-->

الإمام أبو بكر ابن عاصم حياته ومؤلفاته - التحفة

بقلم فليب كريمالدي وتعريب ريجيس بلاشير

حياته - هو أبو بكر محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن عاصم صاحب التحفة، ولد  بغرناطة يوم الثاني عشر من جمادى الاولى سنة760 وتوفي بها في اليوم الحادي عشر من شوال سنة829، وكان يجمع بين التبحر المعهود عند علماء عصره  في  الفقه  والأدب  والنحو  وبين  المعرفة  بالصنائع  الجميلة كتجليد الكتب وتزويقها وتنميقها. اخذ الفقه عن اكبر شيوخه أبى سعيد فرج بن قاسم بن لب الثعلبي  مفتي غرناطة وقرأ الحديث والادب على أولي البراعة فيهما وقتئذ كأبي عبد الله القيجاطي وابي اسحاق الشاطبي المحدث. فلما بلغ ابن عاصم الستين من عمره  ولي القضاء بوادي آش من بلاد الأندلس (2) ثم صار قاضي الجماعة بغرناطة فمكنته مشاركته في العلوم من التصنيف في فنون شتى حتى نسب اليه مترجموه نحو عشرة من التأليف ما بلغ إلينا منها الا اثنان على ما ذكر في دائرة المعارف الاسلامية3 ) وهما:

اولا: حدائق الأزهار في مستحسن الأجوبة والمضحكات والحكم والأمثال والحكايات والنوادر وهو مجموع يشتمل على امثال عامية ونكت.
ثانيا: الأرجوزة المعروفة عند من درس الشريعة الإسلامية بالعاصمية وهي المعنونة حقيقة بتحفة الحكام في نكت العقود والأحكام المؤلفة على ما يظهر سنة820 عندما تولى القضاء لسوء حظه كما قال بنفسه(4).
------------------
(*) سبق نشر هذه الدراسة بالمجلة المغربية للقوانين- والمذاهب، والأحكام الأهلية العدد1 سنة 1935.
(2) لا يذكر ذلك أحد سوى هوداس ومارتل في ترجمتها للتحفة.
(3) يوجد اليوم أرجوزة اخرى لابن عاصم وهي الموسومة بمرتقى الأصول ( راجع احمد بابا: نيل الابتهاج ص1. 3) طبعت بفاس مع شرح عليها تحت عنوان نيل السول على مرتقى الأصول.
(4) ان هذا الكلام يماثل قول النبي صلى الله وعليه وسلم : القضاة ثلاثة اثنان لجهنم والثالث للجنة.
-----------------

التحفة - ان التحفة أرجوزة عدد أبياتها1697 بيتا
لاشك ان دارس القوانين الفرنساوي يتعجب من وجود منظومة في الفقه مع صعوبة المادة وبالأخص مع كون المعني الفقهي محصورا في قالب البيت مقهورا بالأحكام العروضية حتى يصير لا محالة قليل البيان والوضوح. الا ان المنظومات كان المصنفون شديد الايلاع بها في زمان ابن عاصم كثير الاستعمال إياها لإيراد القواعد الفقهية او النحوية لابد من اخطارها بالبال في جميع الأحيان فصارت الأراجيز وقتئذ جامعة بين ميل الناظم الى الظهار براعته في الشعر مع منع إقرائه من التزوير وبين تسهيل حفظ المواد الفقهية لان الشعر الصق بالذاكرة من النثر كما هو المشهور عند أصحاب التعليم بالحفظ.

هذا.  ولقد انتقد بعض الناس انتقادا لا يخلو من الشدة رأي أول من درس الفقه الإسلامي في فرنسا رأي أولئك الدارسين ان منظومات كمنظومة ابن عاصم شبيهة القوانين الاورباوية وحقا من المتحمل ان يقال: ان نظم ابن عاصم مقدر فيه اشتياق المؤلف الى تدوين الأحكام الاسلامية والدليل على ذلك ان القاضي اذا سئل بغتة عن سؤال أجاب بإنشاد من ابيات التحفة او غيرها من المنظومات الفقهية كما ان الحاكم الفرنساوي يجيب عن سؤال القي عليه فجأة بذكر فصل من فصول القانون. ومما يؤكد أيضا رأي دارسي الفقه الأولين قول ابن عاصم.

ومنته جهدي من التضمين(1)
الا أننا لا نسمي التحفة " مجموع قوانين" بل نسميها على رأي المسيو مييو " جامع الفروض الفقهية" لاشتمالها اولا على شيء من طريقة المرافعات المدنية وعلى فصول في الوثائق وثانيا على شيء من الحقوق المدنية وثالثا على جمل من الحقوق الجنائية ورابعا على شيء من المرافعات الجنائية.
ولا تظن ان هذه المواد الفقهية مرتبة في التحفة على الترتيب المقبول عادة او على الترتيب المبني على ناموس المنطق بل تجد مثلا الناظم يأتي على التتابع بباب الإقرار ثم بباب الإعسار ثم بباب الهتك ثم بباب القتل ثم بباب الإرث وكذلك لا تلفي طول الأبواب مناسبا ما للمواد من الأهمية الاجتماعية او الفقهية ما خلا باب الشهادة فانه أطيل الكلام فيه لما للشهادة في الأمة الإسلامية من الشان اذ الحياة الفقهية كلها مؤسسة على 

إثبات البنية وعلى ذلك يتضح ما نظر إليه ابن عاصم بعين الاعتبار من المسائل الفقهية بالتأمل في طول الأبواب المختصة بتلك المسائل فمن أبواب التحفة:
-----------------
(1) راجع البيت الخامس من التحفة
-----------------
باب البيع…………… 352 بيتا                                           باب الشهادة..…………………100 بيت
باب الزواج………….196 بيتا                                           باب طريقة المرافعات المدنية… 100  بيت 
باب الطلاق …………156 بيتا                                           باب الرهن والوكالة والضمان
باب الحدود وطريقة الحكم                                                  والصلح …………..………….… 89 بيتا
في الجنايات…………107 بيت                                          باب الإرث…………….……………79 بيتا

مأخذ ابن عاصم وأسانيده - ان ابن عاصم يذكر في أول التحفة انه اعتمد على أربعة تصانيف وهي: (1)
أولا: الكتاب المفيد لأبي الوليد هشام بن عبد لله بن الأزدي المتوفى نحو سنة 1210 للمسيح وتمام اسم الكتاب : مفيد الحكام فيما ورد لهم من نوازل الأحكام :
ثانيا : المقصد المحمود في تقليص العقود لأبي الحسن علي بن يحي بن القاسم الجزيري
ثالثا: المقرب لأبي عبد الله محمد بن علي بن أبى زمنين.
رابعا: المنتخب له أيضا.
فبذكر أولئك الشيوخ يعتري ابن عاصم بقبوله المذاهب المالكي والجري على ما يوجبه التقليد وحقيقة يندر ان يخالف ابن عاصم قول مالك بقوله غيره من أئمة المذاهب الاخرى بل لا يزال أثناء عرضه المسائل يذكر أقوال كثير من الأئمة المالكية لإثبات رأيه فيما هو بصدده. فان قال مثلا: هذا قول فلان كان ذلك حجة قاطعة تسقط ما عسى ان يقع من الجدال وكذلك يتفق ان يذكر تارة بعض العلماء ولكنه لا يكون الا تعظيما لهم ولمنزلتهم فقط(2)
سأترجم هنا بدون إيجاز عن العلماء الذين يكثر ذكر أسمائهم في التحفة(3) فمنهم ابن قاسم(4) وهو ابو عبد الله عبد الرحمان بن القاسم ولد سنة132 بمصر وتوفي بها سنة191 وهو من أكابر تلاميذ مالك وعاشر مالك 20 سنة ودون المجموع في الحديث المعروف بالمدونة التي اخرج منها أسد بن الفرات الاسدية المنسوبة اليه. ومنهم سحنون(4) وهو ابو سعيد سحنون التنوخي المتوفى سنة240 وهو قاضي القيروان: اخرج ثانيا من مدونة ابن قاسم كتابا يغايرها مغايرة ما هو المعتمد عليه عند الفقهاء المالكية الآن. ومنهم ابن حبيب(4) وهو ابو مروان عبد الملك بن حبيب 
----------------------------------
(1) راجع البيت السابع من التحفة.
(2) راجع البيت السادس.
(3) نشكر هنا السيد احمد التيجاني على مساعدته إيانا في البحث عن هؤلاء الفقهاء وأحوالهم
(4) راجع الديباج لاين فرحون ودائرة المعارف الإسلامية ص. 216.
----------------------------------


السلمي ولد بناحية غرناطة وذهب الى مكة حاجا ولقي بالمدينة أعيان علماء المذهب المالكي ثم رجع الى الأندلس واشاع مذهب مالك بها حتى توفي بقرطبة سنة238 ومنهم أشهب بن عبد العزيز بن داوود القيسي (1) صاحب مالك المتوفى سنة204. ومنهم ابن رشد وهو ابو الوليد محمد بن احمد بن محمد بن رشد المالكي قاضي قرطوبة ولد سنة405 المتوفى سنة520 كذا وهو جد ابن رشد الفيلسوف الشهير وله من التصانيف المقدمة للمدونة والبيان وهو شرح على المدونة ومنهم مطرف بن مازن اليمني (2) قاضي صنعاء باليمن. توفي على ما ذكر ابن خلكان سنة193. ومنهم اصبغ بن الفرج بن سعيد(3) ولد نحو سنة150 ومات بمصر سنة 225 اخذ عن ابن قاسم وابن وهب واشهب وله شرخ على موطأ مالك. ومنهم ابن زرب (4) وهو محمد بن يبقى من فقهاء الأندلس مات سنة331.

شراح التحفة - ان شراح التحفة كثيرون وربما علقت على شروحهم حواش وتعليقات ويظهر ان الفقهاء اذا فضلوا شرحا على غيره لا يكون اختيارهم معتمدا دائما على النظر الى مضمون الشرح فقط. ومن الشروح التي كثر استعمالها عند الناس شرح علي بن عبد السلام التسولي المطبوع بمصر وبفاس - وشرح ابي عبد الله محمد التاودي ابن سودة صاحب حاشية على شرح التسولي على البهجة المتوفى سنة1209 وشرح محمد بن عاصم وهو ابي بكر بن عاصم ترقى الى الوظائف السامية بغرناطة حتى ولي بها بالوزارة والكتابة والخطابة وبالقضاء سنة838 حتى قتل على ما قيد بأمر ملك غرناطة - وشرح الفقيه ابن ميارة الفاسي من تلاميذ ابن عاشر المتوفى عام 1040، ولقد الفت شروح اقرب منا عهدا منها شرح الكافي التونسي وهو بين أيدي سائر الناس بالمغرب.

نقل التحفة الى اللغة الفرنساوية - نقلت التحفة من العربية الى الفرنساوية باعتناء هوداس ومارتل سنة1882 للمسيح، واذا تذكرنا ما تعرض لذينك الناقلين من العوائق لعدم وجود التصانيف المتعلقة بالفقه في أوروبا وقتئذ ولقلة من يصرف اهتمامه الى الدروس الفقهية أيام نشوئها في فرنسا خيل إلينا ما قاسى هوداس ومارتل من العناء وعليه فلا يحمل في حقهما أدنى انتقاد.
-----------------------
(1) راجع الحجوي: الفكر السامي ج 2 ص.218.
(2) راجع الحجوي الفكر السامي ج6 ص.201.
(3) راجع ابن فرحون ص. 79
(4) راجع ابن فرحون ص.269.
-----------------------
غيران على كل حال ننبه على أمرين ليسا بجليلين اولهما العنوان الذي عنونت به التحفة في الترجمة الفرنساوية وهو" التأليف المنظم في الفقه" فلا شك ان هذا العنوان غير لائق بالتحفة لان عبارة تأليف منظم انما تطلق على التصانيف التي يسلك فيها المصنف الطريقة العلمية وليس هذا من شان ابن عاصم في نظم التحفة. واما الأمر الثاني المنبه عليه فان الناقلين يعثر في ترجمتها على ألفاظ غير بينة لكونهما اكتفيا تارة بجعل كلمة فرنساوية موضع كلمة عربية فحسب وحيث ان وخصوصا في الفقه لكل كلمة معنى واضحا محدودا وان القواعد الفقهية الإسلامية لا تطابق القواعد الفرنساوية الا ظاهرا يتضح لنا بعد استيعابها ان الألفاظ الفرنساوية من المحال ان تترجم بها دائما الألفاظ العربية.
ما تمتاز به التحفة - ان التحفة تصنيف أساسي في الفقه المالكي بأفريقية الشمالية وهي كشرح للمذهب المالكي. ولإثبات كلامنا هذا نعتمد على ما زعم المسيو بونكاز في تصنيفه في القانون المدني الفرنساوي قال: أول ما يمتاز به اصحاب الشرح الفقهي وما يعتمدون عليه هو الاطلاع على النص الشرعي، ثم يذكر المسيو بونكاز تأكيدا لزعمه أقاويل منتخبة من اجل علماء ذلك المذاهب الفرنساوي ومنها قول دمولومب: ان قاعدتي واعتمادي قراءة النصوص قبل كل شيء فحيث شرعت في نشر بحث عن قانون نابوليون كان مقصودي ان اشرح قانون نابوليون وأبين معانيه واعتبره كقانون حي لابد من الجري عليه والحكم به. ومن تلك الأقوال أيضا قول لوزان: ان الجوامع القانونية لا تترك موضوعا لإجراء أهواء الشراح فليس من شان الشراح ان يحدد الحقوق لان الحقوق موجودة لا يوجد فيها إشكال والحقوق مضمونة في نصوص صحيحة. الا ان المجامع القانونية إنما يظهر فائدة صحتها اذا قبل دارسو القوانين والحكام منزلتهم الجديدة تلقاء تلك الجوامع بل أكاد أقول ان من الواجب عليهم التشبث بمنزلتهم فلا ترى فيها هوانا او ذلا ولا يصح ان شأن دارسي الحقوق استخف به ولكن لا يسعهم الرغبة في استنباط الحقوق ومالهم الا تدريسها والجري عليها ووظيفتهم قاصرة على شرحها فقط فهل يرى ابن عاصم رأيا مخالفا لها؟
بلى وحيث انه من طبقة فقهاء مالكية لا يتلفظ الا بكلامهم وما الشريعة لنظره الا الشريعة المحدودة في مذهب مالك وفي أول منظومته يعلن بتقليده لذلك المذهب ويذكر التصانيف التي اعتمد عليها ليرجع إليها مطالع التحفة وهي المفيد والمقصد المحمود والمقرب والمنتخب وكلها تآليف لا يشك احد في مطابقتها الاجماع.

وما يمتاز به ثانيا مذهب أصحاب الشرح الفقهي غلبة مقصد واضح القوانين عند شرح نص القوانين فعلى ما يظهر لاصحاب ذلك المذهب ان الحقوق كلها موجودة في نصوص الجوامع غير انه من المحتمل الا تدرك معانيها من اول وهلة تختلف معانيها اختلافا كبيرا اذا اقتصر النظر عليها فقط. فإذا قلت: هل يجوز للحاكم ان يحكم بها على مقتضى هواه او مقتضى المغيرات والاحتياجات الاجتماعية قال أصحاب ذلك المذهب: ان ذلك ليس بجائر. فبناء على قاعدة مثل هذه القاعدة ترى في التحفة ان ارجح الأحكام هي التي قضى بها العلماء الآخذين عن مالك بأنفسهم كابن قاسم وبناء أيضا على هذه القاعدة ترى ان كل تصنيف في الفقه المالكي يجعل عليه عدة شروح وحواش الفت للاستكشاف عن فكر مالك الباطني والانتهاء الى " مقصد واضع القوانين".

وما يمتاز به ثالثا أصحاب مذهب الشرح الفقهي انهم يناقضون رأيهم الاول فبعد ان أعلنوا بتقليدهم لواضع القوانين ما لبثوا ان يجهروا بقبولهم قاعدة تغلب على رأي واضع القوانين.
فلا ريب ان ما يميل إليه اصحاب الشرح الفقهي مقدر في التحفة ولكنه لا يناقض تقليد الناظم لأراء مالك لكون القاعدة العظمى في الشريعة الإسلامية القران الشريف الذي اوحاه الله تعالى محمد رسوله بحيث ان واضع الشريعة هو الله عز وجل وهو الذي يرجع اليه المذاهب كلها وما هذه المذاهب إلا تفاسير اصلها القران العظيم.

وما امتاز به رابعا المذهب الفرنساوي المذكور احتجاجهم " بحجة الاعتبار"  قال المسيو بونكاز: لا تجد مذهبا اكثر اعتبارا بالسوابق وأراء العلماء من مذهب اصحاب الشرح الفقهي فتراهم خاصة يحترمون بعض العلماء احتراما مفرطا حتى سموا عددا منهم زعماء القانون المدني فآلت تلك الهيبة او قل: آل ذلك التقليد للأسلاف ولاسيما للبعض منهم الى  اقبح المال وحمل اصحاب المذهب على اغلاق باب الاجتهاد، واما ابن عاصم فهو اشد الفقهاء تقليدا للعلماء السابقين ولتصانيفهم. لقد ذكرنا آنفا أسماء الأئمة الذين اعتمد عليهم وفيه كفاية، الا ان هيبته للعلماء أدته الى حد نقضي منه العجب وذلك انه يذكر تارة أقوال بعض الائمة لا لكونها مثبتة حجته او مؤكدة رايه المعتمد على السنة بل لكونها صادرة من عظام الائمة والدليل على ذلك ان أقوال أولئك العلماء تخالف إجماع اهل السنة.

وما امتاز به أخيرا أصحاب المذهب الفرنساوي المذكور انهم ما التفتوا كما قال المسيو بونكاز الى أصول القوانين الحقيقية هي اولا العنصر التجريبي أي البيئة الاجتماعية والطبيعة الإنسانية وثانيا العنصر العقلي وهو الذي ينظم العنصر التجريبي واما ابن عاصم فتجد في تحفته مثل ما تجد عن أصحاب المذهب الفرنساوي المذكور، فتراه وتراهم كلهم مجتمعين في المخافة من التأثيرات الخارجية وفي الامتناع من البدع والتأويلات بين اظهر أصحاب المذهب ولو كانت إرادة ضعيفة حتى ان نقول: ان باب الاجتهاد لن يفتح بعد. فلا نشرع هنا في ان نثبت هل مال بعض الناس حقيقة في القرن الخامس الى استنباط طريقة لإغلاق باب الاجتهاد ام لا (1) ولكننا نرى واضحا كل الوضوح ان اكثر فقهاء المالكية استمروا مدة من الزمان وهم يظنون باب الاجتهاد قد غلق. فنحا الفقه الإسلامي الى عدم التغير لمحافظة آثاره والاحتياط على جلالها وصحتها فسلك لذلك عدة مسالك تشبه مذهب أصحاب الشرح الفقهي الفرنساوي فكما ان المذهب المالكي يؤول به عدم رخصته الى التقهقر امام الحوادث الاجتماعية والحركة العقلية الحديثة كذلك المذهب الفرنساوي لميله الى عدم التحول غلب المذهب العلمي الحديث.

شان التحفة في افريقية الشمالية - ان للتحفة شانا عظيما عند فقهاء افريقية الشمالية الذين الغالب عليهم مذهب مالك. فببلاد تونس تدرس التحفة في جامع الزيتونة وكذلك في بلاد الجزائر يدرس بعض أبوابها كباب طريقة الحكم في الحقوق المدني وما يتعلق بالزواج والطلاق والإرث كل ذلك يدرس بالمدارس وبالمدرسة العليا ببلد الجزائر التي جل تلاميذها يعدون أنفسهم للوظائف القضائية كالعدالة والعدالة العليا والقضاء والوكالة، وفي الايالة المراكشية تدرس التحفة تدريسا خاصا في المدارس الثانوية الإسلامية وفي القرويين بفاس، وان أضفنا الى تلك المعاهد التعليمية الرسمية المساجد الكثيرة التي تشرح فيها التحفة على رؤوس الإشهاد لا باس ان نقول : ان التحفة اساس الدروس الفقهية بافريقية الشمالية مع ثلاثة او أربعة تصانيف أخرى لها الأولوية في تصانيف المذهب المالكي. وان رغبنا في إثبات الطريقة التي يجري عليها غالبا لشرح التحفة فعلينا بالتأمل في المسلك الذي يسلكه الفقيه العلامة السيد ابن عبد النبي المدرس بالمدرسة اليوسفية برباط الفتح فان هذا السيد يبدأ أولا بتلاوة النظم والنظر الى الأحكام العروضية فيه ثم يشرح الألفاظ الاصطلاحية المستعملة فيه والأحكام القانونية المضمونة فيه وهو يرجع في ذلك الى الشروح المعلومة ثم يختم بإملاء شرح لنفسه. فلا يخفى ان هذه الطريقة التعليمية المسلوكة في جميع المدارس او كادت  تقتصر على شرح النص فقط بينها وبين التي كان يذهب بها شراح القانون النابوليوني عند إلقاء دروسهم على من سبقنا آنفا في الكليات الحقوقية في فرنسا تشابه ظاهرة.

ثم تشرح التحفة لتلاميذ قد بلغوا من عمرهم من 13 الى 20 سنة، ولو شرع في مثل ذلك بفرنسا لقلنا: هذا غلط بين في طريقة التعليم. ولكن شرح التحفة في الأقطار الإسلامية لشبان بلغوا من عمرهم ما ذكرناه لا باس به لان التحفة ليس من شانها ان تكسبهم ملكة التفكير ولكن لاكتساب مالا بد من عمله للقيام بوظيفة ما ورد على ذلك ان تدريس التحفة في افريقية الشمالية تساعده 

--------------------- 
(1) تجد استيفاء  شرح تلك المسالة في كتاب السيوطي المرسوم بالرد على من اخلد الى الارض وحسب ان باب الاجتهاد قد اغلق.
-------------------
قابلية شبان المسلمين لدرس الفقه وليس حالتهم كحالة الشبان الفرنساويين الذين يخرجون من المدرسة الثانوية ويدخلون كلية الحقوق بدون ان يعدهم شيء لقراءة الحقوق. ان شبان المسلمين تعدهم لدرس الفقه كيفية تأدبهم عند اهلهم فما هي المواضيع التي تجري عليها المحادثة عادة في دار رجل حضري تاجرا كان او صاحب عقار ان الحديث يقع على القاضي او العامل او على طريقة الحكم والوكالة والزواج والطلاق فعند تكرار الكلام عن تلك المواضيع يكتسب الولد رويدا لمعا بالفقه من غير ان يشرع بذلك. وان قيل : ان هذا المنهج في التعليم لا يعتد على النظر الى العنصر التجريبي ولا الى العنصر العقلي فهو اذن قليل الفائدة من جهة العلم المحض قلت: ان سوء هذا المنهج  تعاوض منه بلا نزاع عدة فوائد عملية فاذا تزوج الشاب مثلا وهو حديث السن وتكلف بتدبير منزله انتفع كثيرا من عمله بالقانون الشخصي وبنكت من طريقة المرافعات. فاذا اعد نفسه للوظائف القضائية عند خروجه من المدرسة ما غناه شيء عن الذي اكتسبه في اهله.

هذا وفي افريقية الشمالية كثر ما اعتمدت احكام القضاة على تحفة ابن عاصم. وفي الايالة المراكشية خاصة تذكر التحفة في عدة احكام صادرة من مجلس الاستئناف الشرعي وكذلك ربما أمرت وزارة العدلية بالرجوع الى بيت من أبيات التحفة عند اجابتها عن بعض الأسئلة التي القاها عليها القضاة . واصبح ابن عاصم وشراحه من جملة الفقهاء العظام الذين يرجح أقوالهم في عدد وافر من الفتاوي ثم أضيف الى ذلك اخيرا ان التحفة هي من التصانيف التي يسال عن مضمونها كل من حضر لامتحان العدالة والوكالة الشرعية.

ولا تظن ان دارسي الفقه الإسلامي في اوربا اقل رعاية للتحفة من المسلمين بل لما شرع دارسو الفقه بفرنسا في تأليف مصنفاتهم اتخذوا من تحفة ابن عاصم مادة عظيمة ويسرت لهم ترجمة هوداس ومارتل الرجوع اليها والاقتباس منها فنرى مثلا المسيو موران في كتابه المعنون التبيين المتقدم لتدوين الفقه بالجزائر يرجع الى التحفة في كل صحيفة وكذلك نرى المسيو مييو وغيره من العلماء لا يسهون عن ان ينظروا الى منظومة ابن عاصم بما تستحق من  الاعتبار. ونجد ايضا حكام الصلح في بلاد الجزائر يعتمدون عليها في استئناف الاحكام الصادرة من القضاة. 

*مجلة المحاكم المغربية، عدد 67،ص 277.

Sbek net
كاتب ومحرر اخبار اعمل في موقع القانون والقضاء المغربي .

جديد قسم : حياة الاعلام