-->

مواقعة انثى لقاء بعض الماكولات والمشروبات بدون مقابل مالي لا تتكون معه جريمة البغاء

محكمة التعقيب *
قرار جزائي عدد 15255
مؤرخ في 5 جانفي1988 *
صدر برئاسة السيد محمد كدوس

- المبدأ-
 ان مواقعة انثى لقاء بعض الماكولات والمشروبات بدون مقابل مالي لا تتكون معه جريمة البغاء السري على معنى الفصل 231 من القانون الجنائي لان عنصر المقابل مفقود.

- نصه-
الحمد لله وحده:
اصدرت  محكمة التعقيب القرار الاتي:
بعد الاطلاع على مطلب التعقيب المرفوع من السيد المدعي العام  للمحكمة الاستئناف بصفاقس في 21 فيفري1985 طعنا في الحكم الاستئنافي الجناحي والقاضي حضوريا بقبول الاستئناف شكلا وفي الاصل بنقض الحكم الابتدائي والقضاء  من جديد بعدم سماع الدعوى وذلك من اجل ارتكابها لجريمة تعاطي البغاء السري على معنى احكام الفصل 231 من القانون الجنائي.
وبعد الاطلاع على تقرير السيد المدعي العام الذي طلب فيه النقض، وبعد المفاوضة طبق القانون  صرح بالقرار الاتي:
------------------------
* نشر هذا القرار ايضا بمجلة القضاء والتشريع، ماي1990 ص 111.
* عن مجلة القانونية التونسية لسنة 1992.
-----------------------
- المستندات -
أولا: من حيث الشكل:
حيث استوفى مطلب التعقيب كافة اوضاعه وصيغه القانونية وكان بذلك حريا بالقبول شكلا على معنى احكام الفصل 262 وما بعده من مجلة  الاجراءات الجزائية.

ثانيا: من حيث الاصل:
حيث تفيد الوقائع التي انبنى عليها الحكم المطعون فيه ان المعقب ضدها الحدثة فتحية التي هي من مواليد 11 ديسمبر1968 والعاملة بالمنازل قد خرجت حوالي الساعة الواحدة بعد الزوال يوم 17 جانفي1984 من منزل والدها الكائن بحي السبخة بقابس الى منزل مؤجرتها لتتسلم منها باقي اجرتها فاعترضتها المراة المحرصية المعروفة بالانحراف الاخلاقي وسألتها عن وجهتها. وما ان اخبرتها بذلك حتى اقترحت عليها الذهاب معها الى منزل شقيقتها على ان تتوجه معها وترافقها فيما بعد الى منزل مؤجرتها. فاستجابت لهذا الطلب وتوجهت معها نحو المكان المقصود وهناك التقت بالمدعو بولبابة زوج شقيقة المنحرفة المذكورة الذي اقترح عليها وعلى مرافقتها  الذهاب الى غابة على ملك المتهم كمال الذي  تم اشعاره بالامر وابتاع كمية من الخمر بتلك المناسبة وتوجه أربعتهم نحو المكان المقصود. وهناك اتصل بها المتهم كمال جنسيا بواسطة الدلك السطحي كما واقعها المتهم بولبابة برضاها مواقعة تامة  كما تولى في اليوم الموالي المدعو الزعيم الاتصال بها جنسيا برضاها وغادروا المكان وقد اخبر بذلك والدها، الذي افتقدها، اعوان الامن بالمكان.  ومن هنا انطلقت الابحاث حثيثة في الموضوع وتمت احالة الحدثة فتحية المذكورة  على محكمة الاحداث بمحكمة قابس الابتدائية التي قضت بثبوت ادانتها وبوضعها بمركز الملاحظة والمحل التربوي  بمنوبة المدة القانونية. وقد تم استئناف الحكم المذكور لدى تلك المحكمة التي قضت في 19 فيفري1985 حضوريا بقبول الاستئناف شكلا وفي الاصل بنقض الحكم الابتدائي والقضاء مجددا بعدم سماع الدعوى تحت العدد المومىء اليه وهذا الحكم هو موضوع الطعن الان.

وحيث طعن السيد المدعي العام لدى محكمة الاستئناف بصفاقس في الحكم  المذكور بالتعقيب لدى هاته المحكمة ناسبا له تحريف الوقائع باعتبار ان المعقب ضدها قد اعترفت في سائر مراحل بحثها بوقوع الاتصال الجنسي بها ليلة الواقعة من المدعوين بولبابة والزعيم و كمال وبعدما تناولت معهم الخمر والاكل وهو ما يوفر عنصر المقابل ورغم ذلك  فان محكمة الاصل اعتبرت ان الاركان القانونية لتكل الجريمة غير متوفرة طالبا لكل ذلك النقض مع الاحالة.
- المحكمة-

عن هذا المطعن:
حيث اوجبت احكام الفقرة الرابعة من الفصل 168 من مجلة الاجراءات الجزائية على قضاة الاصل تعليل احكامها تعليلا كافيا من الناحيتين الواقعية والقانونية ومبرزا لكافة العناصر الاساسية في القضية بشكل متسلسل ومتصل الحلقات ومؤديا بالتالي للنتيجة التي انتهوا اليها بدون تحريف في الوقائع او ضعف في التعليل او قصور في التسبب.

وحيث انه بدراسة مستندات الحكم المطعون فيه دراسة معقمة وموضوعية يتضح ان قضاته بعد إستعراضهم لكافة وقائع القضية وظروفها ومناقشتهم لمدلول النص القانوني المحالة به المعقب ضدها بتلك التهمة ودراستهم له دراسة موضوعية لمعرفة انطباقه على الافعال الصادرة عنها ايجابا او سلبا استخلصوا في النهاية وفي حدود سلطاتهم التقديرية ان الاركان الاساسية لتلك الجريمة لم تتوفر بعد خاصة منها عنصر المقابل الذي يستلزم بطبيعته ان يكون مبلغا معينا من النقود عادة يقع  الاتفاق على مقداره مسبقا بين طالب اللذة والمنحرفة التي اعتادت الاتجار في عرضها لقاء ذلك المقابل الذي لا يتصور ان يقوم مقامه ما يقدم لها اثناء ذلك اللقاء من ماكول ومشروب تحتم وجوده طبيعة تلك المناسبة سيما اذا ما امتدت لفترة زمانية طويلة كما هو الشان بالنسبة للحدثة وشركائها في قضية الحال باعتبار ان الهدف الذي  ترمى اليه كل منحرفة من وراء تمتيع الغير هو الحصول على المال والاتجار بجسدها وهذا كله جدل موضوعي يهدف الى مناقشة محكمة الموضوع في اجتهادها الذي لديه حق تحت رقابة هذه المحكمة وتاسيسا على ذلك فان محكمة الاصل حينما قضت بتلك الصورة اعتمادا منها على العناصر الواقع الإلماح اليها آنفا تكون قد  اسست قضاءها على ما له اصل ثابت بالاوراق دون تحريف للوقائع او ضعف في التعليل او قصور في التسبب مما يجعل مطلب الطعن غير جدي ولا يتماشى مع ظروف القضية وملابستها لتسلطه على حكم سليم المبنى والمستند  واقعا وقانونا ومحرزا على جميع مقوماته الاساسية ولم يلاحظ به أي خلل اجرائي يوجب نقضه لفائدة النظام العام والاجراءات الاساسية وتعين لكل ذلك التصريح برفض مطلب التعقيب موضوعا.

- ولهاته الأسباب -
وعملا باحكام الفصل 267 من مجلة الاجراءات الجزائية قررت المحكمة قبول مطلب التعقيب شكلا ورفضه اصل ...
- تعليق -
هل ان الانثى التي تمكن عدة اشخاص من مواقعتها لقاء بعض الماكولات والمشروبات بدون مقابل مالي ترتكب جريمة  البغاء السري على معنى الفصل 231 من المجلة الجنائية؟
طرح هذا السؤال على محكمة التعقيب في قضية كان ختامها القرار المعلق عليه. 
وتمثلت وقائع تلك القضية فيما يلي:
خرجت الفتاة فتحية البالغة من العمر 16 سنة والعاملة بالمنازل من بيت والدها متجهة نحو منزل مؤجرتها كي تتسلم منها باقي اجرتها فاعترضت سبيلها امراة  معروفة بالانحراف الاخلاقي واقترحت عليها الذهاب معها الى منزل شقيقتها على ان ترافقها فيما بعد الى منزل مؤجرتها - فوافقتها على ذلك وذهبت معها نحو المكان المقصود وهناك التقت بالمدعو بولبابة زوج شقيقة المراة المنحرفة الذي اقترح عليها وعلى مرافقتها الذهاب الى غابة على ملك المتهم كمال الذي تم اشعاره بالامر وابتاع كمية من الخمر بتلك المناسبة وتوجه أربعتهم نحو المكان المقصود وهناك اتصل بها المتهم كمال جنسيا بواسطة الدلك  السطحي كما واقعها المتهم بولبابة برضاها مواقعة تامة كما تولى في اليوم الموالي المدعى " الزعيم" الاتصال بها جنسيا برضاها وغادروا المكان- واخبر والدها، الذي افتقدها، اعوان الامن بالمكان فانطلقت الابحاث وتمت احالة الحدثة فتحية من اجل تعاطي البغاء السري على محكمة الاحداث بمحكمة قابس الابتدائية التي قضت بثبوت ادانتها ووضعها بمركز الملاحظة بمنوبة المدة القانونية. ولدى الاستئناف  قضت المحكمة بنقض الحكم الابتدائي والقضاء مجددا بعدم سماع الدعوى.
وطعن السيد المدعي العام لدى محكمة الاستئناف بصفاقس في ذلك الحكم بالتعقيب ناسبا اليه خرق احكام الفصل 231 ج لعدم اعتبار المأكولات والمشروبات التي تناولتها الفتاة  كمقابل.

وعلينا ان نلاحظ ان القرار التعقيبي في بسطه للوقائع والاجراءات كيفما نقلناها عنه بصورة تكاد تكون حرفية عن قصد، لم يتعرض لا من بعيد ولا من قريب الى التتبعات التي قد تكون اجريت ضد الرجال الثلاثة الذين اتصلوا جنسيا بالفتاة.

فهل احالتهم النيابة العمومية من اجل مواقعة القاصرة بالنسبة لمن اتصل بها اتصالا كاملا على الاقل ما دامت المحاكم منذ القرار الشهير الصادر عن الدوائر المجتمعة ( عدد 6417- بتاريخ 16 جوان1969  - نشرية محكمة التعقيب 1969-175) قد استقرت على اعتبار ان المواقعة لا تتم بالإيلاج وهو العنصر الذي يفرق بين المواقعة والاعتداء بالفاحشة ( تعقيب جنائي 6362 - مؤرخ في 23 جوان1969 - نشرية1969 صفحة 177- تعقيب جنائي 7024 - مؤرخ في 26 نوفمبر1969 -  نشرية1969 صفحة 209 -  تعقيب جنائي 9940 مؤرخ 16 جويلية1973 نشرية1973 - 79 تعقيب جنائي 11493 مؤرخ  في 5 جويلية1975، نشرية1975 الجزء الثاني  - 80. تعقيب جنائي 1223 مؤرخ  في 30 ديسمبر1976 - نشرية1976 - الجزء الثالث - 127 تعقيبي جنائي 19235 - مؤرخ في 19 نوفمبر1986 -  نشرية96  صفحة 288 - قرار تعقيبي جزائي 26618 مؤرخ في 22 جوان1988- نشرية1988 - صفحة 142).

لا نجد أي اثر لتلك الاحالة ولا نجد كذلك أي  اثر لاحالتهم من اجل المشاركة في البغاء السري- فهل يعني ذلك انه لم يقع تتبعهم بالمرة ؟ لا نظن ان ذلك قد حصل - فالنيابة العمومية كانت حريصة حسبما يبدو على تتبع الفتاة القاصرة من اجل تعاطي البغاء السري وابدت حرصها بملاحقتها حتى لدى محكمة التعقيب طعنا في القرار الاستئنافي  الصادر في حقها بعدم سماع الدعوى  لا نخالها الا ابدت مثل ذلك الحرص على الاقل ان لم يكن اشد الملاحظة الذئاب المفترسة الذين تقمصوا شكل آدميين وغرروا بفتاة قاصرة أغروها ببعض الماكولات والمشروبات كي يشبعوا نهمهم الجنسي.

كما انه لا عجب لو كانت النيابة العمومية لم تكتف بتتبع الرجال بل وكذلك تتبعت المراة التي كانت سببا في جلب الفتاة لهم وإيقاعها في شراكهم وذلك من اجل المشاركة بتسهيل ارتكاب الجريمة.
ولربما تمت كل تلك التتبعات لكن بمقتضى قضية مستقلة شملت المتهمين الراشدين بينما تكون البنت القاصرة قد افردت بالتتبع لدى قاضي الاحداث كما تفيد ذلك مجلة المرافعات الجنائية.

ولربما كان من الممكن التفكير في التمسك بان الفتاة كانت قاصرة وهو ما يبعد عنها تهمة تعاطي البغاء السري - لكن هذا الدفع الذي تم التمسك به في قضية مماثلة لم يحظ بموافقة محكمة التعقيب التي قررت " ان المراة التي يعنيها الفصل 321 ج هي الانثى بقطع النظر عن كونها رشيدة او قاصرة شريطة ان يتجاوز عمرها  ثلاثة عشر عاما" ( تعقيب جزائي 8075 - مؤرخ في 29 نوفمبر1972، صفحة 129)

فلا عجب اذن ان لم يحم النقاش حول ذلك الموضوع لكنه قد دار حول موضوع اخر يتمثل في معرفة ان كان احد اركان جريمة الفصل 231 وهو المقابل قد توفر في قضية الحال فاعتبرته محكمة البداية متوفرا ومتمثلا في الماكولات والمشروبات التي تحصلت عليها الفتاة بينما رات  محكمة الاستئناف ان  تلك الماكولات والمشروبات لا تمثل ركن المقابل وهو ما يدعونا الى  تحليل  ذلك الركن لمحاولة ضبط مفهومه على ضوء القانون وفقه القضاء (II)
لكنه قد يكون من المتجه قبل ان نقوم بذلك ان نتساءل  ان كان ركن المقابل ضروريا لتوفر جريمة الفصل 231 من القانون الجنائي (I).

- الجزء الاول-
هل ان المقابل ضروري  لتوفر جريمة البغاء السري على معنى الفصل 231 من المجلة الجنائية؟
قد يبدوا هذا السؤال غريبا لان من يسمع او يقرا كلمة بغاء يتبادر الى ذهنه بصورة آلية وتلقائية ان المراة التي تتعاطاه لا تقوم به للبحث عن المتعة واللذة  دون مقابل - ولو كان ذلك هو تعريف البغاء لكان الالاف من النسوة محل تتبع من اجله والالاف من الرجال من اجل المشاركة فيه - او ان المراة التي تتعاطاه  تقوم بمشروع خيري يتمثل في رفع الكبت عن المحرومين وتمكين  بعض المساكين من الذكور الجائعين من اشباع غرائزهم.

فالمرأة البغي ليست مبدئيا لا هذه ولا تلك - فهي تنتصب اذا كانت تتعاطى البغاء العلني في محل معد لذلك يتوجه اليها فيه الحرفاء ويدفعوا مبلغا ماليا عادة مسبقا اما لها مباشرة او للمشرف على المحل وكثيرا ما تكون مشرفة وهي في اغلب الاحيان مومس تقدمت بها السن وتقلص نشاطها كمومس لقلة الراغبين فيها فتنتصب تحت اشراف  وزارة الصحة العمومية ووزارة الداخلية ووزارة المالية لتسيير محل البغاء..
تلك هي الصورة التي تتبادر الى الذهن عند النطق بعبارة البغاء العلني مومس منتصبة في محل بغاء، حرفاء  يؤمونه مبالغ مالية تدفع من قبل  الحرفاء مقابل تمكين المومس لهم من نفسها.

واذا انتقل الامر من البغاء العلني الى البغاء السري فان المحل العلني أي الماخور المرخص فيه من قبل السلط يضمحل وتصبح المومس متسربة في البلد  تجوب الازقة والشوارع وتؤم الاماكن العمومية من نزل ومقاهي ومراقص وملاهي بالاضافة الى الاماكن الخاصة بمناسبة الحفلات والسهرات تبحث عن الراغبين في الاتصال بها- ويبقى في الذهن ان ذلك النوع من النساء -  يرتزقن من الاتصالات الجنسية مع العديد من الرجال.
وإذا قلنا " يرتزق" فمعنى ذلك ان المراة تتقاضى او تتسلم مقابلا عن الاتصال بها.

هذه هي الصورة التي تتبادر الى الذهن لدى المواطن العادي وهي الصورة التي رسمتها محكمة التعقيب في الاغلبية الساحقة لقراراتها نذكر منها على سبيل الذكر لا الحصر القرارات الاتية:
القرار التعقيبي الجزائي 7509 الصادر في 21 ديسمبر1970- نشرية1970 - القسم الجزائي صفحة 219- ولقد جاء في مبدئه " الفصل 231 جنائي ينطبق على الفاجرة التي اعتادت بيع عرضها لعدد غير محدد " من الرجال وبمقابل".
القرار التعقيب الجزائي 9369 الصادر في 16 ماي1973  -  نشرية1973 القسم الجزائي - صفحة 202 - وتقول فيه المحكمة " ان البغاء السري هو بذل امراة عرضها في مقابل  لعديد من الرجال".
القرار التعقيبي الجزائي 11280 الصادر في 16 افريل1975 -  نشرية1975 -  القسم الجزائي الثاني - صفحة 22 - الذي تؤكد فيه المحكمة على انه " لا توجد جريمة البغاء السري الا متى استبان ان متعاطيته قد مكنت العديد من الرجال وبمقابل".

وواصلت محكمة التعقيب على هذا الدرب في قرارها عدد 2475 المؤرخ في 29 نوفمبر1978 - الجزء الثاني  - القسم الجزائي صفحة 103 وفي قرارها عدد 3634 المؤرخ في 21 جويلية1979 نشرية محكمة التعقيب 1979- القسم الجزائي - صفحة 192).
ويتضح من هذه السلسلة من القرارات ان فقه القضاء ثابت ومستقر في اشتراط ركن المقابل لتوفر جريمة البغاء السري.

ولقائل ان يقول لماذا نتساءل  اذن ان كان المقابل شرطا ضروريا لتوفر تلك الجريمة ما دام فقه القضاء يؤكد ضرورة توفره بمثل هذا الثبات؟
ما كنا لنلقي ذلك السؤال لولا ان محكمة التعقيب في قرار غريب ووحيد لم تؤكد العكس ( قرار تعقيبي جزائي 1975- مؤرخ في 1 ديسمبر1977 -  نشرية1977 - الجزء الثاني  - صفحة 142) اذ قالت " يكفي لتوفر اركان جرمية تعاطي الخناء  ان تمكن المراة رجلا من نفسها ولو من باب الصدفة دون حاجة الى  المقابل المالي او الهدايا".

ونلاحظ ان محكمة التعقيب في هذا القرار أضحت لا تشترط تعدد الرجال الذين تمارس البغي معهم الجنس وهذا عنصر لا يهمنا تحليله في هذا  التعليق لكنها لا تشترط كذلك المقابل المالي او الهدايا وهذا بالعكس هو العنصر الذي يهمنا التعليق عليه - ولربما كان من  المفيد ان نبسط ولو بايجاز الوقائع التي نظرت فيها محكمة التعقيب اذ ان الوقائع لعبت ربما دورا في الموقف الذي اتخذته محكمة التعقيب من الناحية المبدئية وتمثلت تلك الوقائع في ان امراة تعرفت في رحاب قصر العدالة بتونس على العون المكلف باصلاح اجهزة التدفئة الذي ساعدها على استخراج بعض الوثائق ولمكافأته  عما قدمه لها من اعانة مكنته جنسيا من نفسها بغرفة جهاز التدفئة وبلغ الخبر الى ناظري الشرطة الملحقين بقصر العدالة فتوجهوا صحبة رئيس الكتبة الى المكان وطرقوا الباب فلم يفتح العون ثم تمكنوا من فتح الباب بمفتاح اخر واعترفت المراة  بانها مكنت المتهم من نفسها إيلاجا  فأحيلت من اجل تعاطي البغاء  السري والموظف من اجل المشاركة وقضت عليهما المحكمة الابتدائية. بعام سجنا مع النفاذ العاجل بالنسبة للمراة وتم  تقرير الحكم لدى الاستئناف وكانت الاحالة مدللة في غرابتها على حرص النيابة  العمومية على الذود عن حرمة قصر العدالة ويبدو انها وجدت لدى القضاء الموضوعي تجاوبا عميقا عبر عنه بتصريحه بالادانة وبتسليط عقاب صارم فضلا عن الاذن بالنفاذ العاجل.

وكان من الممكن ان  تكون محكمة التعقيب اقل تاثرا بطبيعة المكان الذي تم فيه الاتصال الجنسي وان تسهر على تطبيق القانون على ضوء المبادئ التي ما انفكت تسطرها في خصوص جريمة البغاء السري وان  تذكر بان ركن المقابل ضروري لتوفر تلك الجريمة مثلما سبق لها ان فعلته في العديد من المناسبات.

 وربما كان من الممكن لها مع التذكير بضرورة توفر  ذلك الركن ان تعتبر انه قد توفر في قضية الحال وذلك بفضل ما قدمه المتهم من مساعدة للمراة في  التحصيل على  الوثائق من المحكمة فتعطي عندئذ للمقابل مفهوما واسعا يشمل المبلغ المالي والهدايا وكل ما يمكن ان يقدم من خدمات للبغي وتكون بذلك قد احترمت ولو في الظاهر المبدا الذي سطرته وذكرت به في العديد من قراراتها.
لكنها خيرت ان تترك ذلك المبدا جانبا وان تعتبر لاول مرة في  تاريخ فقه القضاء التونسي انه لا ضرورة لمقابل لتوفر جريمة البغاء السري وبذلك رفضت مطلب التعقيب.

فهل انها قد كانت مصيبة في اجتهادها ؟  رغم شعور الاشمئزاز ازاء عدم احترام العون والمراة لحرمة قصر العدالة وهو شعور من شانه ان ينتاب كل مواطن بصفة عامة وكل فرد  من العائلة القضائية بصورة خاصة فاننا نعتبر ان محكمة التعقيب ما كان لها ان تتاثر بالوقائع الحافة بهذه القضية وانه كان عليها ان تثبت على المبدا الذي سبق لها ان قررته وان تحكم بالنقض بناء على عدم وجود المقابل. ولربما كان في محاكمة المراة بعد ايقافها والفضيحة التي استهدفت اليها و ايداعها السجن، ولو لمدة، ما فيه الكفاية لعقابها على  انحرافها الاخلاقي وعبثها بحرمة قصر العدالة - اما بالنسبة للعون فانه كذلك استهدف الى الفضيحة والمحاكمة وربما الايداع في السجن فضلا عن التتبعات التأديبية وربما فصله عن العمل. وكان من الممكن ان يعتبر كل  ذلك كافيا  دون ان تكلف محكمة التعقيب نفسها الزيغ عن مبدا اثبات وضعته هي نفسها وطبقته في العديد من القرارات.

ولربما  لم تكن محكمة التعقيب غير متاثرة بالمرة بالوقائع ولا مدفوعة مثل النيابة العمومية وقضاة الموضوع بحرصها على ان يعاقب عقابا زاجرا من أستسمج لنفسه ان ينتهك حرمة قصر العدالة.
واذا كان الامر كذلك فان يكون ادهى وامر لان موقف محكمة التعقيب يصبح عندئذ  موقفا مبدئيا لا موقفا ظرفيا ويصبح كل اتصال جنسي بين امرة ورجل ولو على سبيل الصدفة ودون مقابل ممثلا لجريمة الفصل 231 من المجلة  الجنائية - وان كان ذلك هو التعريف حقا لجريمة البغاء السر ي والمشاركة فيه فان سجون الجمهورية لن تكفي لإيواء من يقومون في كل فج وصوب، ليلا نهارا، بمثل تلك الاتصالات.

ولا نخال ذلك القرار التعقيبي الا شاذا- والشاذ يحفظ كما يقال ولا يقاس عليه- لكننا راينا من باب النزاهة الذهنية والامانة العلمية عدم تجاهله والتذكير بما جاء فيه - فبإمكاننا اذن ان نعتبر ان فقه القضاء  التونسي في جملته يشترط المقابل كركن لجريمة البغاء السري ولو ان الفصل 231 من المجلة الجنائية لا يشير صراحة الى ضرورة توفر ذلك الركن.

ولم يكن، مهما كان من امر في القضية التي نحن بصدد التعليق على القرار الصادر في شانها، جدل ولا اشكال في ضرورة توفر ذلك الركن لكن النقاش حام بين محكمة الموضوع والنيابة العمومية لمعرفة ان كانت الماكولات و المشروبات من شانها ان تعتبر مقابلا تتوفر به جريمة البغاء  السري وهو ما يجرنا الى محاولة ضبط مفهوم المقابل في تلك الجريمة.

- الجزء الثاني -
مفهوم المقابل في جريمة البغاء السري:
ربما كان من المفيد ان نذكر بادئ ذي بدء ان الفصل 231 يعاقب نوعين من النسوة 
اللاتي يعرضن أنفسهن او بالقول
اللاتي يتعاطين الخناء.

وفي ذلك يختلف مع التشريع الفرنسي الذي لا يخلو من نفاق واضح اذ انه يعاقب النوع الاول ولا يعاقب النوع الثاني. فيكفي المراة ان تتعاطى البغاء دون ان تعرض نفسها بالاشارة  او القول كي تكون في مامن من التتبعات ولو تلك التتبعات هي رهينة مزاج الشرطة الفرنسية  ومدى طيبة علاقاتها بمن بشرف على نشاط المراة البغي، فضلا عن ان العقاب المستوجب هو خفيف جدا اذ ان الفعلة لا تعدو ان تكون الا مخالفة.
ومهما كان من امر فان المشرع التونسي لم يحتفظ بجريمة العرض بالاشارة او بالقول فقط بل احتفظ كذلك بجريمة البغاء السري.

ولربما كان ذلك ناتجا عن حرص المشرع التونسي على صيانة الاخلاق الحميدة والصحة العمومية المهدرة بتسرب الامراض من جراء النشاط الجنسي للمراة البغي  لا يراقبها الجهاز الصحي  للدولة فضلا عن ان الدولة تنتفع ماديا من ذلك النشاط بينما يعود عليها نشاط المومس في دور البغاء العلني بالنفع بدفعها للضريبة الموظفة عيها قانونا.
وبقطع النظر عن اساس التجريم  فان النص موجود وهو جزء من القانون الوضعي التونسي ومن المتحتم على المحاكم تطبيقه.

فاما بالنسبة لجزئه الاول الذي يكاد يكون عديم التطبيق وهو انطباع ناتج عن قلة ان لم نقل انعدام فقه القضاء المنشور في شانه فان مشكل المقابل لا يمكن ان ينبثق ما دام الامر يتعلق بالمرحلة الاولى من نشاط المراة البغي والمتمثلة في اصطياد الحريف بعرض نفسها بالقول او بالاشارة.
واما بالنسبة للجزء الثاني من النص المتعلق بالخناء في حد ذاته فانه هو الذي يهمنا في هذا الجزء من التعليق وهو الذي يشترط لتوفره توفر المقابل..

فما هو المقابل؟
لم ينبثق مشكل تعريف المقابل في فقه القضاء الا لماما- ولقد عرفته محكمة الاستئناف بصفاقس حسب القرار التعقيبي المعلق عليه بانه " يستلزم بطبيعته ان يكون مبلغ معينا من النقود عادة يقع الاتفاق على مقداره مسبقا بين طالب اللذة والمنحرفة التي اعتادت الاتجار في عرضها لقاء ذلك المقابل" - ولقد اعتبرت محكمة التعقيب هذا التعريف غير مؤد الى نقض القرار الاستئنافي فاضحى  كانه صادر عنها رغما عن اعتبارها ان الجدل هو جدل موضوعي ويبدو من البديهي اعتبار المبالغ المالية التي تتقاضاها المراة لقاء تمكين الرجال من نفسها مقابلا مكونا لعنصر من عناصر جريمة البغاء السري.

لكن السؤال المطروح يتمثل في معرفة ان كان المقابل ينحصر في المال العين او من الممكن ان يكون شيئا اخر.
ومن الواضح انه باشتراط ان يكون المقابل مالا عينا تقصي المحكمة من مشمولات الفصل 231 كل الحالات الاخرى.
ومن الواضح كذلك ان اعتبار ان المقابل من الممكن ان يكون غير المال العين - يفتح  لباب بصورة واسعة الى كل التآويل اذ من الممكن عندئذ  ان يصبح  أي شيء مهما  كانت قيمته مقابلا.

وتبدو محكمة الاستئناف بصفاقس محقة في اعتبار " ان الهدف الذي ترمي اليه كل منحرفة من وراء  تمتيع الغر هو الحصول على المال والاتجار بجسدها" وكثيرا ما يتم الامر في  الاغلبية الساحقة من الصور على ذلك النحو فتتقاضى المراة مبلغا ماليا.

لكن قد لا تتقاضى المراة  مبلغا ماليا بل شيئا اخر كان تكون هدايا مثلا فيكون المشكل دقيقا في مثل تلك الصور اذ يصعب اعطاء حل عام وقاعدة  مجردة كأن يقال ان الهدايا تساوي المقابل وان الهدايا لا تساوي المقابل.
فلنفرض ان امراة تتصل بعدة اشخاص يسلمها البعض مالا عينا ويسلمها البعض الاخر هدايا - ويضبط ذلك الشخص ويصرح هو كما تصرح المرأة بانه لم يسلمها مالا بل هدية.

فانه في مثل هذه الصورة  يصعب ان لا تعتبر الهدية كمقابل للاتصال الجنسي ما دام  اتجار المراة ببدنها ثابت من جهة اخرى.
ولنفرض ان امراة لا تتقاضى مبلغا ماليا بالمرة لكنها لا ترفض الهدية التي يقدمها من يتصل بها وهنا يصبح الامر اكثر دقة واشكالا اذ يصبح الحل رهين عدة معطيات من بينها نوع الهدية التي تهدى لها وتاثير الهدايا على امكانية عيشها وموارد رزقها.

فاذا كان للمراة مورد رزق قار وهي غير محتاجة كي تعيش لتمكين الرجال من بدنها وهي راغبة في ان لا تقصر علاقتها على رجل واحد ولا تتقاضى مالا من الذي يتصل بها لكنها لا  ترفض ما يقدم لها من هدايا فان الامر يصبح من الصعوبة بمكان.
ولربما كان المعيار المتجه استعماله هو معرفة مدى  العلاقة السببية بين الهدايا والاتصالات الجنسية أي هل ان تلك المراة كانت تتصل بأولائك الرجال لو لم يقدموا لها هدايا.

وهو امر يصبح رهين الظروف والملابسات وحصافة راي القاضي  وسبره الغور اذ من الممكن ان تفلت  من العقاب امراة في منتهى الذكاء والفطنة والكياسة والمكر والدهاء وذلك بحرصها على عدم تسلم أي مبلغ مالي اذ تعرف كيف تستجلب مشاعر اخلائها  وتستهويهم وتجعلهم عوض تسلمها دنانير معدودة مما ينقص من قيمتها وقيمتهم ويبرز العلاقة بينها وبينهم بمظهرها الحقيقي أي بمظهر علاقة المومس بحريفها- يسلمونها هدايا ثمينة تغنيها عن تعداد الحرفاء كأن تتمثل الهدية في مصوغ او سيارة او شقة او ما شابه ذلك.

واذا وجد  خطر افلات مثل اولائك النسوة من التتبعات الجزائية ان لم تعتبر الهدايا مقابلا فانه من  الممكن من ناحية اخرى ان تصدر تتبعات ضد امراة ثبت انها لم تتقاض أي مبلغ مالي بل اهديت لها هدايا حال ان تلك المراة ليست في الواقع بغيا- وهو حل لا يخلو من شطط خاصة اذا كانت المراة  مقتصرة في علاقتها مع رجل واحد ومن باب اولى اذا كانت هناك نية  زواج بين الطرفين. ورغما عن ذلك فلقد اعتبرت المحاكم ان العلاقة تمثل بغاء  سريا ومشاركة فيه  وهو ما حدا بمحكمة التعقيب الى التصدي لمثل هذا الحل المشط مؤكدة ان "احالة امراة مع شريكها اعترفا بالتراكن على الزواج على المحكمة الجزائية لا من اجل ما اعترفا به لكن من اجل البغاء السري والمشاركة يوجب على المحكمة ابراز عناصر البغاء السري والا كان حكمها خارقا للقانون ومستهدفا للنقض اذ البغاء السري  هو بذل امراة عرضها في مقابل لعديد من الرجال"  - ( قرار تعقيبي جزائي عدد 9369  مؤرخ في 16 ماي1973 - نشرية محكمة التعقيب القسم الجزائي - 1973 صفحة 202).

ولقد اكدت نفس الحل في قضية اخرى قائلة " لا توجد جريمة البغاء السري الا متى استبان ان متعاطيته قد مكنت العديد من الرجال وبمقابل. اما مجرد صلة  جنسية  بين رجل وامراة بنية الزواج فلا تتوفر معه اركان الجريمة"  ( قرار تعقيبي جزائي - عدد 11280- مؤرخ في 16 افريل1975 نشرية1975 - القسم الجزائي - الجزء الثاني - صفحة 22).

وقد كان التاكيد في هذين القرارين على نوع العلاقة الرابطة بين الرجل والمراة بوصفهما تراكنا على  الزواج وكان من الممكن لمحكمة التعقيب ان تبرز باكثر وضوح ودقة ان ركن المقابل لا يمكن ان يتوفر من خلال الهدايا التي يهديها الرجل للمراة - لكن اذا كانت خطيبة فان الحل يصبح سهلا لان الخطيبة التي يهديها خطيبها بعض الهدايا وتمكنه من نفسها ليست  بغيا - اما اذا كانت العلاقة لا  تهدف الى الزواج وكان علاقة غرامية فانها لا تحول دون تطبيق احكام الفصل 231 من المجلة الجنائية وهو  ما قررته محكمة التعقيب في قرارها عدد 8091 المؤرخ في 30/12/1974 ( نشرية محكمة التعقيب 1974 - القسم الجزائي - الجزء الثاني صفحة 189). وينطبق نفس الحل من باب أولي اذا كانت العلاقة لا مبنية على وعد بالزواج ولا حتى غرامية على فرض ان شخصا عاديا من الممكن له ان يرتبط بعلاقة غرامية مع بغي ولو كان بغاؤها سريا بل علاقة عادية - ففي مثل هذه الصورة فاننا لا نخال ان الهدايا لا يمكن ان تعتبر مقابلا - ويصبح غير منطقي ان تعتبر من قبيل المقابل بعض الدنانير حال ان هدية اثمن واغلى كملبوس او مصوغ لا تعتبر مقابلا.

ولو كان في القرار المعلق عليه قد ثبت ان  البنت قد تلقت هدايا كان تكون قد اهديت بعض الادباش لربما امكن مجاراة النيابة العمومية في احالتها من اجل البغاء السري ولربما امكن مجاراتها في طلبها لنقض القرار الاستئنافي  القاضي بعدم سماع الدعوى  
لكن  الامر لم يكن يتمثل في مبالغ مالية ولا في هدايا بل في  مأكولات ومشروبات.

 وقد تكون النيابة محقة في تتبعها لامراة  ثبت انها تتصل جنسيا بعدة رجال مقابل ما يقدمونه من ماكل ومن مشرب اذ من الممكن ان تكون النتيجة في خاتمة الامر هي نفسها. فعوض ان يقدم الرجل الى المراة  بضعة دنانير تشتري بها مأكولا ومشربا يقدم لها بعض الاطعمة وبعض المشروبات ولو انه يصعب تصور امراة تحترف البغاء ولا تتقاضى كمقابل الا مأكولات ومشروبات اذ يفرض انها دائما جائعة وان تعاطيها للبغاء يصادف الوقت الذي تريد ان تتناول فيه الاطعمة ومهما كان من امر فانه على فرض انها توفر لنفسها بهذه الطريقة رمق العيش فانه لا يعقل انها لا تتقاضى مقابل نشاطها الجنسي الا ماكولات ومشروبات اذ ان لها متطلبات  اخرى للعيش لا يمكنها مبدئيا ان تجابهها الا بمبالغ مالية.

ولذا فان الماكولات والمشروبات تتنافى مبدئيا مع احتراف المراة للبغاء لكن ذلك لا يحول دون توفر فرص تقدم فيها ماكولات ومشروبات للمراة التي تتعاطى البغاء- فهل ان ذلك من شانه ان يحول دون تتبعها من اجل البغاء والرجل او الرجال من اجل المشاركة فيه ان الجواب عن هذا السؤال لا يخلو من الدقة   - فاذا اجبنا بنعم فانه من الممكن ان نصل الى حلول لا تخلو من الغرابة والشطط كأن يستدعي  شخص امراة لقضاء سهرة معه فيذهبان الى مطعم فتأبى عليه رجولته ان يترك المراة تدفع منابها من قائمة الحساب ثم يتصل بها جنسيا- فاعتبارها المراة بغيا لا لشيء الا انها اتصلت جنسيا بشخص استدعاها الى تناول ماكولات او  مشروبات يتنافى مع الذوق السليم ومع المنطق.

ولو اعتمد هذا الحال لما اصبح ذكر يتصل جنسيا بانثى في مامن من تتبعات جزائية اذ انه من المستحيل ان لا يكون قد قام بخلاص اكلة بمطعم او  تذكرة سينما او لمجة  او على الاقل قهوة - و اذا كان الامر في مستوى المبادئ فسواء كانت الماكولات والمشروبات فاخرة وثمينة او متواضعة وبسيطة فانها تعتبر مقابلا يؤدي الى وصل العلاقة بين الذكر والانثى علاقة بغاء وهو ما من شانه  ان يؤدي الى تاويل واسع ومشط لمفهوم المقابل في جريمة البغاء السري

ولربما كانت محكمة التعقيب قد ارادت ان تغلق الباب في وجه من يرد التوسع في ذلك المفهوم بتأييدها ما ذهبت اليه محكمة الاستئناف بصفاقس من ان الماكولات والمشروبات لا  تعتبر مقابلا.
ولربما كان الامر بالنسبة لمحكمة الاستئناف ثم بالنسبة لمحكمة التعقيب يصبح عسيرا جدا اذا  ثبت ان احد الرجال قدم مبلغا ماليا للبنت ولو كان زهيدا بالاضافة الى ما تناولته من ماكولات ومشروبات.

فهل انها كانت تعتبر البنت بغيا ؟ بدون شك ولا خلاف - وهي نتيجة لا تخلو من الغرابة فكان من الممكن ان يذبح للبنت كبش او ان يقدم لها افخر الماكولات واغلى المشروبات دون أي مبلغ مالي وعندئذ تعتبر محكمة الموضوع انه لا وجود لمقابل. اما اذا قدمت لها ماكولات متواضعة ومبلغ مالي زهيد فانها تصبح ملزمة باعتبار ان هناك مقابلا.

واذا كان الامر دقيقا بالنسبة للماكولات والمشروبات وكل ما يمكن ان يقدم للمراة من امور من الممكن تقديرها  بمال كتذكرة مسرح او سينما فان الامر يزيد تعقدا بالنسبة لما قد يقدم الى المراة دون ان يكون من الممكن تقديره بمال كأن تكون خدمة قدمها الرجل للمراة ولا نظن مبدئيا ان مثل هذه الصور تندرج تحت طائلة الفصل 231 اذ ان روح التشريع تفرض ان المرأة تمكن العديد من الرجال من نفسها بمقابل يكون مبدئيا ماديا ومقوما بمال. اما اذا صادف ان امراة مكنت شخصا من نفسها لانه قدم لها خدمة  فانه يصبح من الصعب اعتبار تلك الخدمة مقابلا

ونرى ان هذا الحل معقول والا فان الباب يفتح لتاويل واسع للفصل 231 من المجلة الجنائية اذ انه من العسير جدا ان توجد علاقة جنسية بين رجل وامراة دون ان يقدم الرجل للمراة على الاقل بعض الخدمات على فرض انه لا يقدم لها لا مبالغ مالية ولا هدايا ولا ماكولات او مشروبات.

واذا كان الامر ما ذكر فان العلاقات بين الذكور والإناث تصبح مهددة باعتبارها داخلة تحت طائلة الفصل231  جنائي. وفي ذلك الحل شطط واضح لم يقصده المشرع اذ ان مقصد المشرع هو في عقاب المراة التي عوض ان تتعاطى البغاء في محل علني تتعاطاه سريا مع ما في ذلك من خطر على المجتمع من الناحية الاخلاقية والصحية فضلا عن إفلات مداخيلها من رقابة مصالح الجباية. ومهمة القضاء تتمثل بطبيعة الامر في مقاومة ذلك الخطر قصد محاولة القضاء عليه دون ان يصل بها الامر الى زجر علاقات جنسية بما تأباها الشريعة الاسلامية لكن القانون الوضعي لا يعاقب عنها.

ولا نخال انه من المحبذ ان ينتصب القاضي مشرعا وان يصل بمقتضى تاويل واسع للنصوص الجزائية الى تحريم افعال لم يرد المشرع تجريمها وترى ان القرار التعقيبي المعلق عليه يندرج في هذا الفهم الصحيح لدور القاضي ولتفاعله مع النصوص الجزائية.

 ساسي بن حليمة استاذ بكلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس.

* مجلة المحاكم المغربية عدد 70، ص 144

Sbek net
كاتب ومحرر اخبار اعمل في موقع القانون والقضاء المغربي .

جديد قسم : اجتهادات قضائية عربية