-->

تغيير الوصف وتعديل التهمة


بوقين الحسن
رئيس المحكمة الابتدائية بتارودانت

مقدمة :
اذا كان القاضي المدني المطلوب منه الحياد التام حيال طلبات الاطراف ودفوعاتهم يتعين عليه ان يبت دائما طبقا للقوانين المطبقة على النازلة ولو لم يطلب منه الاطراف ذلك صراحة كما ينص على ذلك الفصل الثالث من قانون المسطرة المدنية، فان القاضي الزجري بدوره يتعين عليه ان يبت في الافعال والوقائع المعروضة عليه طبقا للقوانين المطبقة عليها شريطة ان لا يضيف وقائع جديدة او يوجه التهمة الى اشخاص لم تشملهم المتابعة او قرار الاحالة او الشكاية المباشرة .

وهناك من الفقه من يرى بان فحص الوصف من طرف القاضي الزجري ليس حقا له بل واجبا عليه كلما كان تغيير الوصف او تعديل التهمة مما يتعين القيام به شريطة ان لا يكون فيه خروج عن ولاية المحكمة، وذلك باضافة افعال جديدة او مد التهمة الى اشخاص اخرن لانه من المقبول عقلا وعدلا ان يحاكم المتهم عن ما وقع منه حقيقة (1). وهكذا يكون من العدل ان تقوم المحكمة بتغيير الوصف وتعديل التهمة ولو كان ذلك يؤدي الى وصف قانوني اشد ما لم تتغير الواقعة التي رفعت بها الدعوى، فالدعوى العمومية اذن تعتبر شخصية بالنسبة للاشخاص المتابعين وعينية بالنسبة للوقائع التي توبعوا بها ولكن ما هي حدود هذه الدعوى ؟ وما مدى تقيد المحكمة بتلك الحدود ؟

1- نطاق الدعوى العمومية بالنسبة للأشخاص :
لا تملك المحكمة ان تحكم على غير الاشخاص المتابعين امامها بصفتهم فاعلين اصليين او مساهمين او شركاء.
فلا يجوز لها مثلا ان تحكم على شاهد ظهر لها اثناء المناقشة بانه شريك للمتهم او مساهم معه او ان تدين مسؤولا مدنيا اذا تبين لها في الجلسة بانه هو الفاعل الاصلي او تؤاخذ المطالب بالحق المدني اذا تاكد لها من دراسة القضية بانه بدوره تبادل الضرب والجرح مع المتهم وذلك ولو طلبت النيابة العامة ذلك في الجلسة لان المتابعة ينبغي ان تكون ضد أي شخص حسب الطرق المحددة قانونا.

2- نطاق الدعوى العمومية بالنسبة للوقائع :
تكون المحكمة كذلك مقيدة بالوقائع المنسوبة الى الاشخاص المتابعين امامها وتوضح هذه الوقائع في قرار المتابعة او الاحالة او الشكاية المباشرة. وتملك المحكمة التصرف في وصف تلك الوقائع بعد تمحيصها لتطبق عليها الوصف المطابق للقانون. ولكن هل للوصف القانوني تعريف محدد ؟

الوصف القانوني :
عرف البعض الوصف القانوني بانه " عملية قانونية يقوم بها القاضي للبحث عن الاسم القانوني الذي يتعين اضفاؤه على الفعل الذي دخل حوزته"(2).

مبررات تغيير الوصف :
ومن المبادئ الاساسية التي توجب على القاضي الزجري القيام بتغيير الوصف وتعديل التهمة مبدا عدم امكانية متابعة شخص ما مرتين من اجل نفس الافعال ولو اتصفت باوصاف قانونية اخرى (3) كما انه اذا ادين متهم من اجل جنحة او جناية، وظهر بعد ذلك ان الافعال التي ادين من اجلها كجنحة تكتسي صبغة جناية او جناية مقرونة بظروف التشديد فلا يمكن اعادة محاكمته من اجل الوصف الجديد (4).

ان من شان تطبيق المبدا المذكور مع عدم السماح للمحكمة بتغيير الوصف ان يسمح للعديد من الجناة بالهروب من نيل عقاب ما ارتكبوه من الافعال المعاقب عليها قانونا، وذلك لمجرد الخطا في الوصف، لذا تقرر مبدا اخر مقابل المبدا الانف الذكر يتمثل في انه لا يحكم بالبراءة الا اذا كان الفعل غير ثابت  - في حق المتهم او اذا كان الفعل لا يعاقب عليه القانون باي نص كان، فالقاضي الزجري بناء على هذا المبدا يكون مقيدا فقط بالوقائع المرفوعة بها الدعوى العمومية ولا يكون مقيدا في تطبيق القانون بالوصف المبني عليه المتابعة، وهكذا فان للمحكمة الحق في تكييف الوقائع المعروضة عليها وتغيير وصف التهمة سواء تعلق الامر بالجناية او بالجنحة او المخالفة ولكن ما معنى التكييف ؟

التكييف في النطاق الزجري :
عرف بعض الفقه التكييف في النطاق الزجري بانه " ارجاع واقعة الدعوى الى اصل قانوني صحيح واجب التطبيق عليها، وتكييف واقعة معينة بانها جناية او جنحة او مخالفة هو ردها الى نوع او اخر من هذه الانواع الثلاثة فتخضع لما يخضع لها نوعها من قواعد واثار قانونية" (5) وتكييف الواقعة من طرف المحكمة قد يتناول احيانا تغيير وصفها الاول الذي اقيمت بها الدعوى العمومية ابتداء كتغيير وصف جنحة سرقة الى جنحة خيانة الامانة او جنحة انتزاع حيازة عقار الغير الى جنحة تغيير الحدود، وقد تكون في شكل تعديل التهمة وذلك باضافة ظرف او اكثر من ظروف التشديد كما في حالة السرقة الموصوفة او القتل العمد مع سبق الاصرار والترصد.  ولا شك ان هذا التغيير او التعديل قد تترتب عنه اثار مختلفة لا من حيث العقوبة ولا من حيث التقادم بل وحتى من حيث اجراءات المحاكمة مثل المحاكمة الغيابية في الجنايات .

تنبيه المتهم ودفاعه الى تغيير الوصف :
اذا كان مبدا تغيير الوصف وتعديل التهمة قد ذهبت في شانه المدارس الفقهية والاجتهادات القضائية مذاهب شتى فان مبدا تنبيه اطراف الدعوى العمومية الى الوصف الجديد قد نال حظه ايضا من الاختلاف، وهذا الاختلاف ترجم الى نظرية العقوبة المبررة التي لا ترى فائدة في تنبيه الدفاع الى تغيير الوصف كلما كانت العقوبة المحكوم بها هي نفسها التي تطبق على الوصف الجديد، والى نظرية معاكسة لها تنتقدها، وترى ضرورة تنبيه الدفاع والمتهم دائما الى كل تغيير في الوصف او تعديل في التهمة حتى ولو في حالة استبعاد ظرف مشدد او تبني الوصف الجديد الاخف عقوبة .

1) نظرية العقوبة المبررة :
تتصور هذه النظرية عمليا عادة في المحكمة الاعلى درجة كمحكمة الاستئناف او محكمة النقض وعلى ضوئها تقوم المحكمتين المذكورتين بتبني الوصف الجديد الذي تراه قائما وتطبقه على الافعال المعروضة عليها او باستبعاد احدى الاوصاف او احد الظروف المشددة مع التصريح بان العقوبة الواردة في الحكم المعروض عليها يناسب الوصف الجديد الذي أضفته على الوقائع موضوع المتابعة وقد اخذ المشرع المغربي بهذه النظرية في الفصل 589 من ق م ج .

تقوم هذه النظرية على مبررات عملية اكثر مما تقوم على مبررات قانونية.
فمن الناحية القانونية، ان قاضي الموضوع يبني اقتناعه ووجهة نظره على ما نوقش امامه من وقائع ونصوص قانونية واوصاف اجرامية وعلى ضوئها يقدر العقوبة التي يستحقها المتهم مطبقا مبدا تفريد العقوبة، اما قاضي النقض فمهمته تنحصر في الرقابة القانونية ولا تمتد الى السلطة التقديرية المخولة لقاضي الموضوع في تحديد العقوبة. اما من الناحية العملية فيبررها اصحابها بضرورة سرعة الحسم في النزاعات الزجرية وهو امر يستفيد منه طرفا الدعوى العمومية، المتهم و المجتمع، ذلك ان اعطاء القاضي الزجري سلطة تعديل الوصف وتطبيق العقوبة المبررة من شانه تجنب الاحالة من طرف المحكمة الاعلى درجة على محكمة الموضوع التي قد تضطر الى ايقاف الدعوى وبدا الاجراءات من جديد في حالة ما اذا تبين او الوصف غير صحيح، وفي ذلك مضيعة للوقت واضرارا بحقوق المتهم الذي قد يبقى رهن الاعتقال الاحتياطي لمدة اطول، اضف الى ذلك ان القول بمنع القاضي الزجري من تعديل الوصف يستلزم منح امكانية اعادة محاكمة المتهم من جديد بناء على الاوصاف الجديدة ومن اجل نفس الوقائع. ذلك، ان حجية الاحكام سوف لا تنصرف الا على الوصف الذي ورد في الحكم ولا تطبق على كافة اوصاف الفعل .

2) نقد نظرية العقوبة المبررة :
ان حق المتهم في الدفاع عن نفسه حق عام لا يرتبط بنوع معين من الجريمة ولا بجسامتها او تفاهتها، فالمتهم بواقعة معينة يتعين ان توفر له المحكمة كل سبل الدفاع سواء تعلقت بالوقائع وبالقانون، فاذا كان المتهم قد دفع عن نفسه التهمة بناء على وصف قانوني معين فمن حقه ان يستوفي حقه في الدفاع على أي وصف جديد ترى المحكمة إضفاءه على الواقعة حتى ولو كان وصفا اخف من الوصف الاول ولو لم تتضمن اضافة وقائع جديدة.

فمن حق المتهم ان يناقش الوصف الجديد الذي قد تختلف اركان الجريمة فيه عن الصوف الاول مثل تغيير وصف جريمة السرقة الى جريمة اخفاء مسروق التي تستوجب العلم بالشيء المسروق، او تكييف الفعل على انه سرقة بعد ان كان الوصف الاول هو خيانة الامانة. فيتعين اذن على المحكمة ان تنبه المتهم حتى يتمكن من نفي العناصر القانونية للوصف الجديد، ولا يكفي القول بان المتهم سبق له ان منح فرصة نفي الوقائع من اساسها في دفاعه الاول او القول بانه كان يجب على دفاعه ان يتناول الموضوع من جميع اوصافه الممكنة.

وخلاصة القول ان هذا الفريق من الفقه يرى انه يتعين على المحكمة ان تنبه دائما المتهم الى تغيير الوصف او تعديل التهمة سواء كان الامر يتعلق باستبعاد بعض عناصر الواقعة او باعطائها تكييفا مختلفا عن الوصف الاول .

3) ما يستثني من ضرورة تنبيه الدفاع الى تغيير الوصف.
ولا يستثني من ذلك الاحالة تعديل التهمة عن طريق الاستبعاد كما اذا استبعدت محكمة الموضوع ظرفا مشددا او اخذت ببعض ظروف التخفيف او اسباب الاعفاء من العقوبة او استبعدت احد اوصاف الجريمة كاستبعاد سبق الاصرار والترصد او نية القتل العمد او استبعاد ظرف مشدد في السرقة الموصوفة او الاخذ بحالة الدفاع الشرعي او تعديل تهمة الاتجار في المخدرات الى تهمة استهلاكها، فاجراء مثل هذا التعديل لا يستوجب تنبيه الدفاع اليه لانه ليس في مساس بحق الدفاع هذا اذا وقع امام محكمة الموضوع، اما اذا وقع هذا الاستبعاد امام محكمة النقض فينبغي ان يبطل الحكم ويحال على محكمة الموضوع ليتاتى لقاضي الموضوع ان يطبق العقوبة التي يراها مناسبة للوصف الجديد تطبيقا لمبدا تفريد العقوبة. غير ان السؤال الذي يطرح نفسه في هذا الصدد هو هل هناك شكل معين لتنبيه الدفاع الى تغيير الوصف ؟ أيكفي التنبيه الضمني ام لابد من التنبيه الصحيح ؟

4) شكل التنبيه
ان القانون لا يحدد شكلا معينا لتنبيه الاطراف الى تعديل التهمة وكل وسيلة تراها المحكمة محققة لهذا الغرض فهي كافية، فيمكن اذن ان يكون التنبيه ضمنيا او صريحا .
أ‌) التنبيه الضمني :
قد يكون التنبيه ضمينا كتوجيه المحكمة اسئلة معينة اثناء الاستجواب يفهم منها ان نظرها متوجه الى وصف جديد مثال ذلك ان تستجوب المحكمة المتهم المتابع بانتزاع حيازة عقار الغير طبق الفقرة الاولى من الفصل 570 حول ما اذا كان الوقت الذي وقع فيه انتزاع الحيازة ليلا. او كونه استعمل العنف او التهديد الى غير ذلك من الظروف المحددة في الفقرة الثانية من الفصل المذكور. او كأن تحقق مع المتهم المتابع من اجل السرقة الموصوفة طبق الفصل 510 من القانون الجنائي في اضافة ظرف مشدد كان، حيث سيصبح الوصف الجديد تطاله مقتضيات الفصل 509، فهذا كله يعتبر تنبيها ضمنيا، وكان يجب على الدفاع ان يتنبه اليه ويرافع احتياطيا على ضوئه .

ب‌) التنبيه الصحيح 
قد تصدر المحكمة قرارا بتغيير وصف التهمة او تعديلها فيجب عليها ان تنبه المتهم ودفاعه صراحة، وقد تنبه المحكمة حتى قبل صدور قرارها الدفاع الى دفاعه على اساس وصفين، اثنين، احدهما وارد في المتابعة والاخر يمكن ان ينطبق على الواقعة موضوع المتابعة وقد يترافع الدفاع من تلقاء نفسه على اساس وصفين اثنين، كما اذا كانت نيته متجهة نحو استبعاد الوصف الذي بنيت عليه المتابعة لكونه اشد ويناقش وصفا اخر اخف كمحاولة استبعاده عناصر جريمة الاغتصاب ومناقشة جنحة الفساد وذلك دون تنبيه من المحكمة او المرافعة على اساس ان الوقائع التي توبع من اجلها المتهم تندرج تحت وصف الضرب والجرح المؤدى الى الموت ولا ينطبق عليها وصف القتل العمد. ففي هذه الحالات اذا لم تنبه المحكمة الدفاع الى تغيير الوصف على الشكل المذكور لا يمكن القول معه بان هناك إخلالا بحق الدفاع لان المقصود من التنبيه قد حصل فعلا .

احد حالات الدفاع الشكلي :
ولكن ما الامر اذا نبهت المحكمة الدفاع الى الوصف الجديد رغم ذلك بقي متشبثا بالوصف الاول ويرفض تناول الوصف الجديد لانه يرى انه ليس في مصلحة موكله ؟ الا يعد هذا خروجا عن الموضوع بل الا يعتبر ذلك دفاعا شكليا وبالتالي يتعين على المحكمة ان تنتدب محاميا اخر للدفاع عن المتهم حتى تستوفي المحاكمة اجراءاتها الضرورية، لا شك انه اذا كانت عناصر جريمة الوصف الجديد تختلف تماما عن عناصر الوصف الاول فيمكن القول بان حق الدفاع عن المتهم لم يحترم ان حضور المحامي كان شكليا فقط  - مثال ذلك ان يكون المتهم قد توبع من اجل جنحة خيانة الامانة وتبين اثناء المناقشة ان الوصف الذي ينطبق على الوقائع هو جنحة الرشوة فعناصر الجريمتين وعقوبتهما معا متباينة وبالتالي يتعين انتداب محام اخر اذا رفض الدفاع الحاضر المرافعة على اساس الوصف الجديد، وذلك كلما كان حضور المحامي ضروريا طبعا. ( حالات 311 من ق م م). واذا لم يكن حضور الدفاع ضروريا بجانب المتهم ورضي هذا الاخير بالشكل الذي رافع به محاميه فلا مجال للقول بوجود اخلال بحق الدفاع .

تغيير الوصف في القانون المغربي :
اذا تغيير الوصف وتعديل التهمة قد اثار ما اثار من خلافات فقهية وقضائية في القانون المقارن كما مر بنا سابقا فيحق لنا ان نتساءل عن موقف القضاء والفقه بالمغرب، وقبل الجواب على هذا السؤال نود ان نشير بادئ ذي بدء الى ان من ضمن ما زاد في حدة الخلاف المذكور بالمغرب هو عدم نص المشرع بوضوح على السماح للمحاكم بصفة عامة بتغيير الوصف وضرورة لفت نظر الاطراف الى ذلك ومنحهم مهلة تهيئ الدفاع، باستثناء ما نص عليه في الفصل 287 من ق م ج فيما يخص الجنايات فقط عكس ما عليه  الامر مثلا في مصر حيث تنص المادة 308 من قانون الاجراءات المصرية على ما يلي : " للمحكمة ان تغير في حكمها الوصف القانوني للفصل المسند للمتهم ولها تعديل التهمة باضافة الظروف المشددة التي تثبت من التحقيق او من المرافعة في الجلسة ولو كانت لم تذكر بامر الاحالة او التكليف بالحضور. ولها ايضا اصلاح كل خطا مادي وتدارك كل سهو في عبارة الاتهام مما يكون في امر الاحالة او في طلب التكليف بالحضور وعلى المحكمة ان  تنبه المتهم الى هذا التغيير وان تمنحه أجلا لتحضير دفاعه بناء على الوصف او التعديل الجديد اذا طلب ذلك".

وعلى كل حال سنتطرق للجواب على التساؤل اعلاه من خلال دراسة تغيير الوصف من طرف المحكمة وهي تبت في المخالفات او الجنح ابتدائية كانت او استئنافية، ثم من طرف المحكمة وهي تبت في الجنايات ثم تتطرق اخيرا الى التكييف امام المجلس الاعلى .

1) تغيير الوصف من طرف المحكمة الجنحية :
أ‌) المحكمة الابتدائية :
يمكن القول بصفة عامة ان المشرع المغربي في ميدان الجنح والمخالفات لم ينص على امكانية تغيير الوصف من طرف المحكمة الجنحية عكس ما فعل بالنسبة للجنايات في الفصل 487 من ق م ج، وبالنسبة للمجلس الاعلى في الفصل 589 من نفس القانون، غير انه بالامعان في الفصلين 255، 382 من ق م ج يتبين ان المشرع سمح للمحكمة الجنحية بتغيير وصف الجريمة وان كان ذلك واردا عن الحديث عن الاختصاص حينما كانت محكمة السدد هي المختصة في المخالفات والجنح الضبطية والمحكمة الاقليمية يعود اليها البت في الجنح التأديبية في التنظيم القضائي القديم. ذلك ان الفصل 255 من ق م ج اشار الى انه اذا ظهر للمحكمة الابتدائية او المحكمة الاقليمية ان الجريمة المعروضة عليها بوصفها جنحة تاديبية ليس لها في الواقع سوى صفة جنحة ضبطية او مخالفة - شرط ان لا يطالب احد اطراف الدعوى العمومية الاحالة على المحكمة المختصة فانها تغير وصف الجريمة وتبت في النازلة بصفتها مرجعا نهائيا. اما الفصل 382 المذكور اعلاه فقد سمح للمحكمة المختصة للبت في المخالفات اذا رات ان الفعل المعروض عليها كمخالفة يكتسي صبغة جنحة ضبطية جاز لها بموافقة جميع المترافعين ان تغير الوصف وتبت في المتابعة.

نستنتج مما ذكر وان كان الامر يتعلق باختصاص المحاكم في النظام القضائي القديم بان المشرع اجاز للمحكمة الجنحية ان تغير وصف الجريمة وعلى كل حال فان الاجتهاد القضائي يسير على هذا النهج، ويكفي ان نشير الى قرار المجلس الاعلى عدد 2237 المؤرخ ب 18/4/1983 الذي رفض فيه طلب الطعن في قرار لمحكمة الاستئناف قضى بتغيير وصف التهمة بان استبعد جنحة الترامي المحكوم بها ابتدائيا وقضت في نفس الوقت على الطاعن بجنحة تغيير الحدود طبق الفصل 606 من ق م ج .

التكييف في مادة حوادث السير:
وما دمنا بصدد الحديث عن تغيير الوصف امام المحكمة الجنحية بصفة عامة وهي تبت في الجنح والمخالفات نود الاشارة الى ان القضاء في خلاف حول تكييف جنح ومخالفات السير الناتج عنها الجرح او القتل خطا حينما تكون متابعة النيابة العامة في غير محلها مثل ما اذا كانت النيابة العامة قد تابعت المتهم بمخالفة عدم ضبط السرعة او عدم التحكم ناتج عنها قتل خطا واثناء دراسة القضية تبين للمحكمة ان المخالفة الناتج عنها القتل خطا هي التجاوز المعيب او السياقة في وضعية غير ملائمة، مع العلم بان محضر الضابطة القضائية يتضمن الوقائع التي وقفت عليها المحكمة اثناء المناقشة، لا يمكن للمحكمة اذا ظهر لها عدم ثبوت مخالفة او جنحة السير المتسببة في القتل او الجرح خطا التصريح ببراءة المتهم من تلك المخالفة او الجنحة وبالتالي التصريح ببراءته من جنحة القتل خطا او الجرح خطا، ان القول بنعم مجانب للعدل والانصاف، وحتى القانون الذي يستوجب معاقبة كل متهم من اجل الوقائع الصادرة عنه والتي احيل بسببها على المحكمة، فهذه الاخيرة اذا استبعدت وجود التهمة الواردة في المتابعة فيتعين عليها ان تكيف الوقائع وتعطيها الوصف القانوني الحقيقي، وفي كل الحالات فان مقتضيات الفصلين 432، 433 من ق ج لا يدعان أي مجال للمتهم للإفلات من الادانة حتى في حالة عدم ثبوت مخالفة او جنحة السير التي وردت في متابعة النيابة العامة، ذلك انهما ينصان على ان كل من تسبب بعدم تبصره او عدم احتياطه او عدم انتباهه او اهماله او عدم مراعاته النظم او القوانين في القتل او الجرح الغير العمد العمديين يتعرض للعقوبة المفصلة في المادتين المذكورتين اعلاه. فكل مخالفة وردت في الوقائع وظهرت للمحكمة اثناء المناقشة تدخل تحت خانة عدم مراعاة النظم او القوانين حيث ينبغي للمحكمة ان تقوم بتكييف الوقائع المعروضة عليها وتصرح ببراءة المتهم من المخالفة او الجنحة الواردة في المتابعة التي تثبت لديها ثم تطبق الوصف الحقيقي على الوقائع بذكر احدى الاسباب المحددة في الفصل 432-433 من القانون الجنائي ثم تؤاخذ المتهم من اجل الجرح او القتل الخطا الثابت لديها من خلال المناقشة والدراسة ولا بد ان نشير اخيرا الى ضرورة لفت نظر الدفاع والاطراف بصفة عامة الى الوصف الجديد ليتاتى لهم تهيئ دفاعهم على ضوء الوصف الجديد وعناصره .

ب‌) محكمة الاستئناف :
كما هو معلوم فان الاستئناف ينشر الدعوى من جديد بجميع عناصرها الواقعية والقانونية، لذا فان حق محكمة الاستئناف وهي تبت في القضايا الجنحية كدرجة ثانية ان تقوم بتغيير وصف التهمة او بتعديلها على غير الوصف الذي اعطى للوقائع امام المحكمة الابتدائية شريطة ان لا تضيف الى الواقعة الاصلية افعالا جديدة فمن حقها اذن ان تقوم باعادة التكييف وذلك مثلا بتغيير وصف جنحة انتزاع حيازة عقار الغير التي توبع بها الظنين وجعلها جنحة تغيير الحدود او من وصف الضرب والجرح طبق الفصل 400 الى وصف الضرب والجرح ضد احد الاصول طبق الفصل 404 من ق م ج اكثر من هذا يحق لها ان تضيف وقائع حدثت نتيجة الواقعة الاصلية وذلك بعد الحكم الابتدائي كما اذا توفي المجني عليه نتيجة اصابته بالضرب والجرح الغير العمدي او ظهر بعد الحكم ان العجز المؤقت الذي اصيب به المجني عليه يفوق 20 يوما او نتج عن الضرب والجرح عاهة مستديمة ( مع ضرورة التصريح بعدم الاختصاص في الحالة الاخيرة). ولا ننسى الاشارة الى القاعدة ان الطاعن لا يضار بطعنه - غير انه وقياسا على ما جاء في الفصل 487 من ق م ج الذي يهم الغرفة الجنائية فان محكمة الاستئناف اذا كانت ستغير التهمة وذلك باضافة ظرف مشدد او عدة ظروف فيجب ان لا تفعل بالا بعد الاستماع الى النيابة العامة ولايضاحات الدفاع والا عد ذلك منها اخلالا بحق الدفاع واستوجب نقض الحكم (8). غير انه اذا كانت المحكمة الابتدائية قد غيرت وصف التهمة بعد اشعار الاطراف او دون اشعارهم وقام المتضرر من الحكم بالاستئناف فلا يجب على محكمة الاستئناف ان تنبه الاطراف الى التعديل الذي قامت به محكمة الدرجة الاولى لانهم على علم به واذا لم تفعل فلا يعد منها ذلك اخلالا بحق الدفاع .

عدم جواز تغيير الوصف في حالة عدم الاختصاص :
ان اية محكمة لا تملك تغيير الوصف الا اذا كان مختصة للبت في الدعوى المعروضة عليها بحسب الوصف المعطى للجريمة في قرار المتابعة او الاحالة او الشكاية المباشرة، واذا عرضت الدعوى العمومية خطا على المحكمة الجنحية ( ابتدائية كانت او استئنافية) بفعل جهة المتابعة او الاحالة بانها جناية لم يجز لتلك المحكمة ان تغير هذا الوصف بوصف يدخل في اختصاصها بل يجب عليها ان تصرح بعدم الاختصاص لان اختصاصها يتحدد بنفس الطلب المقدم لها، وتاكيدا لهذا المبدا صدر قرار عن المجلس تحت عدد 1313 بتاريخ 15/10/81 (9) ورد فيه ما يلي :
"  اذا كانت متابعة المتهم على اساس ان الفعل يكتسي صبغة جنائية واحيل على المحكمة الجنحية سواء كانت ابتدائية او استئنافية بنفس الصفة فليس من حقها ان تغير الوصف من الجناية الى الجنحة وانما ذلك لغرفة الجنايات التي لها حق النظر في الجرائم المحالة عليها كيفما كان وصفها الحقيقي وتكيفها التكييف القانوني السليم".

2) تغيير الوصف في القضايا الجنائية :
اذا كان المشرع المغربي قد سكت عن ذكر امكانية او عدم امكانية تغيير الوصف من طرف المحكمة المختصة للبث في القضايا الجنحية او المخالفات فانه على العكس من ذلك فيما يتعلق بالجنايات حيث اوجب على المحكمة الجنائية ان تصف الافعال المعروضة عليها وصفا قانونيا غير مرتبطة بالوصف الجرمي المقرر لها من طرف جهة الاحالة. معتمدة في ذلك على نتيجة دراسة القضية والحجج المعروضة عليها والمناقشات التي اجريت بالجلسة ( فقرة من الفصل 487 من ق م ج) الا انه في حالة عزم الغرفة الجنائية على اضافة ظروف او عدة ظروف مشددة لم يتضمنها قرار الاحالة فليس لها ذلك الا بعد الاستماع لمطالب النيابة العامة ولايضاحات الدفاع ( فقرة 2 من الفصل 487 المذكور اعلاه)، وهذا ما اكده المجلس الاعلى في عدة قرارات منها القرار عدد 1317 المشار اليه سابقا وكذا القرار عدد 19144 المؤرخ ب 22/11/90.

ان من يتمعن في مقتضيات الفصل 487 من ق م ج يظهر له ان المشرع فرق بين تغيير وصف الافعال المعروضة على الغرفة الجنائية الى وصف مماثل. في العقوبة او وصف اقل عقوبة وبين حالة اضافة ظرف واحد او عدة ظروف مشددة الى الوصف المعطى للوقائع من طرف جهة الاحالة. ففي الحالة الاولى سكت المشرع ولم يلزم المحكمة الجنائية بتنبيه اطراف الدعوى العمومية الى تغيير الوصف وما دام الامر كذلك فلا جناح على المحكمة اذا غيرت الوصف حسب الحالة التي نحن بصددها دون الاستماع الى مطالب النيابة العامة وايضاحات الدفاع، اما في الحالة الثانية فقد اوجب المشرع على المحكمة الجنائية ( الغرفة الجنائية   - (بعبارة لا يسوغ لها ان تعمل على تغيير وصف الوقائع المعروضة عليها باضافة ظروف مشددة قبل ان تستمع الى طلبات النيابة العامة وايضاحات الدفاع. ولكن هب اننا لم نستعمل قاعدة القياس رغم انها في صالح المتهم بالاضافة الى ان الامر يتعلق فقط بالقانون الشكلي فاذا وجدت المحكمة الجنائية نفسها امام افعال ينبغي ان تكيف وتوصف بوصف اشد مثل ما اذا كان المتهم قد توبع من اجل الضرب والجرح المفضي الى الموت دون نية القتل ثم ظهر للمحكمة اثناء دراسة القضية توفر عناصر النية، او ظهر اثناء المناقشة ان الافعال موضوع المتابعة تحتمل اضافة وصف اخر اشد مثل ما اذا كان المتهم متابعا من اجل استعمال ورقة مزورة طبق الفصل 356 من ق م ج في حين توبع متهم اخر معه بالتزوير المادي طبق الفصل 354 من ق م ج واثناء دراسة القضية يتبين للمحكمة ان المتهم المتابع باستعمال الورقة المزورة مساهم بدوره في جريمة التزوير المادي، ان المحكمة في مثل هذه الحالات لم تضف أي ظرف مشدد - أيحق لها اذن ان تقوم بتكييف الافعال دون تنبيه اطراف الدعوى ؟ ان تبني المشرع المغربي لنظرية العقوبة المبررة كما سنرى لاحقا جعل المجلس الاعلى لا يسير على نهج واحد في هذا الصدد بناء على النظرية المذكورة ( الفص 589 من ق م م) رفض المجلس الاعلى طلب النقض الرامي الى ابطال قرار استئنافي قضى بادانة المتهم المتابع اصلا بانتزاع بل بجنحة انتزاع حيازة عقار الغير طبق الفصل 570 بعد تكييف الافعال ووصفها بجنحة كسر الحدود طبق الفصل 606 من العلم بان الحد الاقصى لعقوبة الجنحة الاولى لا يتعدى ستة اشهر في حين ان الحد الاقصى للعقوبة الثانية يصل الى سنة واحدة مع الاشارة الى ان العقوبة التي تضمنها الحكم المطعون فيه هي شهر واحد حبسا ومائة وعشرين درهما غرامة، وقد علل المجلس قراره بما يلي : " حيث ان هذه الجنحة يعاقب عليها الفصل 606 بعقوبة اشد مما يعاقب به الفصل 570 من القانون الجنائي مما تكون معه العقوبة مبررة" (11). كما تجد المجلس  الاعلى في قراره عدد 129 المؤرخ ب 9/2/81 قد قضى بابطال الحكم الاستئنافي الذي ايد الحكم الابتدائي أي بعد تعديله بتكييف الافعال المنسوبة الى الظنين بجنحة اخفاء المسروق والمشاركة في السرقة بعد ان كانت التهمة الاولى فقط اخفاء المسروق وقد علل المجلس الاعلى قضاءه ذلك بانعدام التعليل :
"على أي حال فان الواقعة المنسوبة الى العارض اذا كان لا ينطبق عليها واقعيا وقانونيا جريمة المشاركة في السرقة - وهي الجنحة المضافة بعد التكيف فان الحكم المطعون فيه لم يبرر التعليل السليم لحالة المشاركة كما حدد الفصل 129 من ق م ج ويكون بهذا الاساس قد اخطا في التعليل الذي استند عليه فيما قضى به مما يجعله موازيا لانعدام التعليل ويستوجب التصريح بنقضه وابطاله (12)"

ونجد اخيرا قرارا حديثا للمجلس الاعلى يحمل رقم 9144 صادر بتاريخ 22/11/90 يظهر من الحيثية ما قبل الاخيرة منه ان المجلس الاعلى سلك منهجا جديدا قد يضع حدا للغموض الوارد في الفصل 487 من ق م ج وخاصة الفقرة الاولى منه وما يتضمنه الفصل 589 من ق م ج من اجحاف في حق الدفاع بتبنيه نظرية العقوبة المبررة وسنتطرق لهذا القرار باسهاب عند الحديث عن التكييف امام المجلس الاعلى.

ان عدم تنبيه اطراف الدعوى العمومية الى تغيير الوصف الذي تنوي المحكمة القيام به كيفما كان نوعه سواء كان من وصف الى وصف مماثل له في العقوبة او اقل او اشد عقوبة، او اضافة وصف اخر الى الوصف المقرر من طرف جهة الاحالة، ان ذلك كله يعد مسا خطيرا بحقوق الدفاع بحيث يفوت على المتهم فرصة الدفاع عن نفسه على ضوء عناصر واركان الجريمة التي اتصفت بها من جديد الوقائع المتابع بها ذلك ان تغيير الوصف الاجرامي يجعل المتهم يعيد النظر في دفاعه ويؤسسه على المعطيات الجديدة، ولذا يتعين ان تطرح للدراسة والمناقشة ويبدو ان المجلس الاعلى في قراره عدد 9144 المشار اليه اعلاه قد سار على هذا المبدا حيث واخذ المحكمة الجنائية لكونها لم تعرض على المعنيين بالامر الوصف الجديد للوقائع وذلك بتمكينهم من مناقشته باعتبار عناصره واركانه والاشخاص الذين قاموا بانجازه لكون العقوبة لها طابع شخصي تتفاوت حسب خطورة الجريمة وشخصية المجرم".

3) تغيير الوصف من طرف المجلس الاعلى :
عرف البعض الطعن بالنقض " بانه نوع من الاشراف على تطبيق القانون وتفسيره ليؤدي الى توحيد المبادئ القانونية التي تطبقها المحاكم(14)".
وذكر البعض الاخر بان " وظيفة محكمة النقض تقتصر على فحص سلامة الحكم من ناحية اعمال القانون  - اعمالا صحيحا على وقائع الدعوى التي أثبتها قاضي الموضوع (15). 
ان التعريفين المذكورين اعلاه هو بالتقريب ما نص عليه المشرع المغربي في الفصل 568 من ق م ج حيث نص على ان المهمة الاساسية المنوطة بقاضي النقض تتمثل في السهر على مراعاة القانون بدقة من طرف المحاكم الزجرية، ومراقبة تلك تمتد الى الوصف القانوني المعطى للوقائع المبنية عليها المتابعة، واضاف بان تلك المراقبة يجب لا تمتد الى حقيقة الوقائع التي ثبت لدى قاضي الموضوع ولا الى قيمة الحجج التي حظيت باقتناعه ما عدا الحالة التي يحدد فيها القانون قبول تلك الحجج .

وتاكيدا لهذا المبدا فقد اورد المشرع في الفصل 589 من ق م ج بانه لا يقبل المجلس الاعلى أي طلب يرمي الى ابطال الحكم بسبب وجود خطا في الوصف الذي تتسم به الافعال موضوع المتابعة او بسبب وجود خطا في نصوص القانون التي اشار اليها الحكم شريطة ان تكون العقوبة المحكوم بها في الحكم المطلوب نقضه هي نفس العقوبة المقررة في النص الذي ينطبق على الجريمة المقترحة.

ويظهر جليا من الفقرة الثانية من الفصل 589 السابق الذكر بان المشرع المغربي اخذ بنظرية العقوبة المبررة المشار اليها سابقا حيث نص ما يلي :
" فاذا وجد في احد وجوه التهمة ما يبرر العقوبة الصادرة فلا يمكن بحال ابطال الحكم - غير ان قاضي النقض يصرح اذ ذاك بان العقوبة المنصوص عليها في الحكم المطعون فيه لا تنطبق الا على وجه التهمة التي ثبتت قانونيا من بين وجه التهم الاخرى".
وما دمنا قد تحدثنا عن نظرية العقوبة المبررة سابقا فينبغي التطرق الى الحالتين الواردتين في الفقرة الاولى من الفصل 589 ويتعلق الامر بحالة الخطا في النص وحالة الخطا في الوصف .

أولا : الخطأ في النص :
يندرج تحت هذه الحالة ما يقع نتيجة غلط مادي، اما اثناء المتابعة حيث تشير النيابة العامة الى نص ما خطا كذكر مرسوم معين او فصل فيه مخالف للمرسوم الحقيقي او الفصل الواجب التطبيق رغم ان الوصف المعطى للوقائع مصادف للصواب ثم تسايرها المحكمة وتطبق العقوبة التي تنطبق على الوصف الحقيقي غير انها تشير خطا الى فصل قانوني اخر(16).

وقد تعيد المحكمة تكييف الوقائع مثل ما اذا كان المتهم متابعا من اجل السرقة العادية طبق الفصل 505 وظهر للمحكمة اثناء المناقشة لان الشيء المسروق زهيد ينطبق عليه الفصل 506 من ق م ج، ورغم ذلك اثناء تحرير الحكم ظلت، تشير الى الفصل 505 الوارد في المتابعة. فهذا وذاك مجرد خطا مادي في النص  القانوني لا يستوجب ابطال الحكم والاحالة وانما تقع الاشارة الى النص الصحيح ويبقى الحكم على ما هو عليه .

ثانيا : الخطأ في التكييف :
قد تخطئ محكمة الاستئناف ( وهي تبت في غرفة الجنايات او الغرفة الجنحية في تكييف الوقائع التي من اجلها ادين المتهم. مثال ذلك ان يكون الحكم المطعون فيه قد كيف الوقائع على اساس انها جنحة الضرب والجرح طبق الفصل 401 وتبين للمجلس انها جنحة الضرب والجرح طبق الفصل 400 او ادانة المتهم من اجل خيانة امانة في حين ان الافعال تكون جنحة تبديد محجوز).

وقد يكون الخطا في التكييف اوسع حيث يعطي لوقائع معينة عدة اوصاف اجرامية مثل ادانة متهم بجريمة الضرب والجرح المفضي الى الموت والقتل عمدا والسرقة ويتبين للمجلس الاعلى ان ما ثبت في حق المتهم هو فقط الضرب والجرح المفضي الى الموت. 

ويشترط لعدم قبول الطعن بالنقض في الحكم بسبب الخطا في الوصف الذي اعطى للوقائع ان تكون العقوبة المحكوم بها هي نفس العقوبة المقررة في النص الذي ينطبق على الجريمة المقترفة، ولكن ما المقصود بالعقوبة المحكوم بها ؟

المقصود بالعقوبة المحكوم بها :
يرى الدكتور الخمليشي ان المقصود بعبارة " العقوبة المحكوم بها" هي العقوبة المقررة في النص المطبق خطا لانه من جهة لا يتحقق مفهوم العقوبة المبررة او المستحقة الا بالمقارنة بين العقوبتين المذكورتين اللتين يقررهما المشرع في النصين معا، ومن جهة ثانية يتعذر تحقق المساواة بين العقوبة المحكوم بها والعقوبة المقررة في النص الواجب التطبيق لان الاولى لها حد واحد والثانية لها حدان ادنى واقصى (17). غير ان المجلس الاعلى لا يسير على نهج واحد في تفسيره للعقوبة المحكوم بها فتارة ياخذ بمبدا المقارنة بين العقوبة المطبقة خطا والعقوبة الواجبة التطبيق قانونا فيرفض النقض او يقبله بناء على ذلك كما فعل في قراره عدد 2237 المشار اليه بهامش الصفحة عدد 12 من هذا الغرض حيث رفض طلب النقض بعلة ان العقوبة في الوصف الجديد ( تكسير الحدود) الفصل 606 اشد من العقوبة في الوصف الخاطئ ( جنحة الفصل 570 من ق ج) مع العلم بان العقوبة المحكوم بها هي شهر واحد حبسا وغرامة 120 درهما. وكما جاء في قراره عدد 1072 المؤرخ بـ 11/4/1974 (18). فقد قضى بنقض الحكم الاستئنافي لكون العقوبة المحكوم بها خطا طبق الفصل 251 من ق م ج المتعلق بجريمة الارتشاء اشد من العقوبة الواجبة التطبيق على الافعال موضوع المتابعة وهي المتعلقة بجريمة استعمال وسائل تدليسية والادلاء ببيانات مزيفة قصد الحصول على جواز سفر طبق الفصل 361 من ق م ج وتارة اخرى ياخذ بنظرية العقوبة المحكوم بها والعقوبة الواجبة التطبيق حيث ينظر الى العقوبة المحكوم بها في القرار المطعون فيه فاذا كانت تندرج تحت الفصل الواجب التطبيق فلا يلتفت بعد ذلك الى المقارنة بين الحدين الاقصى والادنى للعقوبتين مثال ذلك ما ورد بقراره عدد 1951 المؤرخ ب 11/12/75 (19) من رفض النقض رغم ان العقوبة المطبقة خطا على الوصف الوارد في القرار المطعون فيه اشد من العقوبة الواجبة التطبيق ويتعلق بالامر بجريمة القتل العمد في الوصف الاول ( الفصل 226 من ق ج) وجريمة الضرب والجرح المؤديين الى الموت بدون نية القتل ( الفصل 230 من ق م ج) في الوصف الجديد.

تطبيق الفقرة الثانية من الفصل 589 من ق م ج بصفة عامة :
رغم ان الفقرة الاولى من الفصل 589 من ق م ج تتعلق فقط بحالة الخطا في الوصف او في النص القانوني فيمكن ايضا ان ينطبق عليها حالة الفقرة الثانية من نفس الفصل والتي جاءت عامة حيث توجب على قاضي النقض رفض كل طلب ابطال حكم كلما وجد في احد وجوه التهمة ما يبرر العقوبة الصادرة. ان تطبيق هذه الفقرة على القرارين المذكورين اعلاه كافية دون الالتجاء الى تفسير ما المقصود بالعقوبة المقررة والعقوبة المحكوم بها غير ان المجلس الاعلى حصر تطبيق الفقرة الثانية من الفصل المذكور على حالة ادانة المتهم بعدة تهم وتبين ان بعضها غير ثابت وارتاى المجلس الاعلى استبعادها فيصرح بان العقوبة المحكوم بها تنطبق على بقية التهم الثابتة في حق المتهم، وقد صدر عن المجلس عدة قرارات على هذا المنوال منها :
1) قرار عدد : 513 المؤرخ ب 21/4/1966 (20)، الذي جاء فيه :
ان المحكمة اخطات في التكييف اذ ان المتهم المتابع والطاعن في القرار كانت عدلا وغير اثناء تحريره ورقة متعلقة بوظيفته تغييرا في جوهرها وفي ظروف تحريرها وذلك باثبات صحة وقائع يعلم انها غير صحيحة ويتعلق الامر بانشاء رسم اثبات صحة استمرار الزوجية ورسم اعتناق الاسلام وذلك مقابل مبالغ مالية، وبالتالي فالنص الذي ينبغي تطبيقه على الافعال المذكورة هو مقتضيات الفصلين 353،540 من ق ج. أي ان الوصف الحقيقي هو جناية التزوير المعنوي وجنحة النصب والاحتيال، اما الوصف الجديد الذي اضفته المحكمة على الافعال والمتمثل في جريمة المشاركة في التزوير في محرر رسمي فغير مطابق ذلك وكما قال المجلس الاعلى في نفس القرار ان ثبوت جريمة التزوير المادي طبق الفصل 354 يستدعي اولا وجود محرر رسمي قائم بذاته قانونا ثم يقوم اشخاص غير المشار اليهم في الفصل 353 بتغييره اما بالتزييف في الكتابة او التوقيع او باضافة شيء الى المحرر المذكور. وقد اعتبر المجلس الاعلى التعليل الذي بررت به المحكمة ادانتها للطاعن طبق ما ذكر اعلاه تعليلا فاسدا .

2) ان المحكمة لما ظهر لها ستغير الوصف من جريمة التزوير المعنوي الى جريمة المشاركة في التزوير المادي كان ينبغي عليها ان لا تفعل حتى تعرض اولا الوصف الجديد على المعنيين بالامر ليتمكنوا من مناقشته باعتباره عناصره واركانه .

نستنتج مما سبق ان المجلس الاعلى رغم ان الوصف الجديد لا يعاقب عليه بعقوبة اشد من الوصف القديم فان المجلس عاقب المحكمة لعدم تنبيه المعنيين بالامر الى ذلك، كما نستنتج ان المجلس الاعلى لم يقم بتطبيق مقتضيات الفقرة الثانية من الفصل 589 من ق م ج سيما وانه كما ورد بالقرار فان المحكمة الجنائية واخذت المتهم طبق الفصول 353-354-129 من ق م ج وكان بوسع المجلس الاعلى تطبيقا للفصل 589 ( فقرة 2) المذكور ان يستبعد الوصف المطابق لوجود احد وجوه التهمة المتمثل في التزوير المعنوي الثابت لدى المجلس.

كما مر بنا سابقا الى ان المجلس الاعلى علل نقضه للقرار الجنائي اعلاه بكون التعليل كان فاسدا وهذا في نظرنا كاف غير انه تاكيدا منه كما يبدو لتنبيه منحى جديدا في هذا الصدد اضاف الحيثية الاخرى التي تشير الى ان عدم اشعار المحكمة الاطراف الدعوى العمومية بنيتها في تغيير الوصف يعد مخالفة للقانون لكونها لم تمكنهم من مناقشة الوصف الجدد باعتبار عناصره واركانه، وكان ذلك منها اخلالا بحق الدفاع .

ولابد ان نشير الى ان المجلس الاعلى سبق له في قراره (21) عدد : 129 المؤرخ بـ 9/2/81 ان قضى بنقض حكم جنحي أدان المتهم بجنحتي اخفاء مسروق والمشاركة في السرقة حيث ظهر للمجلس الاعلى بعد التكييف بان الثابت في حق المتهم هو جنحة اخفاء مسروق، وقد علل المجلس ذلك بفساد التعليل لا بخرق حقوق الدفاع كما فعل في القرار رقم 9142.

والذي نامله ان يسير المجلس الاعلى على هذا النهج الجديد وذلك بنقض كل حكم يتضمن تغيير الوصف من طرف المحكمة دون اشعار المعنيين بالامر او ظهر للمجلس نفسه تغيير الوصف او اضافة او استبعاد احد الاوصاف ثم يحيل النازلة على المحكمة المختصة التي لها سلطة تقدير ملائمة العقوبة وتفريدها. وذلك تطبيقا لمقتضيات الفصل 589 من ق م ج اللهم الا في حالة ملاحظة وجود خطا في النص القانوني .

ان هذا العرض المتواضع مجرد محاولة لاثارة انتباه المتهمين بالقانون في بلادنا من قضاة ومحامين وفقهاء الى ضرورة اعطاء هذا الموضوع ما يستحقه من البحث والدراسة، وذلك في بحث شامل يتناول بالتفصيل المشكلات العملية التي تطرقنا اليها بايجاز .

           تارودانت في 26/6/1992

بوقين الحسن
رئيس المحكمة الابتدائية بتارودانت

الهوامش :
1) كتاب البطلان الجنائي عبد الحميد الشواربي ص 309
2) المرجع السابق ص 313.
3) ينص الفصل 351  من ق ج في فقرته الثانية على ان كل شخص ابرئت ساحته او حكم باعفائه لا يمكن ان يتابع بعد ذلك من اجل نفس الوقائع ولو اتصفت بصفة قانونية اخرى.
4) قرار  المجلس الاعلى عدد 540 بتاريخ 16/4/70 م ق م ع المادة الجنائية لسنة 66-1986 ص 478.
5) المشكلات التعليمية الهامة في الاجراءات الجنائية للدكتور رؤوف عبيد ص 215.
6) المرجع السابق للدكتور الشواربي ص 326.
7) م ق م ع المادة الجنائية سنة 66-86 ص 187.
8) قرار المجلس الاعلى عدد 131 بتاريخ 14/10/76 قضية 4533  - انظر هامش ص 328 من شرح قانون المسطرة الجنائية للدكتور الخمليشي .
9) م ق م ع المادة الجنائية لسنة 66/86 ص 177.
10) مجلس القضاء والقانون عدد : 143 ص 170.
11) قرار عدد ب2237 بتاريخ 18/4/83 م ق م ع المادة الجنائية سنة 66/1986 ص 187.
12) قضاء المجلس الاعلى عدد 29 ص 196 وما بعدها .
13) مجلة القضاء والقانون عدد 163 ص 170.
14) المرصفاوي في أصور الاجراءات الجنائية ص 838.
15) نفس المرجع ونفس الصفحة .
16) حكم المجلس الاعلى عدد 97  بتاريخ 15/4/58 قرارات المجلس الاعلى في المواد الجنائية لسنة57-61  ص 28.
17) ينفس المرجع السابق للدكتور الخمليشي ص 420
18) نفس المرجع السابق للدكتور الخمليشي ص 422.
19) نفس المرجع السابق للدكتور الخمليشي ص 422.
20) نفس المرجع السابق للدكتور الخمليشي ص 425.
21) قضاء المجلس الاعلى عدد 29 ص 196 المشار اليه سابقا.

* مجلة المحاكم المغربية، عدد 66، ص 43.

Sbek net
كاتب ومحرر اخبار اعمل في موقع القانون والقضاء المغربي .

جديد قسم : أبحاث قانونية مغربية