-->

الاعفاء الجماعي الكلي او الجزئي للمستخدمين

تعليق على القرار 512
بتاريخ 26/10/1992
في الملف الاجتماعي عدد 8344/90
بقلم الأستاذ عبد اللطيف الحاتمي 

نشرت مجلة المحاكم المغربية في عددها 66 صفحة 156 وما  بعدها القرار الصادر عن المجلس الاعلى تحت عدد تحت عدد 1508 في الملف الاجتماعي عدد 8033/90 الذي اقر عدة قواعد بخصوص مرسوم 14 غشت 1967 المتعلق بالابقاء على نشاط المؤسسات الصناعية والتجارية وباعفاء مستخدميها يمكن تلخيصها فيما يلي :
1) سكوت عامل الاقليم او العمالة على طلب اغلاق المؤسسة بعد مرور 3 اشهر على ايداعه يعتبر قبولا ضمنيا لان ذلك جاء بصريح النص .
2) اما الاعفاء الجماعي الكلي او الجزئي للمستخدمين فانه  يستوجب  اذنا صريحا ومكتوبا لا ضمنيا من طرف العامل لعدم جواز قياس هذه الحالة على حالة الاغلاق .
3) لا يمكن لاي قرار اخر ان يقوم مقام اذن العامل ولو كان محضر اجتماع حكومي يتضمن موقفا بذلك وان كان حاضرا فيه العامل المعني بالامر .
4) لا يمكن الاعتداد بالاذن الصادر عن العامل بالاعفاء الجماعي اذا جاء مرخصا بذلك بعد تحرير رسائل الفصل .

والواقع  ان  هذا  القرار  كان  يحتاج الى تعليق خاص، لانه ليس الا قرارا واحدا من عدة قرارات، اصدرها المجلس الاعلى في دعوى مرفوعة من عدة مدعين، على مدعى عليه واحد  في  موضوع واحد، وراج في عدة ملفات. وعندما لوصل الى المجلس الاعلى، قضى في بعضها برفض النقض ثم ظهر له وجود خطا فيما ذهب اليه، فبادر الى استدراك ذلك بالبث في باقي القضايا بهيئة متركبة من غرفتين بقضاء مخالف لقضائه الاول وبهذا كان من الضروري ان يعلم القارئ بالقرارات اللاحقة التي عدل  فيها  المجلس  الاعلى  عن  قضائه الاول ، مع تعليق قانوني يقدم شروحا اخرى في موضوع النزاع الذي له جانب اجتماعي واقتصادي مهم، وهذا ما يرمي اليه هذا التعليق .

ورغبة مني في الكشف عن معطيات النزاع كما عرضت على القضاء ارتايت نشر القرار الصادر  بتاريخ  26/10/1992 الذي تراجع فيه المجلس الاعلى بغرفتين مجتمعتين عن موقفه السابق وعن القواعد التي سبق له ان اقرها في نفس النازلة .

منذ سنة 1977 عرف السوق الدولي للناقلات الصناعية تدهورا خطيرا بسبب الازمة الاقتصادية العالمية الشيء الذي جعل اغلب الشركات تعاني تقلصا في مداخلها تسجل سنة عن سنة خسارات متتالية ومتصاعدة .
وقد تاثر السوق المغربي في هذا القطاع بدوره بنفس المعطيات نظرا لارتباطه الوثيق بالسوق الدولي بل ضاعفت من حدة الازمة في المغرب الاسباب الاقتصادية الداخلية التي تمثلت على الخصوص في ظاهرة الجفاف التي دامت عدة سنوات من جهة وتخفيض النفقات العمومية من جهة اخرى مما تسبب بصفة حتمية في انهيار سوق الشاحنات بالمغرب وذلك بتقلص نسبة الطلب عليه .
وان شركة بيرلي المغرب باعتبارها وحدة صناعية خاضعة لنفس التيارات سجلت انخفاضا مهولا في الطلبات على منتوجاتها منذ سنة 1977.

فقد نزلت بالفعل تلك الطلبات في سنة 1978 من 4342 وحدة الى 2750 وحدة ثم الى 863 وحدة سنة 1981 لتصل سنة 1983 الى 731 وحدة فقط أي بانخفاض الانتاج اربع مرات وهكذا انتقل انتاجها من 6 شاحنات عن كل عامل في السنة الى اقل من شاحنة ونصف سنة 1983 الشيء الذي يمكن ترجمته اقتصاديا بانها ادت ما بين سنة 1974 و1978 عن كل شاحنة تم انتاجها 145 ساعة من العمل الفعلي في حين ادت عن نفس الشاحنة ما بين 1979 و1983 مقابل 250 ساعة عمل بمعنى ان تكلفة الشاحنة الواحدة قفزت الى الضعف .
وبعبارة اوضح فقد نتج عن هذا التدهور عجز يقدر بما يقرب من مليار سنتيم بالنسبة لشركة بيرلي المغرب .

وامام هذه الوضعية الاقتصادية المزرية تقرر اعادة النظر في الحصة الاسبوعية للعمل بالتخفيض منها وجعلها 35 ساعة عوض 48 ساعة في الاسبوع وذلك من اجل خلق التوازن بين الانتاج الضروري للحفاظ على حسن سير المؤسسة من جهة والمنافسة التي يحدثها أو يمارسها منتوجها في السوق.

وعلى اثر ذلك قرر العمال بتاريخ 28 نونبر1983 القيام باضراب مبلور ترتب عنه تخفيض الانتاج بما يقرب من 50 % واستمر طيلة شهر دجنبر1983.
وامام استمرار هذه الوضعية اضطرت شركة بيرلي الى اثبات هذا الحال بواسطة خبرة قضائية عين للقيام بها الخبير السيد سليمان الطياش بتاريخ 20/12/1983 بمقتضى قرار عن رئيس المحكمة الابتدائية بالدار البيضاء في الملف عدد 17587/83.

وان الخبير المذكور بعد قيامه بالمهمة المسندة له والتي استغرقت مدتها 12 يوما بعين المكان استخلص ان العمال الموكول اليهم انتاج الشاحنات بامكانهم انتاج 8 شاحنات ونصف يوميا في حين انهم لا ينتجون الا اربعة وانه لاحظ تباطؤ في العمل يضيع بواسطته يوميا 114 ساعة من العمل المؤدى عنه الاجر ونظرا لموقف العمال الذي نتج عنه زيادة في تدهور الوضعية الاقتصادية لشركة بيرلي فانه استحال عليها الوصول الى الهدف المتوخى بالرغم من التخفيض من الحصة الاسبوعية للعمل واصبح من اللازم ايجاد حل اكثر فعالية من شانه ان يساعد شركة بيرلي على الخروج من الازمة ويوفر لها استمرارية نشاطها ويقيها مغبة الاقفال النهائي وضياع 471 منصب عمل التي توفرها لسوق الشغل .
لذا ارتاى مجلسها ان هذا الحل يكمن في التقليص من عدد المستخدمين واعفاء جزء منهم طبقا لمقتضيات مرسوم 14 غشت 1967.

واحتراما للمقتضيات القانونية في هذا الشان كاتبت شركة بيرلي بتاريخ 21/3/1984 السيد عامل عمالة الحي المحمدي عين السبع بالدار البيضاء الذي يوجد مقر شركة بيرلي في دائرة نفوذه تمخض عنها عقد اجتماع بمقر العمالة بتاريخ 3 ابريل1984 برآسة السيد العامل وحضور السادة ادريس المراني من الامن الوطني والسيد دانون المندوب الاقليمي لوزارة التشغيل والسيد مهندس والسيد بوزوبع من ادارة شركة بيرلي والسيد معمري ممثل الاتحاد المغربي للشغل عن العمال .

وقد تقرر في هذا الاجتماع :
1) تخفيض حصة العمل الى 3 ايام في الاسبوع فقط 
2) التزام العمال باستئناف الانتاج والوصول به الى المستوى الاقصى في انتظار نتائج الخبرة التي ستنجز بمسعى من العمالة ومندوبية الشغل 
3) التزام العمال بالامتثال الى تعليمات السيد العامل باحترام النظام داخل المعمل .
وتم تحرير محضر بذلك يحمل توقيع السيد العامل .

وتنفيذا لتعليمات السيد عامل تم تعيين الخبير السيد السائح محفوظ الذي حرر تقريرا في 3 صفحات استخلص فيه ان القوة الانتاجية لمعمل شركة بيرلي تتأرجح ما بين 14 % و58 % حسب انواع الشاحنات وان هذه النسبة التي يحققها العمال اقل بكثير من النسبة العادية .
وامام الزيادة في تدهور الوضعية طلبت شركة بيرلي من السيد العامل بتاريخ 27 ابريل1984 السماح لها باقفال الشركة مؤقتا في انتظار الاهتداء الى حل يرضي جميع الاطراف .

وبتاريخ 3 مايو1984 وافق السيد العامل كتابة على الاقفال المؤقت للشركة لمدة 3 اشهر ابتداء من يوم الاثنين 7 مايو1984 وقع تجديده لمدة شهر اضافي ابتداء من 8/8/84 ثم لمدة شهر اخر ابتداء من 9/9/1984 ثم تقرر تمديده من جديد لغاية 31/10/1984 .

وعليه فتكون الشركة قد اقفلت ابوابها بصفة مؤقتة من 7/5/1984 الى 31/10/1984 أي لمدة 6 اشهر ترتب عنها غياب شركة بيرلي عن السوق المغربية وبالتالي ضياع زبنائها الاعتياديين الذين اضطروا الى التزود من المنافسين .

اكثر من ذلك فقد نتج عن هذا الغياب عجزها عن الوفاء بالتزاماتها اتجاه المزودين والابناك وخصوصا تلبية قطاع الغيار، مما جعل الزبناء يفقدون الثقة في منتوجها الذي اصبح لا يضمن لهم الاستمرارية لتوقف شاحناتهم احيانا من اجل عدم ايجاد ابسط قطعة تكون في حاجة اليها الشيء الذي نتج عنه توصلنا برسائل احتجاج او التهديد بالمقاضاة او اجراء الحجوز الخ …..

واما تفاقم الوضعية اضطرت شركة بيرلي الى توجيه طلب الاعفاء الجزئي لمستخدميها الى السيد عامل الحي المحمدي عين السبع بتاريخ 24 يوليوز1984.

ونظرا للاهمية الاقتصادية والصناعية لشركة بيرلي في السوق المغربي ارتاى السيد العامل ان يعرض الامر على الوزير الاول، لكي يدرس الطلب على مستوى حكومي .
وبالفعل انعقد اجتماع بمقر الوزارة الاولى بتاريخ 24 اكتوبر1984 برآسة الوزير الاول السيد محمد كريم العمراني حضره السادة : 
ادريس البصري وزير الداخلية
الطيب بن الشيخ الوزير المنتدب لدى الوزير الاول المكلف 
بالشؤون الاقتصادية 
عبد اللطيف الجوهري وزير المالية
عز الدين كسوس وزير التجارة والصناعة والسياحة
مولاي الزين الزاهدي وزير التشغيل 
رشيد الحدواي مستشار الوزير الاول
محمد حجاج الكاتب العام لوزارة الداخلية
احمد شوقي عامل عمالة الحي المحمدي عين السبع
الجيلالي ظريف مدير الوكالة العقارية بالدار البيضاء
صالح علابوش مدير المكاتب المستقلة بوزارة الداخلية
مولاي ادريس الوزاني الرئيس المدير العام لشركة بيرلي المغرب
عبد الله بلقزيز المدير العام للشركة العامة للاستثمارات 
عمر العمراوي المدير العام لشركة بيرلي المغرب 

وقد تقرر عن هذا الاجتماع :
1) الاذن لشركة بيرلي باعفاء 180 من مستخدميها بناء على طلبها المودع بتاريخ 24 يوليوز1984 مع الاشارة الى ان سلطات وزارة الداخلية فضلت لاسباب شرحتها في الاجتماع اعطاء الاذن الضمني بعد مرور 3 اشهر على ايداع الطلب طبقا لمقتضيات المرسوم المؤرخ في 14 غشت 1967 (هكذا).
2) تكليف السيد عامل عمالة الحي المحمدي عين السبع بمساعدة شركة بيرلي، لحل المشكل الاجتماعي بصفة نهائية وذلك بالاتفاق مع السلطات المحلية على مبلغ التعويض الذي ينبغي منحه للمعنيين بالفصل .
3) تكليف السيد وزير الداخلية بصفته صاحب الوصاية على المكتب المستقل للنقل الحضري بحمل هذا الاخير على توفير الامتياز لشركة بيرلي فيما يتعلق باقتناء الحافلات وقد اقترح السيد وزير الداخلية ان يكون عددها 300 حافلة في بداية الامر .
4) تكليف السيد وزير المالية بالتدخل لدى الخزينة العامة لكي يتم اداء جميع المبالغ المالية المدينة بها الادارات العمومية لشركة بيرلي وفي اسرع وقت ممكن.
كما تكلف بالتدخل لدى البنك الوطني للتنمية الاقتصادية من اجل الاكتتاب في الرفع من راس مال شركة بيرلي لمبلغ 30 مليون درهم.
كما تكلف كذلك بالتدخل لدى القطاع البنكي من اجل تمتيعها بالتسهيلات الاعتيادية لغاية وضع الاسس لاعادة هيكلة مشروعها.
كما تكلف كذلك بالتدخل لدى جميع الابناك من اجل حملهم على سحب شيكاتهم ضدها.
5) تكليف الشركة الوطنية للاستثمارات بالمساهمة في رفع راس مالها وحمل زملائها الاجانب على اتخاذ نفس الموقف.
وقد تم تحرير محضر بجميع هذه التوصيات توصلت به شركة بيرلي بتاريخ 8 نونبر1984 تحت عدد 922.
وتنفيذا لذلك قامت شركة بيرلي باعفاء 180 مستخدما على اثر انصرام ثلاثة اشهر على ايداع الطلب وبعد معاينة احترام جميع الشكليات.

كما طلب السيد عامل عمالة الحي المحمدي عين السبع من شركة بيرلي بمقتضى رسالة مؤرخة في 25/2/1985 الاخذ بعين الاعتبار الصبغة الانسانية لتقدير التعويض المستحق للمستخدمين الذي سيتم اعفاؤهم ومنحهم تعويضات صلاحية أفيد لهم مما يمنحهم القانون وذلك على اساس :
1) اجرة اسبوعين عن كل سنة بالنسبة للمستخدمين الذين يتقاضون اجرتهم بالساعة .
مشيرا في نفس الرسالة الى الاجتماع الحكومي المنعقد في 24 اكتوبر1984 الذي صدر فيه قرار الاعفاء.
وهكذا فقد توصل جميع المفصولين بالمبالغ المتفق عليها صلحا مع السلطة المحلية وممثليهم.
الا ان 150 مستخدما من ضمن 180 المفصولين بناء على هذا القرار ارتاوا اللجوء الى القضاء معتبرين ان طردهم كان تعسفيا وملتمسين الحكم لهم بتعويضات مختلفة.

وقد اصدرت المحكمة الابتدائية بالدار البيضاء بتاريخ 30 يوليوز1986 حكما موحدا في جميع الملفات قضى برفض الطلب استنادا الى الحيثيات التالية :
" وحيث تبث للمحكمة من الرسالة المؤرخة في 24/7/84 خلافا لما جاء في مذكرة المدعي ان المدعى عليها طلبت من السيد العامل لعمالة عين السبع الحي المحمدي قبل اتخاذ قرارها بالفصل بالترخيص لها بالاعفاء الجزئي لمستخدميها بعد استفحال ازمتها وبعد اتخاذها لعدة اجراءات كالتخفيض من ساعات العمل واغلاق ابوابها بصفة مؤقتة بعد الحصول على اذن بذلك من السيد العامل وعقد عدة اجتماعات مع ممثلي العمال وممثل وزارة التشغيل والسلطات المحلية".
" وحيث ان قرار الفصل تم بتاريخ 26/10/84 كما هو ثابت من رسالة الطرد الموجهة للمدعي ولزملائه أي بعد مرور ثلاثة اشهر من تقديم طلب الترخيص لها باتخاذ هذا القرار".

وبعد استئنافه قررت محكمة الاستئناف بالدار البيضاء بتاريخ 2 مارس 1989 قرارا موحدا في جميع الملفات قضى بالغاء الحكم المتخذ والحكم من جديد باعتبار الطرد تعسفيا استنادا الى الحيثيات التالية :
" وحيث ان الفصل الثاني من المرسوم المشار اليه ( أي مرسوم 14/8/87) ينص على ان السيد العامل يبث في الطلب الموجه اليه والمتعلق بالاغلاق الكلي او الجزئي في اجل لا يتعدى ثلاثة اشهر وعند عدم الجواب خلال الاجل المذكور يعتبر الاغلاق ماذونا فيه".

" وحيث ان الفصل الثالث من نفس المرسوم والمتعلق بطلب الاعفاء وان أحال على الفصل الثاني من المذكور فيما يخص استشارة السيد العامل قبل اتخاذ قراره في الطلب للجنة المؤلفة بموجب المرسوم 31566 وتاريخ 14/8/87 فانه سكت عن الاجل الذي يبث خلاله العامل في الطلب كما سكت عن عدم جوابه خلال المدة المذكورة هل يعتبر اذنا بالاعفاء مثل ما هو الحال في الاغلاق ام لا وحيث ان الاصل في سكوت الادارة ومنها السيد العامل عن الطلبات المقدمة لها ومنها طلب المشغل باعفاء جميع او بعض مستخدميه خلال ستين يوما يعد رفضا لها طبقا للفصل 360 من قانون المسطرة المدنية، وكل استثناء بذلك يجب ان ينص عليه صراحة كما هو الحال في الفصل الثاني من المرسوم 14/8/67 فانه سكت عن الاجل الذي يبث خلاله العامل في الطلب كما سكت عن عدم جوابه خلال المدة المذكورة هل يعتبر اذنا بالاعفاء مثل ما هو الحال في الاغلاق ام لا وحيث ان الاصل في سكوت الادارة ومنها السيد العامل عن الطلبات المقدمة لها ومنها طلب المشغل باعفاء جميع او بعض مستخدميه خلال ستين يوما يعد رفضا لها طبقا للفصل 360 من قانون المسطرة المدنية، وكل استثناء بذلك يجب ان ينص عليه صراحة كما هو الحال في الفصل الثاني من مرسوم 14/8/67 المذكور والفصل 360 من قانون المسطرة المدنية والفصل 43 من ظهير 30/9/76 المتعلق بالتنظيم الجماعي".

" وحيث انه بذلك لا مجال لقياس حالة الاعفاء على حالة الاغلاق واعتبار سكوت السيد العامل خلال ثلاثة اشهر اذنا ضمنيا بالاعفاء،  بل على العكس من ذلك يعتبر سكوته رفضا طبقا للفصل 360 من قانون المسطرة المدنية المشار اليه".

وامام هذا التاويل المثير للفصل الثالث من مرسوم 14 غشت1967 اضطرت شركة بيرلي المغرب الى الطعن في قرارات 2 مارس 1989 بالنقض امام المجلس الاعلى الذي اصدر قرارا موحدا في عشرين ملفا كانت جاهزة بتاريخ 27/5/1991 و3/6/91 و17/6/91 ومن ضمنها القرار عدد 1508 الصادر في الملف الاجتماعي عدد 8033/90 بتاريخ 3/6/91 والمنشور بمجلة المحاكم المغربية عدد 66 صفحة 156 وما بعدها الذي كان السبب وراء هذا التعليق .

ومن خلال استقراء هذا القرار يتبين ان المجلس الاعلى اقر محكمة الاستئناف في اتجاهها من حيث استبعاد قياس حالة الاعفاء الجزئي او الكلي للمستخدمين على حالة اغلاق المؤسسة بسبب اختلاف المسطرة حسب المجلس الاعلى وبسبب انعدام النص الصريح حسب محكمة الاستئناف بالدار البيضاء.

لكن المجلس الاعلى لم يقر محكمة الاستئناف فيما يخص قياس حالة الاعفاء على الفصل 360 من ظهير المسطرة المدنية بقوله :
" وحيث ان هذا التعليل يقوم مقام التعليل المنتقد من طرف الطاعنة والمتعلق بتطبيق مقتضيات الفصل 360 من ق م م وظهير 30/9/76 المتعلق بالجماعات على حالة الاعفاء".
" وحيث انه اذا كان الحكم المطعون فيه سليما من منطوقه ولم يشبه سوى خطا في علة قانونية فان ذلك لا يبطله ما دام للمجلس الاعلى حق تصحيح العلل القانونية الصرفة وبذلك فالوسيلة غير منتجة في شقها الاول وغير مرتكزة على اساس في شقها الثاني".

وقد احدث صدور هذا القرار وما ينطوي يعليه من تاويل خاطئ لروح مرسوم 14 غشت 1967 ضجة كبرى في الاوساط الاقتصادية القانونية مما حدا بالمجلس الاعلى استنادا الى مقتضيات الفقرة الثانية من الفصل 371 من ظهير المسطرة المدنية الى احالة الملفات الجاهزة الاخرى التي لم يكن قد وقع البت فيها بعد على غرفتين مجتمعتين باضافة الغرفة الشرعية الاولى الى الغرفة الاجتماعية الاصلية للبت في النقطة القانونية النزاعية التالية : 
" عندما سكت الفصل الثالث من مرسوم 14/8/1967 عن الاجل الذي يتعين على عامل الاقليم او العمالة الجواب فيه عن طلب الاعفاء الجزئي او الكلي للمستخدمين وكذا سكوته عن عدم الجواب بعد انصرام ثلاثة اشهر على توصله بالطلب هل يعتبر قبولا للطلب قياسا على حالة الاغلاق المنظمة بمقتضى الفصل الثاني من نفس المرسوم ام لا ؟"

وهكذا وفي غرفتين مجتمعتين اصدر المجلس الاعلى بتاريخ 26 اكتوبر1992 قرار نموذجيا في 23 ملفا اصبحت جاهزة منذ صدور القرار السابق ومن ضمنها القرار المنشور اعلاه موضوع هذا التعليق.
وقد اعتمد المجلس الاعلى في قراره على الوسيلة الثانية المثارة من طرف شركة بيرلي في عريضة النقض والمحررة على الشكل التالي :
الوسيلة الثانية : خرق القانون وعلى الخصوص مقتضيات الفصل 360 من قانون المسطرة المدنية والفصل 43 من ظهير 30 شتنبر1976 المتعلق بالتنظيم الجماعي وسوء تطبيق القانون وانعدام التعليل.

ذلك ان
القرار المطعون فيه اعتبر ان الفصل في سكوت الادارة ومنها السيد العامل عن الطلبات المقدمة لها ومنها طلب المشغل باعفاء جميع او بعض مستخدميه خلال ستين يوما يعد رفضا لها طبقا للفصل 360 من قانون المسطرة المدنية .
وان كل استثناء لذلك يجب ان ينص عليه صراحة كما هو الحال في الفصل الثاني من مرسوم 14 غشت1967 المذكور والفصل 360 من قانون المسطرة المدنية والفصل 43 من ظهير30 شتنبر1976 المتعلق بالتنظيم الجماعي .

في حين
اورد المشرع الفصل 360 من قانون المسطرة المدنية في الباب الثاني من القسم السابع المتعلق بالمسطرة امام المجلس الاعلى بخصوص الطعن في قرارات السلطة الادارية بسبب الشطط في استعمال السلطة.
وان هذا النص يعتبر نصا خاصا قاصرا على الاجل الذي ينبغي للسلطة الادارية ان تبث داخله لا في اذن او ترخيص ما ولكن في طلب استعطافي واسترحامي الهدف منه التراجع عن قرار سبق للادارة ان اتخذته وبالتالي فانه من المنطق ان يكون سكوت الادارة في هذه الحالة رفضا لطلب التراجع عن القرار المتخذ.

وفي حين كذلك
انه بالرجوع الى الفصل 43 من ظهير30 شتنبر1976 المتعلق بالتنظيم الجماعي سيتأكد المجلس الموقر من ان هذا النص يتحدث عن اختصاصات رئيس الجماعة في فقرته الاولى وعن عدم امكانية مقاضاة أي جماعة في غير الدعاوي الحيازية والاستعجالية الا بعد ارسال مذكرة تتضمن موضوع واسباب الطلب الى السلطة الوصاية مقابل وصل بذلك في فقرته الثانية وعن اجل رفع الدعوى امام المحاكم في فقرته الثالثة وعن التقادم في الفقرة الرابعة.
وان هذا النص لا يتحدث اطلاقا عن سكوت الادارة هل يعتبر قبولا ام رفضا .
وان الامر هنا يتعلق كذلك بنص خاص الهدف منه اخبار سلطة الوصاية بكل دعوى غير الدعاوي الحيازية والاستعجالية التي تستهدف الجماعات المحلية.

وان المدعي لا يتقدم بطلب يرمي من ورائه الى الحصول على اذن ما او ترخيص معين، بل يبعث بمذكرة تتضمن موضوع وسبب الطلب ويحصل في مقابل ذلك على وصل يثبت ايداع المذكرة، ولا يمكن رفع الدعوى الا بعد شهرين على ايداع الوصل المسلم له.
وان القرار المطعون فيه باستناده الى هذا النص الذي لا يشير الى سكوت سلطة الوصاية يكون قد جعل قضاءه متسما بانعدام التعليل .

والحال
ان القرار المطعون فيه بايراد نص الفصل 360 من قانون المسطرة المدنية ونص الفصل 43 من ظهير30 شتنبر1976 اراد قياس الحالة التي يتقدم فيها المشغل الى عامل العمالة او الاقليم بطلب يرمي من ورائه الحصول على الاذن باعفاء جميع او بعض مستخدميه وهي الحالة الوارد عليها النص في الفصل 3 من المرسوم الملكي الصادر في 14 غشت 1967 وقياسها على الحالة التي يتقدم فيها المواطن الى السلطة الادارية التي اتخذت في حقه قرارا اضر بمصالحه بطلب استرحامي يلتمس فيه التراجع عن قرارها .

وان القرار المطعون فيه باستعماله هذا القياس اراد استنتاج الاتي :
انه ما دام المشرع لم يتحدث عن سكوت الادارة في الفصل 3 من المرسوم الملكي الصادر في 14 غشت 1967 هل يعتبر قبولا ضمنيا ام رفضا فانه ينبغي تلمس الحل في الفصل 360 من قانون المسطرة المدنية الذي يعتبر سكوت الادارة عن الطلب الاسترحامي بمثابة رفض له مادام العامل جزء من الادارة .

في حين
لا يلجا الى القياس الا اذا وجدت شروطه عملا بالقاعدة الفقهية القائلة :
" القياس الى جامع لا يصح" التي تعني انه اذا لم يوجد اشتراك في العلة والمعنى بين الفرع واصله فان حكم الاصل لا يمكن ان ينقل الى الفرع وانما يلحق الفرع باصله اذا تساويا في العلة المناسبة للحكم.
وحيث حالة طلب الاذن بتسريح جميع اوبعض المستخدمين لا يشترك في العلة مع حالة طلب التراجع عن القرار الاداري، لان الاولى علتها تلافي افلاس المؤسسة والثانية علتها الرافة والعطف والتسامح والصفح عن اخطاء ارتكبها شخص معين.

وحيث ان ما يؤكد اختلاف العلة ان المشرع حدد للعامل اجل ثلاثة اشهر لمنح الاذن باغلاق المؤسسة بصفة نهائية او تسريح جميع او بعض مستخدميها فقط ولم يحدد للسلطة الادارية التي اتخذت القرار الضار بشخص معين للتراجع عن قرارها الا شهرين فقط.

وفي حين كذلك
ورد في القرار المطعون فيه ( اسفل الصفحة 6) 
حيث انه بذلك لا مجال لقياس حالة الاغلاق واعتبار سكوت " السيد العامل، خلال ثلاثة اشهر اذنا ضمنيا بالاعفاء على العكس من ذلك يعتبر "سكوته رفضا طبقا للفصل 360 من قانون المسطرة المدنية المشار اليه.
وحيث ان القرار المطعون فيه استبعد قياس حالة الاعفاء على حالة الاغلاق، على الرغم من اتحاد العلة. وتبنى قياس حالة الاعفاء على سكوت الادارة عن التراجع عن قرارها الصادر بمصلحة شخصية على الرغم من انعدام العلة في الحالتين .

وحيث ان القرار المطعون فيه استبعد من جهة ثانية قياس حالة الاعفاء على حالة الاغلاق على الرغم من اندراجهما تحت نص قانوني واحد يحمل عنوانهما معا وتبنى قياس حالة الاعفاء على حالة سكوت الادارة عن طلب التراجع عن قرارها على الرغم من ورودها في نصين خاصين مختلفين ومتباينين لا تربط بينهما اية رابطة على الاطلاق، اذ الاول يتعلق بطلب اذن، والثاني يتعلق بطلب التراجع عن قرار .

وذلك ان
حالة الاعفاء الجزئي او الجماعي للمستخدمين تتحد مع حالة اغلاق المؤسسة التجارية او الصناعية في العلة وتندرج معها تحت نص تشريعي واحد وتتوفر في الحالتين معا علة واحدة وهي تلافي الكارثة الاقتصادية والافلاس الذي يحدق بالمؤسسة لو لم تقلص من مستخدميها، او لم تغلق ابوابها، وبالتالي فقياس الحالة الثانية على الاولى يفرضه المنطق وتحتمه الضرورة الواقعية ويسانده القانون .
بل اكثر من ذلك فانه لا مجال لاعمال القياس بين الحالتين، لكون الحالة الاولى ( اغلاق المؤسسة) تضم الحالة الثانية ( اعفاء المستخدمين).

ذلك ان
اغلاق المؤسسة ينتج عنه بصفة حتمية تسريح المستخدمين، وبالتالي يعتبر الاغلاق من الناحية الواقعية والاجتماعية اجراء ينطوي على خطورة اكبر من الاعفاء الذي قد يمس قلة قليلة من المستخدمين بالنسبة الى عددهم الاجمالي .
فاذا كان المشرع قد اكتفى في حالة اغلاق المؤسسة بصفة نهائية بالاذن الضمني أي اعتبر سكوت العامل بمثابة قبول ضمني لطلب الاغلاق الكلي فانه من باب اولى ان يكون نفس السكوت بمثابة قبول ضمني لطلب التسريح الجزئي للمستخدمين.

وحيث ان هذا هو السبب الذي حدا بالمشرع الى عدم تكرار نص الفقرة الثانية من الفصل الثاني من المرسوم الملكي في 14 غشت 1967 عقب الفصل الثالث المتعلق بالاعفاء لانعدام الفائدة من ذلك .
وحيث ان القرار المطعون فيه باستبعاده قياس حالة الاعفاء على حالة الاغلاق وقبوله قياسها على حالة الفصل 360 من قانون المسطرة المدنية يكون قد خرق النصين المشار اليهما في الوسيلة واساء تطبيق القانون ولم يجعل لقضائه اساسا من القانون مما يعرضه الى النقض والالغاء .

وقد تبنى المجلس الاعلى بغرفتين مجتمعتين هذه الوسيلة وجعلها اساسا لقضائه بقوله :
" حقا حيث تبين من النعي المذكور ان قرار محكمة الاستئناف جانب الصواب لما اعتبر عدم جواب السيد العامل على طلب الشركة المتعلق باعفاء بعض مستخدميها خلال اجل شهرين رفضا منه لذلك الطلب، مطبقة مقتضيات الفصل 360 من قانون المسطرة المدنية في حين ان الفصل المذكور يتعلق بالمسطرة المطبقة امام المجلس الاعلى بخصوص الطعن في مقررات السلطة الادارية وان اجل الشهرين المنصوص عليه في ذلك الفصل يتعلق بالمهلة المحددة لهذه السلطة وذلك للجواب عن طلب استرحامي بشان التراجع عن قرار سبق للادارة ان اتخذته واعتبر النص سكوت الادارة عن الجواب على ذلك الطلب ومرور اجل الشهرين رفضا لذلك الطلب".

وحيث انه لا يمكن ان يطبق ذلك الفصل ( الفصل 360 من قانون المسطرة المدنية) على طلب اعفاء بعض المستخدمين من عملهم قياسا لحالة المشغل وطلبه للعامل على حالة المستعطف للادارة وطلبه لان مسطرة الشغل والاعفاء منه كلا او بعضا منظمة بمقتضى نص خاص وهو المرسوم رقم 31466 بتاريخ 14/8/1967 بمثابة قانون المتعلق بالابقاء على نشاط المؤسسات الصناعية والتجارية واعفاء مستخدميها كلا او بعضا.

" وحيث انه نتيجة لذلك يكون القياس المتخذ من طرف محكمة الاستئناف بين التظلم الاستعطافي وطلب اعفاء بعض المستخدمين قياسا فاسدا وغير مقبول للتباعد الموجود بين الحالتين اصلا وعلة وبالتالي يكون تطبيق القرار المطعون فيه للفصل 360 من قانون المسطرة المدنية على النازلة منعدم الاساس القانوني والتعليل لذلك كما ورد في القرار المطعون فيه يعتبر فاسدا ينزل منزلة انعدام التعليل".

وهكذا قرر المجلس الاعلى بغرفتين مجتمعتين نقض القرارات المتخذة من طرف محكمة الاستئناف بالدار البيضاء واحالة النزاع والاطراف على نفس المحكمة للبث في القضية من جديد طبقا لقانون وهي متركبة من هيئة غير التي اصدرت القرار المنقوض .
وبذلك اصبح القرار المنشور بمجلة المحاكم المغربية في عددها 66 صفحة 156 وما بعدها منسوخا وعديم الاثر من الناحية القانونية.

الاستاذ. عبد اللطيف الحاتمي 

* مجلة المحاكم المغربية، عدد 68-69، ص 78.



Sbek net
كاتب ومحرر اخبار اعمل في موقع القانون والقضاء المغربي .

جديد قسم : التعليق على الاحكام و القرارات