-->

التعديلات على قانون المسطرة الجنائية وحقوق الإنسان


الأستاذ عبد المالك زعزاع المحامي المتمرن 
بهيئة الدار البيضاء
المقدمة:
ان اهمية الموضوع تظهر من خلال علاقة قانون المسطرة الجنائية بمبدا  حقوق الانسان، لان المسطرة الجنائية هي التي تحدد وتؤطر جميع الاجراءات الشكلية التي يجب سلوكها من طرف الجهة القضائية المختصة  في  متابعة ومحاكمة الافراد، وكذا اجراءات البحث التمهيدي كمرحلة اولى من المراحل الزجرية في الميدان الجنائي وكذا مرحلة التحقيق، والوضع تحت الحراسة النظرية او الاعتقال الاحتياطي، بل ان المسطرة الجنائية هي التي تحدد وسائل الاثباب في  الجرائم، كالاستماع الى الشهود وتعيين الخبراء لتحديد انواع الضرر  اللاحقة  بالمتهم  او  بالمطالبة  بالحق  المدني  وكيفية رفع الشكايات وتحريك الدعوى العمومية.

ان كل هذه الاجراءات المسطرية المتعلقة بالتشريع الجنائي يجب وبالضرورة لتؤدي النتائج المتوخاة منها ان تضمن الحقوق الشخصية للانسان، وتضع القواعد الاساسية لحماية حقوقه ضد كل انواع التعسف والشطط التي تستهدف الحط من كرامته والانتقاص من انسانيته. وان كل  تعديل  في هذا المجال ومهما كانت اهميته الا ويجب ان يطابق كل الاتفاقات الدولية التي صادق عليهاالمغرب وانطلاقا من ديباجة الدستور،وخصوصا في ميدان حقوق الانسان والحريات العامة. ووفقا للهوية الحضارية للمجتمع المغربي . وهكذا فمن خلال مناقشة  الموضوع ،  سنحاول الوقوف على مدى التطابق بين التعديلات المتعلقة بقانون المسطرة الجنائية  ومبدا  حقوق الانسان . وذلك بعد اطلالة على المفهوم الشمولي لهذا المبدا الذي اصبح اليوم من الاوليات التي تشغل
 بال جميع المنظمات النقابية والحقوقية والمهنية والثقافية والسياسية.

الموضوع :
- أولا-
ما المقصود بمبدأ حقوق الإنسان في مفهومه الشامل؟
ان مبدا حقوق الانسان هو ذلك المبدا السامي المقدس المتأصل في طبيعتنا البشرية حيث لا نستطيع ان  نعيش بدونه حياة كريمة وسعيدة. انه يجب ان يعيش كافة البشر في  اطار حماية الكرامة المتأصلة فيهم. لذلك فان احترام حقوق الانسان  وكرامته هو  اساس العدالة والحرية والسلم في  العالم (1).
وفكرة حقوق الانسان اصبحت فكرة عالمية لم تعد حمايتها فقط مقتصرة على الحماية الداخلية من خلال فكرة السيادة او السلطان الداخلي للدولة، بل تجاوزت ذلك الى المراقبة والاشراف الدولي للمنظمات الدولية والاقليمية والعالمية (2).

انها تلك الحقوق الفردية والشخصية والمدنية والسياسية، انها تلك الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، انها مؤخرا البيئة الدولية لحقوق الانسان حيث يجب ان تكون الطبيعة سليمة وملكا للبشرية كلها. ليحدث ذلك التفاعل الايجابي مع الكون. انها حق كل مواطن في المساهمة في التنمية والاستفادة من مردوديتها.
كما دفع بالدول المعاصرة ان تقوم بوضع عدة مصادر داخلية لحماية هذا المبدا الذي يحمي كيان الانسان وهويته الحضارية. كما قامت عدة منظمات بوضع عدة اعلانات ومواثيق دولية للدفاع عن كرامة الانسان وحريته.

لذلك نجد اغلب الدساتير في دول العالم في اطار الحركة الدستورية الدولية، منعت كل ما من شانه المس بحقوق الانسان كإلقاء القبض عليه او معاقبته او محاكمته او تفتيشه او التحقيق معه الا في نطاق سلوك الاجراءات المسطرية والشروط الشكلية والموضوعية المنصوص عليها في القانون (3).

ويعتبر الاعلان العالمي لحقوق الانسان الصادر في 10/12/1948 من اهم الاعلانات والوثائق الدولية التي جاءت بمجموعة من المبادئ والحقوق لحماية كرامة الانسان وحريته، والتي لا بد من الاشارة الى اهمها وخاصة التي تتعلق بحرية الافراد لما لها من علاقة بموضوعنا الذي نحن بصدد معالجته. ومنها مثلا المادة 3 من الاعلان التي تنص على ان لكل فرد الحق في الحياة والحرية وسلامة شخصه.  والمادة 5 التي تنص على انه لا يجوز ان يعرض أي انسان للتعذيب ولا للعقوبات او المعاملات القاسية الوحشية او الحاطة بالكرامة. كما ان المادة 9 نصت على انه لا يجوز القبض على أي انسان او حجزه او نفيه تعسفيا.
اما المادة 11 فتنص على ان كل شخص متهم بجريمة يعتبر بريئا الى  ان تثبت ادانته قانونا في محاكمة علنية تؤمن له فيها الضمانات الضرورية للدفاع عنه.

انه بدون الحماية القانونية المتعلقة بالتشريع الداخلي والدولي تداس كرامة الانسان وتنتهك حقوقه. انه بدون حماية حقوق الانسان يقول السيد النقيب الدكتور عبد الله درميش تكون حياة هذا الانسان قاسية، لذا وجب على الدولة ان تقدم الضمانات لممارسة الحريات السياسية بشكل مطلق، والا اصبح تحقيق ذلك ممكنا على مستوى الامر الواقع من خلال اجهزة ثانوية داخل الدولة وحتى خارج نطاق الدولة. ويمكن القول ان حماية حقوق الانسان اصبحت من المسؤوليات الكبرى للمجتمع الدولة (4).
فهل يا ترى ساهمت التعديلات المتعلقة بقانون المسطرة الجنائية في هذه الحماية لحقوق الانسان ببلادنا ؟

- ثانيا-
مدى استجابة التعديلات التي طالت 
قانون المسطرة الجنائية لمبدا حقوق الإنسان ؟
من المعلوم بالضرورة ان القانون يتسم بعدم الاستقرار لصفته الوثيقة بالحياة الاجتماعية والواقع البشري المتسم بالتبدل والتغيير حسب تغير الظروف وتجدد الاحوال، مما يجعل القانون يعرف عدة تعديلات مختلفة نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر في مجال المسطرة الجنائية بالمغرب: بظهير 30/3/60 وظهير 20/2/61 وظهير 18/9/62 وظهير 13/1/1970 والمرسوم الملكي المؤرخ في 24/10/66 و1/11/66 وظهير 19/1/70 وظهير 18/4/74 المتعلق بالاجراءات الانتقالية….

هذه التعديلات  السابقة ومنذ الستينات تعرف تراجعا الى الوراء عن المكتسبات والضمانات الاصلية حيث ادخلت تعديلات مست بشكل خطير وملموس جوهر الحقوق الشخصية للانسان لذلك، فان تعديلات 1962  و1974 كانت ضربا في الصميم لمبدا حقوق الانسان في بلادنا وقضاء على القواعد الاساسية لحمايته. مما جعل جمعية هيئات المحامين بالمغرب ومنذ مؤتمرها الاول المنعقد بالدار البيضاء في يونيو1962 تعلن تخوفها من هذه التعديلات بقلق بالغ لما بدا يهيئ له من تعديلات انذاك في قانون المسطرة الجنائية وبلورة ذلك في توصية خاصة وضعت لها عنوانا سمته " الحريات الفردية وحقوق الدفاع".

فظهير 24/10/1953 (5) خول لوكيل الملك سلطة مطلقة فيما يتعلق بالاعتقال الاحتياطي حيث منحه الحق في اصدار الاوامر لتوقيف المتهم في كل حين. ولا يسمح لقاضي التحقيق بان يحدد هذا الامر الا بعد موافقة وكيل الملك.
كما ان ظهير 18/9/1962 رفع مدة الحراسة النظرية وضاعت الاجال المنصوص عليها في الفصل 169 من المسطرة الجنائية بمقتضى الفصل الثاني من الظهير المذكور. وفي حالة المس بالسلامة الداخلية والخارجية للدولة، فانه يمكن عند الحاجة ان يامر كتابة بتجديد التمديد.
اما مدة الاعتقال الاحتياطي ومن خلال الفصل 153 من قانون المسطرة الجنائية فقد رفعت الى 21 شهر بدلا من 10 ايام.
وفي الفصل 145 من قانون المسطرة الجنائية رفعت من 4 اشهر بدلا من شهرين.

ان كل هذه الفصول المذكورة في اطار التعديلات الطارئة على قانون المسطرة الجنائية تناقض المبدا المقدس المنصوص عليه في الفصل 9 من الاعلان العالمي والذي ينص على انه لا يجوز القبض على أي انسان او حجزه او نفيه تعسفا.
ان المدد المتكررة والطويلة وبدون مبرر معقول تكرس الظلم والتعسف في حق مواطنين يتطلعون الى حياة سعيدة وعيش رغيد في ظل الكرامة والحرية.

ومن الامثلة على بعض الفصول التي تخرق حقوق الانسان وتطعنه في الصميم يمكن الاشارة الى  المواد 267 و269 و270 من قانون المسطرة الجنائية، وهي عبارة عن مراسيم ملكية صادرة في 1/11/1966، وقد سبقت الاشارة اليها اعلاه. انها جاءت بعدة امتيازات متناقضة مع مبدا المساواة القانونية والقضائية، فمثلا ينص الفصل 267 من قانون المسطرة الجنائية على انه اذا كان الفعل منسوبا الى وزير او عضو من اعضاء الحكومة او قاض بالمجلس الاعلى او عامل اقليم او رئيس لمحكمة الاستئناف………. حيث تجتمع جميع الغرف عند الاحالة على  المجلس الاعلى، ولا تقبل  اية مطالبة بالحق المدني امام المجلس الاعلى. ان هذه المادة تخالف مقتضيات المادة السابعة من الاعلان العالمي لحقوق الانسان التي تنص صراحة  على ان كل الناس سواسية امام القانون، ولهم الحق في التمتع بحماية متكافئـة منه دون اية تفرقة…. كما انها قاعدة دستورية مشهورة.

كما ان المادة 269 و270 تمنح عدة  امتيازات قضائية للباشا والقائد الممتاز وضباط الشرطة القضائية، حيث لا  تطبق عليهم نفس الاجراءات المطبقة على باقي المواطنين، كما ان كبار الموظفين يتمتعون حسب الفرع القانوني الخاص بمتابعتهم ومحاكمتهم - بامتيازات قضائية وحصانة متناقضة مع مبدا المساواة امام القانون، وهو مبدا دستوري محلي وعالمي دولي. هذه التفرقة بين المواطنين لا تعرفها  الدول المتقدمة التي  تحترم مبدا حقوق الانسان على الاقل اثناء المحاكمات ففي خبر صحفي (6) نشرته جريدة العلم بتاريخ 28/3/1992 ان المحكمة العليا في باريس اصدرت يوم 25/3/1992 حكما على الدولة الفرنسية باداء مبلغ 33 الف فرنك كتعويضات لفائدة ستة اجانب تم احتجازهم في باريس قبل طردهم. وفي حيثيات المحكمة ورد ما يلي " ان وزير الداخلية الفرنسية الحق مساسا بحرية الاشخاص المعنيين، وبالتالي استعمل وسيلة عنف باحتجاز هؤلاء الاجانب بمبادرة ادارية، وبدون مراقبة قضائية".

بعد هذه الاطلالة السريعة على التعديلات السابقة للتعديلات الجديدة والتي راينا انها مليئة بعدة ثغرات وعدة سلبيات تمس بحرية الافراد وكرامتهم. فهل حاولت التعديلات الجديدة ان  تتفادى النقص والقصور الحاصل في هذا المجال. ام ان دار لقمان لازالت  على حالها ام ان التعديلات الاخيرة خطوة اولى يجب ان تتلوها عدة خطوات ؟

- ثالثا-
التعديلات الاخيرة لقانون المسطرة الجنائية
قبل مناقشة هذه التعديلات وتحليل نصوصها على ضوء مبدا حقوق الانسان، لابد من معرفة نصوصها وتوثيقها.
ظهير رقم 110-91-1 المؤرخ في 30/12/1991 (7) المتعلق بتنفيذ القانون رقم 90-67، والصادر في الجريدة الرسمية عدد 4131 بتاريخ فاتح يناير1992، والمتعلق بتعديل بعض فصول قانون المسطرة الجنائية. والفصل الثاني من ظهير 28/9/1974 والفصل 17 من ظهير 6/10/1972.
ظهير 29/9/1992، المتعلق بتعديل الفصلين 673 من الباب  الخامس من قانون المسطرة الجنائية، والخاص بتنفيذ العقوبات المالية وكذا الاكراه البدني. والفصل 688 من قانون المسطرة الجنائية المتعلق بتقادم العقوبات حيث نصت فقرته الاخيرة على انه يقطع التقادم فيما يخص استيفاء المصاريف القضائية والغرامات بكل عمل من اعمال المشايعة يتم بمسعى من مصالح الخزينة او مصالح كتابات الضبط بمحاكم الاستئناف والمحاكم.
ظهير 10/9/93 وهو اخر تعديل تعلق بالفصل 9 من ظهير 28/9/1974، المتعلق بالاجراءات الانتقالية، وهو يتحدث عن البحث التكميلي الذي تجريه المحكمة عندما ترى انه ضروري متكلف به احد اعضائها حسب القانون المتعلق بالبحث والاعداد.

كما عدل هذا الظهير الفصل 17 من ظهير 28/9/1974، وتكلم عن نفس المقتضيات، واحال على الفصل التاسع.
كما عدل ايضا الفصل 156 من قانون المسطرة الجنائية السابق، والذي يتحدث عن الافراج المؤقت حيث انه اذا لم يبت قاضي التحقيق خلال اجل 5 ايام على اكثر تقدير. فالمتهم يرفع طلبه الى الغرفة الجنحية التي تبث فيه من ظرف 15 يوما ( بدل 30 يوما في الفصل المعدل) و30 يوما الموالية للطلب في قضايا الجنايات. والمهم في هذا التعديل بالاضافة الى تقليص المدة امام الغرفة الجنحية هو ان  المشرع رتب عن عدم التقيد بشكليات الفصل المذكور وقوع الافراج المؤقت عن المتهم. اللهم اذا كان هناك اجراء اضافي للتحقيق.
فبعد توثيق نصوص التعديلات الجديدة ومعرفة مصادرها يمكن الان التطرق الى مواضيعها قبل تقييمها لمعرفة إيجابياتها وسلبياته واثر ذلك على مبدا حقوق الانسان.

التعديلات الجديدة وظروف المنشاة:
بالنسبة لظروف نشاة التعديلات الجديدة لظهير 30/12/91 يمكن القول ان المغرب في السنوات الاخيرة وقبل التسعينات قد انهالت عليه الانتقادات والضغوطات من عدة جهات خارجية وداخلية لكونه يرتكب عدة خروقات سافرة لحقوق الانسان…. ففي يناير1990 صرحت منظمة العفو الدولية بالقلق منذ سنوات عديدة من جراء انتهاكات حقوق الانسان التي تحدث في ظل نظام الاعتقال الاحتياطي بالمغرب. ومنها ما افادت به التقارير من سوء المعاملة والتعذيب اللذين يعرض لهما المعتقلون على نحو منظم، بل حتى وفاتهم بينما هم رهن الاعتقال (8).

وفي تقرير اخر موجز من منظمة العفو الدولية نشر في مارس1991 يشير في صفحته الثالثة بقوله " ما فتئت تحدث في المغرب منذ الستينات شتى الانتهاكات الخطيرة لحقوق الانسان بما في ذلك الحبس المطول لسجناء الراي والتعذيب والمحاكمات غير  العادلة للمعارضين السياسيين و الإختفاءات".
اما من الداخل فقد تبنت عدة جمعيات مهتمة وشخصيات حقوقية من أبناء هذا الوطن تقارير منظمة العفو الدولية ونشرتها في بعض جرائدها (9).

ان هذا الطرح الدولي لهذه المنظمات والجهات المهتمة بقضية حقوق الانسان لم يكن دائما بريئا وحبا في كرامة المواطن في عالمنا الفقير والمتخلف، بل انه حقا كان يقصد به كثير من الباطل في عدة مناطق من دول الجنوب وحتى في قلب النظام العالمي الجديد. لان مسالة حقوق الانسان اصبحت من الخطابات والشعارات البراقة الخاضعة لاهداف إيديولوجية وحزبية مما دفع بالاستاذ مشيل فيلي الى ان يصرح وبدون تحفظ قائلا: "ان الخطاب بخصوص حقوق الانسان خدعة" (10).

في ظل هذا  الجو الساخن انكب المغرب على معالجة مسالة حقوق الانسان باعتبارها اشكالية حقيقية لابد من التصدي لها عبر انشاء عدة واجهات رسمية من خلال انشاء المجلس الاستشاري والنص على احترام المغرب لمبدا حقوق الانسان في ديباجة دستور 1992، وكذا انشاء وزارة مختصة وزارة حقوق الانسان. وبمناسبة الاعلان عن انشاء المجلس الاستشاري لحقوق الانسان، ورد في الخطاب الملكي المؤرخ في 8/5/1990 ما يلي: " ومعلوم ان للمواطنين حقوقا، وحتى من أدينوا في المحاكم يجب ان يكونوا في مامن من الجوع ومن  المرض ومن التعسفات. ويجب ان يتمتعوا بصلة الرحم من ذويهم. وان يتمكنوا من الدواء وزيارة الطبيب اذا اقتضى الحال بل يجب على النظام القضائي وعلى الدولة ان تحيطهم بكل ما من شانه ان يمكنهم من الكرامة" " من حق المواطن ان يشتكي بضابط الشرطة او بضابط الدرك او القائد الذي تعسف عليه".

ان مؤسسة المجلس الاستشاري لحقوق الانسان لا تملك السلطة الفعلية لاتخاذ قرارات لدعم مبدا حقوق الانسان في المغرب. بل انها مجرد هيئة لها طابع استشاري فقط، ومكلفة باعداد الملفات ودراسات واعطاء وجهات نظر بقضايا حقوق الانسان قصد الاستئناس بها من طرف الجهات المختصة في اتخاذ القرار في مجال حقوق الانسان. لذلك فانه من الواضح ان هذه بعض الاسباب الظرفية والموضوعية التي جعلت المجلس المذكور يتقدم بمقترحات تم عرضها على البرلمان بمشروع قانون يحمل رقم 90/700، وتم التصويت عليه من طرف البرلمان بتاريخ 25 ابريل1991، وصودق عليه بالاجماع، وصدر بظهير شريف يحمل رقم: 110/91 مؤرخ في 31/12/1991، نشر بالجريدة الرسمية عدد 4131 في فاتح يناير1992.

وبالاضافة الى تلك الاسباب المتعلقة بالتحولات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في المغرب فان هناك اسبابا ذاتية متعلقة بذات النص القانوني المسطري نفسه حيث لم يعد مواكبا لهذه التطورات والتحولات الدولية والاقليمية، والذي لم يغير منذ الستينات (11).
فما هو يا ترى مضمون هذه التعديلات ؟ هذا ما سنجيب عنه من خلال الفقرات التالية:

مضمون التعديلات :
يمكن الاشارة الى ان هذه التعديلات تعلقت باربعة نقط على الشكل التالي:
تخفيض مدة الوضع تحت الحراسة والاعتقال الاحتياطي.
تحديد سقف لمدد الاعتقال الاحتياطي والوضع تحت الحراسة لا يمكن تجاوزه.
التعديلات المهذبة لمؤسسة التفتيش، مثل المؤازرة من طرف المحامي عند الاستنطاقات التي تقوم بها النيابة العامة.
كما تبنت هذه التعديلات مؤسسة الفحص الطبي.
التخفيض من مدة الوضع تحت الحراسة والاعتقال الاحتياطي ووضع سقف لها.

الوضع تحت الحراسة: وهو ذلك التدبير الذي تستبقي بمقتضاه الشرطة القضائية تحت تصرفها الاشخاص المريبين دون ان يكونوا بعد محل تهمة او امر بالتوقيف.
فقد كانت الاجال العادية في ظهير 18/9/1962 هي 96 ساعة تمدد 48 ساعة عند الاقتضاء باذن من النيابة العامة، واختصرها المشرع الى النصف بموجب القانون الجديد، فاصبحت 48 ساعة يمكن تمديدها 24 ساعة فقط (12).
اما في حالة جرائم أمن الدولة الداخلي والخارجي، فقد قلص هذه المدة من 192 ساعة في ظهير 11/9/1962 الى 96 ساعة تمدد مرة واحدة. وعليه يمكن القول ان الفصل 69 جاء ليضبط مدة الوضع تحت الحراسة ويخفف من وطأته.

اما الاعتقال الاحتياطي: فهو ذلك التدبير الاستثنائي، اذ البراءة هي الاصل. وجل التشريعات تسلم بإلقاء القبض على المشبوه فيهم الى ان تتاكد السلطة وتثبت من هل هناك ما يدعو الى تقديمه للمحاكمة. وفي حالة العكس، فانها تخلي سبيله. وهو تدبير خطير لا يمكن لقاضي التحقيق ان يامر به الا ضمن قيود.

ومن حيث مدة الاعتقال الاحتياطي، فانها كانت محددة في اربعة اشهر، ويجوز تمديدها لمدة اربعة اشهر اخرى كلما دعت الضرورة الى ذلك بموجب امر قضائي معلل من طرف قاضي التحقيق بناء على ملتمسات السيد وكيل الملك. لكن التعديل الجديد قلص المدة الى شهرين يمكن تمديد المدة 5 مرات حسب مقتضيات الفصل 154 من المسطرة الجنائية. وهكذا وبمقتضى هذا التعديل الذي وضع سقفا محددا  لها، فانها لا يمكن ان تتعدى مدة الاعتقال سنة واحدة.

كما ان التعديل اضاف عدة قيود وشروط قصد الحد من التعسف في الاحتفاظ بالمتهم رهن الاعتقال لفترة طويلة قبل احالته على غرفة الجنايات. ذلك انه لم يتخذ قاضي التحقيق قرار الاحالة على الغرفة الجنائية خلال هذه المدة اطلق سراح المتهم بقوة القانون واستمر التحقيق.

- كما ان تعديل الفصل الثاني  من المقتضيات الانتقالية جاء بشيء جديد،  وهو الزام النيابة العامة بتقديم المتهم بعد استنطاقه خلال خمسة عشر يوما. وذلك من تاريخ الاعتقال. كما ان الفصل 156 في اطار تعديل ظهير 10/9/93 اوجب البت بسرعة في السراح المؤقت داخل اجل 15 يوما.

أ‌- الضمانات الاضافية المتعلقة بالوضع تحت الحراسة والاعتقال الاحتياطي :
لقد وضع المشرع عدة قواعد هامة لضبط مدة الحراسة النظرية والاعتقال الاحتياطي وهي:
اشعار عائلة المحتفظ به كما ورد في الفصل 69 من المسطرة الجنائية، حيث استعمل المشرع عبارة صارمة، اذ الح على ان يتم اشعار العائلة فورا. وذلك لضمان حقوق المشتبه فيهم بل الاصل هو البراءة حسب المادة 11 من الاعلان العالمي لحقوق الانسان، والتي تنص على ان كل شخص متهم بجريمة يعتبر بريئا الى ان تثبت ادانته.

كما ان النص الجديد للفصل 69 اشار الى انه يتعين على ضابط الشرطة القضائية ان يوجه لائحة بالاشخاص الذين تم وضعهم تحت الحراسة خلال الاربع والعشرين ساعة يوميا الى وكيل الملك والوكيل العام باعتبارهم سلطة قضائية  أعلى قصد المراقبة عند الاقتضاء.
ان امكانية المؤازرة من طرف المحامي حسب الفصل 76  من المسطرة الجنائية، ولاول مرة في حياة المسطرة الجنائية يسمح للمحامي بالحضور الى جانب المتهم لمؤازرته في مرحلة التحقيق الاعدادي او ما يسمى بالاستنطاق الذي تجريه النيابة العامة.

كما ان المقتضيات الانتقالية من خلال تعديل الفصل الثاني خولت المتهم نفس الحق اذا كان الامر يتعلق بجنحة.
- كما انه في حالة ما اذا تعلق الامر بجناية، فان الفصل 127 من المسطرة الجنائية اوجب على قاضي التحقيق اشعار المتهم بان له الحق في اختيار محام حالا، والا يعين له تلقائيا محاميا اذا طلب ذلك، وفي حالة عدم اختياره له.  وينص على ذلك في المحضر، وهو شيء جديد، اذا كانت كل التحقيقات الاولية والاستنطاقات تجري في سرية تامة الا ما تعلق ببعض الاستثناءات الضيقة كما اشار الى ذلك الفصلان 129 و132 من المسطرة الجنائية .

ب‌- تبني المشرع مؤسسة الفحص الطبي في التعديل الجديد من خلال الفصلين 763 و127 من المسطرة الجنائية، حيث يتعين على وكيل الملك اذا طلب منه ذلك او عاين بنفسه اثارا تبرر ذلك ان يخضع المتهم الى فحص يجريه خبير. وذلك في حالة التلبس بجنحة، وكذلك اذا تعلق الامر بجناية، فانه يصبح لزاما على قاضي التحقيق في القيام بنفس الاجراء لمصلحة المتهم وذلك في اطار الفصل 127 من المسطرة الجنائية شريطة ان يتقدم المعني بالامر بطلب الى ممثل النيابة العامة في الحالتين معا يكون راميا الى اجراء خبرة او فحص على المتهم.

لذا، وبالاضافة للتعديلات المذكورة اعلاه، لا بد من الاشارة الى ان هناك  مقتضيات انتقالية اضيفت الى ظهير 28/9/74 بمقتضى ظهير 30/12/1991، حيث يضيف الفصل الثاني المعدل ان مدة احالة المتهم على غرفة الجنايات يجب الا تتجاوز 15 يوما على الاكثر، هذه المدة لم تكن محددة من قبل.

الفصل التاسع وكذا الفصل السابع عشر من نفس الظهير ينصان على ان المحكمة يمكن لها ان تجري بحثا تكميليا متى رات ان ذك ضروري، حيث تكلف به احد اعضائها الذي يجب عليه ان يتقيد بكل الاجراءات والاوامر الصادرة عنها، وذلك تمشيا مع التنظيم القضائي الجديد الذي اصبح فيه القضاء جماعيا بخلاف ما كان عليه الامر سابقا في ظل القضاء الفردي حيث كان القاضي المكلف بالقضية هو الذي يجري هذا البحث التكميلي.
في نظرنا، فانه اذا احسن تطبيق هذا النظام الجديد حيث تعين المحكمة عضوا لاجراء بحث تكميلي مما سيؤدي الى الاحالة السريعة بملفات المتهمين على المحكمة.  ولعل هذه  في الحكمة من هذا التشريع.

كما ان  هناك تعديلا جديدا ورد به ظهير 29/9/1992 تعلق بمقتضيات الفصلين 673 و688 من المسطرة الجنائية حيث تناول الفصل  الاول طريقة استيفاء المصاريف القضائية والغرامات في الميدان الجنحي  من قبل مصالح الخزينة ومصالح كتابة الضبط بالمحاكم. ام للفصل 688 من المسطرة الجنائية، فقد اشار الى ان المصاريف القضائية والغرامات ينقطع التقادم فيها بكل عمل من اعمال المشايعة بمسعى من مصالح الخزينة او مصالح كتابة الضبط بمحاكم الاستئناف والمحاكم.

اخر تعديل في ميدان المسطرة الجنائية الذي يمكن ان نختم به الحديث عن مضمون التعديلات اللاحقة  بظهير 30/12/1991  هو التعديل الوارد في ظهير 10/9/1993، الصادر بالجريدة  الرسمية عدد 4225 بتاريخ 20/10/1993، والمتعلق بالفصلين 156 و406 من المسطرة الجنائية.

مضمون الفصل 156 من - ج.
هذا الفصل ينظم كيفية ممارسة الحق في طلب  الافراج المؤقت من طرف المتهم خلال مدة الاعتقال الاحتياطي التي يامر بها قاضي التحقيق بمناسبة البحث في التهم المنسوبة الى الاضناء. فالمبدا الذي يقرره هذا الفصل هو ان المتهم له الحق في التقدم بهذا الطلب في اقل وقت.
وان قاضي التحقيق يجب عليه البت في هذا الطلب خلال خمس ايام على اكثر تقدير من تاريخ توجيه الملف الى الوكيل العام للملك.  وعليه، فاذا لم يبت القاضي خلال الاجل المذكور، فان المتهم له الحق ان يرفع طلبه مباشرة الى الغرفة الجنحية التي تبث فيه في ظرف 15 يوما الموالية  للطلب، وذلك في القضايا الجنحية. وخلال 30 يوما الموالية يطلب في قضايا الجنايات بناء على طلبات النيابة العامة… والا يقع الافراج المؤقت مباشرة على المتهم.

ومن خلال المقارنة بين النصين القديم  والجديد  نلاحظ ان هناك مكسبان جديدان، اولهما انه وقعت التفرقة في  المدة المخولة للغرفة  الجنحية التي هي 15 يوما  الموالية للطلب للبت فيه، بينما ابقى المشرع على مدة 30 يوما بالنسبة لغرفة الجنايات ابتداء من اليوم الموالي للطلب عكس ما كان عليه الامر في النص القديم  حيث كانت المدة تحدد بـ 30 يوما للغرفتين معا.
وثانيهما ان النص الجديد رتب جزاء على عدم البت خلال هاتين المدتين من طرف الغرفتين وهو  الافراج عن المتهم فورا بقوة القانون اذا لم يكن هناك اجراء اضافي للتحقيق.

مضمون الفصل 406 م -ج .
لقد كان الظنين قبل هذا التعديل يبقى معتقلا الى ان  يبت في استئناف النيابة العامة. وفي جميع الاحوال الى ان ينصرم الاجل المحدد لهذا الاستئناف. بينما نصت المقتضيات الجديدة الواردة في ظهير 10/9/1993 على انه يفرج عن الظنين رغم استئناف النيابة العامة باستثناء الجنح التي لها مساس بمقدسات البلاد او بالنظام العام او التي تتعلق بالاتجار الغير المشروع في المخدرات، ففي هذه الحالة تصدر محكمة الاستئناف قرارا داخل 15 يوما الموالية للاستئناف، والا فيفرج فوار عن الظنين.

لقد جاءت هذه المقتضيات بمكتسبات جديدة هدفها الاسراع باجراءات استئناف طلب الافراج المؤقت وذلك في اليوم الموالي لصدور الحكم. وانه يفرج على الظنين رغم استئناف النيابة العامة مع تقييد مدة اصدار القرار الاستئنافي في طلب الافراج ب 15 يوما عند الابقاء على الظنين معتقلا.
بعد ذكر اهم التعديلات الطارئة على المسطرة الجنائية وخاصة التي لها علاقة وطيدة بمبدا حقوق الانسان ننتقل الى معرفة مكامن القوة  والضعف من خلال جرد الايجابيات والسلبيات ومدى تاثيرها على مبدا حقوق الانسان بالمغرب.

رابعا:
اجابيات ظهير 31/12/1991 واثر ذلك على مبدا حقوق الانسان.
تعتبر اغلب التعديلات التي جاء بها هذا الظهير مكتسبات جديدة في مجال الحريات العامة وحقوق الانسان في بلادنا، انها خطوة مهمة تحتاج الى خطوات اهم في ظل افق التطلعات والامال المشروعة لكل مواطن يسعى الى تحقيق كرامته وكرامة الاخرين.
فما هي المكتسبات التي  تشكل مواطن القوة في هذا الظهير؟
أ‌- تخفيض مدة الاعتقال الاحتياطي والحراسة النظرية :
ان مدة الاعتقال الاحتياطي تقلصت بشكل ملحوظ حيث لم يعد ممكنا ان تتعدى شهرين والا يتجاوز التمديد 5 مرات على خلاف ما كان عليه الامر سابقا .
وتجدر الاشارة الى ان المشرع المغربي تاخر كثيرا  في تحسين ظروف الاعتقال الاحتياطي ومدده. ذلك انه صادق على العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية في 3/5/1978، والذي ينص في مادته التاسعة على انه لكل فرد الحق في الحرية وفي  الامان على شخصه، ولا يجوز توقيف احد او اعتقاله تعسفا، ولا يجوز حرمان احد من حريته الا لاسباب ينص عليها القانون وطبقا للاجراء المقرر فيه.

اما فيما يتعلق بالوضع تحت الحراسة النظرية، فان الفصل 69 م- ج - كانت تعتريه ثغرة خطيرة حيث انه كثيرا ما يعتقل احد الاشخاص المشتبه فيهم  في حالة التلبس ويبقى تحت الحراسة النظرية حيث يتعذر عليه الاتصال بعائلته للادلاء بحججه من خلال تقديم بعض الوثائق الحاسمة. ولا يستطيع المغلوب على  امره ان ينصب محاميا للدفاع عنه ضمانا لسلامة دفاعه.

فجاء التعديل الجديد وخفض هذه المدة اذا تعلق الامر بالاخلال بسلامة الدولة الداخلية والخارجية الى 96 ساعة قابلة للتمديد مرة واحدة وقيد ذلك باذن كتابي من وكيل الملك او الوكيل العام للملك كل فيما يخصه.
ولعل المشرع المغربي فعل ذلك تمشيا مع المادة التاسعة من الاعلان العالمي لحقوق الانسان التي تشير الى انه " لا يجوز القبض على أي انسان او حجزه او نفيه تعسفا".
ان الابقاء على الاظناء مدة طويلة خلال مدة الحراسة النظرية او الاعتقال الاحتياطي يعتبر من صميم التعسف، لانه يخالف مقتضيات المادة التاسعة من العهد  الدولي للحقوق المدنية والسياسية التي تنص على " ان الموقوف او المعتقل بتهمة جزائية يجب ان يقدم سريعا الى احد القضاة او احد الموظفين المخولين مباشرة وظائف قضائية. ويكون من حقه ان يحاكم خلال مدة  معقولة او يفرج عنه".

ب‌- اشعار عائلة الظنين المحتفظ به تحت الحراسة من طرف الضابطة القضائية.
الفصل 69 م - ج - بهذا المقتضى الجديد يتعين على ضابط الشرطة القضائية ان يقوم باخطار عائلة المحتفظ به لمعرفة مصيره والاطلاع على احواله لما تلعبه الاسر من دور في الدفاع عن افرادها عبر الاتصال بمحامين واعداد الوثائق والحجج قصد تهيئ دفاعهم.
ان المشرع المغرب ربما فعل ذلك استجابة للنداءات الطويلة التي نادت بها مجموعة من تقارير وتوصيات منظمة العفو الدولية، التي ركزت على انه  يجب ان يسمح للمعتقلين بسرعة الاتصال باسرهم وبالمحامين والاطباء.

ولعله فعل ذلك ايضا تاثرا بما ورد في المادتين السادسة عشر والتاسعة عشر من مجموعة مبادئ الامم المتحدة المتعلقة بحماية جميع الاشخاص بعد القاء القبض عليهم مباشرة والمعتمدة في 9/12/1988 حيث نصت على انه من حق المعتقلين اخطار افراد عائلتهم او غيرهم بعد القاء القبض عليه مباشرة.

ج- توجيه قائمة تضم اسماء الاشخاص الذين تم اخضاعهم للحراسة النظرية خلال 24 ساعة الماضية يوميا الى النيابة العامة.
وذلك منعا لكل تعسف  قد يلحق المحتفظ بهم من طرف بعض ضباط الشرطة القضائية.
ولا شك انه اذا احسن تطبيق هذا المبدا من خلال قيام جهاز النيابة العامة بدوره المطلوب في مراقبة ضباط الشرطة القضائية، فان النتيجة ستكون ايجابية. واذا كان العكس، فان ذلك يكون على حساب كرامة المواطن المغربي وحقوقه.

د- توسيع حقوق الدفاع الفصل 76 م-ج  والفصل 127 م -ج :
وذلك بمؤازرة المتهم من طرف محام اثناء استنطاقه من طرف النيابة العامة وخلال البحث التمهيدي الذي يجريه قاضي التحقيق ( مع التحفظ على الطريقة التي يتم بها ذلك الحضور) .
كما انه من حق الدفاع ان يطلع بالمحكمة على ملف القضية. ولعل في ذلك ضمانة كبيرة لسلامة ونزاهة التحقيق. اذ ان المؤازرة من طرف محام تؤدي بالضرورة الى ارتفاع معنويات المستنطق وتجعله في منأى عن  كل ارتباك واضطراب يتسبب له في بعض التصريحات التي تضر به، وخاصة اذا علم انه حر بالادلاء باي تصريح او عدمه.

ان مقتضيات الفصل 76 م -ج حق ومكتسب جديد للمحامي يكرس مبدا احتكار المهنة وضمانة قانونية للمتهم او المستنطق من ان يمر استنطاقه ومحاكمته في ظروف حسنة. وذلك تمشيا مع المادة الحادية عشر من الاعلان العالمي لحقوق الانسان التي تنص على ان كل شخص متهم بجريمة يعتبر بريئا الى ان تثبت ادانته قانونا بمحاكمة علنية تؤمن له فيها الضمانات الضرورية للدفاع عنه.

هـ- ضمانة الفحص الطبي للفصلان 76 و127 م-ج
ان هذه المؤسسة الجديدة تعتبر اعترافا من المشرع بانه في مرحلة الاستنطاق الاولي والبحث  التمهيدي قد تحدث بعض التجاوزات والخروقات المضرة بسلامة اجساد المشبوه فيهم من المتهمين وهذا ما نصت عليه المادة السابعة من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية التي تشير الى انه " لا يجوز اخضاع احد للتعذيب ولا للمعاملة او العقوبة القاسية واللانسانية او الحاطة بالكرامة".  

وواجب الدفاع اليوم في هذه المسالة كبير جدا اذ المفروض عليه انه كلما راى تعسفا في هذا المجال من اثار الضرب والتشويه على جسد مؤازره الا وبادر بطلب اجراء هذا الفحص ومتابعة الجهة التي ارتكبت الاعمال الغير المشروعة في حق المتهم الذي يدافع عنه.
ان هذا المقتضى المتعلق بمؤسسة الفحص الطبي ضمانة قانونية للمتهم في مواجهة كل تعسف يقع عليه، ووسيلة فعالة وسلاح قوي في يد مؤسسة الدفاع.

و- الايداع في السجن يخضع للسلطة التقديرية لوكيل الملك: الفصل 76 م-ج.
اذا كانت المقتضيات القانونية القديمة تجعل من الايداع في السجن لا مفر منه بالنسبة للمشبوه فيهم، فان المقتضيات الجديدة جعلت ذلك متوقفا على  السلطة التقديرية لوكيل الملك.
وهذا امر ايجابي للمتهمين شريطة ان يحسن استعماله. مما يساهم في دعم مبدا حقوق الانسان اكثر، حيث يمكن تقديم المتهم للمحكمة حرا اذا قدم ضمانة مالية او شخصية، وذلك في مجال الجنحي التلبسي. وهذا ما اصبح العمل جاريا به في كثير من المحاكم. وذلك للحد من تكاليف نقل وإيواء المعتقلين قبل اثبات جرائمهم رحمة بميزانية الدولة.

- خامسا-
سلبيات ظهير 31/12/1991  ومساهمتها في خرق مبدا حقوق الانسان
سنعالج  في هذا المبحث مكامن الضعف في التعديلات الاخيرة متتبعين الثغرات الموجودة في بعض النصوص، مع التطرق الى عدم انسجام بعض فصول المسطرة الجنائية.
أ- الثغرات الموجودة في النصوص.
ان المشرع لم يكن حازما في وضع مصطلحات هذه التعديلات، ولعل ذلك كان مقصودا خدمة لاهداف معينة. فالفقرات المتضمنة للضمانات الجديدة المنصوص عليها في الفصول المعدلة التي تناولناها بالبحث والمناقشة سابقا تبتدئ بكلمة " يتعين" على ضابط الشرطة القضائية او يتعين على وكيل الملك او يتعين على قاضي التحقيق ( الفصل 69) واحيانا يستعمل المشرع عبارة يمكن لوكيل الملك …
ان المتأمل في هذه العبارات الفضفاضة يجد انها لا تفيد الالزام والاجبار، وان الاخلال بها لا يترتب عنه أي جزاء.

فهل تعتبر الاجراءات الخارجة عن القانون في هذا المجال باطلة؟
وخاصة اذا علمنا ان المجلس الاعلى سار في هذا الاتجاه مقررا بان " القواعد المتعلقة بالوضع تحت الحراسة لم يجعلها القانون تحت طائلة البطلان، ولا يمكن ان يترتب عنها البطلان الا اذا ثبت ان عدم مراعاتها جعل البحث عن الحقيقة واثباتها مشوبين بعيب في الجوهر" (13).
ان الصيغ المذكورة في النصوص المعدلة قد توظفها بعض الجهات في خرق مبدا حقوق الانسان، وتعتبرها مطية للاخلالات المسطرية، ودون اكتراث.
ان المشرع لو اراد بمبدا  حقوق الانسان خيرا ببلادنا، لكان عليه ان يرتب البطلان على كل اخلال بالضمانات المذكورة ، وذلك بوضع  عبارة " يجب" بد ل عبارتي " يتعين" و" يمكن".

غير ان بعض رجال  الفقه يرى ان القواعد الراسخة في المرافعات الجنائية تقتضي بان الاحكام المنظمة لحقوق الدفاع، ومنها الخاصة بالحرية الشخصية تعتبر من الاجراءات الجوهرية، وان النصوص المنظمة لها هي نصوص آمرة ومتعلقة بالتالي بالنظام العام، يترتب عن الاخلال بها وجوبا البطلان …. ويرى ان اعتقال المشبوه فيه يكون عندئذ اعتقالا تحكميا معاقبا بموجب المادة 255 من القانون الجنائي بالتجريد من الحقوق الوطنية.
ويرى ان  ما ذهب اليه المجلس الاعلى في رايه اعلاه انما هو مجرد كلام نظري (14).

ت‌- مؤازرة المتهم أمام النيابة العامة غير كافية:
فحبذا لو ذهب التعديل الى ابعد من ذلك، حيث يجعل حضور المحامي بجانب المتهم امام الضابطة القضائية، اذ ان اخطر وأدقها تمر بها الاجراءات هي مرحلة البحث الاولي. ولعله أمل كافة رجال الدفاع ببلادنا، ولا شك انهم سيواصلون النضال من اجل تحقيق ذلك.

كما انه يجب ايضا التنصيص من قبل المشرع على حق الفحص امام الضابطة القضائية، الشيء الذي لم يفعله المشرع في هذا التعديل الاخير مكتفيا بالتنصيص على هذه المؤسسة فقط امام النيابة العامة وقاضي التحقيق. كما انه كان على  المشرع ان ينص في  تعديله الجديد ان يعطي للمتهم قسطا من الراحة اثناء عمليات الاستنطاق التي تدوم طويلا، وفي ظروف سيئة.

اننا نوجه سؤالا بالمناسبة للمشرع مضمونه الى أي حد يمكن اعتبار حجية المحاضر التي بين يدي وكيل الملك في الحالة التي يحضر المتهم امامه وقد بدت اثار التشويه على جسده ؟.
 كل  هذا وغيره يدفعنا الى القول بان التعديلات  الاخيرة هي مجرد خطوة اولى في درب حقوق الانسان تحتاج الى خطوات مستمرة حتى يمكن ان تتحقق دولة القانون فعلا في ظل مجتمع مدني لا تهضم فيه حقوق احد من ابنائه.

- سادسا-
الاشكالات العملية التي تواجه مؤسسة الدفاع في اطار التعديلات الاخيرة.
انه من الناحية العملية تثار  عدة صعوبات، وتطرح عدة قضايا خطيرة تتعلق بواقع الحراسة النظرية في بلادنا، وكذا الاعتقال الاحتياطي، واجراءات التحقيق حيث تتجاوز فيها بعض الجهات القانون متعسفة في استعمال السلطة، الشيء الذي يخلق صعوبات ومتاعب عملية امام جهاز الدفاع. منها مثلا ما نقراه من بعض تقارير منظمات العفو الدولية (15) عن تزييف تواريخ الاعتقال في المحاضر، والتكتم  عن المدة التي يقضيها المتهمون تحت الحراسة. كما ان المحاضر لا تشبه في اغلب الاحيان ما ادلى به المتهمون امام الشرطة بالاضافة الى المخالفات المرتكبة من طرف بعض وليس كل ضباط الشرطة القضائية حينما يكون القاء القبض غير قانوني، مع سوء المعاملة وعدم ابراز اوامر القبض على المتهمين كما ينص على ذلك الفصل 139 من المسطرة الجنائية حيث يفرض على اعوان الشرطة تقديم الامر للمتهم وتسليمه نسخة منه بالاضافة الى ارتدائهم الزي المدني وعدم التعريف بانفسهم.

اننا سنبقى نتساءل دائما كمؤسسة دفاع عن القيمة القانونية للمحاضر التي تتضمن هذه الإخلالات والتعسفات، فهل يوثق بمضمنها؟ وما هي الجزاءات المترتبة عن ذلك هذا ما لم يتناوله المشرع في التعديلات الاخيرة ولم يجب عنه.
انه من بين الصعوبات المثارة ايضا ان المقتضيات الجديدة تعارضها نصوص اخرى موجودة بالمسطرة الجنائية حيث لم يعمل المشرع على الغائها او تعديلها على الاقل. ومثال ذلك ان توسيع اختصاصات المحامي عند مؤازرته للمتهم امام النيابة العامة امر غير كافي بالنسبة لنا ما دام انه  يواجه في الميدان العملي في المحاكمات الجنحية بمقتضيات الفصل 291 م- ج، الذي لم يتم الغاؤه او تعديله.

اننا نتساءل عن وزن المحامي اثناء الاستنطاق. فهل هذا الحضور حضور ضروري لحماية حقوق مؤازره، ام ان الحضور حضور ضمني فارغ من كل محتوى ومضمون ؟
هذا ما يدفعنا الى الاستنتاج ان هذه التعديلات لم تكن شاملة، بل كانت جزئية وترميمية عرضتها تحولات ظرفية في ظل النظام العالمي الجديد. ان التعديل الحقيقي هو الذي يكون منطقا من حاجة داخلية ملحة، ويتجه صوب حماية كرامة المواطنين، وصيانة حقوقهم المشروعة انطلاقا من هويتهم الحضارية وتاريخهم العريق بعيدا عن كل تقليد اعمى لا ابتكار فيه ولا تجديد. كما يجب ان تتجه انظار الجميع من المخلصين لهذا الوطن الى مراقبة التطبيق السليم للنصوص القانونية المتعلقة بهذا المجال.

الخاتمة:
يبدو ان الضرورة اصبحت ملحة وقائمة الان اكثر  من أي وقت مضى ليستجيب المشرع المغربي للمعايير الدولية في مجال حقوق الانسان (16). حيث ينبغي ازالة التعارض الموجود حاليا بين نصوص الدستور الذي اقر في ديباجته مبدا حقوق الانسان وكل العهود والمواثيق التي صادق عليها في هذا المجال. مع الاشارة الى ان القانون هو مرتبط بواقع المجتمعات، وانه اذا ما تم اصلاحه وحده دون المجالات الاخرى، فان ذلك يشكل لا محالة اصلاحات مهزوزة وفوقية بعيدا عن كل تحولات جذرية وبنيوية. ودون تطوير لبنية العقل والذهنيات السائدة المتحكمة في حركة المجتمع. (17) ذلك انه يخشى على حركة  حقوق الانسان من خطرين قاتلين اولهما الانكفاء فقط نحو مفهوم قانوني شكلي يفقدها ورح مصدرها والهامها،  وثانيهما خطر الانزلاق الى ميدان النزاع السياسي والعقائدي الذي يفقدها اصالتها (18).

ومهما يكن من امر، فان أي تعديلات خاصة في مجال حقوق الانسان لكي تكون في المستوى المطلوب تحتاج الى تعاون بين كافة اطراف جهاز العدالة قصد اعطائها الحيوية المطلوبة ذلك ان قيمة أي قانون لا تبرز الا من خلال الممارسة السليمة والتطبيق الصحيح والنظيف على ارض الواقع.  وذلك لا يكون الا بتكوين رجال القانون تكوينا يتطلب منهم معرفة وإلماما كبيرين بالمساطر القانونية بهدف التمكن من الدفاع عن حقوق الانسان.

ويبقى اخيرا انه من واجب رجال الدفاع مهما قيل عن هذه التعديلات ووصفها بالقصور والاضطراب ان يتمسكوا بها كمكاسب جديدة متعلقة بحقوق الدفاع بهدف حماية وصيانة كرامة المواطنين وحرياتهم الفردية والجماعية. مع العمل الجاد الدؤوب على استثمار هذه التعديلات الى حين صدور مكتسبات جديدة في هذا المجال.

الهوامش
(1) حقوق الانسان اسئلة واجوبة ص 3 ط نيويورك 1990 الامم المتحدة.
(2) الدورية  القانونية ع 3 و4 ص 3 مقال للسيد النقيب ذ. عبد الله درميش " مدى استجابة التشريع المغربي للمعايير الدولية في مجال حقوق الانسان".
(3) المرجع السابق ص 14.
(4) المرجع السابق ع 3 ص3.
(5) قانون المسطرة الجنائية مع اخر التعديلات ذ. عبد العزيز توفيق ص 29 ط دار الثقافة سنة 1994.
(6) مجلة المحامي ع 22 سنة 1993 ص 20.
(7) الجريدة الرسمية ع 4131 بتاريخ 1/1/1992.
(8) تقرير منظمة العفو الدولية تحت عنوان " انتهاكات حقوق الانسان في ظل نظام الاعتقال الاحتياطي بالمغرب".يناير 1990.
(9) جريدة الاتحاد الاشتراكي " الاشهار بحقوق الانسان" لمحمد خير الدين بتاريخ 16/3/199.
(10) الدورية القانونية رقم 3 و4 مرجع سابق ص 2.
(11) هوامش على تعديلات قانون المسطرة الجنائية للدكتور محمد عياط ص 228 ع 7 من مجلة الاشعاع.
(12) المرجع السابق ص 229.
(13) مجلة الاشعاع ع 8 ص 25 قرار المجلس الاعلى عدد 1504 بتاريخ 10/10/74 قضية رقم 40601.
(14) المرجع السابق ص 27.
(15) تقرير منظمة العفو الدولية الصادر في يناير 1990
(16) الدورية القانونية 3 و4 ص 2 مرجع سابق.
(17) "حقوق الانسان وإيديولوجية القانون" خديجة بيطار جريدة العلم 7/3/1992- ص 12.
(18) مجلة الوحدة ع 63-64 دجنبر1989 ويناير1990.

* مجلة المحاكم المغربية عدد 70، ص 50

Sbek net
كاتب ومحرر اخبار اعمل في موقع القانون والقضاء المغربي .

جديد قسم : أبحاث قانونية مغربية