-->

المساواة بين الفرد والإدارة أمام قانون المحاكم الإدارية


الاصل في المجتمعات الحديثة انها تمكن الافراد من مزاولة نشاطهم المشروع، تحت  رعاية  الدولة يشبعون  رغباتهم،  بوسائل  الخاصة.  ويقتصر عمل الدولة على وضع الضوابط المنظمة لهذا النشاط، دون المساس بالمصلحة العامة .

غير انها قد لا تكتفي بهذا الموقف السلبي من النشاط الفردي وتتدخل لتمديد  المساعدة  الى  المشروعات الخاصة، التي  تؤدي  للافراد منافع اساسية، بل وتتدخل الادارة، احيانا، اذا رات ان الافراد لا يستطيعون اشباع رغباتهم، او ان المصلحة العامة تقتضي تدخلها.

وامام تزايد تدخل الادارة، واتساع مجال نشاطها، لتعاظم ثقل الادارة زاد تحكمها في مسار  الحياة  اليومية للمواطنين والجماعات،  مما  ادى  الى  اختلال التوازن بين السلطات العامة، وذلك لحساب السلطة التنفيذية (والادارة بالتبعية) وارتفاع  نسبة  احتمالات انتهاك  الادارة  لسيادة  القانون  والتعسف  في استعماله .

وامام هذه الاتجاه المتنامي لتفوق الادارة العامة تقف الانظمة التقليدية للرقابة على الادارة ( كرقابة البرلمان مثلا)  عاجزة  لوحدها على التصدي الفعال لخروقات القانون وتعسفات الادارة على الافراد .
وقد عبر المجتمع المدني المغربي عن رغبته في وضع حد لهذه الخروقات  الصادرة  عن  الادارة  بعدة  اشكال،  كانتفاضة  الشارع  يوم 14 دجنبر1990 والمسيرات السلمية والاضرابات العامة.
واما رغبة المجتمع المدني المغربي في التغيير جاء الاعلان عن انشاء المجلس الاستشاري لحقوق الانسان، والاعلان عن انشاء محاكم ادارية والتاكيد على استكمال القانون .

ومن هذا المنطلق سنتناول دراسة موضوعنا في قسمين :
القسم الاول : 1) بيان اسباب المساواة بين الفرد والادارة امام المحاكم الادارية .
القسم الثاني : 2) اختصاص دور المحاكم الادارية في حماية الافراد .

1) بيان اسباب المساواة بين الفرد والادارة امام المحاكم الادارية :

لقد كان قرار انشاء المحاكم الادارية محورا بارزا، اذ جاء ليؤكد على بناء دولة القانون والاخذ بعين الاعتبار حقوق المواطنين،  بالنسبة لمختلف السلطات العمومية، وبالتالي جاء ليعطي اهدافا معينة ومضبوطة، للمحاكم الادارية،  لجعلها متميزة عن القضاء العادي .
فالمحاكم الادارية جاءت لتعطي اهدافا معينة ومضبوطة، هادفة الى الاخذ بعين الاعتبار حقوق المواطنين بالنسبة للسلط والادارة والدولة، فالسلطة ليس لها الحق في ان تتجاوز حدودها، ويمكن للمواطن ان يشتكي ضد الاشخاص، الذين يمارسون هذه السلطة بتجاوزها للحدود المرسومة.
فالسلطة ليس لها الحق في ان تتجاوز حدودها، واذا تجاوزتها، فيكون من حق اي مغربي، كيفما كان، ان يشتكي اما بضابط الشرطة او القائد الذي تعسف عليه .

فالمحاكم الادارية جاءت لتعطي الحق لكل مواطن، كي يدافع عن حقوقه، كيفما كان خصمه والنصوص التشريعية المنظمة لهذه المحاكم. جاءت لتضع حدا للسلطات الادارية، في خرقها للقانون، من خلال ممارستها اليومية، في التعامل مع الملكية الخاصة، وعدم الاحترام التام للنصوص التشريعية والتنظيمية، المنظمة لنزع الملكية، من اجل المنفعة العامة، او المنظمة لمختلف الضرائب والجبايات او المنظمة للتقاعد او المعاشات، او المنظمة للانتخابات الادارية، او الضامنة لحقوق الموظفين، العاملين داخل الادارة العمومية.

ونظرا لتعدد هذه المجالات ولاهميتها في تعامل الادارة مع المواطنين اتى قانون المحاكم الادارية ليخفف العبء عن الغرفة الإدارية بالمجلس الاعلى، ولتعزيز تدعيم دولة القانون واحترام القانون، وليجعل حدا للنقص الحاصل في المراقبة الذاتية للإدارة،  والتاكيد على ان احسن رقابة هي الرقابة القضائية شريطة استقلالها عن السلطة التنفيذية.
واهم ما جاء به قانون المحاكم الادارية هو احداث مؤسسة " المفوض الملكي" التي جاءت للدفاع عن القانون والحق.
هذه المؤسسة اقتبسها المشرع المغربي من الدول الاسكندنافية وخاصة السويد، هادفا من ورائها الى احداث ضبط التوازن بين السلطات العامة في الدول والمجتمع المدني المغربي.

فمصطلح المفوض الملكي، تعني ممارسة الرقابة على اعمال الادارة، بهدف صيانة حقوق وحريات الافراد والجماعات، وكم كان أملنا كبيرا في ان تكون اختصاصات هذه المؤسسة، كبيرة وملائمة لطموح المجتمع المدني، الذي طالما خرقت وهضمت حقوقه، بسبب تعنت الادارة،  بحيث لو اخذ المشرع المغربي مؤسسة المفوض الملكي، كما هي مطبقة في الدول الاسكندنافية وغيرها من الدول الاوروبية، لكان افضل .

2) اختصاص دور المحاكم الإدارية في حماية الأفراد :
لقد اتى قانون المحاكم الادارية بالدرجة الاولى، للحفاظ على حقوق المواطنين ووضع حد لبعض مظاهر التعسفات الادارية، او تجاهل السلطة للقانون، ويؤكد على ضرورة تحريك وتنشيط المصالح القانونية لبعض الادارات،  لتقوم بالمهام المنوطة بها، على احسن وجه، ووضع حد للنقص الحاصل، في المراقبة الذاتية للادارة، والتاكيد على ان احسن رقابة، هي  الرقابة القضائية، التي تحتل المرتبة الاولى، من حيث فعاليتها المباشرة، في الحفاظ على مبدا الشرعية، عن طريق احترام القانون من قبل الادارة.
وباطلالة موجزة، على قانون المحاكم الادارية، نجد انه قد اتى ببعض الامتيازات لصالح الافراد منها.
جعل قضاء الالغاء على درجتين ما عدا بعض الاستثناءات .
تعيين مفوض ملكي او مفوضين ملكيين للدفاع عن القانون .
واشتراط احالة الملفات عليه ( الفصل الرابع وحضوره للجلسات وعرض ارائه بكل حرية وبكامل الاستقلالية.
ان المحاكم الادارية يمكن لها ان تامر بوقف تنفيذ قرار اداري ( ف22).
رفع الدعوى الى المحكمة المختصة يوقف حساب اجل دعوى الالغاء لتجاوز السلطة ( ف23) وبهذا يخالف قضاء الغرفة الادارية السابق.

3) ملاحظات اولية على قانون المحاكم الادارية واثرها على المجتمع المدني :
باطلالة على قانون المحاكم الادارية يمكن ملاحظة ما يلي :
ان الامر يتعلق باحداث محاكم ادارية ( الفصل1) وليس لجهاز قضاء اداري مستقل عن القضاء العادي .
تعتبر المادة الثامنة من اهم فصول قانون المحاكم الادارية لكونها تحدد اختصاص المحاكم الادارية، غير ان اول عيب يشوب هذا الفصل، هو عدم النص في مطلعه، على فقرة تخول هذه لمحاكم الاختصاص بكل المنازعات الادارية .

والمشرع باسقاطه لهذه الفقرة يكون قد اضفى طابعا  استثنائيا على اختصاصها، وهذا لا يعني ان المحاكم العادية مختصة بالدعوى الادارية غير المذكورة .
غياب تام لاختصاص رئيس المحكمة الادارية بالقضاء الاستعجالي في المادة الادارية، ولم تتم الاشارة سوى الى شكل ( المادة 36) المتعلقة بنزع الملكية.
غياب تام لدعوى التفسير .
عدم النص على اختصاص هذه المحاكم بجانب من القضاء الزجري .
الاشارة الى اختصاص المحاكم الادارية بالمنازعات الناشئة عن تطبيق القوانين والتنظيمات المتعلقة بمعاشات العاملين لدى الدولة "والمؤسسات العمومية" هل معناه اختصاص هذه المحاكم بمنازعات معاشات كل العاملين لدى هذه المؤسسات، حتى الاجراء، ام فقط معاشات الموظفين العموميين ( كالمدير مثلا ).
انفراد المجلس الاعلى بالاختصاص كاول واخر درجة، بدعاوي تجاوز السلطة الموجهة ضد القرارات التنظيمية والفردية الصادرة عن الوزير الاول ( ف9) .

فيما يتعلق بالطعون الانتخابية (الفصلان 24-25) نلاحظ فراغ ( ف24)، من فقرة تخول هذه المحاكم اختصاصا عاما بكل المنازعات الانتخابية ( غير التشريعية)، بل قام بتعديد مجموعة من الحالات : كالانتخابات المتعلقة بالمجالس البلدية والغرف الفلاحية،  وغرف الصناعة التقليدية .
واغفل بهذا القانون عدة انواع من الانتخابات كالطعن في انتخاب ممثلي رجال التعليم الباحثين.

في المادة الضريبية ( الفصول من 16 الى 34) لم تميز بين انواع الضرائب ولم تؤكد على شمولية سلطات القاضي لالغاء القرار وتصحيحه ( كتعديل مبلغ الضريبة مثلا وانزالها الى القدر المعقول).
المنازعات المتعلقة بالمعاشات ( الفصول 39 الى 41) لم ترد فقرة تخول المحاكم اختصاصا عاما بمنازعات المعاشات، بل اوردت انواعا محددة : مثل المعاشات المدنية والعسكرية والانظمة الجماعية للتعويضات والتقاعد ولتستأنف قرارات لجنة الاستئناف بخصوص النوع الاخير امام المحكمة الادارية بالرباط فقط .

ونعتقد انه بابرازنا لبعض الملاحظات الاولية،  حول قانون المحاكم الادارية، فان المجتمع المدني المغربي، وان كان قد عجز في كثير من الحالات، وبشتى الوسائل، عن خروقات الادارة وتعسفها، فانه لازال لم يصل بعد الى الهدف المنشود، الرامي الى تحقيق توازن حقيقي بين الفرد والادارة.
ونرى انه قد آن ان ننعش مؤسساتنا بتزويدها بدم جديد، لنعتمد عليها في حل مشاكلنا اليومية، بشكل ينسجم مع طبيعة حكمنا وخصوصيات نظامنا.

* مجلة المحاكم المغربية، عدد 71، ص 61 .

Sbek net
كاتب ومحرر اخبار اعمل في موقع القانون والقضاء المغربي .

جديد قسم : أبحاث قانونية مغربية