا للقانون أو خرقا للإجراءات الجوهرية للمسطرة .
      يمكن للمجلس الأعلى أن يبطل الأحكام المطعون فيها بالنقض لفائدة القانون ، و في هذه الحالة يمكن أن يستفيد المحكوم عليه من الإبطال من غير أن يضر في أية حالة من الأحوال بمصالحه و من غير أن يكون له أي مفعول على الحقوق المدنية" ، أو من خلال إعمال المقتضيات القانونية المنظمة لأحكام المراجعة في المواد من 565 إلى 574 من ق.م.ج, حيث تنص الفقرة الثانية من المادة 567 على أنه " يرجع حق طلب المراجعة في الحالة الرابعة المنصوص عليها في المادة 566 ( و هي المتعلقة بطروء أو اكتشاف وقائع جديدة بعد الحكم الصادر بالإدانة أو تقديم مستندات كانت مجهولة و من شأنها إثبات براءة المحكوم عليه ) إلى وزير العدل وحده بعد استشارة لجنة مكونة من مديري الوزارة و ثلاثة قضاة من المجلس الأعلى يعينهم الرئيس الأول لهذا المجلس من غير أعضاء الغرفة الجنائية " .
    و نقترح في هذا الصدد أن ينضم قاضي تطبيق العقوبات الذي أنجز التقرير إلى تشكيلة اللجنة المذكورة، و هو ما قد يساعد في توضيح العديد من المعطيات الواقعية , ويساهم بالتالي في تفعيل الرقابة القانونية المخولة لقاضي تطبيق العقوبات في مراقبة مدى مراعاة حقوق السجناء داخل المؤسسة السجنية.

المطلب الثالث: العلاقة بين قاضي تطبيق العقوبات و مدير المؤسسة السجنية.

إن ما تجدر الإشارة إليه بخصوص تصور المشرع لحدود التدخل القضائي في الإشراف على التنفيذ الجنائي، هو هيمنة هاجس المحافظة على مبدأ الفصل بين السلطة القضائية وبين الجهاز الإداري ممثلا في مدير المؤسسة السجنية، وهو الأمر الذي انعكس على مستوى تحديد الصلاحيات المنوطة بقاضي تطبيق العقوبات في الإشراف عموما على حسن تطبيق القانون المتعلق بتنظيم المؤسسات السجنية وتسييرها، والتي ظلت في مجموعها مرتبطة بمهمة الرقابة والتفتيش، مع ترك صلاحيات التقرير للجهة الإدارية العليا المشرفة على إدارة السجون، وهو توجه يبدو إلى حد ما معقولا متى تعلق الأمر بمسائل ترتبط بالتسيير الإداري للمؤسسة السجنية ونظامها الداخلي، وضبط الأمن داخلها، حتى لا تقحم السلطة القضائية في متاهات تصرفها عن الغاية التي من أجلها ثم إقرار دخولها إلى الفضاء السجني.
 وانسجاما مع التصور المذكور، فإن صلاحيات قاضي تطبيق العقوبات في مجال مراقبة الفضاء السجني، تنحصر في حدود تضمين الخروقات التي يعاينها في تقرير يوجهه فورا إلى وزير العدل ويحيل نسخة منه إلى وكيل الملك(المادة 596 من ق.م.ج)، لتبقى الصلاحية لوزير العدل لإحالة التقرير المذكور على مدير إدارة السجون, الذي يملك الصلاحية القانونية لتصحيح ومراجعة الإخلال الملاحظ .

والمعول في تدعيم الصلاحيات القانونية لقاضي تطبيق العقوبات على تفعيل المضمون التشريعي للفقرة الأخيرة من المادة 596 من ق.م.ج التي تنص على أن قاضي تطبيق العقوبات"يمارس مهامه حسب هذا القانون وكذا بموجب أي نصوص أخرى".


والحمد لله العلي الذي لا يحصى نعيمه.

(1  عبد الحميد الشواربي : التنفيذ الجنائي في ضوء القضاء والفقه , منشأة المعارف بالإسكندرية،طبعة 2003، ص 179 .
(!)رؤوف عبيد : أصول علمي الإجرام والعقاب , دار الفكر العربي ،الطبعة الرابعة 1977، ص 437 .
 (1)منشور بالجريدة الرسمية الصادرة بتاريخ : 1981.05.21 عدد 3525 .
(2) عبد العزيز محمد محسن : حماية حقوق الإنسان في مرحلة تنفيذ الأحكام الجنائية , دراسة مقارنة , دار النهضة العربية 1994 ص 13.
(3) رؤوف عبيد : أصول علمي الإجرام والعقاب , مرجع سابق ص 476 .
(4) انظر في تفصيلات نظرية الحقوق الشخصية للمحكوم عليه وتأسيسها القانوني :
     - عبد الحميد الشواربي : التنفيذ الجنائي في ضوء القضاء والفقه , مرجع سابق ص 179 وما يليها .
     - لطيفة المهداني : الشرعية وتنفيذ العقوبات السالبة للحرية , أطروحة لنيل دكتوراه الدولة في القانون الخاص ،أكدال الرباط ،2001- 2002 ، ص 210 و ما يليها .

(1) أنظر في تفصيل أكثر الصلاحيات المخولة لقاضي تطبيق العقوبات, عبد العلي حفيظ : صلاحيات قاضي تطبيق العقوبات في القانون المغربي, المطبعة و الوراقة الوطنية, الطبعة الأولى 2005.
(1) لقد استعملنا مصطلح المعتقل لكونه مصطلح عام, يشمل كل نزلاء المؤسسة السجنية سواء كانوا معتقلين أو معتقلين احتياطيا أو مدانين أو مكرهين بدنيا, وفق التعريفات المحددة في المادة الأولى من ظهير 25 عشت 1999 .

(1) أنظر في تفصيل بعض هذه الأحكام : عبد العزيز محمد محسن : حماية حقوق الإنسان في مرحلة تنفيذ الأحكام الجنائية  , دراسة مقارنة , مرجع سابق ص 14 و ما يليها .
(1) أنظر في تحليل أكثر حول أحكام العود ومخاطره:
-Marc ancel: le recidivisme en droit compare, revue internationale de droit penal, 1955 p:16 ets.
-Paulcornil: le probleme de la recidive et la loi belge sociale, Rev de sc.Crim et de Droit Penal Compare1957,p:788

(1) أنظر بخصوص مدى مساهمة المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان في حماية حقوق السجناء, محمد جوهر : المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان   و تحديث النظام الجنائي المغربي,مجلة الملحق القضائي,العدد 31 ,يونيو 1996,ص 96 وما يليها.
(1) أنظر في تفصيل أكثر حول مظاهر الحماية الدولية لحقوق السجناء , لطيفة المهداتي : الشرعية و تنفيذ العقوبات السالبة للحرية , مرجع سابق ص 221 و ما يليها .
(2) بخصوص توجه القضاء الفرنسي في الموضوع,نورد الحكم الصادر عن محكمةCAEN بتاريخ 21 مارس 1995 ,و الذي جاء فيه.
“Sur les conclusions tendant à imputer le temps de cellule sur la durée de la détention.       
Considérant qu'il résulte des dispositions des articles D 249 et suivants du Code de procédure pénale que les conséquences des punitions prises à l'égard d'un détenu relèvent de l'appréciation du juge judiciaire ; que, dès lors, le ministre de la justice est fondé à soutenir que les conclusions tendant à imputer le temps de cellule sur la durée initiale de détention sont portées devant un ordre juridictionnel incompétent pour en connaître ;
         Sur les conclusions tendant à l'annulation de la décision du 22 avril 199.
        Sur la recevabilité :
       Considérant que le ministre de la justice soutient que les conclusions tendant à l'annulation de la décision du 22 avril 1994 par laquelle le directeur du centre de détention d'Argentan a prononcé une punition de 30 jours de cellule à l'encontre de M. M. est irrecevable, d'une part, en raison de la nature de la mesure d'ordre intérieur de ladite punition et, d'autre part, en raison de leur tardiveté.;
       Considérant, en premier lieu, qu'il appartient au juge administratif d'exercer son contrôle sur le respect des principes et des règles qui s'imposent aux auteurs des actes accomplis dans l'exercice d'une mission de service public; que les directeurs d'établissements qui, en application des articles D167, D168, et D169 et dans les conditions des articles D249 et D250 du Code de procédure pénale, prononcent une punition decellule, concourent à la mission du service public pénitentiaire ; que', dès lors, M.M. est fondé à soutenir que l'acte du 22 avril 1994, eu égard à la nature et à la gravité de la mesure prise, revêt le caractère d'une décision faisant grief susceptible de recours pour excès de pouvoir;
         Considérant, en second lieu, qu'en l'absence de mention des voies et délais de recours contre la décision attaquée, M.M. est fondé à soutenir que ses conclusions d'annulation sont recevables ;
Sur la légalité :
          Sans qu'il soit besoin d'examiner les autres moyens de la requête :
         Considérant qu'aux termes de l'article D249 du Code de procédure pénale : "les sanctions disciplinaires énumérées à l'article D250 sont prononcées par le chef d'établissement qui recueille préalablement toutes informations utiles sur les circonstances de l'infraction disciplinaire et la personnalité de leur auteur. le détenu doit avoir été informé par écrit et avant sa comparution des faits qui lui sont reprochés ; il doit être mis en mesure de présenter ses explications" ; qu'il résulte des pièces du dossier, et qu'il n'est d'ailleurs pas contesté, que la décision du 22 avril 1994 a été prise par le directeur du centre de détention d'Argentan sans que l'intéressé, détenu à la maison d'arrêt de Nancy, comparaisse conformément aux dispositions précitées ; qu'ainsi la décision litigieuse est entachée d'un vice de procédure de nature à justifier son annulation ;

          Sur les conclusions tendant à la condamnation de l'Etat au paiement d'une indemnité :
        Considérant que M.M. demande réparation du préjudice qu'il aurait subi du fait de son placement en cellule, que, d'une part, eu égard au comportement de l'intéressé qui s'est rendu coupable d'évasion, et nonobstant les motifs qu'il invoque, le prononcé de la sanction n'est pas de nature, en lui-même, dans les circonstances de l'espèce, à ouvrir droit à indemnisation ; que, d'autre part, il n'est pas établi, nonobstant l'affection dont souffre le requérant, sur laquelle une expertise n'est pas en l'espèce demandé, qu'il aurait été privé lors de l'exécution de la sanction des garanties médicales qu'il était en droit d'attendre du service public pénitentiaire dans des conditions susceptibles d'indemnisation ; que, dès lors, sa demande d'indemnité ne peut qu'être rejetée ;
        Décide :
Article 1 : la décision du directeur du centre de détention d'Argentan du 22 avril 1994 est annulée.
Article 2 : le surplus des conclusions estrejeté:
  Tribunal administratif de Caen - 21 mars 1995 - n 941049, Revue de l'Application des Peines n 22 du 24juin 1997 .

(1) لطيفة المهداتي : الشرعية و تنفيذ العقوبات السالبة للحرية , مرجع سابق , ص 227 و ما يليها .

(2) Tribunal de l’application des peines , et la chambre des appels de l’application des peines .
(1) لقد خص ظهير 25عشت 1999 سجل الاعتقال بعدد من المقتضيات القانونية , من بينها ما ورد في المادتين 13 و14 منه, واللتين ورد فيهما ما يلي:                      المادة  13
يجب أن تتوفر كل مؤسسة سجنية،على سجل يسمى سجل الاعتقال، وعلى سجلات أخرى تحدد بمقتضى مرسوم.
ترقم مسبقا صفحات سجل الاعتقال ترقيما متتابعا، ويوقع رئيس المحكمة الابتدائية أو القاضي المنتدب من طرفه لهذه الغاية على الصفحة الأولى والأخيرة منه، كما يؤشر على باقي الصفحات.
يجب أن يتضمن هذا السجل، الذي يمسك تحت مسؤولية مدير المؤسسة ومراقبة الإدارة المركزية والسلطة القضائية، تواريخ دخول المعتقلين وخروجهم باليوم والساعة، ويسجل به سند الاعتقال ورقم الاعتقال وتاريخ دخول المعتقل للمؤسسة والتاريخ المقرر للإفراج.
لا يمكن إخراج سجل الاعتقال من المؤسسة السجنية.
المادة  14
يحتوي سجل الاعتقال كذلك، على بيان جميع المقررات أو نصوص القانون المغيرة لمدة الاعتقال .
يحب إلا يحتوي على أي بياض أو محو أو تشطيب، ويتعين أن يوضع خط أحمر رقيق على كل خطإ في التسجيل، ويصادق عليه كل من المسؤول عن الضبط القضائي ومدير المؤسسة .
يتبع الإجراء المشار إليه في الفقرة السابقة، في حالة تصحيح الهوية، على إثر حكم أو إشعار من السلطات القضائية
يطبق نفس الإجراء في حالة تصحيح الحالة الجنائية الذي من شأنه تغيير التاريخ المقرر للإفراج".

(1) تنص المادة 17من مرسوم 3نونبر 2000 على أنه"يكون لكل معتقل بمكتب الضبط القضائي ملف شخصي يصاحبه إلى مختلف المؤسسات التي قد ينقل إليها.
 يشمل الملف الشخصي إضافة إلى الجزء القضائي على أجزاء أخرى كالتالي:
-        جزء يتعلق بسلوك المعتقل
-        جزء يتعلق بحالته الصحية
-        جزء يتعلق بحالته الاجتماعية
-        جزء يتعلق برأي الإدارة وملاحظاتها".


(1) تنص المادة 98 من ظهير25 غشت 1999 على انه"للمعتقلين أن يتقدموا بتظلماتهم إلى مدير إدارة السجون والسلطات القضائية ولجنة المراقبة الإقليمية المنصوص عليها في قانون المسطرة الجنائية إما شفويا أو كتابيا. يمكن للمعتقلين تقديم طلب الاستماع إليهم من طرف السلطات الإدارية أو القضائية، بمناسبة الزيارات أو التفتيش، وتتم هذه المقابلة تحت أنظار عون بمكان لا يستطيع معه سماع الحديث، مالم تقرر هذه السلطات الاستغناء عن حضور العون. يجب دراسة الشكايات، واتخاذ الإجراءات اللازمة".
(1)    تجدر الإشارة إلى أن هناك جهات أخرى تضطلع بمهمة مراقبة قانةنية الإعتقال , وتتمثل على الحصوص في الجهات التالية:
v    مدير المؤسسة السجنية:لقد اعتبر المشرع في القانون المنظم للمؤسسات السجنية وكذا المرسوم التطبيقي له , مدير المؤسسة السجنية مسؤولا عن قانونية الاعتقال , حيث نص في المادة 21 من ظهير 25 غشت 1999 على أنه " يعتبر مدير المؤسسة مسؤولا عن قانونية الاعتقال, ويجب عليه تبعا لذلك إشعار السلطات القضائية المختصة وإدارة السجون بالوضعية الجنائية لكل معتقل تبدو له أنها غير قانونية .
تنتفي مسؤولية مدير المؤسسة في هذه الحالة إذا كان متوفرا على سندات تبرر الاعتقال أو على أوامر مكتوبة صادرة عن السلطة القضائية ...", كما نصت المادة 1 من مرسوم 3 نونبر 2000 على أنه "تسند إدارة كل مؤسسة سجنية إلى مدير يسهر على تسيير وتنسيق جميع أنشطتها , ويكون المدير مسؤولا بصفة خاصة عن قانونية الاعتقال وعن الأمن والنظام والانضباط داخل المؤسسة ... ".
v    قاضيالتحقيق: بمقتضى المادة 54 من ق.م.ج التي تنص في فقرتها الأخيرة على أنه " يقوم قاضي التحقيق بتفقد المعتقلين الاحتياطيين مرة كل شهر على الأقل " , ومنخلال هذه الزيارة يقف على مدى مراعاة قانونية الاعتقال .
v    قاضيالأحداث : بموجب المادة 473 من ق.م.ج التي نصت على أن قاضي الأحداث يقوم     " بتفقد الأحداث المعتقلين وكذا المودعين بالمراكز والمؤسسات المشار إليها في المادتان 471 و 481  من هذا القانون مرة كل شهر على الأقل".
v    اللجنة الإقليمية لمراقبة السجون : المحدثة بمقتضى المادة 620 من ق.م.ج والتي تتكون من فاعلين متعددين ينتمون للجهاز القضائي والإداري, ومن ممثلي المجتمع المدني المهتمين بشؤون التأهيل المهني والصحي والثقافي للمعتقلين , والتي تقوم بزيارة " السجون الموجودة في تراب الولاية أو العمالة أو الإقليم , وترفع إلى وزير العدل الملاحظات أو الانتقادات التي ترى من الواجب إبداؤها وتشير إلى أنواع الشطط الذي يجب إنهاؤه وإلى التحسينات التي ينبغي تحقيقها ...," ولا يوجد شطط أكثر خطرا من الاعتقال التعسفي.
v    رئيس الغرفة الجنحية أو ما ينوب عنه : في نطاق المادة 249 من ق.م.ح التي تنص على أنه " يقوم رئيس الغرفة الجنحية أو من ينوب عنه بزيارة المؤسسات السجنية التابعة لنفوذ محكمة الاستئناف مرة كل ثلاثة أشهر على الأقل , ويتحقق من حالة المتهمين الموجودون في حالة اعتقال احتياطي.
يمكن أن يطلب من فاضي التحقيق جميع البيانات اللازمة .
إذا ظهر له أن الاعتقال لا مبرر له , يوجه لقاضي التحقيق التوصيات اللازمة ".
(1) تنص المادة 459 من قانون الإجراءات الجنائية على أنه " لا يجوز توقيع العقوبات المقررة بالقانون لأية جريمة إلا بمقتضى حكم صادر عن محكمة مختصة بذلك " ، كما نصت الفقرة الثانية من المادة 41 على أنه " ... لا يجوز لمأمور أي سجن قبول أي إنسان فيه إلا بمقتضى أمر موقع عليه من السلطة المختصة ، و لا يبقيه بعد المدة المحددة بهذا الأمر " .

(2) انظر  بخصوص نظام السجون في مصر وأنواعها والإشراف عليها ، عبد الحميد الشواربي ، التنفيذ الجنائي في ضوء القضاء والفقه ، مرجع سابق ص 42 وما يليها .
(1) وهو نفس المقتضى الذي نص عليه القانون المصري في المادة 41 من قانون الإجراءات الجنائية التي جاء فيها على أنه " لا يجوز حبس أي إنسان إلا في السجون المخصصة لذلك ، و كذا في المادة 478 من قانون الإجراءات الجنائية التي  جاء فيها بأنه  " تنفذ الأحكام الصادرة  بالعقوبات المقيدة للحرية في السجون المعدة  لذلك بمقتضى أمر يصدر من النيابة العامة على النموذج الذي يقرره وزير العدل ."
(1) رؤوف عبيد : أصول علمي الإجرام والعقاب , مرجع سابق ص 550 .
(1) انظر في تفصيل أحكام إشكالات التنفيذ في الميدان الجنائي, عبد الحميد الشواربي:التنفيذ الجنائي في ضوء القضاء و الفقه, مرجع سابق, ص 92 وما يليها.





Sbek net
كاتب ومحرر اخبار اعمل في موقع القانون والقضاء المغربي .

جديد قسم : القانون الجنائي المغربي