-->

حجز النيابة العامة الوصل عند التصريح بجريدة اعتداء مادي يجب رفعه





لقد نظم المشرع المغربي حرية التعبير والنشر بمقتضى الظهير رقم 1.58.378 المؤرخ ب15 نونبر1958 بشان قانون الصحافة، كما وقع تغييره وتتميمه لاحقا. هذا التنظيم، تماشيا مع روح مدونة الحريات العامة بالمغرب قد استطاع  ان  يحمي  هذه  الحرية  من  الاعتداء  المادي  للنيابة  العامة،  خصوصا المماطلة في تسليم الوصل  حينما احاطها بضمانتين  مهمتين، هي اخضاعهما لنظام التصريح، ثم الزام النيابة العامة بتسليم  الوصل  فور  كل  تصريح او ايداع، هو ما جانبه امر رئيس المحكمة الادارية بالدار البيضاء عدد 397 بتاريخ 04/01/2001.

اولا : الاعتداء المادي في عمل النيابة العامة
من المستقر عليه فقها وقضاء اننا نكون امام اعتداء مادي عندما ترتكب الادارة، اثناء قيامها  بنشاط  مادي  تنفيذي  لعدم مشروعيته خطا جسيما ظاهرا، من شانه ان يتضمن اعتداء ماديا على حق الملكية او مساسا بحرية من الحريات العامة.
وقد اجمع فقهاء القانون الاداري، وخصوصا دولوباديرعلى ان الاعتداء المادي هو كل عمل مادي تنفيذي غير مشروع ماس بالملكية الخاصة او الحريات العامة او بحقوق الافراد والجماعات صادر عن سلطة ادارية .

وبالتالي فان تحقق الاعتداء المادي يستوجب توفر ثلاثة شروط اساسية هي:
صدور الفعل عن سلطة ادارية، عدم امتثاله للمشروعية، ثم الحاقه اعتداء جسيما وظاهرا بحق الملكية او بحرية من الحريات العامة.
وصدور العمل المادي التنفيذي عن النيابة العامة يدخل ايضا ضمن هذا التعريف، لان هذه الاخيرة تمارس  في  نشاطها اليومي والمحدد  قانونا نوعين من الاعمال.
فحينما يمارس وكيل الملك مهام ضابط سامي للشرطة القضائية وحينما يستمع للمقدمين بين  يديه  ويوقع  المحاضر.. . وحينما  يقوم  بعملية  التكييف الجنائي واثارة الدعوى العمومية

وحينما يكون آمرا بالتنفيذ في الميدان الزجري ومشرفا عليه، فان النيابة العامة تكون  سلطة قضائية، وهو اثناء سريان المحاكمة  وممارسة اجراءاتها يكون خصما شريفا، لا يمكن مع باقي الاطراف سوى حق الالتماس، اما دون ذلك من الاعمال التي يمارسها وكيل الملك باعتباره رئيسا للنيابة العامة، وخاصة فيما يخص العلاقة بموظفي كتابتها، وكذا كل ما يتعلق ايضا بالتصريحات والايداعات التي تقوم بها مؤسسات المجتمع المدني واصحاب النشر والصحف فانه لا يكون كذلك.

وعموما فان كل الاعمال التي تقوم بها النيابة العامة والتي تكون بطبيعتها او بحكم القانون الذي ينظمها خارجة عن نطاق التقاضي واجراءاته السابقة او اللاحقة ستكون خلالهما سلطة ادارية يمكن مقاضاتها متى كانت خاطئة  او متعسفة، لان وكيل الملك في هذه الحالة قد يرتكب خطا جسيما اثناء قيامه بعمل مادي تنفيذي يتضمن اعتداء على حرية فردية او ملكية خاصة او حرية من الحريات العامة، ويكون مقطوع الصلة تماما بالمشروعية.

واتسام عمل النيابة العامة المادي التنفيذي بعدم المشروعية ياخذ احد شكلين:
اما ان هذا العمل يكون خارجا عن اختصاصها.
واما انه داخل في اختصاصها ولكنها لم تتبع في اتخاذه الاجراءات المسطرية المحددة قانونا. هذه الاجراءات التي قد تكون في النظام العام، كما هو الحال بالنسبة لنصوص ظهائر الحريات العامة التي يشكل تجاوزها مسا خطيرا بحقوق الانسان، كما هو متعارف عليها  دوليا. ومنها المس بحرية التعبير او النشر.

فهل يا ترى امتناع النيابة العامة عن  تسليم وصل التصريح بجريدة لديها بدعوى ان الملف الاول قيد الدراسة يشكل اعتداء ماديا في التشريع المغربي، ام ان الامر ممارسة منضبطة يكفلها القانون؟

ثانيا: حجز النيابة العامة لوصل جريدة حق او خرق؟
لان كان تعريف الاعتداء المادي لا يختلف حوله اثنان باجماع الفقه والقضاء على مضمونه، فان تقدير مدى اعتبار حجز النيابة العامة للوصل عن المصرح بجريدة باية حجة كانت اعتداء ماديا قد تتعدد حوله وجهات النظر وجود الموقف الراجح دليل على وجود الموقف المرجوح.

1) وجهة نظر الامم رقم397 الصادر بتاريخ 04/01/2001 عن ادارية الدار البيضاء.
ان موقف رئيس المحكمة الادارية بالدار البيضاء يلخصه التعليل الذي بنى عليه الامر، اذ جاء فيه : "وباستقراء ظاهر الاوراق المدلى بها في الملف يلاحظ  ان التصريحين باصدار الجريدتين الصحيفة الاسبوعيةLE JOURNAL HEBDOMADAIRE والمودعين بكتابة النيابة العامة لدى ابتدائية انفا يوم07/12/2000 لازال قيد الانجاز والدراسة حسبما يستفاد  من المراسلات المتبادلة بين طرفي الدعوى من قبل النيابة العامة التي اوكل لها المشرع في الفصل 6 من قانون 15 نونبر1958 المتعلق بالصحافة الحق في تسليم وصول بايداع التصريحات -  كلما تعلق الامر بنشر جرائد او مطبوعات دورية وطنية وكانت مستوفاة لجميع البيانات المسطرة في الفصل الخامس -  والذي لا يتضمن اطلاقا ما يفيد التسليم الفوري للوصول بمجرد ايداع التصريح، وانما يحيل على مقتضيات الفصل الخامس من نفس القانون الذي يشير الى كيفية تقديم التصريح والبيانات اللازمة التي يجب ان يتضمنها. وان القول بخلاف ذلك فيه مصادرة لحق النيابة العامة باعتبارها ممثلة للحق العام والساهرة على تطبيق القانون للتثبت من صحة هذه البيانات قبل تسليم الوصول بالايداع، وبالتالي  يفرغ الفصل الخامس من كل مغزى اذا ما استعيض عنه بالفصل السابع".

بهذا التعليل يحاول صاحبه ان يؤسس لثلاث قناعات، وهي :
أ‌-  ان المشرع اوكل للنيابة العامة الحق في تسليم وصول بايداع التصريحات كلما تعلق  الامر بنشر جرائد او مطبوعات دورية وطنية.
ب‌-  ان ظهير الصحافة خول للنيابة العامة الحق في المراقبة والتثبت من المخالفات بمقتضيات الفصول 4 و5 و6 وبالتالي دراسة الملفات قبل الاقدام على تسليم الوصل بالتصريح او الايداع.
ج-    ان القانون المتعلق بالصحافة لا يتضمن ما يفيد التسليم الفوري للوصول بمجرد ايداع التصريحات.

ليخلص في النهاية الى ان موقف النيابة العامة حينما تحجز الوصل عن المصرح بنشر جريدة  لحجة ان الملف قيد الدراسة، لا يشكل امتناعا عن تسليم الوصل، وبالتالي فانه لا يشكل اعتداء ماديا على حرية الطباعة والنشر بالمفهوم الفقهي والتضامن المتعارف عليه.

2) وجهة نظر مخالفة
ان موقفا يريد ان يصادف الصواب لا يمكنه سوى ان يتبنى ما اقره المشرع من حق النشر واقراره نظام التصريح، ثم الزامه النيابة العامة بتسليم الوصل فور كل تصريح او ايداع وهي  مرتكزات وجهة نظرنا.

أ- ماذا يعني خضوع نشر الجرائد الوطنية لنظام التصريح؟
من الضروري ان نشير منذ البداية الى ان النشر في المغرب  واصدار الصحف، غير خاضع لاي نوع من انواع الرقابة القبلية، وهو ما يجسد التميز العلمي والعملي لنظام التصريح عن نظام الترخيص، بحيث تتحدد  من خلاله القيمة القانونية للوصل بالتصريح او الايداع.
فالصحافة الوطنية هي حق يمارس بحرية، وهو ما اشار اليه ظهير15 نونبر1958 في شان الصحافة حينما عنون القسم الاول من الباب الثاني بـ : " في حق النشر والادارة والملكية والتصريح والايداع"، قبل ان يتحدث  في الفصل 03 على انه يمكن نشر كل جريدة او مطبوع دوري بحرية بعد القيام بالاجراءات المقررة في الفصل 05.

ومعنى هذا ان المواطن المغربي يمارس حقه في النشر والتعبير بكل حرية، بشرط  الا تكون هذه الممارسة قابلة للابطال بين يدي القضاء  بناء على طلب النيابة العامة حالة مخالفة مقتضيات الفصول4 و5 و6.
ان الامر يتعلق بمجرد التصريح الذي يفيد الاعلام والاشعار، والاخطار بكل  الوسائل الممكنة قانونا بشرط ان يترك هذا التصريح اثرا، وهذا الاثر سماه المشرع وصلا.

فالقيمة القانونية للوصل بقدر ما تظهر من تسميته التي تعني كونه مجرد اشهاد بوقوع التصريح وجرد الوثائق. رغم ان المشرع لم يتحدث سوى عن بيانات تضمن بالتصريح المدلى بها، تظهر ايضا حينما نود الحديث عن الجرائد او النشرات الاجنبية التي نظمها المشرع في القسم الثالث من ظهير 05/11/1958. هذه الاخيرة التي اخضعها لنظام الاذن او الترخيص، بحيث لا يجوز ان تحدث او تنشر اية جريدة او نشرة دورية اجنبية الا اذا صدر بشانها سابق اذن بموجب مرسوم على اثر طلب كتابي يوجه الى مصلحة الانباء. هذا الطلب الذي يتضمن نفس البيانات المذكورة في الفصل5.

ففي نظام التصريح يسمى تقديم البيانات تصريحا يقابله في نظام الترخيص الطلب، في حين يسلم المصرح وصلا او اشهادا على تصريحه بينما ينتظر الطالب اذنا او رخصة بعد رقابة قبلية ليست للنيابة العامة يد فيها.
وهنا نتساءل عما اذا قدم التصريح لدى النيابة العامة بحضور عون قضائي وحرر محضرا بذلك، وفي شكل كاريكاتوري يليق وبعض التصرفات الهزلية يقدم التصريح بمحضر 12 شاهدا يشكلون لفيفا. الا يكتسب هذا المحضر وذاك اللفيف العدلي قوة الاشهاد الذي تسلمه النيابة العامة، ويكون المصرح في غنى عنه
ان مؤمنا بالحريات العامة ومعتقدا بروح ظهير الصحافة لا يسعه الا ان يقول:
بلى.

ب- لا رقابة قبل تسليم الوصل.
ان خضوع النشر لمجرد التصريح يعني الغاء جميع اشكال الرقابة القبلية التي تسبق تسليم الوصل، وبالتالي لا مجال للقول بان المشرع قد خول للنيابة العامة الحق في مراقبة ودراسة الملفات، قبل تسلم الوصل، وهو ما ذكره المشرع صراحة في الفصل السابع من الظهير حينما نص على عقوبة مخالفة مقتضيات الفصول 4 و5 و6.

فمن جهة اولى نعلم ان المشرع عاقل وكلام العقلاء منزه عن العبث، فاذا سمح المشرع للنيابة العامة واعطاها حق دراسة الملفات والتثبت من المخالفات قبل تقديم الوصل، فان ذكره للفصل السابع يكون من قبيل العبث الفاحش
فطالما هناك رقابة على صحة الاجراءات، وطالما هناك دراسة وتثبت من المخالفات فلماذا الالتجاء الى القضاء لطلب الابطال وانزال العقوبات ولماذا  المتابعة، وفي هذه الحالة - أي المتابعة- نكون جميعا عابثين لان المراقب والشاهد على صحة الاجراءات قبل التاشير بتسليم الوصل اصبح خصما وحكما وطرفا في الدعوى!!! منطق لا يقبله عقل عاقل

اما من جهة ثانية فقد نص الفصل السابع في فقرته الثانية على ما يلي:
" ولا يمكن  استمرار نشر الجريدة او المطبوع الدوري الا بعد القيام بالاجراءات المنصوص عليها اعلاه ( أي في فصل 4 و5 و6 )"  اذ يتحدث عن عدم امكانية استمرار النشر ومن شروط النشر الحصول على رقم الايداع الذي يتضمنه الوصل المقابل للتصريح .

ان السكوت في معرض الحاجة الى بيان بيان، والفصل 07 من الظهير ليس في حاجة الى كثير شرح بقدر ما هو في حاجة الى شديد امعان نظرا، لان الرقابة الوحيدة التي تخضع لها عملية النشر هي الرقابة البعدية التي تخول للنيابة العامة، والقضاء وحده مختص في التصريح بعدم مشروعية ما يمكن ان ينسب للمطالبين في الدعوى او المتابعين، واننا اذا جزمنا بوجود رقابة قبلية بواسطة النيابة العامة، فانما نحرم القضاء ونجرده من حق مشروع له ومنحه لطرف في الدعوى قد يتعسف في استعماله.

ج- النيابة العامة ملزمة بتسليم الوصل فور الايداع
تسليم الوصل أهو حق مخول للنيابة العامة ام الزام؟ وهل اغفل المشرع ذكر ما يتضمن التسليم الفوري لهذا الوصل ام هو ادعاء؟
فتاسيسا على ما سبق ذكره التصريح ما هو الا مجرد اشعار عكس طلب الاذن  او الترخيص، لان القيمة القانونية للوصل لا تتجاوز كونها اشعار بحصول التصريح لا غير، ولان نشر الجريدة او المطبوع لا يلغي الرقابة البعدية على النشر وكذا المتابعة امام القضاء، واعتبار الى ان اشكال الرقابة القبلية في نظام التصريح يكون من قبيل الشطط  في استعمال السلطة، فان القول بان تسليم الوصل هو حق مخول للنيابة العامة تصريح غير مؤسس ولا يقبله منطق قانون الصحافة، لان النيابة العامة ملزمة بتسليم الوصل للاشخاص متى تلقت تصريحا او ايداعا لانها لا تملك ان تحجزه او تسوف في تسليمه فقط لان دورها لحظة التصريح ينحصر في تسليم هذا الوصل.

الحديث عن زمن تسليم الوصل يجرنا الى الوقوف مرة اخرى مع المشرع في صياغته للفصل 06 من ظهير الصحافة الذي جاء فيه :" تحرر التصريحات كتابة ويمضيها مدير النشر ويسلم عنها وصولا" لانه هنا نص على التسليم الفوري للوصل للاعتبارين التاليين:
الاعتبار الاول يتمثل في صياغة الفصل الذي ذكر جميعه دون اية حركة وهي قيمة في البلاغة تفيد آنية وتراتبية جميع  ما ذكر. وفيما يستدل به البلغاء في هذه الصياغة آية الوضوء، حيث ذكر الله تعالي الفرائض جميعها في تتابع دون توقف او تقاطع، فاستدل به الفقهاء على الفور الذي هو واحد من فرائض الوضوء .
نفس القاعدة نجدها في الفصل السادس الذي  ذكر التزامين متبادلين، اولهما يتعلق بالتصريح وثانيهما يتعلق بتسليم الوصل دون توقف او تقاطع مما يستفاد منه آنية تسليم الوصل لحظة التصريح لوقوع الالتزامين في لحظة واحدة.

الاعتبار الثاني: ويتمثل في صياغة فعل "سلم" حيث ذكر المشرع "ويسلم عنها وصول"ا وسيغة " يسلم" اصلها فعل"سلم" وهي صيغة المضارع المبني للمجهول من" يسلم".
ان صيغة المضارع المبني للمجهول تفيد الالزام وتنتفي معها ارادة الفاعل أي ان تسليم الوصل ملزم للنيابة العامة، وباعتبارها مسلما فهي لا تملك اية سلطة تخولها عدم تسليمه او التسويف في تسليمه لانتفاء ارادتها في الصياغة اللغوية المضارعة المبنية للمجهول .
أليست رائعة هي صياغة هذا الفصل، وبليغ هو المشرع وعاقل؟

خاتمة:
ان وجهة نظرنا هاته ليست باي حال من الاحوال تحاملا على النيابة العامة، ولا ردا عنيفا على وجهة نظر غيرنا، بقدر ما هي قراءات متفحصة لنصوص القانون التي لا تحابي احدا ولصياغة المشرع العاقل البليغ، لان حجز النيابة العامة للوصل عن التصريح بجريدة كيفما كان تعليلها او تسويفها اعتداء ماديا يجب على القضاء ان يصرح برفعه اجلالا للقانون واحتراما وصونا للحريات .
 
   ذ. سعيد بوزردة محام متمرن بهيئة الدار البيضاء

* مجلة المحاكم المغربية، عدد 89، ص124.


Sbek net
كاتب ومحرر اخبار اعمل في موقع القانون والقضاء المغربي .

جديد قسم :