-->

مسؤولية المحامي الدكتور عبد الله الاحمدي محام واستاذ جامعي بتونس



يقول المفكر Camus ان ممارسة مهنة المحاماة يجب ان تؤدى الى الشرف ولا الى الثروة" (1) .
وهذه المقولة تبرز بوضوح نبل المحاماة وسمو رسالتها ورفعتها فهذه الكلمة مشتقة لغة من فعل حمي، والحمي هوالذي  لا يحتمل الضيم كما ان عبارة الحميا تعني شدة النفس واخيرا فان الحامي هو الفحل .
اما كلمة Avocat  بالفرنسية  فهي  مشتقة  من  العبارة  ADVOCATUS وهي تعني الشخص الذي يقع الاستنجاد به للمساعدة والحماية ce lui que l'on appelait au secours وفعلا فالمحامي هوالمدافع عن  الحقوق  بمختلف  انواعها  المادية  و الادبية  وكذلك عن الحريات الفردية وعن اليتامى والارامل والمتهمين وهو الذي يرفع الدعاوي ويرد عليها وفي كلمة واحدة انه يجسم حق الدفاع - في مفهومه الشامل .

على ان الصورة العالقة في الذاكرة الشعبية عن المحامي  هو المدافع  عن  المتهمين  في  القضايا الجنائية بالخصوص اذ عادة ما تقترن المحاماة بهذا الصنف من القضايا، فالمحامي الناجح في نظر عامة الناس هو  ذلك  الرجل  الخطيب  المصقع  الذليق  -  ذرب  اللسان  الذي يزعزع بمرافعاته قاعات الجلسات .
ولا جدال ان هذه الصورة ناتجة عما تحاط به القضايا الجنائية من اشهار وما تستقطبه من فضول وانتباه .
غير ان هذه الصورة عن المحاماة خاطئة او بالاحرى منقوصة فلم يبق المحامي ذلك الخطيب فتيق اللسان بل اصبح اليوم رجل علم القانون .

فقد تطورت وتغيرت وعظمت مهمة المحامي في عصرنا الحاضر بحكم تشعب القضايا وتنوعها نتيجة لكثرة المعاملات التجارية والاقتصادية وتعقد
-----------------
1- Camus, lettres sur la profession d'avocat publiées en 1787 ( rapporté in hamelin et Damion, les régles de la profession d'avocat p. 3) .
--------------
الاجراءات امام المحاكم فاضحى المحامي مطالبا بالالمام بمختلف العلوم القانونية والتجارية والجبائية وحتى الاقتصادية والقانون الدولي خاصة بعد ظهور العولمة وانتشار المبادلات والصفقات الدولية .
كما ان مهمة المحامي لم تبق محصورة في الميدان القضائي فهو بالاضافة الى عمله القضائي داخل رحاب المحاكم اصبح يقوم بمهام اخرى منها الاستشارات القانونية والمفاضات وتحرير العقود بمختلف اصنافها .
ان لتنوع ولتطور مهمة المحامي انعكاسات هامة على علاقته بحريفه بحكم الرابطة القانونية القائمة بينهما وهي علاقة تتميز بخاصيتين اساسيتين اولهما انها علاقة ثقة وثاينهما انها مبينة على العنصر الشخصي فالحريف الذي استننجد بالمحامي ليدافع عن مصالحه وحقوقه وحتى عن كرامته وحريته له ثقة كاملة فيه فهو سيصبح مستودع سره وحافظ حججه ووثائقه بل ان سيكون وكيل امره وما دام الامر كذلك فان المحامي الذي انطيت بعهدته رسالة الدفاع عن حريفي وهي رسالة اخلاقية لكن لها  في نفس الوقت طابع قانوني باعتبارها وكالة تتضمن حقوقا لفائدة المحامي من اهمها  حقه في الاتعاب وتحمله ايضا واجبات هامة التي على المحامي القيام بها وعدم الاخلال بها والا فانه يصبح مسؤولا عن ذلك الاخلال الامر الذي يطرح مسؤولية المحامي موضوع هذه الدورة وهو موضوع دقيق لانه يثير عدة مسائل منها ما هو اخلاقي تنظمه اخلاقيات المهنة ومنها ما هو قانوني باعتبار ان المحامي يتحمل تبعات اخلاله بالتزاماته عندما تثبت مسؤوليته المدنية اوالجزائية او التاديبية كما انه في صورة توفر شروط قيام المسؤولية تطرح مسالة اثارها وسنحاول في هذا التقرير التمهيدي الاشارة بصفة مجملة الى مختلف هذه المسائل التي سيتناولها فيما بعد الزملاء بالتفصيل باعتبار انه جرت العادة ان التقرير التمهيدي يتضمن كل شيء ولا يتعمق في اي شيء .

ويمكن حصر مختلف هذه المواضيع في محورين :
اولهما : ميدان مسؤولية المحامي - وثانيهما اثار المسؤولية .

1 - ميدان مسؤولية المحامي
لعله يحسن قبل الحديث  عن مسؤولية المحامي في معناها القانوني والتي توجب التعويض مدنيا اذا كان الخطا مدنيا والمؤاخذة الجزائية اذا كان الخطا جزائيا التمييز بين التصرفات المنافية لاخلاقيات المهنة وبين الاخلالات بالالتزامات التي ترتب المسؤولية المدنية اوالجزائية .
فقد عرف الفقهاء الاخلاقيات بانها مجموع الواجبات المرتبطة بنشاط مهني حر تنظمها عادة الهيئات المهنية وهي مستمدة عادة من العرف والاخلاق .
وتقوم الاخلاقيات بالخصوص علىالسلوك الشخصي للمحامي الذي يجب ان يتميز بالسيرة الحسنة والالتزام بالمبادئ الشرف والنزاهة والاستقامة والوفاء والمحافظة على كرامة المهنة ويتعلق الامر هنا باخلاقيات ذاتبة مرتبطة بالسلوك الشخصي .
وتوجد اخلاقيات تنظم طرق التعامل بين المحامي وحرفائه وزملائه والقضاء والغير وحتى ازاء الخصوم .
لا يؤدي الاخلال بقواعد الاخلاقيات الى المسؤولية المدنية او الجزائية في كل الحالات اذ قد يرتب مجرد تتبع تاديبي الا انه في بعض الحالات ينتج عن المخالفة الاخلاقية مسؤولية المحامي مدنيا او جزائيا ويتجه النظر في هذين العنصرين .

العنصر الاول : المسؤولية المدنية
ان دراسة هذا العنصر يقتضي النظر في طبيعة هذه المسؤولية وطبيعة الالتزامات المحمولة على كاهل المحامي واخيرا الخطا الذي يرتب المسؤولية المدنية .
أ طبيعة مسؤولية المحامي .
لعل من ابرز المسائل القانونية المطروحة تحديد طبيعة مسؤولية المحامي هل هي تعاقدية او تقصيرية .
يرىة جل الفقهاء انها مسؤولية تعاقدية نظرا لوجود عقد بين المحامي وحريفه وهوعقد توكيل خصام  mandat ad litem  ويخضع هذا العقد للقواعد العامة المتعلقة بالوكالة في القانون المدني .
ويرى اتجاه اخر ان مسؤولية المحامي هي مسؤولية تقصيرية او شبه تقصيرية ويرون ان العقد الذي يربط الحريف بالمحامي يكتسي صبغة النظام العام لان الالتزامات الناشئة عنه والمحمولة على كاهل المحامي ليست ناجمة فقط عن اتفاق الارادتين بل عن القوانين والتراتيب وان هذا العقد ليس كتابيا وان خطا المحامي يتمثل في الاخلال بالتزاماته المهنية الناشئة عن واجب مصدره قانوني وترتيبي وليس بنود تعاقدية .

الا انه ظهر اتجاه ثالث يرى ان مسؤولية المحامي تكون تعاقدية في صورة النيابة و ذلك بمقتضى احكام الوكالة اما اذا كانت مهمته مجرد المساعدة فانه لا يسال الا اذا ارتكب خطا والحق ضررا.
والراي عندنا ان مسؤولية المحامي هي مسؤولية تقاقدية بالاساس ازاء موكله اذ انه ولئن نظم القانون هذه العلاقة فان ذلك لا يمحي الصبغة التعاقدية للعلاقة الرابطة بين الطرفين اذ ان مصدرها هو الاتفاق .

الا ان مسؤولية المحامي تصبح تقصيرية ازاء الغير .
فالمحامي بوصفه وكيل خصام مسؤول ازاء موكله عن كل اخلال بالواجبات المحمولة عليه بمقتضى الوكالة طبق القواعد القانونية المنظمة للوكالة .
ومعلوم ان توكيل الخصام المسند للمحامي يتميز بعدة خصائص منها انه لا يشترط لتكوينه الكتابة فالمحامي لا يحتاج الى توكيل كتابي ليمثل حريفه .
كما ان هذه الوكالة هي اشمل من التوكيل العام العادي باعتبار ان المحامي يكلف بالقيام بجميع اجراءات رفع الدعوى وتسيير الخصومة بدون تحديد ولا تكون الوكالة محصورة في اجراء معين .
والمفروض ان الاجراءات التي يقوم بها المحامي في نطاق الخصومة تلزم موكله على ان بعض التصرفات الصادرة عنه تثير عدة مشاكل قانونية فيما يتعلق بمدى تقيد الموكل بها مثل تقديم عروض او قبولها او صدور اقرار او ابرام صلح وقد اقرت بعض التقنينات مثل المشرع التونسي انه توجد بعض الاعمال التي لا تكون صحيحة وملزمة للموكل الا بتفويض خاص وصريح منه مثل توجيه اليمين الحاسمة والاقرار القضائي وقبول حكم او الاسقاط فيه والصلح والتحكيم والابراء من دين .

كما توجد بعض الاعمال الاخرى الهامة التي لا يمكن للمحامي القيام بها بدون موافقة حريفه مثل الطعن بالزور والتجريح في الحكام وطلب احالة قضية من اجل شبهة جائزة اومؤاخذة الحكام وكذلك العقلية العقارية وان مثل هذه الاعمال تكون باطلة اذا لم تتم بموجب تفويض صريح من الموكل فضلا على قيام مسؤولية المحامي .

ب- طبيعة الالتزام المحمول على كاهل المحامي .
من اهم المسائل القانونية التي تطرحها مسؤولية المحامي تحديد طبيعة الالتزام المحمول على كاهله فهل هو التزام بتحقيق نتيجة او ببذل عناية .
ان الجواب على هذا السؤال ليس مطلقا اذ يتوقف على طبيعة الاعمال التي يقوم بها المحامي ومعلوم ان عمل المحامي قد يكون قضائيا او غير قضائي .
فالعمل القضائي يتمثل اساسا في النيابة لدى القضاء وكذلك المساعدة .
اما العمل الغير القضائي فيتمثل في الاستشارة والتفاوض وتحرير العقود .
فبالنسبة للاعمال التي تتم في نطاق التوكيل على الخصام والتي تتجلى في النيابة فانه يجب التمييز بين نوعين من الاعمال، واولهما الاجراءات التي يقوم بها المحامي في حق موكله مثل تحرير عريضة الدعوى ورفعها والقيام بالاجراءات القانونية امام المحاكم والطعن في الاحكام فعندما يرتكب خطا في هذه الاجراءات فان الالتزام المحول عليه هو التزام بتحقيق نتيجة مثل بطلان عريضة الدعوى بسبب خلوها من احدى التنصيصات الوجوبية او رفع طعن بالاستئناف بعد انقضاء الاجل القانوني او عدم تقديم بعض المؤيدات الضرورية لقبول الدعوى او الطعن .

اما بالنسبة لبقية الاعمال التي يقوم بها المحامي في نطاق الوكالة على الخصام سواء كان حريفه طالبا او مطلوبا فان التزامه ببذل عناية. فالمحامي لا يضمن لموكله في كل الحالات ربح القضية فالحكم برفض الدعوى لا يرتب في كل الحالات مسؤولية المحامي اذا كان هذا الرفض ليس ناتجا عن اسباب شكلية .

كما ان مسؤولية المحامي عندما يقوم بعمل يندرج في نطاق المساعدة لدى القضاء فانها لا تتضمن التزاما بتحقيق نتيجة فهو لا يسال اذا قام بمرافعة منقوصة او غير مقنعة او لم يتفطن لبعض الدفوعات القانونية التي تكون لصالح موكله .

اما الاعمال غير القضائية التي يقوم بها المحامي مثل الاستشارات وتحرير العقود فانها يمكن ايضا ان ترتب مسؤولية المحامي وان الالتزام المحمول عليه قد يكون بتحقيق نتيجة او ببذل عناية .
يكون الالتزام بتحقيق نتيجة فيما يتعلق بصحة العقود التي يحررها المحامي من الناحية الشكلية فهو يضمن صحتها من هذه الزاوية .
اما في خصوص عمليات الاستشارة فان الالتزام المحمول على كاهل المحامي هوالتزام ببذل عناية لانه مطالب اساسا بواجب النصح .
ويكون المحامي مسؤولا اذا ارتكب خطا قانونيا فادحا كأن يعتمد في الاستشارة على نص قانوني ملغى اوعلى تاويل غير صحيح للقانون .

ج- الاخطاء التي يمكن ان ترتب مسؤولية المحامي :
يصعب تحديد قائمة بالاخطاء التي يمكن ان ترتب مسؤولية المحامي .
الا انه يمكن القول ان كل اخلال بالالتزامات والواجبات المحمولة على كاهل المحامي يرتب مسؤوليته المدنية سواء كان ذلك في نطاق النيابة او المساعدة او الاستشارة او تحرير العقود .
وقد نصت جميع القوانين المنظمة لمهنة المحاماة على الواجبات المحمولة علىالمحامين والمفروض ان اي اخلال بها يرتب المسؤولية اذا نتج عنها ضرر للحريف او للغير وقد نصت تلك القوانين على مسؤولية المحامي اذا ارتكب خطا صناعيا مثل المادة 35 من القانون التونسي المنظم لمهنة المحاماة المؤرخ في 7/9/1989 وفي هذه الصورة تكون المسؤولية مدنية، على ان في بعض الحالات يكون المحامي مسؤولا تاديبيا رغم عدم الحاق اي ضرر بحريفه او بالغير عندما يتصرف تصرفا منافيا لشرف المهنة والنزاهة واللياقة وعدم احترام اخلاقيات المهنة بصفة عامة حتى ولو لم ينتج عن ذلك خطا مدني او جزائي ولعل هذا ما يميز المسؤولية التاديبية عن المسؤوليات المدنية والمسؤولية الجزائية  وهذا ما سيوضحه الزملاء فيما بعد .

العنصر الثاني : المسؤولية الجزائية للمحامي .
ان المقصود بالمسؤولية الجزائية للمحامي هي الناتجة عن جرائم قد يرتكبها المحامي اثناء مباشرته لوظيفته ولا يهمنا الجرائم التي قد يرتكبها خارج مهنته لانها تخضع للقانون العام وتقتضي دراسة هذه المسؤولية النظر في امرين اساسيين :
اولهما : طبيعة واركان هذه المسؤولية، وثانيهما : الحصانة التي يمتنع بها المحامي والتي تحول دون مؤاخذته .
أ- اركان المسؤولية :
المفروض ان المسؤولية الجزائية تقوم في صورة ارتكاب خطا جزائي مكون لجريمة سواء كانت مخالفة اوجنحة او جناية .
ومبدئيا يكون الخطا عمديا ولكنه قد يكون ناتجا عن اهمال .
وهناك صنف من الجرائم يمكن ان يرتبكه المحامي عند ممارسته لعمله نذكر على سبيل المثال جرائم خيانة المؤتمن والتحيل ( النصب) وافشاء السر المهني ) .

فيما يتعلق بجريمة خيانة المؤتمن :
من المعلوم ان الحريف عندما يكلف محاميا للدفاع عنه مدنيا او جزائيا قد يسلمه جملة من الوثائق الهامة حتى يدلي بها للقضاء والمفروض انه عندما تنتهي مهمة المحامي يلزم هذا الاخير بارجاع الوثائق الى صاحبها وقد نص الفصل 43 من قانون المحاماة التونسي على هذا الواجب وتضمن بالخصوص انه لاحق للمحامي في حبس الرسوم والوثائق الا باذن على عريضة من رئيس المحكمةالابتدائية المختصة اذا راى في ذلك ضمانا لحقوقه كما ان نفس المادة  اوجبت على المحامي ان يسلم الاموال التي قبضها والراجعة لمنوبه الى صاحبها في اجل محدد والا يقوم بايداعها بالخزينة العامة .
فعندما يستولي المحامي على الاموال او يتلف الوثائق التي تسلمها فانه يرتكب جريمة خيانة المؤتمن .

- فيما يتعلق بجريمة التحيل :
قد يرتكب المحامي هذه الجريمة بالخصوص عند تحرير بعض العقود وخاصة القوانين الاساسية للشركات اذا كانت وهمية او اذا تاسست في نطاق عمليات نصب وكان هو على علم بذلك .
وفي هذه الصورة يمكن ان يصبح متهما بهذه الجريمة وقد صدر في هذا المعنى قرار عن محكمة التعقيب الفرنسية في قرارها المؤرخ في 30/9/1991 .
كما ان المحامي قد يصبح مرتكبا لجريمة المشاركة في التحيل اذا عمد الى تحرير عقد بيع نفس العقار مرتين وهوعلى علم بالبيع الاول .

- فيما يتعلق بجريمة افشاء السر المهني :
من المعلوم انه عندما يتم ترسيم محام يؤدي القسم ويلتزم بالمحافظة على سر المهنة ( الفصل 5 من قانون المحاماة التونسي) كما ان القانون الجنائي يعاقب كل شخص يفشي السر المهني باعتبار ذلك يمثل جريمة (الفصل 254 من المجلة الجنائية التونسية) كما ان القانون يمنع على المحامين ان يكشفوا عن معلومات تحصلوا عليها بمناسبة قيامهم بمهامهم وليس لهم ان يدلوا بشهاداتهم في شانها ( الفصل 100 من مجلة المرافعات المدنية والتجارية ) .
كما ان الفصل 31 من قانون المحاماة التونسي حجر على المحامي الادلاء بشهادة في نزاع انيب او استشير فيه.
كما ان الفصل 39 من نفس القانون حجر على المحامي افشاء اي سر من اسرار منوبه التي افضى له بها او التي اطلع عليها بمناسبة مباشرته لوظيفته .
ويؤخذ مما تقدم انه ليس للمحامي افشاء السر المهني مهما كانت الظروف .
ولا جدال ان السر المهني يحمي المصالح الخاصة وهو يهم ايضا النظام العام .
وان السر المهني يعطي للمحامين الحق في الصمت حتى ازاء السلطة القضائية او الادارية .
وبذلك فانه لايجوز للمحامي الكشف عن السر المهني .
على ان هذا الواجب يثير اشكالا اذا كان واجب الدفاع يقتضي الكشف عن السر المهني هذا من جهة ومن جهة  ثانية هل يتعارض واجب السر المهني مع واجب اخر يتمثل في وجوب اعلام السلطة بارتكاب جرائم اذ ان القانون الجنائي يوجب اعلام السلطة بكل جريمة ( يراجع الامر المؤرخ في 9/7/1942 والمتعلق بالمشاركة السلبية وقد نص فصله الثاني على معاقبة الشخص الذي يكون على علم من قصد يخشى منه ارتكاب جريمة ولا يعلم بها السلطة العمومية والا فانه يمكن اعتباره شريكا في الجريمة ).

فهل يتغلب واجب كتمان السر المهني على واجب اعلام السلطة العمومية بالجرائم خاصة وان الالتزام بالمحافظة على السر المهني هو التزام مطلق حتى ان بعض الدول اعتبرته قاعدة دستورية مثل القانون الالماني .
وقد اثير اخيرا هذا الاشكال بالنسبة للمحامين الذين قد يتعاملون مع المافيا والاشخاص الذين يتعاطون ترويج المخدرات وقد يسعون الى بعث مشاريع بالاموال المتاتية من المخدرات عن طريق تبييضها فهل يمكن معاقبة هؤلاء المحامين من اجل المشاركة في ذلك وهل يجب عليهم اعلام السلط العمومية بهذه الاعمال .

لقد اتخذت المجموعة الاوربية يوم 29 سبتمبر الماضي قرارا  هاما بعد جدل كبير واحترازات متعددة لمقاومة عمليات تطهير الاموال يقضي بجبر المحامين على افشاء السر المهني عندما يباشرون عملهم بصفتهم مستشارين قانونيين وقد تضمن هذا القرار ان اعضاء المهن القانونية الحرة مثل المحامين والعدول ومراقبي الحسابات ملزمين باعلام السلطة بكل الشبوهات عندما يساعدون حرفائهم على القيام بمشاريع مثل بيع عقارات او مؤسسات تجارية او التصريف في اموال او سندات اوحسابات بنكية .

على ان المحامين يخضعون لهذا الاجراء في صورة قيامهم بعمل النيابة او الدفاع في نطاق اجراءات قضائية .
وبذلك فانه وقع التمييز بين الاعمال القضائية التي يكون فيها السر المهني مطلقا والاعمال القانونية التي يكون فيها السر المهني نسبيا ( يراجع صحيفة لوموند الفرنسية الصادرة في 2/10/2000 صفحة 3) .

ب - الحصانة :
من المبادئ القانونية الواقع اقرارها في جميع التقنينات تقريبا ان المحامي لا يؤاخذ من اجل الثلب اوالشتم او القذف اوالنميمة اذا قام بذلك اثناء المرافعات امام المحاكم او في الملحوظات التي يقدمها الا اذا ثبت سوء النية طبق الفصل 46 من قانون المحاماة، وقد تضمنت جل القوانين العربية وغيرها هذه القاعدة، ولا شك ان اساسها هو احترام حقوق الدفاع وتمكين المحامي من القيام بواجبه بدون قيود وهو شكل من اشكال الحصانة .

II اثار مسؤولية المحامي
عندما تتوفر اركان المسؤولية فانه يمكن القيام على المحامي مدنيا بالتعويض كما يؤاخذ جزائيا في صورة ارتكاب جريمة ويتجه النظر في هذين الصورتين .
ا- الاثار المترتبة عن المسؤولية المدنية :
عندما يرتكب المحامي خطا مهنيا او صناعيا فانه يكون مسؤولا ازاء منوبه او حتى ازاء الغير ويشترط حصول الضرر .
وتثير ممارسة الدعوى المدنية بعض المسائل يمكن حصرها في امرين :
1- كيفية تقدير النظر :
قد تثار المساة عندما يسال المحامي لانه لم يرفع الدعوى مثلا في الاجل القانوني وهنا لابد للمحكمة من ان تنظر في ما فات الحريف من فرصة كسب القضية لو تم رفعها .
وهنا على المحكمة ان تنظر في الحظوظ التي قد تكون للحريف لو رفع دعواه .
اما اذا حكم في  القضية ضد الحريف بسبب تهاون من المحامي فان تقدير مدى قيام مسؤولية قد يكون اسهل عى انه في كل الحالات لا يمكن ان يتعارض هذا التقرير مع قرينة اتصال القضاء .

2- اجل القيام بالدعوى المدنية :
لم تضبط جل قوانين المحاماة هذه المسالة ومبدائيا يجب الرجوع الى القواعد العامة المتعلقة بالتقادم المسقط وذلك بالتمييز بين الدعوى المدنية المبنية على خطا مدني وبين الدعوى المدنية المبنية على جنحة او جناية ومبدئيا يقع العمل بالقواعد العامة المعمول بها في هذه المادة رغم ان بعض القوانين مثل القانون الفرنسي ضبط اجلا محددا لسقوط الدعوى بمرور الزمن وهو عشر سنوات بداية من انتهاء عقد الوكالة .

د- حلول شركة التامين محل المحامي :
اذا كان المحامي مؤمنا فالمفروض ان شركة التامين هي التي تحل محله في التعويض طبق قانون التامين وفي حدود عقد التامين مع الملاحظة ان القانون المؤرخ في 20/7/1998 والمتعلق بالشركات المهنية للمحامين اوجب على هذه الشركات ان تبرم عقد تامين .
كما انه اذا كان المحامي منخرطا في شركة مهنية للمحامين نتساءل هل انه مسؤول شخصيا ام ان المسؤولية تتحملها  الشركة .

لقد اجاب المشرع على هذا السؤال بالفصل 24 من قانون 20/7/1998 وقد اعتبر كل شريك مسؤولا اذا تسبب في مضرة الغير اثناء مباشرته لاعماله المهنية الا انه جعل الشركة المهنية التي يباشر فيها المعني بالتعويض عمله ضامنة له وملزمة باداء المبالغ المستحقة اذا ثبت عدم قدرته على الوفاء جزئيا او كليا ولها حق الرجوع عليه بالدرك .

ب - الاثار المترتبة عن المسؤولية الجزائية :
يؤاخذ المحامي جزائيا مبدئيا طبق القانون العام اذا ارتكب جريمة خارج مهنته.
اما اذا ارتكب جريمة امام المحكمة فانه يحرر محضر في الموضوع يحال على وكيل الجمهورية الذي يتولى انهاء الموضوع الى الوكيل العام ليقرر في شانه ما يراه بعد اعلام رئيس الفرع الجهوي المختص .
واذا كانت الجريمة المقترفة ضد هيئة المحكمة فانه يمكن محاكمته حالا من طرف هيئة اخرى بعد استدعاء ممثل الفرع الجهوي للمحامين .
ونظم الفصل 45 من قانون المحاماة الاجراءات المتبعة في الابحاث ضد المحامي المرتكب لجناية اوجنحة اثناء القيام باعمال مهنته فهو يحال على قاضي التحقيق من طرف الوكيل العام ويتولى قاضي التحقيق استطاقه بنفسه او بواسطة احد زملائه .

وهناك اجراءات خاصة بتفتيش مكتب المحامي اذ لايتم ذلك الا بحضور القاضي المختص ولا يجري التفتيش الا بعد اعلام رئيس الفرع الجهوي للمحامين او احد اعضاء مجلس الفرع وتمكينه من الحضور .
واما في صورة التلبس فان مامور الضابطة العدلية يقوم بكل الاجراءات ما عدا استنطاق المحامي اذ يبقى ذلك من اختصاص القاضي مع اعلام رئيس الفرع الجهوي المختص الذي له ان يحضر الاستنطاق .
ولا شك ان هذه الاجراءات ترمي الى حماية المحامي من كل تعسف .

ولعل من بين المشاكل القانونية معرفة مدى امكانية اقرار المسؤولية الجزائية لشركات المحامين اذا كانت مورطة في جريمة ما مثل التحيل وهذه المسالة تتجاوز في الحقيقة هذه الحالة بالذات لتشمل اشكالية المسؤولية الجزائية للذوات المعنوية .
ويمكن الاقتصار على تتبع المحامي المنخرط في الشركة والذي ارتكب الخطا الجزائي دون حاجة الى مؤاخذة الشركة كذات معنوية .

 مجلة المحاكم المغربية، عدد 86، ص 108 .

Sbek net
كاتب ومحرر اخبار اعمل في موقع القانون والقضاء المغربي .

جديد قسم :