-->

تعرض يكشف عن قصور في التشريع المغربي

الأستاذ احمد باكو
محام بهيئة الدار البيضاء

منذ سنوات، نشرت مجلة " المحامي" التي  تصدر  من  نقابة  المحامين  بمراكش ، أمرا استعجاليا، يقضي بعدم صحة التعرض، على أمر غيابي، صادر بمسطرة ظهير 5 يناير53، المتعلق بالزيادة في كراء المحلات التجارية، على اساس ان التعرض ممنوع، في القضايا الاستعجالية، المحكومة غيابيا (1).

وكان الحامل للمتعرض، على استعمال التعرض، على الرغم من هذا المنع  المعروف،  هو ان الأمر الغيابي،  لم يكن قابلا للاستئناف، لان المشاهرة لم تكن تتجاوز، مائة وخمسين درهما، ولان الاستئناف ممنوع في هذه الحالات، طبقا للفصل الثالث من ظهير 5 يناير المذكور.

وقد كنت عزمت على ان أحرر تعليقا على هذا الامر، لانه ينطوي على أشكال متشعب  جدير  بالدراسة، والبحث له عن حل قانوني يرفعه، غير اني شغلت عنه بمثله. وظل الأمر منسيا الى ان تجدد به الاهتمام، عندما قرأت منذ شهور، بحثا نشره أحد  الزملاء ،  بالصفحة  القانونية ،  لإحدى  جرائدنا اليومية، بعنوان  :  (  هل يجوز  الطعن  بالتعرض  في إطار  ظهير 5 يناير53)، تناول منطوق الأمر وحيثياته، وانتهى الى تصويبه، على اساس ان  هذا جار على
 القاعدة  المسطرية ،  التي  تمنع التعرض، على الأوامر الاستعجالية الغيابية، وعلى اساس ان ظهير 5 يناير، لم ينص على جواز التعرض، وان سكوته
 يفيد بقاء المنع وليس العكس(2).
-------------------
(1) مجلة المحامي العدد 7 صفحة43.
(2) انظر ( مقال يجوز الطعن بالتعرض في إطار ظهير5 يناير53) للأستاذ الطيب بن المقدم. جريدة العلم العدد 14244-2 ذي الحجة1411 هـ صفحة القانون والمجتمع.
------------------
وبقراءة هذا البحث، تجددت  الرغبة  القديمة ،  وانبعثت تلك الخواطر المطوية، التي تداعت الى  ذهني، وأنا اقرا الأمر، وأتأمل وقائعه، التي تثير مشاكل قانونية، تتجاوز الجانب الذي عالجه التعليق المشار اليه،الى جوانب أخرى، أرى انه لا يجوز إهمالها، ولذلك أبادر الي تحرير هذا التعليق، قبل ان تحجبه الشواغل، ويطويه النسيان كالسابق.

اذا كان العليق المنشور حسب المشار إليه، قد تناول الطعن بالتعرض، وانتهى الى عدم جواز استعماله، وتصويب الأمر الذي قضى بذلك، إعمالا للقاعدة، فان المتأمل في وقائع النازلة، لابد ان يجد نفسه، امام قضايا، تتجاوز منطوق الأمر وحيثياته، الى التشريع نفسه، الذي لم يكن مصيبا، في منع التعرض كليا، من غبر ان يراعى الحالات، التي يصدر فيها الأمر غيابيا، وهو غير قابل للاستئناف، بسبب نقص النصاب.

وبعد الفراغ من هذا، نجد أنفسنا امام إشكال اخر لان هذا من شانه، ان يدفع الى التساؤل عن الحل، الذي كان يحب ان يلجا اليه التعرض، لإسماع دفاعه، والتوصل الى الغاء الأمر، الذي لاشك انه صدر باطلا، اذا صح طعن المتعرض بان المحل غير تجاري.

وبعد الفراغ من هذه المسالة، لابد من التساؤل كذلك، عن الحل الذي كان يجب ان يقدمه المشرع، لتلافي الإشكال من اساسه.
ولأجل بسط الموضوع بتفاصيله، لابد من تصور النازلة، بتقديم عرض لوقائعها، التي تتلخص، في ان هناك محلا للكراء، ادعى المدعي انه تجاري، وطلب مراجعة مشاهرته، بالزيادة، بناء على مقتضيات الفصل الثاني، من ظهير 5 يناير53 الذي يقرر حق الطرفين، في طلب مراجعة وجيبة الكراء، بالزيادة او النقص، وينص في فصله الثالث، على ان قاضي المستعجلات، هو المختص بالبت في الدعاوي، المرفوعة بمقتضى الظهير، وعلى ان الاستئناف لا يجوز، الا اذا تجاوزت وجيبة الكراء 150,00.

وجرت الدعوى غيابيا فاصدر القاضي أمرا تمهيديا بإجراء خبرة، ثم أمرا قطعيا بالزيادة، الا ان المكتري المحكوم عليه، بادر عند تبليغ الأمر بالتعرض عليه، مبررا استعمال طريق التعرض، بعدم إمكان الاستئناف، لكون وجيبة الكراء، تقل عن النصاب المشار إليه، طاعنا" بعدم الاختصاص" لكون المحل غير تجاري. الا ان القاضي لم يجد مفرا، من القضاء بعدم قبول التعرض، لأنه محجوج بالنصوص، القانونية والمسطرية المطبقة في النازلة، ولذلك لم يكن يجوز ان يبث في سبب التعرض ووسيلته، لان التعرض نفسه غير مقبول، ولان البث في سبب الطعن، فرع عن صحته وقبوله شكلا، كما هو معلوم.

المقصود من هذا العرض، هوان ندرك ان المكتري المحكوم عليه، وقع في إشكال محرج، هوان الأمر الصادر عليه كان باطلا شكلا، ويحتاج الى طعن يلغيه، لان قاضي المستعجلات، لا يستطيع ان يضع يده على الدعوى، لكون ظهير 5 يناير53، لا يمكن تطبيقه في النازلة، لان المحل غير تجاري، يحكمه تشريع اخر هو حاليا ظهير 25 ديسمبر 1980.

وبناء على هذا، فقد ارتأى ان الحل، يمكن في استعمال التعرض، لان الاستئناف ممنوع، ولكن كيف يستطيع ان يقنع المحكمة برايه، والتعرض نفسه ممنوع كليا؟ ولذلك فانه بعد ان طبق القاضي القانون، وقضى قبول التعرض، يظل الإشكال قائما يبحث عن حل واجتهاد، فماذا كان يجب ان يفعله هذا الطاعن، للتوصل الى أسماع دفاعه وإلغاء الباطل الذي تضرر منه؟

يتبادر الى الذهن، انه كان يجب المبادرة، الى رفع النازلة الى المجلس الاعلى، للطعن أمامه بالنقض، على اساس ان الأمر غير قابل للتعرض، ولا للاستئناف عملا بمقتضيات الفصل353 من ق. م. م ولكن لا يمكن التسليم بهذا الحل، إلا اذا تأكد، ان الأمر صدر نهائيا حقا، فهل هو كذلك؟

الغالب في الاحكام الابتدائية، ان تكون غير نهائية متبوعة بالاستئناف، الا ان المشرع، ينص على ان يكون بعضها نهائيا، اذا كانت قليلة القيمة.
وتنص قوانين المسطرة عادة، على نصاب معين، اذا كانت قيمة الدعوى مساوية له او دونه، كان الحكم الصادر فيها نهائيا، غير قابل للاستئناف.
وقد نص قانون المسطرة المدنية، في فصله19، على ان أحكام المحاكم الابتدائية، تكون نهائية اذا كانت قيمة الطلب فيها، ثلاثة آلاف درهم فما دون. وبجانب هذا النص العام، فان بعض التشريعات الخاصة، تنص على أنصبة أخرى مخالفة، ومنها ظهير5 يناير53، الذي اشترط في فصله الثالث، لجواز الاستئناف، ان تتجاوز وجيبة الكراء المطلوب رفعها او تخفيضها، مائة وخمسين درهما، كما سلف.

وقيمة الدعوى تتحدد بالمبلغ المطلوب فيها، من غير حساب للمصاريف، والفوائد والغرامات التهديدية والجنائية. ويجب ان يراعى فيها أخر الادعاءات، التي يطرحها رافع الدعوى، لان المدعى قد يظهر له، ان يدعي حقوقا أخرى، او يزيد في قدر المبلغ الذي يطلبه، ولذلك فان قيمة الدعوى، لا تكون بما يبدأ به المدعى في مقاله، بل اخر أقواله ( الفصل11 من ق. م. م) 

غيران هذا كله لا يكفي، لإعطاء ضابط جامع، لان هناك أنواعا من النزاعات، لا يمكن تقدير قيمة المطلوب فيها، ولهذا تحرص قوانين المسطرة، على إضافة ضابط اخر، هو ان موضوع النزاع، اذا كان غير قابل للتقدير، فان الحكم الصادر فيها، يكون دائما ابتدائيا، قابلا للاستئناف، وهذا ما نص عليه الفصل12 من ق. م. م الا ان هذا كله لا يكفي ايضا، لضبط كل الحالات، لان قيمة الدعوى، قد ترتفع كذلك، بجواب المدعى عليه، حين يتضمن طلبا مضادا( الفصل15 من ق. م. م) بل ترتفع حتى بدفعه المجرد، حين يتعلق بأصل الحق، أو أساس الدعوى، وكذا بتدخل الغي وما يطلبه.

واذا كان المشرع في قانون المسطرة المدنية، قد راعى ارتفاع الدعوى بما يزيده المدعى، في مرافعاته اللاحقة لمقاله، في الفصل 12 وراعى ارتفاعها بما يطلبه المدعى عليه، بدعواه المضادة في الفصل16،فان اغفل النص على مراعاة ارتفاع الدعوى بدفوع المدعى عليه، وهذا نقص استدركه المجلس الاعلى بقرار له سيأتي ذكره، وعليه فإذا كان المطلوب في الدعوى، غير قابل للتقويم، فان الحكم الصادر فيها، يكون قابلا للاستئناف دائما، كما هي الحال في دعاوي المحاسبة، ورفع الضرر، والامتناع عن عمل الخ.

ولا يشترط لهذا، ان يكن الطلب، غير قابل للتقويم منذ البداية، بل يصح حتى في الحالة التي، يتفرع فيها النزاع المقوم في الأصل، الى ما ليس مقوما.

ونظرا لان قدر الدعوى، قد يرتفع بدفوع المدعى عليه كما سلف، فان الحكم الصادر فيها، قد يصير قابلا  للاستئناف، بسبب هذه الدفوع، ولو كانت في اصلها وبقيمتها المذكورة بالمقال، دون النصاب المشترط.
فإذا وقف مدع، ليطالب بمبلغ قدره ألف وخمسمائة درهم، باعتباره قسطا حل من دين عام، قدره ستة آلاف درهم، وأجاب المدعى  عليه، بإنكار المديونية من اصلها، فان قيمة الدعوى، ترتفع بسبب هذا الدفع، من ألف وخمسمائة الى ستة الاف درهم، ويصير الحكم الصادر فيها، قابلا للاستئناف، بناء على قاعدة مسطرية مهمة،هي ان قاضي الدعوى، هو قاضي الدفع.

واذا رفعت زوجة دعوى، لطلب نفقة قدرها ثلاثة آلاف درهم، ثم ردها المدعى عليه بإنكار الزوجية، التي هي سبب استحقاق النفقة، او ادعاء الطلاق المسقط لها، فان الحكم الصادر فيها، باداء المبلغ المطلوب، لا يكون نهائيا، بل يكون قابلا للاستئناف، بالنظر الى ان النزاع، تطور الى اصل الحق، وهو الزوجية التي لا تقبل التقويم.

وقد وصلت نازلة من هذا النوع الى المجلس الاعلى، فقضى فيها، وفقا لهذه القاعدة، بان دعوى النفقة التي لا تبلغ ثلاثة الاف، وترتب عنها نزاع اخر، يوجب إسقاط النفقة على المدعى عليه، بسبب الطلاق، ثم نزاع أخر في سبب يجعلها على كاهله من جديد، يكون الحكم الصادر فيها، قابلا للاستئناف(3).
-------------------
(1) قرار المجلس الاعلى عدد107 الصادر بتاريخ 14 فبراير78 المنشور بقضاء المجلس الاعلى ع.26 ص 148.
------------------
وهذا هو القرار، الذي أشرنا سابقا، الى ان المجلس الاعلى، استدرك به ما لم ينص عليه قانون المسطرة، وهو ان قيمة الدعوى، قد ترتفع بدفوع المدعى عليه كذلك. وهذا الضابط الأخير، مع قرار المجلس الاعلى المؤكد له، هو المقصود بالذات من كل ما شرحناه، لأنه هو المرتبط بموضوعنا، فإذا كان الفصل الثالث من ظهير5 يناير53، يحدد نصاب الاستئناف، فيما زاد على مائة وخمسين درهما، فان النزاع إذا تطور، الى شيء ليس قابلا للتقويم، كان الأمر الصادر قابلا للاستئناف، ولو كانت الوجبية لا تفوق مائة وخمسين درهما.

والدفع بكون المحل غير تجاري، وما يترتب عنه من المنازعة في"اختصاص" قاضي المستعجلات، وعدم جواز تطبيق ظهير5 يناير، ينقل النزاع حتما، الى موضوع غير مقوم، ويكون الأمر الصادر فيه، قابلا للاستئناف، في جميع الأحوال، لان الطعن سينصب حينئذ على " عدم الاختصاص" وليس على الزيادة او قدرها.

والجدير بالذكر، ان بعض التشريعات، حرصت على النص صراحة، على استثناء المنازعة المتعلقة بالاختصاص، من الضوابط الموضوعية، لمعرفة نهائية الأحكام، من خلال قيمة الدعوى، ليكون معلوما منذ البداية، ان من يريد المنازعة في اختصاص القاضي، يجوز له دائما، ان يطعن بالاستئناف، ولو كانت الدعوى في اصلها، دون النصاب المشترط لذلك، وهذا ما فعله المشرع المصري(4).

وهذا الاستثناء المتعلق بالاختصاص، فرع من اصل عام اوسع، ليس من الاستطراد ان نشير إليه، لان الإلمام به، يزيد في تأصيل المسالة وتأكيدها.

ان المسالة ترجع الى اصل مهم عظيم القيمة، هو ان الاستئناف اذا نصب على وقوع بطلان في الحكم، جاز في كل الاحوال، من غير اعتبار لقيمة الدعوى، ونصاب الاستئناف.
وقد حرص المشرع المصري أيضا،على إبراز هذا الأصل بنص خاص، مثلما فعل في الاختصاص(5) وقد اخذ المجلس الاعلى بهذا الاصل، واعمله، وان لم ينص عليه قانون المسطرة المدنية، فاعتبر الأمر الصادر، بتسجيل إخفاق المصالحة، حسب مقتضيات الفصلين، 27 و28 من ظهير24 ماي، قابلا للاستئناف، اذا اعتراه البطلان، من حيث اجل الدعوى، المنصوص عليه في الفصل27 المذكور، وان كان في اصله، مجرد محضر يسجل سماع طلب تجديد العقد والجواب برفضه، وقضى بنقض قرار استئنافي، حكم بعدم قبول الاستئناف من غير مراعاة لكون المستانف، لاحظ ان الدعوى كانت خارج الأجل الثلاثيني، المنصوص عليه
---------------
(2) قواعد المرافقات لمحمد العشماوي وعبد الوهاب العشماوي ج. 1 فقرة 320
(3) المرجع قبله .
-----------------
في الفصل 27 وان القاضي الابتدائي، كان يجب عليه ان يبت في الدفع، ويحكم بعدم قبول الدعوى بناء عليه(6).
اذا عدنا الى سؤالنا، على مقتضى الضوابط والقواعد المفصلة فيما سلف، تبين ان المتعرض كان يحق له، ان يطعن في الأمر الغيابي بالاستئناف، على الرغم من كون مشاهرة الكراء، لا تتجاوز مائة وخمسين درهما، استنادا إلى ان قاضي المستعجلات، وضع يده على نازلة خارجة عن موضوع ظهير5 يناير، فكان الأمر بذلك باطلا، بخرق قواعد الاختصاص، حسب الوصف، الذي اختاره المتعرض لطعنه، او بطلان المسطرة على الأصح، كما سيأتي بيانه، ويكون الاستئناف حينئذ واقعا على البطلان، لا على الزيادة او قدرها(7).

وإذا كان الاستئناف ممكنا، فان النقض ممنوع حتما، ولهذا لا يمكن ان نفرض، إمكان لجوء المتعرض، إلى المجلس الاعلى، لطلب نقض الامر، استنادا الى ما ذكر،لان المجلس إذا راعى الضوابط والأصول المشار إليها، ولا بد ان يفعل، فانه سيقضي حتما، بعدم قبول الطعن، لكون الأمر غير نهائي.
* * *
وكما هو واضح، فان المحل لو كان تجاريا، لكان الأمر نهائيا، وكان الطعن المفتوح امام المكتري، للدفاع عن حقوقه، في النازلة هو النقض.
ولكن إذا جاز هذا نظريا، فان متعذر عمليا، لان الطريق الى المجلس الاعلى، طويل شاق، لا تطيقه النازلة، لما يتطلبه من زمن ومصاريف، وإجراءات وطول انتظار.

وبعد هذا فان الحصول على المقصود، بعيد ويكاد يكون ميؤوسا منه، لان أحكام الزيادة في الكراء،  تكون معللة، بالاستناد الى الخبرة، والسلطة التقديرية، للقاضي، التي لا تمتد إليها رقابة المجلس الاعلى. وما لم يكن الأمر معيبا،  بخرق صريح للإجراءات المسطرية، مثار بصفة قانونية، فان مآل الطعن بالنقض، بعد طول انتظار، هو الرفض.

ثم انه ليس مستساغا ابدا، حسب ضوابط التنظيم القضائي، ان نلجئ المحكوم عليه غيابيا، إلى المجلس الاعلى، ليجيب عن مقال الدعوى، ويبدى دفوعه أمامه لاول مرة لتصير محكمة النقض، درجة اولى للتقاضي.
--------------------
(4) قرار المجلس الاعلى عدد 9 الصادر بتاريخ 3 يناير90 المنشور بقضاء المجلس الاعلى ع.44 ص 15.
(5) من حسن الحظ اني عثرت، بعد تحرير هذا، على سابقة قضائية تؤيده وتؤكده ان القضاء المغربي، سبق ان عمل به، إذ وجد ت في كتاب " الكراء للأستاذين زعيم وفركت ( ص182)، حكما قديما، منقولا عن المجلة المغربية للقانون ( فاتح اكتوبر1956 ص 355)، ورد فيه انه يقبل استئناف امر صدر بصفة نهائية، في اطار ظهير5 يناير1953 ( كراء للمراجعة يساوي او يقل عن 15.000 فرنك في الشهر) إذا اعتمد مسالة الاختصاص
------------------
هنا نصل الى خطأ المشرع، اذ هنا ينكشف لنا نقض مخل في ظهير5 يناير، لانه كان يجب بعد ان منع التعرض، حسب القاعدة المعمول بها، في مسطرة الاستعجال، الا يقيد الاستئناف، بنصاب معين، ليكون مفتوحا بإطلاق، كما هي الحال في الفصل 153 من ق. م. م الخاص بمسطرة الاستعجال، وكما كانت الحال، في ظهير 5 ماي 1928، المنسوخ بظهير25 ديسمبر1980 او ينص على جواز التعرض، حين يحدث ان يصدر الأمر غيابيا، فلا يكون قابلا للاستئناف، لنقص النصاب، كما فعل المشرع، في الفصل130 من ق. م. م الذي ينص على جواز التعرض، على الأحكام الغيابية، حين تكون غير قابلة للاستئناف.

من هنا يتضح ان المتعرض، كان على حق، ولكنه اخطأ الطريق، وانه لا جناح على القاضي، الذي اصاب، حين رفض سماع تعرضه، لأنه لا يستطيع، ان يفتح بابا للطعن لم يفتحه المشرع، ومن هذا وذاك، ينكشف ان المشرع اخطأ، لانه كان يجب عليه ان ينص على جواز التعرض، حين يكون الأمر الغيابي غير قابل للاستئناف.
* * *
ويجوز أيضا ان نقول، ان المتعرض كان معذورا، حين اخطأ الطريق الى حقه، فاستعمل التعرض، بدل الاستئناف الذي كان مفتوحا أمامه، لان وزر خطأه يتحمله المشرع، الذي لم يقم هنا أيضا بما يجب.
اذ الواقع انه لم يخطئ الطريق، الا بسبب خلو مدونة المسطرة المدنية، من نص ينبه الى ان كل من يريد ان يطعن بالبطلان، او عدم الاختصاص، فان له ان يستأنف، ولو كان الحكم نهائيا، بمعيار قيمة الدعوة، والنصاب المقرر لجواز الاستئناف ليكون هذا الضابط المهم، معلوما بالضرورة، محفوظا لدى القاضي والمتقاضين معا، من غير خفاء.

ولا عذرا أبدا، في ان يسكت المشرع، عن إبراز هذا الضابط الخطير والا يحرض على تدوينه بنص ملزم، كما وقع في كثير من التشريعات المسطرية الأجنبية وإهمال هذا ليس الا من قبيل التقصير، الملاحظ على قانون المسطرة الجديد، الذي لوحظ عليه كثير من الارتجال المخل، في جوانب متعددة.

وقد ترتب على هذا الإهمال، التجهيل بضابط ضروري مهم، يجب ان يكون معلوما بالضرورة ليهتدي إليه القضاة والمتقاضون بسهولة، فيتمسك به ذو المصلحة، ويعمله القاضي، عند إثارته.

وهذا التجهيل وعواقبه، واضح من نازلتنا، التي جرتنا الى هذا البحث، لأنه لو كان مدونا، ضمن الضوابط المحددة لنصاب الاستئناف، لكان حريا بان يعلمه المحتاج إليه بسهولة، فلا يصل عما يجب عليه ان يعمله.
واخطر من هذا، ان الذين يعلمونه، ما كانوا يفلحون في إقناع المحاكم به، لانعدام نص يسهل هذا الإقناع، من غير أشكال، لا سيما للقضاة المبتدئين، فيصبح من الضروري، رفع النازلة الى قضاء النقض، لاستدراك ما أغفله المشرع.

والدليل على ذلك، نجده في قرار المجلس الاعلى المنقول فيما سلف، الذي قرر تخطئة محكمة الاستئناف، حين ردت الطعن في الأمر الاستعجالي، الصادر بمقتضى الفصلين27 و28 من ظهير24 ماي، بتسجيل إخفاق التصالح بين المكتري والمكري، حين لم تراع ان الطعن، يستند الى البطلان،الذي اعترى الأمر، بعدم مراعاة قاضيه، لدفع المدعى عليه المكري، بكون الدعوى رفعت خارج الأجل الثلاثيني المنصوص عليه في الفصل 27 من الظهير، وان تعلق الاستئناف، بهذا الجانب المسطري، يجعله مقبولا.

ولذلك كان هذا القرار، من قضاء المجلس الاعلى النافع المفيد لأنه استدرك نقصا كبيرا في التشريع، ونسخ الاجتهاد الفاسد الناشئ عنه، لكون محاكم الدرجة الثانية، دأبت بسبب هذا النقض، على عدم قبول الطعون الواقعة على أوامر الفصل27 الناطقة بعدم الصلح، على اساس انها ليست احكاما، من غير اعتبار لكون دعوى الفصل 27، لها شروط للقبول، منها شرط الأجل الثلاثيني المسقط، وان القاضي ملزم بالتأكد من تحقق هذه الشروط، وان انطلاقه الى إجراء مسطرة التصالح، في حالة دفع المالك، برفع الدعوى خارج الاجل، ليسجل عدم التصالح، ينطوي على خرق مسطري يجلب البطلان، لأنه يعني ان المحكمة، قضت بقبول دعوى، سقطت بفوات اجلها، وهذا يعني ان هناك حكما قابلا للاستئناف، بل  يجب ان نلاحظ، ان القاضي ملزم بان يفعل هذا تلقائيا، ولو لم يتمسك به الخصم، لأنه يتعلق بأجل مسقط، تثيره المحكمة تلقائيا، وتقضي بعدم قبول الدعوى، بناء عليه وجوبا.

وقد نشا هذا الخطأ عن اجتهاد آخر فاسد، شاع حتى كاد يستقر، كانت تذهب فيه المحاكم الابتدائية، الى اعتبار كل منازعة من المكري، في دعوة الصلح، رفضا للتجديد، فتنطلق الى اصدار الأمر بعدم الصلح، والحال انه كان يجب التمييز، بين الدفوع الشكلية، المتعلقة بشروط الدعوى، والدفوع الموضوعية، المتعلقة بطلب تجديد العقد، وان تبادر المحكمة، الى النطق بعدم قبول الدعوى، اذا ثبت بإثارة من المكري او إثارة تلقائية من القاضي، اختلال شرط من شروط قبولها، كما يقع في كل الدعاوي،  وفي هذه الحال، لا يكون هناك موضوع للبت في موضوع تجديد العقد، عملا بالقواعد العامة، وعواقب سقوط الحق، بل يجب اصدار أمر ناطق بعدم قبول الدعوى، لان المكتري ملزم بان يبادر الى طلب تجديد العقد، داخل الأجل المعلن له في الفصل 27، وتفريطه في هذا، يجعل الدعوى المرفوعة خارج الأجل كالعدم، وتكون النتيجة، سقوط حقه في طلب التجديد، سقوط حقه في طلب التجديد، كالحال حين يمسك عن رفع الدعوى بذلك تماما.

وقد ترتب عن هذا القضاء الشاذ، إضرار كبير بالمكري، عندما يفرط المكتري، بعدم رفع دعوى التجديد داخل الاجل، فيسقط حقه، اذ ان المالك، لا يستطيع ان يحصل على الافراغ، بالاستناد الى انفساخ العقد بقوة القانون، لانه وكذا قاضي الإفراغ، يكونان محجوجين، بأمر عدم الصلح، الذي ينطوي من حيث الشكل، على قضاء ضمني، يكون طلب التجديد صحيحا مقبولا، بحيث يحق للمكتري، ان يستند إليه لطلب التعويض، والبقاء في العين الى حين قبضه، طبقا للفصول 10 و12 و21 من الظهير.

ولا يستطيع المالك، ان يستفيد من مقتضيات الفصل27، من حيث دلالته بقرينة قانونية لا تقبل العكس، على انتهاء المدخل القانوني، لحيازة المكتري للعين، إلا اذا توصل الى إلغاء أمر عدم الصلح، امام محكمة الدرجة الثانية، وبالنظر الى ان محاكم الاستئناف، داب على اعتبار الطعن، في اوام عدم الصلح غي مقبول. فقد آل الأمر، الى ان اصبح الأجل المسقط المقرر بالفصل 27 عديم الأثر وشبيه بهذا ما لاحظناه أيضا، من عدم النص في مدونة المسطرة المدنية، على ان دفوع المدعى عليه، قد يترتب عنها تغيير في طبيعة الدعوى. لتصبح قابلة للاستئناف. على الرغم من كون المطلوب فيها، دون النصاب المشترط.

فقد نص الفصل 16 من ق. م. م على انه تراعى في قيمة الدعوى. طلبات المدعى عليه، الا ان هذا لم يكن جامعا، لكل ما يجب، لأنه يتوقف على تكملة تبرز ان دفوع المدعى عليهم، يجب ان تراعى كذلك، حين تدخل في النزاع، عناصر قابلة للاستئناف، بان تكون مقومة بما يبلغ نصابه. او غير قابلة للتقويم وقد ترتب عن هذا إشكال آخر ضار، لان محاكم الاستئناف. لم تكن تقتنع بسهولة، بصحة استئناف حكم، صادر في دعوى، لا تتجاوز قيمتها ثلاثة آلاف درهم، حين تقترن بدفوع تنازع في اصل الحق، او تدخل في النزاع، عناصر غير قابلة للتقويم.

وقد رأينا مثال ذلك، في دعوى النفقة النهائية النصاب، التي اقترنت بالدفع بالمنازعة في الزوجية، فاصبح الحكم بهذا الدفع قابلا للاستئناف، الا ان محكمة الدرجة الثانية، قضت على الرغم من ذلك، بعدم قبوله. فتوقف الأمر مرة اخرى، على شد الرحال الى المجلس الاعلى، لاستدراك الخطا، بالنقض والإحالة!

بعد هذا نعود الى اصل الموضوع، لاستدراك تنبيه لابد منه. هوانه لا يمكن ان نفهم من "عدم الاختصاص" الذي طعن به المتعرض في النازلة، معناه الاصطلاح المعروف، فبالنظر إلى القانون القضائي الجديد، وما استحدثه من تبسيط، وبالنظر الى ان قاضي ظهير5 يناير يحكم في الموضوع، فانه لا يمكن ان يقال ان قاضي النازلة لم يكن مختصا نوعيا.

غير ان هذا لا يعني ان الطعن، لم يكن صحيحا، منتجا للآثار التي بسطناها، فيما سلف من كلام، لان الواقع ان هناك فسادا في المسطرة يجلب البطلان، نتج عن كون القاضي اعمل ظهير5 يناير، في نزاع خارج عنه، والزم المكتري بقيود الظهير، ومنها حرمانه من حق الطعن، بمقتضى الفصل الثالث منه.

ولذلك كان الأمر معيبا، بما يبرر الطعن فيه بالاستئناف، ولا يضر الطاعن ان يكون قد وصف العيب خطأ " بعدم الاختصاص" مادام ثابتا ان هناك فسادا مسطريا يوجب البطلان، وهو مما يبرر الاستئناف، في جميع الأحوال كما رأينا.

ولهذا التنبيه نتيجة نافعة عمليا، هي ان محكمة الدرجة الثانية لن تجد نفسها ممنوعة من إنهاء القضية، باستعمال التصدي، بعد قبول الاستئناف، لزوال المانع من ذلك، وهو عدم اختصاص القاضي الابتدائي في أفاصل.

وعليه فإذا كان التكييف الصحيح. للخطأ المعنى على القاضي الابتدائي في النازلة انه اعمل تشريعا خاصا في نزاع خارج عنه، فان محكمة الاستئناف تستطيع ان تتصدى للبت في القضية، على مقتضى التشريع الواجب امتثالا لمقتضيات الفصل الثالث، من ق. م. م الذي يوجب على القاضي، ان يتجاهل التكييف الذي يعطيه المدعي لدعواه، ويبادر الى اعمال القانون الواجب.

والتشريع الواجب التطبيق، هو حاليا ظهير25 ظهير80 وبناء عليه، تبت للمحكمة شكلا بقبول الاستئناف، بناء على مقتضيات الفصل24 منه، وموضوعا بمراجعة المشاهرة، بالاستناد الى مقتضيات الفصول الخامس والسادس والسابع منه ويجوز ان تستند المحكمة الى الخبرة السابق إجراؤها ابتدائيا، اذا كان فيها ما يكفي، ولم يكن فيها عيب يجلب البطلان.
والتصدي في دعاوي الزيادة، التي تصل الى الاستئناف، قبل البت فيها موضوعا، مطلوب بإلحاح، لانه ضروري، للإسراع بإصدار الحكم نهائيا، دفعا لإشكال يؤدي في الغالب الى  إفساد العلاقة بين طرفي الكراء، كلما جرت بينهما دعوى بالزيادة.

فالغرم الذي يخرج به المكتري هنا، لا يتجلى في تلك الزيادة النسبية، التي تلزمه بها المحكمة، بقدر ما يتجلى في ذلك المدرك، الذي يتضخم بمرور الشهور والأعوام، ليجد المكتري نفسه، بعد صدور الحكم النهائي، القاضي عليه بالزيادة من تاريخ الطلب، امام دين ثقيل حال كله، يعجز عن ادائه، فيتفرع عن ذلك، نزاع وقضايا جديدة، تعرقل انتظام العلاقة الكرائية، بين الطرفية فيما يستقبل.

* مجلة المحاكم المغربية، عدد 65-64، ص 53.

Sbek net
كاتب ومحرر اخبار اعمل في موقع القانون والقضاء المغربي .

جديد قسم : أبحاث قانونية مغربية