-->

من اجتهادات القضاء العربي



نقلت نشرة القانون وحقوق الانسان، التي  تصدر عن مركز اتحاد المحامين العرب للبحوث والدراسات القانونية الى قرائها، قرارا للدائرة الجنائية بمحكمة النقض المصرية، باعتبار انه من النماذج المطلوبة لتدخل القضاء لحماية حقوق الانسان. ولهذه العلة نفسها ترى المجلة انه يستحق ان يحتفى به باعادة نشره لتسجيله وتعميمه

باسم الله الرحمن الرحيم
باسم الشعب
محكمة النقض
الدائرة الجنائية
المؤلفة برئاسة المستشار / محمد وجدي عبد الصمد، رئيس المحكمة.
وعضوية السادة المستشارين / ابراهيم حسين رضوان ومحمد رفيق البسطويسي ( نائب رئيس المحكمة) وسرى صيام وابراهيم عبد المطلب.
وحضور رئيس النيابة العامة لدى محكمة النقض السيد / زغلول البلش.
وامين السر السيد / صبري كمال .
في الجلسة العلنية المنعقدة بمقر المحكمة بمدينة القاهرة في يوم الاربعاء 26 من شعبان سنة 1408 هـ الموافق 13 أبريل سنة 1988 م.

اصدرت الحكم الاتي :
في الطعن المقيد في جدول النيابة رقم 8604 لسنة 1987 وبجدول المحكمة رقم 584 لسنة 58 القضائية.
المرفوع من : النيابة العامة 
ضد : ابراهيم ابو المعاطي علي سليم 

الوقائع
اتهمت النيابة العامة في قضية الجناية رقم 4287 لسنة 86 السنطة ( المقيدة بجدولها الكلي برقم 670 لسنة 86) بانه في يوم 16 من نوفمبر سنة 1986 بدائرة مركز السنطة  - محاظة الغربية: ضرب عبد الحميد احمد عويضة عمدا بآلة حادة "سكين" في كتفه الايسر فاحدث به الاصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية ولم يقصد من ذلك قتلا ولكن الضرب افضى الى موته، وإحالته الى محكمة جنايات طنطا لمعاقبته طبقا للقيد والوصف الواردين بامر الاحالة .

والمحكمة المذكورة قضت حضوريا في 9 من يونيه سنة 1987 بعدم اختصاصها بنظر الدعوى وباحالتها للنيابة العامة لاجراء شئونها فيها مع استمرار حبس المتهم.
فطعنت النيابة العامة في هذا الحكم بطريق النقض في 6 من يونيه سنة 1987 وقدمت مذكرة باسباب الطعن في التاريخ ذاته موقعا عليها من رئيسها.
وبجلسة اليوم سمعت المرافعة على ما هو مبين بمحضر الجلسة .

المحكمة
بعد الاطلاع على الاوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
من حيث ان النيابة العامة تنعى على الحكم المطعون فيه انه اذا قضى بعدم اختصاص محكمة الجنايات بنظر الدعوى المرفوعة على المتهم بجريمة الضرب المفضى الى الموت قد اخطا في تطبيق القانون. ذلك بانه اسس قضاءه على ان المتهم مجند بالقوات المسلحة فينعقد الاختصاص بمحاكمته للقضاء العسكري وحده، مع ان الاختصاص بنظر هذه الدعوى مشترك بين المحاكم العادية وبين المحاكم العسكرية، مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.

ومن حيث انه يبين من الاوراق ان النيابة العامة احالت المتهم الى محكمة جنايات طنطا لمحاكمته عن جريمة ضرب مفضى الى الموت، فقضت المحكمة المذكورة بتاريخ 9 من يونيو سنة 1987 بحكمها المطعون فيه حضوريا بعدم اختصاصها بنظر الدعوى واحالتها للنيابة العامة لاجراء شئونها فيها مع استمرار حبس المتهم، وعولت في قضائها على انه مجند بالقوات المسلحة وقد ارتكب جريمته، وهي من جرائم القانون العام، دون ان يشترك او يسهم معه فيها شخص من غير الخاضعين لقانون الاحكام العسكرية الصادر بالقانون رقم 25 لسنة 1966، ومن ثم يختص بمحاكمته عملا بحكم الفقرة الثانية من المادة السابعة من القانون المذكور. لما كان ذلك، وكان قضاء محكمة النقض قد استقر على ان المحاكم العادية هي صاحبة الولاية العامة بالفصل في الجرائم كافة الا ما استثنى بنص خاص عملا بنص الفقرة الاولى من المادة الخامسة عشر من قانون السلطة القضائية الصادر بالقرار بقانون رقم 46 لسنة 1972، في حين ان غيرها من المحاكم ليست الا محاكم استثنائية او خاصة، ان اجاز القانون في بعض الاحوال احالة جرائم معينة اليها، فان هذا لا يسلب المحاكم العادية ولايتها الاصلية بالفصل في تلك الجرائم ما دام لم يرد في القانون أي نص على انفراد المحكمة الاستثنائية او الخاصة بالاختصاص يستوي في ذلك ان تكون الجريمة معاقبا عليها بموجب القانون العام او بمقتضى قانون خاص، ولئن خول قانون الاحكام العسكرية الصادر بالقانون رقم 25 لسنة 1966 المحاكم العسكرية الاختصاص بنظر نوع معين من الجرائم، ومحاكمة فئة خاصة من المتهمين، الا انه لم يؤثرها في نطاق غير الاحداث بهذه المحاكمة وذلك الاختصاص او بحظرهما على المحاكم العادية، اذا لم يرد فيه، ولا في أي تشريع اخر، نص على انفراد القضاء العسكري في هذا النطاق بالاختصاص على مستوى كافة مراحل الدعوى ابتداء من تحقيقها وانتهاء الفصل فيها .

ومن ثم انه لا يحول بين المحاكم العادية وبين الاختصاص بالفصل في الجرائم المنصوص عليها في القانون سالف الذكر، مانع من القانون، ويكون الاختصاص في شانها مشتركا بين المحاكم العادية وبين المحاكم العسكرية، لا يمنع نظر ايهما فيها، من نظر الاخرى، الا ان تحول دون ذلك قوة الامر المقضى، لما كان ذلك، وكانت النيابة العامة قد رفعت الدعوى على المتهم امام المحكمة العادية صاحبة الولاية العامة وقد خلت الاوراق مما يفيد انها رفعت امام القضاء العسكري وقضى فيها بحكم بات، فانه ما كان يجوز لهذه المحكمة ان تتخلى عن ولايتها الاصلية تلك، وان تقضى بعدم اختصاصها بحجة ان القضاء العسكري هو المختص بالفصل في الدعوى، ويكون قضاؤها المطعون فيه ذلك مشوبا بمخالفة التاويل الصحيح للقانون، لما هو مقرر من ان اختصاص المحاكم العادية بالفصل في الجرائم المنصوص عليها في قانون العقوبات والتي ينص عليها كذلك قانون الاحكام العسكرية هو اختصاص شامل يسري على جميع الافراد، سواء كان مرتكب الجريمة له الصفة العسكرية او مجردا من هذه الصفة، وهو ما يتأدى الى ان يكون اختصاص المحاكم العادية اختصاصا عاما يخوله القانون لها متى رفعت اليها الدعوى بالطريق المنصوص عليها فيه، لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه وان صدر - مخطئا - بعدم الاختصاص ولم يفصل في موضوع الدعوى، الا انه يعد في الواقع - وفقا لقواعد التفسير الصحيح للقانون - مانعا من السير فيها، ما دام يترتب عليه حرمان المتهم من حق المثول امام قاضيه الطبيعي الذي كفله له الدستور بنصه في الفقرة الاولى من مادته الثامنة والستين على ان " لكل مواطن حق اللجوء الى قاضيه الطبيعي"، وما يوفره له هذا الحق من ضمانات لا يوفرها قضاء خاص او استثنائي، وما دامت المحاكم العسكرية ليست فرعا من القضاء العادي صاحب الولاية العامة الذي يتعين اختصاصه على غيره من جهات القضاء، وقد تخلى على غير سند من القانون عن نظر الدعوى بعد ان اصبحت بين يديه، وانهى بذلك الخصومة امامه دون ان ينحسر سلطانه عنها، ومن ثم فان حكمه يكون قابلا للطعن فيه بالنقض.

ولما كانت النيابة العامة - في مجال المصلحة والصفة في الطعن - هي خصم عادل تختص بمركز قانوني خاص، اعتبارا بانها تمثل الصالح العام وتسعى الى تحقيق موجبات القانون من جهة الدعوى الجنائية، فلها بهذه المثابة ان تطعن في الاحكام وان لم يكن لها - كسلطة اتهام - مصلحة خاصة في الطعن ، بل كانت المصلحة هي للمتهم، وتتمثل في - صورة الدعوى - في الضمانات التي توفرها له محاكمته امام المحاكم العادية - دون القضاء العسكري - واخصها حقه في الطعن بطريق النقض - متى توافرت شروطه - في الحكم الذي قد يصدر ضده، فان صفة النيابة العامة في الانتصاب عنه في طعنها تكون قائمة، وقد استوفى الطعن الشكل المقرر في القانون، ولما تقدم، يكون الحكم المطعون فيه واجب النقض، واذا كان قد قصر بحثه على مسالة الاختصاص ولم يعرض للواقعة الجنائية ذاتها، فانه يتعين ان يقترن النقض بالاعادة الى محكمة الجنايات لنظر موضوع الدعوى الجنائية دون الدعوى المدنية التي لم يطعن المدعى بالحقوق المدنية على الحكم الصادر فيها - الذي ورد بالاسباب - باحالتها الى المحكمة المدنية المختصة، كنتيجة حتمية لتخلي المحكمة عن نظر موضوع الدعوى الجنائية .

فلهذه الاسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه اعادة القضية الى محكمة جنايات طنطا للفصل في موضوعها.
 رئيس المحكمة 
محمد وجدي عبد الصمد

* مجلة المحاكم المغربية، عدد 68-69، ص 143.

Sbek net
كاتب ومحرر اخبار اعمل في موقع القانون والقضاء المغربي .

جديد قسم : اجتهادات قضائية عربية