-->

دور التحكيم التجاري الدولي

للدكتور احمد الشيخ قاسم 
المحامي بدمشق

أولا- مبادئ عامة:
لم تعرف القوانين ولا الاتفاقيات الدولية التحكيم، الا انه يمكن القول من خلال تقنين قواعده بأنه عبارة عن طريق قضائي استثنائي، أجازته القوانين والاتفاقيات الدولية، وأناطت به مهمة الفصل في نزاعات الاشخاص الطبيعيين والاعتباريين  من  أشخاص القانون العام واشخاص القانون الخاص، التعاقدية والمادية، المدنية والتجارية، التي يجوز التحكيم فيها بناء على اتفاق الأطراف او بموجب  نص  قانوني، من قبل اشخاص يعينون في اتفاق 
دالتحكيم لكل قضية يسمون بالمحكمين (arbitrators)، او بموجب حكم نهائي وملزم(1)، دون ان يتدخل القضاء  في  شؤونه  الا بالمقدار الذي يحدده
 القانون لمساعدته او لمراقبته.

وقد  اعترفت  جميع  النصوص  التحكيمية  باتفاق التحكيم المستقل الذي يوقعه الأطراف بعد نشوء النزاع، وببند التحكيم (الشرط) الذي يرد في العقد
 الاصلي ويتفقون فيه على إحالة جميع النزاعات او البعض منها التي تنشا في المستقبل عن تنفيذ العقد او تفسيره الى التحكيم عملا  بالمادة  (506)
 من قانون الاصول السوري.
-----------------
(1) ابو الوفا - التحكيم الاختياري والإجباري - طبعة 1988 - ص10.
----------------
ويشترط في اتفاق التحكيم في اتفاق التحكيم ( بنوعيه) ان يكون مكتوبا، وان يقبل النزاع المذكور فيه الحل بطريق التحكيم ( م507 و510) اصول.
 ويعين المحكمون  من  الأطراف  في  اتفاق التحكيم ، او من  قبل المحكمة المختصة بأصل النزاع وفقا للشرط الخاص او لقواعد القانون في قضايا
 التحكيم الوطني ( م 512) أصول. او من قبل احدى مؤسسات  التحكيم  الدولية  التي  تشرف على التحكيم او من قبل احدى المؤسسات التي يسميها الأطراف لهذه الغاية في قضايا التحكيم الخارجي عملا بالمادة السادسة من قواعد التحكيم الخاص الصادرة عن الامم المتحدة عام 1976.

والكتابة المطلوبة هي لإثبات اتفاق التحكيم الوطني والأجنبي، وليست لانعقاده كما تنص بعض القوانين الأجنبية- كما هو شان قانون المرافعات الفرنسي الحديث( م 1448)الذي ينص على وجوب تضمين اتفاق التحكيم وأسماء المحكمين او طريقة تعيينهم، والا كان باطلا، ولا يسري هذا الشرط على اتفاق التحكيم الذي يخضع لاتفاقية دولية لا تنص على مثل هذا الشرط.

وتصنف أحكام المحكمين بني وطنية وأجنبية او أجنبية ذات طابع دولي وفقا للمعيار الذي يطبق في هذا الشان. وعلى سبيل المثال يطبق قانون اصول المحاكمات السوري - ومثله القانون الفرنسي الحديث واتفاقية نيويورك - المعيار الإقليمي (م 528) الذي يصنف الحكم وفقا"  لمكان صدور الحكم" وليس لمكان التحكيم او لطبيعة النزاع، وبموجبه يعتبر الحكم وطنيا اذا صدر داخل البلد الذي ينفذ فيه. وأجنبيا اذا صدر في بلد اجنبي، ويطبق قانون المرافعات الألماني الاتحادي، المعيار القانوني، على الحكم الصادر، وبموجبه يعتبر الحكم وطنيا اذا صدر بموجب القانون الالماني، واجنبيا اذا صدر بموجب قانوني أجنبي بصرف النظر عن مكان التحكيم (1044)(2).

ونتيجة لتطور دور قضاء التحكيم في التجارة الدولية، ظهر عنصر يضفي الطابع الدولي على الحكم الأجنبي الصادر بهدف تسهيل تنفيذه، واتجهت بعض القوانين والاتفاقيات الى إبراز هذا الطابع. وعلى سبيل المثال أقرت اتفاقية نيويورك تطبيق أحكامها على الحكم الذي لا يعتبر وطنيا الصادر في الدولة المطلوب منها الاعتراف به او تنفيذه ( م1/1)، واقر قانون المرافعات الفرنسي الحديث اعتبار الحكم " دوليا" اذا تعلق بمنازعة تجارية تتالف من مصالح التجارة الدولية (م 1092)، سواء صدر في فرنسا او خارجها (3).
------------------------
(2) بيرغ- الكتاب السنوي التجاري الدولي - ج 9 - لعام 1984- ص333. غلوستر وعدد من المؤلفين الالمان  - كتاب قانون التحكيم في أوروبا- لعام 1981- ص 91.
(3) ديلفولف - التعليق على قانون المرافعات الفرنسي الحديث - ص83 - فقرة 41.
------------------------
وتطبيقا لهذه القواعد، فإذا صدر الحكم في بلد أجنبي، ولم يخضع لاتفاقية دولية، ولم تشمل المنازعة التجارية التي تتعلق به عناصر من مصالح التجارة الخارجية ، فانه ينفذ وفقا لشروط القانون الوطني. اما اذا كان يخضع لاتفاقية تحكيم دولية، فانه ينفذ بين الدول المتعاقدة عليها وفقا لشروط الاتفاقية دون الأخذ بعين الاعتبار ما تنص عليه الشروط القانون الوطني عملا بالمادة (311) اصول.

ثانيا- أهمية التحكيم التجاري الدولي :
شهد هذا القرن نموا في علاقات التجارة الدولية، كما شهد رغبة ملحة في إيجاد نظام تحكيمي خاص للفصل في الخلافات التعاقدية والمادية التي تنشا بين الخصوم بطريق التحكيم وفقا للقوانين التي يختارونها للتطبيق على موضوع النزاع وإجراءات التحكيم.

وقد ازداد الإقبال على التحكيم وانتشرت مؤسساته الدولية بسبب ما يتمتع به من خصائص معينة في السرية والسرعة والخبرة والاقتصاد، تميزه عن القضاء العادي وتعقيداته، والابتعاد عن محاكم الدول الأجنبية وقوانينها، وبسبب وجود مؤيدات تشجيعية لدى المؤسسات التحكيمية الدولية للأطراف التي تنفذ أحكام المحكمين بصورة اختيارية، وجزائية بالنسبة للأطراف التي تمتنع عن تنفيذ تلك الأحكام.

ونتيجة لذلك ازدادت أهمية وازداد اهتمام المؤسسات الدولية به، وقننت قواعده بأنظمة قانونية واضحة، وأدخلت الدول تعديلات على قوانينها بما يتوافق ودور هذا القضاء، وابرم عدد من الاتفاقيات الدولية، الجماعية والإقليمية والثنائية، بهدف تنفيذ اتفاقات التحكيم بين اطراف النزاع، والاعتراف بمشروعيتها، وتبسيط تنفيذ احكام المحكمين الصادرة بشأنها، عن  طريق معاملة الأحكام التي تخضع لهذه الاتفاقيات معاملة احكام المحكمين الوطنية في معرض تنفيذها، مما ترك اثرا كبيرا وهاما في تطوير علاقات التجارة الدولية، وتعزيز مكانة قضاء التحكيم في حل خلافاتها (4).

ثالثا- اتفاق التحكيم في التجارة الدولية:
تشترط نصوص التحكيم الوطنية والأجنبية- بما فيها الاتفاقيات الدولية - ان يكون كل من بند التحكيم ( الشرط) وعقد التحكيم المستقل ( الصك) مكتوبا، وقد اشترطت كتابة لإثباته وليس لانعقاده ( م.510 ) من قانون اصول المحاكمات السوري، ولم يشذ عن هذه القاعدة سوى قانون المرافعات الألماني الاتحادي ( م 1044) الذي أجاز للتجار ان يتفقوا على التحكيم بصورة شفوية لحل خلافاتهم التجارية حصرا، وقانون المرافعات الفرنسي الذي اشترط لانعقاده تضمينه أسماء المحكمين او طريقة تعيينهم تحت طائلة بطلانه ( م 1447)(5).
----------------------------------
(1) بيرغ - المرجع السابق - ص 67- فقرة 63.
--------------------------------
وباعتبار ان الكتابة المطلوبة هي لإثبات الاتفاق، فإنها لا تخضع الى شكل معين، باستثناء ما يحدده القانون بشان اتفاق التحكيم الوطني الصرف، وباعتبار ان القوانين اختلفت فيما بينها حول تحديد شكل اتفاق التحكيم، وظهرت حاجة ملحة لتحديد شكل موحد للاتفاق يخفف من قيود القوانين بالنسبة لهذا الشكل، فقد اهتمت الأمم المتحدة بهذه المسالة، ووضعت في اتفاقية نيويورك التي أصدرتها عام 1958 قاعدة " موحدة دولية" تنظم، شكل اتفاق التحكيم المكتوب، وتنص على انه يقصد باتفاق التحكيم المكتوب الذي يخضع لإحكامها بند التحكيم  الذي يرد في عقد مكتوب، او اتفاق التحكيم الذي يوقعه الاطراف - أي العقد المستقل - او الاتفاق الذي يرد في الرسائل المتبادلة او البرقيات ( م 2/2) او التلكسات ( م1) من اتفاقية جنيف للتحكيم الصادر عام1961، او في أي إشارة ترد في عقد الى مستند يشتمل على بند التحكيم شريطة اندماج بند التحكيم مع تلك الإشارة ( م7) من قانون الامم المتحدة النموذجي الصادر عام 1985- وهو لم يطبق بعد.

فإذا ورد بند التحكيم في شروط مطبوعة كوثيقة الشحن البحرية المستقلة او في حالة على شروط مطبوعة في عقد دولي يشتمل على بند التحكيم، فانه يعتد بالاتفاق الاول لاطلاع الأطراف وموافقتهم عليه ولتطابقه مع الشكل المطلوب في الاتفاقية، ويعتد بالاتفاق الثاني اذا ظهر اندماجه مع شروط الإحالة بصرف النظر عن الشكل الذي يطلبه القانون الوطني، لان اتفاق التحكيم الذي يخضع لاتفاقية نيويورك مثلا، يتحدد شكله وفقا للشكل الذي تنص عليه أحكام الاتفاقية (6،) ولان القاعدة الموحدة الدولية لا تترك مجالا لتطبيق القانون المحلي المتعلق بشكل الاتفاق (7).

وينتج عن ذلك ان القاعدة الأساسية في الاتفاقية تلزم محاكم الدولة المتعاقدة عليها بالاعتراف باتفاق التحكيم المكتوب، وتنفيذه، وبإحالة النزاعات التعاقدية والمادية التي تكون موضوعا له للتحكيم، شريطة ان يقبل موضوعه التسوية عن طريق التحكيم (م 2/1) وفقا للقانون الذي يحكم الاتفاق، ولو كان معقودا بطريق الوكالة، على ان يكون شكل التفويض او الوكالة مكتوبا وفقا للشكل الواجب توافره في العمل القانوني الذي يكون محل  الوكالة ( م5000 اصول و666 مدني)(8).
-----------------------
(1) ديلفولف - المرجع السابق - ص67 - فقرة 6.
(2) احمد حسني - عقود إيجار السفينة- ص314-324 - بيرغ - السنوي العاشر- ص261 - نقض إيطالي في 19-11-1978- السنوي السادس- ص232 - قاعدة 29.
(3) بيرغ - المرجع السابق- ص 356/2.
-----------------------
واستثناء من تلك القاعدة، أجازت الاتفاقية للمحاكم بصورة ضيقة للغاية عدم احالة القضية المعروضة عليها التحكيم بناء على طلب احد الخصوم، اذا تبين لها- دون ان تبحث في الجوهر- ان اتفاق التحكيم باطل من أساسه ومنذ توقيعه، او انه الغي بإرادة الخصوم، او انه غامض ولا يحمل معنى التحكيم، والا تصبح ملزمة بالإحالة للتحكيم، وتؤجل رقابتها القضائية على ما يقرره المحكمون بشان صحة اتفاق التحكيم الى ما بعد صدور الحكم، سواء في دعوى آلائه او تنفيذه.

رابعا- انفصال بند التحكيم في عقد التجارة الدولية :
تميز التحكيم في مرحلته الاولى في قضايا التجارة الدولية بتبعية بند التحكيم للعقد الأصلي الذي يرد فيه. ونتج عن تلك التبعية انعكاس صحة العقد الأصلي او بطلانه على بند التحكيم نفسه وجودا وعدما باعتباره جزءا منه، كما انعكس ذلك على سلطة المحكمين، اذ تحرمهم هذه التبعية من النظر في الادعاء ببطلان هذا العقد
، لانه من غير المعقول ان يفصل المحكم في صحة عقد هو مصدر سلطته، وقد أكدت محكمة النقض الفرنسية (9) في عام1958 على تبني تبعية بند التحكيم للعقد الأصلي، وعلى إلزام المحكم بوقف إجراءات التحكيم حتى تفصل الجهة القضائية المختصة في صحة العقد الأصلي باعتبارها من المسائل الأولية القانونية التي تخرج عن اختصاص المحكمين(م525) اصول.

غير ان هذا الاتجاه لم يسلم من النقد، لانه يشل فاعلية قضاء التحكيم في التجارة الدولية، لهذا اتجهت محكمة النقض الفرنسية(10) في عام 1963 الى قصر التبعية على التحكيم الداخلي، وقررت تطبيق مبدأ استقلال بند التحكيم عن العقد الاصلي في قضايا التجارة الدولية، وبأحقية المحكم النظر في المنازعات المتعلقة ببطلان الأصلي لانه لا يستمد ولايته منه، وانما يستمدها من اتفاق التحكيم المستقل عنه، وبفحص نطاقه وصحته، تأسيسا على ان اتفاق التحكيم وان إدراج في العقد، فانه يرد على موضوع غير موضوع العقد.

---------------------
(1) بيرغ- المرجع السابق- ص 362 - نقض إيطالي في 15/12/1982- السنوي العاشر- 1985- ص 464 - قاعدة 72.
(2) نقض فرنسي لعام 1958- نقلا عن مؤلف محسن شفيق- ص- 118.
(3) نقض فرنسي لعام 1963- نقلا عن محسن شفيق- ص 119.
--------------------
ونتيجة لهذا التعليل الذي يطبق على كلا التحكيمين الداخلي والخارجي، لم تقتنع المحاكم الفرنسية بالحل الذي أخذته به محكمة النقض، وتمسكت من جهتها بوجوب تطبيق مبدأ الانفصال او الاستقلال على بنود التحكيم التي ترد في العقود الداخلية او في العقود الخارجية، ومنح المحكمين سلطة النظر في الادعاء ببطلان العقد الأصلي او بصحة اتفاق التحكيم، وتأجيل امر الرقابة القضائية على ما يقرره المحكمون في هذا الشان الى مرحلة ما بعد الانتهاء من التحكيم، سواء في دعوى إلغاء حكم المحكمين او في دعوى تنفيذه(11)، وهو ما تأثر المشرع الفرنسي به اذ منح المحكمين سلطة النظر في صحة تعيينهم واختصاصهم في التحكيم الداخلي او الخارجي ( م1466 و2495)، كمظهر لنظرية انفصال بند التحكيم (12).

خامسا- إجراءات التحكيم في التجارة الخارجية.
تبدأ إجراءات التحكيم اعتبارا من نشوء الخلاف، والمباشرة في التحكيم، وانتهاء المحكمين بإصدار الحكم وتنفيذه. ولا تخلو هذه الإجراءات من بعض المشاكل القانونية التي تعترض طريق التحكيم، مثل كيفية تشكيل هيئة التحكيم، وبشكل خاص في حالة تعدد اطراف النزاع، واختيار القوانين واجبة التطبيق على موضوع النزاع والاجرءات اذا لم يعينها الأطراف في اتفاق التحكيم، وتحديد نطاق الاتفاق ودخول النزاع فيه، وتعيين الجهة المختصة للفصل في الدفوع التي يقدمها الخصوم للمحكمين بشان عدم صحة العقد الأصلي وبند التحكيم المدرج فيه، وهل يوقف المحكمون إعمالهم لحين فصل القضاء في الدفع المذكور، كما هو شان النظرية التقليدية التي تقول بتبعية بند التحكيم للعقد الأصلي وجودا اوعدما، ام يفصل المحكمون في هذا الدفع، ويستمرون في التحكيم إذا وجدوا الاتفاق صحيحا، ويؤجل الرقابة القضائية الى مرحلة تنفيذ الحكم، كما هو شان النظرية الحديثة التي تقول بانفصال بند التحكيم عن العقد الأصلي لاختلاف السبب والموضوع بين العقدين؟

وعلى الرغم من هذه المشاكل التي يعينها نظام التحكيم، فان الخصائص التي يتمتع بها من سرية وسرعة ومرونة وخبرة جعلت منه نظاما قائما بذاته لحل خلافات التجارة الدولية.
وتبدأ عملية التحكيم بتسمية المحكمين باتفاق التحكيم، فان لم يتفق الأطراف على ذلك، ولم يحددوا طريقة تعيينهم، تقوم الجهة المسماة في اتفاقهم التحكيمي او الجهة الدولية التي تشرف على عملية التحكيم، بتسمية المحكمين وفقا للطريقة المحددة في قواعد التحكيم التابعة لتلك الجهة، مع الأخذ بعين الاعتبار المبدأين التاليين:

------------------------
(1) بيرغ- السنوي العاشر- ص 254.
(2) ديلفولف - المرجع السابق - ص72 - فقرة 22.
----------------------
أ‌- ان يكون لإرادة الخصوم شان في اختيار المحكمين ولو كان التحكيم إجباريا،
ب‌- المساواة بين طرفي النزاع من حيث اختيار المحكمين. فلا تكون لاحدهما ميزة على الاخر سواء كانت سياسية او اقتصادية او قانونية(13)، وقد نصت المادة (1025) من قانون المرافعات في ألمانيا الاتحادية على بطلان اتفاق التحكيم اذا ثبت انه كان لاحد أطرافه ميزة على إرادة الطرف الاخر(14).

ولا يباشر المحكمون أعمالهم الا بعد ان يستلموا طلبا من الخصوم بمباشرة إجراءات التحكيم، ويتحققوا من وجود اتفاق التحكيم وسند تعيينهم، ومن دخول موضوع النزاع في نطاقه، ومن تأدية الخصوم لرسوم الدعوى ونفقات التحكيم.
وتقضي انظمة التحكيم الدولية بانه اذا جرى رد المحكم المعين او امتنع الأخير عن العمل او استقال منه لسبب او لاخر، فانه يحق للجهة الادارية - كمحكمة التحكيم في غرفة التجارة الدولية مثلا - التي تشرف على المحكمين، ان تستبدل هذا الحكم بمحكم آخر وفقا للطريقة التي عين بها المحكم السابق.

وتأكيدا على مبدأ مرونة الإثبات في قضايا تحكيم التجارة الدولية، يحق للمحكمين تعيين مكان التحكيم وإصدار الحكم ما لم يكن الأطراف قد حددوا ذلك في اتفاق التحكيم، كما يحق للخصوم ان يحضروا امام المحكمين بأنفسهم او بواسطة وكلاء عنهم. ويملك المحكمون بعد انتهائهم من دراسة ملف التحكيم، تعيين جلسات التحكيم، ودعوة الخصوم لحضور هذه الجلسات، وتقديم دفوعهم ووثائقهم، واستجواب الخصوم حول وقائع النزاع وفقا لسلطتهم التقديرية في ادارة الجلسات او بطلب من أحد الخصوم، ودعوة الشهود وسماع أقوالهم بحضور الخصوم او في غيابهم اذا تخلفوا عن الحضور بعد تبليغهم أصولا لهذه الغاية، ويملكون استلام جميع الوثائق المؤبدة للنزاع من الخصوم تأييدا لمبدأ مرونة الإثبات في قضايا التجارة الدولية، ويملكون ايضا سلطة الكشف على البضائع ومعاينته واتخاذ جميع التدابير المستعجلة للحفاظ على حقوق الأطراف والأذن ببيع البضائع القابلة للتلف السريع، وتعيين الخبراء الفنيين لمعاينة البضائع، وتحديد المسؤولية، واستسلام تقاريرهم، ودعوتهم للاستيضاح منهم حول بعض النقاط، ويجوز لهم الحكم وفقا للوثائق المسلمة إليهم فقط بناء على طلب الأطراف او موافقتهم الخطية.
ويحق للمحكمين تثبيت التسوية الودية التي يتوصل الأطراف إليها بحكم نهائي تكون له قوة الحكم الذي يصدرونه باساس النزاع.
----------------
(3) محسن شفيق - المرجع السابق - ص14-141.
(4) مجموعة مؤلفين ألمان- غلوستر ورفاقه - المرجع السابق - ص85.
----------------

ويلتزم المحكمون بإصدار الحكم خلال المدة المعينة في الاتفاق او المحددة في نظام المؤسسة المشرفة على عملية التحكيم، وتملك هذه الجهة سلطة تمديد تلك الفترة بطلب من المحكمين او من تلقاء نفسها في حالة الضرورة القصوى دون ان ينال ذلك من صحة الحكم. ويصدر الحكم بإجماع آراء المحكمين او بأكثريتهم. فاذا لم تتوفر الاكثرية، تفوض قواعد غرفة التجارة الدولية(15) رئيس هيئة التحكيم لوحده بإصدار الحكم، ويعتبر هذا الحكم صحيحا وقابلا للتنفيذ، ما لم يشب هذا الإجراء مخالفة قانونية  ترتكب بإصدار الحكم.

والغاية من هذا التفويض هي تفادي تعطيل اصدار الحكم وحسم النزاع بعدم الحصول على أكثرية الاراء، ويعتبر الحكم الصادر عن المحكمين نهائيا ما لم يتفقوا على خلاف ذلك.
ويملك المحكمون بنفقات التحكيم وتحميلها للأطراف بالتساوي او بنسب معينة او تحميلها للطرف الخاسر. وتشمل النفقات الادارية وأجور المحكمين ونفقات انتقالهم، وأجور ونفقات الخبراء والنفقات القانونية الطبيعية التي يدفعها الأطراف في الحدود المعقولة، سواء أكانوا مفوضين بذلك في اتفاق التحكيم ام لا، وللمحكمة الناظرة في طلب اكساء الحكم " الوطني" صيغة التنفيذ ان تعيد النظر في ذلك اذا اعترض عليه أحد الخصوم(16)، وتوجد صعوبة قانونية في  تطبيق هذا المبدأ على المحكمين في التحكيم الأجنبي لعدم امتداد الولاية القضائية إليهم، ولانه يتم استيفاؤها وفق نسب محددة ومعلنة سلفا في أنظمة مؤسسات التحكيم الدولية.

ويعتبر الحكم نافذا بين الخصوم من تاريخ صدوره إذا صدر صحيحا ومستوفيا شروط صحته وبياناته الأساسية المحددة في قواعد اصداره، ويبلغ للأطراف وفقا للطريقة المحددة في تلك القواعد، ويمنح الخصوم اصل الحكم لإكسائه صيغة التنفيذ.

غيران المشكلة الاساسية التي تبقى مسيطرة على حياة التحكيم تكمن في حل مسالة عدم اتفاق الأطراف في اتفاق التحكيم على اختيار القوانين الواجبة التطبيق على موضوع النزاع وإجراءات التحكيم وموضوع صحة اتفاق التحكيم.

الا ان جهود وتطبيقات قضاء التحكيم في التجارة الدولية تركزت على إيجاد افضل الوسائل للتغلب على تلك المشكلة، ورأى -  مع الفقه والقضاء الدوليين- انه اذا لم يحكم القانون الوطني النزاع واتفاق التحكيم واجراءات المحاكمة، تعطي الأفضلية للقانون الذي يختاره الخصوم، فاذا لم يتفقوا صراحة او ضمنا على قانون معين، يفوض .

-------------
(1) جاك الحكيم- المرجع السابق -  ص58 - لورانس كري ووليام بارك - وجان بولسون - كتاب تحكيم غرفة التجارة الدولية لعام1984 - الفصل 19- ص 108.
(2) جاك الحكيم - المرجع السابق- ص 61-62.
---------------
المحكمون باختيار القوانين الانسب الذي يكون اكثر ارتباطا بموضوع المنازعة وفقا لاستخدامهم المبادئ المشتركة لقواعد التنازع في القوانين التي يرتبط بها موضوع النزاع.
وفي موضوع الإجراءات يفوض المحكمون بتطبيق قانون مرافعات التحكيم، وإذا لم تكف قواعد هذا القانون، فانهم يملكون قدرا من الحرية في اختيار او تكملة القواعد الإجرائية لسير المنازعة في قانون مكان التحكيم (17).

وقد تعزز هذا الاتجاه بتفويض الأطراف تضمين عقودهم التحكمية قواعد وشروط قانونية لا ترتبط بأي نظام قانوني، وتفوض المحكمين بالفصل في النزاع وبإصدار الحكم وفقا لهذه الشروط، وفي هذه الحالة يصبح البنيان القانوني للحكم منبت الصلة بأي نظام قانوني في العالم، ويطلق الفقه والقضاء الدوليان على هذا الحكم " الحكم الطليق" (18).

سادسا- شروط تنفيذ أحكام المحكمين الأجنبية :
يعتبر حكم المحكمين أجنبيا اذا صدر في بلد أجنبي - او وفقا لقانون أجنبي كما هو شان القانون الألماني- ويتبع في شانه القواعد والشروط المقررة لتنفيذ الاحكام الاجنبية عملا بالمواد(306-309) من قانون أصول المحاكمات السوري، ما لم يخضع تنفيذ الحكم لشروط اتفاقية تحكيم دولية، جماعية او إقليمية او ثنائية، حيث تسود شروط الاتفاقية على شروط القانون الوطني ( م311) اصول.

ونتيجة للتفريق الذي قرره قانون الأصول السوري بشان تنفيذ أحكام المحكمين الأجنبية، يمكن القول ان الحكم الاجنبي الذي لا يخضع لاي اتفاقية دولية، يعتبر كالحكم القضائي الأجنبي الذي يخضع تنفيذه لشروط القانون السوري ( م308 و309) وقواعد المعاملة بالمثل ( م306) والاختصاص القضائي العادي ( م307).

وتطبيقا لهذه القاعدة يقدم طلب تنفيذ الحكم طالبا الى محكمة البداية المدنية التي يراد التنفيذ في دائرتها ( م 307)، ويرفق به اصل الحكم واصل اتفاق التحكيم او صورا مصدقة عنهما واعتبارهما بمثابة الأصل، وترجمة مصدقة لهما ان كانا محررين بغير اللغة العربية، ولا يحتاج تنفيذه الى إيداع لدى المحاكم السورية(19). وبموجب شروط القانون السوري، فانه يبقى على عاتق طالب التنفيذ ان يثبت بان الحكم المطلوب تنفيذه قد اصبح نهائيا وقابلا للتنفيذ في البلد الذي صدر فيه ( م309) بصرف النظر عن " جنسية قانون المرافعات" الذي صدر الحكم بموجب قواعده.
-------------
(3) ابو زيد رضوان - التحكيم التجاري الدولي - ص94-104 ومن 150-166.
(4) ابو زيد رضوان- المرجع السابق - 167.
(5) جاك الحكيم - المرجع السابق - ص 61.
-------------
ويتم الإثبات بموجب صيغة تنفيذ تصدر من محكمة ذلك البلد. ويقع على طالب التنفيذ عبء إثبات ان محاكم ذلك البلد تطبق قاعدة المعاملة بالمثل وانها تنفذ احكام المحكمين الصادرة في سورية، وان قانونها يطبق تلك القاعدة، ويقع على عاتق المحكوم عليه ان  يثبت عدم تحقق الشروط التي يطلبها القانون السوري. وتقتصر وظيفة محكمة البداية- ذات الاختصاص الشامل بالاكساء ايا كانت قيمة النزاع حسب نص ( م307) اصول على التحقق من توافر الشروط المنصوص عليها في المادة (309 بدلالة المادتين306 و308) من قانون الأصول، فاذا ثبت وجود احد الشروط المانعة، تمتنع المحكمة عن تنفيذ الحكم في سورية، ويصدر قرار المحكمة قابلا  للطعن فيه بطريق الاستئناف والنقض (20).

اما إذا كان الحكم المطلوب تنفيذه في سورية يخضع لأحكام اتفاقية تحكيم دولية - كاتفاقية نيويورك الصادرة عام 1958 التي انضمت إليها سورية. فانه ينفذ وفقا لشروطها المنصوص عليها في مادتها الرابعة التي تسود شروطها على شروط القانون الوطني عملا بالمادة (311) من قانون الاصول، شريطة ان يقبل موضع النزاع التسوية بطريق التحكيم، او ان لا يؤدي الاعتراف بالحكم وتنفيذه الى مخالفة أحكام النظام العام ( م5/2).
وبناء على ذلك تشترط المادة الرابعة من اتفاقية نيويورك لتنفيذ الحكم في سورية والمشمول بأحكامها، ان تتوافر في الطلب الشروط الأساسية التالية:
1- تقديم طلب الى المحكمة المختصة بتنفيذ الحكم طبقا لطبيعة النزاع وموضوعه ومقداره، وحسبما يكون مدنيا او تداريا.
2- تقدم اصل الحكم او صورة مصدقة عنه بمثابة الأصل.
3- تقديم اصل اتفاق التحكيم او صورة مصدقة عنه بمثابة الأصل.
4- تقديم ترجمة للحكم والاتفاق اذا كان محررين بغير اللغة العربية، ويشهد على الترجمة مترجم رسمي او محلف او احد رجال السلك الدبلوماسي او القنصلي ( م4) من الاتفاقية.

وقد اعتبر الفقه والقضاء الدوليان(21) تحديد شروط  طلب التنفيذ بالشروط السالفة الذكر، حدا أدنى مطلوبا من طالب التنفيذ لتسهيل إجراءات تنفيذ الحكم، ومحددة على سبيل الحصر ولا يخضع لغيرها.
----------------------
(6) نصرت منلا حيدر- كتاب التنفيذ - المحامون لعام1966- ص193.
(7) ساندرز- السنوي الاول لعام1976- ص 213 - بيرغ- السنوي التاسع - ص 370 - المحكمة العليا اليونانية- القضية926 لعام1973- السنوي الاول- ص187 - قاعدة رقم3 - المحكمة العليا النمساوية -17-11-1965- السنوي الاول - ص186- قاعدة رقم 1.
-----------------------

وقد جرى خلاف بين المحاكم الأجنبية حول مسالتين هما:
1- حول الوقت الذي يجب ان تقدم فيه وثائق الحكم واتفاق التحكيم او صورا مصدقة عنهما، وهل يجب ان تقدم مع الطلب وتعتبر في هذه الحالة من الشروط الشكلية لقبوله، ام انه يجوز قبولها بعد تقديمه؟

ودار الخلاف حول تفسير كلمة "shall " الواردة في عبارة « shall, at the time of application »، اذا فسرها القضاء الإيطالي (22) بأنها تحمل طابع الإلزام، وقضى بوجوب تقديم هذه الوثائق في نفس الوقت الذي يقدم فيه طلب التنفيذ  كي يتمكن المحكوم عليه من مناقشة الطلب وتقديم الدفوع بشأنه.
في حين تساهل القضاء النمساوي(23) في ذلك، واعتبر ان النص  لا يحمل طابعا إلزاميا، وأجاز لطالب التنفيذ تفادي النقص واكمال الوثائق بعد تقديم الطلب.

وفي حقيقة الامر فانه كلمة "shall " لا تحمل طابع الوجوب فقط، وانما تحمل في الأمور القانونية طابع الجواز ايضا، مما ينبغي معه تفسيرها تفسيرا مرنا، واعتبار تقديم الوثائق دليل إثبات موضوعي يجوز تقديمه مع طلب التنفيذ وبعده، وعدم اعتباره إجراءا شكليا يؤثر على صحة لطلب سوى ما يتعلق بضرورة تقديم الطلب.
2- حول القانون الذي يخضع له اجراء تصديق ترجمة وثائق الطلب، اذ تساهل الفقه الدولي(24) في هذه المسالة، واجاز إخضاع ذلك الى الإجراءات المنصوص عليها في قانون البلد الذي صدر فيه الحكم او في قانون البلد الذي يطلب منه تنفيذ الحكم.
في هذه المسالة(25) اكثر من اللازم، وقضت بقبول طلب تنفيذ حكم اتفاقية نيويورك المرفق بوثائق محررة باللغة الإنكليزية على الرغم من عدم تقديم ترجمة لها باللغة الهولندية، لعلة انها تعرف اللغة الإنكليزية وليست بحاجة الى ترجمتها للغة المحلية، ولان ترجمة الحكم الذي يتالف من اكثر من مائة صفحة يكلف نفقات كثيرة.
غيران الفقيه بيرغ(26) وجه نقدا لهذا القرار، وتبنى موقفا مرنا في هذه المسالة، وبمنح المحكمة سلطة تقديرية في هذا الشان، فإذا رأت وجود ضرورة لتقديم تلك الترجمة، او اذا طلب المحكوم عليه إلزام طالب التنفيذ تقديم ذلك، تصدر المحكمة قرارا بتكليف المدعي بتقديم ترجمة للوثائق، ويعتبر التكليف إلزاما له، فاذا لم يمتثل لقرار المحكمة، فانها تملك سلطة رفض طلب التنفيذ لعلة عدم استيفائه الشروط التي نصت عليها المادة الرابعة من اتفاقية نيويورك.
----------------
(1) نقض ايطالي 26/5/1981 - قضية رقم2456 - السنوي السابع - ص345  - قاعدة -47.
(2) المحكمة العليا السنوية - في 17/11/1965 السنوي الاول - ص- 182- قاعدة1.
(3) بيرغ - السنوي التاسع - ص 372-373.
(4) محكمة امستردام الهولندية 12/7/1984 السنوي العاشر- ص487- قاعدة 10.
(5) بيرغ - السنوي العاشر- ص285.
----------------
ومما يؤكد على ضرورة تطبيق النص تطبيقا مرنا، وعدم اعتبار تخلف طالب التنفيذ بتقديم الوثائق وترجمتها مع طلب التنفيذ سببا لرفض طلب التنفيذ، وبالأحرى عدم اعتبار ذلك سببا شكليا للرفض، هوان المادة الخامسة من اتفاقية نيويورك حددت الاسباب التي تمنع - في حال اثبات إحداها- تنفيذ الحكم، وليس من بينها تخلف طالب التنفيذ عن تقديم الوثائق وترجمتها في نفس الوقت الذي يقدم فيه طلب التنفيذ الى المحكمة المختصة، لان تلك الاسباب المعددة فيها جاءت على سبيل الحصر، فلا يجوز القياس عليها او التوسع في تفسيرها(27).

اما بالنسبة للمدة التي يجب أي يقدم فيها طلب تنفيذ الحكم، فقد سكتت اتفاقية نيويورك عن هذه المسالة، وهي تحيل الإجراءات الى القانون المحلي في بلد التنفيذ. وعلى سبيل المثال لا يحدد القانون السوري مدة لهذا الغرض، بينما يحدد قانون الولايات المتحدة الأميركية الصادر عام 1970 بإقرار انضمام الدولة للاتفاقية مدة ثلاث سنوات لتقديم الطلب تبدأ من تاريخ صدور الحكم ( م207) الذي اصبح جزءا من قانون التحكيم الأميركي.

ويحدد قانون الاتحاد السوفياتي المدة ثلاث سنين اعتبارا من تاريخ اكتساب الحكم لقوته التنفيذية. ويحدد القانون الإنكليزي المدة بست سنوات اعتبارا من تاريخ نشوء سبب الدعوى (28).

سابعا- موانع تنفيذ حكم اتفاقية نيويورك.
لم تترك اتفاقية نيويورك الحرية لمحاكم الدول المختصة إليها لترفض تنفيذ حكم المحكمين الأجنبي المشمول باحكامها، كما تشاء وانما وضعت بموجب المادة الخامسة نظاما دوليا، موضوعيا وإجرائيا متكاملا يحكم هذه المسالة، ويتألف من ثلاث قواعد أساسية هي:

الاولى - وتعتبر القاعدة الأصل في النظام، لانها تفرض التزاما عاما على محاكم تلك الدول يقضي بإلزامها بالاعتراف بالحكم وتنفيذه، ويمنعها من رفض تنفيذه.
---------------------
(6) ساندرز- السنوي الاول - ص 214 - بيرغ- السنوي العاشر- ص 386  5
(7) بيرغ - السنوي العاشر- ص381 - محكمة استئناف الولايات المتحدة في17/6/1983 السنوي العاشر- ص 487- قاعدة54 - ليبديف- السنوي الاول- ص 103 - محكمة استئناف لندن في 17/3/1983السنوي التاسع- ص- 451 - قاعدة 14.
--------------------
الثانية- وتعتبر قاعدة استثنائية في النظام لتقييد القاعدة الاولى. ولكن هذا الاستثناء لا يجوز له ان يطغى على الاصل، ويحد من فاعليته الا في حدود ضيقة للغاية، باعتبار أنها تقوم على تخويل المحكوم عليه الذي يعارض بتنفيذ الحكم إثبات احد الاسباب التي تمنع تنفيذ الحكم.

الثالثة - وتعتبر الناظم الأساسي للمحاكم والخصوم في بيان الحالات والأسباب التي تجيز للمحاكم رفض تنفيذ الحكم، لذلك جاءت على سبيل لحصل (29)، وتتألف من قسمين:

الاول -  ويتضمن خمسة حالات او أسباب تجيز رفض تنفيذ الحكم، وقد ألقت الاتفاقية عبء إثباتها على عاتق المحكوم عليه لوحده، فاذا لم يثبت احدا منهما فلا يحق للمحكمة التي تنظر في الطلب ان تثير سببا منها، لان سلطتها تقتصر على وجوب الاعتراف بالحكم وتنفيذه عملا بالفقرة الاولى من المادة بدلالة المادتين الثالثة والرابعة من الاتفاقية.

الثاني - ويتضمن حالتين او سببين محددين، وهما من حق المحكمة والخصم في اثارتهما من تلقاء نفس الاولى او بناء على طلب الأخيرة واثباته.
وتطبيقا للالتزام الجوهري العام الملقى على عاتق محاكم المنضمة اليها ( م3/1 من الاتفاقية)، تعتبر تلك المحاكم ملزمة بالاعتراف بحكم الاتفاقية وتنفيذه انطلاقا من الفرضية التي تستند الاتفاقية إليها، في اعتبار الحكم المطلوب تنفيذه صحيحا حتى يثبت المحكمة عليه وجود أحد الاسباب التي تمنع تنفيذه والمنصوص عليها بالمادة الخامسة من الاتفاقية.

لهذه القاعدة اعتبر الفقه الدولي(30) ان هذه المادة تتضمن إلزاما عاما لمحاكم الدول المتعاقدة على الاتفاقية بشان الاعتراف بأحكام الاتفاقية وتنفيذها كأحكام ملزمة وفقا لقواعد قوانينها بموجب الشروط التي تنص عليها المواد الرابعة والخامسة والسادسة.

وبناء على ذلك فذا تقدم طالب التنفيذ بطلب الى المحكمة المختصة، وتوفرت فيه شروط المادة الرابعة، تصبح المحكمة ملزمة بالتنفيذ ما لم يثبت المحكوم عليه وجود أحد الاسباب التي تنص عليها المادة الخامسة وتمنع تنفيذه.

ونتيجة لذلك تظهر المادة الخامسة المظاهر الرئيسية التالية(31).

-----------------------
(1) ساندرز- السنوي الاول- ص 214- بيرغ- السنوي العاشر- ص 386.
(2) ساندرز- السنوي الاول- ص 212 - بيرغ- السنوي العاشر لعام 1958- ص378.
(3) بيرغ- المرجع السابق- ص 386-387- الفقرات ( أ- ب-ج).
-----------------------
1- ان الاسباب المانعة من تنفيذ الحكم التي عددتها هذه المادة مذكورة على سبيل الحصر، فلا يجوز التوسع في  تفسيرها او القياس عليها، ويتم رفض الطلب فقط اذا اثبت المحكوم عليه وجود احد تلك الاسباب او اذا تبين للمحكمة ان في تنفيذه ما يخالف النظام العام.
2- انه لا يجوز للمحكمة التي تنظر في طلب تنفيذ الحكم ان تبحث من جديد في وقائع الحكم.
3- يقع عبء إثبات عدم صحة الحكم او عدم قابليته للتنفيذ وفقا للأسباب المعددة على عاتق المدعى عليه.

ولا  تقتصر حقوق المحكوم عليه على إثبات اسباب الممانعة في التنفيذ، وانما تجيز له المادتان الخامسة والسادسة من الاتفاقية ان يعارض تنفيذ الحكم بإقامة الدعويين التاليتين
الدعوى الاولى - ويقيمها المحكوم عليه لدى محكمة البلد الأجنبي الذي فيه او بموجب قانونه صدر الحكم بطلب الغاء او وقف تنفيذ الحكم عملا بالمادة (5/1/هـ)، وتقدم وفقا لشروط ذلك القانون وقواعده  ومهله المقررة بهذا الشان.

ونتيجة لهذه القاعدة يمتنع على المحكوم عليه تقديم دعوى الإلغاء او وقف التنفيذ أيا كانت تسمية الدعوى لدى محكمة البلد الذي يطلب فيه تنفيذ الحكم. وتتطابق هذه القاعدة مع القواعد العامة التي تنظم شؤون وطرق الطعن في الأحكام، وعدم جواز سلوك طريق طعن ما بحق أي حكم الا وفقا لما تنص عليه قواعد القانون، وأمام المحكمة الاعلى في المنطقة او الدائرة التي صدر فيها الحكم، وعدم جواز تقديم طلب بإلغاء الحكم الصادر واعلان انعدامه الا امام المحكمة التي اصدرته، ولا يجوز تقديم الطلب الى محكمة غير ما ذكر عملا بأحكام المادة الانفة الذكر واجتهاد محكمة تنازع الاختصاص السورية(32).

وخلافا للقواعد السالفة الذكر قبل مجلس الدولة في سورية(33) دعوى إلغاء حكم المحكمين الأجنبي المشمول باتفاقية نيويورك واعلان انعدامه مخالفا بذلك احكام الاتفاقية ( م5/1/ هـ) وقواعد طرق الطعن المحددة على سبيل الحصر في القانون السوري، على الرغم من اتصاف دعوى الانعدام بطابع الإلغاء لأنها تمحو اثار الحكم الصادر، ومن النص في
-----------------
(4) محكمة تنازع الاختصاص قرار رقم (8) اساس تنازع (2) تاريخ 20/11/1976  - المحامون لعام 1976 - ص534 - قاعدة 668.
(5) ادارية عليا قرار 185 طعن 2043 لسنة1988 وقرار رقم26 طعن 58 لسنة1988 - - مجموعة احكام الادارية العليا لعام 1988  - ص450 - قاعدة90 والصفحة462 - قاعدة92.
----------------
الاتفاقية على تعيين محكمة البلد الأجنبي الذي صدر فيه او بموجب قانوني صدر الحكم مرجعا مختصا وحيدا للنظر في هذه الدعوى، مما يجعلها متعلقة بأحكام النظام العام الدولي التي تسود احكامه على اية قواعد اخرى تتمسك المحكمة بها(34).

وبناء على ذلك يمكن القول ان قبول مجلس الدولة السوري لدعوى إلغاء حكم الاتفاقية واعلان انعدامه على الرغم من صدوره في بلد  أجنبي يخالف قواعد الاختصاص القضائي المحددة في الاتفاقية ( م5/1/هـ ) ويجعل الحكم الصادر بهذا الشان معدوما بحد ذاته لصدوره عن مرجع قضائي غير مختص (35).

الدعوى الثانية - ويقيمها المحكوم  عليه لدى محكمة البلد الذي يطلب منه تنفيذ بطلب" تأجيل اصدار قرار تنفيذ حكم المحكمين" استنادا لاحكام المادة السادسة من اتفاقية نيويورك، ويمكن تقديمها بدعوى مستقلة او بادعاء بالتقابل في دعوى طلب اكساء حكم المحكمين صيغة التنفيذ. وهي تهدف الى اعتبار الدعوى الأخيرة مسالة متأخرة لحين الفصل في دعوى الإلغاء او وقف التنفيذ التي يقيمها في البلد الأجنبي الذي فيه او بموجب قانونه صدر الحكم.

ومن شروط هذه الدعوى  بأنها لا تقبل ما لم يسبقها دعوى الإلغاء او وقف التنفيذ في البلد الأجنبي، وتملك المحكمة التي تنظر فيها " سلطة تقديرية" بإصدار قرار بتأجيل التنفيذ.  الا ان الاجتهاد القضائي الدولي، وأيده الفقه، استقر على ضرورة التقييد سلطة المحكمة في بلد التنفيذ التي التين تنظر في تأجيل التنفيذ واشترط صدور حكم قضائي أجنبي يقضي بإلغاء او بوقف التنفيذ الحكم، فاذا لم يصدر مثل هذا القرار، فلا تملك المحكمة سلطة تأجيل تنفيذه، ويمكن لهذه المحكمة ان تفرض على المحكوم عليه تقديم كفالة مالية لضمان العطل والضرر(36).

ومما يجدر ذكره ان للأحكام القضائية الأجنبية الصادرة بإلغاء حكم المحكمين او بوقف تنفيذه، امتداد دوليا على  المحاكم الاخرى، لانها تزيل حجية الحكم وأثاره من الوجود وتجعله غير قابل للتنفيذ (37).
------------------
(6) بيرغ- السنوي التاسع - ص 386 -287.
(7) نقض سوري 1894/2214 تاريخ 21/11/1983- المحامون 1984- ص 323.
(8) بيرغ - السنوي التاسع - 294.
(9) بيرغ - المرجع السابق - ص 394 - محكمة دلهي في 12/4/1982- السنوي التاسع - ص 403 - قاعدة رقم 7/4 محكمة استئناف نيويورك - في 18/11/1982 - السنوي التاسع - ص 482 - قاعدة 52/2.
----------------
ثامنا- المرجع المختص بتنفيذ حكم المحكمين الأجنبي :
عين قانون اصول المحاكمات السوري محكمة البداية التي يراد التنفيذ في دائرتها مرجعا مختصا للنظر في طلب منح حكم المحكمين الأجنبي صيغة التنفيذ، وقضى برفع الطلب إليها بطريق الدعوى العادية( م307)، سواء كانت المحكمة عادية ام ادارية وفقا لطبيعة النزاع.

وقيد القانون سلطة هذه المحكمة بإجراء رقابة خارجية على الحكم عن طريق التحقق من توافر شروط التنفيذ المحددة في المواد (306 و307 و309)، وتملك السلطة لان تثير من تلقاء نفسها، مخالفة الحكم للنظام العام.
ويستنتج من هذا التقييد ان القانون السوري يفترض بان الأصل هو صحة الحكم المطلوب تنفيذه، وتبقى هذه الفرضية قائمة حتى يثبت المحكوم عليه عكس ذلك بعدم توفر الشروط المطلوبة، لان المحكمة لا تملك سلطة البحث في وقائع الحكم واسبابه(38).

فاذا اثبت المحكوم له شروط الطلب، ومبدأ المعاملة بالمثل ( م306) في قانون البلد الذي صدر الحكم بموجبه، ولم يثبت المحكوم عليه عدم توفر الشروط المانعة من تنفيذه ( م308 و309) أصول، تصبح المحكمة ملزمة بالاعتراف به وبتنفيذه، ويكون قرار المحكمة في القضايا العادية قابلا للطعن بطريقي الاستئناف والنقض، ويكون قرارها في القضايا الادارية قابلا للطعن فيه امام المحكمة الادارية العليا(39).

واذا كان من المسلم به تطبيق هذه القواعد على حكم المحكمين الأجنبي الذي لا يخضع لاتفاقية دولية، فانه من غير المسلم به  تطبيق هذه القاعدة على الحكم الذي يخضع لاتفاقية نيويورك، لان تقديم طلب تنفيذه الى محكمة البداية بطريق الدعوى العادية، وعدم تمييز معاملته عن الحكم الاول في معرض تنفيذه، او عدم تنفيذ الحكم الوطني بطريق الدعوى المستعجلة عملا بالمادة (534) بدلالة المادة (311) من قانون الاصول السوري يخالف أهداف الاتفاقية وغاياتها.

لقد جرى خلاف فقهي وقضائي في سورية حول هذه المسالة، فالبعض لا يفرق بين هذين النوعين من الأحكام، ويرى بوجوب رفع الدعوى العادية الى محكمة البداية المدنية بطلب اكسائها صيغة التنفيذ.
ويخضع قرار الاكساء للطعن فيه بطريقي الاستئناف والنقض، تأسيسا على ان المادة الثالثة من اتفاقية نيويورك لم تعدل قواعد الاختصاص القضائي في القانون السوري. في حين

-----------------
(1) جاك الحكيم- المرجع السابق- ص67 - نصرت منلا حيدر- المرجع السابق - ص194.
(2) جاك الحكيم - المرجع السابق- ص 68-69.
--------------------
يرى البعض الآخر بوجوب التفريق بين هذين النوعين من الاحكام بهدف تبسيط إجراءات تنفيذ الاحكام التي تخضع لاتفاقية نيويورك، ومعاملتها في معرض تنفيذها معاملة الحكم الوطني، وتنفيذها بطريق الدعوى المستعجلة، واخضع القرار الصادر بالاكساء للطعن فيه بطريق الاستئناف، ويصدر قرارها بصورة مبرمة ( م 227) اصول.
ونتيجة لهذا الخلاف حسمت المحاكم القضائية العليا في النظامين القضائيين العادي (النقض) والإداري (الادارية العليا) في سورية موضوع تعيين المرجع القضائي المختص وطريقة اكساء " حكم اتفاقية نيويورك" في موقفين متناقضين لبعضهما البعض.

فعلى صعيد محكمة النقض السورية(40) قررت في عامي 1987 و1988 في القضيتين التحكيميتين اللتين نظرت فيهما لاول مرة، انضمام سورية الى اتفاقية نيويورك، واعتبرت " حكم الاتفاقية" وكأنه حكم قضائي أجنبي، يتم تنفيذه بطريق الدعوى العادية، وعينت لذلك محكمة البداية المدنية في الدائرة التي يطلب فيها تنفيذه ( م307) اصول مرجعا مختصا لمنحه صيغة التنفيذ وفقا لشروط الاتفاقية ( م3 و4 و5).  وعلى الرغم من هذا القرار الحاسم الا ان الخلاف لا يزال قائما بين المحاكم الأدنى في دمشق حول تعيين المرجع المختص بالاكساء وطريقة التنفيذ.

في حين قررت المحكمة الادارية العليا(41) بخلاف ما قررته محكمة النقض، وجارت في قضائها ما قرره القضاء الدولي الحديث بشان معاملة " حكم الاتفاقية" في معرض تنفيذه معاملة الحكم الوطني. اذ قررت في عامي 1978 و1988 - أيضا- في حيثيات قراراتها " بان بين القرارات التحكيمية الأجنبية وبين القرارات التحكيمية الوطنية من جهة الاعتراف بها او تنفيذها".
ونتيجة لهذا الموقف وافقت المحكمة الادارية العليا(42) في الطعن المقدم إليها على قرار اكساء " حكم اتفاقية نيويورك" على إجراءات تقديمه الى " رئيس محكمة القضاء الإداري" لمنحه صيغة التنفيذ بالطريقة المستعجلة وكأنه حكم محكمين وطني - وفقا لما هو متبع لديها - .

ومع تأييدنا لاتجاه محاكم مجلس الدولة في سورية لجهة تفسير المادة الثالثة من اتفاقية نيويورك، ومجاراتها لمواقف الفقه والقضاء الدوليين لجهة معاملة" حكم الاتفاقية" في
--------------------
(3) نقض سوري رقم 1516/238 تاريخ 22/2/1987 - غير منشور- ورقم 7914/1136 تاريخ 22/8/1988- المحامون لعام 1988- ص 978 - قاعدة 353.
(4) ادارية عليا رقم191/192- مجموعة المجلس العام 1987- ص191- قا38، ورقم 185/2043 لعام 1988 - مجموعة1988 - ص450 - قاعدة 90 واشير  فيه الى قرار مماثل برقم202/1317 لعام 1988  - غير منشور.
(5) ادارية عليا رقم 191/193/ لعام1987 - مجموعة 1987- ص 191 - قاعدة 38.
-------------------
معرض تنفيذه معاملة الحكم الوطني، نقول بان محكمة النقض لم تأخذ اهداف الاتفاقية بعين الاعتبار في تبسيط وتسهيل إجراءات تنفيذ الاحكام المشمولة بقواعدها، وعدم جواز إخضاع هذه الاحكام الى إجراءات تصل في التفريق الى حد المغالاة بين تنفيذ حكم الاتفاقية وتنفيذ الحكم الوطني، ومعاملته على قدم المساواة مع الحكم الذي لا يخضع لاي اتفاقية دولية واعتباره كالحكم القضائي الأجنبي.

كما انها لم تدقق في الترجمة غير الصحيحة لنص الفقرة الثانية من المادة الثالثة من الاتفاقية، وفي ان عبارة " بدرجة ملحوظة" -  مع ان ترجمتها هو " بشكل جوهري"- لا تضاف بعد عبارة الرسوم القضائية فقط - وهو ما وقعت فيه المحكمة - وانما تضاف أيضا بعد العبارة التي تنص على " عدم فرض شروط بدرجة ملحوظة- او بشكل جوهري -، ولا رسوم قضائية اكثر ارتفاعا ولا النفقات - التي سقطت من الترجمة - بدرجة ملحوظة - او بشكل جوهري، وهو ما انتبه اليه مجلس الدولة ".

فلو اعتبرنا ان الترجمة الصحيحة للفقرة السالفة الذكر هو " انه لن يفرض على الاعتراف والتنفيذ لحكم الاتفاقية شروطا اكثر شدة  بشكل جوهري - او بدرجة ملحوظة او رسوما او نفقات أعلي من تلك التي تفرض للاعتراف وتنفيذ أحكام المحكمين الوطنية"، لاستقامت الغاية من اتفاقية نيويورك وأهدافها في تبسيط وتسهيل إجراءات تنفيذ الاحكام التي تخضع لها، وفي ضرورة تمييز معاملتها عن تنفيذ الأحكام الأجنبية التي لا تخضع لاتفاقية دولية، ولتبين لنا ان الغاية الأساسية من هذه الفقرة - التي أضيفت الى نص المادة الثالثة التي كانت مؤلفة من فقرة واحدة بناء على اقتراح المندوب البريطاني - هو التأكيد الفعلي على ضرورة المساواة بين " حكم الاتفاقية وحكم المحكمين الوطني" في معرض تنفيذ الحكم الاول، وعلى عدم جواز التفريق بين الحكمين الى حد المغالاة بالمعاملة(43) في التنفيذ كما فعلت محكمة النقض.

ومما يؤكد هذا القول هو ان المشاركين في مؤتمر اعداد " اتفاقية نيويورك" سألوا المندوب البريطاني عن الغاية والمعنى المقصودين من اضافة الفقرة الثانية التي اقترحها على المؤتمر، اجاب " بأنها للتأكيد على الدول المتعاقدة من اجل عدم فرض قيود إضافية يمكن ان تعيق التنفيذ غير المقيد لحكم المحكمينfree enforcement of the arbitral award (44).
وباعتبار ان المادة الثالثة بشكل عام وفقرتها الثانية بشكل خاص، لا تتعدى ان تكون قاعدة " سلوك دولي" توجب على محاكم الدول المنضمة للاتفاقية، عدم المغالاة في التمييز بين بين تنفيذ "حكم الاتفاقية" وتنفيذ حكم المحكمين الوطني، وإخضاع تنفيذه الى الدعوى المستعجلة وفقا لما استقر عليه اجتهاد المحكمة الادارية العليا في دمشق في هذا الشان، وتفسير نصوص القانون في أضيق الحدود بما يتوافق مع إحكام وغاية الاتفاقية، وحل التناقض بين اجتهاد محكمة النقض واجتهاد مجلس الدولة في هذا الصدد، وتأييد الاجتهاد الأخير.

-----------------------------
(1) محسن شفيق - المرجع السابق- ص 230.
(2) ساندرز- الكتاب السنوي الاول لعام1976- ص 212 .
---------------------------

الخاتمة
يعتبر نظام التحكيم، نظاما قضائيا خاصا وموازيا للنظام القضائي العادي والاداري، واخذ هذا النظام بالانتشار في سورية - كما هو الشان في الخارج - بعد ان أمدته الدولة بالمؤيدات القانونية في أنظمة عقود الجهات العامة الادارية والاقتصادية والجمعيات التعاونية السكنية، وعززه القضاء والفقه السوريان، اضطلع بدور هام في الفصل في الخلافات التي تنشا بين الأطراف عن عقودهم المدنية والإدارية ومعاملاتهم التجارية، سواء في عقودهم الداخلية او الخارجية.

واصبح لهذا النظام قواعده الخاصة التي تنظم شؤونه الى جانب ما يضعه الخصوم في هذا الشان من شروط وقواعد موضوعية وإجرائية تمكن المحكمين وتساعدهم على فصل النزاعات التي تحال اليهم، وتنظم إجراءات التحكيم.

ويفوض الخصوم المحكمين- في كثير من الأحيان- فصل نزاعتهم وفقا لمبادئ العدالة او وفقا لشروط قانونية موضوعية بعيدة عن أي نظام قانوني معين دون ان يؤثر ذلك على ضرورة تقيدهم بأحكام القانون من الناحية الإجرائية.

وتأييدا لهذا النظام سعت كثير من الدول الى تعديل نصوص التحكيم لديها بما يتوافق واهداف اتفاقيات التحكيم الدولية التي تنظم اليها من اجل تعزيز دور قضاء التحكيم الوطني والدولي، ومساواة حكم الاتفاقية في معرض تنفيذه بحكم المحكمين الوطني.
عن مجلة "المحامون"
الصادرة عن نقابة المحامين السورية
THE ROLE OF INTERNATIONAL COMMERCIAL ARBITRATION
* مجلة المحاكم المغربية، عدد 64/65، ص11.

Sbek net
كاتب ومحرر اخبار اعمل في موقع القانون والقضاء المغربي .

جديد قسم : التحكيم التجاري