-->

مدى كفاية القواعد المنظمة للرهنالرسمي في حماية الدائن المرتهن




نور الدين لعرج
أستاذ باحث بكلية الحقوق – طنجة-

مقدمــــــة:
إن العنوان يتكلم عن مدى كفاية القواعد المتعلقة بالرهن الرسمي في حماية الدائن المرتهن، فلماذا الدائن المرتهن، بالذات وليس المدين الراهن؟
لعل البحث في حماية الدائن المرتهن رهنا رسميا، يجد مبرراته ويستقي شرعيته من الميزة الأساسية التي تميز الرهن الرسمي والمتمثلة في عدم انتقال الحيازة إليه، وهكذا فإذا كان انتقال الحيازة إلى الدائن المرتهن تعتبر من أهم مميزات الرهن الحيازي. لذلك كان حتما، وربما واجبا تدقيق النظر في حماية المدين الراهن الذي يفقد الحيازة في هذا النوع من الرهون وبالمقابل نجد أن أهم ميزة للرهن الرسمي تتمثل في بقاء الحيازة المدين الراهن، لذلك أضحى لزاما على كل باحث أن ينصب بالتحليل في هذا المقام على مدى حماية المشرع للدائن المرتهن الذي لا يقوم برعاية رهنه عن طريق حيازته للشيء المرهون.
وهكذا فالموضوع الذي بين أيدينا له طابع خاص، لكونه لا ينصب على التعرف على الأحكام التي تنظم الرهن الرسمي الواردة في ظهير 2 يونيو 1915 من جهة، وأحكام تسجيل الحقوق العينية وإشهارها من جهة أخرى، وإنما يتعدى ذلك إلى التدقيق في القواعد والأحكام والوقوف على الحماية الناتجة عنها لصالح الدائن المرتهن.
يقول الأستاذ "ميشيل كابرياك" أن انتقال الحيازة إلى الدائن المرتهن يحقق له الحماية، فكيف يحمي إذا لم تنتقل إليه؟ لذلك أولت التشريعات الحديثة عنايتها نحو التوفيق بين الإبقاء على الحيازة وبين ضمان مصالح الدائن المرتهن، حتى قيل عن هذه الحماية أنها بديلة لفكرة الحيازة. ومهما يكن من أمر، فالمشرع قرر عدة قواعد لحماية حقوق الدائن المرتهن رهنا رسميا.
وعليه سنقسم هذه الدراسة إلى فصلين: نتعرض في الفصل الأول منها إلى مواطن حماية الدائن من خلال القواعد الشكلية، ونخصص الفصل الثاني إلى مواطن حماية الدائن المرتهن من حيث قواعد الموضوع.

المبحث الأول: مواطن الحماية من حيث قواعد الشكل
إذا كانت قواعد الموضوع هي التي تقرر الحقوق للمتعاقدين أو تسحبها منهم، فإن أهمية القواعد الشكلية تضمن هذه الحقوق من خلال ما تفرضه من إجراءات شكلية تدعم ما أقرته قواعد الموضوع.
وعليه، سنتطرق في هذا الفصل بإيجاز إلى القواعد التالية:

المطلب الأول: الكتابة
لقد اشترط المشرع المغربي ضرورة توفر الكتابة كلما كان الأمر متعلقا بحق عيني عقاري، وفي إطار الرهن الرسمي، نص الفصل 173 من الظهير 2 يونيو، على أنه يمكن أن يعطي الرهن الاتفاقي برضى الأطراف إما بعقد رسمي، وإما بعقد عرفي.
وهكذا، فالمشرع المغربي اعتبر الكتابة ضرورية كلما تعلق الأمر برهن رسمي، ولعل الكتابة تحمي الدائن المرتهن، لأنها تعتبر من أقوى طرق الإثبات، ولها قوة مطلقة، إذ يجوز أن تكون وسيلة لإثبات التصرفات والوقائع القانونية دون تمييز، ومن مزاياها أنه يمكن إعدادها مقدما لإثبات نشوء الحق دون التربص إلى وقت المخاصمة فيه، ولذلك سميت بالدليل المعد على أن ما تجدر ملاحظته، هو أن المشرع المغربي لم يشترط الرسمية كما فعل المشرع المصري، الأمر الذي أدى بالبعض إلى القول بأنه كان ينبغي على المشرع المغربي أن يأخذ بنفس الحكم الذي أخذ به المشرع المصري منعا للأضرار التي قد تلحق الدائن المرتهن نتيجة التزوير والغش.
وتعد الكتابة الشكل الأسلم والأصح الذي ارتضاه المشرع المغربي لتحقيق تخصيص الرهن الرسمي.

المطلب الثاني: قاعدة تخصيص الرهن
إن هذه القاعدة أقرها المشرع المغربي في الفصلين 177 و 179 ولها وجهان:
- تعيين العقار المرهون ورقم اسمه ومكانه –الفصل 177-، فتعيين العقار المرهون تعيينا دقيقا يساعد الدائن المرتهن على تحديد العقار المرهون، فيستطيع قبل أن يتعامل مع المدين الراهن معرفة الرهون التي تثقل كل عقار من عقارات هذا الأخير، فيقدر على وجه الدقة درجة يساره، ويمكنه أن يستأثر برهن على عقار خال من الرهون، فيتفادى التزاحم مع غيره من الدائنين.
أما الوجه الثاني من القاعدة والمتعلق بتخصيص الرهن من حيث الدين المضمون فيرمي إلى حماية من يرد أن يتعامل مع المدين الراهن، وخاصة الدائن المرتهن لأنها تمكنه من معرفة مدى استغراق العقار لقيمته الائتمانية، كما أن هذه القاعدة توفر الحماية للدائنين الآخرين من كل تواطؤ أو غش قد يقدم عليه المدين مع الدائن المرتهن للإضرار بحقوق الدائنين الآخرين، هذه باختصار هي مظهر الحماية التي توفرها هذه القاعدة بوجهيها.

المطلب الثالث: التسجيل
انطلاقا من الفصول 65، 66 و67 من ظهير التحفيظ العقاري، فإن الحق العيني على العقار وبالخصوص الرهن الرسمي الوارد عليه، لا ينتقل بالعقد المنشئ له ولكن بحكم التسجيل ذاته، فبتسجيل العقد بالرسم العقاري يتم تنفيذ الالتزام فعلا والاعتداد به في مواجهة الغير.
ومظهر الحماية التي توفرها هذه القاعدة للدائن المرتهن عديدة باعتبارها عماد النظام القانوني في الرهن الرسمي، سنقتصر على إبراز أهمها:
الفقرة الأولى: من وقت التسجيل يبدأ الرهن في إنتاج آثاره وذلك كما يلي:
- إن الرهن الرسمي يحتفظ بمرتبته ابتداء من تاريخ تسجيله في السجل العقاري، كما أكد الفصل 161 من ظهير 2 يونيو 1915.
- إذا كان الراهن لا يفقد حق التصرف في المال المرهون بعد رهنه، فإن التسجيل هو الذي يحمي المرتهن، لأن التصرف الذي يصدر من الراهن لا يمس حق الدائن المرتهن، ولا يؤثر فيه، وذلك إذا قيد الدائن المرتهن حق رهنه قبل أن يشهر المتصرف إليه التصرف الذي صدر من الراهن، فإذا رهن الراهن العقار مرة ثانية، فإن الدائن المرتهن إذا قيد حق رهنه قبل قيد الرهن الثاني، لا يسري في مواجهة هذا التصرف بل يتمتع بالمرتبة الأولى، ونفس الشيء يمكن قوله إذا قرر الراهن على العقار المرهون حق ارتفاق أو حق انتفاع، ولكن هذه الحقوق لم تسجل إلا بعد تسجيل حق الدائن المرتهن، فإن هذا الأخير ينفذ على العقار المرهون خاليا من هذه الحقوق.
الفقرةالثانية:إن التسجيل في التشريع المغربي الذي يأخذ بنظام الشهر العيني يبقى أثره نافذا وصحيحا دون أي إجراء جديد.
حسب نص الفصل 161 من ظهير 2 يونيو، وهذا الحكم ما هو إلا تطبيق للمبادئ العامة في شهر الحقوق العينية والتي تقضي بنفاذ أثر التسجيل طالما بقي الدين المضمون بالرهن قائما، وهنا بالذات تظهر حماية أخرى للدائن المرتهن من كل سهو عن إعادة التسجيل، أو عدم الدراية بالقانون فيفقد حقه نتيجة هذا الخطأ، وبالتالي إهدار لمصالحه نتيجة عدم قيامه بإعادة تسجيل حقه، وهذا الحكم قرره المشرع المغربي، خلافا لبعض التشريعات الأخرى، التي فرضت إعادة التسجيل خلال مدة معينة وإلا سقط الحق.
الفقرة الثالثة: عدم انقضاء الالتزام المضمون برهن رسمي بالتقادم.
يتعلق الأمر هنا بالتقادم المسقط، وليس بالتقادم المكسب، ونص المشرع المغربي على هذه القاعدة في الفصل 377 من ق.ل.ع. بقوله: «لا محل للتقادم إذا كان الالتزام مضمونا ... برهن رسمي».
وقد أكدت المحكمة الابتدائية بالدار البيضاء على هذا الحكم في حكمها الصادر تحت عدد 10898 بتاريخ 14 أكتوبر 1928، والمنشور بمجلة المحاكم المغربية، عدد 24، صفحة 95. حيث جاء في هذا الحكم: «يتقادم طبقا للفصلين 377 و 387 من ق.ل.ع. بخمسة عشر سنة، الالتزام بالقيام بعمل متى كان غير مضمون ... برهن رسمي».
وهكذا، تظهر الحماية التي توفرها هذه القاعدة المقررة في القواعد العامة، ذلك أنه يستفيد من قاعدة حضانة الالتزام المضمون برهن رسمي ضد تمسك المدين بالتقادم عملا بالفصل المذكور أعلاه.

المبحث الثاني: مواطن الحماية من خلال قواعد الموضوع.
لا يمكن تصور وجود قواعد تحمي الحقوق المقررة للأفراد دون أن تكون هذه الحقوق ثابتة أصلا في شكل قواعد موضوعية، من هنا تبرز الأهمية البالغة لقواعد الموضوع، ومهما يكن من أمر فإننا سنختار هنا بعض القواعد لنبرز من خلالها مظاهر حماية الدائن المرتهن، وعليه سنعرض في هذا الفصل إلى القواعد التالية:

المطلب الأول: قاعدة عدم تجزئة الرهن.
إن هذه الخاصية تعتبر من القواعد الرئيسية في كافة التأمينات العينية، ويعبر عنها بالقاعدة الفقهية: «الكل بالكل والكل بالجزء» أو تضمنها الفصل 157 من ظهير 2 يونيو، إذ بين أن الرهن الرسمي بطبيعته لا يقبل التجزئة ويبقى بأكمله على العقارات المخصصة له وعلى كل جزء منها.
وتشمل هذه القاعدة معنيين اثنين:
- يفيد المعنى الأول، بأن كل جزء من الدين مضمون بكل العقار المرهون، ويفيد المعنىالثاني بأن كل جزء من العقار ضامن لكل الدين.
وهكذا فإن هذه القاعدة إنما ترجع إلى مصلحة الدائن المرتهن، وقد أقامها القانون رعاية لهذه المصلحة، لأنها تجنبه تجزئة دينه وما يترتب على ذلك من مصاعب بالنسبة له. وعليه، فإذا انقضى جزء من الدين المضمون، فإن العقار الضامن يبقى كله ضامنا لما بقي من الدين، كما أنه إذا وفى المدين نصف الدين، لا يحق له أن يطالب برفع الرهن عن نصف العقار المرهون. والمشرع وضع هذه القاعدة لحماية الدائن المرتهن، فإذا هو لم يرد هذه الحماية، فلا اعتراض لأحد عليه، ولا يمكن لغيره حق التمسك بها، أما إذا لم يتفق الدائن المرتهن مع الراهن على التجزئة، ولم يتنازل عنها، أصبح الرهن غير قابل للتجزئة.

المطلب الثاني: حماية الدائن المرتهن خلال الفترة السلمية للرهن
يلاحظ هنا أن الدائن المرتهن قد منح ائتمانه للمدين بناء على الضمان المقرر على الرهون، وبالحالة التي كان عليها عند تقديم الائتمان، لذا يجب أن تبقى حالة المرهون الاقتصادية كما كانت عند نشوء حق الرهن، ولهذا الغرض فقد حرص المشرع على صيانة حق الدائن المرتهن حتى قبل حلول أجل الدين أو كما يسميها الفقهاء بالفترة السلمية أو الهادئة، حيث أحاط المشرع حق الدائن المرتهن بضمانات قوية وفعالة للمحافظة على قيمة المرهون وعدم تعرضها للانتقاص، ومن ذلك ما نص عليه في الفصل 178 من ظهير 2 يونيو 1915، حيث جاء فيه: «في حالة ما إذا كان الملك أو الأملاك موضوع الرهن، هلكت أو تعيبت كيفية تجعلها غير كافية لضمان حقوق الدائن، فيمكن لهذا الأخير أن يطالب حالتئذ بالأداء بعد صدور حكم قضائي وفق الطلب، أو بالحصول على زيادة في الرهن».
من خلال هذا الفصل، يلاحظ أن المشرع المغربي بالإضافة إلى إقراره مسؤولية الراهن عن هلاك المرهون أو تعيبه، وذلك دون تمييز بين ما إذا حدث بفعل الراهن أو نتج عن سيب أجنبي لا يد للراهن فيه، أو بفعل الغير، وإنما يقرر مسؤوليته عن ذلك مهما كان السبب، فقد منح الدائن المرتهن عند حصول الهلاك أو التعيب، الخيار بين المطالبة بالأداء فورا بعد صدور حكم قضائي وفق الطلب كما يبين النص، وبين الحصول على زيادة في الرهن، ويلاحظ أن الدائن المرتهن لا يجبر على قبول هذه الزيادة لأن الخيار مقرر لمصلحته.
وتجدر الإشارة في هذا الأخير، إلى أن هذه الحماية مقررها المشرع المغربي للدائن المرتهن هي نفسها مقررة له في مواجهة الحائز، حيث قرر المشرع في الفصل 193 من الظهير، حيث جاء فيه على أن: «التعيب الواقع بفعل أو تقصير الحائز إضرارا بالدائنين المرتهنين تترتب عليه دعوى التعويض ضد الحائز المذكور».
وهكذا يتضح بأن الدائن المرتهن أن يتخذ ضد الحائز كافة الدعاوى التي يحق له مباشرتها في مواجهة الراهن لوقف الأعمال والتصرفات التي يترتب عليها نقص في قيمة العقار المرهون، وبالتالي عدم كفايته لضمان حقه قبل حلول أجل الدين.
المطلب الثالث: حق التنفيذ على المال المرهون والتمتع بالضمان العالم في نفس الوقت إذا كان المال المرهون غير كاف للوفاء بالدين
إذا كانت الغاية الأساسية والرئيسية التي يسعى إليها كل دائن مرتهن من خلال الضمان العيني هو تخويله سلطة استيفاء دينه من محل الضمان، قبل أي دائن آخر. وهكذا حل أجل الدين ولم يقم المدين بوفاء الدين اختيارا، كان للدائن المرتهن أن ينفذ على المرهون وذلك بطريق بيعه بالمزاد العلني وطبقا للإجراءات القانونية الخاصة بهذا التنفيذ. ولعل الحماية القانونية التي وفرها المشرع للدائن المرتهن في هذه المرحلة، هي ما خوله من مباشرة إجراءات التنفيذ على المرهون ونزع ملكيته، وبيعه بالمزاد العلني دون الحاجة إلى استصدار حكم قضائي بذلك، بل يستطيع الاستناد إلى الشهادة الخاصة التي منحت من طرف محافظ الأملاك العقارية، والتي تعتبر كافية لمباشرة هذه الإجراءات، وقد كرس هذه الحماية الفصل 204 من ظهير 2 يونيو، حيث نص على أن: «الدائن المحرز على شهادة تسجيل مسلمة له من طرف محافظ الأملاك العقارية، طبقا للشروط المنصوص عليها في الفصل 58 من المرسوم الملكي المتعلق بالتحفيظ، يمكنه وإن لم يكنبيده سند تنفيذي طلب إجراء البيع عند الأداء في إبانه، وذلك عن طريق النزع الإجباري لملكية العقار أو العقارات التي سجل الدائن حقه عليها».
كما يلاحظ من جهة أخرى، أن الدائن المرتهن بالرغم من كونه دائنا مرتهنا، فإنه يستفيد من الضمان العام المقرر له على سائر أموال المدين في الفصل 1241 من ق.ل.ع. بحيث يكون له ابتداء الخيار بين أن يعمد إلى بيع العقار المرهون استنادا إلى الشهادة السالفة الذكر، وبين أن يلاحق مدينه قضائيا والاستفادة من الضمان العام.
وتبرز مصلحة الدائن المرتهن في اختيار هذه الملاحقة القضائية، في الحالة التي تكون فيها قيمة العقار المرهون لا تكفي لاقتضاء ديونه والوفاء بها. ويتضح من المفهوم المخالف لقرار محكمة الاستئناف بالدار البيضاء الذي جاء فيه: «إن الدائن الذي عقد رهنا لضمان ديونه لا يمكنه أن يجري حجزا على أموال أخرى للمدين، مادامت الأشياء المرهونة لصالحه تغطي جميع ديونه، وأنه في حالة إيقاعه حجزا تحفظيا على أموال أخرى للمدين، يكون قد تعسف في حقه، ويتعين إلغاء الحجز التحفظي»[1].

المطلب الرابع: حق التقدم
يعني حق التقدم، حق الدائن المرتهن في الأفضلية عند توزيع ثمن العقار على الدائنين العاديين، والدائنين المرتهنين التاليين له في المرتبة. ويكون هذا التفضيل بين الدائنين خاضعا لقاعدة قانونية كلية تتمثل في "الأسبق في التسجيل سابق في الأفضلية عند التوزيع".
ونص المشرع على هذه القاعدة في الفصل 185 من الظهير: «بما أن الدائنين الذين لهم رهن مسجل عقار يتبعونه في أية أياد انتقل إليها ليرتبوا ويستوفوا ديونهم حسب ترتيب تسجيلهم ...» كما أكد الفصل 77 من ظهير 12 غشت 1913 بقوله: «على أن ترتيب الأولوية بين الحقوق المثبتة على العقار الواحد تابع لترتيب التسجيلات».
ومفاد هذه القاعدة أن الدائن سجل حقه على العقار يتقدم على الدائن العادي في جميع الأحوال. سواء كان هذا الحق واجب التسجيل ولم يسجله صاحبه، ولأنه يقبل التسجيل أصلا، حتى لو كان الدائن صاحب الحق المسجل متأخرا في الدرجة على جميع الدائنين المسجلة حقوقهم، وكان حقه قد نشأ بعد نشأة حق الدائن العادي.
وتظهر فائدة هذه القاعدة بالنسبة للدائن المرتهن في أنها تحقق له الهدف من الضمان بوجه عام، تتمثل في استيفاء حقه المضمون على غيره من الدائنين، وبالتالي فالتقدم يعصمه من مزاحمة الدائنين، وهي تتحقق سواء بقي المال في يد الراهن أم خرج من يده، لأن غاية المرتهن الأساسية بل الوحيدة هي استيفاء حقه المضمون بالأولوية، وهذه الغاية تتمثل فيما يسمى بالتقدم. فهذا الأخير هو بيت القصيد في الرهن أو في التأمينات العينية جيمعا، وما كل الأنظمة الأخرى التي تنطوي هذه التأمينات إلا خادمة له، وحق التتبع نفسه ليس إلا واحدا من هؤلاء الخدم، يناط به إزالة العقبات القانونية التي تعترض سبيل التقدم.

المطلب الخامس: حق التتبع
للدائن المرتهن رهنا رسميا، بالإضافة إلى حق التقدم، حق التتبع، وهو حق يكتسبه كل دائن مرتهن كيفما كانت مرتبة رهنه في القيد بالسجل العقاري، لأنه من مزايا الضمان العيني. ومعناه أن للدائن المرتهن اتخاذ إجراءات التنفيذ على العقار المرهون في أي يد يكون بمقتضى هذا الحق، ولقد نص المشرع المغربي على هذا الحق الفصل 157 في سياق تعريفه للرهن الرسمي، حيث قال: «الرهن الرسمي حق عيني على العقارات المخصصة لأداء التزام...» أي أنه حق عيني يتبع هذه العقارات، ولأهمية هذا الحق أكد عليه المشرع المغربي في الفصل 185 من الظهير.
وحتى يثبت هذا الحق، لابد من توافر شرطين: أولهما: أن يكون أجل دينه قد حل، إذ الحائز يستفيد من الأجل الممنوح للمدين الراهن، كما ورد في الفصل 185، وثانيهما: أن يكون الدائن المرتهن قد قيد رهنه بالسجل العقاري طبقا للمقتضيات المطلوبة.
وهكذا فالحماية التي يوفرها هذا الحق للدائن المرتهن، تتمثل في أنه رغم خروج العقار المرهون من يد الراهن، فإن التصرف لا يؤثر في حقه، لأن القانون خول له حق تتبعه في أي يد انتقل إليه لينفذ عليه ويستوفي دينه، وهي الغاية القصوى التي يسعى إليها من التأمين العيني بصفة عامة.
والجدير بالملاحظة، أن حق التتبع الذي يباشره صاحب الحق العيني، يهيئ للدائن المرتهن ضمانا أقوى في العقار منه في المنقول، وذلك لسببين،الأول: أن المنقولات معرضة لأخطار الإتلاف والتدمير المادي، والثاني: أن المنقولات معرضة لأخطار الانتقال، كما أن حائز المنقولات يمكنه التمسك بقاعدة الحيازة في المنقول سند الملكية، خصوصا إذا كان حسن النية.

المطلب السادس: مشتملات الرهن.
سنتناول هذه النقطة من زاويتين، الأولى: من حيث العقار المرهون، والثانية: من حيث الدين المضمون.
الفقرة الأولى: من حيث العقار المرهون.
ينص الفصل 159 من ظهير 2 يونيو على أن: «الرهن الرسمي المكتسب يمتد إلى التحسينات المحدثة في العقار المرهون».
ومفاد هذا أنه إذا ما تقرر رهن رسمي على عقار، فإن هذا الرهن يشمل بالإضافة إلى هذا العقار المرهون، كل الأبنية والمنشآت والأغراس، والأشياء المنقولة المتصلة بالعقار عن طريق التخصيص، وحقوق الارتفاق الإيجابية لمصلحة العقار المرهون على عقارات أخرى. ولا ينحصر الأمر على الملحقات الموجودة وقت إنشاء الرهن، وإنما يشمل أيضا الملحقات الطارئة بعد تقرير الرهن.
ويتبين من كل هذا، أن المشرع المغربي بتقريره لهذه القاعدة، يكون قد وفر حماية قوية لفائدة الدائن المرتهن، تتجلى في الرفع من قيمة العقار، وذلك بإلحاق هذه الملحقات بالعقار المرهون واعتبار الرهن شاملا لها بقوة القانون، في حالة ما إذا اضطر الدائن المرتهن إلى بيع هذا العقار عن طريق القضاء، قصد استيفاء دينه من ثمنه، مع العلم بأن هذه الملحقات تشكل وعاء الأفضلية أي الأموال الذي يستطيع الدائن المرتهن أن يباشر عليها حقه في التقدم على سائر الدائنين.
الفقرة الثانية: من حيث الدين المضمون.
فالرهن الرسمي الواقع على عقار يضمن أصل الدين والفوائد، وإذا كان لا يثير أي مشكل بالنسبة لأصل الدين، لأن الرهن يشمله بدون استثناء. فإن الأمر على خلاف ذلك في الفوائد، لذلك يجب التفريق بين التي كانت مستحقة وقت تسجيل الرهن، وتلك التي استحقت بعد تسجيله.
أولا: فمن حيث الأول، إما أن يكون الدائن قد ذكرها في صك الرهن، وإما أن لا يكون قد فعل ذلك، ففي الحالة الأولى يشملها الرهن وتكون كأصل الدين. أما في الحالة الثانية فلا يشملها الرهن، ويكون الدائن المرتهن بالنسبة إليها دائنا عاديا لا يحق استيفاءها بالأولوية.
ثانيا: من حيث الثانية، أي الفوائد المستحقة بعد تسجيل الرهن، فالمشرع وجد أن لا يشملها الرهن كالأصل بدون تحديد، وعلى هذا نص الفصل 160 من ظهير 2 يونيو على أن الرهن لا يشمل علاوة على أصل الدين وبنفس الرتبة إلا فوائدالسنتين:
الفائدة المستحقة عند السنة الجارية وفائدة السنة التي قبلها بشرط:
- أن يتضمن عقد الرهن نصا على أن الدين ذو فائدة.
- أن يكون هذا النص مسجلا في السجل العقاري.
- أن يكون معدل الفائدة معينا.
ولقد راعى المشرع هنا –بالإضافة إلى رعايته لمصلحة الدائن المرتهن- مصال – الدائنين الآخرين، ومنعا للأضرار التي يمكن أن تلحق بهم، إذا ما ترك المجال مفتوحا لإلحاق الفوائد بأصل الدين وشمول الرهن لها.

المطلب السابع: التحاق الثمار بالعقار المرهون.
تلتحق الثمار التي يغلها العقار بالمرهون من تاريخ توجيه الإنذار الرسمي للحائز بالأداء أو التخلي عن العقار المرهون. فمن هذا التاريخ تصبح الثمار سواء كانت مدنية أو طبيعية أو صناعية مثقلة بحق الرهن. ويسأل الحائز عنها. واعتبره المشرع المغربي حارسا عليها بعد هذا الإنذار، تطبيقا لما قرره في الفصل 194 من ظهير 2 يونيو حيث قضى بأنه: «لا يكون الغير الحائز مدينا بالثمار إلا ابتداء من اليوم الذي وجه له فيه الإنذار الرسمي بالأداء أو التخلي...».
وبناء على ذلك يمكن للدائن المرتهن أو لأي دائن آخر بيده سند تنفيذي أن يطلب من المستأجر –في حالة كراء الحائز للعقار المرهون- عدم أداء الأجرة للمنفذ عليه إذا تم إشعار المستأجر عن طريق كتابة الضبط. ويكون ذلك بمثابة حجز على الأجرة تحت يد المستأجر وبدون الحاجة إلى أي إجراء آخر. (الفقرة الثانية من المفصل 475 من ق.م.م.).
كل هذه المقتضيات تفيد الدائن المرتهن، لأنها تجعله ينفذ على العقار المرهون وثماره التي يغلها، وهذا ما يوفر له حظوظا أكبر لاستيفاء دينه، لا سيما إذا كانت قيمة هذه الثمار كبيرة.



لائحة المراجع المعتمدة في البحث


·      مامون الكزبري: التحفيظ العقاري والحقوق العينية الأصلية والتبعية في ضوء التشريع المغربي، الجزء الأول والثاني، الطبعة الثانية، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء 1987.
·      محيي الدين إسماعيل: أصول القانون المدني، الحقوق العينية الأصلية والتبعية،  الجزء الثالث، دار الجيل للطباعة، الفجالة.
·      محمد لبيب شنب: دروس في التأمينات العينية والشخصية. دار النهضة العربية 1975.
·      عبد الرزاق أحمد السنهوري: الوسيط في شرح القانون المدني الجديد. الجزء العاشر، دار النهضة العربية، القاهرة 1967.
·      مصطفى جدوع كريم السعد: آثار الرهن الرسمي بالنسبة للدائن المرتهن والحائز في التشريع العقاري المغربي، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا، الرباط 1981.
·      محمد فركت: الرهن الرسمي والإجراءات المسطرية، الندوة الأولى للعمل القضائي والبنكي، المعهد الوطني للدراسات القضائية والمجموعة المهنية لبنوك المغرب 1987.
·      مجلة رابطة القضاة العدد 18-19.


[1]- قرار بتاريخ 25-04-1985. مجلة رابطة القضاة، العدد: 18-19. ص: 111.



Sbek net
كاتب ومحرر اخبار اعمل في موقع القانون والقضاء المغربي .

جديد قسم : أبحاث قانونية مغربية