-->

نظرات في أتعاب المحامي دراسة وتعليق


علي العلوي الحسيني 
محامي بهيئة الجديدة
مقدمة :
حفزني الى معالجة هذا الموضوع  قرار للمجلس الاعلى (1)  صدر  في  الملف10073/1991 بتاريخ: 8/8/1991 عن الغرفة الادارية بالدورية القانونية عدد: 2 وصدر عن السيد الرئيس الاول  لمحكمة الاستئناف بفاس (2)  في  الملف 3/1991 بتاريخ 9/5/1991 ونشر  في كتاب نظرات في الفقه والقانون للأستاذ طارق السباعي.

وقد كنت أفكر في حصر اهتمامي بالتعليق على كل منهما بما يجب وما اعتقده نافعا لي في سبر غور ما تطرق اليه القرار والأمر وما اعتقد انه ربما ينفع الناس.
الا ان الفكر جال بالرغم مني هنا وهناك، فمن الأتعاب وعناصر التحديد الى الضمانات والتقادم الى الاختصاص والطعن.
-----------------------
(x) ان القرارين موضوعي هذا التعليق منشوران في مكان اخر من هذا العدد.
(1) قرار للمجلس الاعلى يقضي بقبول الطعن بالنقض في امر الرئيس الاول الصادر في قضية تحديد الأتعاب خلافا للفقرة الاخيرة من الفصل 123 من ظهير المحاماة.
(2) الخلة: أمر الرئيس الاول بمحكمة الاستئناف بفاس يقضي بان دعوى المحامي الرامية الى تحديد الأتعاب تتقادم بسنة عملا بالفصل 398 من قانون الالتزامات والعقود.د
---------------------
فكانت هذه المقالة:
اولا- القسم الاول
أ- الفرع الاول:
في الاتعاب وعناصر التقدير:
ليس هناك شك ان زبون الطبيب يسلم إليه اغلى ما لديه وهو جسده وان زبون الموسيقى يسلم اليه اذنه الموسيقية ومشاعره وان اي زبون يقدم للمحترف شيئا عزيزا عليه قصد معالجته بوسائل فنه وأسرار مهنته.
الا ان زبون المحامي يقدم اليه أسوا ما لديه وهو الخصومة ليخوض فيها بفكرة وأعصابه.

ولعل من أسوا ما في هذا السوء هوان الزبون وهذا هو الغالب يعتقد ان قضيته هي القضية الوحيدة في هذا الكون فيقع على المحامي في  كل يوم بكلكل كلامه واستفساراته التي لا تنتهي.

ويكون على المحامي وخاصة العموم ان يرخي ذهنه ان صح التعبير لسياط زبائن تتنوع قضاياهم فما ان يغادر مكتبه المتهم بالسرقة او من يمثله حتى تهل عليه الكاتبة بمن ينازع زوجة او مشغله او حتى من نبش قبرا لاستعمال فك او عظمة فيما يعتقده او يتوهمه سحرا وهلم جرا.

وليس ذلك فقط ما يتحمله المحامي بل انه يحرق عمره حرقا بالرغم منه في الممارسة ان أشغاله لا تستغرق، شانه شان الموظف، حصة صباح تنتهي في الثانية عشرة وحصة مساء تنتهي في السادسة والنصف مساء، بل انها تستغرق النهار كله وجزء من الليل فيكون العمل عبادة.

واخيرا بعد المعامع والمعارك والجهد العظيم يسمع حكما لا يرضيه من الناحية الواقعية او  القانونية فاذا بالزبون اول متهم له فكان اقصر جدار يمكن القفز عليه الى الخطأ في فهم الامور.

بل ان من الجمهور ومنهم العديد ممن فتح الله باب الثقافة والعرفان من هو اقرب إلينا من حبل الوريد في الحقل القضائي يعتقد سامحه الله، ان المحامي يمارس مهنة سهلة وانه جماع أموال.
والحال انها نظرة جزءية ظالمة لا علاقة لها بالواقع المشهود.

وعلى اية حال فان من العدل القول بان المحامي يستحق أتعابا مجزية عن عمله النبيل والصعب لان النظرة الموضوعية والعقلانية للأشياء تأبى كل شيء غير ذلك.

واذا كان التشريع المغربي على غرار التشريع الفرنسي لم ينص على معيار او معايير تحديد الأتعاب فانه يمكن بسهولة الوقوف على صراحة الفصل16 من قانون الجار الجزائري فقرة1 الذي نص على ان الأتعاب تحدد حسب :
- الجهد الذي يبدله المحامي: طبيعة القضية ومدتها، المحكمة التي ترفع اليها القضية.
وعند الاقتضاء قيمة الشيء المتنازع فيه.
كما يمكن الوقوف بالفصل57 من القانون السوري (3) على ان مجلس فرع النقابة يفصل في الخلاف حول الأتعاب مع مراعاة أهمية القضية والجهد المبذول ومكانة المحامي.
وينص الفصل57 من القانون اللبناني (4) على ان بدل الأتعاب يجب ان يكون متناسبا مع مركز المحامي ومع اهمية القضية والعمل الذي أداه المحامي وحالة الموكل.
واما القانون المصري(5) فقد نص في الفصل82 على ان ما يدخل في التقدير هو أهمية الدعوى والجهد المبذول وملاءة الموكل وأقدمية درجة قيد المحامي والنتيجة المحققة.
ويبدو لي ان هذا العنصر الأخير لا محل له في اعراب التقدير لان المحامي شانه شان الطبيب مسؤول عن بذل عناية ولأنه لاتزر وزارة وزر أخرى، فالعمل المجيد قد ينتهي الى نتيجة تعود الى خطا المحكمة او الى الزبون ولا يعقل ان تقع مساعدة المحامي عنها ولا ان يقع انتقاض من أتعاب المحامي بناء عليها.
بل انه في كثير من الأحيان لا يخطئ أحد ومع ذلك فان الاتعاب تكون موضوعيا اكبر من النتيجة.

فالمحامي الذي ينوب عن ضحية حادثة سير مدة ثلاث سنوات سقع فيها فيافي القضية وقفارها فمن المراقبة بالنيابة العامة الى محكمة الاستئناف ثم الى التنفيذ ودروبه ومشاكله واخيرا فان المبلغ المنفذ هو الفي دهم الذي رسا عليه زورق السلطة التقديرية
---------------------------
(3) القانون رقم14 بتاريخ 22/4/1972 منشور بالجريدة الرسمية عدد19 بتاريخ 17/5/1972 - ص745.
(4) الفصل82 - الفقرة الرابعة من القانون المصري رقم17 لسنة 1983
(5) نفس المصدر السابق
---------------------
فهل من العدل ان نقول للمحامي خذ قليلا من قليل؟
ومع ذلك فالقانون المصري يجب ان ينظر إليه في اطار ما قرره المحامي من حق في استخلاص الاتعاب المستحقة عن الأداء الكامل ولو لم يؤد الا جزء منها ان عزله الموكل بمقتضى سبب غير مشروع.
وذلك لان الفصل يخفف من اثر الاعتداد بالنتيجة.
ومن جهة أخرى يجب ان ينظر  الى الامر في إطار اباحة المشرع المصري للمحامي تحديد أتعابه على اساس نسبة مائوية من الفائدة المحققة للموكل شرط ان لا تكون حصة عينية(6).
وليس ذلك حال التشريع المغربي لكي يقاس عليه
بل ان التشريع أعطى للمحامي الحق في استخلاص أتعابه على قدر ما عمل وله ان عزل لسبب غير مشروع وفي وقت غير لائق ان يقيم دعوى للضرر (7)
ومن جهة أخرى فقد خطر على المحامي بآية صفة الاتفاق على ان تكون أتعابه حصة من الحقوق المتنازع عليها.

وهكذا يكون المعول عليه في التحديد العنصر الذاتي المتمثل في مركز المحامي او قيمة اسمه في بورصة القيم المهنية ان صح التعبير والعناصر الموضوعية المتمثلة في أهمية القضية والجهد المبذول فيها تقنيا وزمانيا وحالة الموكل من حيث الملاءة او الفقر.

ب- الفرع الثاني
في الضمانات:
من الملاحظ ان التشريع المغربي لم يمتع المحامي كما سبق القول بحق الحصول على مجموع الأجرة عن الأداء الكامل للمهمة التي أنيطت به ول قبل ان يؤديها ان عزل من طرف موكله لسب غير مشروع خلافا للكثير من التشريعات العربية (8).

كما يلاحظ ان التشريع المغربي لم يحذ حذو التشريعات العربية في تمتيع أتعاب المحامي بضمانات استثنائية كحق الامتياز مثلا على غرار الكثير من التشريعات العربية.
-------------------
(6) نفس المصدر السابق
(7) الفصل 913 من قانون الالتزامات والعقود + قرار 4574 بتاريخ 5/12/1953 منشور لدى د. المجبرد ج.  2 قرارات محكمة الاستئناف بالرباط.
(8) القانون المصري والسوري والعراقي والأردني والليبي
---------------------
ويمكن القول ان التشريع المصري يتميز بأقوى الضمانات الاستثنائية والمشرعة بقوة القانون ودون حاجة الى اتفاق.
وفي هذا السياق يمكن الوقوف على الفقرة الثانية من الفصل83 من قانون المحاماة المصري التي منحت للمحامي حق الاختصاص من صدر ضده قرار التقدير او عقد الصلح او الحكم.
ويمكن الوقوف ايضا على الفصل88 من نفس القانون الذي ورد هكذا:
" لأتعاب المحامين وما يلحق بها من مصروفات امتياز يلي مباشرة حق الخزانة العامة على ما آل الى موكله نتيجة عمل المحامي او الحكم في الدعوى موضوع الوكالة وعلى ضمانات الإفراج والكفالات أيا  كان نوعها"
ويضاف الى ذلك ان هذا القانون أعطى للمحامي حسب الفصل90 حق حبس الاوراق والمستندات المتعلقة بموكله وحق حبس المبالغ المحلة لحسابه بما يعادل مطلوبه من الأتعاب ان كان هناك اتفاق كتابي عليها.

واذا كان القانون المغربي لم ينهج هذا النهج فان المحامي يبقى له في ظله اللجوء الى الضمانات العادية من حجز تحفظي ومن حبس في إطار القانون (9)

ج- الفرع الثالث
في التقادم:
من المعلوم ان الفصل53 من قانون المهنة حدد لكل طرف ان يقدم طلبه لتحديد الأتعاب والأداءات والصوائر في اجل ثلاثة اشهر.
الا ان الفقرة الثانية رفعت القيد عن المحامي حينما أجازت له ان يقدم طلبه في كل وقت وآن.
وبما ان الفصل389 من قانون الالتزامات والعقود حدد اجل التقادم بالنسبة لأجور وكلاء الخصومة في سنة فقد اعتقد البعض ان هذا الاجل ينطبق على المحامين أيضا.

ومن ذلك مقرر السيد الرئيس الاول لمحكمة الاستئناف بفاس(10) عدد 5/1991 الصادر في 9/5/1991 في القضية3/1991 الذي أخذه بهذا النهج بان الفصل 53 من ظهير 8 نونبر1979 لا يتعارض مع مقتضيات الفصل 389 من ظهير الالتزامات والعقود لانه وان جاء في الفصل 53 مطلقا فانه يحمل على المقيد وهو القانون العام أي الفصل389 السابق الذكر وفاء بالقاعدة الأصولية والفقهية القائلة بحمل المطلق على المقيد.

--------------------------
(9) الفصل291 وما يليه من قانون الالتزامات والعقود والفصل452 من المسطرة المدنية.
(10) منشور بكتاب نظرات في الفقه والقانون للأستاذ ادريس السباعي، الصفحة106.
------------------------
-بيد ان مثل هذا النهج خاطئ لانه يستند على الفهم الخاطئ للفصل389 وعلى التطبيق الخاطئ للقاعدة الفقهية المذكورة.
ذلك ان المشرع استعمل عبارة وكلاء الخصومة المقابلة في النص الفرنسي لظهير العقود والالتزامات" Mandataire ad-litem" مع الإشارة الى ان النص بالفرنسية استعمل بين قوسين ( oukil ) 
ويظهر ان المقصود بوكلاء الخصومة الوكلاء المتعاقدين غير المحامين والا فان المشرع لو قصد المحامين لسماهم باسمهم كما فعل في فصول أخرى من القانون.
بل يمكن القول بالكثير من الاطمئنان ان مقتضيات الفصل731 من قانون الالتزامات والعقود تشرح المسالة لانها تكشف عن قصد المشرع من مصطلح الوكلاء وتميزه عن مصطلح المحامين.
يقول الفصل731 المذكور:
" الا انه يسوغ للمحامين والوكلاء وغيرهم ممن يقومون بنوازل الخصام…. الخ"
ومن نافلة القول الإشارة الى ان الفصل389 من قانون الالتزامات والعقود ليس الا انعكاسا للفصل404 من قانون الالتزامات والعقود التونسي المخصص لمحاكم الوزراء التونسية والذي يعني الوكلاء العدليين (11).

واما ان المطلق، وهو في نظر الأمر الرئاسي السابق الذكر الفصل53 من قانون مهنة المحاماة يحمل على المقيد، وهو الفصل389 من قانون الالتزامات والعقود فإنها نظرية خاطئة لا كثر من سبب.
فالموقع أسفله يرى مبدئيا ان  تطبيق قواعد أصولية فيما يتعلق بشمولية الألفاظ من حيث خاصها وعاما ومشتركها ومطلقها ومقيدها على نصوص القانون الوضعي هو نوع من القياس في تطبيق ما وضع اصلا لاستنباط الأحكام الشرعية من القران والسنة.

واذا كان مثل هذا يستفيد من تراثنا المجيد، فان التطبيق يقتضي الكثير من الحذر والتمييز والدقة المتناهية في أعمال المعايير حتى لا يقع المرء في الخلط والباس الخطأ ثوب الحقيقة:
------------------
(11) قرار محكمة الاستئناف بالرباط بتاريخ 9/12/1938 منشور بالفهرس الالفباتي لاجتهادات محكمة الاستئناف بالرباط ومجموع قرارات محكمة الاستئناف بالرباط.
------------------
وفي اطار هذا النهج يتعين القول بان قاعدة المطلق يحمل على المقيد لا تكون الا مع اتحاد الموضوع.
وقد سبق القول بان موضوع الفصل389 من قانون الالتزامات والعقود وهو الوكلاء العدليون يختلف عن موضوع الفصل53 من قانون المهنة بالمحامين.

ويضاف الى هذا الاختلاف في الموضوع ان الفصل389 يتحدث عن الدعوى القضائية في حين يتحدث الفصل 53 عن الطلب المقدم الى النقيب.

وبذلك يكون محققا ان الموضوع مختلف ويفتقد تطبيق القاعدة الأصولية الى شرط اتحاد الموضوع.
ومن جهة ثانية فان هناك تعارضا في الحكم ما بين الفصل389 المذكور الذي قرر سقوط الحق بالتقادم لانصرام السنة وبين الفصل53 من قانون المهنة الذي يرفع حكم سقوط الحق ولا يعلق رفع الدعوى بأجل.

ومن جهة ثالثة فان قاعدة المطلق يحمل على المقيد هي قاعدة تنحصر حدودها بتفسير اللفظ المطلق بواسطة المقيد.
وليس هناك ما يسمح عقلا بتصور ان الفصل389 من قانون الالتزامات والعقود الذي صدر في سنة1913 يفسر الفصل53 الذي صدر سنة79.

بل ان قراءة الفصل389 حرفيا لا تسمح بالقول بان مفسر للفصل53 المتعلق بالمحامين اذ يجب، لتطبيق القاعدة الأصولية، ان نجد في القانون نصا يقول:
" يتقادم الطلب الموضوع الى النقيب في شان صعوبات الأتعاب قصد التقدير بمضي سنة".
لذا فإننا نستطيع في هذه الحالة ان نحمل المطلق على المقيد ونقول ان الأمر على غرار حملهم للآية { فصيام ثلاثة ايام} على الآية { فأتموا الصيام الى الليل}.

ولا يغيب على الذهن، ان هذه القاعدة وإضافة الى افتقادها لشروط التطبيق فإنها لا يمكن ان  تخل بالقاعدة الأصولية التي يصح تطبيقها لو اردنا الاستقاء من اصول الفقه فهي قاعدة نسخ الناسخ للمنسوخ والتي عرفها الفقهاء، برفع الشارع حكما شرعيا بدليل متراخ.

وفعلا فان الافتراض بان الفصل389 من قانون الالتزامات والعقود يشمل المحامين يجعل هذا النص نصا عاما، ويكون الفصل53 من قانون المهنة نصا خاصا.

وبناء عليه فان هذا الفصل  يعتبر تخصيصا للنص لو انه قارنه في الزمان كما يقول الأصوليون.
الا انه لا يكون تخصيصا ان كان لاحقا بل يصبح نسخا ويكون حكم الفصل53 فيما يخص إمكانية رفع طلب الأتعاب الى النقيب في كل وقت وحين رفعا لحكم الفصل389 من قانون الالتزامات والعقود في خصوص تقادم الدعوى بمضي السنة.

وبذلك يكون الرأي عندي مخالفا لما سار عليه الأمر الرئاسي السابق الذكر الذي حدد مدة التقادم عن تقديم طلب تحديد الأتعاب الى نقيب هيئة المحامين في سنة.

ثانيا : القسم الثاني
أ- الفرع الاول:
في الاختصاص:
من الواضح ان المشرع المغربي اسند الاختصاص في المرحلة الاولى للبت في منازعات الأتعاب الى نقيب هيئة المحامين ثم اسند أمر النظر في الطعن الى الرئيس الاول لمحكمة الاستئناف وميز النقيب ان كانت المنازعة تهم أتعابه لعلة واضحة بعرضها مباشرة على الرئيس الاول.

وبذلك يكون المشرع المغربي قد اسند الى النظر الفردي اختصاص البت في قضايا الأتعاب. فالنقيب يبت وحده والرئيس الاول يبت وحده.

وإذا اطل المرء اطلالة سريعة على القانون الفرنسي وبالضبط على الفصل174 وما يليه الى غاية الفصل179 بإدخال الغاية في المرسوم 1197-91 الصادر بتاريخ 27 نونبر1991 فسيجد تشابها واختلافا: اذ ان النقيب يفصل بصفة أولية كما هو الشان في التشريع المغربي ويطعن في الأمر امام الرئيس الاول لمحكمة الاستئناف.

بيد ان هذا الأخير له الحق حسب177 في إحالة القضية على محكمة الاستئناف لتفصل بدلا منه، الأمر الذي يعني وجود اختصاص  ثالث مقيد بإرادة الرئيس الاول او بعبارة أدق باستعمال سلطته التقديرية في تمحيص طبيعة النزاع وحجمه وظروفه وما اذا كانت تقتضي ان يفصل هو بالذات او تقتضي ان تفصل المحكمة.

واذا كان هذا شان القانون الفرنسي في جمعه بين القضاء الفردي والجماعي ولكن مع ميل واضح الى الاول فان التشريعات العربية من الجزائر الى العراق أخذت بنهج اسناد الاختصاص الى هيئات فصل جماعية. وهكذا يلاحظ ان التشريع العراقي (12) ومعه التشريع اللبناني (13) اسند الاختصاص مباشرة الى محاكم العادية.

في حين نص القانون المصري(14) على إسناد النظر الى لجنة مشكلة من مجلس النقابة واسند أمر الطعن الى المحكمة الابتدائية ان كانت قيمة الطلب خمسمائة جنيه او اقل والى محكمة الاستئناف ان تجاوز النصاب ذلك.
وسار القانون الأردني على نفس النهج دون ان يعطي أي اختصاص للمحكمة الابتدائية طبقا لمعيار القيمة الذي اخذ به القانون المصري.

وهكذا فعل القانون الليبي والقانون التونسي.
ويظهر لي ان اسناد الاختصاص الى الجماعة اضمن من إسناده الى الفرد بالنسبة لمصالح الطرفين، من جهة ما يقرره العقل من ان نظرة الجماعة بعقول الجماعة  أقوى واقرب الى بلوغ المرام من نظر الفرد بعقل الفرد، ولان شخص النقيب وهو واسطة عقد المحامين وجامع عقدهم ينبغي ان يبقى موقرا بعيدا عن الكثير من الحزازات والحساسيات التي تثيرها قضايا الأتعاب سيما مع ما عرفته وتعرفه من تشعب وتكاثر.

ولأمر ظاهر سمح القانون الفرنسي للرئيس الاول بان يحيل القضية على محكمة الاستئناف ان بدا له من الحرج او من الحيرة او من ثقل المسؤولية او من غير ذلك ما يقتضي رفع يده ووضع القضية بين أيادي جماعة القضاة.
ولعله لو أعطى نفس المكانة المحامين كان ذلك متنفسا ومتسعا ولكل مقال مقام.
ومما يستدعي الاهتمام ان القانون المغربي ولم أر ذلك مخالفا بالقانون الفرنسي السابق الذكر لم يضع أي ضابط للاختصاص المكاني لكل من النقيب والرئيس الاول بل ترك ذلك اما عن قصد او عن غير قصد للعمل.

ويبدو لي حق الترافع امام جميع محاكم المملكة يفرض نوعا من تدخل المشرع لضبط هذه المسالة بقواعد دقيقة من شانها ان ترفع كل لبس وتحقق التوازن المسطري العادي بين مراكز الاطراف.
ولعله ليس من السهل ان يقرر المرء ان نزاع محام من البيضاء موكل في اكادير مع زبونه القاطن ثمة يجب ان يعرض على نقيب هيئة البيضاء ولا يعرض على نقيب هيئة اكادير.
------------------------------
(12) المادة 62 من القانون رقم 173 لسنة1965 المنظم للمحاماة.
(13) المادة 59 من قانون المحاماة اللبناني الصادر بتاريخ 13/12/1945.
(14) المادة 84 من قانون المحاماة  المصري الصادر في 21/4/1983.
-------------------------------
وان الطعن في المقرر الصادر عن النقيب سواء كان هنا او هناك يعرض على الرئيس الاول لمحكمة الاستئناف بالبيضاء ولا يعرض على رئيسها باكادير.
ولا يغرب عن الذهن فيما يتعلق بحدود الاختصاص من الناحية الموضوعية ان اختصاص هيئة المحامين مقيد بحدود مهمة التحديد "la taxation" ولا يتعدى ذلك الى القضاء بدين الأتعاب المتفق عليه.
فهو يحدد الأتعاب والمصاريف، اما في الإطار الذي يجبر فيه المحامي على تقديم طلب بذلك في خصوص ما قبضه لفائدة قاصر بمقتضى الفصل6 من الظهير واما في إطار المنازعة في غير ذلك.

ولا يمكن للنقيب ان يتجاوز هذا الاختصاص الى القضاء بدين أتعاب تم تحديدها بمقتضى سند غير منازع في قوته التوثيقية اذ ان الاختصاص ينعقد في هذه الحالة للمحاكم العادية طبقا للقواعد العامة.
ومن جهة اخرى فان اختصاص الرئيس الاول مقيد بحدود موضوع الطعن الذي هو تحديد النقيب للأتعاب.
فإذا لم يحدد النقيب ورفض صراحة او ضمنا فان الرئيس الاول لا يستطيع ان ينصب نفسه خارج إطار ما رسم له ويبت في طعن يتعلق بذلك الرفض الصريح او الضمني.

وهكذا فقد ورد بالفصل 122 من قانون المحاماة المغربي ما يلي:
يمكن للمحامي او الزبون الذي يرفض الأتعاب المحددة ان يحيل داخل الثمانية أيام الموالية للتبليغ مقرر النقيب والأتعاب الى الرئيس الاول لمحكمة الاستئناف ... الخ.

وليس ذلك حال التشريع الفرنسي الذي نص في الفصل 176 من المرسوم السابق الذكر على ان قرار النقيب الصادر في المنازعات المتعلقة بالمبلغ او باستخلاص الأتعاب حسب الفصل 174 قابل للطعن امام الرئيس الاول لمحكمة الاستئناف.

وليس ذلك، أيضا حال التشريعات العربية التي تنص على امكانية الطعن دون تمييز في العبارة بين حالة التحديد وعدم التحديد.
ويظهر لي ان الأمر يتعلق بخطاء في الصياغة، اذ ليس هناك ما يبرر التميز غير هذا التبرير.

ب- الفرع الثاني
في الطعن:
تعريف وست ملاحظات:
ان الطعن في مقرر النقيب المحدد للأتعاب طبقا للفصل 122 من ظهير المحاماة طعن استثنائي في إطار مسطرة استثنائية، ولذلك فقد استعمل مشرع ظهير المحاماة الحالي عبارة يمكن للمحامي او الزبون الذي يرفض الأتعاب المحددة ان يحيل داخل الثمانية أيام الموالية للتبليغ مقر النقيب والأتعاب الى الرئيس.

ولم يستعمل المشرع المغربي مصطلح الطعن بالاستئناف على غرار ما فعل المشرع المصري والسوري والأردني ولا المعارضة على غرار ما فعل المشرع التونسي وذلك من باب التدقيق في استعمال المصطلحات القانونية لان الاستئناف طريق طعن عادي والمعارضة او التعرض تنصب على الاحكام الغيابية.
والملاحظ من جهة ثانية ان المشرع حدد اجل ثمانية ايام من تاريخ التبليغ للطعن في المقرر وهو اجل اقصر من اجل الطعن بالاستئناف في الأوامر الصادر عن قاضي المستعجلات..
ومن المؤكد ان القصد اتجه الى جعل مسطرة الطعن مسطرة إستعجالية ولذلك سمى المشرع ما يقرره الرئيس الاول في الطعن أمرا « ordonnance » 
وتجدر الإشارة من جهة ثالثة الى تقديم الطعن بواسطة رسالة مضمونة كما نص على ذلك الفصل 122 ليس أمرا وجوبيا يترتب على مخالفته عدم القبول اذ ان ذلك مجرد رخصة استثنائية قصد بها التسهيل والقاعدة التي اخذ بها مشرع المسطرة المغربي هي انه لا بطلان بدون ضرر.

والمسالة ان أردنا المقارنة ابتداع للمشرع المغربي سار فيه على غرار ما فعله بخصوص الطعن في الأحكام الاجتماعية وساير فيه المشرع الفرنسي، وليس شان التشريعات العربية التي لم تحدد أي أسلوب للطعن الأمر الذي يجعل ملزما باتباع القواعد العامة وتقديم الطعن بواسطة مقال.

ويلاحظ من جهة رابعة ان المشرع المغربي في قانون المحاماة الحالي لم ينص على اثر الطعن ولا على اثر عدم الطعن كما كان الشان في تقديم في القانون السابق.
واذا كان النص ساكتا فان الألسنة لم تسكت فقال بعضهم بان مقرر النقيب ليس مقررا قضائيا وانما هو رأي خبير ان قبله الاطراف كان  نفاذه من رضائهم، وليس من السند الذي ورد فيه وقال بعضهم بانه مقرر قضائي وقرر بعض رؤساء المحاكم الابتدائية باستعمال شيء من الرأي ان يأمروا بتنفيذ مقررات النقيب التي انصرم الأجل ولم يقع الطعن فيها.
والرأي عندي ان مقرر النقيب مقرر قضائي لانه يفصل في نزاع بين المحامي والمواطن الذي وكله حول حق، فهو بذلك قضاء في نزاع حول حق، اسند الى جهة غير قضائية. والذي يعطي للمقرر الصبغة القضائية هو صدوره في نزاع حول حق.
ويضاف الى ذلك ان المشرع جعله موضوع الطعن امام جهة قضائية ولو لم يكن المقرر مقصودا به ان يكون القضاء يجب إنفاذه لما شرع المشرع الطعن فيه لانه هذا الاخير انما يتقي به التنفيذ.

ومن الدلالة على سلامة هذا النهج ان القانون المغربي السابق للمهنة، وقوانين البلاد العربية،  ناصة جميعها على ان انصرام اجل الطعن في مقرر النقيب يجعله نافذا.

ويظهر لي وربما لمن اخذ من السادة رؤساء المحاكم بسلامة الأمر بتنفيذ كل مقرر لم يطعن فيه داخل الأجل ان الفصل129 من قانون المهنة الحالي نص على ان جميع المقتضيات المخالفة تنسخ وخاصة ظهير2 نونبر1957 والمرسوم الملكي بمثابة قانون بتاريخ : 19 دجنبر1968 المنظمين لنقابات المحامين ومزاولة مهنة المحاماة.
وفي هذه الحالة تطبق قاعدة حمل المطلق على المقيد الأصولية لان النص على نسخ القانونين المشار إليهما بلفظ مطلق يحمل على المقيد في مقدمة الفصل هو المقتضيات المخالفة وليس غيرها.

وعلى أية حال فان المشرع ينبغي ان يتدخل حتى يوضع حد لكل اضطراب في تطبيق النص وحتى يقع تأكيد منهج إنفاذ المقررات اذا لم يقع الطعن فيها افصاحا عما هو في الواقع قصد المشرع وان لم يذكر صراحة في القانون الحالي.

ويلاحظ من جهة خامسة ان الفصل123 من قانون المحاماة الحالي ينص على ان المحامي يستدعي الطرف للحضور في مكتب الرئيس الاول داخل اجل ثمانية ايام وذلك بأثر الطعن.
وفي هذه الحالة فان المشرع سمى المحامي باسمه الدال على صفته المهنية كما فعل ذلك المشرع الفرنسي وكذا التشريعات العربية ولم يستعمل عبارة: يستدعي الطرفان

ويترتب على ذلك ان المحامي يحضر مرتديا بذلته لأنه لا يكون محاميا امام القضاء بمقتضى الفصل41 من ظهير المهنة، وحسب التقاليد والأعراف الا اذا كان مرتديا لها.
ولا يغير من ذلك شيئا ان تكون الأنظمة الداخلية للنقابات بالمغرب ناصة على ان المحامي لا يرتدي بذلته في القضايا الشخصية، اذ ان الأمر بالنسبة لقضايا تحديد الأتعاب مختلف فهي قضايا مهنية بين المحامي والزبون، وليست قضايا بين المحامي كمواطن وبين غيره حتى تعتبرها قضايا شخصية.

ولذلك فان الاستغلال السيئ والمحظور للبذلة ان تحقق في ارتداء المحامي لبذلته في قضاياه الشخصية لانه ينبغي ان يقف فيها مواطنا عاديا لا يؤثر بمركزه المهني على القضاء فان الأمر غير ذلك بالنسبة لقضايا الأتعاب لانه في هذه القضايا يجب ان يمثل كمحام وان يراه الرئيس الاول او النقيب قبله في اهابه  وردائه كما هو لان تقدير الاتعاب يدخل فيها تقييم ما يستحقه المحامي كمحام فوجب ان يمثل امام القضاء محاميا ببذلته.

واخيرا وهذه هي الملاحظة السادسة والأخيرة فان الطعون لا يجتهد فيها بل لا طعن الا اذا نص عليه القانون كقاعدة عامة لها أوثق الصلات بالنظام العام.
وعليه فان الفصل 123 من قانون المحاماة حينما نص صراحة على ان الأمر الصادر عن الرئيس الاول لا يقبل أي طعن فانه لم يترك كما  تقول العرب في القوس منزعا لرام ويكون بذلك قد حظر قبول الطعن كيفما كان سببه وحظر على سائر المحاكم ان تقبله.

ولذلك فان قرار المجلس الاعلى المشار اليه في مطلع هذه المقالة والقاضي بقبول الطعن في امر الرئيس الاول الصادر في  قضية تقدير أتعاب يعتبر بمثابة نسخ الفقرة الأخيرة من الفصل 123 المذكور.

وبطبيعة الحال فان القضاء مهما علت مرتبته وسمت درجته ليس له ان يشرع ولذلك قالت القاعدة الراسخة والشهيرة لا اجتهاد مع مورد النص.
والظاهر ان المسالة واضحة لا تحتاج الى ايضاح، و لا يمكن تبرير هذا المنهج الا على حساب نسخ الحكم  الوارد في النص ولم يتهيأ للموقع أسفله ان يرى تعليلا لما قضى به المجلس الاعلى سواء في القرار الصادر او في غيره ولا يعتقد انه سيراه لوضوح النص اذ ليس بعد البيان بيان.

وقد سمعت مؤخرا ان المجلس الاعلى اصدر قرارا مخالفا ولكنني للأسف لم اقع بعد على مراجعه.
وختاما لهذا المقال لا يفوتني ان اعترف بأنني لا أسعى في كل ما قلته الى نيل أجرى المصيب فقد يكون نصيبي اجرا واحدا.

*مجلة المحاكم المغربية، عدد 67، ص90.





Sbek net
كاتب ومحرر اخبار اعمل في موقع القانون والقضاء المغربي .

جديد قسم : أبحاث قانونية مغربية