-->

التجديدات الاساسية في مسودة المشروع المغربي لقانون حماية المستهلك - اليات تدعيم رضا المستهلك -

التجديدات الاساسية في مسودة المشروع المغربي
لقانون حماية المستهلك - اليات تدعيم رضا المستهلك -

الاستاذ الحسين بلحساني كلية الحقوق وجدة 
تقديم :
شكل مبدا سلطان الارادة حجز الزاوية في الفكر القانوني خلال القرن التاسع عشر، منذ ان تكرس تشريعيا في مدونة نابليون لسنة 1804، تاريخ تحوله من مبدا ديني كنائسي الى قاعدة قانونية ترتكز على مذاهب فلسفية واقتصادية، وبمقتضاه اصحبت الرضائية الاصل العام الذي يحكم العلاقات التعاقدية ويضمن تحقق المساواة بين اطرافها. وهي تشمل حرية الانسان في ان يتعاقد وفقا لما تقرره ارادته، الى جانب حريته في عدم التعاقد .
غير ان الثورة الصناعية والتطور التكنولوجي وتعقد المعاملات ووسائل المبادلات وغيرها من الاسباب الاخرى كان لها اثر عميق على فكرة العقد ومفهومه كوسيلة للتعامل (1). فقد تراجع بشكل ملحوظ سلطان الارادة بسبب التفوق الاقتصادي والفني للصناع والمنتجين وعموم التجار المحترفين على حساب الفئات المستهلكة.

اذ استغل الاولون ما تبيحه المبادئ العامة التقليدية القائمة على الحرية التعاقدية لفرض شروط مجحفة في حق الاخرين. وصاحب ذلك ظهور صيغ جديدة للتعاقد كرست ما يعرف اليوم بازمة العقد، متمثلة على الخصوص في عقود الاذعان والعقود الجماعية النموذجية والعقود النمطية. يتعلق الامر اذا بفن تعاقدي جديد، اقتضى وجود فن تشريعي موازي ينظم ما قد يؤول عنه .
____________
1)    راجع في ذلك : جابر محجوب علي : قواعد اخلاقيات المهنة. مفهومها، اساس التزامها ونطاقه، مجلة الحقوق، السنة 22 العدد 2 يونيه 1998. ص 339 .
-------------------
وفي هذا الاطار شهدت القوانين المعاصرة تطورا سريعا واهمية متعاظمة في مجال حماية المستهلك ودرء المخاطر التي يمكن ان يتعرض لها، بحيث لم تقف عند حد ضمان السلامة البدنية، وانما  تجاوزتها الى السلامة المعنوية للمستهلكين بكفالة سلامة الرضا وحرية الارادة والاختيار المتبصر، تفاديا للوقوع في حبائل التضليل والغش والاستغلال .

وبالنظر الى سعة المجال الذي تغطيه قوانين الاستهلاك، وقوة تاثيره على النظرية العامة للعقد، بل وعمق الشرخ الذي يحدثه في قوانين العقود، فانه اصبح اليوم يشكل نظاما قانونيا قائما بذاته يطلق عليه البعض
" النظرية القانونية لحماية المستهلك(2). بل ان هناك من ذهب الى  حد اعتباره فرعا مستقلا بخصائصه واهدافه الى جانب النظم القانونية القديمة والحديثة (3). غير ان الاستاذ "Auloys" يعتقد عن حق ان الامر يتعلق فعلا بقانون خصوصي" Particulier " ولكنه غير مستقل تمام الاستقلال "Non autonom".  ذلك انه قانون متعدد التخصصات "Pluridisciplinaire"، فهو يتضمن مقتضيات تجعل منه جزء مرتبطا بالقانون المدني، كما هو الشان بالنسبة لاحكام العقود الاستهلاكية عموما من حيث قيامها، اركانها،  وشروط صحتها، والشروط التعسفية، ولكنه مرتبط في نفس الوقت بالقانون الجنائي سيما في المجال المحدد لجرائم الغش في البضائع والخداع والتزييف والعقوبات الجزائية التي تطالها. وهو الى جانب ذلك غير بعيد عن المسطرة المدنية والجنائية عندما ينظم مختلف الدعاوي التي قد يباشرها المستهلكون انفسهم او عن طريق الجمعيات التي تعنى بحمايتهم او بواسطة النيابة العامة .

ويخلص من ذلك الى ان قانون حماية المستهلك لا يندرج ضمن التقسيمات التقليدية للقانون، بعد ان تلاشى التمايز التام بين التخصصات والفروع، واضحت متقاطعة ومتداخلة، ومن ثم فان قانون الاستهلاك يتحدد اعتمادا على
____________
2)    J.P. Pizzio : L'introduction de la Notion de consommateur en Droit Français. Dalloz. Sirey  1982 Chr. P . 91 ..
3)    جمال النكاس : حماية المستهلك واثرها على النظرية العامة للعقد في القانون الكويتي. مجلة الحقوق. السنة الثالثة عشرة. العدد الثاني. يونيو 1989. ص 65 .
-----------------
التقسيم  العرضاني " Transversal" الحديث المبني اساسا على وظيفة القواعد القانونية، ومن هنا يتاتى القول بانه قانون وظيفي "Droit fonctionnel" غير منبت الصلة بالقانون المدني، ولكنه اوسع مجالا، وتتجانس قواعده ذات الانتماءات المتباينة بهدفها المشترك المتمثل في حماية المستهلكين من التعسفات التي يحتمل ان يكونوا ضحاياها (4) .

والملاحظ ان هذه الخصوصية التي تبدت واضحة في كثير من التشريعات المقارنة في الدول الصناعية من قبيل الولايات المتحدة الامريكية وانجلترا وفرنسا والمانيا،  لم يتحقق شيء منها لحد الان في المغرب .
صحيح ان اهتمام المشرع ببعض اوجه حماية المستهلك قد ابتدات مباشرة بعد الحماية سنة 1913 وان قوانين متعددة قد تعاقبت على الصدور منذ ذلك الحين وخلال مرحلة الاستقلال (5) مع التاكيد على اهمية الاحتساب ودور المحتسب على امتداد التاريخ الاسلامي للدولة المغربية في هذا المجال (6) غير ان كل ذلك لم يكن سوى معالجة جزئية مرتبطة بجوانب محدودة، تفتقد الى المنظور الشمولي لمفهوم المستهلك ومحل او موضوع الاستهلاك وطبيعة القواعد الحمائية التي تستهدف الموازنة بين مصالح الاطراف في الروابط الجامعة بين المستهلكين والمهنيين. ولذلك لم يسجل لحد الان نسيج مشترك يجمع شتات هذه التشريعات ويسمح بتقديمها في شكل نظام قانوني خاص .
____________
) Jean Calais : Auloy . L'influence du droit de la Consommation sur le droit civil des contrats.4 R.T.D. civ. Juin 1994. P .
5) راجع بشان مختلف القوانين الصادرة في الموضوع خلال المرحلتين .
جواد الغماري : جرائم الغش في البضائع. القوانين الزجرية والنصوص المتخذة لتطبيقها، الطبعة الاولى 1988. المجموعة المغربية للصحافة والنشر والتوزيع 26ص  وما بعدها .
6) ان اختصاصات المحتسب مقننة حاليا بموجب الظهير الشريف عدد 1.82.40 الصادر في 21 يونيه 1982 المتضمن الامر بتنفيذ القانون رقم 102.82 المتعلق باختصاصات المحتسب وامناء الحرف، المنشور بالجريدة الرسمية عدد 3636 بتاريخ 7/7/1982 .
------------------
ويبدو ان هذه الغاية بالذات هي التي كانت وراء اعداد مسودة مشروع القانون المغربي لحماية المستهلك المطروحة حاليا للمناقشة (7). اذ لاول مرة، يتم التعامل مع الموضوع اعتمادا على مقتضيات ذات طبيعة مختلفة ومتباينة، ولكنها في الان نفسه مترابطة ومتجانسة بحكم وحدة هدفها المشترك الذي هو حماية المستهلك من تعسفات المهني وفقا لاليات قانونية محددة، تحتوي على كثير من التجديدات في مجال التعاقد ترقى بها حقا الى مستوى النظام القانوني المتميز .

وهكذا فبمقتضى الفصل الاول من مسودة المشروع، فان اهداف قانون حماية المستهلك تتحدد في الاتي :   
اقرار اجراءات فاعلة، مبنية على اسس متينة ومباشرة للدفاع عن المستهلكين .
دعم وتقوية الاعلام الموضوعي للمستهلكين .
توفير اطار قانوني، ملائم قصد تشجيع تطور الحركة الجمعوية في هذا المجال .
بلورة وحماية حقوق المستهلكين في علاقاتهم مع الممونين .

وبالنظر الى سعة اهتمام المشروع، فاننا سنقتصر في هذا الاطار على رصد اهم التجديدات التي يتضمنها، مع ابراز بعض المظاهر الاساسية للحماية التي قد يوفرها للمستهلك اذا قدر له ان يرى النور، على مستوى ضمان سلامة الرضا وكفالة الارادة الحقيقية غير الموهومة ولا المضللة بالنسبة للطرفين معا، وخصوصا منهما الطرف المستهلك .

فبما ان عقد الاستهلاك يجمع مع جهة بين مستهلك مشدوه بجاذبية قوة الاغراءات، منبهر بفعل تنوع اساليب العرض والدعاية، مندفع نحو استهلاك مواد وسلع واغذية وخدمات يجهل في الغالب كنهها وتركيبتها، وبين مهني "Professionnel"، يملك القدرة الفنية والتقنية التي تخوله امكانية التحكم في ظروف التعاقد وشروطه، بحيث يستدرج المستهلك في الحقيقة الى التوقيع على عقد لا
_____________
طرحت مسودة القانون المغربي لحماية المستهلك في الدورة الاولى من سنة 1999 من طرف وزارة الصناعة التجارية والصناعة التقليدية، وتم تعميمها على العديد من الاطراف والمؤسسات المعنية، بما فيها كليات الحقوق قصد المناقشة وابداء الراي .
--------------------
يساهم في انشائه بارادة متبصرة، متنورة وواعية بكل حيثيات الاتفاق وتداعياته، فان المشروع يطرح مجموعة من الاحكام ترمي في مجملها الى تدعيم رضا المستهلك حتى ينشا العقد الاستهلاكي عن بينة واختيار حقيقيين. وذلك من خلال اربعة وسائل اساسية : اعلام المستهلك، ومنحه مهلة للتفكير والتروي، وزجر الغش والخداع ومعاقبة الاشهار الكاذب والمضلل، ومحاربة الشروط التعسفية المجحفة، وهي ما سنتناوله تباعا في الفقرات التالية :

الفقرة الاولى : اعلام المستهلك
بموجب الفصل الثاني من مسودة المشروع، يعتبر مستهلكين، الاشخاص الطبيعيون او المعنويون الذين يكتسبون او يستعملون او يستغلون - بوصفهم موجه اليهم نهائيين "Destinataires finaux" الاموال المنقولة او العقارية، وكذا المنتوجات والخدمات والانشطة والوظائف، سواء كان الذين تتلقى عنهم هذه الحقوق من اشخاص القانون الخاص، او من اشخاص القانون العام، وسواء كانوا فرادى ام جماعات. ومن ثم لا يعتبر مستهلكين وفقا للفقرة الثانية من نفس الفصل، الاشخاص الذين لا يشكلون الحلقة الاخيرة في تداول السلع والخدمات، وبالتالي ليسوا موجها اليهم نهائيين، من الذين يكتسبون او يستعملون او يستغلون او  يستهلكون اموالا او خدمات بهدف ادماجها في مسلسل الانتاج او التحويل او التسويق، او اداء الخدمات للغير.
ويتضح من ذلك ان المشروع قد وسع بشكل ملحوظ من مفهوم المستهلك، حيث لم يشترط فيه سوى ان يكون اخر عنصر في حلقات التداول (8) فيبرم العقد من اجل الانتفاع (9) دون المضاربة او نية المضاربة، اعتبارا لوصفه دون شخصه (10) .
___________
8) ويؤدي ذلك بالمقابل الى توسيع مماثل لمفهوم المحترف، حيث يشمل كل من المنتج والمورد والوسيط والبائع ومقدم الخدمة .
9) الانتفاع في هذا المجال ياخذ ايضا مفهوما واسعا على مستوى محل وموضوع الاستهلاك، بحيث يشمل الاستعمال والاستغلال والاكتساب .
10)  فلا يهم حتى قدرة الشخص الطبيعي والمعنوي الفنية للحكم على  المتعاقد عليه من ناحية الجودة والمتانة والصيانة الدورية …
قارن مع تعريف : جمال النكاس : المرجع السابق. ص 47 .
----------------
واستنادا الى الفصل 231 من قانون الالتزامات والعقود، فان " كل تعهد يجب تنفيذه بحسن نية، وهو لا يلزم بما وقع التصريح به فحسب، بل ايضا بكل ملحقات الالتزام التي يقررها القانون او العرف اوالانصاف، وفقا لما تقتضيه طبيعته." (11) يستخلص الفقه من هذا النص اساسا قانونيا لنشوء الالتزام باعلام المستهلك في القواعد العامة (12). غير ان الغموض الذي يكتنف تحديد مفهوم حسن النية(13)، يعيق في كثير من الحالات تصريف المبدا الى التزامات قانونية محددة، قمينة بتوفير حماية حقيقية للمتسهلك (14).

 ثم انه متعلق بمرحلة متاخرة عند تنفيذ العقد، وليس حال قيامه، ونفس الشيء يسجل بالنسبة للاحكام العامة المتعلقة بعيوب الارادة فهي بدورها غير كافية لبلوغ هذا الهدف (15). اذ لا تلقي على المحترف التزاما قانونيا يتبصير المتعاقد معه الا في حدود التقاطع المفترض بين قواعد الاخلاق وقواعد القانون في العقد، على اساس ان التنافس بين طرفي العقد لئن كان يروم تحقيق اكبر قدر من المصالح، فان ذلك يفترض فيه ان يكون في حدود قواعد الاخلاق، فلا يكتم احدهما على الاخر ما يعلمه من امور تهمه، (16). ولكن الجزاء
______________
11) وينص الفصل 463 من ذات القانون على انه " تعتبر مضافة لشروط العقد، الشروط الجاري بها العمل في مكان ابرامه والشروط التي تقتضيها طبيعته".
12) راجع على الخصوص :
عبد الحق صافي : عقد البيع. دراسة في قانون الالتزامات والعقود  في القوانين الخاص 1998، مطبعة النجاح الجديدة ص 315 .
13) راجع بشان صعوبة تحديد مفهوم حسن النية :
محمد شليح : مبدا سلطان الارادة في قانون الالتزامات والعقود. اسسه ومظاهره، رسالة دبلوم الرباط 1983. ص 200 وما بعدها .
14) لذلك فهي اقرب الى مبادئ وقواعد اخلاقية لا ترقى الى مستوى الالتزام القانوني انظر في ذلك
Lucas de leyssac : l'obligation de renseignement dans les contrats in - information en droit privé L.G.D. J. 1978. P. 309 .
15) المقصود اساسا احكام الغلط والتدليس بالرغم من ان هناك من يعتبر " ان التدليس السكوتي الذي تبناه القضاء الفرنسي يتضمن ولو بطريقة غير مباشرة التزاما بالاعلام " راجع في ذلك :
J. Gestin : le conrat .L.G.D.J .1980 .N .475
16 - G. Ripert : la règle morale dans les obligations civiles . 4 ed 1949. P. 74
-------------------

المترتب عنها مع التسليم تجاوزا بهذا الراي، هو فقط قابلية العقد للابطال(17)، مع التعويض ان كان له محل بعد مراجعة القضاء فرديا. لذلك يندر من الناحية العملية، ان تفيذ هذه الاحكام العامة في تعضيد موقف المستهلك، سيما عندما يتعلق الامر بمعاملات جارية شائعة. فمن هذا الذي يلجا الى القضاء عن طريق دعوى لعدم اعلامه بتكوين مادة غذائية معينة حين ابرام العقد، او بطريقة استعمال جهاز عند شرائه؟ (18) .

ولذلك فان المشروع قد استعاض عن هذه الاحكام العامة، بمقتضيات خاصة تجعل من الاعلام والتبصير التزاما ايجابيا محددا غير مبهم، واجراءا  وقائيا وحمائيا، يتمظهر بالخصوص في الاتي :

اولا : الاعلام بخصائص السلع والخدمات .
ورد في الفصل الرابع من المشروع انه : " يلتزم كل مهني يعرض اموالا للبيع، او تقديم خدمات، ان يبصر المستهلك قبل تمام ابرام العقد (19) بحيث تتاح له امكانية العلم بالخصائص الجوهرية للمال او الخدمة، وذلك عن طريق جميع الوسائل الملائمة" (20)  .

ويرتبط بذلك فرض استعمال اللغة العربية وجوبا حسب الفصل السابع من المشروع عند اي تحديد او عرض او الصاق بطائق او اشهار مكتوب او شفوي او طريقة الاستعمال او مدى شروط الضمان للمال او الخدمة، وكذا بالنسبة للفواتير والايصالات، بحيث يحظر وفقا للفقرة الثانية من نفس الفصل استعمال مصطلح او تعبير اجنبي عندما يكون بديله باللغة العربية متوفرا ومقبولا من الادارة، مع امكانية
___________
17) انظر الفصل 39 من قانون الالتزامات والعقود. وكذا نص الفصول 40 الى 45 و52 الى 56 وراجع : Lucas de lessac : Op. Cit. P : 331
18)                                                                                 18- J. Calais- Auloy : Op. Cit .p/242 .
19) نص المشروع يتحدث عن مرحلة ما قبل ابرام " عقد البيع" Avant la conclusion d'un contrat de vente  والحال ان الالتزام يجب بالنسبة لجميع العقود الاستهلاكية التي تقتضيه .
20) يقابل هذا الفصل نص المادة 111/1 من قانون الاستهلاك الفرنسي لسنة 1993
-----------------
تكملة النص العربي بواحدة او باكثر من اللغات الأجنبية.  ويطبق الحكم ذاته وفقا للفقرة الثالثة من نفس الفصل على كل العروض الاعلامية والبرامج الاذاعية او المتلفزة الموجهة الى المستهلكين، باستثناء ما يستهدف منها صراحة جمهورا اجنبيا، او ما تعلق منها وفق الفصل التاسع بمنتوجات نموذجية او تخصصات ذات تسميات اجنبية معروفة بشكل واسع جدا لدى العموم .

ثانيا : الاعلام بالثمن
الواقع ان المشروع قد اهمل الجوانب التنظيمية للثمن، واكتفى في شانه بان اواجب على المحترف اعلام المستهلك به اعلاما شافيا وواضحا لا لبس فيه ولا غموض، وادرجه ضمن الحقوق الاساسية للمستهلكين التي عددها الفصل الثالث منه (21). ومن ثم ينبغي الرجوع بخصوص التفاصيل الى مقتضيات القوانين الجاري بها العمل لاستخلاص الاحكام المتعلقة باكتمال تمام الاعلام بالثمن، ولاسيما الفصل الخامس من قانون 12 اكتوبر 1971 بتنظيم الاثمان ومراقبتها وشروط امساك البضائع وبيعها، الذي يوجب تعليق الاثمان المنظمة وغير المنظمة، كما ان المرسوم الصادر بتاريخ 23 دجنبر 1973 بتطبيق القانون اعلاه، يستلزم اشهار الاثمنة بالعملة الوطنية وبصورة واضحة وفقا للاعراف التجارية، اما على البضاعة او على تلفيفها او وعائها او بواسطة لوحة تضم مجموعة واحدة من بضائع متشابهة في النوع والوزن والسعة، وبالكيفية التي يتاح بها للعموم الاطلاع عليها دون عناء او التباس في مواضعها الخاصة بها، هذا مع العلم ان القانون رقم 02.82 المتعلق باختصاصات المحتسب وامناء الحرف ينص في فصله الاول على انه : " يعهد الى المحتسب، دون غيره من السلطات، داخل دائرة الاختصاص المكاني التي يزاول بها مهامه، بمراقبة جودة واثمان خدمات ومنتجات الصناعة التقليدية والمنتجات الفلاحية والمواد الغذائية والمشروبات ومنتجات التزيين والنظافة …" وينص في فصله الثاني على انه : " يتحقق المحتسب من ان المنتجات او
____________
21) كما نصت الفقرة الاولى من الفصل الخامس على انه يتوجب على كل بائع لمنتوجات، او مقدم لخدمات، ان يعلم المستهلك بالثمن، سواء عن طريق التسجيل او التعليق او باية وسيلة اخرى مناسبة .
--------------
الخدمات تتوافر فيها المواصفات المقررة في النصوص التنظيمية المعمول بها في اعراف المهنة ومن ان ثمنها مطابق للتعريفة المحددة او للثمن المتداول عادة في السوق ان كانت لا توجد تعريفة" .
على ان الجديد الذي يسجل ضمن ايجابيات المشروع هو تاكيده في الفقرة الثانية من الفصل الخامس على انه فضلا عن الزامية الاعلام بالثمن، يتعين على البائع او مقدم الخدمات ان يسلم الفاتورة لكل مستهلك  يطلبها.

وهو ما قد يساهم في التضييق من فرص التلاعب في الاسعار، خصوصا وان المشروع قد دعم هذا الاجراء والاعلام بالثمن والواجب العام بالاعلام بخصائص السلع والخدمات، وفقا للفصل السادس بجزاءات جنائية تتمثل في غرامات لم يتحدد مبلغها لحد الان في حال المخالفة .

ثالثا : الالتزام بمواعيد التسليم
يلتزم المحترف في كل العقود التي يبرمها مع المستهلك، والتي يكون موضوعها بيع منقول او تقديم خدمة، ببيان التاريخ النهائي الذي يتوجب عليه خلاله ان يقوم بتسليم المال محل الاتفاق او تنفيذ الخدمة، وذلك عندما لا يكون ذاك التسليم او هذا التنفيذ فوريا. ويقرر الفصل السادس عشر من المشروع ان الميعاد المحدد في العقد اذا كان يتجاوز سبعة ايام، ولم كن التاخر ناتجا عن قوة قاهرة، فان المستهلك يملك امكانية الغاء العقد الذي سبق له ان وقعه، بعد ان يوجه الى المحترف رسالة مضمونة مع الاشعار بالتوصيل، ويعتبر العقد مفسوخا في هذه الحالة من تاريخ التوصل بالرسالة، بشرط ان لا يكون  التسليم او التنفيذ قد تم خلال المرحلة الفاصلة بين  ارسال الرسالة والتوصل بها. ويمارس المستهلك وفقا للفقرة الثالثة من نفس الفصل، هذا الحق خلال 15 يوما من التاريخ المحدد لتمام التسليم او التنفيذ في العقد. ويفقد المستهلك حقه بفوات هذا الاجل، فلا يتبقى له بعدئذ سوى امكانية المطالبة بالفسخ القضائي للعقد غير المنفذ وفقا للقواعد العامة .

وترتيبا على هذا الفسخ، اعتبرت الفقرة الاخيرة من نفس الفصل ان المبالغ التي يكون قد قدمها المستهلك تسبيقا للمحترف تاخذ حكم العربون الذي يخول كلا من الطرفين حق العدول عن التزاماتهما، ومن ثم فان المحترف يرد هذه المبالغ مضاعفة للمستهلك .

الفقرة الثانية : منح المستهلك فرصة للتفكير واجلا للتدارك
تنبه المشروع الى وجود ممارسات تعتمد اسلوب استدراج المستهلك لتحمل التزامات تعاقدية ما كان ليرتضيها لو توفرت لديه فرصة كافية للتفكير والتروي، فاقر مجموعة من الاحكام خاصة بعقود محددة ارتاى ان خطورة هذا الاستدراج بالنسبة اليها اكبر، ترمي في مجملها الى مساعدة المستهلك وتخويله سبل التدبر والتمعن في الاتفاقات المزمع عقدها، ومن ذلك اساسا :

اولا : البيع في محل الاقامة او البيع المصفقي "Demarchage"
يعرف الفصل 45 من المشروع، السعي المصفقي بانه تقنية تجارية تقتضي سعي المهني الى محل اقامة المستهلك او مقر عمله او بصفة اعم الى اي مكان اخر غير مخصص بطبيعته لممارسة التجارة، ليعرض عليه اكتساب اموال او تقديم خدمة بمقابل (22). وبالنظر الى وجود خشية ان يكون المستهلك قد وافق على الصفقة تحت تاثير اغراءات المهني، وان يكون هذا الاخير قد دفعه الى التسرع في قبول التعاقد، فان الفصل 46 يشترط في العمليات التي تتم عن طريق السعي المصفقي ان ترد في عقد مكتوب، وان يمكن المستهلك لزوما بنسخة منه حال ابرامه. واضافة الى ذلك، فان من حق المستهلك وفقا لمقتضيات الفصل 47 ان يعدل ان اتفاقه، ويتراجع عن العقد خلال سبعة ايام من تاريخ الطلبية "La commande" او الالتزام بالشراء، وذلك بواسطة رسالة مضمونة مع الاشعار بالتوصل .

ثانيا : القرض الاستهلاكي
اولى المشروع عقد القرض الاستهلاكي اهمية استثنائية، حيث خصه باربع وثلاثين فصلا، اي ما يعادل ثلث نصوصه كلها والبالغة مائة فصل. وهو اهتمام له ما
____________
22) راجع لمزيد من التفاصيل : A. Boudahrain : Droit de consommation au Maroc. Al Madariss.        1999. P. 77 .
----------------
يبرره بعد التوسع الملحوظ للشركات المقرضة، وتعالي الاصوات المنددة بانشطة الكثير منها، والتي تحملها مسوؤلية الاوضاع الكارثية التي وصلت اليها وضعية العديد من اعوان الدولة جراء الافراط في الاستدانة التي يتورطون فيها بفعل حدة الحاجة وقوة الاغراءات، دون اعتبار لقدرتهم على الوفاء بهذه الديون وفوائدها المبالغ فيها، او احتساب لاثرها على القدرة على الانفاق، بفعل تعدد الاقتطاعات غير الخاضعة لاية رقابة قانونية .

وتسري الاحكام خاصة بالقرض الاستهلاكي في المشروع على جميع القروض التي يقدمها المهني للمستهلك، ايا كانت اسبابها او انواعها  او طبيعتها ما عدا القروض العقارية التي تخرج عن هذا الاطار بمقتضى الفصل 61 من المشروع (23) .
وهكذا فان الفصل 64 من مسودة المشروع تقتضي لزوما ان يسبق كل عقد للقرض مقترح على المستهلكين عرض مسبق "Offre préalable" بصيغة تجعل المقترض يقدر تماما طبيعته ومدى الالتزامات  المالية التي قد يتحملها وكذا شروط تنفيذها .
ان هذا الالتزام يشكل في حد ذاته تجديدا جديرا بالاهتمام، فهو يقتضي   حتما ان يكون العقد الاستهلاكي شكليا. غير ان الشكلية في هذا المجال ليست قيدا على حرية الارادة كما كانت في الماضي، وانما هي تحرير لهذه الارادة ووسيلة من وسائل تدعيمها وتنويرها، حتى يكون القبول ببنود العقد متاتيا عن بينة واختيار حقيقيين .
ولذلك فان المادة 65 من نفس المشروع تستلزم في العرض الاولي للقرض ما يلي :
* ان يكون مصاغا بطريقة واضحة لا لبس فيها ولا غموض .

* ان يتضمن تعريفا وافيا باطراف العقد .
* ان يحدد بالوضوح اللازم مبلغ القرض، وكيفية تمكين المقترض منه، ومختلف اشطره، ومراحل اداء هذه
الاشطر اذا وجدت، والقيمة الاجمالية للقرض،
_____________
23) وهذا هو موقف نفسه المتبنى من لدن القضاء الفرنسي رغم انتفاء نص قانوني بهذا الخصوص، راجع في ذلك :              J.C. Auloy et Steinmetz : Droit de consommation. 4 Ed. Dalloz. Paris 1996. P. 309 .
-------------------
ونسب الفائدة ومبلغها الحقيقي الكلي وكذا مجموع الاقتطاعات الجزافية المطلوبة علاوة عن الفوائد من قبيل مصاريف الملف، ومصاريف الاقتطاعات وواجبات التامين وما الى ذلك .
* التذكير بمتقضيات الفصول من 67 الى 69، وتضمين نص الفصل 75 من المشروع في العقد المقترح .
* بيان السلعة او الخدمة موضوع التمويل عند الاقتضاء .
ولان المسافة بين الاغراء والخداع في مجال الاستهلاك هي مسافة جد ضيقة، وان المحترف المهني قد لا يعدم وسيلة للإيقاع بمستهلك مشدوه اما ببريق العرض، او بلهفة الحاجة، فيكون قبوله التعاقد اراديا ظاهريا، مذعنا ومغرار به حقيقة، فان المشروع قد تحوط لحالات التسرع في توقيع العقود الاستهلاكية عموما وعقود القرض بصفة خاصة، واقر مقتضيات يضمن عبرها وعن طريقها سلامة رضا المستهلك بعيدا عن اي تاثير ضاغط. ويتعلق الامر اجمالا بمقتضيات ثنائية الطابع :

اجراءات ذات طابع وقائي
وتتمثل اساسا في تلك المهلة التي يخولها القانون للمستهلك من اجل التروي والتفكير والتدبير في الايجاب الموجه اليه قبل اعلانه القبول، خلافا للاصل العام في نظرية العقد الذي يقتضي سقوط الايجاب قانونا اذا لم يرتبط به القبول فور صدوره وقبل انقضاض مجلس العقد. وفي هذا الاطار يلتزم المقرض بموجب الفصل 66 من المشروع بالبقاء على عرضه مدة لا تقل عن عشرة ايام يحدد المقترض خلالها موقفه منه .

اجراءات ذات طابع علاجي .
قد لا تكون مهلة التفكير "Délai de réflexion " كافية للحيلولة دون تسرع المستهلك في اتخاذ قرار لم يستوعب جيدا جميع ابعاده وتداعياته. لذلك فان مسودة المشروع، اسوة بالقوانين المقارنة، تمنح المستهلك مكنة اخرى خارج اطار النظرية العامة للعقد وقوته الملزمة القاضية بان العقد شريعة المتعاقدين (24)، حيث تبيح للمستهلك ان يعدل عن قبوله بعد تمام اقترانه بالايجاب خلال اجل معين يعبر عنه بمهلة " التدارك" او "الاستدراك" "Délai de rétractation ou de repentir" ومن ذلك ان المادة 47 من المشروع تنص على انه في حالات البيع المصفقي، يحق للمستهلك ان يعدل عن طلبياته او التزامه بالشراء خلال سبعة ايام من تمامها عن طريق رسالة مضمونة مع الاشعار بالتوصل .

وشبيه بذلك ايضا ما ينص عليه الفصل 67 من المشروع المتعلق بالقرض الاستهلاكي، حيث يتيح للمستهلك الذي يتلقى العرض الاولى من المقرض ان يتحرر من التزامه بالقبول خلال سبعة ايام من توقيعه، اي بعد ان يصبح العرض عقدا ملزما لطرفيه بحسب الاصل. ومن اجل ضمان ممارسة المستهلك لهذه الامكانية، يوجب نفس الفصل ان يكون العرض الاولى مرفقا بمطبوع يستعمل لهذه الغاية .

الفقرة الثالثة : زجر الغش والخداع ومعاقبة الاشهار المضلل
بموجب الفصل الاول من قانون الزجر عن الغش في البضائع الصادر في اكتوبر 1984، فانه : " يعد مرتكبا الغش عن طريق الخداع او التزييف كل من غالط المتعاقد بوسيلة ما في جوهر اوكمية الشيء المصرح به وقام خرقا لاحكام هذا القانون او النصوص المتخذة لتطبيقه اوخلافا للاعراف المهنية والتجارية، بعملية تهدف عن طريق التدليس الى تغييرهما …" ويعتبر من الغش ايضا وفقا للفصل الرابع من نفس الفصل " كل من خادع  المتعاقد او حاول خداعه .

في ماهية البضائع وخصائصها الجوهرية وتركيبها ومحتواها من العناصر المفيدة .
او في نوعها او منشئها عندما يتبين من الاتفاق اوالاعراف ان تعيين النوع او المنشا المنسوب  زورا الى البضائع يجب اعتباره السبب الاساسي لالتزام المتعاقد .
_____________
24) انظر في الخلاف حول ما اذا كان هذا المقتضى موافقا ام مخالفا للقوة الملزمة للعقد :
- جمال النكاس : المرجع السابق. ص 105 .                   J.C. Auloy : Op.  Cit .p. : 24 .
--------------------
او في كمية الاشياء المصنوعة او المعباة او المخزونة من اجل البيع او المبيعة او المسلمة .
او في هويتها بتسليم بضاعة غير البضاعة المعينة التي كانت محل العقد … " .
وقد سلك الفصل العاشر من مسودة مشروع قانون حماية المستهلك  نفس مسلك القانون 1984 من حيث عدم تعريف الغش والخداع (25) والتزييف (26) مكتفيا بتعداد مظاهرها وتجلياتها،  فاعتبر غشا كل  الوسائل التي قد يستعملها الشخص مباشرة او بواسطة الغير لا يقاع المستهلك  في غلط يطال ماهية البضاعة او الخدمة او نوعها او منشئها وخصائصها الجوهرية وتركيبها ومحتواها. ولم تضف جديدا عدا ما يتعلق بالاجهزة من حيث صلاحية استعمالها او المخاطر المترتبة عن تشغيلها او مراقبتها او الاحتياطات الواجب اتخاذها عند الاستعمال.
وخلافا للمالوف في التشريعات المقارنة(27)، اورد الفصل 29 من المشروع المغربي تعريفا للاشهار، فاعتبره شاملا كل خطاب بياني او مكتوب او مسموع او
___________
25)  انظر في تعريف الخداع :
جواد الغماري : جرائم الغش في البضائع، المرجع السابق. ص 64
وراجع في التمييز بين التدليس المدني والخداع في هذا المجال الاستهلاك المعبر عنه بالتدليس الجنائي .
* حسن احمد الجندي : الحماية الجنائية للمستهلك ص 16-22 .
* جواد الغماري : المرجع السابق. ص 64 وما بعدها .
26)    راجع لمزيد من التفاصيل :
* عبد الحق صافي : المرجع السابق. ص117 .
* حسن احمد الجندي : المرجع السابق. ص 137 .
* جواد الغماري : المرجع السابق. ص 84 وما بعدها .
27)    انظر المادة 121 - 1 من قانون الاستهلاك الفرنسي المطابقة للفصل العاشر من ظهير 5 اكتوبر 1984 ونصه :
" بمنع كل اعلان مهما كان شكله يشتمل على ادعاء او بيان او عرض كاذب او من شانه ان يوقع المستهلك في الغلط بشان احد العناصر الاتية : وجود السلع او الخدمات وطبيعتها وتركبيها وجودتها ومحتواها من العناصر المفيدة ونوعها ومنشئها وكميتها وطريقة وتاريخ صنعها وخصائصها واثمان وشروط بيعها وشروط او نتائج استعمالها واسباب واساليب البيع او التسليم او تقديم الخدمة ومدى الالتزامات وهوية او صفة او اهلية الصناع والباعة والمشهرين والمعلنين ومنجزي الخدمات .." .
------------------
سمعي بصري يبث نظير اجر او اي مقابل اخر، من اجل الترويج للسلع والاموال والخدمات في اطار نشاط تجاري او صناعي او مهني حر، او لضمان الرواج التجاري لمقاولة عمومية او خاصة (28).
والواقع ان الاشهار باعتباره تقنية تجارية كان على الدوام محل اخذ ورد، فقد ينظر اليه على انه وسيلة معتبرة لاعلام المستهلك وتبصيره، اذ يقتصر دوره الاساسي على تقريب المستهلك من كل ما هو متاح امام تعدد وتنوع المنتوجات والخدمات ليمارس خياراته بشكل افضل وعن سابق علم ومعرفة (29)، في حين يتحفظ الكثيرون على دور الاشهار بدعوى تاثيره النفسي على الجمهور الذي يصل الى حد تضليله والتغرير به .

والاكيد ان الخطاب الاشهاري لم يكن ابدا خطابا محايدا ولا موضوعيا، حيث تمتزج فيه الحقيقة والمبالغة والكذب، لذلك ينبغي التعامل ازاءه بكثير من الحذر، وهو ما حدا بالتشريعات المتعلقة بحماية الاستهلاك الى ان تولي للاشهار اهمية خاصة، فاعتبرت الكاذب بل ومجرد الخاطئ منه جريمة معاقبا عنها، وهو الموقف الذي تبناه الفصل 30 من مسودة المشروع، الذي يصنف ضمن الاشهار الكاذب كل اعلان تجاري يمكن مباشرة او بطريقة غير مباشرة، صراحة او ضمنا من ايقاع المستهلك في غلط او عدم الفهم او الخلط بشان السلعة او الخدمة، وسواء ثم ذلك عن حسن نية او سوء نية .

الفقرة الرابعة : الشروط التعسفية
لاشك ان النظرية العامة للعقد تيسر بشكل واضح سبل الاستغلال والتسلط في العلاقات التعاقدية، التي تجمع بين اطراف غير متساوية في مراكزهم القانونية، اذ على مستوى القانون المغربي مثلا، لا يعتد في العموم بالغبن، ولا ينهض
____________
26)    انظر في تعريف الاعلان التجاري، عبد الفضيل محمد احمد : الاعلان عن المنتجات والخدمات من الوجهة القانونية، مكتبة الجلاء الجديدة . المنصورة ص 16-17
27)     J.C. Auloy : Droit de la consommation Op. cit. p. 205-206 .
------------------
فيه التدليس سببا لابطال العقد، ما لم يتخذ وسائل احتيالية توقع المتعاقد مه في غلط يدفعه الى التعاقد، وهي وسائل اصبحت متجاوزة ولا تتصور الا في المعاملات الفردية المحدودة، فلا تطال بالتالي الصيغ الجديدة للتعاقد، من قبيل عقود الاذعان والعقود النمطية. وهي اذ يتولى اعدادا مسبقا مختصون يتمتعون بالتفوق الاقتصادي والكفاءة الفنية، لا تسلم في الغالب من شروط قد تبدو وفقا للقواعد العامة شروطا عادية لا تنال من سلامة الرضا، ولكنها في حقيقتها مجحفة ظالمة، ترهق المتعاقد وتثقل من التزاماته .

واذا كانت قوانين الاستهلاك تستهدف اساسا حماية المستهلك من الشروط التعسفية، فانها تواجه مع ذلك اشكالا يتعلق بتحديدها ورصد مختلف مظاهرها وتجلياتها، فقد كانت المادة 35 من قانون الاستهلاك الفرنسي الصادر بتاريخ 10 يناير 1978، تعتبر الشروط تعسفية اذا اتضح انها مفروضة من المهني على المستهلك عن طريق استغلال تفوقه الاقتصادي للحصول على امتيازات مبالغ فيها. غير ان التعريف كان موضوعا لانتقادات متعددة، لانه بعيد عن تحقيق الحماية اللازمة للمستهلك، فهو من جهة، يحمله واجب اثبات ان المهني قد تعسف في استعمال سلطته وتفوقه الاقتصاديين بالرغم من صعوبة هذا الاثبات من الناحية العملية، ومن جهة اخرى يعتبر التفوق الاقتصادي مناط التعسف، وهو بذلك يهمل او يتجاهل التفوق في  الخبرة الفنية والكفاءة التقنية التي تتيح للمهني تضمين بنود العقد ما يخفف التزاماته، او يضخم التزامات المستهلك حتى ولو كان هذا الاخير اقوى من الاول اقتصاديا .

ولذلك فان المشرع الفرنسي قد عدل عن هذا التعريف بمقتضى الفقرة الاولى من المادة 321 من قانون الاستهلاك الجديد الصادر بتاريخ 1 فبراير 1995 حيث ورد فيها انه : " في العقود المبرمة بين المهنيين والمستهلكين، تعتبر تعسفية الشروط التي يكون موضوعها او اثرها هو خلق اختلال مبالغ فية بين حقوق والتزامات اطراف العقد على حساب الطرف المستهلك" .

اما في مسودة مشروع قانون الاستهلاك المغربي، فقد نص الفصل 24 على انه : "يعتبر تعسفيا كل شرط في العقد لم يكن محلا لمفاوضة فردية ولم تراع في التنصيص عليه متطلبات حسن النية. والذي يترتب عنه من جانب المستهلك عدم توازن بين حقوق والتزامات اطراف العقد .

يعتبر شرطا غير خاضع للمفاوضة الفردية، كل شرط تمت كتابته مسبقا دون ان يكون للمستهلك اي تاثير على محتوى العقد، وخصوصا في اطار عقد الاذعان"
ومن ثم فان هناك شروطا متعددة تحدد في مجملها مميزات الشروط التعسفية :
1.    الا يكون خاضعا للمفاوضة الفردية .
2.    ان يترتب عن الشرط عدم توزان او تكافؤ بين الحقوق والالتزامات الناشئة عن العلاقة التعاقدية .
3.    ان يكون الشرط مكتوبا بصفة مسبقة دون ان يكون للمستهلك اي تاثير في محتوى العقد .
واذا كان المشروع المغربي قد وسع من مفهوم الشرط التعسفي بشكل ملحوظ، واحال على مبدا حسن النية الثابت في النظرية العامة للعقد، بل والزم المهني باثبات كون الشرط متفاوضا عليه، وهي مسالة جد ايجابية، الا ان ما يثير التساؤل حقا هو هل من الضروري بالنسبة للمشروع او يكون الشرط مكتوبا ليكون تعسفيا. وهل الشروط المتفاوض بشانها لا يمكن ان تكون تعسفية مهما كانت مجحفة .

ان الصعوبة لا تتمظهر فقط في دقة تحديد الشروط التسعفية، وانما ايضا في سبل مواجهتها، فهناك تشريعات تكلف هيئات وجمعيات مختصة في الاستهلاك بمراقبة انماط العقود والتدخل من اجل تشجيع الحوار في هذا الشان والحث على تغيير مجموعة من الشروط في العقود النمطية، كما هو الشان بالنسبة للتشريع الدنماركي والبريطاني والايرلاندي. اما في فرنسا، فرغم عدم وجود اية هيئة يخولها القانون صلاحية اجبار المهنيين على وضع عقود نمطية خالية من الشروط التعسفية، فان ضغط المستهلكين، وقوة واشتداد المنافسة افرز مجموعة من المبادرات اسفرت بالفعل عن اعداد بعض العقود النمطية تراعي جانب المستهلكين (30) .

غير ان هذه المبادرات ليست كافية للحد من الشروط التعسفية، لكونها محدودة من جهة، ولانها من جهة اخرى مجرد توصيات غير ملزمة سوى للمنخرطين في الجمعيات الموقعة (31) .
اما بالنسبة للمغرب فانه لاوود لنص تشريعي، ولا لاية هيئة من هذا القبيل، عدا ما يمكن تسجيله بالنسبة لتنظيم بعض المهن الحرة وقانون العقود المهنية، حيث بعض العقود النموذجية المنظمة للعلاقات بين المهنيين انقسم فيما بينهم فقط كما هو الشان بالنسبة لعقد النيابة بين الاطباء، وهو عقد نموذجي تعده الهيئة الوطنية للاطباء، وعقد التدريب من اجل الادماج، وهو عقد نموذجي تعده الادارة، ويسري على جميع عقود التدريب من اجل التاهيل لممارسة مهنة من المهن محاولة لاستبعاد الشروط التعسفية (32) .

اما المشروع، فقد استحدث هيئة اطلق عليها اسم " المجلس الوطني للاستهلاك" وادرج ضمن مهامه اصدار لائحة بيانية غير شاملة للشروط التي يمكن اعتبارها تعسفية، وحسب الفصل 100 منه، يمكن لهذا المجلس ان يحدث لجنة متخصصة في الشروط التعسفية من اجل استشارتها. والظاهر ان الشروط الواردة في اللائحة البيانية يجب ان تعتبر تعسفية دون اثبات اخر ولو لم ينص على ذلك في المشروع .
___________
30) من ذلك مثلا مبادرات شركات :             Peugeot. Reuault. Chrysler - France
 راجع       Helene Bricks : Les clauses abusives L.G.D.J. 1982. P. 266
31)   Helene Bricks.  p. 219 . 
32) احمد ادريوش  : الكراء في المدونة الجديدة للتجارة. سلسلة المعرفة القانونية. مطبعة البوكيلي 1998/ ص 30-34 .
-----------------
وتتولى لجنة الشروط التعسفية اضافة الى ما سبق، مهمة مراجعة العقود النموذجية المطروحة وبيان الشروط التي يجب تعديلها (33) .
وايا كان الامر فان القضاء يظل راهنا العامل الاساسي لضمان حماية فاعلة للمستهلكين. غير ان المبادئ التقليدية في العقد لا تتيح له هامشا واسعا للمبادرة، سيما وان القاعدة فيها ان الشك كما ينص على ذلك الفصل 473 من قانون الالتزامات والعقود يفسر لمصلحة المدين، وبالتالي فانه لا اعتبار لمركز المتعاقدين من حيث القوة او الضعف، او لمدى الخبرة والكفاءة. ومع ذلك فان القضاء المقارن، اعتمادا على حقه في التاويل(34)، اعتبر ان الحماية تتقرر في مواجهة الطرف الذي بيده المبادرة في صياغة الاتفاقات، على أساس ان المبادئ التقليدية تفترض تفاوض المتعاقدين حول بنود العقد وشروطه، ولان انتشار العقود النمطية وتفشي ظاهرة التعامل بها وبأشباهها ينفي هذا الافتراض، ويؤدي الى اتساع مجال لشروط المجحفة، فانه نبغي تفسير الشرط التعسفي لفائدة المستهلك دائنا كان او مدينا (35) .

ويعترف الفقه مع ذلك بصعوبة هذا التوجه عندما تكون الفاظ العقد صريحة واضحة لا تحتمل التاويل (36). ومن هنا تاتي اهمية المقتضيات الجديدة في قوانين الاستهلاك. ومن ذلك ان الفصلين 26 و27 من مسود المشروع المغربي. يقرر ان التعرف على الشروط التعسفية يقتضي من القاضي مراعاة وقت ابرام العقد،    
_____________
33) في قانون الاستهلاك الفرنسي يختص مجلس الدولة منذ قانون 10 يناير 1978 المعدل اخيرا بقانون 1995 باصدار مراسيم تحدد الشروط التعسفية بعد اخذ راي لجنة الشروط التعسفية.
وقد صدرت منها لحد الان لائحة واحدة تحظر :
تعطيل او انقاص حق المستهلك في التعويض عن الاضرار التي تلحقه من جراء تقصير المهني في القيام بالتزام من التزاماته .
الشروط التي تسمح انفراديا للمهني بتغيير مواصفات السلعة او الخدمة محل العقد ..
الشروط المعفية او المقيدة للمسؤولية عن الضمانات المتولدة عن العقد كضمانات العيوب والتعرض والاستحقاق .
راجع في ذلك :      G. Berlioz : le contrat d'adhésion. These. Paris 2. ed. p .125
34) …………..
35) ملحم : المرجع السابق : ص. 272 .
36) جميعي : المرجع السابق . ص 161 .
-----------------------
والظروف المحيطة به، واعتبار كل بنود العقد في شموليتها. ويؤسس المشروع قرينة قانونية مبناها ان المستهلك يفترض فيه عدم العلم بشروط العقد التابع او الملحق لمجرد تصريحه بذلك، وعلى المهني اذا ادعى العكس ان يثبته. وكذلك الامر بالنسبة لكل الشروط المبهمة غير الواضحة او غير المفهومة او المدرجة على الوجه الاخر من الصفحة الموقعة. اضافة الى التاكيد النصي الصريح على ان الشك يفسر لمصلحة المستهلك.

واخيرا فان الشروط التعسفية حسب الفصل 28 من المشروع، وحدها تعتبر باطلة من دون العقد الذي يتضمنها، وذلك وفقا لاحكام البطلان في القواعد العامة .
وجدير بالتنويه الى انه ايا كانت نجاعة النصوص، ومهما بلغ حرص القضاء على حماية المستهلك، فان ذلك يظل محدودا على الدوام، ما لم يعضد ويدعم بيقظة حقيقية لتنظيمات المجتمع المدني، وفي مقدمتها جمعيات حماية المستهلكين، لاسيما اذا استحضرنا انتشار الامية في اوساط عموم المستهلكين، وضعف الرقابة الإدارية(37). وتكمن فاعلية هذه الجمعيات اساسا في قدرتها التفاوضية بحكم تالف اعضائها في مواجهة المهنيين التي تتيح لها امكانية التصدي لمظاهر التعسف التعاقدي في منبعها .

ويلاحظ ان دور هذه الجمعيات في المشروع محدود جدا يقف عند حد تمثيل المصالح الفردية او الجماعية للمستهلكين امام القضاء او الادارة كما ينص على ذلك الفصل 96 ب. والحال ان التشريع الفرنسي مثلا يخولها منذ قانون 1978 علاوة على ما ذكر، امكانية رفع الدعاوي من اجل المطالبة بالغاء الشروط التعسفية ( المادة 6/421 L) اي ان دورها وقائي، يعمل على تفادي ورود هذه الشروط في النماذج المقترحة من قبل المهنيين، التي قد تتحول مستقبلا الى عقود استهلاكية .
_____________
27) A. Boudahrain : Op. Cit ; p : 214
--------------------
* مجلة المحاكم المغربية، العدد 84، ص 97 .
Sbek net
كاتب ومحرر اخبار اعمل في موقع القانون والقضاء المغربي .

جديد قسم :