-->

عرض حول المنازعات الجمركية الزجرية





الأستاذ عبد الرزاق بلقسح نائب الوكيل العام
 للملك محكمة الاستئناف الدار البيضاء
(الجزء الثاني)

III- تحريك الدعوى العمومية وممارستها من طرف النيابة العامة وإقامتها من طرف بعض موظفي الادارات ومدى حدود سلطة النيابة العامة في ذلك.

أصبحت النيابة  العامة  في  التشريعات  الحديثة هي المختصة بتحريك وإقامة الدعوة العمومية كما يشاركها في ذلك استثناءا بعض الجهات الاخرى مثل بعض الادارات والمحاكم في جرائم الجلسات والمتضرر عندما ينتصب مطالبا بالحق المدني.
لقد اوكل المشرع المغربي مهمة المتابعة أو الملاحقة للنيابة العامة. فهي المدعي الاصلي في الدعوى العامة وهذا الامر مستفاد من نص الفصل الثاني من قانون المسطرة الجنائية الذي جاء فيه.
" يقيم الدعوى العمومية ويتابعها رجال القضاء. أو الموظفون المعهود إليهم بها بمقتضى القانون والمكلفون بذلك قانونيا".
تعد اذن النيابة العامة الهيئة الرئيسية المسؤولة عن تحريك الدعوى العامة وممارستها ولذلك فهي سلطة متابعة وقد نص على هذا الاختصاص الرئيسي الفصل 34 ق. م .ج.
 فهي تمارس الدعوى العامة بكل  موضوعية وحياء مراعية  في  ذلك  الحقيقة  و حسن سير العدالة. وهي الممارس الوحيد للدعوى حتى في الحالة التي تحرك فيها هذه الدعوى من طرف  المضرور.
-----------------------
*الجزء الاول سبق نشره بمجلة المحاكم المغربية عدد 87.
-----------------------
فقانون المسطرة الجنائية المغربي مقتبس من قانون المسطرة الجنائية الفرنسي الحالي لذلك فان نظام الاتهام الذي اخذ به المشرع المغربي هو نظام الاتهام العام كاساس مع تلطيفه بالاخذ بنظام الاتهام الفردي  في حدود ضيقة وطبقا لشروط معينة وبنظام الاتهام القضائي على سبيل الاستثناء وهكذا فهو اخد بالاتهام العام حينما عهد إلى النيابة العامة باقامة الدعوى العمومية وممارستها (الفصل 434 من ق. م. ج) أو إلى الموظفين المعهودة إليهم بمقتضى القانون ( الفصل الثاني من ق م ج) أو حينما يقيمها بعض موظفي الادارة على وجه الاستثناء وهكذا تاكيدا لنظام الاتهام العام، وقد اخذ بنظام الاتهام القضائي على وجه الاستثناء كما يستفاد من الفقرة 3 من الفصل الثاني من ق. م.ج. واخد  بنظام الاتهام الفردي فيما  خول المتضرر حق اقامة الدعوى العمومية طبقا لشروط حددها في قانون المسطرة الجنائية ( الفصل 2 الفقرة 3 من ق. م. ج).

فالاسلوب التقديري او اسلوب ملاءمة المتابعة.
يعطي للنيابة العامة الحرية او الخيار في اقامة الدعوى او عدم اقامتها. فهي التي تقرر حين توصلها بخبر الجريمة وعلى ضوء ما انتهى اليه بحثها وتمحيصها لذلك النبا وما تجمع اليها من الادلة متابعة وعدم متابعة من نسبت اليه هذا الاسلوب تبناه المشرع المغربي كقاعدة عامة فنص في الفقرة الاولى من الفصل 38 على ان  وكيل الملك يتسلم المحاضر والشكايات والوشايات ويقرر  ما يجب ان يتخذ بشانها من الاجراءات.

كما نص في الفقرة الثالثة منه على انه.
" يرفع الاجراءات الى هيئات التحقيق او الى هيئات الحكم المختصة للنظر فيها او يقتصر على تركها بموجب مقرر قابل دائما للالغاء.
ويجب مد حكم الظنين السابقين الى وكيل العام للملك لانه اصبح حسب الفصل الثاني من ظهير الاجراءات الانتقالية مختصا بتحريك الدعوى العمومية في الجنايات عموما وفي الجنح بنص خاص.

وهكذا يمكن لوكيل الملك او الوكيل العام للملك بحسب نوع الاختصاص بناء على ما توفر من وثائق ( محاضر-شكايات- او وشايات) وما يوفره له ملف القضية من عناصر، اما ان يتخد قرارا بالمتابعة او بتحريك الدعوى العمومية باصدار مقرر بحفظ القضية قابلا دائما للالغاء. وهذا الحفظ يجب ان يدوم على الاقل مدة تساوي مدة تقادم الدعوى العمومية.
ولم يحدد المشرع المغربي العناصر التي يجب ان تستند اليها النيابة العامة في اتخاده بل ترك لها حرية مطلقة في اعتماد أي سبب تراه صالحا لذلك.

يمكن للنيابة العامة تطبيقا لمبدا ملاءمة المتابعة المأخوذة عندنا ان تقرر بعد الاطلاع على وثائق القضية المطروحة عليها ( من محاضر- شهادة شهود - استماع الى المتهم ووسائل اثبات اخرى) اما المتابعة فتحرك الدعوى العامة  واما ان تقرر عدم المتابعة باتخاذ قرار بحفظ القضية.
ان تحريك الدعوى العامة هو اول اجراء تفتتح به الخصومة الجنائية قد تتخذه النيابة العامة بصفتها المدعي الاصلي في الدعوى العامة كما يمكن ان يشاركها فيه غيرها.
 وسلطة النيابة العامة في الملائمة تقف عند  حد امكانية تحريك او عدم تحريك الدعوى العمومية ولا يمتد الى باقي اجراءات ممارسة الدعوى العمومية كما ان قرار تحريك الدعوى العامة لا يقبل أي طعن مثلما انه ياخذ قوة الشيء المقضي به.

القانون قد يفوض استثناء لبعض الادارات حق متابعة الجرائم التي تلحق الضرر بالصالح العام التي تعمل منه الادارة على حمايتها وتحقيقها وهي مصالح ذات نفع اقتصادي او مالي أي مصالح مالية عامة للدولة كادارة الضرائب غير المباشرة (ادارة الجمارك)- ادارة المياه والغابات.

والملاحظ ان هذه الادارات تتمتع بنفس الامتيازات التي تتمتع بها النيابة العامة، اذ هي تملك حق المتابعة كاملا فهي ممثل النيابة العامة تحرك الدعوى العامة وتمارسها فهي في حالات معينة تلعب دور المدعي الاصلي في الدعوى العامة فتحرك الدعوى وتمارسها وفي بعض الحالات الاخرى يكتفي التشريع بتخويلها حق تحريك الدعوى العامة مثل المدعي المدني المتضرر من الجريمة.

ومن الادارات التي خولها، القانون حق تحريك الدعوى العامة وحق ممارستها بجانب النيابة العامة ادارة المياه والغابات فهذه الادارة تملك حق متابعة الجرائم التي تمس مصالحها وهي جرائم الصيد البحري والصيد  في المياه الاقليمية والجرائم التي تقع خرقا لقانون المياه والغابات في اوسع مداه فهي تحرك المتابعات وتمارسها في الاحكام الزجرية بالاستئناف وهذا امر مستفاد من نصوص قانون المسطرة الجنائية 424-419-393-366 و432.
وتملك ادارة الجمارك حق متابعة الجرائم التي  تقع خرقا للقانون الخاصة بها وحقها هذا يضيق مداه ويتسع باختلاف نوع العقوبة المقررة للجريمة المرتكبة فهي تملك حق المتابعة الجنائية.

حق المتابعة الجنائية تحريكا وممارسة، اذا كانت الجريمة المقترفة معاقبة بالغرامة فقط، وليس للنيابة العامة في مثل هذه الحال سوى ان تنضم الى ادارة الضرائب غير المباشرة، اما اذا كانت الجريمة معاقبة بالحبس، فان الادارة لا تملك سوى حق تحريك الدعوى العامة ان اصابها ضرر، اما النيابة العامة فتملك في هذه الحال حق تحريك المتابعة وممارستها…. فان كانت الجريمة معاقبة بعقوبتين الحبس والغرامة، فان الادارة لا تملك سوى حقها في المطالبة بتوقيع الغرامات المالية، اما النيابة العامة فانها تملك حق اقامة الدعوى العامة من اجل تطبيق العقوبتين معا، الحبس والغرامة، ويكون دور الادارة هنا شبيها بدور المدعي المدني فتطالب بتطبيق الغرامات او التعويضات ....

ولذلك نلاحظ ان مدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة الصادرة بتاريخ 9 اكتوبر19 ميزت بين اصناف الجرائم المرتكبة:
- جرائم خطيرة على المالية العامة والاقتصاد القومي، تسمى بجنح من الطبقة السادسة وهي المنصوص عليها في الفصل 282 - فهذه الجرائم يملك حق المتابعة بشانها كل من النيابة العامة، والوزير المكلف بالمالية، مدير ادارة الجمارك او احد  ممثليه المؤهلين لهذا الغرض  حسب الفصل 249.
جرائم او جنح اخرى ( المنصوص عليها في الفصول: 291 و293 و297 و300) لا يمكن اجراء المتابعات بشانها الا مبادرة من الوزير  المكلف بالمالية، او مدير الادارة او احد ممثليه المؤهلين لهذا الغرض ... فالدعوى العامة يحركها هنا اما الوزير المكلف بالمالية او مدير الادارة او من يمثله،  وكذا النيابة العامة، لكن بعد اذن او طلب الادارة او الوزارة….
- وتملك ادارة الجمارك دائما حق التدخل بجانب النيابة العامة في الحالات التي تملك فيها النيابة العامة حق اجراء المتابعة، وهي حينئذ تحتل مركز المطالب بالحق المدني …
وان هذه الدعوى العامة التي تقيمها او تمارسها هذه الادارات تستدعي منا ابداء الملاحظات التالية :
ان هذه الدعوى ذات اهداف مالية : فهي تجمع بين العقاب والتعويض، ولذلك فهي دعوى ذات طبيعة خاصة.

ولذلك فان تلك الادارات تملك حق التصرف في تلك الدعوى، فهي ولئن كانت تملك حق متابعتها، فانها تملك التصالح بشانها، وهذا بخلاف الحال بالنسبة للنيابة العامة، فان تصالحت الادارة مع مرتكب الجريمة قبل صدور حكم نهائي فيها، فان هذا الصلح يؤدي الى سقوط الدعوى العامة سقوطا نهائيا، سواء تعلق الامر بجريمة معاقبة بعقوبة مالية او بعقوبة سالبة للحرية، ام بالعقوبتين معا( المالية والسالبة للحرية)  - لكن المصالحة ان جاءت بعد حكم نهائي فانها لا تسقط العقوبة الحبسية المحكوم بها ( الفصل 23 من مدونة الجمارك).

واذا كانت دعوى الادارة قريبة من دعوى المطالب بالحق  المدني، حينما تتدخل بجانب النيابة العامة، فان دعواها ذات صبغة مختلطة جنائية ومدنية ولذلك فانهما تملك حق التدخل ولو لاول مرة في المرحلة الاستئنافية ( كما نص على ذلك قرار المجلس الاعلى بتاريخ 19 مارس 1970 الذي تحدث عن الطبيعة المختلطة لدعوى الجمارك)، كما ان ما يحكم به لصالحنا من غرامات مالية له طابع مزدوج ( طبقا لقرار المجلس الاعلى الصادر بتاريخ 12 يوليوز1980 المصحوب بتعليق المستشار السيد محمد امين الصنهاجي بمجلة قضاء المجلس الاعلى 27 السنة السادسة غشت 1981)، جنائي ومدني فهي عقوبات بالنسبة للمخالفات المرتكبة وتعويض مدني بالنسبة للادارة، فيتبع في تنفيذه طرق التنفيذ المدنية… ( الفصل 654 من ق. م. ج).

كما يحكم عليها باداء  صوائر الدعوى اذا كانت هي المحرك للدعوى العامة والممارسة لها، بخلاف الحال بالنيابة العامة فلا تتحمل بمصروفات الدعوى اذا خسرتها .
اذا كان من حق النيابة العامة تحريك الدعوى العامة ضد مرتكب الجريمة اعمالا لمبدا الملائمة- فان حريتها في ذلك قد ترد عليها- استثناء- بعض القيود القانونية، وحينئذ لا يمكنها اقامة الدعوى العامة الا بعد رفع القيد او المانع الذي نص عليه القانون صراحة، أي بتعبير اخر الا اذا توفر الشرط الذي تطلبه القانون لاقامة الدعوى العامة.

فقد جعل قانونيا حقها في تحريك الدعوى العامة بالنسبة لبعض الجرائم متوقفا وبصفة استثنائية اما على توفر شكاية من المضرور او الادارة، او على طلب او اذن او على امر او على حكم في قضية اولية، كما هو الشان في المادة الثالثة من قانون الاجراءات الجنائية المصري.
لم يات المشرع بنص خاص يحدد فيه الجرائم التي تتوقف متابعتها على شكوى من المجني عليه كما فعلت بعض التشريعات، التي تشترط الشكاية بالنسبة للجنح دون الجنايات. اما في تشريعنا فانه يتطلب الشكاية حتى بالنسبة للجنايات احيانا كجرائم تموين القوات المسلحة الملكية، ويمكن الرجوع  - لمعرفة ما اذا كانت الجريمة تستلزم لمتابعتها تقديم شكاية من المجني عليه او المرور من الجريمة  - الى النص القانوني المتعلق بذات الجريمة موضوع المتابعة.

قد يعامل المشرع بعض الادارات معاملة المتضرر من الجريمة، وذلك رعاية منه لمصلحة مالية او ادارة او نقدية او ضريبة تسهر على تحقيقها تلك الادارة، فيبقى لوزير المالية، او ادارة الضرائب المباشر صلاحية تقدير ملائمة المتابعة، بتقديم الشكاية او عدم تقديمها ضد  المخالف- ومثل ذلك حالة الغش الضرائبي، او الغش في واجبات التسجيل والتنبر، او الجرائم الماسة بنظام الصرف وفي حالات مثل هاته عندما تكون فيها الشكاية من الادارة المعنية شرطا استثنائيا لتحريك الدعوى العامة اعتبارا للمصلحة ذات النفع العام المالي والاقتصادي فان النيابة العامة لا تملك كامل حريتها المطلقة في اعمال اسلوب الملائمة او الاسلوب التقديري للمتابعة نظرا للاعتبارات التي توخاها المشرع من وراء تخويل مثل  هاته الادارات هذا الحق بل هي التي يبقى لها عكس النيابة العامة صلاحية تقدير ملاءمة المتابعة.

وقد تكون المصلحة المراد حمايتها باشتراط الشكاية مصلحة ادارية صرفة تتعلق بالمحافظة على سير المرفق العام، ومثل ذلك حالة القذف الموجه ضد موظف عمومي او احد رجال او احدى الهيئات بالخطب والصراخ او التهديد ( الفصول 45، 46، 47 من قانون الصحافة).
وقد تكون المصلحة في المحافظة على علاقة الاحترام المتبادل بين الدول، كما من الشان في الجرائم القذف او السب الموجهة ضد رؤساء الحكومات الاجنبية او لممثليها الدبلوماسيين او المنفصلين (الفصلان 52-53 من قانون الصحافة) - وقد يتعلق الامر بالمحافظة على مصلحة عسكرية كما هو ان من الاثار القانونية للشكاية - حينما  تكون شرطا للمتابعة- انها تقيد حرية النيابة العامة في المتابعة، حيث لا يجوز لها اقامة الدعوى العامة، وان فعلت تكون المتابعة باطلة بطلانا مطلقا، فيحق للمتهم ان يدفع ببطلانها في اية مرحلة من مراحل الدعوى ولو امام المجلس الاعلى لاول مرة.

والطلب كالشكاية هو اخبار او تبليغ عن  الجريمة في صورة التماس بمتابعتها من طرف النيابة العامة، تتقدم به الجهة المختصة التي هي عادة هيئة او ادارة عامة، اما بوصفها متضررة او مجني عليها او بصفتها مسؤولة عن تسيير مصلحة من المصالح العامة… ولذلك يجب ان يقدم هذا الطلب في شكل كتابي من الجهة ذات الاختصاص حتى يمكن للنيابة العامة تحريك المتابعة، او بتعبير اخر حتى تسترجع حريتها في المتابعة.

- وحالات الطلب في القانو ن المغربي لم تنظم في قانون المسطرة الجنائية، وانما جاءته بها نصوص متفرقة ومنها.
ما نصت عليه مدونة الجمارك فيما يخص جرائم التهريب الجمركي، حيث نص الفصل 249 في فقرته الثانية انه في الجنح الاخرى أي في غير جنح الطبقة السادسة، فانه لا يمكن اجراء المتابعات الا بمبادرة من الوزير  المكلف بالمالية او مدير الادارة او احد ممثليه المؤهلين لهذا الغرض.

ويلاحظ ان القانون لم يعلق الحق في تقدم الطلب على مدة معينة، مثلما هو الشان بالنسبة للشكاية، ولذلك فان هذا الحق لا يسقط في تشريعنا الا بالتقادم المسقط للدعوى العامة… ولم يحدد المشرع حكما للتنازل عن الطلب، لكن يبدو انه نفس حكم التنازل عن الشكاية.

يقضي المبدا العام ان تصالح المضرور او المجني عليه مع الجاني ( المتهم) او تنازله عن حقه المدني او عن ادعائه المدني لا يؤثران على سير الدعوى العمومية ( الفصل 13 من قانون المسطرة الجنائية) - كما يقضي المبدا العام ايضا ان النيابة العامة لا يمكنها ان تتصالح بشان الدعوى العامة او تتنازل عنها، لانها تملك حق تحريك الدعوى العامة وممارستها دون حق التصالح او التنازل عنها، ولان الدعوى العامة ملك للمجتمع.

لكن الفصل الثالث من قانون المسطرة الجنائية نص على انه " يمكن ان  تسقط الدعوى العمومية بابرام مصالحة اذا كان القانون ينص على ذلك بوجه صريح"
والمصالحة المسقطة للدعوى العمومية مخولة - بصفة اساسية - لبعض الادارات او المؤسسات او الهيئات العامة التي تسهر على تامين بعض مصالح الدولة المالية والاقتصادية أي ان الصلح لا يسمح به الا بالنسبة للجرائم ذات الطبيعة المالية…
 ومن القوانين الخاصة التي نصت على امكانية ابرام المصالحة المسقطة للدعوى العامة، نذكر على سبيل المثال : - المدونة الجمركية المؤرخة في 9/10/1977- حيث يمكن لادارة الجمارك ان تبرم المصالحة مع المخالف…  ( الفصل 273 وما بعده).

- وقانون الصيد البحري المؤرخ في 23/11/1973 الذي نص على امكانية اجراء الادارة للمصالحة مع المخالف- وحدد من له حق اجراء المصالحة، وذلك بحسب نوع المخالفة، ونوع العقوبة والتعويض المقررين  لها- فهي مثلا، مخولة للوزير المكلف بالصيد البحري اذا كانت العقوبة تفوق عشرة الاف درهم … ( الفصل 59).

ويحق لشركة الدخان اجراء المصالحة بشان محاضر المخالفات المنصوص عليها في ظهير 12/11/1932 المنظم  لاحتكار الدخان ( الفصل 89) ونفس القول يقال بالنسبة لادارة المياه والغابات، اذ يجوز لها ان تتصالح في الجنح والمخالفات المرتكبة خرقا لظهير17/10/1917 - الفصل 74) ...
- لكن المصالحة يقتصر اثرها - اذا ابرمت بتحفظ - على من ابرمت معه، وعلى الجريمة التي ابرمت بشانها- ولذلك لا يستفيد منها اشخاص اخرون- كما لا يمتد اثرها الى جرائم اخرى كما جاء في قرار المجلس الاعلى عدد 1041 بتاريخ 29 فبراير1962 مجموعة قرارات المجلس الاعلى الجزء الثالث ص 134.

لكن اذا ابرمت دون تحفظ فان اثرها يمتد الى غير من ابرمت معه، من المساهمين والمشاركين له  في ذات الفعل الجرمي الذي وقعت بشانه المصالحة، ( انظر الفصل 23 وما بعده  من المدونة الجمركية) كما ان اثر المصالحة لا يقتصر على الدعوة العامة بل يمتد حتى  الى سقوط دعوى الادارة التي هي في الحقيقة دعوى مدنية تابعة للدعوى العامة، كما جاء في قرار المجلس الاعلى 163-164 بتاريخ 22/10/1964 سبق ان اقر هذه القاعدة المجلة المغربية للقانون رقم 8 سنة 1965  - ص 364. واعفاء المتهم من الصوائر ما دامت قد جاءت قبل صدور الحكم ( انظر الفصول 273، 277 من المدونة الجمركية)، اما ان  جاءت بعد صدوره فان اثرها ينصرف الى الجزاءات المالية المحكوم بها لان المصالحة تعد سببا مسقطا للعقوبة ايضا اذا نص القانون صراحة عليها ( الفصل 49 من القانون الجنائي).

الفصل 248 :
هو فصل عام داخل ضمن المقتضيات العامة ينص على إمكانية المتابعة بجميع الطرق القانونية مشيرا إلى مراعاة مقتضيات هذا الباب.

الفصل 249 :
تحريك الدعوى العمومية وممارستها.
أ- في حالة جنحة من الطبقة السادسة منصوص عليها ومعرف بها في الفصل 242 وما يلي إلى غاية الفصل 288 بعده تحرك الدعوى العمومية من طرف الوزير المكلف بالمالية أو مدير الادارة أو أحد ممثليه المؤهلين لهذا الغرض.
ب- في حالة الجنح الاخرى المنصوص عليها والمعرف بها في الفصول 300 و291 و293 و295 و297، بعده،  لا يمكن إجراء المتابعات إلا بمبادرة من الوزير المكلف بالمالية أو مدير الادارة أو أحد ممثليه المؤهلين لهذا الغرض.

تحليله:
هذا الفصل يتطرق إلى حالتين:
الحالة الاولى : عندما يتعلق الأمر بمخالفة من الطبقة السادسة وهنا لا يشترط المشرع أية مبادرة في تقديم شكاية بقصد تحريك الدعوى العمومية بالمفهوم المعاكس للفقرة الثانية.

الفصل 258 :
في حالة تحريك الدعوى العمومية من طرف النيابة العامة طبقا لاحكام الفقرة الاولى من الفصل 249 أعلاه وجب إشعار ادارة الجمارك والضرائب غير المباشرة بذلك واستدعاؤها لجلسة الأحكام قصد إبداء طلباتها.
على انه يجوز لها بكيفية استثنائية في حالة ما اذا لم يسبق استدعاؤها بصفة قانونية استئناف الحكم الصادر فيما يخص عقوبتي الغرامة والمصادرة خلال العشرة ايام الموالية لتاريخ تبليغ الحكم.

اذا كانت النيابة العامة تملك سلطة الاتهام أو المتابعة كقاعدة عامة، فان القانون قد اجاز- استثناء- لبعض الادارات والهيئات والمضرور من الجريمة، اقامة الدعوى العامة في حالات خاصة وطبقا لشروط معينة.
قد يجيز القانون  لموظفي بعض الادارات اقامة الدعوى العامة وممارستها  حالات استثنائية …. وهذا التفويض التشريعي مستفاد من نص الفصل الثاني من قانون المسطرة الجنائية " يقيم الدعوى ويتابعها (أي يمارسها) الموظفون المعهود اليهم بمقتضى القانون".

وفعلا فان القانون قد يفوض استثناء بعض الادارات حق متابعة الجرائم التي تلحق الضرر بالمصالح التي تعمل هذه الادارات على حمايتها وتحقيقها، وهي في الغالب مصالح ذات نفع اقتصادي أو مالي، أي مصالح مالية عامة للدولة، كادارة الضرائب غير المباشرة.
وتملك ادارة الضرائب الغير المباشرة حق متابعة الجرائم التي تقع خرقا للقوانين  الخاصة بها- و حقها هذا يضيق مداه ويتسع باختلاف نوع العقوبة المقررة للجريمة المرتكبة، فهي تملك حق المتابعة الجنائية تحريكا وممارسة، اذا كانت الجريمة معاقبة بالحبس، فان الادارة لا تملك سوى حق تحرك الدعوى العامة ان اصابها ضرر، اما النيابة العامة فتملك في هذه الحالة حق تحريك المتابعة وممارستها …. فان كانت الجريمة معاقبة بعقوبتين الحبس والغرامة، فان الادارة لا  تملك سوى حقها في المطالبة بتوقيع الغرامات المالية، اما النيابة العامة فانها تملك حق اقامة الدعوى العامة من اجل تطبيق العقوبتين معا، الحبس والغرامة، ويكون دور الادارة هنا شبيها بدور المدعي المدني فتطالب بتطبيق الغرامات أو التعويضات.
ولذلك نلاحظ ان مدونة الجمارك والضرائب الغير المباشر الصادرة بتاريخ 9/10/77 ميزت بين اصناف الجرائم المرتكبة.

جرائم خطيرة على المالية العامة والاقتصاد القومي، تسمى بجنح من الطبقة السادسة وهي المنصوص عليها في الفصل 282 فهذه الجرائم تملك حق المتابعة بشانها كل من النيابة العامة والوزير المكلف بالمالية، مدير ادارة الجمارك او احد ممثليه المؤهلين لهذا الغرض حسب الفصل 249.
جرائم او جنح اخرى ( المنصوص عليها في  الفصول293 و297 و300 لا يمكن اجراء المتابعات بشانها الا بمبادرة من الوزير المكلف بالمالية، او مدير الادارة او احد ممثليه المؤهلين لهذا الغرض، فالدعوى العامة يحركها هنا اما الوزير المكلف بالمالية او مدير الادارة او من يمثله وكذا النيابة  العامة لكن بعد اذن او طلب الادارة او الوزارة.

وتملك ادارة الجمارك دائما حق التدخل بجانب النيابة العامة في الحالات التي تملك فيها النيابة العامة حق اجراء المتابعة وهي حينئذ تحتل مركز المطالب بالحق المدني.
وان هذه الدعوىالعامة التي تقيمها او تمارسها هذه الادارات تستدعي منا ابداء الملاحظات التالية :
- ان هذه الدعوى ذات اهداف مالية: فهي تجمع بين العقاب والتعويض ولذلك فهي دعوى ذات طبيعة خاصة.
ولذلك فان تلك الادارات تملك حق التصرف في تلك الدعوى فهي ولئن كانت تملك حق متابعتها فانها تملك حق التصالح بشانها وهذا بخلاف الحال بالنسبة للنيابة العامة.
فان تصالحت الادارة مع مرتكب الجريمة قبل صدور الحكم النهائي فيها. فان هذا الصلح يؤدي الى سقوط الدعوى نهائيا سواء  تعلق الامر بجريمة معاقبة بعقوبة مالية او بعقوبة سالبة للحرية ام بالعقوبتين معا (المالية والسالبة للحرية) لكن المصالحة ان جاءت بعد حكم نهائي فانها لا تسقط العقوبة الحبسية المحكوم بها( الفصل 23 من مدونة الجمارك).

واذا كانت دعوى الادارة قريبة من دعوى المطالب بالحق المدني حينما تتدخل بجانب النيابة العامة فان دعواها ذات صبغة مختلطة جنائية ومدنية ولذلك فانها تملك حق التدخل ولو لاول مرة في المرحلة الاستئنافية، كما ان ما يحكم به لصالحها من غرامات مالية له طابع مزدوج جنائي ومدني فهي عقوبات بالنسبة للمخالفات المرتكبة وتعويض المدني بالنسبة للادارة.
كما يحكم عليها باداء صوائر الدعوى اذا كانت هي المحرك للدعوى العامة والممارسة لها، بخلاف الحال بالنسبة للنيابة العامة فلا  تتحمل بمصروفات الدعوة العامة اذا خسرتها.

وبالرجوع الى مقتضيات الفصل 258  من مدونة الجمارك والذي استهل به المشرع طرق الطعن نجده ينص ضمن فقرته الاولى على حالات تحريك الدعوى العمومية من طرف النيابة العامة طبقا لاحكام الفقرة الاولى من الفصل 249 اذا اوجب هنا اشعار ادارة الجمارك والضرائب غير المباشرة بهذه الدعوى وكذلك استدعاؤها لجلسة الاحكام قصد ايداع طلباتها.

وينص هذا الفصل في فقرته الثانية على الحالة المعاكسة أي عدم اشعار ادارة الجمارك بالدعوى التي حركتها النيابة العامة امام المحكمة الابتدائية طبعا ولم يتم استدعاؤها لجلسة الاحكام وفاتها وقت ايداع طلباتها هنا فتح لها المشرع بصفة استثنائية حق استئناف الحكم الصادر ابتدائيا بخصوص عقوبتي الغرامة والمصادرة معنى هذا هل تملك ادارة الجمارك والضرائب غير المباشرة في اطار ما هو ممنوح لها من امتيازات حق التدخل ولو لاول مرة امام محكمة الاستئناف؟
للجواب على هذا التساؤل وبشكل عملي وضعت اليد على احدى اجتهادات المجلس الاعلى وقد فضلت ادراجه بالشكل المفصل الذي صدر به حتى تكون الفائدة منه اعم واوضح.

الحكم الجنائي عدد 442 ( ص 13)
الصادر في 19 مارس 1990
بين ادارة الجمارك والضرائب غير المباشرة وبين كرسيا فيريرا جوزي ومن معه
تعليل - جواب ضمني على مذكرة المستانفة.
ادارة الجمارك - طرف مدني غير عادي- دعوى مختلطة- حق التدخل ولو لاول مرة امام محكمة الاستئناف.
نقض - وسائل- دليل مستخلص من موجبات هي ركن ضروري في منطوق الحكم.
نقض - وسائل - الانتقاد على قضاة الموضوع اعتبارهم ما سمحت به الطاعنة بمنشور اداري (لا).

1- عندما صرح الحكم " بان ادارة الجمارك لم تكن طرفا مدنيا اثناء جريان التحقيق واثناء عرض القضية على المحكمة الابتدائية مما  تكون معه صفتها للاستئناف معدودة حسب الفصل 405 من قانون المسطرة الجنائية" يكون قد اجاب ضمنيا على مذكرة ادارة الجمارك الرامية الى قبول تدخلها كطرف مدني امام محكمة الدرجة الثانية.

2- ان كان الجواب المذكور اعلاه لم يصادف الصواب باعتباره ان ادارة الجمارك ليست طرفا مدنيا عاديا حتى تطبق عليها القواعد العادية للمسطرة بل تملك دعوى مختلطة لها نفس الوقت صبغة مدنية  وصبغة  جنائية من طبيعة  خاصة مما يخولها على الخصوص حق التدخل ولو  للمرة الاولى كطرف مدني امام محكمة الاستئناف الا انه مادام كما هو الشان في هذه النازلة ان النيابة العامة قد قبل استئنافها من حيث الشكل وانه يصوغ لها ان تطلب مكان ادارة الجمارك الحكم بالغرامات والمصادرات وبذلك تكون تمثل بما فيه الكفاية ادارة الجمارك فان الادارة المذكورة لم تبق لها مصلحة في التذرع بعدم قبول استئنافها.

3- لا يقبل من أي كان ان يدلي - كوسيلة للنقض- بدليل مستخلص من موجبات ليست ركنا ضروريا في منطوق الحكم المطعون فيه.

4- لا يسوغ للطاعنة ( ادارة الجمارك والضرائب غير المباشرة) ان تنتقد على قضاة الموضوع كونهم اعتبروا ما سمحت به هي نفسها منشور اداري - من اجل تسيير الملاحة وتشجيع التجارة الخارجية - استثناء من القانون لاشخاص لم يثبت سوء نيتهم على  اساس عدم  قيام العناصر الاجرامية في حقهم.

باسم جلالة الملك
بناء على طلب النقض المرفوع من طرف السيد ممثل ادارة الجمارك بمقتضى تصريح افضى به بتاريخ 10 نونبر1967 لدى كتابة الضبط بالمحكمة الاقليمية بطنجة والرامي الى نقض الحكم الصادر عن هذه المحكمة بتاريخ 24 نونبر1967 والقاضي بتاييد حكم حاكم السدد بالعرائش الذي قضى ببراءة كل من كرسيا فيريرا جوزي وكرزون ابو درام مانويل مما اتهما به من محاولة التهريب وعدم التقيد بالحمولة.
وبعد الاطلاع على تقرير السيد المستشار محمد اليطفتي الذي  تلي بالجلسة العلنية.
وعلى مستنتجات السيد المحامي العام محمد بن عزو والاستماع اليه بالجلسة العلنية.

وبعد المداولة طبقا للقانون.
نظرا للمذكرة المدلى بها.
وبعد الاطلاع على مذكرة الجواب.
فيما يتعلق الوسيلة الاولى المستدل بها المتخذة اعتمادا على خرق وسوء تطبيق الفصل 405 من قانون المسطرة الجنائية والفصل 18 من ظهير 16 دسمبر سنة 1918 والفصل الثالث من ظهير 11 نونبر سنة 1953 والفصل الاول من ظهير 6 اكتوبر سنة 1939 المغير لظهير 16 سبتمبر سنة 1942 وعدم وجود الاسباب والاساس القانوني وذلك لان الحكم المطعون فيه رفض قبول استئناف ادارة الجمارك بدون ان يرضى على مذكرتها مقتصرا على مجرد القول: لكن الادارة لم تكن طرفا مدنيا اثناء عرض القضية على المحكمة  الابتدائية واثناء جريان التحقيق وامام هيئة الحكم بينما الفصل الثالث من ظهير 11 نونبر سنة 1953 يقضي بان المصادرات والغرامات والعقوبات المنصوص عليها فيما يخص الجمارك والضرائب الداخلية للاستهلاك لها صبغة التعويض المدني كما هو الشان فيما يرجع للمصادرات والغرامات المنصوص عليها في الفصل الاول من ظهير 16 اكتوبر1930 بشان قمع بعض المخالفات فيما يخص حظر الواردات والصادرات وهذه المقتضيات القانونية لا تعني ان العقوبات المالية التي تصدر من اجل  مخالفة قوانين الجمارك لها صبغة مدنية فقط،  فاذا الاجتهاد القضائي يعتبر الغرامات والمصادرات الجمركية تعويضات مدنية فان لها كذلك صبغة جنائية بحيث يمكن الحكم بها بدون ان تكون الخزينة قد تضررت من ارتكاب الجنح ماديا( نقض جنائي 11 مايو1945 الجمارك المغربية ضد ارلندو وتندي ونقض جنائي 1 يوليوز سنة 1953 الجمارك المغربية ضد ريجينار) فمن الصبغة الجنائية والمدنية التي تكتسبها العقوبات الجمركية استخلص الاجتهاد القضائي ان الدعوى المرفوعة من طرف ادارة الجمارك والمنصوص عليها في الفصل 18 من ظهير 16 ديسمبر1918 ترمي  في ان واحد الى قمع مخالفة مالية وتعويض لضرر الخزينة نتيجة ارتكاب المخالفة ولهذا لا تعتبر دعوى مدنية عادية بل دعوى لها صبغة مختلطة مدنية على الخصوص لكن كذلك دعوى عمومية خاصة ( يراجع حكم 17 يوليوز سنة1953) هذا فاذا العمل الذي بموجبه ترفع مصلحة الجمارك الدعوى المالية وتفرض وجودها في المسطرة الجنائية يسمى اعتباريا بتدخل الطرف المدني طبقا لنصوص ظهير 16 ديسمبر سنة 1918 فانه تعبير غير صالح اذ ان هذا العمل غير قابل لتمثيل هذه الدعوى بالذات او للاندماج معها. وشرح الاجتهاد القضائي هذا دفع المحاكم اعتبار النيابة العامة وحدها صاحبة  الحق في التماس عقوبة السجن لقمع الجنح  الجمركية مع ان هذا الحق مخول لادارة الجمارك بمطالبة صدور احكام في حق اشخاص متهمين بارتكاب مخالفات جمركية تقضي بغرامات ومصادرات وبدون ان تكون محددة في نص فان انضمام المقاضاة الجنائية هذه تستخلص بصفة غير مباشرة من تنصيصات ظهير 16 ديسمبر سنة 1918 الذي وان لم يخول لادارة الجمارك حق ممارسة هذه المقاضاة فانه يمكنها ايقافها ان شاءت بابرام مصالحة مع المهربين قبل صدور الحكم او بعده، ومن الصبغة المختلطة للدعوى المرفوعة من طرف ادارة الجمارك وممارستها والنيابة العامة للمقاضاة والنتائج عن تلك الاعتبارات فان الاجتهاد القضائي استنتج امكانية تمثيل ادارة الجمارك من طرف النيابة العامة اثناء الجلسات القضائية كما مكنها من التماس الغرامات والمصادرات ضد المتهمين لارتكابهم مخالفة جمركية عوضا عن الادارة، ويستخلص من ذلك انه على عكس المدعي المتضرر الذي لم يتدخل امام المحكمة الابتدائية بصفته مطالبا بالحق المدني ويستحيل عليه استئناف هذا الحكم ( الفصل 405 من المسطرة الجنائية الذي ينص على مقتضيات الفصل 202 من قانون التحقيق الجنائي الذي صدر في عهده هذا الاجتهاد القضائي) فان ادارة الجمارك  يجوز لها ان تتمتع بحق اقامة دعوى خاصة لكونها ممثلة في شخص النيابة العامة فلها ان  ترفع الاستئناف دون مساعدة النيابة العامة ضد كل حكم غير نهائي صدر من محكمة ابتدائية يكون ضارا بمصالحها لكن لا تستطيع الا المطالبة بالغرامة والمصادرة لا بعقوبة السجن ( محكمة وجدة الابتدائية 25 سبتمبر1919) لهذا فان المحكمة التي قضت بعدم قبول استئناف ادارة الجمارك بدون ان تجيب على هذه المذكرة الاخيرة تكونت قد خرقت النصوص المشار اليها اعلاه مما يجعل حكمها معرضا للنقض.

حيث انه خلافا لما ورد في الوسيلة اعلاه فان الحكم المطعون فيه بتصريحه بان ادارة الجمارك لم تكن طرفا مدنيا اثناء جريان التحقيق واثناء عرض القضية على المحكمة الابتدائية مما  تكون معه صفتها للاستئناف معدومة حسب الفصل 405 من قانون المسطرة الجنائية يكون قد اجاب ضمنيا على مذكرة  ادارة الجمارك الرامية الى قبول تدخلها كطرف مدني امام محكمة الدرجة الثانية.

وحيث انه لئن كان هذا الجواب لم يصادف الصواب باعتبار ان ادارة الجمارك ليست طرفا مدنيا عاديا حتى تطبق عليها القواعد العادية للمسطرة بل تملك دعوى مختلطة لها في نفس الوقت صبغة مدنية وصبغة جنائية من طبيعة خاصة مما يخولها على الخصوص حق التدخل ولو للمرة الاولى كطرف مدني امام محكمة الاستئناف الا انه ما دام كما هو الشان في هذه النازلة ان النيابة العامة قد قبل استئنافها من حيث الشكل وان هذه النيابة - كما تسلم بها الوسيلة نفسها- يسوغ لها ان تطلب مكان ادارة الجمارك الحكم بالغرامات والمصادرات على الاظناء الذين تثبت في حقهم مخالفات جمركية وبذلك تكون تمثل بما فيه الكفاية ادارة الجمارك سواء في  الطور الاستئنافي - او في الطور الابتدائي كما حصل بالفعل- فان ادارة الجمارك لم تبق لها مصلحة في التذرع بعدم قبول استئنافها مما  تكون معه الوسيلة غير مقبولة.

وفيما يتعلق بالوسيلة الثانية في فرعيها المتخذة اعتمادا على خرق الفصول 8-32-39  من قانون المسطرة الجنائية والفصل الثالث من ظهير 11 نونبر سنة 1953 والفصل الخامس من ظهير 16 ديسمبر سنة 1918 والفصول 3-4 من ظهير 14 نونبر سنة 1958  وعدم وجود الاسباب والاساس القانوني وذلك لان الحكم المطعون ايدا حكم مسدد العرائش الذي اعتبر مقاضاة المتهمين غير قانونية لان حجز " كونشيترا" وشحنتها لم يقع على يد الجمارك وان محضر مصلحة الجمارك باطل لانه حرر مؤخرا، ومن جهة اخرى فان الحكم المطعون فيه لم يطبق عقوبة عما يعد نقلا غير مشروع لبضائع خاضعة لقيود الحمولة في المنطقة البحرية التابعة لدائرة الجمارك على متن مركب تقل حمولته عن 100 طن هذا العمل الذي وصفه الحكم بانه لم تكن متوفرة فيه صبغة التدليس لان مصلحة الجمارك سلمت رخصة هذا النقل بناءا على تعليمات منشور مدير الجمارك سماه الحكم بمرسوم صادر عن وزارة  المالية والذي يخالف كل الاختلاف مقتضيات ظهير 14 نونبر  سنة 1958. ان الفصل الرابع من الظهير المتعلق بدائرة الجمارك يمكن رجال الجمارك من ضبط وزيادة جميع البواخر بالنقطة البحرية من الدائرة الجمركية هذه المراكب التي تقل حمولتها عن 100 طن فاذا وجدوا على متنها بضائع منصوصا عليها في الفصل الثالث من هذا الظهير فان  هذه المراكب وهذه البضائع تساق ان امكن الى اقرب ميناء وهذا  لا يدل على ان لرجال الجمارك وحدهم هذا الحق وان ما يتمتع به كذلك رجال البحرية الملكية الذين قاموا بضبط الباخرة ( كونشينيزا) التي لم تكن ترفع أي علم ولا اية علامة تثبت هويتها فضلا عن العثور على متنها على بضائع مهربة والشك في اقوال ربانها الذي قال بانه كان يتجه بها الى لشبونة كل هذه العوامل تدل على التثبت من محاولة التلبس باستيراد بضائع محظورة وهي الجنحة المعاقب عنها بالحبس الشيء الذي يبرر تطبيق مقتضيات الفصل 8 من قانون المسطرة الجنائية الذي يقضي بانه في حالة التلبس بجناية او جنحة معاقب عليها بالسجن يجوز لاي شخص ان يضبط الفاعل ويقوده الى اقرب مركز للشرطة القضائية. وبما ان القضية تتعلق بجنحة جمركية وان رجال الجمارك يتمتعون طبق ظهير 16 ديسمبر سنة 1918 ببعض سلطات الشرطة القضائية ( حق تحرير المحاضر وحجز البضائع المدلسة) هذه السلطة التي يخولها لهم كذلك الفصل 32 من قانون المسطرة الجنائية والاجتهاد القضائي. وبما ان قائد المركب الملكي ضبط الباخرة "كونشيرينا" فانه يكون قد تصرف طبقا لمقتضيات القانون  عندما قادها- وهي تحمل حججا مادية للمخالفة - الى موظفي الجمارك الذين يتمتعون بحق  تحرير المحاضر وحجز البضائع ووسائل نقلها، ووجود جنح جمركية يمكن اثباتها باستقلال عن  أي حجز وهذه  القاعدة تستخلص من  مقتضيات الفصل الاول من ظهير 11 نونبر سنة 1953 ولهذه  الاسباب فان حجة ارتكاب  جنحة النقل  الغير المشروع داخل الدائرة البحرية الجمركية يكمن اثباتها بصرف النظر عن حجز "كونشيرينا" او شحنتها وهذه الحجة ادلى بها المتهمان والشهود الذين كانوا على متن المركب باعترافهم هذا الاعتراف الذي سجله رجال الجمارك في محضر حرر يوم 20 سبتمبر سنة 1966 والذي لا يمكن تحطيمه الا باثبات تزويره طبقا لمقتضيات الفصل الخامس من ظهير 16  ديسمبر سنة 1918 الذي لم يحدد أي اجل خاص لتحرير المحاضر ( نقض 22 يوليوز1948 الجمارك  المغربية ضد محمد بن سالم) ان الفصل 3 من ظهير ادارة الجمارك يقضي بانه لا يمكن استيراد البضائع المشار اليها في  اللائحة المرفقة لهذا الظهير وتصديرها عن طريق البحر الا على مراكب لا تقل حمولتها عن 100 طن، ولا ينكر احد ان حمولة ( كونشيرينا) تقل عن 100 طن لانها بتاريخ 16 يونيو سنة 1966 كانت تنقل قرب العرائش داخل منطقة البحرية التابعة لدائرة الجمارك 30 صندوق من السجائر. ثم انه بتاريخ  مارس سنة 1958 كان مدير الجمارك والضرائب غير المباشرة قد اصدر منشورا رقم 2515 اجل بموجبه تطبيق مقتضيات هذا النص القانوني بشان التقيد بالحمولة داخل الدائرة البحرية للجمارك رغم ان الظهير المذكور لم ياذن للادارة بمخالفة مقتضيات فصله الثالث المفروض باي حال من الاحوال سواء بصفة خاصة او بصفة عامة، فالامر اذن  يتعلق بتسامح يعطي بموجب منشور اداري لا بواسطة مرسوم تنظيمي لوزارة المالية كما جاء في الحكم  المطعون فيه لانه يستحيل عن وزير المالية نفسه خرق مقتضيات الظهير  المذكور  اذ انه  لا يتمتع الا بحق تغيير او  تتميم اللائحة المرافقة للنص التشريعي بموجب قرار لذا فان مدير الجمارك لا يتمتع بسلطة اتخاذ قرارات لها صبغة تنظيمية فيكون  المنشور الذي اصدره  ليس الا قرارا اداريا ذا صبغة داخلية، واعتمادا على الاجتهاد القضائي فان المناشير والتعليمات الصادرة بالاخص عن  الوزارة او المديرين العامين للادارات الكبرى ليست لها قوة القانون وبالتالي لا تكون ملزمة للمحاكم بل لا  تلزم الا الموظفين الخاضعين تدرجا الى الرئيس الصادرة عنه، ثم ان التاويلات المعطات للقوانين بواسطة المناشير الوزارية ليست لها الا قيمة فقهية ولا تلزم بتاتا المحاكم خاصة عندما تكون مخالفة للقوانين، وان التساهل الممنوح لكويشيرينا لنقل البضائع المشار اليها  في اللائحة المرفقة للظهير المتعلق بدائرة الجمارك لا يجوز معه قانونا للمحاكم الزجرية ان تمتنع عن تطبيق هذا الظهير لان المنشور المذكور لا يمكنه الغاء القانون، وا ن كل  تساهل أذنت به الادارة لتسهيل الملاحة وتشجيع التجارة الخارجية للمغرب تحتم على المستفيد منه التزاما شاملا لحسن النية، وبما ان ربان الباخرة كونشيرينا صرح اول الامر انه يتجه بها الى بوردو و بالتالي الى لشبونة تم تابعت الباخرة طريق اخر وقتا طويلا بدون سبب قانوني سيما وانها لم تعلم باية وسيلة كانت مصلحة الجمارك التي سلمت لها رخصة النقل الامر الذي يجعل الربان سيء النية اتجاه ادارة  الجمارك لذلك اعتبرت ادارة الجمارك سحب هذا التساهل في محله ورات من الضروري تطبيق مقتضيات القانون، ثم انه في هذا المجال فان منشور مدير الجمارك والرخصة المسلمة على المتهمين لنقل 30 صندوق من السجائر على متن كونشيرينا لا يحولان دون تطبيق الفصلين الثالث والسابع من الظهير المتعلق بدائرة الجمارك وكذلك الفصل 39 من قانون المسطرة الجنائية، ثم انه بالرغم من المنشور المذكور فان  ادارة الجمارك كانت على صواب عندما اعلمت جناب وكيل الدولة لدى المحكمة الاقليمية بطنجة بالجنح التي ارتكبت في دائرة هذه المحكمة وان وكيل الدولة كان على  صواب عندما احال القضية على هيئة التحقيق طبقا لمقتضيات الفصل 38 من قانون المسطرة الجنائية.

فعن الفرع الاول من الوسيلة:
حيث انه بمقتضى الفصل 588 من قانون المسطرة الجنائية فانه لا يقبل من أي كان ان يدلي - كوسيلة للنقض- بدليل مستخلص من موجبات ليست ركنا ضروريا في منطوق الحكم المطعون فيه.
وحيث ان العيوب التي تضمنها الفرع اعلاه موجهة الى الحكم الابتدائي المستخلص منها لم يكن ركنا ضروريا لمنطوق الحكم المطعون فيه الذي يخص التهمة الاولى المتعلقة بمحاولة التهريب على عدم توفر عناصر المحاولة المعاقب عليها وفيما يخص التهمة الثانية المتعلقة بعدم التقيد بالحمولة على كون مراقبة الميناء نفسها هي التي سلمت بتاريخ 15 يونيو1966 تحت عدد 610 رخصة الحمل الى الباخرة المحجوزة مما يمكن معه هذا الفرع غير حري بالاعتبار.

وعن الفرع الثاني :
حيث انه لا يسوغ للطاعنة  ان تنتقد على قضاة الموضوع كونهم اعتبروا ما سمحت به هي نفسها بمنشور اداري- من اجل تيسير الملاحة وتشجيع التجارية الخارجية- استثناء من القانون لاشخاص لم يثبت سوء نيتهم لانهم برءوا على اساس عدم قيام العناصر الاجرامية في حقهم وعليه فان هذا الفرع غير مجد.

من اجله :
قضى المجلس برفض النقض، وحكم على صاحبته بالصائر وقدره مائتان وخمسة دراهم تستخلص طبق الاجراءات المقررة في قبض صوائر الدعاوي الحنائية.
وبه صدر الحكم وتلي بالجلسة العلنية المنعقدة بالتاريخ المذكور اعلاه في قاعة الجلسات العادية بالمجلس الاعلى  بالمشور بالرباط وكانت الهيئة الحاكمة مرتكبة من نفس الاعضاء الذين كانت متركبة منهم خلال مرافعات الجلسة العمومية  بتاريخ 12 مارس 1970 وهم السادة رئيس الغرفة الحسن الكتاني والمستشارين محمد اليطفتي - مقرر- وعبد السلام الدبي وعبد السلام الحاجي ومحمد الصبار الاخصاصي حضر محامي العام السيد محمد عزيز الكردودي الذي كان يمثل النيابة العامة وبمساعدة كاتب الضبط السيد محمد لمريني.

IV- القوة الثبوتية لمحاضر أعوان الجمارك
في اطار ممارسة مهامهم يقوم اعوان الجمارك باثبات مختلف الجنح للتشريعات والتنظيمات الجمركية او التشريعات والتنظيمات الاخرى التي تتكلف ادارة الجمارك والضرائب غير المباشرة بتطبيقها. ويتمتعون في هذا المجال باختصاصات واسعة يتعين ممارستها في توافق ومراعاة لحريات وحقوق الافراد.
ويجب التذكير انه في اطار ممارسة هذه الاختصاصات يقوم اعوان الجمارك باعمال تدخل في نطاق مهام الشرطة القضائية، وفي هذا الاطار يقومون بابحاث تمهيدية او أبحاث في اطار التلبس، وبهذه المناسبة يحق لهم اتخاذ الاجراءات التالية:
المطالبة بالوثائق وحجزها ومعاينة البضائع ووسائل النقل وحجزها وتفتيش المنازل  والقاء القبض على الاظناء والاستماع اليهم وابقائهم رهن اشارتهم.
وقد اوجب القانون تضمين جميع هذه الاجراءات بمحاضر من اجل اعطائها المشروعية اللازمة من جهة والقوة الثبوتية من جهة اخرى وفي هذا الصدد نصت المادة 240  من مدونة الجمارك ان الافعال المتثبتة واعمال الحجز المنجزة يجب ان تبين في محاضر يحررها اعوان الجمارك.
ويؤهل لتحرير المحاضر اعوان الجمارك الذين يتوفرون على وكالة عمل وادوا اليمين القانونية طبق الشروط والكيفيات المنصوص عليها في التنظيم المتعلق باداء يمين الاعوان محرري المحاضر.
ويشكل المحضر وسيلة من وسائل اثبات المخالفة الجمركية. كما يمكن اثبات هذه المخالفة بجميع الطرق القانونية الاخرى.
غير انه لتوفير الفعالية الضرورية فان الطريقة الانجع للاثبات تكمن في المحضر، خاصة اذا كانت هذه الوثيقة تملك قوة ثبوتية متميزة.

وقد نصت المادة 234  من المدونة الانف ذكرها ان المخالفة الجمركية تثبت اما عن طريق الحجز او عن  طريق البحث. ففي الحالة الاولى يسمى المحضر محضر حجز وفي الثانية يسمى محضر اثبات.
وان ما يميز محاضر الجمرك هو الشكليات المعقدة المتعلقة، سواء بظروف تحريرها او البيانات التي يجب توفرها لاعطائها الحجية المطلوبة غير الخاضعة للسلطة التقديرية للمحكمة والملزمة للظنين الا في الحالات المنصوص عليها في القانون.

1-    شروط وشكليات المحضر.
يشكل المحضر عرضا كتابيا للوقائع التي تكون مخالفة للتنظيمات والتشريعات الجمركية واثباتا لهذه المخالفة مع ذكر النصوص المطبقة عليها  وتحديد هوية محرري المحاضر والاشخاص المحررة ضدهم هذه المحاضر وتوقيعاتهم كما ينص على ظروف تحرير هذه المحاضر.

ومن طبيعة الحال، فان ظروف تحرير المحاضر تختلف حسب ما اذا تعلق الامر بمحضر حجز او محضر اثبات. فمثلا من المفروض مبدئيا ان يحرر محضر الحجز بمكان وتاريخ الحجز. غير انه غالبا ما يستحيل ذلك لعدم استكمال العناصر او تمديد عمليات البحث من طرف اعوان الجمارك الذين لا يتاتى لهم تحرير المحضر الا بالمكتب الجمركي.

اما فيما يخص مضمون المحضر فيختلف حسب خصوصيات كل قضية، الا ان بعض العناصر تكون دائمة. كما ان بعض البيانات تكون ضرورية ولازمة، واغفال احدها من شانه ان يؤثر على صحة الاجراءات المنجزة.
وفيما يتعلق بمدونة الجمارك فقد فرض المشرع شكليات معينة اوردها في الفصل 240 من المدونة حسب العناصر والايضاحات التالية:
تاريخ ومكان تحريرها واختتامها.
اسماء وصفات ومساكن الاعوان محرري المحاضر.
تاريخ وساعة ومكان الحجز او الاثبات.
التصريحات المحتملة لمرتكب او مرتكبي الجنحة.
توقيع المحاضر ومن طرف محرريها ومن طرف مرتكبي الجنحة اذا كانوا حاضرين. وفي حالة استحالة توقيع مرتكبي الجنحة او رفضهم التوقيع ينص على  ذلك في الوثائق المذكورة.
تسليم نسخة من  المحاضر الى مرتكبي الجنحة الحاضرين.

ويجب علاوة على ذلك ان ينص في محاضر الحجز على :
اسباب الحجز.
وصف الاشياء المحجوزة مع بيان نوعها وجودتها وكميتها.
التدابير المتخذة لضمان ايداعها او حراستها او حفظها.
هوية الحارس المعين عند الاقتضاء مع موافقته وتوقيعه.
حضور او غياب مرتكب جنحة عند وصف الاشياء المحجوزة وملاحظاته المحتملة.
السماح عند الاقتضاء باستلام البضائع غير المحظورة او وسائل النقل مقابل كفالة او وديعة.

2-    حجية المحضر:
لكي تكتسب هذه المحاضر القوة الثبوتية اللازمة يجب ان تتضمن البيانات وان تحترم الشكليات المذكور. وقد نصت المادة 242 من المدونة ان المحاضر المحررة بشان المخالفات الجمركية من طرف عونين للادارة او اكثر يعتمد عليها في الإثباتات المادية الى ان يطعن في صحتها بالزور. وفيما يخص صحة وصدق الاقرارات والتصريحات المتلقاة فيعتمد على المحاضر الى ان  يثبت ما خالفها. اما المحاضر المحررة من طرف عون واحد للجمارك فيعتمد عليها الى ان يثبت ما يخالفها.

ويلاحظ ان مدونة الجمارك فرقت بين الحجية المطلقة المتعلقة بالاثباتات المادية والحجية العادية المتعلقة بالاقرارات والتصريحات خلافا لقانون المسطرة الجنائية الذي يمنح للمحاضر والتقارير المحررة بشان تثبت من الجنح والمخالفات من طرف ضباط الشرطة القضائية وجنود الدرك الحجية العادية التي بمقتضاها يوثق بمضمون المحاضر والتقارير الى ان يثبت ما يخالف ذلك.

فيما يخص محضر اعوان الجمارك بالنسبة للاثباتات المادية، فان قوته الثبوتية تتوقف على توفر شرط عدد اعوان الجمارك  محرري المحضر المحدد في اثنين فاكثر، اضافة الى الشكليات والبيانات المنصوص عليها في الفصل 240 من المدونة.
ويقصد بالاثباتات المادية ما شاهده او عاينه اعوان الجمارك كوقائع المخالفة واثارها وكيفية ضبطها ووصف ظروف ومكان ارتكاب الجنحة ونوع البضاعة وظروف القاء القبض الى غير ذلك من وقائع المادية، وكذا اذا ادلى لهم باعتراف او بتصريحات فيعتبر المحضر حجة قاطعة على صدور الاعتراف او التصريحات لان ذلك يعتبر من الوقائع التي حدثت امامهم.
ولا تشمل القوة الثبوتية الا ما عاينه او شاهده اعوان الجمارك بصفة شخصية في اطار ممارسة مهامهم وليس بواسطة وقائع يتلقونها من لدن الغير.

وتتمثل الاثباتات المادية كذلك في المستندات المدونة بالمحضر باعتبارها وقائع مادية عاينها محرر المحاضر، ولا تلزم الادارة بتقديم المستندات للمحكمة نظرا لاثباتها بالمحضر الا اذا كانت تكون نفسها جسم الجنحة، فحينئذ يجب الادلاء بها وبالتالي تخضع للسلطة التقديرية للمحكمة.
ولا تدخل في اطار الاثباتات المادية الوقائع الدهنية المبنية على تخمين وتقدير محرري المحاضر.
وكذلك الشان بالنسبة للوقائع المادية المبنية على الاستدلال والاستنتاج.

واعتبارا للقوة الثبوتية المطلقة للمحاضر لا يمكن للمحكمة ان تسمح بالاستدلال بشهود لاقامة حجة معارضة لمحتويات المحاضر التي  حررها موظفون يوثق بتحرياتهم ولا يطعن فيها الا بادعاء الزور، كما لا يمكن معارضة هذه  المحاضر بقرائن او خبرة او بغير ذلك من وسائل الاثبات. ولا يحق للمحكمة كذلك استبعادها اعتمادا على وسيلة من هذه الوسائل .
- اما فيما يتعلق بحجية المحضر بالنسبة للقرارات والتصريحات فيوثق بالمحضر الى ان يثبت ما خالف ذلك، سواء حرر المحضر من طرف عونين او عون واحد.

الحكم الجنائي عدد 87 ( س 15)
الصادر بتاريخ 11 نونبر1971 بين محمد بن محمد وبين النيابة العامة
اثبات- محضر رجال الجمارك في المسائل المالية- حجته- الطعن فيه بشهادة الشهود (لا).
ان المحاضر التي تحرر من طرف شخصين على الاقل من رجال الجمارك في المسائل المالية يوثق بها الى ان يدعى فيها الزور والا يتعرض للنقض الحكم الذي اعتبر محضرا من هذا النوع باطلا استنادا الى اثبات ما يخالفه عن طريق شهادة الشهود وعن طريق القرائن.

باسم جلالة الملك
نظرا للطلب المرفوع من شركة التبغ بمقتضى تصريح ادلى به في 13 يناير1965 نائبها الاستاذ التبر امام كتابة الضبط بالمحكمة الابتدائية العصرية السابقة بالبيضاء من اجل نقض الحكم الصادر عن نفس المحكمة بتاريخ 7 يناير سنة 1965 القاضي بالغاء حكم محكمة الصلح بالدار البيضاء الذي كان يقضي بمعاقبة كل من جيل انتوان وميمون بن احمد بغرامة قدرها 2000 درهم لكل واحد منهما وذلك من اجل النقل وحيازة التبغ من غير وجه مشروع والحكم من جديد ببرائتهما مما اتهما به.

ان المجلس :
بعد ان تلى السيد عبد السلام الدبي رئيس غرفة بالمجلس التقرير المكلف به في القضية.
وبعد الانصات للسيد محمد عزيز الكردودي المحامي العام في طلباته.

وبعد المداولة طبقا للقانون.
حيث ان طالبة النقض تاييدا لتصريحها بالطلب اودعت بتاريخ 2 فبراير سنة 1965 بصندوق المحكمة بالوجيبة القضائية وحق المرافعة كما انها قدمت في نفس التاريخ مذكرة باسباب الطعن التي تستدل بواسطة محاميها الاستاذ التبر المقبول لدى المجلس الاعلى
وحيث كان الطلب علاوة على ذلك موافقا لما يقتضيه القانون فانه مقبول شكلا.

وفي الموضوع: فيما يتعلق بالوسيلة الوحيدة المستدل بها والمتخذ اعتمادا على خرق مقتضيات الفصلين 5 من ظهير  دجنبر1918 و294 من قانون المسطرة وانعدام التعليل وعدم الارتكاز على اساس قانوني.
حيث ان المحضر المحرر بتاريخ 22 ابريل سنة 1963 من طرف رجال الجمارك وهم يزاولون مهام وظيفتهم امام باب الخروج من ميناء الدار البيضاء اثبتت بان جيل انتوان وميمون ابن احمد عند استنطاقهما عن محتويات الكارتون الذي يحملانه على متن سيارة التاكسي عن خروجها من باب الميناء اجابا بان كارتون عادي لكنه عند فتحه وجرد محتوياته وجد انه يحتوي على ثلاثين كيسا من السجائر فتم حجزها حالا.

وحيث ان الحكم الاستئنافي المطعون فيه قرر بان هذا المحضر يخضع لمقتضيات الفصل 292 من قانون المسطرة الجنائية الذي يعتبر صحيحا الى ان يثبت ما يخالفه، وبما ان المحضر المذكور خال من كل حجة وناقص اذا لم يشر ابدا الى التاكسي الذي يحمل الكارتون المذكور ولا اثبات شخصيات سائقه وهما العنصران المهمان، هذا من جهة ومن جهة اخرى فقد اقتصر على ذكر ما احتوته 30 كيسا من السجائر  دون ان يشير الى نوعها او وزنها، فضلا على التناقضات الموجودة بين اعترافهما وبين محتويات المحضر المذكور واقوال رجال الجمارك.

وحيث ان رجال الجمارك وهم يؤدون وظيفتهم في منع التهرب من اداء الضريبة في المملكة ضد كل من يحاول التهرب منها يخضعون في هذا الشان لمقتضيات الفصل 5 من ظهير دجنبر سنة 1918 وان المحاضر التي تحرر في المسائل المالية من طرف شخصين على الاقل من رجال الجمارك يوثق بها الى ان يدعي فيها الزور، وان حيازة التبغ او نقلها تخضع للقانون المالي وفي مثل هذه الحالة فان الفقرة الثانية من الفصل 59 من ظهير 12 نونبر سنة 1932  تمنح الحق لرجال الجمارك في تحصيل الضرائب المختلفة ولذلك  فان المحاضر التي يحررها رجال الجمارك ضد الحاملين للتبغ بصفة غير مشروعة تخضع للقوانين المالية وعلى هذا الاساس فان المحاضر المحررة من  اثنين على الاقل من رجال الجمارك تكون صحيحة الى ان يدعي فيها الزور.

وحيث ان المحضر المحرر بتاريخ 22 ابريل سنة 1965 رغم نقصانه ووجود مخالفة بين مضمونه وبين  اقوال المتهمين وشهادة الشهود فانه لا يعتبر باطلا ما دام قد اثبت حصول نقل 30 كيسا من السجائر المهربة لان الفصل 294 من قانون المسطرة الجنائية لا يعتبر مثل هذه المحاضر باطلة لكون الشهود اثبتوا  ما يخالفها وانما يعتبرها صحيحة ما دام لم يطعن فيها بالزور.

من اجله
قضى  بنقض وابطال الحكم المطعون في حدود المصالح المدنية لا غير وباحالة القضية ….. الخ.
***
القرار عدد 9648 الصادر بتاريخ 26 دجنبر91 ملف جنحي 27143 90
مخالفة جمركية - التلبس بها
حيازة بضائع اجنبية لا يتهم بها من كان بعيدا عن  مكان وجودها.
محضر ضباط الجمارك الذي حرر في غيبة من يتهم بحيازتها، يقبل اثبات عكس ما ورد فيه.
المحكمة لما لم تعتبر اعتراف الظنين بما هو في المحضر، تكون قد عللت  قرارها بما فيه الكفاية.

باسم جلالة الملك
ان المجلس الاعلى

بعد المداولة طبقا للقانون
نظرا للمذكرة المدلى بها من لدن طالب النقض
في شان وسيلة النقض الوحيدة المتخذة من خرق مقتضيات الفصول 347  و352 . من قانون المسطرة الجنائية ذلك ان القرار جاء خاليا من النصوص القانونية ومن الاسباب الواقعية والقانونية المعتمد عليها كما انه خرق الفصل 291 من نفس القانون والفصل 240 ما بعده من قانون  مدونة الجمارك المتعلقة  بحجية المحاضر لانه بالرجوع الى محضر الحجز عدد 292 المؤرخ في 18 ابريل1989 يتبين منه ان  الظنين اعترف  اعترافا صريحا وباع البضاعة المحجوزة في ملكه وان هذا المحضر يوثق بمضمونه الى ان يدعي فيه بالزور او يثبت ما يخالفه كما قضى المجلس في قضائه الصادر بتاريخ حادي عشر  نونبر1971 وانه بناء على ذلك يكون القرار المطعون فيه بقضائه ببراءة الظنين بالرغم من اعترافه في محضر قانوني ووجود  محضر يشهد محروره  بانهم حجزوا منه البضائع المحجوزة يكون قد خرق مقتضيات القانون وبذلك كان حريا بالنقض والابطال.

لكن حيث انه بالرجوع الى القرار المطعون فيه تبين انه معلل بما فيه الكفاية سواء من الناحية الواقعية او القانونية كما انه بين مستندات فيما قضى به تبينا كافيا اذ انه بعدما بين وقائع النازلة انتهى الى التعليل التالي : وهو تعليل قانوني وكاف.

 وحيث ان الظنين انكر ما نسب اليه من جنحة حيازة بضائع اجنبية بدون سند صحيح والمرور بها داخل المنطقة الجمركية بدون رخصة ومعارضة مهمة رجال الجمارك امام القضاء بدرجتيه.
وحيث ان الشهود سواء الذين استمعت اليهم المحكمة الابتدائية وهذه المحكمة صرحوا بان الظنين لم يكن حاضرا، اثناء وقوع الوقائع المنسوبة  اليه بل كان مسافرا الى مدينة ابن كرير من اجل عملية الحصاد، وحيث ان تصريحات الشهود منسجمة ومتوافقة مع تصريحات الظنين امام المحكمة وبالتالي فان شهادة الشهود هذه أتت بما يخالف ما ورد في محضر اعوان الجمارك الذين لم يضبطوا الظنين وهو في حالة تلبس وانما سجلوا بجلسة تصريحاته فقط والتي يمكن اثبات ما يخالفها طبقا لمقتضيات الفصل 291  من قانون المسطرة الجنائية 242 في فقرته الثانية من مدونة الجمارك.

وحيث انه من جهة اخرى فان تصريحات الظنين في اية مرحلة من المراحل خاضعة بتقديرها وتقسيمها.
وحيث انه ما دام الظنين لم يعثر عليه متلبسا ولم يعاين من طرف ضابط الشرطة القضائية وهو يقوم بما نسب اليه فان تصريحه يبقى خاضع للمحضر بحجة كافية وحيث ان المحكمة لم  تعتبر تصريحه لدى الشرطة القضائية حجة كافية بادانته تكون قد استعملت سلطتها في شانه مما لا يخضع لرقابة المجلس الاعلى.
وبالتالي فان الوسيلة لا ترتكز على اساس قانوني سليم .

من اجله
قضى برفض الطلب المقدم من الوكيل العام للملك بمحكمة الاستئناف وصرح بان لا داعي لاستخلاص الصائر.
وبه صدر القرار وتلي  بالجلسة العلنية المنعقدة بالتاريخ المذكور اعلاه بقاعة الجلسات العادية بالمجلس الاعلى وكانت الهيئة الحاكمة متركبة من السادة: محمد اليوسفي رئيس المستشارين: الجاي امزيان احمد عدة بدر الدين بوراس محمد الحومة وبحضور المحامي العام السيد مولاي مطران الذي مثل النيابة العامة وبمساعدة كاتب الضبط عبد الله الدهيل.

غير انه فيما يخص وجود  الإقرارات والتصريحات، فتطبق عليها قاعدة الحجية المطلقة عندما يحرر المحضر من طرف  عونين لان القرارات والتصريحات مثبتة من طرفهما. اما مضمونها فتطبق عليه الحجية العادية. ويستفاد من ذلك ان لا يكفي للمتهم ان يتراجع عن إقراراته،  بل يتعين عليه ان ينازع  في صدقها وصحتها كما ان الحجة تقع عليه، إذ يتحمل عبء الإثبات. ويظهر ان المحاكم لا تساير المتهم في منازعته لصحة الإقرارات لصعوبة الإدلاء بالحجة اللازمة ولان صحة  هذه الإقرارات تفترض إلى ان يثبت ما يخالف ذلك.

وهكذا تظهر ضرورة حضور عونين أثناء القيام بإجراءات جمركية خاصة عندما يتعلق الأمر بقضية ذات اهمية او تكتسي صبغة معقدة تحتاج الى كفاءات متعددة في البحث الدقيق عن المخلفات والتطبيق الصحيح للنصوص.

وتجدر الاشارة ان المحاضر المحررة من طرف اعوان الجمارك في نطاق المخالفات للتشريعات والتنظيمات المكلفة ادارة الجمارك بتطبيقها تكتسي نفس القوة الثبوتية  لمحاضر اعوان الجمارك المحررة بشان الجنح الجمركية، بينما تؤكد هذه التشريعات  والتنظيمات المذكورة من خلال مقتضياتها على ان المخالفات تثبت كما هو الشان في القانون الجمركي.

3-    السلطة التقديرية للمحكمة
نصت المادة 243 من مدونة الجمارك انه لا يصوغ للمحاكم ان تقبل ضد محاضر الجمرك وجود بطلان غير الناتجة عن إغفال الإجراءات المنصوص عليها في الفصل 240 أعلاه.
غير انه يعتبر باطلا وبدون مفعول كل حجز لبضائع غير محضورة عن الاستيراد أو التصدير تكون قد اجتازت مكتب جمرك لم توضع على واجهته اللوحة المشار إليها في الفصل 30 أعلاه.

وتبعا للقاعدة العامة المنصوص عليها في قانون المسطرة الجنائية، فان القاضي يعتمد في اصدار أحكامه على القناعة التي تتكون لديه من العناصر المعروضة أمامه. غير انه لا يجوز له، باسم هذه القناعة استبعاد بعض وسائل الإثبات بدون ان يعلل هذا الموقف. ولا يعرف مبدأ القناعة أي استثناء لا فيما يخص حجية بعض المحاضر التي يعتمد عليها إلى ان يثبت ما يخالفها أو إلى ان يدعي ضدها بالزور.

ففيما يخص صدق الاعتراف أو التصريحات فذلك يخضع للسلطة التقديرية للمحكمة لأنه يبقى منسوبا إلى صاحبه.  ويمكن الاعتماد عليه إلى ان يثبت ما يخالفه. وهذا ما  أشار إليه الفصل 242 من مدونة الجمارك الذي ينص على " يعتمد عليها في صحة وصدق الإقرارات والتصريحات المتلقاة إلى ان يثبت ما يخالفها".

ونذكر في هذا الصدد قرار محكمة النقض المؤرخ في 2/3/1950 الصادر تبعا لطلب النقض المقدم من طرف  ادارة الجمارك والضرائب الغير المباشرة المغربية ضد حكم المحكمة الإقليمية بوجدة المؤرخ  في 28/02/1946 والتي صرحت  محكمة النقض بمقتضاه ان قضاة الموضوع يقدرون صحة الاعتراف وكذا التراجع عنه. غير انهم لا يمكنهم استبعاد إقرار الظنين بسبب تراجعه عنه خاصة إذا كان مثبتا بمحضر محرر في مادة الجمرك ان لم يثبت ما يخالفه ( مجموعة قرارات محكمة الاستئناف بالرباط - الجزء 16- سنتي 1951-1952).
كما تخضع للسلطة التقديرية الوقائع التي ضمنها أعوان الجمارك للمحضر والمبنية على الاستنتاج والاستدلال ولو كانت مؤيدة بوسائل عملية أو خبرة فنية.

اما فيما يخص الإثباتات المادية لا  تصب السلطة التقديرية للمحكمة إلا على وجود البطلان المنصوص عليها في الفصل 240 من مدونة الجمارك ( ف 243).
وتبعا لذلك، فان على المحكمة الأخذ بمحضر الجمارك الذي يعتمد عليه فيما يخص الإثباتات المادية إلى ان يطعن فيه بالزور. فلا يجوز لها استبعاده أو إغفال ما له من قوة ثبوتية.
هذا ما ذهب إليه المجلس الاعلى في قراره عدد 333 بتاريخ 5 فبراير1962.
ملف عدد 9417 ( مجلة القضاء والقانون عدد 54)، حيث قرر ما لهذا النوع من المحاضر من قوة تدليلية تقوم حجة على الأفعال المادية المتعلقة بالجنح التي تشهد بوقوعها ما لم يطعن في تلك المحاضر بالزور. كما اقر المجلس الاعلى ان محكمة الاستئناف خرقت القانون عندما قضت ببراءة  المتهمين معللة حكمها بكون التهمة غير ثابتة في حقهم لعدم وجود حجة على ذلك بالرغم من وجود محضر يعتد به  إلى ان يطعن فيه بالزور.

وان  نفس المنحى ذهبت إليه من قبل محكمة النقض ( الغرفة الجنائية) في قرارها الصادر بتاريخ 6/1/1949 تبعا لطلب النقض المرفوع من طرف ادارة الجمارك والضرائب غير المباشرة المغربية ضد قرار محكمة الاستئناف بالرباط المؤرخ في 28 ضمنه1947 والتي صرحت محكمة النقض بمقتضاه  ان محاضر أعوان ادارة الجمارك لا يوثق بها فقط بالنسبة لوقائع المادية التي تشكل عناصر الجنحة، بل كذلك بالنسبة للتصريحات والقرارات التي يثبتها أعوان الجمارك ( مجموعة قرارات محكمة الاستئناف بالرباط الجزء15  سنة 1951) .

4-    طرق  الطعن في المحضر.
لا تقوم القوة الثبوتية لمحضر الجمارك إلا باحترامه للقواعد والشروط القانونية. ويمكن الطعن في المحضر عند الإخلال بهذه القواعد والشروط وذلك بإحدى الطرق التالية:
الدفع ببطلان المحضر عن طريق إغفال البيانات المنصوص عليها في الفصل 240.
الدفع ببطلان المحضر لعدم احترام قاعدة الاختصاص وتحرير المحضر من طرف أشخاص غير مؤهلين لذلك تطبيقا لمقتضيات الفصل 233 من مدونة الجمارك.
الدفع  ببطلان  المحضر لعدم احترام وضع اللوحة المشار إليها في الفصل 30 من المدونة على واجهة المكتب الجمركي ان المركز بالنسبة للبضائع الغير المحضورة موضوع الحجز عند الاستيراد أو التصدير.
الدفع ببطلان بعض الإجراءات المضمنة بالمحضر لمخالفتها لبعض القواعد والشكليات المنصوص عليها في قانون المسطرة الجنائية والمتعلقة مثلا بالحراسة النظرية أو تفتيش المنازل.

وتجدر الإشارة إلى ان التصحيح ببطلان جزء من المحضر لا يؤدي حتما إلى بطلانه بمجمله، بل يبقى المحضر قائما وصحيحا بالنسبة للإثباتات والمعاينات الاخرى عندما تكون هذه الأخيرة مستقلة عن الإجراءات التي شابها البطلان . كما انه عند تصريح ببطلان المحضر برمته فان إثبات الجنحة الجمركية يمكن ان يتم بجميع الطرق القانونية الاخرى (الفصل 247 من المدونة) .

الادعاء بالزور ضد محاضر الجمارك.
طبقا لمقتضيات الفصل 242 من مدونة الجمارك يعتمد  على المحاضر بالنسبة للإثباتات المادية المضمنة بها إلى ان يطعن في صحتها بالزور.
يجب ان نلاحظ بادئ ذي بدئ ان ادعاء الزور يختلف عن دعوى الزور حيث تهدف الاولى إلى الطعن في المحاضر اما الثانية فتمكن من متابعة المسؤولين عن الزور جنائيا.
والتزوير هو  تغيير للحقيقة. ويعتبر المحضر مزورا عندما يورد وقائع أو أقوال كاذبة أو  غير صحيحة.

وقد سن المشرع ضمن الفصول 244 إلى 246 من المدونة مسطرة دقيقة من اجل حماية أعوان الجمارك من الدعاوى الجزافية. ويتم الطعن بالزور بواسطة تصريح موقع من طرف الظنين أو وكيله يقدمه لدى المحكمة المرفوعة إليها القضية قبل الجلسة المعينة في الاستدعاء.
وفي اليوم المحدد للجلسة تسجل المحكمة التصريح وتحدد آجلا  لمدة ثلاثة أيام على الأقل وثمانية أيام على  الأكثر يلزم الظنين خلالها بان يودع لدى كتابة الضبط وسائل طعنه بالتزوير وأسماء وصفات ومساكن الشهود الذين  يريد ان تستمع إليهم المحكمة.

وعند انصرام الأجل الذي لا يقبل أي تمديد ودون حاجة إلى توجيه استدعاء جديد، تعرض القضية امام المحكمة التي تنظر فيها إذا كانت الوسائل وأقوال الشهود قادرة على دحض مفعول المحضر ويبث في التزوير طبقا للقانون.
وفي حالة العكس أو في حالة عدم استيفاء جميع الإجراءات المبينة  أعلاه من طرف الظنين تصرح المحكمة بعدم قبول وسائل الطعن في التزوير تأمر بالعدول عن اصدار الحكم، ويحكم على الظنين بغرامة مدنية لفائدة الخزينة يتراوح قدرها بين 500 و1500 درهم.

وبالنسبة للظنين الذي صدر في حقه حكم غيابي فيجوز له تقديم الطعن بالتزوير خلال الأجل الذي يمنحه إياه القانون للحضور في الجلسة من اجل التعرض الذي قدمه.
 كما انه عندما يحرر محضر ضد عدة اظناء ويطعن فيه بالتزوير أحدهم أو عدد منهم فقط، يواصل الاعتماد عليه فيما يخص الآخرين ماعدا إذا كان الفعل المطعون فيه غير قابل للتجزئة ومشتركا بين الاظناء الآخرين.
وتجدر الإشارة إلى ان هذه المسطرة  الدقيقة وضعت في مقابل صرامة الإجراءات الواجب احترامها من طرف أعوان الجمارك محرري المحاضر، من قواعد وشكليات قانونية معقدة تهدف كذلك لحماية الاظناء.

 اما فيما يخص المحاضر المتضمنة للقرارات والتصريحات فإنها لا  تسري عليها مسطرة الطعن بالتزوير، بل يكفي لدحضها ان يثبت ما يخالفها فيما يخص صحة هذه الإقرارات أو التصريحات.

* مجلة المحاكم المغربية، عدد 88، ص 24.

Sbek net
كاتب ومحرر اخبار اعمل في موقع القانون والقضاء المغربي .

جديد قسم :