-->

تعليق على حكم ابتدائي سبقية الفصل في مادة الحالة المدنية للفرد

تعليق على حكم ابتدائي سبقية الفصل في مادة الحالة المدنية للفرد

كثيرة هي الموضوعات المحرضة على البحث والتنقيب لكن كابح اجماح واحد الا هو الاستحياء من عدم التوقف. غير ان عدري الوحيد، هو انتمائي لاسرة القضاء وما نهلته واستعملته من السلف ولو بالتقريب .

فقد نصت المادة 452 ق ل ع على ما يلي : " لا يعتبر الدفع بقوة الامر المقضي الا اذا تمسك به من له مصلحة في اثارته ولا يسوغ للقاضي ان ياخذ به من تلقاء نفسه". لان المدار في ذلك من حق الخصوم انفسهم، فلا يسوغ للمحكمة اثارة ذلك تلقائيا من دون ان يتمسك به صاحب المصلحة (1) .

غير اننا نرى بان لهذا المبدا العام في المادة المدنية والمقرر في الفصل 452 ق ل ع، استثناء يتعلق بنظام الحالة المدنية للفرد (2) فما دام حتى الاختصاص المحلي في هذا الصدد يعتبر من النظام العام ويثار تلقائيا من لدن القاضي (3) فحري في نظرنا ان
--------------
يقول الدكتور ادريس العلوي العبدلاوي في مؤلف وسائل الاثبات في التشريع المغربي صفحة 144 طبعة سنة 1977 اما في المواد المدنية فحجية الامر المقضى لا تتعلق بالنظام العام وذلك على الرغم من انها تقوم على اعتبار يتصل بالصالح العام، اذ الواقع ان النظام العام لا يضار من ان ينزل الخصم عن التمسك بالميزة التي خوله القانون اياها في هذا الخصوص. ومقتضى هذا انه يصح نزول الخصم صراحة او ضمنا على التمسك بهذه الحجية ولا يجوز للمحكمة ان تاخذ بها من تلقاء نفسها، ولا يجوز التمسك بها لاول مرة امام محكمة النقض .
فقد قضت المحكمة الابتدائية بالدار البيضاء انفا بتاريخ 6/2/1998 في الحكم عدد : 57 في ملف حالة مدنية عدد : 1926/97، برفض طلب المدعي لسبقية الفصل، واعتمدت في قضائها على اعتبار سبقية الفصل في مادة الحالة المدنية للفرد من النظام العام تثار تلقائيا من طرف القاضي ولا يشترط اكتساب الحكم السابق لحجية الامر المقضى به مادامت له الحجية المؤقتة، ولو كان قابلا للطعن، ولا يشترط ايضا اعذار صاحب المصلحة في هذا الشان لانه اختار الرفع من جديد وعدم الاستظهار رغم اتحاد الاطراف والموضوع والسبب .
الفصل 21 من الظهير المؤسس لنظام الحالة المدنية الصادر بتاريخ 4/9/1915 والذي جاء فيه : "… اذا لم يقع التصريح بالانذار في الاجل القانوني فلا يمكن لضابط الحالة المدنية ان يضمنه في سجلاته الا بمقتضى حكم صادر عن المحكمة الابتدائية للدائرة التي تم فيها ازدياد المولود ... واذا كان محل الازدياد مجهولا فان المحكمة التي يكون لها النظر في الكائنة بالمكان الساكن فيه طالب التقييد" .
--------------

يكون ايضا وبالاولى لحجية حكم القضاء فيما فصل من نوازل الحالة المدنية للفرد حق الاثارة التلقائي من لدن المحكمة (4)
والمرد في ذلك امور منها (5) :
1)    تفادي تضارب الاحكام وما ينتج عن ذلك من صعوبات واضطراب عند تنفيذ اوامر المحكمة في النازلة واحدة مؤسسة على نفس السبب وبين نفس الاطراف ومرفوعة منهم وعليهم بنفس الصفة .
2)    رعاية حسن سير العدالة وما يتوخاها الشارع من استقرار اجتماعي باستقرار الحقوق .
3)    كون المشرع لم يرتب جزاء على خلاف القاعدة المقررة في المادة 452 ق ل ع .
4)    كون الشارع المغربي في المادة 218 من ظهير المسطرة المدنية اعطى القاضي صلاحية البت في النازلة بامر يصدره بعد اجراء بحث لاقامة الحجة على صحة الوقائع المعروضة على المحكمة بجميع الوسائل القانونية .
5)    مبدا انقضاء سلطة المحكمة بحسم المسائل المعروضة عليها ولو باتفاق الخصوم .
----------------
1)    وقد اورد الدكتور العلوي في مرجعه السابق صفحة 146 في معرض الكلام عن سببية الاحكام : ان هناك من الاحكام ما تكون له حجية مطلقة اي تقوم في مواجهة الكافة بحيث لا يستطيع احد من الناس ان ينازع فيما قضت به حتى لو كان من غير الخصوم في الدعوى وكانت له مصلحة في هذه المنازعة، ومن ذلك الاحكام الجنائية، فهذه حجة على جميع الناس لاعتبارات تتعلق بالنظام العام، كذلك الاحكام التي تقرر للشخص اهلية جديدة او حالة جديدة، كالاحكام الصادرة بتوقيع الحجر او برفعه، او بشهر الافلاس او بتغيير اسم الشخص. فهذه الاحكام تقضي طبيعتها ان تكون لها حجية قبل الجميع لانها ترمي الى تحديد الاوضاع الجديدة التي يمكن للشخص الذي صدرت في شانه ان يتعامل مع الاخرين .
2)    فقد اعتبر الدكتور عبد الرزاق السهوري في مؤلفه الوسيط في شرح القانون المدني الجديد المجلد الثاني صفحة 713 : - ان هناك فكرتين رئيسيتين تنظمان كل ما قدمناه من شروط في حجية الامر المقضي : \
الفكرة الاولى هي حسم النزاع ووضع حد تنتهي عنده الخصومات، فما دام قد صدر في النزاع حكم قضائي قطعي، فانه لا يحوز حجية الامر المقضي في منطوقه، الا في اسبابه، وذلك حتى نقف بالتقاضي عند حد معقول، فلا يتكرر النزاع مرة بعد اخرى دون ان يحسم، وهذه الفكرة الرئيسية الاولى هي التي تنظم الشروط الواجب توافرها في الحكم .
الفكرة الثانية هي الحيلولة دون التناقض في الاحكام مع مراعاة النسبية في الحقيقة القضائية فما دام الحكم قد صدر ما بين نفس الخصوم، وفي ذات المحل ولعين السبب فالتقاضي مرة اخرى يؤدي الى حكم، ان اتفق مع الحكم الاول فلا حاجة لنا به، وان خالفه وقعنا فيما نخشاه من التناقض، وهذه الفكرة الرئيسية الثانية هي التي تنظم الشروط الواجب توافرها في الحق المدعى به .
-------------------

وهذا ما نهجه ايضا الشارع المصري في المادة 101 من قانون الاثبات المصري الجديد (6) التي نصت صراحة على ان المحكمة تقضي بهذه الحجية من تلقاء نفسها (7) .

كما نرى انه مادامت سبقية الفصل في مادة الحالة المدنية للفرد تثار تلقائيا من لدن المحكمة حتى ولو تنازل اطراف الدعوى عن التمسك بها صراحة او ضمنا، فلا نهوض لشرط اكتساب الحكم لقوة الشيء المحكوم به او الامر المقضى به طالما ان الحكم تثبت له الحجية الوقتية ولو كان قابلا للطعن، وطالما ان الخصم فيه   - وهو غالبا الطرف القائم - بصنيعه الرفع مجددا امام نفس المحكمة لقضية سبق الفصل فيها مع اتحاد الموضوع والسبب والخصوم، بهدف من سكوته تفادي وتجاوز مراحل التقاضي الاخرى بالحصول على حكم جديد يعدل ان يناقض الحكم السابق .

كما نرى بانه ليس من شرط على المحكمة ان توقف صاحب المصلحة على ذلك، لانه اختار عدم استظهاره والرفع من جديد امامها فيعامل بنقيض قصده .
فالشرع متشوق لحسم النزاعات وعدم اللذذ، وما شرعت النصوص القانونية لتطبيقها، مع اعمال استفتاء النفس عند انعدام الامر الصريح المرتب لجزاء عدم التقيد بمقتضاها .

والله ولي التوفيق
القاضي احمد مجد
نائب رئيس المحكمة الابتدائية بالدار البيضاء انفا
------------------
3)    فقد كانت المادة 405 من القانون المدني المصري تنص على انه : " لا يجوز للمحكمة ان تاخذ بهذه القرينة من تلقاء نفسها" على اساس ان حجية الامر المقضى ليست من النظام العام، وتتعلق بمطلق حق الخصوم فلهم ان يتمسكوا بها او العكس، ولا يسوغ للقاضي اثارتها تلقائيا، ولا يجوز التمسك بها لاول مرة امام محكمة النقض اذا ما اغفل ذلك امام محكمة الموضوع .
4)    فقد قضت محكمة النقض المصرية بما يلي : " ان الدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسبق الفصل فيها من النظام العام تقضي به المحكمة تلقاء نفسها" طعن رقم 750 وتاريخ 15/9/1991 منشور بالموسوعة الذهبية لقضاء محكمة النقض المصرية لصاحبه المستشار حسن الفكهاني صحيفة 359 الملحق رقم 11.
كما قضت بما يلي : " الدفع بعدم جواز نظر الدعوى السابقة الفصل فيها من النظام العامة ويجوز اثارته في اية حال كانت عليها الدعوى". طعن رقم 2082 بتاريخ 27/3/1984 منشور بنفس المرجع صحيفة 471 ملحق رقم 6 .
كما قضت بما يلي : " اذا حسمت المحكمة النزاع في المسائل المعروضة عليها انقضت سلطتها بشانها ولم تعد لها اية ولاية في اعادة بحثها او تعديل قضائها ولو باتفاق الخصوم، ويعمل بهذه القاعدة بالنسبة لسائر الاحكام القطعية موضوعية كانت او فرعية" طعن رقم 974 بتاريخ 12 نونبر 1981 نفس المرجع السابق صحيفة 27 ملحق رقم 3 .
--------------------

* مجلة المحاكم المغربية، عدد 84، ص 231 .
Sbek net
كاتب ومحرر اخبار اعمل في موقع القانون والقضاء المغربي .

جديد قسم : التعليق على الاحكام و القرارات