-->

اهتمام المغرب بالتحكيم الى اي حد ؟



تتاح لنا الفرصة، ونحن في لجنة التحكيم، للمؤتمر الثامن والثلاثين للاتحاد الدولي ان نتحدث اليكم في عجالة قصيرة عن وضعية التحكيم في بلدنا لنقرب الى اذهان من يشاطرنا اهتماماتنا الصورة عن هذا النظام المتشعب الذي يعنى بفض المنازعات، وبصفة خاصة الدولية منها،بعيدا عما يطبع الاجراءات القضائية امام القضاء العادي من مساوئ انتم على علم بها .

وهكذا فاننا سنقوم بإطلالة سريعة ومركزة على المنظومة التشريعية وعلى سلسلة الاتفاقيات التي تحكم هذا الموضوع في  بلدنا، ثم بعد ذلك  نتوقف في محطات حول بعض القواعد والاسس التي يقوم عليها هذا النظام ونختم ورقتنا هاته ببعض الانتقادات والمقترحات.

أولا : إطلالة على التحكيم في المغرب من خلال التشريع والاتفاقيات الدولية :
اهتم المغرب بالتحكيم الداخلي اهتماما لا يقل عن اهتمام التشريعات المقارنة  في  باقي  الدول ، الا ان اهتمامه  بالتحكيم  التجاري  الدولي يبقى قاصرا ومحتشما ومحدودا، وكيف ذلك ؟

1) التحكيم الداخلي في التشريع المغربي :
وقع الاهتمام بالتحكيم في المغرب منذ سنة 1693، حيث عقدت الدولة المراكشية في عهد المولى اسماعيل معاهدة مع الدولة الفرنسية في عهد لويس الرابع عشر، وهي معاهدة سان جرمان،  وكانت اول معاهدة ابرمها المغرب مع دولة اوربية تتناول موضوع حالةالاجانب، وبالرجوع اليها فان بنودها
 لم تحد عن مبادئ الشريعة الاسلامية، ومن هذه المبادئ فصل منازعات المستأمنين  و اليهود المتعلقة بالاحوال الشخصية و بعض المعاملات المدنية عن طريق التحكيم .
كما ان القنصل الاجنبي الذي كانت الدولة المراكشية تسمح له بفض المنازعات التي تنشب بين مواطنين يعتبر مجرد حكم وليس قاضيا .

ولكن ظهير المسطرة المدنية المؤرخ في 9 رمضان1331 الموافق لـ : 12 غشت 1913، كان اول ظهير عالج بكيفية مفصلة نظام التحكيم فخصص له الباب الخامس عشر من القسم السابع اي من الفصول 527 الى 543 مع ادخال الغايتين، فجاء قانون المسطرة المدنية الحالي المصادق عليه بتاريخ 
28 شتنبر1974، والذي دخل حيز التنفيذ في فاتح اكتوبر1974، فالغى كل مقتضيات ظهير المسطرة المدنية لسنة 1913، واهتم كذلك بالتحكيم في الباب الثامن من القسم الخامس اي من الفصول 306 الى 327 مع ادخال الغايتين .
ونلاحظ ان المسطرة المدنية لم تختص وحدها بالتحكيم اذ نجد كثيرا من الفصول المتناثرة في القوانين الاخرى، تتناول التحكيم كما هو الشان في كثير من الظهائر والمراسيم .

وهكذا بالنسبة لقانون العقود والالتزامات فانه يشير الى التحكيم في الفصل 894 بمناسبة التنصيص على صلاحيات الوكيل والتزاماته، وكذا فان الفصل 306 من المسطرة المدنية الحالية تحيل على الفصول المتعلقة بالحقوق التي تكون موضوعا للتصرف، كما ان مدونة الاحوال الشخصية لسنة 1957 اشارت كذلك الى التحكيم في الفصلين 56/2 و158 وغيرها من القوانين .

ونشير في هذه الفقرة الى بعض الظهائر التي اعتنت بالتحكيم كظهير 21 يوليوز1958 الذي ينص في الفصل 39 على اللجوء الى التحكيم بخصوص النزاعات المتعلقة بالاستثمار، وظهير 18/4/1942 متعلق بنظام المتعاطين لمهنة الصحافة بالمغرب، فالفصلان 6 و7 منه ينصان على ان الاختصاص في البت في النزاع المتعلق بفسخ عقد العمل في الصحافة والتعويض يرجع الى لجنة تحكيمية، وظهير 16/11/1946 المتعلق بملكية الطبقات حيث اجاز المشرع في الفصل 8 منه " شرط التحكيم" لحل كل خلاف ينشا بين الملاك بشان تطبيق نظام اتحاد ملاك الطبقات، كما ان قرارا وزيريا قد صدر في 19/11/1936 يتعلق بتعيين طرق المرافعات لدى اللجان التحكيمية في شان منح مهلة للمدنيين ذوي النية الحسنة مطالبين بدين مضمون، ويتضمن كذلك الفصل 4 من ظهير 19 يناير1970 الذي اقر اتفاقية امتياز واحتكار استغلال التبغ الذي وقع بين الدولة المغربية والشركة المسماة "شركة التبغ" سنة 1967 " شرط التحكيم" لحل جميع الخلافات التي يمكن ان تنشا بين الادارة المغربية والشركة صاحبة الامتيازات ذات الاحتكار. كما ان الفصل 20 من عقد امتياز تسيير مرفق السكك الحديدية المبرم بين الحكومة المغربية وشركة " المغرب للسكك الحديدية" في 19 يونيو1920 ينص على ان جميع الخلافات المتعلقة بتنفيذ العقد، تجري تسويتها عن طريق لجنة التحكيم. وهذا ما نجده كذلك في الفصل 22 من عقد امتياز اخر ابرم في 9/5/1923 بين الحكومة المغربية وشركة " المغرب للطاقة الكهربائية" من اجل تنظيم وانتاج الطاقة الكهربائية بالمنطقة الخاضعة للحماية الفرنسية بالمغرب. وظهير 29 دجنبر1970 المتعلق باختصاص رجال السلك الدبلوماسي والقناصلة بالخارج، الذي نص الفصل 32 منه على " انه اذا كان الاطراف متفقين ومن جنسية مغربية فانهم يستطيعون مباشرة اي تحكيم يدخل في اختصاصهم"، ويلاحظ ان هذه الوضعية تهم جميع الشركات المغربية.

كما انه صدر ظهير مؤرخ في 21 يوليوز1958 المتعلق بالبترول ينص في الفصل 39 منه بجواز النص على امكانية اللجوء الى التحكيم .
كما ان القوانين المالية قد اهتمت هي الاخرى بنظام التحكيم فتجيز شرط التحكيم بين الدولة المغربية وشركات وبنوك خاصة اجنبية.
ويجب التنويه ان جميع القوانين المتعلقة بمجال الاستثمارات لا تخلو من التنصيص على عرض النزاعات على التحكيم .
فمن خلال العرض السابق فان المغرب من الدول التي اعتنت بالتحكيم الداخلي كنظام قانوني اختياري.

اما بالنسبة للتحكيم الإجباري، فلم يعرفه المشرع المغربي الا في حدود ضيقة كما هو الحال في القانون الاجتماعي، وبعض النزاعات الاخرى التي جاءت بعض الظهائر والمراسيم والقرارات وأخضعتها لزوما لمسطرة التحكيم، هذا فلا وجود في المغرب لقانون مستقل بذاته ينظم المؤسسات العامة وشركات القطاع العام  من حيث موضوع لجوئها الى التحكيم وبذلك فلا وجود لقانون عام ينظم التحكيم الاجباري كلما كانت هذه المؤسسات والشركات طرفا في النزاع، بل جرت العادة ادراج شرط التحكيم في الاتفاقيات والبرتوكولات التي تعقدها هذه الشركات، وتكون هيئة التحكيم في مثل هذه الحالة مؤلفة من ممثل لاصحاب المساهمات الخاصة، وممثل عن المؤسسة او المشروع العام، وعضو ثالث يتم اختياره باتفاقهما او باتفاق التحكيم، او من طرف رئيس المحكمة طبقا للفصل 309/3 ق م م وكمثال على ذلك الاتفاقية المؤرخة في 6 مارس1957 المبرمة بين مكتب الابحاث والمساهمات المعدنية من جهة، ومكتب الابحاث والمساهمات الفرنسي من جهة اخرى بتاريخ 23/1/1959 بخصوص الشركة الشريفة للبترول.

2) التحكيم التجاري الدولي في المغرب :
ان المشرع المغربي لم يعتن على الاطلاع بالتحكيم التجاري الدولي، مما جعل اول صعوبة تعترض سبيل المهتمين بهذا الموضوع هي معرفة الوضعية القانونية للتحكيم التجاري الدولي وقواعده واسسه كمعرفة متى يكون التحكيم دوليا وما هو المعيار الذي يمكن الاعتماد عليه للقول بان هذا التحكيم هو داخلي وذلك خارجي  مما تترتب معه صعوبات اخرى تتعلق بالاجراءات المسطرية التي تخضع لها احكام المحكمين، وامام هذا الفراغ التشريعي نعتقد ان المشرع المغربي قد ترك ذلك للاتفاقيات الدولية الجماعية منها والثنائية التي تناولت موضوع التحكيم الدولي .
وهكذا فان المغرب قد اعتمد على سلسلة من الاتفاقيات في نطاق التحكيم التجاري الدولي نخص بالذكر :

* اتفاقيات دولية :
اتفاقية نيويورك المبرمة في 10/6/1958 بشان الاعتراف بالمقررات التحكيمية الاجنبية وتنفيذها التي قررت اتخاذها اللجنة الاقتصادية والاجتماعية التابعة لهيئة الامم المتحدة، والتي صادق عليها المغرب بمقتضى ظهير شريف 59.1.266 بتاريخ 21 شعبان1379 الموافق لـ : 19 يناير 1960 .

- اتفاقية لاهاي المؤرخة في فاتح مارس1954، والمتعلقة بالمسطرة المدنية، ( تم الانخراط بمقتضى ظهير رقم 67.645 بـ : رجب 1389 الموافق لـ : 30/9/1969، ج. ر. 3011 ب 5/7/1970 ).
- اتفاقية البنك الدولي لتسوية المنازعات الاستثمارية بين الدول ومواطني الدول الاخرى المؤرخة في 18/3/1965  ( اتفاقية واشنطن . B.I.R.D) والتي دخلت حيز التنفيذ  اعتبارا من 14/10/1966، ولقد صادق عليها المغرب بمقتضى مرسوم ملكي مؤرخ في 31/10/1966، واصبح دولة متعاقدة في هذه الاتفاقية - بتاريخ 10/6/1967، ( راجع ج. ر. 15/3/66 والمرسوم عدد 65.564) .

*اتفاقيات عربية - عربية :
- اتفاقية بانشاء المؤسسة العربية لضمان الاستثمار التي وقعت في الكويت بتاريخ 27/5/1971 التي انضم اليها المغرب منذ 15/11/1975 حيث اودع وثائق المصادقة والذي ينص ملحقها الاول على مسطرة المفاوضات والتوفيق والتحكيم ( م 2 و3 و4 ) .
- الاتفاقية الموحدة لاستثمار رؤوس الاموال العربية في الدول الموقعة بعمان بتاريخ 26/11/1980 والتي دخلت حيز التنفيذ بتاريخ 7/9/1981 وانضمت اليها جميع الدول العربية بما فيها المغرب باستثناء مصر وعمان والجزائر، والتي تقضي المادة 25 منها على تسوية المنازعات الناشئة عن تطبيقها عن طريق التوفيق والتحكيم واللجوء الى محكمة الاستثمار العربية التي يجب انشاؤها لحين انشاء محكمة العدل العربية، وتحديد اختصاصها، ويكون مقر محكمة الاستثمار هذه في المقر الدائم لجامعة الدول العربية.
- اتفاقية تسيير وتنمية التبادل التجاري بين الدول العربية الموقعة بتونس بتاريخ 27/2/1981 التي صدر بشانها قانون 82/11 بالموافقة على مبدا المصادقة ( ج. ر عدد 3668 بتاريخ 16/2/1983 ) وهي متممة للاتفاقية الموحدة لاستثمار رؤوس الاموال العربية في الدول العربية اذ يحيل فصلها 4 بشان تسوية المنازعات على الفصل 6 من الاتفاقية الموحدة لاستثمار رؤوس الاموال العربية.
- اتفاقية الرياض العربية للتعاون القضائي (1983) وهي الاتفاقية التي حلت محل الاتفاقية العربية لتنفيذ الاحكام الصادرة عن جامعة الدول العربية (1952) .
- اتفاقية عمان العربية للتحكيم التجاري التي جرت بالاردن بتاريخ 4/4/1987 وهي من الاهمية بمكان نظرا لمسايرتها للتطور الاقتصادي ومواكبتها لما وصل اليه التحكيم التجاري الدولي .

ولقد نشط المغرب نشاطا واسعا في ميدان الاتفاقيات الثنائية التي تناولت موضوع التحكيم وبصفة خاصة في ميدان القروض والاستثمارات الاجنبية،  وكذا الاعتراف بالقرارات التحكيمية الاجنبية وتنفيذها، ويضيق بنا المقام هنا لو حاولنا استعراض كل هذه الاتفاقيات.

ثانيا : بعض القواعد والاسس التي يقوم عليها نظام  التحكيم في المغرب 
نرى انه من الضروري اعطاء فكرة مختصرة عن الفوائد والاسس التي يقوم عليها التحكيم الداخلي بالمغرب لانه كثيرا ما يستوجب الامر تطبيقها حتى في المعاملات التجارية الدولية اذ احالت عليها قاعدة الاسناد - مثلا - كما هو الحال في الفصل الثالث من اتفاقية نيويورك 1958، او اقتضت ارادة الطرفين ذلك كاختيارهما للقانون المغربي ليحكم نزاعهما .

1- التحكيم مؤسسة اختيارية قضائية :
اما انها مؤسسة اختيارية، فان الخصوم يتفقون بمحض ارادتهم في كل عقد على عرض نزاعاتهم على التحكيم ( ف. 306 ) ويعينون علاوة على ذلك محكما او محكمين، واذا تعذر تعيين المحكم او لم يعينون مقدما ورفض احد الاطراف عند قيام النزاع اجراء هذا التعيين من جانبه امكن الطرف الاخر ان يقدم مقالا الى رئيس المحكمة الذي سيعطي لحكم المحكمين القوة التنفيذية بامر غير قابل للطعن ( ف 309). ويحددون الاجل الذي يتعين على المحكم او المحكمين ان يصدروا فيه حكمهم .
ويترتب على الصفة الاختيارية امكانية الاطراف باتفاقهم على العدول على التحكيم في اية مرحلة وصلت اليها القضية، واحلال القضاء العادي محل التحكيم .

اما كون التحكيم مؤسسة قضائية، فلا بد من وجود نزاع بين الاطراف، فالفصل 308 من ق م م اوجب بيان موضوع النزاع في سند التحكيم تحت طائلة البطلان لان المحكمين يمارسون مهام القضاة، ويتبعون الاجراءات المسطرية المتبعة امام المحاكم المدنية، فيرجعون الى القواعد القانونية المحددة والمطبقة على النزاع اي اذا اتفق الاطراف على عقد التحكيم او في شرطه على الحكم بالانصاف كوسطاء بالتراضي دون التقيد بالقواعد القانونية، او كانت ارادة الطرفين قاطعة في منح سلطات للمحكمين للفصل بناء على قواعد الانصاف (ف317)، او كان المحكم مفوضا في الصلح اذ يجوز له عندئذ ان يفصل في النزاع وفقا لما يراه ملائما للتوفيق بين وجهات نظر الخصوم ( ف.317/2) دون التقيد بقواعد المرافعات، كما يحق للطرفين الاتفاق على عدم التقيد بقواعد المرافعات ( راجع قرار محكمة الاستئناف بالبيضاء بتاريخ 15/5/79 في الملف عدد 8/3795، ( غير منشور) حيث قالت المحكمة : ( اذا وقع الاتفاق على عدم التقيد بقواعد المرافعات، فان هذا لا يعني اهدار حقوق الدفاع لان هذا من النظام العام)، والمحكم يتصف الى حد ما بصفة قاض ( ف313/2)، فيلتزم بتحرير الحكم ويضمنه بيانا لادعاءات الاطراف،  ونقط النزاع التي تناولها. والمنطوق الذي بت بمقتضاه، ويوقعه ويحدد فيه هوية الاطراف وتاريخ ومحل اصداره ( ف. 318 ) .

2- ضرورة الاتفاق على التحكيم في محرر مكتوب : ( الفصل 307 ) 
سواء كان المحرر عرفيا بمقتضى محضر يقام امام المحكم او المحكمين المختارين او محررا رسميا بمقتضى وثيقة امام موثق او عدلين، او باي سند كالرسائل المتبادلة او البرقيات، شريطة ان تكون ارادة الطرفين ظاهرة.

3- الاتفاق على التحكيم جائز سواء قبل نشوب النزاع او بعده ( الفصل 309)
ولا يجوز الاتفاق على التحكيم في المسائل التي لا يجوز فيها التصرف ( ف. 306). ثم اضاف الفصل بعض المسائل التي يمنع فيها التحكيم كالهبات، او الوصايا المتعلقة بالاطعمة والملابس والمساكن وحالة الاشخاص واهليتهم وكل ما يمس بالنظام العام.

4- لا يجوز عزل المحكمين الا بتراضي الخصوم : ( الفصل 310 ) 
ولكن يجوز رد المحكم بسبب التجريح، او بسبب اخر يصير به المحكم غير صالح للتحكيم 313 م م .
ونشير الى ان الراي قد استقر في فرنسا على تطبيق اسباب تجريح القضاة على تجريح المحكمين، ونرى تطبيق نفس الاتجاه في المغرب والتمسك بمقتضيات الفصل 259 من قانون المسطرة المدنية الخاص بتجريح القضاة، ومنح الاطراف الحق في تقديم وتجريح المحكمين على ضوء الاسباب الواردة في هذا الفصل.

5- قرار المحكم غير قابل للطعن بالتعرض او الاستئناف او النقض : ( الفصل 319 م م )
وهذا من اهم المبادئ التي استحدثها قانون المسطرة المدنية الحالي، بعد ان كانت المسطرة المدنية القديمة تفتح باب الاستئناف لحكم المحكم ( ف 540 م م قديم ).
وعلة ذلك ان المسطرة المدنية الحالية قد جاءت مطبوعة بالمرونة والاستعجال وهي غايات ينشدها الخصوم حين اختيارهم لنظام التحكيم .
غير ان هذا المبدا لا يعني ان قرارات المحكمين في مأمن من اي طعن، فمن الممكن ان تكون موضوع طلب اعادة النظر امام المحكمة التي قد تكون مختصة في القضية لو لم يتم فيها التحكيم ( ف 326)، وتخضع هذه المسطرة للاحكام المنصوص عليها في الفصول 402 الى 410 من ق م م الخاصة بالطعن عن طريق اعادة النظر.

ومن جهة اخرى، فانه لا يمكن اقامة دعوى البطلان ضد القرار التحكيمي لان هذا الطريق طريق استثنائي لا يمكن ولوجه الا اذا نص عليه المشرع، فالامكانية التي رسمها المشرع المغربي هي المراقبة القضائية للقرارات التحكيمية التي يمارسها القضاء المطلوب منه الامر بالتنفيذ، وذلك بالتاكد من عدم مخالفة القرار التحكيمي للنظام العام .

6- لا يكون قرار الحكم التحكيمي قابلا للتنفيذ بحد ذاته : الا بامر من رئيس المحكمة الابتدائية التي صدر في دائرة نفوذها وذلك بان يودع احد المحكمين لهذا الغرض اصل الحكم بكتابة ضبط هذه المحكمة خلال ثلاثة ايام من صدوره ( ف 320). ولا يصدر الرئيس امره بالتنفيذ الا بعد الاطلاع على وثيقة التحكيم، والتاكد من موضوع النزاع هل صالح ليخضع للتحكيم طبقا للفصل 306، ولكن السيد الرئيس لا ينظر في موضوع النزاع، وعلى هذه الكيفية يمكن القول بان القضاء يباشر شيئا من الرقابة على عمليات التحكيم، ولا يقوم بالمراجعة .

7- تطبق على احكام المحكمين نسبية الاحكام : ( ف 325 م م ) 
فلا تسري اثارها ولو امر بتنفيذها، او ذيلت بالصيغة التنفيذية بالنسبة للغير الذي يمكن له مع ذلك ان يقدم تعرض الغير الخارج عن الخصومة ضمن المسطرة العادية المحددة شروطها في الفصول 303 الى 305 من ق م م) .

8- الاتفاق على شرط التحكيم لا يمنع من الالتجاء الى القضاء العادي لاتخاذ الاجراءات المستعجلة الضرورية كالوضع تحت الحراسة واجراء بعض الحجوز التحفيظية .

9- اهلية التحكيم او من يحلق له اللجوء الى التحكيم :
لقد اقر الفصل 306 من قانون المسطرة المدنية مبدا تمتع الاشخاص بالاهلية لابرام اتفاق التحكيم، فنص في الفقرة الاولى على ما يلي :
" يمكن للاشخاص الذين يتمتعون بالاهلية ان يوافقوا على التحكيم في الحقوق التي يملكون التصرف فيها".
ومعنى هذا انه لا يكفي ان تكون لشخص اهلية التعاقد فحسب، او اهلية التقاضي، ولا يستلزم كذلك ان تكون له اهلية التبرع لان عقد التحكيم ليس من قبيل التبرع بالحق، اي يجب ان يكون الشخص متمتعا باهلية التصرف في الحق موضوع النزاع.
وعلى هذا الاساس، فالاشخاص الذين لا تتوفر لديهم هذه الاهلية كالقصر والمحجور عليهم ليسوا اهلا لابرام اتفاقات التحكيم. فاذا ما ابرم احدهم اتفاقا كان الاتفاق باطلا.

وتبعا لذلك فلا يجوز للوصي، او المقدم نيابة عن المحجور عليهم او القاصرين ابرام اتفاق التحكيم طبقا للفصل 158/8 من مدونة الاحوال الشخصية، الا باذن من القاضي وقد جاء ذلك مؤكدا في الفصل 11 من ق ل ع والفصل 189 من قانون م م ونلاحظ ان هذا الاذن مقرر لمصلحة ناقص الاهلية،  وليس لخصمه التمسك به، اما بالنسبة للاب او الولي - بوجه عام - فانه لا يملك التحكيم نيابة عن ناقص الاهلية الا فيما يملك فيه التصرف، واذا تطلب القانون اذن المحكمة في التصرف كان هذا الاذن واجبا بالنسبة الى التحكيم ايضا .

فالقاعدة انه متى عقد التحكيم صحيحا من ذي الصفة فلا يتاثر او يبطل بزوال صفة المتعاقد ما لم ينص القانون على ما يخالف ذلك، ومن ثمة اذا اتفق الولي او الوصي او المقدم على التحكيم في شان من شؤون ناقص الاهلية، بعد ان اذن له القاضي  - في الاحوال التي يجب فيها الاذن - فلا يتاثر العقد بعدئذ بزوال صفة هؤلاء ايا كان سبب هذا الزوال.
فالقاصر في القانون المغربي ان كان يملك حق التقاضي بالنسبة للنزاعات  التي تترتب عن اعمال الادارة التي يقوم بها، فانه لا يملك قبول التحكيم بصددها لانه لا يملك اهلية التصرف في صافي دخله.

وكذلك الامر بالنسبة للمفلس - وان كان غير ناقص الاهلية- فانه ممنوع عليه التصريف في حقوقه، وتبعا لذلك فلا يجوز له الاتفاق على حل خلافاته عن طريق التحكيم، فاذا ابرم اتفاقا في هذا الشان يكون باطلا او قابلا للابطال، انما لا يحتج به على جماعة الدائنين، لان ذلك يعني ان المفلس مقيد بقيد يمنعه من التصرف الا اذا كان مميزا واذن له بذلك لان المشرع في الفصل 142 من مدونة الاحوال الشخصية اعتبر المميز  - الماذون له في حالة الاختبار - كامل الاهلية.

فاذا رضي بالتحكيم من لا يملك التصرف كان جزاء عقد التحكيم البطلان المطلق، وتكون بالتالي اجراءات التحكيم باطلة بطلانا يتعلق بالنظام العام، والعلة في ذلك عدم اتخاذ اجراءات مصيرها الى الزوال محالة، كما يسبب ضياعا في الوقت والنفقات والجهد، كما انه يمكن لناقص الاهلية الذي صدر عليه الحكم واستعاد حالته الطبيعية ان يجيز ذلك البطلان .

وبالنسبة للمصفي، فبالرجوع الى القانون التجاري المغربي فانه لا وجود لاي نص يقضي بعدم نفاذ التحكيم في حق الدائنين متى تم الاتفاق عليه قبل شهر افلاس التاجر. ولما كان المفلس يفقد حق التقاضي فلا تكون له صفة في ادارة امواله بمجرد شهر افلاسه ولو عن دعاوي رفعت منه او عليه قبل شهر من الافلاس، فان المفلس لا يملك ان يتولى بنفسه الخصومة امام التحكيم، وانما يتولاها عند السنديك.

اما التحكيم الذي يعقد في فترة الريبة فان الفصلين 206 و207 من القانون التجاري المغربي يميزان بين نوعين من البطلان احدهما وجوبي، وارد في الفصل 206، وثانيهما جوازي وارد في الفصل 207 .
وعلى ضوء الفصل 206 فان اتفاق التحكيم في شان منازعات تتصل بعقود ابرمت في فترة الريبة، يعتبر باطلا وعديم الاثر بالنسبة لكتلة الدائنين.

لاما اتفاق التحكيم عن منازعات تتصل بعقود او تصرفات اخرى اجراها المدين في فترة الريبة، ولا تدخل ضمن ما نص عليه الفصل 206 فهو اتفاق يمكن ابطاله اذا كان الطرف الاخر عالما بفترة الريبة فللمحكمة السلطة التقديرية في الحكم بنفاذ اتفاق التحكيم او عدم نفاذه في بعض كتلة الدائنين طبقا للفصل 207 من ق ت .

اما الوكيل الاتفاقي فله ان يبرم اتفاق التحكيم نيابة عن موكله شرط ان يكون مفوضا في ذلك بتفويض خاص:
- بمعنى ان الوكيل العام حسب الفصل 893 من قانون العقود والالتزامات او الوكيل الخاص في امر معين كالتقاضي او الصلح، لا يملك حق الاتفاق على التحكيم لان سلطته مقصورة على الارادة او على ذلك الموضوع المحدد في الوكالة الخاصة، الا ان هناك اعمال تصرف تقتضيها الضرورة والادارة كبيع المحصول والبضاعة، والمنقول الذي يخشى عليه الفساد والتلف، وشراء ما يستلزمه الشيء محل الوكالة من أدوات لحفظه وحسن استغلاله .

ففي هذه الحالة نرى ان للوكيل الاتفاقي العام ان يتفق على التحكيم بناء على القواعد الواردة في الفصول 893 الفقرة الثانية و903 و905 و1011 و909 من ق ل ع.
اما اذا قام الوكيل العام بابرام عقد تحكيم في غير هذه الحالات فان جزاء العقد هو البطلان النسبي لمصلحة الاصيل الذي يمكن له ان يجيز عقد التحكيم اجازة صريحة او ضمنية، فكأن يترافع امام هيئة التحكيم، ويتناول موضوع النزاع دون اي تحفظ .

فالوكيل الاتفاقي اذن لا يبرم اتفاق التحكيم نيابة عن موكله مهما كانت صلاحياتها الا باذن خاص وصريح من طرف موكله ( ف894)، فالمحامي الذي له صلاحيات واسعة امام القضاء، اذ له اقامة الدعوى نيابة عن موكله، والترافع باسمه، وان يعترف بالحق او ينكره، وان يتنازل عن الدعوى، لا يجوز له ان يتفق مع الخصم على ابرام عقد تحكيم، لانه وكيل في الخصومة فلا تتسع وكالته لابرام اتفاق التحكيم.

اما مدير الشركة المدينة او الشريك المتضامن بادارة الشركة التضامنية او شركة التوصية او المدير العام في الشركات المساهمة المغفلة، فلا يستطيعون الاتفاق على التحكيم الا بترخيص صريح بمقتضى عقد تاسيس الشركة، او نظامها، او بتفويض لاحق، له ابرام اتفاق التحكيم نيابة عن الشركة على الرغم من انه لم يوكل في هذا العمل وجه التعيين، وقد عللت المحكمة ذلك بان التحكيم اصبح من مستلزمات ادارة الشركات التجارية والطريق العادي والمالوف الذي تتبع الشركات التجارية لفض منازعاتهم مع الغير، واشترط الحكم لتطبيق هذه القاعدة ان يكون التحكيم من بين المسائل التي تدخل بمقتضى نظام الشركة في سلطة مجلس الادارة .

اما بالنسبة للدولة واشخاص القانون العام كالادارات الرسمية والمؤسسات العمومية والجماعات المحلية، فيجب ان نسلم ان لها الاهلية لتكون طرفا في التحكيم.

10- تعيين اجل لاصدار قرار التحكيم :
ومن البيانات الاساسية التي اوجبها الفصل 308 من سند التحكيم تحديد الاجل الذي يتعين على المحكم او المحكمين ان يصدروا فيه قرارهم التحكيمي. واذا لم يحدد السند اجلا يستنفذ المحكمون صلاحياتهم بعد ثلاثة اشهر من تاريخ تبليغ تعيينهم.
فالاصل انه يجب تحديد اجل للمحكمين لاصدار قرارهم في سند التحكيم. فكثيرا ما يعمد الاطراف الى تحديد الاجل الذي يجب على المحكمين اصدار حكمهم فيه. ولكن العبارة الاخيرة من الفصل تفيد انه يمكن بصفة استثنائية ان لا يقع تحديد الاجل في سند التحكيم. ويترتب على ذلك انه بعد فوات ثلاثة اشهر من تاريخ تبليغ المحكمين لم تعد للمحكمين اية صلاحية للبت في النزاع الذي يعرض عليهم على اساس ذلك الاتفاق. ويحق للطرف ذي المصلحة ان يلتجئ الى القضاء العادي لان التحكيم يكون في حكم المنتهي، وهذا ما اكده الفصل 312/2 م م. ولا يترتب على عدم تحديد الاجل في سند التحكيم اي بطلان .

ويلاحظ ان هذا الاجل الذي سيصدر فيه المحكم حكمه يحدده الاطراف بمحض ارادتهم، كما ان لهم ان يحددوه باتفاقهم وباية وسيلة، ويتعين على المحكمين مراعاة الميعاد المشروط .
فنستخلص ان تحديد ميعاد ومدة اصدار القرار التحكيمي امران لا يتصلان بالنظام العام، فذلك ملك للخصوم فقط.

11- الاعتراف بالقرارات التحكيمية الاجنبية وتنفيذها في المغرب :
ان التشريع المغربي لا يضع ضابطا للتمييز بين القرارات التحكيمية الاجنبية وبين القرارات التحكيمية الوطنية.
فالمقتضيات المتعلقة بالتحكيم، وخصوصا الاجراءات الواجب اتباعها ليصير حكم المحكمين قابلا للتنفيذ كما هي واردة في الفصول ( 320 الى 327 ) من ق م م فان المشرع لم يفرق بين احكام المحكمين الوطنية والاجنبية بخصوص تنفيذها.
والذي يعنينا هو كيفية الاعتراف بالقرار التحكيمي الاجنبي وتنفيذه بالمغرب كما بلورها القضاء .

ان الامر ليس فيه اية صعوبة اذا كان قرار التحكيم الاجنبي في تنفيذه يخضع لاتفاقية جماعية او ثنائية مصادق عليها من طرف المغرب كما هو الحال، مثلا بالنسبة للقرارات التحكيمية الاجنبية الخاضعة لاتفاقية نيويورك 1958 اذ يقضي الفصل الثالث منها على ان تعترف كل دولة من الدول المتعاقدة بقوة اي مقرر تحكيمي وتسمح لتنفيذه وفق قواعد المسطرة المتبعة في التراب المستدل فيه بالمقرر. ويترتب على ذلك ان طلب التنفيذ لحكم تحكيمي اجنبي في المغرب يخضع للمسطرة الواردة في باب التحكيم. بمعنى انه تسري عليه المقتضيات التي تسري على القرارات التحكيمية الوطنية. اما بالنسبة للقرارات التحكيمية الاجنبية التي تخضع لاتفاقية ثنائية فانه يلاحظ باستقراء تلك الاتفاقيات انها تشترط - بالاضافة الى شروط اضافية خاصة بالتحكيم - نفس الشروط التي تشترطها لتنفيذ الاحكام القضائية الاجنبية .

اما عن الشروط الواجب توافرها ليصير حكم المحكمين قابلا للتنفيذ بالمغرب فهي :
1) يجب الحصول على امر بالتنفيذ ( ف322 م م ) ولو كان قانون الدولة التي صدر فيها هذا القرار يجيز تنفيذ القرارات الاجنبية - ومن بينها القرار المغربي - دون شرط او قيد.
اما الجهة المختصة باصدار الامر بالتنفيذ فهي رئيس المحكمة الابتدائية - بصفته هاته - المستدل في دائرة نفوذها بالقرار التحكيمي المطلوب تنفيذه .
2) لا يملك رئيس المحكمة ان ينظر في موضوع النزاع، اذ لا حق له في مراجعة القرار، غير انه يملك قدرا من الرقابة على قرارات المحكمين، اذ انه ملزم بالتاكد بانها غير مشوبة بالبطلان المتعلق بالنظام العام ( النظام العام الدولي المغربي).
3) ان يكون القرار التحكيمي صادرا في مسالة يجوز فيها التحكيم : ان الفصل 321 م م الذي يحيل على الفصل 306 يستلزم هذا الشرط، وهو شرط لازم لان الاتفاق على التحكيم في مسائل لا يجوز فيها التحكيم فيه مساس بالنظام العام المغربي، وقد استلزمته كذلك الاتفاقيات الثنائية التي ابرمها المغرب، ونصت عليه كذلك اتفاقية جامعة الدول العربية الخاصة بتنفيذ الاحكام الاجنبية ( م. 3) واتفاقية نيويورك ( الفصل 5) والاتفاقية الاوروبية ( المادة 6) .
وعلة استلزام هذا الشرط ان هناك مسائل ترفع فوق مستوى المصالح الخاصة وتندرج ضمن المصالح العامة فيفضل المشرع ابقاءها من اختصاص السلطة القضائية.
4) صحة الاتفاق التحكيمي، اي انه يجب ان يكون حكم المحكمين صادرا بناء على شرط تحكيم صحيح او سند تحكيمي صحيح. وعلة ذلك ان قضاء التحكيم يستمد اساسه من اتفاق الخصوم بحيث لو بطل هذا الاتفاق الذي يستند اليه المحكمون في اداء وظيفتهم لبطل الحكم الذي يصدرونه، ومثال عدم صحة الاتفاق التحكيمي ما نص عليه الفصل 306 من ضرورة كمال اهلية الاطراف والزام تحديد موضوع التحكيم (الفصل 308 م م ).

اما شرط المعاملة بالمثل، فهو ذلك الشرط الوارد صراحة في الفصل 19 من ظهير غشت1913 المتعلق بالوضعية المدنية للفرنسيين والاجانب، اما المسطرة المدنية الحالية - كسابقتها-  فقد سكتت عن شرط التبادل، فهل يعني هذا السكوت ان القضاء المغربي لا ياذن للقرار التحكيمي الصادر في الخارج الا اذا كان قانون تلك الدولة يقبل بدوره تنفيذ القرار التحكيمي الصادر في المغرب بنفس الشروط وفي نفس الحدود ؟ ام انه رغم سكوت المشرع فان القضاء ياخذ بشرط المعاملة بالمثل، مما لا ريب فيه ان المشرع المغربي، ومن ورائه القضاء يستبعدان هذا الشرط .

والخلاصة انه لا يوجد نص ينظم تنفيذ القرارات التحكيمية الاجنبية بالمغرب مما يجعل الموضوع مجالا للجدال والاجتهاد، وهكذا كان الامر في القانون الفرنسي القديم الى ان صدر قانون 12 ماي1981 فانزل القرارات التحكيمية الاجنبية منزلة القرارات التحكيمية الوطنية لان في ذلك تخفيف على كاهل التحكيم التجاري الدولي .

ونرى ان يسير المشرع المغربي على نفس الاتجاه، فينظم مسطرة القرارات التحكيمية الاجنبية، ويطبق عليها مسطرة تنفيذ القرارات التحكيمية الوطنية لان في ذلك القياس خير وفائدة للتجارة الدولية. وننوه بموقف المشرع المغربي  حيث استبعد شرط المعاملة بالمثل لانه بذلك يفتح ابواب المغرب لكل قرار اجنبي ولو اغلقت الدولة التي صدر فيها القرار ابوابها في وجه القرار التحكيمي الصادر في المغرب. كما ان عدم اشتراط ان يكون القرار الاجنبي ممهورا بالصيغة التنفيذية في الدولة التي صدر فيها اعفاء يحقق اجتناب البطء وازدواج  الاجراءات .

ثالثا : ملاحظات ومقترحات :
واذا كنا نصر على الاهتمام بهذه المؤسسة الشامخة فانه لابد من ابداء بعض الملاحظات بشانها حتى نستخلص اخيرا بعض المقترحات التي يمكن المساهمة بها لاظهارها في مظهر قشيب  يكسي التجارة الدولية ابهى الحلل.
بالنسبة للقانون الداخلي المغربي، نلاحظ عليه انه يعرف فراغا كبيرا بالنسبة للتحكيم التجاري الدولي، فالقواعد الواردة في باب التحكيم تتعلق فقط بالتحكيم الداخلي، مما يشكل عرقلة امام التجار ورجال الاعمال لاختيار المغرب مكانا لاجراء التحكيم، ولا شك ان في ذلك التقاعس مضار اقتصادية لا يستهان بها تلحق بالسياسة الاقتصادية للمغرب، وقد ادركت كثير من الدول ذلك النقص وسارعت الى ادخال تغييرات على تشريعاتها الداخلية بتنظيم التحكيم التجاري الدولي والاجنبي كما هو الحال في انجلترا (1979) وفرنسا (1981) والنمسا وايطاليا (1983) وجيبوتي (1985) وبلجيكا (1985) والاراضي المنخفضة والبرتغال (1986) وسويسرا (1987) واسبانيا (1988) والجزائر وتونس (1993).

فالنصوص التي اوردها المشرع المغربي في باب التحكيم تشتمل على كثير من القواعد الامرة. تتعلق بمراحل التحكيم منذ الاتفاق عليه الى تنفيذ القرار التحكيمي، مما يجعل التساؤل يطرح بالحاح الى اي مدى يمكن تطبيق هذه القواعد الامرة على حالات التحكيم التي يتسرب اليها عنصر اجنبي، او بمعنى اخر ما هو النطاق الترابي لتلك القواعد ؟ وكيف يمكن تطبيق تلك القواعد الامرة - التي سنها المشرع لتطبق على المعاملات الداخلية  - على المعاملات الخارجية والتي في كثير من الاحيان لا تتلاءم ولا تتسق معها، والاكثر من هذا ان المشرع المغربي لم يقر ادنى قاعدة بالنسبة للتحكيم التجاري الدولي كما فعلت كثير من التشريعات اذ وضعت على الاقل معيارا للتمييز بين التحكيم الداخلي والدولي .

ونلاحظ كذلك ان القضاء المغربي كثيرا ما يتردد في اكساء القرار التحكيمي الاجنبي - الذي تكون  فيه الدولة المغربية او احدى مؤسساتها طرفا - بالصيغة التنفيذية لمساس ذلك - حسب رايه - بالنظام العام المغربي الدولي ولعل السبب يرجع الى عدم ضبط مفهوم النظام العام المغربي مما يجعل المجال مفتوحا بكل اتساع امام السلطة التقديرية للقاضي، والى التساؤل حول اهلية الدولة للتحكيم امام الغموض الذي يكتنف، في نظر البعض - فصول المسطرة المدنية وبالاخص التضارب المزعوم بين الفصلين 9 و306 ومن قانون المسطرة المدنية.

بعد هذه الملاحظات التي لا تشكل الا قليل من كثير فاننا - بكل تواضع - سنحاول تقديم بعض المقترحات التي نراها مفيدة  للحد - ولو نسبيا - من العيوب، مركزين الاهتمام على الوضع في المغرب.
فبالنسبة لبلدنا فمن الخير ان يساهم في كل الجهود الدولية التي تبذل لتنظيم التحكيم التجاري الدولي وتوحيد احكامه. ولما كان الموقع الجغرافي للمغرب يحتل مكانة بارزة من الناحية الدولية، فنرى ان تهتم الحكومة المغربية بنظام التحكيم حتى تشيع الثقة بين التجار ورجال الاعمال في التعامل مع اشخاص مغاربة ( معنويين او طبيعيين) .

فمن الواجب ان يسعى المغرب الى ابرام اتفاقيات تحكيم ثنائية مع اكثر ما يمكن من الدول التي لها باع طويل في الاقتصاد العالمي. وان يعيد النظر في كثير من الاتفاقيات التي لا زالت تفتقر الى بعض الاجراءات وتبادر الى قبولها .

ونرى كذلك انه من واجب الحكومة المغربية ان تسلط الاضواء على قطاع التحكيم الدولي في المواد التجارية فتعقد ندوات وتشارك في المؤتمرات الخاصة بهذا الميدان. وتعمل على انشاء مراكز للتحكيم بالمغرب  - كما فعلت بخصوص غرفة التحكيم البحري، خصوصا وان اللجنة القانونية والاستشارية لدول اسيا وافريقيا قد اوصت بانشاء هذه المراكز حتى يتسنى للاطراف اللجوء اليها لفض ما قد يثور بينهم من منازعات بدلا من اضطرارهم الى اللجوء الى مراكز التحكيم القائمة حاليا والمركزة في الدول الغربية، لان انشاء مثل هذه المراكز يساهم في تسهيل سرعة وتنمية الصناعات والاستثمارات الخارجية وتوسيع قاعدة العلاقات الخارجية. 

كما نوجه العناية الى ضرورة انشاء معاهد متخصصة لتكوين اطر مختصة في التحكيم على النمط الذي سارت عليه وزارة العدل بالنسبة للمعهد القضائي، ونشر البحوث والدراسات والتقارير التي تهتم بقطاع التحكيم.
اما في نطاق التشريع المغربي فمن الواجب على السلطة  التشريعية ان لا تبقى غير عابئة بالسباق الدولي ونتائجه الاقتصادية حول تشجيع التحكيم التجاري الدولي، فعليها ان تبادر الى تنظيم التحكيم التجاري الدولي في القوانين الداخلية وتدخل تعديلا جوهريا على القواعد الواردة في باب التحكيم فتعتني على الاقل بالمسائل الاتية.

الاقرار بان حالات التحكيم الدولي لا تخضع للقواعد الواردة الان في المسطرة المدنية، او على الاقل ان يقع ايضاح على انه في حالة تطبيق تلك القواعد على التحكيم التجاري الدولي، فان مقتضيات تلك القواعد تفقد بصفة كلية او جزئية صفتها الامرة، لان اقرار ذلك يفتح الباب امام الاقبال على اختيار المغرب كمكان لاجراء التحكيم، او اختيار القانون الواجب التطبيق، بل اكثر من ذلك يساهم في تشجيع ابرام صفقات تجارية مع اشخاص مغاربة لان لا خوف على القرار التحكيمي من شبح القانون المغربي، على الاقل في مرحلة تنفيذ القرارات التحكيمية .
ان ياخذ المشرع المغربي عند وضع معيار التحكيم الدولي بمعيار طبيعة المنازعة بغض النظر عن المعايير الاخرى، ويضع في المرتبة الثانية معيار مكان اجراء التحكيم .
ان يقع الاهتمام عند وضع النص بتبسيط القواعد ليكون ذلك اداة سهلة في يد الاطراف للتغلب على معضلة تنازع القوانين .
ان يقع تكريس حرية الاطراف في الاتفاق على التحكيم وفي الاجراءات التي يجري التحكيم بمقتضاها، والتقليص من سلطة القضاء المغربي عند مراقبته لقرار التحكيم .
ان ينهج المشرع المغربي منهجية التقليص من طرف الطعن بالنسبة للقرار التحكيمي، والتخفيف من الاجراءات الشكلية، ومن قواعد الاثبات عند المطالبة بتنفيذ القرار التحكيمي.
ان يقع التنصيص في القانون على استقلال المحكم وتشترط فيه بعض الشروط الدنيا كحد ادنى من المعرفة القانونية ودرجة معينة من الثقافة العامة وان تحاط تصرفاته ببعض الضوابط والقيود وتوضع بعض الجزاءات على الاخلال بمسوؤليته .
ان يقع التنصيص على قوة الشيء المقضي به للقرار التحكيمي، ووضع قاعدة تكفل تنفيذ القرار التحكيمي بناء على قواعد حسن النية ووضع جزاء عند سلوك مسطرة تعسفية للطعن ضد القرار التحكيمي .
ان يقع التنصيص بصراحة على اهلية الدولة والمؤسسات العامة للجوء الى التحكيم وهي تمارس عملا من اعمال القانون الخاص .
والله ولي التوفيق 
       
        الدار البيضاء في 30/9/1994 
                                         عبد الله درميش 
نقيب هيئة المحامين بالدار البيضاء 

* مجلة المحاكم المغربية، عدد 73، ص 9 .

Sbek net
كاتب ومحرر اخبار اعمل في موقع القانون والقضاء المغربي .

جديد قسم : أبحاث قانونية مغربية