-->

الصلـح الزجري دراسة للمادة 41 من قانون المسطرة الجنائية المغربي


إن من دواعي الاطمئنان للعدالة الجنائية والثقة في نجاعتها حسب المنظور المعاصر والحديث، اعتماد قنوات جديدة[1] لحل النزاعات خارج الإطار الكلاسيكي       ( مرحلة ما قبل المحاكمة – المحاكمة – تنفيذ العقوبة ) من خلال اعتماد أسلوب التسوية الودية، عبر إجراء مصالحة بين أطراف الخصومة المباشرين وهو يؤذي إلى سد باب الشقاق بصفة نهائية من خلال جبر الضرر. وبتر روح القصاص من نفسية الضحية. وقد حصر المشرع هذا الإجراء في جرائم بسيطة [2] مع تقيد هذا التدبير بموافقة الأطراف بمحضر رسمي قبل المصادقة عليه من طرف رئيس المحكمة أو من ينوب عنه.
وسوف نحاول من خلال هذه الدراسة. تناول بشيء من التحليل الصلح كمستجد بقانون المسطرة الجنائية. مع الوقوف عند مسطرته وماهيته من خلال المنهج الآتي :

الفصل الأول : ماهية الصلح.
الفصل الثاني : مضمون الصلح.



الفصل الأول : ماهية الصلح.
نتناول في هذا الفصل، دراسة مفهوم الصلح كما حددته المادة 41 ق.م.ج، وتحديد المرجعية القانونية لهذا الإجراء، والغاية من استحداثه ومسطرة إنجازه مع إبداء بعض الملاحظات على ضوء ما عرفته بعض التجارب القانونية والقضائية المقارنة كلما اقتضت ضرورة البحث ذلك. لنختم بدور النيابة العامة في السهر على تنفيذ قرار الصلح.
أولا : مفهوم الصلح  :
يعتبر مبدأ الصلح أو المصالحة من التقاليد النافذة في التراث الديني والثقافي المغربي،[3] حيث كان  رب القبيلة أو رب الأسرة يلعب دور الوسيط في حل النزاعات العائلية والمالية والفلاحية التي تنشأ بين أفراد الأسرة أو القبيلة.
وأسوة بالعديد من التشريعات المقارنة، عمد المشرع المغربي في قانون المسطرة الجنائية الجديد، على تبني مبدأ الصلح بالمادة 41 ق.م.ج [4]كآلية بديلة وحديثة لاستبدال العقوبة السالبة للحرية بآلية حضارية لفض النزاع قبل تحريك الدعوى العمومية، وتمكن إيجابيات هذه المسطرة في النقط الآتية :
1-     تخفيف العبء على المحاكم وربح الوقت.
2-     جعل القضاء يركز مجهوده على القضايا الأساسية.
3-     محاربة البطء في البت في القضايا خاصة منها تلك الماسة بحرية الأفراد.
4-     تطويق النزاعات القائمة بخصوص بعض الجرائم المحدودة.
5-     الحد من عملية الإحالة على السجون.
6-     تحقيق نوع من التوازن بين حقوق الإنسان وحقوق المجتمع.
ويكمن موضوع الصلح [5] القضائي، في تقدم أطراف النزاع بمحض إرادتهما   أو باقتراح من النيابة العامة أمام وكيل الملك أو نائبه لفض النزاع بشكل حبي مع توثيق الصلح بمحضر رسمي، وما من شك أن هذه المسطرة توطد العلاقات الإنسانية عوض إقامة الدعوى العمومية، التي قد تنتهي المنهية بإدانة أحد الأطراف مما يكرس البغضاء وعدم رضى المحكوم عليه بالعقوبة.

ثانيا : المرجعية القانونية لمسطرة الصلح  :
سبقت العديد من التشريعات المقارنة المشرع المغربي بالأخذ بمسطرة الصلح من ذلك التشريع البلجيكي والأمريكي والمصري والفرنسي. وهكذا عمد المشرع المصري، بمقتضى التعديل المدخل على قانون الإجراءات الجزائية لسنة 1998 على اعتماد مسطرة الصلح في الجنح والمخالفات المعاقب عليها بالغرامة فقط، أما القانون الفرنسي، فقد أخذ بمسطرة الصلح بموجب القانون رقم 515–99 الصادر في 23 يونيو 1999. بالمادة 41 ق.م.ج. فرنسي حيث جاء في الفقرة 5 من المادة السالفة الذكر ما يلي :
« s’il lui apparaît qu’une telle mesure est susceptible d’assurer la réparation du dommage causé à la victime, de mettre fin au trouble résultant de l’infraction ou de contribuer au reclassement de l’auteur des faits, le procureur de le République peut, préalablement à sa décision sur l’action publique, directement ou par délégation :
-5° Faire procéder, avec l’accord des parties, a une mission de médiation entre l’auteur des faits et la victime… »[6]
ويمكن القول، أن المادة 41 من قانون المسطرة الجنائية المغربي إبنة شرعية خرجت من رحم المادة 41 من قانون المسطرة الجنائية الفرنسية. لا من حيث الطابع الإختياري لمسطرة الصلح وسلطة النيابة العامة بشأنها أومصادقة المحكمة في النهاية على مقرر الصلح، باستثناء ما نص عليه المشرع الفرنسي من منح طرف أجنبي بمباشرة مسطرة الصلح. وهو ما لم تأخذ به المادة 41 ق.م.ج مغربي موضوع الدراسة.
وعموما، فمسطرة الصلح هي من وحي أحد الآليات البديلة لفض النزاعات والتي ما فتئت حينا بعد حين تأخذ لها مكانة متميزة في فض النزاعات : يتعلق الأمر بالوساطة.
فالجميع يعلم، أن هناك نظرة عالمية جديدة تتمثل في وجود ميكانيزمات بديلة خارج الإطار التقليدي للقضاء والمحاماة تساهم في حل النزاعات والتخفيف عن المحاكم. وقد أعطت نتيجة إيجابية جدا في عدد من بلدان العالم. سيما أن المؤتمر العاشر لهيئة الأمم المتحدة المنعقد بفيينا سنة 2000 ، ناشد الدول لإيجاد آليات للعدالة التصالحية بين الأطراف. كما أن القوانين المقارنة، المشار إلى بعضها أعلاه، كرست في قوانينها هذه المسطرة. فهناك من الدول من أسند هذه الصلاحية للنيابة العامة، ومنها من أسندها للقضاء، ومنها من أسندها إلى أشخاص محايدين يتم تعيينهم بمسطرة خاصة.

ثالثا : دور النيابة في الإشراف على مسطرة الصلح  :
أكدت المادة 41 من قانون المسطرة الجنائية المغربي الجديد على الطابع الاختياري وليس الإلزامي للصلح. وجعله المشرع اختصاص أصيل بالنيابة العامة. لكون القانون الجديد حافظ للنيابة العامة على اختصاصاتها التقليدية في حماية المجتمع وإقامة الدعوى العمومية واستعمال حق الملائمة. كما أن المشرع سمح فقط بالمصالحة في بعض القضايا للحفاظ على علاقات الاستقرار الاجتماعي، ويتوفر قاضي النيابة العامة بسلطة تقديرية من خلال مسيرته القضائية في التحري والبحث، أنه في حالة ما يتوجب اعتماد الصلح. وهو بذلك لا ينصب نفسه مكان أطراف النزاع بل يقترح ولا يلزم. كما أنه يوضح ويفسر ولا يضغط.
وفي إطار آخر، لم يجمع القانون المقارن على منح الاختصاص في مسطرة الصلح للقضاء الجالس. فالغاية من اعتماد الصلح هو التخفيف على قضاة الموضوع والحد من تراكم الملفات في رفوف الجلسات.
وقد أحسن المشرع المغربي صنعا، رغم التخوفات التي أبداها البعض حول اختصاص النيابة العامة بهذا التدبير [7] للاعتبارات الآتية :
1-     أن الجهة الوحيدة التي تملك الدعوى العمومية هي النيابة العامة.
2-       تفعيل مبدأ ملائمة المتابعة الذي يعد مبدأ اخذ به المشرع المغربي منذ 1959 إلى الآن.
وعموما، فمسألة الوقت وتدبيره حتى تتمكن النيابة العامة من الإشراف الجيد على الصلح مسألة نسبية. لأنه من المفروض أولا قبل النظر لها حسب الوقت الانطلاق من مبدأ اختيارية المصالحة وفي قضايا معينة وليس في جميع القضايا. كما أن إشكالية الاكتظاظ في الملفات المعروضة على قضاء الموضوع، لا تعود في الواقع إلى كثرة القضايا، بقدر ما تعود إلى مشاكل إجرائية كتعليق القضايا وعدم جاهزية العديد من الملفات.
كما أن مقررات الصلح التي تحال على غرفة المشورة، لا تتم إلا بإشعار فوري يوجه للأطراف، وإخطارهم بتاريخ الجلسة التي سوف يعرض فيها بأول جلسة على خلاف لو ثم عرض النزاع بالطريقة العادية على أنظار المحكمة حيث يمكن أن يستغرق عدة سنوات بسبب مشاكل التوصل باستدعاءات الحضور.
ولا تعتبر مسطرة الصلح مسقطة للدعوى العمومية بل موقفه لها فقط حيث يمكن للنيابة العامة تحريك الدعوى العمومية في حالتين :
1 –  تراجع المشتكى به عن تنفيذ مقرر الصلح المصادق عليه.
2 - ظهور أدلة جديدة لم تعرف من قبل تقتضي تحريك الدعوى العمومية.
وعموما، فالغاية المثلى للقانون ليس هو إصدار حكم، بل تحقيق العدالة من خلال السمو بالذات وتغليب جانب الخير والعفو على جانب العقاب والإنتفام. وهو أمر مما لا شك فيه ليس بالأمر الهين، بل هو أمر صعب ومعقد يتطلب تكوينا وقدرة عالية على الاستماع للآخر وفهم وجهات نظره. والقدرة كذلك على الإقناع والاقتناع من خلال الغوص في نفسية الأطراف لتقريب وجهات النظر.
وسوف نحاول في الفصل الثاني الذي اخترنا له من العناوين مضمون مسطرة الصلح. الوقوف على دور المحكمة في تفعيل مقرر الصلح. وتنفيذ الاتفاق الصلحي.

الفصل الثاني : مضمون الصلح.
تعرضت مسطرة الصلح، التي خولها المشرع بالمادة 41 ق.م.ج للنيابة العامة وفي مرحلة لاحقة للمحكمة للمصادقة على مقرر الصلح، للعديد من الانتقادات التي أسلفنا ذكر بعضها. وما من شك، أن التجاهل العفوي أو المقصود، لبعض الدارسين لمزايا هذا التدبير، لن يثني غالبية قضاة النيابة العامة، نظرا لما توفر في غالبيتهم من حزم وقوة شكيمة على تجاوز كل ما من شأنه اعتراض سبيل هذا المقتضى الحضاري والإنساني الجديد. وسوف نحاول نتناول على التوالي ما يلي :
1-     دور المحكمة في مسطرة الصلح.
2-     الجرائم المشمولة بالصلح.
3-     تنفيذ مقرر الصلح.

أولا : دور المحكمة في مسطرة الصلح  :
جاء في الفصل 41 من ق.م.ج " يحيل وكيل الملك محضر الصلح على رئيس المحكمة الابتدائية أو من ينوب عنه للتصديق عليه بحضور الأطراف بغرفة المشورة بمقتضى أمر قضائي لا يقبل أي طعن ".
وقبل التفصيل في هذا الدور، سوف نحاول الرد على التخوفات التي وجهت لدور رئيس المحكمة في هذا الباب بعض استعراضها لماما :
جاء على لسان أحد النواب المحترمين أثناء مناقشة مشروع قانون المسطرة الجنائية قوله " أنه في الوقت الذي كان فيه مكتب وكيل الملك والرئيس والنواب يتوفر على نوع من الحرمة فإن مسطرة الصلح سوف تعطي فرصة لبعض الأشخاص الذين يسترقون السمع أن يركبوا محاولات دنيئة للمس بسمعة القضاء. وهو ما من شأنه المس بحرمة جهاز العدالة بفتح المجال لنوع من المزايدات "[8]
إن التخوف المشروع الذي أبداه السيد النائب. يجد جوابه في صدر أحد أبيات معلقة الشاعر الجاهلي عمرو بن كلثوم حين قال بلغة رصينة وفصاحة بليغة :
"  لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى  "
وعليه فمسألة التخوف من المزايدات، ما سوف تلبث تخف، حين تفعل مسطرة الصلح. خاصة وأن هذه الأخيرة يجب أن تكون ثلاثية بناء على اتفاق كل من إرادة المشتكي والمشتكي به ووكيل الملك، ويحرص هذا الأخير ومن بعده المحكمة على حماية النظام العام والأخلاق الحميدة. لهذا لا يمكن أبدا أن ينساق جهاز العدالة مع رغبة الطرفين، في حالة ما إذا كانت الجريمة خطيرة. وقد ثم ربط الموضوع بخطورة الفعل. فخص المشرع الصلح بالجرائم التي تقل عقوبتها عن سنتين. مع إضافة ضمانة أساسية تتمثل في ضرورة حضور الأطراف بمفردهم أو بحضور دفاعهم إذا ما عن لهم ذلك.
       وبخصوص إعطاء الاختصاص للمحكمة للمصادقة على مقرر الصلح، ذهب البعض إلى القول، إلى أنه لم يتم تخفيف العبء على المحاكم إطلاقا، لكون القاضي الذي سيبث في النزاع ويصدر حكما بالإدانة أو بالحبس أو بالغرامة، سيبت كذلك في عملية الصلح بالقيام بالمصادقة على محضر المصالحة، الذي يتضمن غرامة ونوعا من التعويض، أي أن هناك جهدا إداريا حاضرا، وأن الملفات ستعرف طريقها إلى المحاكم وأنه لم يتم حرق مرحلة من المراحل بتطبيق المادة 41 ق.م.ج حيث سيعرف النزاع طريقة إلى المحاكم وسيتطلب ذلك وقتا معينا ولكن في ظروف غير معتادة.
       وعموما قد يبدو هذا الانتقاد سليما للوهلة الأولى، كما أنه قد يعتبر إسناد اختصاص المصادقة على الصلح للمحكمة من باب التزيد الغير المحمود. سيما وأن المحضر المنجز بالصلح أمام السيد وكيل الملك يعد من قبيل التوثيق التعاقدي الرسمي. الذي لا يمكن الطعن فيه إلا بالزور.
       للجواب على هذه الملاحظات تشير بداية. أن القانون المقارن لم يعط كله الاختصاص في الصلح كاختصاص فريد للقضاء الجالس. لأنه لكي يعطي هذا الاختصاص للقضاء، لابد من تحريك الدعوى العمومية. هذا التحريك الذي هو اختصاص أصلي للنيابة العامة. وكل ما هنالك. أن هذا الاختصاص الأصيل المومأ إليه سلفا تمت إحاطته بضمانات وشروط يتمثل في وجوب عرض مقرر الصلح على رئيس المحكمة لكي يصادق عليه. وإذا لم تتم المصادقة عليه يصبح الصلح لاغيا. وفي ذلك تفعيل لمبدأ ملائمة المتابعة. وجبر النيابة العامة على عدم حفظ المسطرة. أما إذا نجح الصلح فان المسطرة تحفظ بنص القانون.
       من هنا نخلص، إلى أن دور المحكمة يسمح بالتوفيق بين مبادئ قانونية متعددة ومتعارضة في نفس الوقت بأسلوب مرن ومحاط بجملة من الضمانات : ( المتابعة وحفظ المسطرة ).
       وأخيرا لا تعتبر المصادقة على مقرر الصلح جعله حكما باتا، فهو تصديق قضائي من نوع خاص يتوجه إلى تطويق النزاعات والتخفيف على القضاء.



            ثانيا : الجرائم المشمولة بالصلح :
       نص المشرع المغربي في مطلع المادة 41 ق.م.ج : " يمكن للمتضرر         أو المشتكي به من قبل إقامة الدعوى العمومية وكلما تعلق الأمر بجريمة تعاقب عليها بسنتين حبسا أو أقل أو بغرامة مالية لا يتجاوز حدها الأقصى 5000 درهم أن يطلب من وكيل الملك تضمين الصلح الحاصل بينهما بمحضر ".
إن الجرائم التي الواردة المادة 41 ق.م.ج تتميز في معظمها بطابعها البسيط. وارتباطها بالجوانب الاجتماعية والعائلية، كما أن الإحصائيات تؤكد أن هذه القضايا تمثل صدارة القضايا المدرجة حاليا أمام المحاكم من قبيل الضرب الخفيف وإهمال الأسرة. والسرقة البسيطة.
       وتكمن العلة في حصر الصلح على الجنح المعاقبة بالغرامة، في أن مسطرة الصلح تقتضي الحضورية. حيث يجب على الطرفان أن يحضرا أو على الأقل أن يحظر المشتكي به. أما المشتكي فقد يكون غائبا إذا ما أدلى بتنازل. سيما وأن صور الصلح التطبيقية هي :
أ‌-   إما أن يتوافقا الأطراف الثلاثة وهم : المشتكي به النيابة العامة على الصلح. فيحضروا جميعهم ( الفقرة الأولى من المادة 41 ق.م.ج ).
ب‌-          إما أن يقترح الصلح من النيابة العامة والمشتكي الفقرة الرابعة من المادة 41 ق.م.ج
ت‌-          وإما أن يطلب المشتكي به سلوك الصلح وهنا لا بد من حضوره.
أما بخصوص الجنح المعاقب عليها بالغرامة فلا يمكن تقديم مقترفيها ذلك أن الشخص المهدد بالغرامة فقط، قليل ما يستجيب للاستدعاءات كما أن السماح بإجراء الصلح بخصوص الجرائم المحددة بالمادة 41 ق.م.ج لا تعني تساهل المشرع بشأنها لان الصلح أمر اختياري وليس إجباري. ويمكن للنيابة العامة رفض الصلح إذا ما كان للجنح ارتباط بجرائم أخرى مخلة بالنظام العام.

            ثالثـــــــا: تنفيذ مقــــــرر الصلح :
       أسند المشرع للنيابة العامة مهمة السهر على تنفيذ مقرر الصلح، بعد المصادقة عليه بغرفة المشورة. ونتساءل هنا ما جزاء الإخلال بمقرر الصلح ؟ وهل الأمر القضائي يسقط الدعوى العمومية ؟
       إن الأمر القضائي يتمتع بقوى الشيء المقضي به مادام أنه لا يقبل أي طعن فهو يصدر بشكل انتهائي وباسم جلالة الملك. ومن تم يمكن لوكيل الملك تحريك المتابعة في حالة عدم تنفيذ الالتزامات التي صادق عليها القاضي، لنصل إلى الجواب عن التساؤل الثاني المشار إليه أعلاه في كون الصلح لا يعتبر من أسباب سقوط الدعوى العمومية بل يوقفها فقط بصريح المادة 41 ق.م.ج فإذا ما ظهرت عناصر جديدة تمس الدعوى العمومية يمكن للنيابة العامة تحريك المتابعة رغم مقرر الصلح ما لم تكن الجريمة قد طالها التقادم المسقط.

       الخلاصــــــــة :
       إن الخلاصة ليست تلخيصا للبحث وتكرارا لمضمونه. ولكنها نتيجة البحث وقطف لثماره وثمرة بحثنا أن مسطرة الصلح آلية حضارية لتربية النفس على التسامح وتجاوز شائبة الخطأ في السلوك الإنساني وما من شك انه إذا ما أحسن تطبيقها التطبيق الصحيح، وتفعيلها التفعيل السديد الصريح، سوف يكون لها قريبا الصدى الطيب في نفسية المتقاضين. وعلى جودة الأحكام القضائية وسرعتها.  



                    إنجـــــــــــاز:

الحســــــــــــــــن بيهــــــــــــــــــــــــي





[1]) أخذ القانون الفرنسي في الفصل 41 –1 من قانون المسطرة الجنائية باعتماد الوساطة من طرف وكيل الجمهورية. وأكد هذا المبدأ في المادة 15 –1 والتي جاء فيها : عندما يقرر وكيل الجمهورية الالتجاء إلى الوساطة طبقا للمقتضيات المقررة في الفصل 41 – 1 يعين لهذه الغاية شخصا ذاتيا أو معنويا للقيام بهذه المهمة، كما نص عليه الفصل 216 مكرر مرتين في قانون التحقيق البلجيكي.
[2]) حدد الأستاذ جلال تروث في مؤلفه نظم الإجراءات الجنائية عناصر مسطرة الصلح في كونها :
مسطرة استثنائية لا تقوم إلا بالنسبة لجرائم بسيطة (مخالفات أو جنح).
عمل إجرائي إداري لا ينعقد إلا بإرادة الأطراف.
يرتب سبب خاص بجريمة بعينها. فلا يتعدى أثرها على الجرائم التي ارتبطت بها. بل تظل هذه الجرائم محكومة بالقواعد العامة من أنها منوطة بسلطة النيابة العامة في تحريك الدعوى الجنائية.
راجع جلال تروث : نظم الإجراءات الجنائية –دار الجامعة الجديدة- السكندرية 1997 صفحة 230. 
[3]) يقول الله تعالى في محكم كتابه : "وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا، فاصلحوا بينهما".
[4]) عبرت الصيغة الأولية لمشروع قانون المسطرة الجنائية المقدمة من طرف مديرية الشؤون الجنائية والعفو على كلمة الصلح. بمصطلح السدد. وقد أثار هذا التعبير جملة من الملاحظات أثناء مناقشة المادة 41 ق.م.ج في لجنة العدل والتشريع ليتفق النواب في النهاية على استبدال كلمة سدد بكلمة صلح.
[5]) يمكن تعريف اصطلاحيا الصلح كما جاء في تفسير لفظ السدد في لسان العرب لابن منظور أنه "القصد في القول والوفق والإصابة والتسديد والتوفيق للسداد أي للصواب".كما عرفته محكمة النقض المصري بأنه بمثابة نزول من الهيئة الاجتماعية عن حقها في الدعوى الجنائية مقابل الجعل الذي قام عليه الصلح" راجع جلال ثروت. نظم الإجراءات الجنائية، درا الجامعة الحديثة الطبعة الأولى 1997 الإسكندرية.  
[6] - Dalloz. 2000. code de procédure pénale.
Voir aussi code de procédure pénale article 13 et 14 édition litec.
[7]) أبدى العديد من النواب تخوفات عدة من إسناد الصلح للنيابة العامة يمكن تلخيصها كالآتي :
·    تضخم الملفات والمحاضر المحالة على النيابة وتعدد مساطر الاستنطاق والاستماع للمعتقلين وإنجاز الإنابات القضائية تضغط على معظم وقت عمل النيابة العامة. وإذا ما تمت إضافة مسطرة الصلح لهذا الجهاز سيما أمام النقص المسجل على صعيد القضاة النواب وعلى صعيد التجهيزات من شأنه أن يؤثر سلبا على فعالية وسرعة هذه المسطرة.
·         إمكانية سوء فهم هذه المسطرة من لدن المجرمين. واعتبارها من طرفهم أنها أداة تسهل اقترافهم للجرائم.
·         إمكانية اعتماد الضغط من لدن النيابة العامة على الأطراف لاعتماد الصلح.
·         استلزام مسطرة الصلح لملكات فنية وذهنية. وقدرة عالية على المحاورة والإقناع لإيجاد أرضية للتصالح قد لا تتوفر لدى قضاة النيابة العامة.
·         إن إسناد الصلح للنيابة العامة فيه تناقض صارخ لأنه يجعل من هذه الأخيرة خصما وطرفا في نفس الوقت فهي من يملك تحريك المتابعة وفي نفس الوقت تمارس الصلح.
[8]) راجع تقرير لجنة العدالة والتشريع –مجلس النواب- الجزء الثاني- السنة التشريعية الخامسة 2001-2002 الولاية التشريعية : 1997-2002 صفحة 91.



Sbek net
كاتب ومحرر اخبار اعمل في موقع القانون والقضاء المغربي .

جديد قسم : القانون الجنائي المغربي