-->

مسطرة بطلان اجراءات التبليغ في ضوء العمل القضائي المغربي



مسطرة بطلان اجراءات التبليغ
 في ضوء العمل القضائي المغربي


يقصد بالتبليغ الشكلية التي يتم بواسطتها اعلام المبلغ اليه بالاجراءات  القضائية  التي  تتخذ  ضده، وتتجلى اهميته فيما يترتب عليه من اجال للطعن  او حضور للجلسات وغير ذلك  من الاجال المسطرية.  فالتبليغ  هو المفتاح الذي لا يمكن بدونه البت في المنازعات القضائية، لذلك تبقى الكثير من الملفات على رفوف المحاكم  في  انتظار  استكمال  اجراءات التبليغ.

واساس فكرة التبليغ هو مبدا المواجهة الذي يقوم على عدم جواز اتخاذ  أي اجراء  ضد  شخص  دون تمكينه من العلم به واعطائه الفرصة للدفاع عن نفسه، فهذا المبدا هو مجرد تطبيق من تطبيقات  حق الدفاع. والتشريعات الحديثة تجمع على ان المواجهة لا تحقق هدفها الى اذا تم العلم في وقت نافع، أي الوقت الذي يمكن  فيه للخصم  ان  ينظم دفاعه بصفة كافية بعد التامل والتروي(1)، وفي هذا الاطار ينص الفصل 116 من قانون  المرافعات  الفرنسي  على  ان القاضي يلتزم في جميع الظروف بان يلاحظ احترام الخصوم للمواجهة وان يلتزم    نفسه  بها(2).

ويفهم من النص المذكور الذي لا يتناقض مع روح التشريع المغربي بان القاضي هو الضامن لاحترام المواجهة. فاذا ثبت ان المواجهة لم تتم وصد الحكم بناء على ذلك، فان الحكم يكون مشوبا بالبطلان.
ولتطبيق مبدا المواجهة يجب ان يتم التبليغ في الشكل الذي يفرضه القانون، فالعلم  يفترض  بمجرد  وقوع التبليغ بالشكل
القانوني، غيرانه من المؤكد وجود علاقة بين شكل التبليغ والغاية منه، وكشفه هذه العلاقة من خلال التعمق في فهم روح التشريع هي التي توضح الجزاء المترتب على مخالفة النصوص المتعلقة بالتبليغ، وتلعب في ذلك فطنة القاضي  وحكمته دورا كبيرا نظرا لتشعب المشاكل المترتبة عن التبليغ وتنوعها بشكل يصعب  معه  حصرها  لمعالجتها  بقواعد  قانونية جامدة.

وسنحاول في هذا العرض ابراز بعض الجوانب المتعلقة بالتبليغ ومتى يرتب  القضاء  المغربي على  مخالفة  النصوص المنظمة له جزاء البطلان وذلك في ثلاثة مباحث تخصص اولها لكيفية اثبات التبليغ، ونعرض في  المبحث الثاني شكلية التبليغ، ونفرد المبحث الاخير لبطلان اجراءات التبليغ.

المبحث الاول : وسائل اثبات التبليغ
تعتبر شهادة التسليم هي الوثيقة الاساسية لاثبات التبليغ باعتبارها تحمل توقيع المبلغ اليه، بالاضافة الى توقيع المبلغ وفي حال عدم المنازعة يمكن الاعتماد على شهادة عدم التعرض والاستئناف وغلاف التبليغ او تاشيره كتابة الضبط التي تفيد التبليغ المسجلة على النسخة التنفيذية للحكم مع امكانية الرجوع الى ملف التبليغ كلما ظهر للمحكمة ريبة في الوثائق المذكورة.

وقد درج المجلس الاعلى على اعتبار شهادة التسليم المرجع الاساسي لاثبات التبليغ مقررا ان ما يعتد به لاثبات التبليغات القضائية في حالة النزاع هي شهادة التسليم المنصوص عليها في الفصل 39 من ق. م. م. وليست شهادة كتابة الضبط المبنية على وقائع ملف التبليغ (3)، وانه "لا يمكن تعويض شهادة التسليم باية وثيقة اخرى لاثبات التبليغ وان محكمة الاستئناف التي اعتمدت توصل الطاعن بواسطة زوجته بالانذار على مستنتجات الملف التي تحتوي على شهادة موقعة من رئيس كتابة الضبط تتضمن توصل الطاعن بالانذار يكون قرارها قد خرق مقتضيات الفصل 39 من ق. م. م. (4).
وقد سوى المشرع المغربي بين كتابة الضبط والاعوان القضائيين والسلطة الادارية وادارة البريد في التبليغ، وهذا ما اكده المجلس الاعلى في قرار جاء فيه : "وعن تمسك الطاعن بعدم قانونية الاستدعاء لتوجيهه بالطريق الاداري بدل تبليغه بواسطة عون كتابة الضبط فان المادة 37 من ق. م. م. سوت بين التوجيه لواسطة العون او بالطريقة الادارية، لا فرق في ذلك لان المقصود من ذلك هو التوصل وقد حصل بالفعل وهو موقع من طرف متوصل بتاريخ 23/05/78 مع توقيع العون المكلف مما كانت معه الوسيلة عديمة الاساس(5)، وفيما يتعلق بحجية التبليغ بالبريد المضمون، جاء في قرار اخر للمجلس الموقر ما ورد بالفصل 38 من ق. م. م.
من ان التبليغ يكون صحيحا اذا تم الى الشخص نفسه او في موطنه الى اقاربه او خدمه او الى شخص يقيم معه يتعلق بعموم التبليغ سواء بواسطة كتابة الضبط او بواسطة موزع البريد المضمون مع العلم بالوصول(6).
وشهادة التسليم بمفهومها العام المذكور ما دامت تحرر من طرف موظفين عموميين تعتبر ورقة رسمية مما يترتب على ذلك النتائج التالية :

1.  يعتبر المبلغ مرتكبا لجريمة التزوير في وثيقة رسمية ان هو قام بتغيير الحقيقة، ويعتبر مرتكبا لهذه الجريمة كل من يقوم بتزوير محضر التبليغ بالتغيير فيه او التقليد امضاء المبلغ.

2.  شهادة التسليم لها حجية ثبوتية لا يجوز اثبات عكسها الا عن طريق الطعن فيها بالتزوير، وتجدر الاشارة هنا الى ان الحجية  تثبت فقط لما راه المبلغ او سمعه او قام به بنفسه، اما الوقائع والمعلومات التي يسجلها بناء على تصريحات من وجدهم بموطن المبلغ اليه، فانها تسجل في شهادة التسليم  على مسؤولية صاحب تلك التصريحات(7)، فاذا وجد عون التبليغ شخصيا في موطن المبلغ اليه وزعم له بانه هو المعني بالامر او له الصفة في التسلم طبقا للفصل 38 من ق. م. م. فان العون يكتفي بتسجيل تلك التصريحات على مسؤولية صاحبها ولا يلزم في هذه الحالة بالطعن بالتزوير لاثبات عدم صحة تلك التصريحات، بل يجوز له اثبات العكس بجميع الوسائل للاثبات بما في ذلك البينة والقرائن. وفي الحالة التي يقع في شهادة التبليغ كشط او محو او حشو او غير ذلك من العيوب المادية، فان الامر يخضع لتقدير المحكمة وذلك استنادا الى الفصل 423 من ق. ل. ع الذي ينص على ما يلي :

"الورقة التي لا تصلح لتكون رسمية بسبب عدم اختصاص او عدم اهلية الموظف، او بسبب عيب في الشكل، تصلح لاعتبارها محررا عرفيا اذا كان موقعا عليها من الاطراف الذين يلزم رضاهم لصحة الورقة"
"اما اذا وقع تناقض في بيان جوهري بين ما سجل في طي التبليغ وشهادة التسليم، فان القضاء المغربي يعتمد على شهادة التسليم نظرا لكونها تحتوي على توقيع المبلغ اليه"(8).

المبحث الثاني : اهم البيانات في التبليغ

تتعدد بيانات اوراق التبليغ الى انواع مختلفة كلها تصبو الى تحقيق غاية واحدة هي اعلام الشخص بما يتخذ ضده من اجراءات قضائية قصد اعطائه الفرصة للدفاع عن نفسه، وتلك البيانات المنصوص عليها في الفصول 37- 38- 39 من ق. م. م. و441 من نفس القانون بالنسبة للتبليغ الى القيم. عدا اذا استلزم المشرع بيانات اضافية في تشريع خاص فينبغي تضمين هذه البيانات ايضا(9).

وينبغي عدم التشدد في تطبيق تلك البيانات بغية التخفيف من الشكلية المعقدة التي كانت معروفة في القانون الروماني، فالمشرع لا يوجب استعمال عبارات معينة او ترتيب معين، فالبيانات تكمل بعضها البعض و الخطا الذي يسهل التعرف عليه لا يؤثر على صحة التبليغ، وسنقتصر على اهم البيانات في ورقة التبليغ وهي الاسم الشخصي والعائلي للمبلغ اليه واسم وصفة متسلم التبليغ.

اولا  : الاسم الشخصي والعائلي للمبلغ اليه
الغاية من بيان الاسم الشخصي والعائلي هو تسهيل التعرف على المبلغ اليه، لذك فان اغفال الاسم الشخصي او العائلي لا يترتب عليه البطلان طالما تيسر من باقي البيانات التعرف على المبلغ اليه، كما ان الخطا في الاسم لا يرتب البطلان الا اذا حرف الاسم بشكل يؤدي الى الجهل بالمبلغ عليه، وقد نص المجلس الاعلى على هذا المبدا بالقول :
 بان النقص في البيانات المتعلقة باطراف الدعوى لا يترتب عنه بطلان الحكم الا اذا كان نقصا جسيما يؤدي الى التشكيك في التعرف بالخصوم او في تحديد صفتهم في الدعوى، الامر الذي ينتفي في النازلة لا سيما وان القرار تضمن اثناء عرضه للوقائع الاسماء الكاملة لورثة الطاعنين"(10).

وجاء في قرار اخر للمجلس الموقر :
"بان عدم الاشارة الى موطن او محل اقامة وصفة المستانف وحرفة المستانف عليه في كل من مقال الاستئناف والحكم المطعون فيه لا يشكل خرقا مسطريا يستوجب النقض ما دام انه لم يترتب عنه أي نزاع في هوية الطرفين ولم يتضرر منه الطاعن(11)"
 وهناك اتجاه في القضاء يميل الى التشدد في تطبيق الفصل 38 من ق. م. م. الذي يوجب الاشارة الى الاسم العائلي والشخصي للمبلغ اليه. وقد قضى المجلس الاعلى
 "انه لابد من ذكر الاسم الشخصي والعائلي للمبلغ اليه والا كان التسليم باطلا" (12).

والاتجاه المذكور غير صائب لان المشرع المغربي وان أوجب تضمين الاسم العائلي الا انه لم يرتب جزاءا على اغفاله، فالغاية التي يتوخاها المشرغ هي تحديد هوية المبلغ اليه بشكل دقيق يرفع اي لبس، والواقع المغربي لا يزال في بعض المناطق القروية يشكو من عدم تعميم نظام الحالة المدنية الذي يعتبر اجباريا حسب ظهير 1415.9.4 مما يترتب على ذلك امكاية عدم توفر الشخص على اسم عائلي الامر الذي يستلزم لتطبيق القانون تطبيقا سليما ربط النصوص بعضها بالبعض الاخر وعدم الاكتفاء بنص في معزل عن نص اخر له علاقة به ومراعاة الواقع الذي يطبق فيه هذا القانون (13).

ثانيا اسم وصفة متسلم التبليغ
الحكمة من وراء استلزام المشرع بيان اسم وصفة من سلم له الاستدعاء هو التحقق من ان التسليم قد تم الى واحد ممن لهم الصفة في التسليم، كان يكون قريبا او وكيلا او خادما، ويجب ان يوقع واذا عجز عن التوقيع او رفضه اشار الى ذلك العون المكلف بالتبليغ (الفصل 39 من ق. م. م.).

واذا كان المشرع قد اشار صراحة الى اعتبار التبليغ صحيحا اذا رفضه من له الحق فيه وامتنع عن التوقيع، فانه لم يوضح حكم الحالة التي يمتنع فيها المتسلم عن الافصاح عن هويته وصفته، مما نتج عن ذلك اختلاف القضاء حول هذه النقطة، وذلك عكس بعض التشريعات من ذلك الفصل 27 من اصول المحاكمات الاردني الذي يجيز للمحكمة الا تقرر ان التبليغ قد تم وفق الاصول اذا امتنع المدعى عليه عن التوقيع. اما بحالة امتناع من ينوب عنه عن التوقيع فان التبليغ يكون غير قانوني.

والملاحظ ان العمل القضائي في اغلب قراراته يميل الى التشدد في ضرورة تضمين الصفة والهوية الكاملة للمتسلم في حالة امتناعه عن التسلم، ويرتب عن هذا الاغفال بطلان التبليغ، وعلى هذا المنوال قررت المحكمة الابتدائية بالرباط :
"بان عون التبليغ وان كان قد ضمن شهادة التسليم وجود شخص رفض الادلاء بهويته ورفض تسلم الاستدعاء فان ذلك لا يعتبر تبليغا صحيحا بالمعنى الوارد في الفصلين 38- 39 من ق. م. م. مما يتعين معه التصريح ببطلان التبليغ"(14).
ومن حيثيات قرار لمحكمة الاستئناف بالرباط في نفس الاتجاه :
"حيث انه بالرجوع الى صورة شهادة التسليم المتعلقة بتبليغ الحكم المستانف للكاتبة يتبين ان التبليغ تم للكاتبة التي رفضت التوصل والادلاء باسمها وبطاقتها الوطنية.
وحيث ان عدم بيان الهوية الكاملة للشخص الذي بلغ اليه الحكم المستانف وذلك بذكر اسمه الشخصي والعائلي يعتبر مخالفا لاجراءات التبليغ المنصوص عليها في الفصل 38 من ق. م. م. ويتعين التصريح ببطلانه"(15).
وفي نظرنا الاتجاه المذكور مع احترامنا لهدفه النبيل الذي هو توخي حيطة اكثر لعدم اهدار حقوق المبلغ اليه، فاننا لا نتفق معه، لانه يتسم بنوع من الغلو في الشكلية، ذلك ان الكثير من التبليغات ترجع بملاحظة ان المبلغ اليه او الشخص الموجود بموطنه امتنع عن التسلم والادلاء بهويته، وان عدم ترتيب الاثر على هذه التبليغات يخدم مصلحة المتقاضين سيئي النية الذين يسعون بشتى الوسائل الى عرقلة العدالة.

ولئن كان القانون الجنائي يعتبر رفض اعطاء الهوية عند المطالبة بها بوجه قانوني مخالفة جنائية معاقب عليها بمقتضى الفصل 609 فقرة 2 من القانون الجنائي، فان عقوبتها هزيلة جدا من جهة وان تطبيقها لا يسعف من الناحية العملية من جهة ثانية. والمبلغ غير ملزم بالتحقق من صفة المتسلم ولا من حقيقة علاقته بالمبلغ اليه طالما كان موجودا وقت التبليغ بالعنوان المراد اليه التبليغ، هذه القاعدة نص عليها المشرع المصري صراحة في المادة 10 من قانون المرافعات ولا تتعارض مع التشريع المغربي وان لم ينص عليها.

فكما سبقت الاشارة الى ذلك، تعتبر شهادة التسليم ورقة رسمية لا يمكن الطعن فيها الا بالتزوير وذلك فيما يتعلق بالبيانات التي سجلها المبلغ استنادا الى ما راه او ما قام به او سمعه بنفسه، اما المسائل التي يسجلها استنادا الى تصريحات من وجده بموطن المبلغ اليه فانها تسجل في شهادة التسليم على مسؤولية صاحب تلك التصريحات وعلى المتضرر ان يثبت العكس بجميع وسائل الاثبات بما في ذلك البينة والقرائن.

والمجلس الاعلى يزكي هذا الاتجاه في العديد من قراراته جاء في احدها : بانه لما اشار المبلغ في محضر التبليغ ان التبليغ وقع بتاريخ 20/11/87 وان والدة المعني بالامر رفضت حيازة الطي في الادلاء باسمها ولم يطعن الطالب في هذا المحضر الرسمي باي طعن قانوني مما يكون معه التبليغ موافقا للفصول 37- 38 و39  من ق. م. م."(16).

وجاء في حيثيات قرار اخر : لكن ما عابه الطاعن على شهادة التبليغ بانها جاءت مخالفة للفصل 56 الذي يحيل بدوره على الفصول 37- 38- 39 من ق. م. م. غير صحيح ذلك ان شهادة التسليم جاءت منسجمة مع الفصول المشار اليها كما ان العون المكلف بالتبليغ اشار في الشهادة الى كون  والدة  المدعى عليه المتسلمة للطي رفضت التوقيع، وهذا ما ينص عليه الفصل 38 من ق. م. م. والقرار قد اجاب عن هذه الدفوعات باطناب والطاعن لم يطعن في التبليغ ولم ينكر تسلمه للطي بواسطة والدته كما ورد في القرار بان الاشارة   الى  صفة  الام  تغني عن  بيان  اسمها  مما  يكون  معه  التبليغ صحيحا" (17).
المبحث الثالث بطلان اجراءات التبليغ
البطلان هو الوصف الذي يلحق عملا معينا لمخالفة القانون ويؤدي الى عدم ترتيب الاثار القانونية عنه بسبب ما شاب الاجراء من عيب، والتشريعات الحديثة بدات تتخلص من الشكلية الاجرائية العقيمة وذلك بربط البطلان بتحقق الغاية من الاجراء،  فاذا تحققت الغاية كان الاجراء صحيحا ولو نص القانون على البطلان. وتطبيق هذا المبدا يضفي على قواعد الاجراءات طابع المرونة والسهولة ويساعد على سرعة  البت في القضايا، وهذا ما تقوم عليه مبادئ القضاء في الاسلام الذي يرجح الجوهر على الشكل ابتغاء تحقيق العدل والانصاف. وفي هذا الاتجاه ينص الفصل 156 من قانون المرافعات الايطالي على انه لا يحكم بالبطلان رغم النص عليه اذا حقق الاجراء الغاية منه.

وينص الفصل 39 من قانون المرافعات اليمني على ان بطلان الاجراءات او عدمه متعلق بالنتيجة المطلوبة، فان تحققت النتيجة من الاجراء فلا بطلان وان لم تتحقق كان الاجراء باطلا.
والمشرع المغربي لم يخرج عن مسار التشريعات الحديثة في نظرية البطلان، فهو ياخذه ايضا بفكرة تحقيق الغاية من الاجراء التي يقررها الفصل 49 من ق. م. م كما يلي :

"يجب ان يثار في ان واحد وقبل دفاع في الجوهر الدفع باحالة الدعوى على محكمة اخرى لتقديمها امام محكمتين او لارتباط الدعويين و الدفع بعدم القبول والا كان الدفعان غير مقبولين.
يسري نفس الحكم بالنسبة لحالات البطلان والاخلالات الشكلية والمسطرية التي لا يقبلها القاضي الا اذا كانت مصالح الطرف قد تضررت".

والدفع ببطلان التبليغ يعتبر دفعا شكليا يتعين ابداؤه في المرحلة الابتدائية وقبل كل دفاع في الجوهر والا كان غير مقبول. واذا كان الحق فيه لم يسقط يجب ابداؤه في مقال الطعن بالاستئناف قبل الكلام في الموضوع ويقع على عاتق مثير الدفع اثبات الضرر الذي حصل له من الاخلال الشكلي.

ولقد كرس المجلس الاعلى قاعدة لا بطلان بدون ضرر في كثير من قراراته، وفي هذا السياق قرر ان حالات البطلان والاخلالات الشكلية والمسطرية لا تقبل الا اذا اثيرت قبل كل دفاع في الجوهر وكانت مصالح الطرف قد تضررت فعلا حسبما يؤخذ من مقتضيات الفصل 49 من ق. م. م.(18).
ولا يمكن للمحكمة ان تقضي ببطلان التبليغ من تلقاء نفسها بل لابد من اثارته ممن له المصالحة في ذلك وفي هذا الاتجاه نقض المجلس الاعلى قرار استنافيا على اساس :
"ان محكمة الاستئناف كدرجة ثانية للتقاضي يقتصر نظرها على اسباب الاستئناف فقط ولا يجوز لها ان تفصل في طلبات لم تطرح عليهاالا ما  كان له مساس بالنظام العام، وان المحكمة حينما بنت قرارها المطعون فيه على ان التبليغ غير قانوني تكون قد بتت خارج ما طرح عليها من خلال مقال الاستئناف وخرقت مقتضيات الفصل 3 من ق. م. م. الامر الذي يعرض قرارها للنقض"(19).

غير ان هناك راي يتشدد في شكلية التبليغ ويعتبره من النظام العام، من ذلك ما جاء في قرار للمجلس الموقر :
 "بان التبليغ يعتبر من النظام العام، وان شهادة التسليم يجب ان تحمل البيانات المنصوص عليها وتاريخ التبليغ بالاحرف والارقام والا كان باطلا" (20).
وفي نفس المذهب قررت محكمة الاستئناف بالدار البيضاء
 "بان عدم تضمين غلاف التبليغ لتاريخ التبليغ او عدم توقيعه من قبل المبلغ يجعل التبليغ باطلا وان هذه النقطة من النظام العام" (21).

وهذ المسلك لا يحقق رغبة مشرع قانون المسطرة المدنية المغربي الذي يعتبر قانونا غيرشكليا ليس بالنسبة للقانون الجديد فحسب، بل حتى بالنسبة للمسطرة القديمة الصادرة سنة 1913. وهي مسطرة وضعها الفرنسيون لتجربة بعض الاصلاحات من اجل تبسيط الاجراءات قبل ادخالها الى القانون الفرنسي الذي كان يتعرض انذاك لانتقادات شديدة بسبب مبالغته في الشكلية(22).

لذلك في نظرنا وحسب ما استقر عليه العمل القضائي لا يعتبر التبليغ من النظام العام، بل يجب علا من يريد التمسك به ان يثيره مع اثبات الضرر الذي اصابه من ذلك، وان محكمة الطعن وحدها التي يمكن ان تحكم ببطلان التبليغ بصفة تلقائية بصدد مراقبة اجال الطعن، ولان تلك المراقبة تتعلق بالاجراءات الشكلية الاساسية لقانون المسطرة المدنية، مما يقتضي التاكد من صحة التبليغ باعتباره منطلقا لاحتساب اجال الطعن التي تعتبر من النظام العام، فالامر المتعلق بالنظام العام في هذه الحال هو اجال الطعن وليس التبليغ.

طرق الطعن في التبليغ
حالات الطعن في صحة التبليغ متعددة يمكن حصرها فيما يلي :
1.  ان يقدم على شكل دفع امام المحكمة الابتدائية وذلك قبل كل دفاع في الجوهر مع اثبات الضرر.
2.  ان يقدم امام محكمة الاستئناف في عريضة الطعن وقبل الكلام في الموضوع.
     

3.  ان يقدم كصعوبة في التنفيذ بواسطة مقال استعجالي امام السيد رئيس المحكمة الابتدائية استنادا الى المنازعة في صحة التبليغ.
4.  ان يقدم كدعوى اصلية ترمي الى بطلان التبليغ الذي استند اليه حكم قضائي.
5.  ان يقدم كدعوى اصلية من اجل بطلان تبليغ حكم قضائي.
فاذا كانت الحالات الثلاث الاولى لا تطرح أي اشكال، فان الحالة الرابعة تطرح اشكالية هل يجوز الطعن في الاحكام بواسطة دعوى البطلان؟ والحالة الخامسة تطرح السؤال هل يجوز الطعن في تبليغ الحكم امام المحكمة الابتدائية ام لا يجوز ذلك ويكتفي بتقديمه كدفع امام محكمة الطعن ؟

ان المشرع المغربي لم ينص على عدم جواز تقديم دعوى بطلان للحكم كدعوى اصلية كما هو الشان بالنسبة للمشرع الفرنسي الذي نص في الفصل 460 من قانون المرافعات على انه لا يجوز طلب بطلان الحكم الا بمقتضى طرق الطعن المقررة قانونا. وفي نظرنا فان القانون المغربي ايضا يسير في نفس المعنى وان لم ينص على ذلك صراحة، لان استقرار الحقوق يقتضي احترام حجية الاحكام، فلا يطعن فيها الا بالطرق المحددة قانونا، فاذا انقضت اجال الطعن اكتسبت قوة الامر المقضي به واصبحت غير قابلة لاي طعن.

غير ان الفقه اوجد نظرية تفرق بين الاحكام الباطلة والاحكام المعدومة وهي التي يفقد خلالها احد اركانه الاساسية كانعدام التبليغ، فاعتبر ان الاحكام المعدومة لا يلزم رفع دعوى ببطلانها، بل يكفي انكارها والتمسك بعدم وجودها مع امكانية تقديم دعوى اصلية من اجل ابطالها (23).

ومجاراة هذه النظرية باعطاء الحق برفع دعوى اصلية لبطلان الحكم يضر بحجية الاحكام واستقرار المعاملات ويعطي الفرصة لاصحاب النية  السيئة لتطويل المنازعات والتملص من التنفيذ لا سيما وانه تكون احيانا التفرقة دقيقة بين البطلان والانعدام.

وبالنسبة للتطبيقات العملية لنظرية بطلان الاحكام بواسطة دعوى اصلية في القضاء المغربي فهي موجودة لكنها قليلة (24)، مما يمكن القول بانه يرفض تطبيقها، وذلك ما يتجلى من الاجتهادات التالية المتوفرة لدينا والتي تتعلق ببطلان تبليغ الحكم كدعوى اصلية ونرى انها تنطبق في نفس الوقت على دعوى بطلان الحكم المبني على تبليغ غير صحيح.

وفي هذا السياق جاء في قرار للمجلس الاعلى بانه
 "عندما ينازع المستانف في تبليغ الحكم الابتدائي فان محكمة الاستئناف هي التي لها صلاحية البت في هذا الدفع على ضوء شهادة التسليم التي يقع الادلاء بها او يقع الرجوع بشانها الى ملف التبليغ" (25).

وفي نفس الاتجاه جاء في معرض رد محكمة الاستئناف بالرباط عن طلب لايقاف البت في القضية الى حين البت في دعوى الطعن في التبليغ المقدم كدعوى اصلية امام المحكمة الابتدائية بالرباط ما يلي :
 "حيث ان الطعن في اجراءات تبليغ الامر بالاداء ينبغي تقديمه ضمن اسباب الاستئناف وليس تقديمه في شكل مقال افتتاحي امام المحكمة الابتدائية. فدور محكمة الاستئناف لا يقتصر على مراقبة الحكم الابتدائي، بل يمتد الى مراقبة اجراءات التبليغ التي تقوم بها كتابة الضبط بعد صدور الحكم المستانف مما تكون معه دعوى بطلان اجراءات التبليغ امام المحكمة الابتدائية التي اشارت اليها المستانفة غير ذي اثر للبت من طرف محكمة الاستئناف"(26).

كما عللت المحكمة الابتدائية بالرباط حكما لها بعدم قبول دعوى الطعن في التبليغ المرفوعة امامها كدعوى اصلية بما يتفق مع القرارين السابقين وفق ما يلي :
"حيث ان الطعن في تبليغ الحكم بجب ان يقدم على شكل دفع امام محكمة الاستئناف التي يبقى لها صلاحية البت فيه، فاذا ثبت لها بطلان التبليغ امكنها قبول الاستئناف ولو خارج الاجل.
وحيث ان ما دفع به المدعون من كون وجود ملف التبليغ بالمحكمة الابتدائية يمنح الاختصاص لهذه الاخيرة للبت في دعوى بطلان التبليغ لا يرتكز على اساس من الصحة لانه لا يوجد ما يمنع محكمة الاستئناف من الاطلاع على ملف التبليغ اذا كان موجودا بالمحكمة الابتدائية" (27).

خاتمة

ان قانون المسطرة المدنية المغربي يعتبر متطورا من ناحية مسايرته للفقه و التشريعات الحديثة في ما يخص نظرية البطلان، وان العمل القضائي المغربي في مجمليه تفاعل مع هذه المرونة لصالح التخفيف من عبء القيود الشكلية وجعلها متطابقة مع الواقع المغربي ومبادئ الفقه الاسلامي التي كانت تطبق في المغرب قبل ادخال نظام المسطرة المدنية من طرف الفرنسيين بظهير 12 غشت 1913.

الا انه بعد مرور ربع قرن من تطبيق قانون المسطرة المدنية الصادر بظهير 28/09/1974 فقد حان الوقت لكي يتدخل المشرع من اجل سد بعض الثغرات مع الاستفادة من التشريعات المقارنة الحديثة والقواعد التي رسخها الاجتهاد القضائي المغربي.
ومن الثغرات التي تستدعي تدخل المشرع احداث نظام الغرامة المدنية كجزاء على التحايل والغش او الاهمال في التبليغ على جميع الاطراف المعنية والتنصيص صراحة  على عدم جواز الطعن في بطلان الاحكام او اجراءات تبليغها بواسطة دعوى اصلية لسد الطريق امام المتقاضين ذوي النية السيئة لاستغلال هذه الدعوى لعرقلة البت في القضايا والتملص من تنفيذ الاحكام.

كما يجب الرفع من مستوى المكلفين بالتبليغ ماديا ومعنويا واحداث نظام محكم لمراقبة عملهم تسند مهمته الى النيابة العامة ومؤسسة قاضي التنفيذ المزمع احداثها حسبما يؤشر على ذلك منشور وزير العدل المؤرخ في 07/12/98 بتكليف قاض لمتابعة اجراءات التنفيذ. ومسؤولية هذا الاصلاح لا تقع على المشرع وحده، بل يجب ان تتظافر جهود جميع المعنيين للتعاون على ارجاع المصداقية والفعالية لمحاضر التبليغ لان التبليغ اشكالية واقعية اكثر منها قانونية


الاستاذ عبد لله العبدوني
مستشار بمحكمة الاستئناف بالرباط
مجلة الاشعاع عدد 20، ص 27





1)   عبد الفتاح مراد، اصول اعمال المحضرين في الاعلان والتنفيذ ، المكتب الجامعي الحديث، 1991، ص19.
2) Jean vincent Serge Gninchard, Procédure civile, Dalloz, 1994, p.745

3)  قرار رقم 1556 بتاريخ 25/06/1986 ملف مدني 97475 منشور بمجموعة قرارات المجلس الاعلى المادة المدنية،
    ج. II، اعداد ادريس ملين، ص. 425.
4)  قرار محكمة الاستئناف بالرباط بتاريخ 08/06/98 في الملف التجاري عدد 7249/97 غير منشور.
5)  قرار رقم 742 بتاريخ 8/12/1981 ملف شرعي رقم 76922 مشار عليه من طرف د. احمد المحسن الزعبي في
     اطروحته "الحكم المدني بواسطة قيم القانون المغربي"، ج. 1، ص. 185، جامعة محمد الخامس بالرباط،
     92- 1993
6) قرار رقم 180 ملف مدني عدد 64341 بتاريخ 05/08/1983 منشور بمجلة قضاء المجلس الاعلى، عدد 35- 36
    ص.155.
7) احمد ابو الوفا نظرية دفوع في قانون المرافعات، ص . 346، منشاة المعارف، 1991.
8) قرار رقم 2385 بتاريخ 28/10/87، ملف عدد 1191، غير منشور.
9) بمقتضى الفصل 205 من ظهير... المتعلق بالعقارات المحفظة فان عون التنفيذ يبلغ الى المدين الراهن انذار يتضمن     لزوما اسم عقار او العقارات المحفظة التي سيجري بيعها في حالة عدم الاداء ورقم رسمها العقاري، ومكانها ويتم
    تبليغ هذا الانذار كما يبلغ الحكم العادي وفق اجراءات التبليغ المنصوص عليها ضمن الفصول 37 -38 -39  من
    ق. م. م.
10) قرار المجلس الاعلى رقم 68 بتاريخ 06/01/93 ملف مدني 164/88 غير منشور.
11) قرار المجلس الاعلى عدد 648 بتاريخ 25/11/81 منشور بمجلة المحاكم المغربية، عدد 53، ص. 106.
12) قرار رقم 188 بتاريخ 15/03/78 منشور بمجلة القضاء والقانون عدد 129، ص 76.
13) انظر مقال د. عبد اللطيف تيجاني بعنوان : "هل يعتبر الاسم العائلي بيانا جوهريا في تبليغ الاحكام" منشور بجريدة
      العلم، عدد 17248 بتاريخ 19 يوليوز 1997.
14) حكم بتاريخ 23/04/91 في الملف المدني عدد 980/90 غير منشور.
15) قرار  بتاريخ 08/02/93  في  الملف  المدني  رقم 4656/91 غير منشور
16) قرار عدد 3933/90 ملف مدني 3051/89 بتاريخ 17/12/90 غير منشور
17) قرار عدد 268 بتاريخ 16/10/93 ملف شرعي 7271 غير منشور.
18) قرار عدد 220 بتاريخ 27/05/77 ملف اداري عدد 59766 منشور بمجلة قضاء المجلس الاعلى، عدد 26.
19) قرار عدد 1345 بتاريخ 27/07/83 ملف مدني 92404 منشور بمجلة المحاكم المغربية، عدد 31، ص 51.
20) قرار عدد 413 بتاريخ 20/02/85 ملف 94623 غير منشور.
21) قرار عدد 683 بتاريخ 10/09/85 ملف 85/412 منشور بمجلة المحاكم المغربية، عدد 46، ص.85.
22- Maurice Marère, Manuel d'organisation judiciaire au Maroc, Rabat, 1926,  P.26
23) الدكتور احمد ابو الوفا، نظرية الدفوع في قانون المرافعات، منشاة المعارف، 1991، ص. 567.
24) على سبيل المثال حكم المحكمة الابتدائية بالرباط في الملف رقم 1/980/90 بتاريخ 23/04/91 غير منشور.
25) قرار رقم 1556 بتاريخ 25/06/86 ملف مدني 97475 منشور بمجموعة قرارات المجلس الاعلى في المادة المدنية،
     ج. II، اعداد ادريس ملين، ص.425.
26) قرار بتاريخ 25/05/98 في الملف التجاري عدد 5782/97 غير منشور.
27) حكم رقم 144 بتاريخ 06/05/98 ملف عقاري رقم 7/293/97 غير منشور.


Sbek net
كاتب ومحرر اخبار اعمل في موقع القانون والقضاء المغربي .

جديد قسم :