-->

مدى إمكانية ورود رهن رسمي على عقار في طور التحفيظ في القانون المغربي


نور الدين لعرج
أستاذ باحث بكلية الحقوق – طنجة-

"رهن رسمي على عقار طور التحفيظ" تعبير غريب وتصور يتنافى مع أسس ومبادئ القانون العقاري، خاصة الفصل الرابع من ظهير 2 يونيو 1915. ذلك أن مقتضيات هذا الظهير بما فيها أحكام الرهن الرسمي لا تنطبق سوى على العقارات المحفظة.
ذلك أنه لا يتصور إيقاع رهن رسمي إلا عقار محفظ، له رسم عقاري، بحيث يعمد الدائن المرتهن إلى قيد رهنه في السجل العقاري، بناء على طلب يقدم إلى المحافظ على الأملاك العقارية والرهون، طبقا للفصل 69 من ظهير التحفيظ العقاري، المتعلق بمسطرة القيد، والتي تلزم الدائن بتقديم قائمة تتضمن تعيين العقار موضوع التسجيل ببيان رقم سجله العقاري، مع بيان نوع الحق المطلوب تسجيله.
وبعد أن يتأكد المحافظ بحصة الطلب شكلا وجوهرا[1] ومن أن المعاملة المزمع إجراءها لا تتعارض مع مقتضيات القانون العقاري[2]. وأن الوثائق المدلى بها تحيز التسجيل، يعمد إلى إجراء القيد حسب الشكلية الواردة في الفصل 75 من ظهير التحفيظ العقاري، وذلك ببيانات موجزة مع التوقيع والتأريخ وإلا كان التسجيل باطلا.
بناء على ما سبق، تتضح لنا غرابة الموضوع، وبعدم إمكانية إيقاع رهن رسمي إلا على عقار محفظ وذا رسم عقاري نهائي. فكيف السبيل إذن لمقاربة هذه الإشكالية؟

أولا: في إطار القانون العقاري
نعلم جيدا أن إخضاع عقار لقانون التحفيظ يتم بناء على طلب مالكه في الغالب، بحيث يجسد هذا الطلب نقطة انطلاق مختلف الإجراءات الهادفة إلى تحفيظه، المتمثلة في نشر ملخص طلب التحفيظ وإعلان عن تاريخ التحديد المؤقت وغير ذلك من التدابير تحت إشراف المحافظ العقاري. ونعلم جيدا بطول هذه المسطرة وتعقيدها التي يمكن أن تمتد لعدة سنوات.
في ظل هذه الظروف وهذه المدة، يمكن أن تتعرض الذمة المالية لصاحب العقار المزمع تحفيظه لصعوبات، الشيء الذي يجعله يفكر في إجراء تصرفات قانونية على عقاره خصوصا إذا كان ذا قيمة اقتصادية مهمة، أو كان هو العقار الوحيد الذي يتوفر عليه.
وقد انتبه المشرع المغربي لهذه الحالة، الشيء الذي يعني أن العقار في طور التحفيظ ممكن التصرف فيه، وأن إجراءات التحفيظ لا تعني تجميده، ولحل هذه المعادلة، أي حرية مالك العقار في طور التحفيظ في التصرف فيه، مع حماية حقوق التصرف إليهم بغية تجنب الأثر التطهيري لقانون التحفيظ العقاري، نجده ينص في الفصل 84 من ظ.ت.ع. على أنه: «إذا نشأ على عقار في طور التحفيظ حق خاضع للإشهار أمكن لصاحبه من أجل ترتيبه في التسجيل والتمسك بالحق المذكور في مواجهة الغير أن يودع بالمحافظة الوثائق اللازمة للتسجيل ويقيد الإيداع التصرفات ويسجل هذا الحق في الرسم العقاري بالرتبة التي عينت له بالتقييد السابق، وذلك في يوم التحفيظ وشرط أن يسمح به إجراء المسطرة».
إذن فأولى الغرابة بدأت تتبدد بناء على ما جاء في الفصل 84 السالف الذكر، الذي أطلق عبارة "حق" ولم يحصرها في تصرف معين. الشيء الذي يعني بإمكانية إبرام عقد رهن رسمي على العقار في مرحلة التحفيظ.
لكن يجب إبداء بعض الملاحظات:
أولا: يجب على صاحب هذا "الرهن الرسمي" أن يودع العقد المؤسس له بالمحافظة العقارية من أجل تسجيله في السجل العقاري المنتظر تأسيسه على إثر تحفيظ العقار باسم المالك، مع إعطاء الدائن شهادة بهذا القيد.
وفي هذا الإطار يقول الدكتور محمد خيري[3]:«أما قبل تأسيس الرسم العقاري فإن عقد الرهن وبالرغم من إيداعه بالمحافظة العقارية فلا يمكن اعتباره رهنا رسميا، بل مجرد وعد بالرهن لا أقل ولا أكثر، بحيث أن تقييده يبقى معلقا على نتيجة التحفيظ فإذا كان العقار موضوع تعرضات، فمن المؤكد أن المستفيد من الرهن سيتأثر بنتيجة دعوى التعرض، وإذا حصل أن تراخى طالب التحفيظ في اتباع إجراءات التحفيظ، أو لم يحضر عمليات التحديد رغم استدعاءه وإنذاره، فإن المحافظ سيكون مضطرا لتوقيف إجراءات التحفيظ، بل ربما إلغاء المطلب بكامله ويمكن أن يفقد صاحب الرهن نتيجة لذلك الحقوق المقررة له في عقد الرهن».
ونعتقد أن هذا الرأي في كثير من الصواب حول المخاطر المحدقة لهذا الرسمي، ونزيد القول أنه مجرد حق شخصي قابل لأن يتحول إلى حق عيني عندما يتأسس الرسم العقاري ويخضع لمسطرة القيد وعليه فإن اصطلاح هذا الرهن الرسمي يجب إعادة النظر فيه، ذلك بما أنه مجرد حق شخصي فإنه يتعارض مع مضمون الفصل 157 من ظهير 2 يونيو 1915، الذي يعتبر الرهن الرسمي حقا عينيا عقاريا...
غير أن ما يستنتج من حكم لمحكمة الرباط، يذهب إلى صحة الرهن الرسمي الوارد على عقار غير محفظ ولا هو طور التحفيظ، عندما قضت بقبول تعرض صاحب هذا الرهن الرسمي[4].
ومن جهة أخرى فإن الفصل 10 من ظهير 12 غشت 1913، يجعل صاحب الرهن الرسمي ضمن الأشخاص الذين يجوز لهم طلب التحفيظ بموافقة صاحب الملك، وهو ما يمكن أن يفهم منه، إمكانية وقوع الرهن الرسمي بالنسبة للعقار الذي لم يقدم طلب تحفيظه بعد[5] إلا أننا نرى أن هذا القول يبقى مجرد استنتاج يصعب تصوره عمليا. بل أنه حتى بالنسبة للرهن الرسمي على العقار في طور التحفيظ، فإن المحافظات العقارية ترفض إيقاع هذا الرهن على العقارات إلا إذا وجدت نصوص تجيز ذلك الرهن.

ثانيا: في إطار القوانين الخاصة
هناك العديد من النصوص الخاصة التي تجيز وقوع رهن رسمي على العقارات في طور التحفيظ يتعلق الأمر بقانون الملكية المشتركة، حيث نص على أنه تتمتع ديون اتحاد الملاك المترتبة في ذمة أحد أعضائه بالرهن الجبري المنصوص عليه في الفصل 163 من ظهير 12 غشت 1913 المتعلق بالتشريع المطبق على العقار المحفظ[6]. ذلك أنه بالرجوع إلى المادة الأولى قانون الملكية المشتركة، والتي تحدد نطاق سريان أحكامه، نجدها تنص على أنه: «... تسري هذه الأحكام على العقارات سواء أكانت محفظة أو في طور التحفيظ أو غير محفظة».
إلا أننا سنركز على قانون 17 دجنبر 1968 المتعلق بالقرض العقاري والقرض السكني والقرض الفندقي، والذي يوضع شروط منح المؤسسات المستفيدة منه بعض الامتيازات عن القروض التي تمنحها لتمويل النشاط العقاري، السكني والفندقي.
وبفحص محتويات هذا القانون، وخاصة الفصل 9 و10 و11، يتضح أن محتوياتها تخص الرهن الرسمي للعقارات المحفظة، إضافة إلى إمكانية إيقاع رهن رسمي على عقارات في طور التحفيظ.
فالفصل 10 يقضي بأن العقود والاتفاقات الخاصة بالقروض المعطاة من طرف المؤسسات المعنية، ترفع إلى المحافظ العقار بقصد تسجيلها في السجلات العقارية، أما العقارات في طور التحفيظ فالعقود المتعلقة بها تكون محل إيداع وفق مقتضيات الفصل 84 من ظهير التحفيظ العقاري.
وبناء على الفقرة الثانية من الفصل 10 الخاص بالقرض السكني والعقاري والفندقي، فإنه خلافا لمقتضيات الفصل 58 من ظهير 12 غشت 1913 المتعلق بالتحفيظ العقاري، فإن المحافظ العقاري يعمد إلى تسليم شهادة خاصة بالرهن حتى ولو تعلق الأمر بعقار في طور التحفيظ.
وجاء في الفقرة الثالثة من الفصل 10 السالف الذكر: «وفي جميع الحالات فإن هذه الشهادة تعتبر سندا تنفيذيا وجب أن تحمل عبارة "شهادة مسلمة طبق الأصل وبقصدالتنفيذ". وما يفهم من هذه الفقرة أن تسليم الشهادة الخاصة بالرهن تسلم سواء في إطار عقار محفظ أو في طور التحفيظ.
وفي هذا يقول الدكتور محمد خيري: «... بأن الاستثناء الوارد يبقى استثناء والبنوك غير مجبرة على قبول منح قروض على عقار في طور التحفيظ ويتعين على المؤسسات البنكية المعتمدة لهذا الغرض، أن لا تشجع التعامل في هذا النوع من العقارات إلا إذا كان لها يقين بأن مسطرة التحفيظ قد استنفذت كل مراحلها دون وجود تعرضات، وذلك لحث المالكين على الحرص على تحفيظ عقاراتهم قصد الاستفادة من مزايا التحفيظ العقاري»[7].
وفي الختام، إذا كنا قد سعينا إلى تبديد غرابة هذا الموضوع سواء في إطار القانون العقاري أو في إطار النصوص الخاصة، خاصة مرسوم 27 دجنبر 1968، فإنه مع ذلك يظل وضعا شاذا، إذا علمنا إقدام المشرع المغربي على إصدار قانون تسنيد الديون الرهينة[8]. الذي يهدف إلى دعم القدرات التمويلية لمشاريع السكنية.
وتقتصر تقنية التسنيد هذه في مرحلة أولى على الديون المضمونة برهن والمتعلقة فقط بالسكن ولكي يكتب النجاح لهذه العملية، فإنه ينبغي تشجيع تحفيظ العقارات عن طريق تبسيط المساطير ورصد الإمكانيات المادية والأطر اللازمة لذلك، مع مراجعة قانون التحفيظ العقاري وإزالة الأوضاع الشاذة المتضمنة فيه مثل إيقاع الرهون الرسمية على عقارات في طور التحفيظ.

لائحة المراجع المعتمدة في البحث:


·      محمد خيري: عقار في طور التحفيظ والشهادة الخاصة بالرهن. مجلة الحدث القانوني. العدد 15. بتاريخ أبريل 1999.
·      الجريدة الرسمية: عدد 4726 بتاريخ 16 شتنبر 1999 ص: 2270.
·      مجلة المحاكم المغربية: لسنة 1945.
·      قانون الملكية المشتركة: ظهير 3 أكتوبر 2002.
·      قانون التحفيظ العقاري: ظهير 12 غشت 1913.




[1]- راجع الفصل 72 من ظ.ن.ع.
[2]- راجع الفصل 74 من ظ.ن.ع.
[3]- محمد خيري: عقار في طور التحفيظ والشهادة الخاصة بالرهن، مجلة الحدث القانوني، العدد 15 أبريل 1999، ص: 12.
[4]- بتاريخ 22 يناير 1945، مجلة المحاكم المغربية. 1945، ص: 55.
[5]- PaulDecroux : Droit foncier Marocain, édition la porte, 1977, p : 423.
[6]- المادة 40 من قانون 18.00 بشأن النظام الجديد للملكية المشتركة للعقارات المبنية. جريدة رسمية 5054 بتاريخ 07 نونبر 2002. ص: 3175.
[7]- محمد خيري: المقال السابق، م.س. ص: 13.
[8]- قانون رقم: 98-10 الجريدة الرسمية عدد 4726 بتاريخ 16 شتنبر 1999. ص: 2270.

Sbek net
كاتب ومحرر اخبار اعمل في موقع القانون والقضاء المغربي .

جديد قسم : القانون العقاري المغربي