-->

التصور الخارجي للشركات في ضوء الاصلاح القانوني



                                                                                                                                                     محمد الادريسي العلمي المشيشي
                                             استاذ التعليم العالي

 
2- التصور الخارجي للشركات في ضوء الاصلاح القانوني :
 بعدما تم تامل الخصائص التي تميز الشركات في قانون الاصلاح من  خلال  ما يسمح باستنتاجه تحليل عناصرها ومكوناتها اي من خلال ما تنطوي عليه كعلاقة  قانونية  بين الشركاء والمساهمين، والتي اوضحت توجه التشريع نحو  تقريب  انظمتها  وتقليص  مظاهر  الفرق  بينها  باعتماد  منظور  شركة المساهمة بصفة  عامة ،  ودون تجاهل بعض ايجابيات مفهوم شركات الاشخاص، وبتهميش نسبي لمعيار المال والاعتبار الشخصي بالضبط لفائدة معيار انفتاح المشاركة في الاكتتاب او الاستثمار على غير الشركاء المؤسسين او انغلاقها عليهم، نركز هذا الجانب من الدراسة للخصائص المميزة للشركات كادوات اقتصادية او كوحدات قانونية و اقتصادية أي من خلال تصورها كما يبدو لدارسها او متامل وجودها وحياتها، او كما يظهر ويفهم للمتعامل معها، وذلك من خلال مقاربة معالمها كشخص معنوي يتكون من هياكل عضوية وله هوية واضحة ويتحمل مسؤولية محددة .

2-1- شخصية الشركة.
على هذا الصعيد نبدأ  بالتذكير  بالنقاش  الذي كانن يهيمن على الفكر القانوني، اجتهادا وفقها، والذي كان يتمحور حول نظريتي العقد والشخص المعنوي كمفهوم للشركة،  والذي  كان  كثير  ما  يخلص  الى موقف توفيقي، ليعتبر العقد اساسا اوليا تترتب  عنه نتيجه استثنائية او جد خاصة هي نشوء شخص معنوي يخضع نظامه القانوني الى مفهوم المؤسسة حيث تذوب المصلحة والارادة الفردية في المصلحة  والارادة  الجماعية  للمؤسسة اي الشركة . ولا نستطيع الجزم بان التشريع الجديد قد تخلى نهائيا  عن  هذه  الاراء  لما  نستشفه من مقتضياته المنصبة على المراحل المتلاحقة التي يمر منها مشروع الشركة، انطلاقا من وثيقة التاسيس،  عقدا  او نظاما  كانت ، الى  ميلاد  الخص  المعنوي  والاعتراف  له  بالاهلية اللازمة للقيام بالاعمال والتصرفات الضرورية لممارسة نشاطه التجاري. فهذا التشريع لا يزال ينص  على  العقد  والنظام  و الشخص المعنوي وتوحي مقتضياته وروحه بانه تجاوز النقاش السابق حيث اعترف صراحة بالشخص المعنوي واخضعه لقواعد قانونية واضحة نسبيا،  وراجع  المواقف  السالفة حول وضعية والعقد والنظام. بالتالي يمكن القول بانه ينطوي على استمرار مفهوم العقد مع معالجة جديدة لمفهوم الشخص المعنوي في منظور يكاد يكون نموذجا موحدا يسري على كل انواع الشركات المعروفة. من هذه الزاوية لم يعد من الجائز تصنيف الشركات الى شركات تعاقدية (شركات الاشخاص والشركة ذات المسؤولية المحدودة) وشركات نظامية، ( شركة المساهمة وشركة التوصية بالاسهم) لانها جميعها تخضع لتصور قانوني آلي واحد .

1-1-2- استمرارية مفهوم العقد
العمل بمفهوم العقد يهيمن على المعطيات التي توجد قبل قيام الشخص المعنوي للشركة والتي تتعلق سواء باجراءات التاسيس وما تتطلبه من تصرفات قانونية، او بالاعمال الضرورية المواكبة لها مثل الدعاية او الاكتراء والدراسات والتنقلات وفتح الحسابات البنكية وغيرها. وقد سبقت الاشارة بهذا الخصوص الى ان المادة 8 من القانون 17-96  تقرر بانه " الى غاية تقييد الشركة بالسجل التجاري تبقى العلاقات بين المساهمين خاضعة لعقد الشركة ولمبادئ العامة للقانون المطبقة على الالتزامات والعقود". وقد قضت  المادة 7 قبلها بان شركة المساهمة لا تتمتع بالشخصية المعنوية الا ابتداء من تاريخ تقييدها في السجل التجاري. وتعميما لهذه القواعد على الشركات الاخرى فرضت الفقرة الثانية من المادة الاولى من قانون 5-96 تطبيق مضمون المادة 8 من القانون المتعلق بشركات المساهمة عليها. لن نكرر هنا راينا حول سلامة هذا الموقف خاصة تجاه حقوق الاغيار، لان المسالة التي تهمنا في المرحلة الراهنة تركز على استمرار العمل بالقاعدة العقدية، حيث يتعين التساؤل اولا عن حقيقة الطبيعة العقدية للعلاقات المعنية ؟ نلاحظ هنا ان القانونين المذكورين يتكلمان عن النظام الاساسي لكل الشركات، في المادة 11 من قانون شركات المساهمة والمادتين 5 و23 في القانون الخاص بشركات التضامن والتوصية البسيطة الذي يستعمل عبارة العقد التاسيس في المادة 50 بصدد الشركة ذات المسؤولية المحدودة. ولا نرى الا ان الامر قد يكون التبس على واضع النص حين وعى المشكل فقرر التخلص منه بالتوفيق الشكلي بين عبارتي " النظام الاساسي" و " العقد التاسيسي". لكنه لم يفلت من المحظور أي الخلط بين المفاهيم وبالتالي تعقيد الوصول الى القاعدة القانونية الواجبة التطبيق. فمن المسلم به ان تنفيذ العقد وانهاءه يخضعان لارادة جميع اطرافه، بينما لا يستلزم ذلك في النظام الا ارادة الاغلبية من الاعضاء المنخرطين فيه. لا شك ان التشريع الجديد يشتمل على حالات واضحة لعقد تاسيسي، وهي كل الشركات بما فيها شركة المساهمة التي لا تلجا للاكتتاب العمومي، حيث يوقع كل المساهمين" النظام الاساسي". للدقة الاصطلاحية القانونية يتعلق الامر في هذه الصورة بالتصرف الذي يقوم به أي طرف في أي عقد اخر من مناقشة والتزام وتوقيع. يجب ان لا ننسى ان عدد المساهمين قد لا يتجاوز عدد اصابع اليد الواحدة. لا عبرة بالاعتراض انه بعد قيام الشخص المعنوي يتحول العقد الاصلي او التاسيسي الى نظام اساسي، فهذه القاعدة تسري ايضا على الشركات الاخرى. بناء عليه كان على المشرع ان لا يستعمل عبارة النظام الاساسي الا في شركات المساهمة التي تعتمد الاكتتاب العمومي لانها هي الوحيدة التي لا يتمتع فيها الاعضاء بفرصة او صلاحية توقيع " النظام الاساسي" تبعا لموافقتهم على شروطه التي يفترض علمهم بها ان لم نقل مناقشتهم لها وموافقتهم عليها .

من جهة اخرى نجلب الانتباه الى ان احالة المشرع على عقد الشركة لتطبيقه على العلاقة بين المساهمين او الشركاء حسب الاحوال، تحتمل تاويلين مختلفين. فاما ان يعني الامر ان القانون يعتبر العلاقة الناشئة بين "المؤسسين" مجرد تطبيق ملموس لقواعد عقد الشركة التي يعرض لها قانون العقود والالتزامات في مواده 982 الى 1091، وفي هذه الحالة تصح كل الملاحظات المعبر عنها في القسم الاول من هذه الدراسة. ويضاف اليها ان الطبيعة المدنية لعقد الشركة تعرض القاعدة المنصوص عليها في المادتين 8 من قانون شركة المساهمة والاولى من قانون الشركات  الاخرى، الى التناقض مع الطبيعة التجارية التي قد تميز العلاقة المذكورة بين الشركاء والمساهمين " المؤسسين" كما يمكن ان تتعارض مع مقتضيات مدونة التجارة الخاصة باكتساب الصفة التجارية وخاصة منها مضمون المادتين 11 و12 المتعلقتين بالاعمال التجارية بالتبعية او الواردة رغم قيام الحظر او السقوط او التنافي. كما تتعارض مع مقتضيات ق ع ل في الشركة المدنية التي تشير الى الشخص المعنوي .

ويحتمل ان تفسر الاحالة على عقد الشركة كاحالة على العقد الرابط فعلا بين " المؤسسين" اذا كانت الضرورة العملية تفرض فهم العقد المقصود على انه العقد التاسيسي، فلا مفر من الاعتراف بتعارض هذا الراي مع القانون. فالعقد التاسيسي في المشكلة المطروحة لا يزال بعيدا عن التنفيذ لان الشركة غير قائمة، والاعمال المثيرة للصعوبة مستقلة عنه ولو كان هو الداعي اليها. والمسؤولية عنها تخضع لمقتضيات المواد 27 و28 من قانون شركات المساهمة التي تعتمدها المادة الاولى من قانون الشركات الاخرى في هاته الاخيرة. وفقا لهذا الراي فان عقد الشركة المحال عليه لا يمكن الا ان يكون الاتفاق الذي يرتكز عليه وضع العقد التاسيسي ذاته. نكون بالتالي امام عقد اولي خاضع لقانون العقود والالتزامات ويتبعه عقد تاسيسي خاضع لقانون الشركات. وبتعبير اخر، نكون امام عقد اولي، نادرا جدا ما يكون محررا، ويلتزم بمقتضاه اشخاص بتكوين شركة فيما بينهم. ويصعب القول بان هذا الاتفاق يرجع الى عقد شركة وذلك لافتقاده لاغلب شروط صحة هذا الاخير. بالتالي يبقى الاشكال قائما والسؤال مطروحا، وحتى لا يظل بدون جواب نرى ان اخف الحلول عيوبا يقتضي قبول التاويل القائل باعتباره يرجع الى العقد التاسيسي في ضوء احكام عقد الشركة الواردة في المواد 981 وما بعدها من ق ل ع .

من زاوية اخرى يتعين تحديد الطبيعة التجارية او المدنية لهذا العقد حتى يتم تطبيق المقتضيات القانونية المشيرة اليه في انسجام كامل مع روح القانون ومع ضرورة حماية حقوق الاطراف والاغيار. وينتظر ان ياتي الاجتهاد القضائي في هذا الصدد بمواقف مبنية على سلطة التقدير التي تركها له التشريع، حيث يجوز ان نحصل على  تطبيقات  جديدة للشركة الفعلية تاخذ بالاعتبار  قاعدة منع الاحتجاج بتغيب شروط قيام الشركة قانونيا بسبب تصرف يتحمل المؤسسون مسؤوليته الكاملة. على هذا الصعيد يغلب على الظن ان المحاكم قد تميل الى اعتماد قواعد شركة التضامن اكثر من غيرها لما تنطوي عليه من حماية مضاعفة لحقوق الاغيار بضمان اموالها وذمة اعضائها، ولارتكاز احكامها اكثر من غيرها على القواعد التي تنظم العقود. ونقر بان هذا مجرد راي يبقى محتملا للصواب والخطا حسب ما تمليه المعطيات الدقيقة لكل نازلة وما تفرضه على المحكمة من قناعة ( من الاجتهادات السابقة للاصلاح، استئنافية الرباط 18 نوفمبر 1933، دالوز 1935، ج 2، ص 30 مع تعليق للفقيه بيك، محكمة النقض الفرنسية في قضايا  مغربية 20 ابريل 1939 و5 فبراير 1952، مجموعة ذات المحكمة 1939، ص 148، 1953 ص 14). وفي جميع  الاحوال بين هذا الاشكال وجها جديدا من اوجه  معالجة الاصلاح التشريعي لمفهوم الشخص المعنوي يفرض ذاته تبعا للاحالة المبتورة على العقد، في وضعية كان من الحري ان ياتي فيها النص بصيغة  اوضح وادق .

على مستوى التطبيقات القانونية النصية لنظرية العقد ولو في شركة المساهمة، تنص المادة 337 من القانون 17-95 انه " لا يمكن ان يترتب بطلان شركة او بطلان عقودها او مداولاتها المغيرة للنظام الاساسي .." ولا يقصد النص هنا العقود التي تبرمها الشركة، وانما الاتفاقات بين المساهمين المترتبة عن مداولاتهم الرامية الى تعديل النظام الاساسي. وتنطوي هذه الصياغة القانونية الى عيب واضح لان التصرف المقصود يتم ويصح بموافقة الاغلبية عليه بينما العقد لا يقوم الا برضى جميع اطرافه. بصرف النظر عن ضعف الصياغة فان المضمون يبين استمرار فكرة العقد في تصور المشرع ولو في شركة المساهمة. وقد سبقت الاشارة الى جلاء هذا المنظور في مسطرة وضع " النظام الاساسي" بشركة المساهمة التي لا تدعو الجمهور للاكتتاب حيث يتعين امضاؤه من جميع المساهمين .

يتاكد اعتمادا مفهوم العقد في المادة 338 من ذات القانون التي تصرح انه " لا يمكن ان يترتب بطلان عقود او مداولات غير تلك المنصوص عليها في المادة 337 السابقة الا عن خرق لاحدى القواعد الامرة لهذا القانون او عن احد اسباب بطلان العقود بشكل عام". يتعلق بالامر هنا بالمداولات المعمول بها في اطار الجمعيات العادية للمساهمين اي التي لا ترمي الى تغيير النظام الاساسي. ولا يشترط ان تقتصر على هذه الصورة لانه لا مانع ان تنحصر في عدد اقل من المساهمين يبحثون عن حماية مصلحة معينة ( المادة 113 في الجمعيات الخاصة ببعض المساهمين والمادة 257 المتعلقة باتفاقات المساهمين حول تفويت بعض حقوق الشركة). تجدر الاشارة اخيرا الى سريان قواعد البطلان المشار اليه انفا على باقي انواع الشركات حسب المادة الاولى من القانون 5-96 .

2-1-2- معالجة مفهوم الشخص المعنوي :
لن نرجع هنا الى المناقشة الفقهية للطبيعة الحقيقية او الوهمية للشخص المعنوي لاننا نلاحظ ان المقتضيات القانونية الجديدة قد تجاوزتها. نقتصر هنا على الفكرة المقررة فقها وقضاء، والقائلة بان الشخص المعنوي تجمع للاشخاص والاموال يضفي عليه القانون خصائص الاهلية والمسؤولية اللازمة للانسان، بحيث يسمح له باكتساب الحقوق وتحمل الالتزامات  والتقاضي .
لم يعرف القانون المغربي مفهوم الشخص المعنوي الخاص الا منذ  فجر القرن العشرين في اطار الشركة التي ينظمها قانون الالتزامات والعقود، لان الفقه الاسلامي لم يكن  يعتمد الا تصور الشخص المعنوي العام، بصفة ضمنية من خلال مفهوم الامة. ( دراستنا " الشركات  في الفقه المالكي" مج. الشركات، نشرة دالوز باريس 1977، ص. 205)، وحتى في قانون الالتزامات والعقود فلا يوجد نص صريح يعترف بالشخص  المعنوي، لكن عددا من مقتضياته تعتمده ضمنيا في تنظيم الشركة من خلال ضبط ذمتها المالية واهليتها في التقاضي والتعاقد الخ. وتسري نفس الملاحظة على القوانين الخاصة انطلاقا من المقتضيات الوجيزة للقانون التجاري لسنة 1913 حول الشركات، وقانوني 1922 و1926 المتعلقين  بشركة المساهمة والشركة ذات المسؤولية المحدودة ، وتغير الامر جدريا في التشريع الجديد حين نص على ان الشركات تكتسب الشخصية المعنوية ابتداء من تقييدها في السجل التجاري ( المادة 7 من القانون 17-95 والمادة 2 من القانون 5-96) ورغم ذلك فاننا لا نجد اية اشارة الى مدلول الشخص المعنوي.

نبدي هذه الملاحظة لان القياس الشائع على الشخص الطبيعي يظل ناقصا من عدة جوانب. فهو مجرد تاويل لفكرة قانونية مجردة تهدف الى تمكين الافراد من القيام ببعض التصرفات بحيث لا يرتكز على كائن مجسم ولو انطوى على شركاء اشخاص طبيعيين وعلى اموال مادية.  ونظرا لانعكاساته على الوضعيات القانونية لعناصره البشرية والمالية  وعلى الاغيار، ونظرا لتغير تلك الانعكاسات حسب التصور الذي يضفي على الشخص المعنوي، يبقى من المفيد نظريا وعمليا تعريف هذا الكائن ولو بشكل تقريبي .

سبق القول بان الشخص المعنوي وتجمع للاشخاص وللاموال يسبغ عليه القانون بعض صفات الاشخاص الطبيعيين. وينطلق هذا التجمع من فكرة العقد المنظمة في قانون العقود والالتزامات، اي من فكرة التراضي المبنية على الليبرالية القانونية الموازية الليبرالية الاقتصادية. لكن القواعد التي تحكم الشركات التجارية، ولو قبل الاصلاح التشريعي، تتسم بالصفة الامرة ولا تترك لحرية ارادة الاشخاص الا مجالا متوضعا جدا لا يتجاوز  الا نادرا موافقتهم على انشاء الشركة. بالتالي يرجع الشخص المعنوي الى مجرد ميكانيزم، طريقة حركة الة. يقتصر الافراد على اتباعها بدقة طبقا للقواعد التي يقررها القانون. ومن الجدير بالملاحظة ان الاهمية الاصلية التي كان التشريع يخصصها للشركاء عرفت تضاؤلا مستمرا سواء في زاوية الاعتبار الشخصي، في بعض الحالات، او من زاوية عدد الشركاء الذي يكاد يفقد كل فائدة في الاصلاح. فشركة المساهمة اصبحت ممكنة ولو بين خمسة مساهمين فقط، بل وبين شركتين فقط، اذا كانت مبسطة، والشركة ذات المسؤولية المحدودة صارت جائزة بشريك واحد. هنا لابد من القول باننا لسنا بصدد شركة ولو كان نص القانون يستعمل مصطلح الشركة، لان  هاته تتطلب على الاقل طرفين يشتركان. فنحن امام طريقة تحريك الة او اداة اقتصادية لا يظهر المشرع شجاعة في اعطائها تسمية صحيحة  مقتصرا على المصطلح المالوف رغم خطئه. فالشركة هنا بين شخص وجزء من ذمته المالية. بحيث يتصرف المؤسس وكانه يسبغ الشخصية المعنوية على جزء ماله الذي يشاركه، فيمارس صلاحية خارقة للعادة كان القانون هو الذي يقررها  في حالات معينة، او يفوض للدولة او الادارة سلطة تقريرها. ولا يزال الامر هكذا في كل الشركات الاخرى بما فيها الشركات المدنية بل حتى في الجمعيات. من زاوية اخرى، يرتب هذا الوضع استثناء وشذوذا في اطار القانون المدني، حيث يقرر المشرع وحده الذمة المالية، ومنع تجزئتها (المادة 1241 ق ل ع) كان جديرا بالمشرع هنا ان يساير التطور الاقتصادي والفقهي، ويعترف للمقاولة الفردية بالشخصية المعنوية اذا توفرت فيها شروط قانونية ومادية يحددها او على الاقل ان يساير القانون الفرنسي المستوحى منه في القول بامكانية تاسيس الشركة وليس بقيامها. على اي حال، ورغم الاصطلاح التشريعي، فان تصور الشخص المعنوي التاجر لم يعد في القانون المغربي يتطلب تجمع لاشخاص. فهل نحن ازاء المرحلة الاخيرة من تطور مفهومه ؟ لا نعتقد ان الامر سيقف عند هذا الحد. لا شك ان التطور المقبل سيتجه الى الاعتراف بالمقاولة الفردية كشخص معنوي له خصائص شبيهة بخصائص الشركة، كما سيقبل التخلي عن ضرورة وجود شخص طبيعي في مكونات الشخص المعنوي، بحيث يمكن ان ينشا هذا الاخير مرتكزا على الاموال بدون أي مالك لها بالمعنى المعتاد ويتم العمل بفكرة الميكانيزم ليصبح مجرد الة الية. ولا نرى في هذا التصور اية غرابة ولا ثورة فكرية. فالفقه الاسلامي خصص ثروة عزيرة لمؤسسة الوقف ( محمد بن عبد العزيز بنعبد الله الوقف في الفكر الاسلامي 1996)، ويعرف عدد كبير من القوانين الغربية مفهوم المؤسسة، ليس بالمعنى  العام الذي نظره الفقيه هوريو، وانما بمعنى المال الخاص الذي رصده مالكه لغاية معينة. واذا كان هذا التصور يقترب من مفهوم الوقف او الحبس الاسلامي، فانه يتميز عنه لاتصافه بالشخصية  المعنوية ( مارتي ورينو، القانون المدني، ج1 ارقام 1050 الى 103) ويتسم بكل ما يتبعها من هيكلة وهوية ومسؤولية، بينما يكتفي الفقه الاسلامي باعتبار المال المحبس او الوقف قابلا  لتحمل بعض الالتزامات والتمتع ببعض الحقوق دون ان تكون له شخصية معنوية، بحيث يشبه وضعية الاصل التجاري  والسفينة والعقار المحفظ مع اعتبار  النسبية المترتبة عن وجود مالك لهاته وغيابه في الوقف، لان ناظرا الاحباس بل وادارة الاوقاف ليست مالكا للاموال المحبسة وانما هي مجرد مدير لشؤونها، بتعبير مقتضب يمكن القول بان الوقف مؤسسة موازية للشخص المعنوي لها اهلية شرعية ولكن بدون هوية كما  نفهمها اليوم لان هاته الاخيرة تحتجب وراء الرسالة او الغاية التي تم رصد الوقف لخدمتها .

2-2    هوية الشركة :
قياسا على الاشخاص الطبيعيين تتلخص المعطيات المكونة للهوية في الاسم وتاريخ الميلاد والموطن والجنسية، ومن زاوية الخصائص المميزة للشركات في التشريع الجديد يتبين ان التغيير مس الاسم وتاريخ الميلاد والجنسية بشكل يؤكد طرح التقارب الذي سجلناه لصالح  شركة المساهمة بصفة عامة .

1-2-1- الاسم :
كانت طريقة تحديد اسم الشركة تختلف حسب نوع الشركة لابراز طبيعتها المالية او الشخصية او المختلطة، حيث كان اختيار التسمية الموضوعية خاصا بشركة المساهمة والعنوان بشركات الاشخاص وامكانية الدمج بينهما في الشركة ذات المسؤولية المحدودة. ويلاحظ نوع من الارتقاء في منهجية وضع اسم الشركة وفقا للتشريع الجديد  اذا لم يعد يرتكز على اعتماد فكرة الاعتبار الشخصي في تعيين شركات الاشخاص والشركة ذات المسؤولية المحدودة. فبعدما كانت شركات الاشخاص تسمى بعنوان يتكون من الاسماء الشخصية للشركاء، دلالة على مسؤوليتهم التضامنية المطلقة، وبعد ما كان بالامكان تعيين الشركة ذات المسؤولية المحدودة بالاسماء الشخصية لاعضائها مع اضافة الاشارة الى طبيعتها كشركة ذات مسؤولية محدودة، الزم التشريع الجديد تعيينها جميعها بتسمية مجردة مستوحاة من غرضها او من معطاة مجردة، يضاف لها ذكر نوع الشركة، شركة اشخاص او شركة ذات مسؤولية محدودة ( المواد 4 و22 و45 من القانون 5-96) ويتضح ان المشرع فضل تمديد لقاعدة المعمول بها في شركة المساهمة رغم استمرار امكانية اضافة الاسماء الشخصية للشركاء في شركات الاشخاص،  فان التوجه القانوني الجديد واضح في التقريب بين الشركات باعتماد منهجية شركة المساهمة في التسمية. وتسمح لنا هذه في تعيين الشركات بملاحظتين. من جهة اولى لا شك ان التسمية الموضوعية لشركات الاشخاص تدل على تقوية مفهوم الشخص المعنوي فيها بالمقارنة مع ما كانت توحي به العنونة باسماء الشركات وبعض مقتضيات قانون الالتزامات والعقود. من جهة اخرى وعلى النقيض من ذلك فان الاستمرار في تقليص عدد الشركاء في شركات الاموال لا يتغير اثره على وجود الاعتبار الشخصي فيها، لان الاغيار يعرفون هوية المساهمين، ورغم ان مسؤولية هؤلاء محدودة في مبلغ حصتهم، فان التعامل مع شركتهم لا يستبعد اعتبار الثقة التي يحظون بها عند الاغيار. ويتاكد هذا الاستنتاج من التذكير بضرورة امضاء نظام الشركة من لدن جميع المساهمين في شركة المساهمة المغلقة ومن لدن جميع الشركاء في الشركات الاخرى. وربما يجوز القول كذلك بان هذا التوجه مقصود لابراز قصور ارادة الشركاء في كل ما يتعلق بالشخصية المعنوية للشركة حيث لم يعد لهم اي دور في قيامها .

2-2-2- ميلاد الشركة :
وضع التشريع الجديد حدا للمناقشة التي كانت جارية حول تاريخ اكتساب الشخصية المعنوية من لدن الشركات،  فقرر ان هذا التاريخ ينطلق من يوم تسجيلها في السجل التجاري ( المادتان 7 من القانون 17-95 و2 من القانون 5-96) يتعلق الامر بطبيعة الحال بالشركات  التجارية دون الشركات المدنية اذ هاته لا تخضع لنظام  السجل التجاري، ورغم  الفائدة العملية الواضحة المترتبة عن هذه  القاعدة فانها لا تمنع المناقشة من الزاويتين النظرية والعملية.

يجدر بنا بداية ان نلاحظ ان القانون لا يشير الى تاريخ انتهاء الشخصية المعنوية. ولاشك انه يقتصر هنا على احالة ضمنية على تاريخ حل الشركة كيفما كانت اسبابه وهذا موقف منطقي ومعقول لان اسباب الحل معروفة سواء منها القانونية او الادارية. غير انه يجب التذكير بان قائمة الاسباب القانونية لا تشمل حالات الغش والتدليس المغلفة في تنويم او تجميد الشركة. ذلك انه يحدث ان تؤسس الشركة كاطار قانوني خال من كل حياة فعلية او ان تتطور وتصبح على هذا الشكل، ويحتفظ بوجودها القانوني الصوري لاستغلاله عند الحاجة التي غالبا ما تتطابق مع تحايل على القانون. والعملية خصوصا بشركة المساهمة والشركة ذات المسؤولية  المحدودة، لان المسؤولية التضامنية المطلقة  في شركات الاشخاص تكون تهديدا كافيا لدفع اعضائها الى الاحتياط من بعضهم البعض وبالتالي الى حل الشركة .

من جهة اخرى، يلاحظ ان خاصية تاريخ ميلاد الشخص المعنوي في الشركات التجارية بالتسجيل في السجل التجاري تحقق نوعا من التكامل في احكام هذا السجل. على هذا الصعيد نشير الى التطور الذي ادخلته المادة 58 من مدونة التجارة التي تقرر ان التسجيل بالسجل التجاري قرينة على الصفة التجارية للاشخاص الطبيعيين والمعنويين الذين يقومون به. بالنسبة للاشخاص المعنويين يتعلق الموضوع بالمؤسسات العمومية وما يدخل في مفهومها لان الشركات تكتسب الصفة التجارية بصفة قطعية بناء على شكلها ولا تحتاج الى قرينة، بحيث يلعب السجل التجاري بالنسبة لها دورا كبيرا اذ يرهن ميلادها كشخص معنوي. فيما يهم الاشخاص الطبيعيين يمكن ان تقارن اهمية القرينة التجارية المكتسبة من جراء التسجيل مع اكتساب الشخصية المعنوية المترتب عن ذات الاجراء. في كلتا الحالتين تكون العملية منطلقا لتطبيق نظام قانوني متميز عن الشريعة العامة، وترمز الى دور الادارة او الدولة، بالضبط الى بروز عامل النظام العام في المجال التجاري. يجدر بنا التذكير بهذه المناسبة ان تاريخ القانون الفرنسي القديم كان يضع صلاحية تخويل الشخصية المعنوية ضمن اختصاصات الدولة بما تنطوي عليه تلك الشخصية  من رموز السلطة والسيادة. ورغم ضمور هذه الفكرة طيلة ازيد من قرن بفعل تصاعد قوة الفكر الليبرالي في ميدان العقود والمعاملات، فانها عادت الى الظهور منذ اصلاح قانون الشركات سنة 1966 تحت تاثير عوامل متعددة من ضمنها مفعول الفكر القانوني الالماني الذي سبقت الاشارة الى بعض خصوصياته في هذا الباب .

على المستوى العملي يثير توقف اكتساب الشخصية المعنوية على التسجيل في السجل التجاري اشكالا حادا يمنع قيام الشركة عندما يشتمل راسمالها على نسبة من الحصص العينية وبالاحرى حين يتكون  بكامله من اموال عينية. ذلك ان الفصل 12 من القانون 17-95 الخاص بشركات المساهمة يفرض تحرير الحصص العينية اي تقديمها فعلا، فقانونيا، وماديا ان امكن، بكاملها في تاريخ اصدارها اي في ذات الوقت الذي تتاسس فيه الشركة. وينص القانون رقم 5-96 المتعلق بالشركات الاخرى على نفس القاعدة في الشركة ذات المسؤولية المحدودة في المادة 51 ورغم سكوته عنها في شركات الاشخاص فلا مناص من العمل بها في هذه الحالة كذلك. هنا يجب التنبيه الى عدم جدوى  مسطرة التقييم لان المشكل مختلف. تظهر الصعوبة لان المشرع الزم بتوفير جميع مظاهر الشركة قبل قيام الشخص المعنوي ورغم انتباهه الى المشكل حين يتعلق الامر بالحصص النقدية حيث الزم بايداع مبالغها بحساب بنكي مفتوح باسم الشركة الموجودة قيد التكوين، فانه لا يقرر شيئا  من هذا القبيل بالنسبة للحصص العينية. ومن البديهي ان انعدام الحصص، او راس المال، جزئيا او كليا، يمنع قيام الشركة. وفي مرحلة التاسيس اي قبل التسجيل في السجل التجاري لا توجد شركة او لا يوجد شخص معنوي، ونظرا لغياب اية جهة يوكل اليها حيازة الحصص العينية لفائدة الشركة المنتظر ميلادها، فانه يستحيل تنفيذ ركن من اركانها، راس المال، وبالتالي يمتنع قيامها ولا عبرة بالقول بالتزام الشركاء فيما بينهم، فقد راينا مدلول هذه الوضعية وحدودها. ويصل الاشكال ابعد مداه بالنسبة للاموال التي تخضع التصرفات بصددها الى مسطرة الشهر مثل العقارات المحفظة وعناصر الملكية الصناعية والاصل التجاري. في جميع هذه الصور يكون كاتب الضبط المكلف بالسجل التجاري على صواب حين يرفض تسجيل شركة لا تتوفر على راس المال الذي لم يتم تقديمه اليها، لان القانون لا يقيس على الايداع الموقت في حساب بنكي ليقرر تسجيلا مؤقتا او مشروطا. كما ان المحافظ علىالاملاك العقارية يتعين عليه ان يرفض تقييد التفويت الى الشركة ما دامت غير موجودة اي مادامت غير مسجلة بالسجل التجاري، بل ويتحتم عليه ان يرفض ولو تقييدا احتياطيا لصالح شركة في مرحلة التاسيس. وتسري نفس القاعدة على المسؤول عن سجل الملكية الصناعية وعلى كتابة الضبط. وتبقى كل الحيل قاصرة عن تفادي هذه الصعوبة. ولا يمكن تجاوزها الا بتكوين الشركة براس مال نقدي، ثم رفع هذا الراسمال بتقديم اموال عينية بعد ذلك. ولا يخفى ما في هذا من تعقيد وارهاق، بل من مخاطر اعاقة تكوينها بالكامل، لاجل هذا يتعين ان يتدخل المشرع عاجلا باصدار مرسوم تطبيقي يتمم الجوانب العملية لقانوني الشركات، ويوضح طرق واجراءات التنسيق بين مختلف الجهات المعنية بتكوين الشركات، خاصة في ظروف سوف تعني كذلك مستثمرين اجانب شديدي الحساسية ضد كل تعقيد .

معنى هذا انه ولو كانت الانشطة  التجارية من صلب المعاملات الخاصة فانها تنطوي على خطورة حقيقية تتجاوز المصالح الفردية وتطلب تتبعا ومراقبة وحماية اقوى لمساسها بمصالح اوسع تكون المصلحة العامة وتثير ضرورة احترام النظام العام ويتجلى هذا واضحا في الطبيعة الادارية لنظام السجل التجاري، كما يبرز بصورة قوية في رهن اكتساب الشخصية المعنوية للشركات بتدخل الادارة العمومية من خلال مصلحة السجل التجاري .

2-2-3- جنسية الشركة :
يعترف القانون للشركات بالشخصية المعنوية وبحق التمتع بالجنسية، في النطاق الاخير لا يغير الاصلاح شيئا بالنسبة للشركات الاجنبية التي تظل خاضعة لمقتضيات ظهير 1913 المتعلق بالوضعية المدنية للاجانب. واما بخصوص الشركات المغربية فيجوز القول بانه جاء بتعديل لا يخلو من ايجابيات كما لا يزيل كل الصعوبات. فالمادة 5 من القانون رقم 17-95 والمادة الاولى من القانون 5-96 تقرران بان الشركات الكائن مقرها الاجتماعي في المغرب تخضع للتشريع المغربي، ويمكن للغير الاحتجاج بالمقر الاجتماعي المذكور في النظام الاساسي للشركة، ولا يمكن لهاته ان تواجه الغير بمقرها الحقيقي ان كان موجودا  بمكان اخر. لاول وهلة لا يتعلق هذا النص بموضوع جنسية الشركة. وفعلا يبقى موضوع الاعتراف بالجنسية المغربية للشركات مرتكزا على العرف الدولي وعلى لاستنتاج العكسي من ظهير 1913 المشار اليه وعلى الاشارات الصريحة لكل من ظهير 1922 الذي يقنن شركات الاسهم، وظهير 1926 الذي كان يحكم السجل التجاري، وظهير 14 نوفمبر 1959 المتعلق بنظام الجنسية، في هذا الاطار اول القضاء المغربي والفرنسي مقتضيات ظهير 1913 بشكل مخالف لمعناها الحرفي اذ فسر مكان المقر الاجتماعي كمفهوم لجنسيتها واكمله استثنائيا بمعيار المراقبة. وصدرت نصوص تعتمد هذا المعيار في شركات خاصة مثل ما هو عليه الامر في الصحافة، وجاء قانون المغربة سنة 1973 واضاف معيار الادارة كما وسع معيار المراقبة، مما ترك المجال مفتوحا للمناقشة الفقهية ( احمد زوكاغي، جنسية الشركة في القانون المغربي، المعهد الوطني للدراسات القضائية، 1990 ص 90) اذا كان الاعتراف بالجنسية وتحديد معيارها مفيدا من زاوية الحماية الدبلوماسية والتمتع ببعض الصلاحيات التي يحددها قانون دولة المقر او التي تنص عليها الاتفاقيات الدولية مثل اتفاقيات الاقامة وغيرها ( دراستنا " الاشخاص والاموال في اتحاد المغرب العربي" ضمن الكتاب الجماعي " العلاقات بين اقتصاد الدول النامية او الوسيطة" الذي اصدره المعهد الدولي للقانون الفرنسي الصيغة والاستلهام 1995، ص. 287) فان ظروف الحياة والمعاملات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وقد تفرض اخضاع الشركات لقانون غير قانون الجنسية في كل ما يتعلق بتكوينها وتسييرها ومسؤوليتها، في هذا الاطار يدخل التشريع الجديد، عملا باقليمية القانون المطبق على الشركات والذي يتطابق مع قانون المقر الاجتماعي ما عدا في الاستثناءات التي يعتمدها او في حالة الغش. بهذه الطريقة قد يتخذ معيار تحديد الجنسية وتعيين القانون المطبق على الشركة، كما يجوز ان يختلفا، لكن هذا يظل نادرا ولن نطرح مشاكل عويصة الا في ظروف غير عادية في العلاقات الدولية. يتميز الحل التشريعي الجديد بتوضيح  القانون المطبق على الشركات الكائن مقرها الاجتماعي بالمغرب ولو كانت جنسيتها اجنبية، علاوة على ذلك يوحي بانه يؤكد السيادة القانونية والقضائية المغربية في مجال كانت شبه منعدمة فيه خلال حقبة مظلمة من تاريخ المغرب. ورغم صحة هذه المسالة فانها لا تخفي التوجه الاقتصادي الصرف للقاعدة المعتمدة. فالاغلبية الكبرى من القوانين تميز اليوم بين الجنسية والاقامة سواء بالنسبة للاشخاص الذاتيين او المعنويين في اطار تقنين انشطتها الاقتصادية الداخلية والخارجية فتعتبر الاقامة معيارا لتطبيق قوانينها وممارسة سيادتها خاصة على الاموال التي تروج فوق ترابها الوطني او تعبره .

بصرف النظر عن الايجابيات المذكورة، يدفع التشريع الجديد الى التساؤل  حول نقطتين اساسيتين باعتبار ظروف الانفتاح والليبرالية التي يعيشها المغرب. من جهة اولى كان قانون الشركات يسمح بتغيير جنسيتها اذا اجمع الشركاء والمساهمون عليه ( المادة 31 من ظهير 1922 وظهير 1926). ونلاحظ ان قانون شركات المساهمة الحالي اغفل هذه المسالة وربما تعمد الصمت لما في عكسه من احراج ان لم نقل من تناقض. ونجد ان المشرع اكثر شجاعة في قانون الشركات الاخرى حيث نص في المادتين 28، شركة التوصية البسيطة، و75 الشركة ذات المسؤولية المحدودة، على انه لايجوز للشركاء تغيير جنسية الشركة. ومن البديهي ان الامر يهم الشركات المغربية. من جهة اخرى نلاحظ نوعا من الاقتراب من المبادئ المقررة في ظهير 6 شتنبر 1958 المنظم للجنسية المغربية والذي يستبعد الارادة الحرة في التخلي عنها، بينما كان قانون الشركات وكذا قانون مراقبة الصرف، لا يشترط الا اجماع الشركاء من جهة وموافقة وزارة المالية من جهة اخرى. لكن المشكل يبقى مطروحا في ضوء القوانين الجديدة المنظمة للاستثمارات الاجنبية والمعاملات المالية سواء عن طريق سوق القيم  المنقولة او خارجها .

2-3- مسؤولية الشركة .
يميز الفقه بين المسؤوليات المدنية والجنائية والمهنية. ويجدر التنبيه بداية الى  ان المسؤولية المقصودة لصيقة بالشخص المعنوي نفسه، وتختلف عن المسؤولية المترتبة على عضوه او جهازه او هيكله، طبقا لذلك ينطلق تصور المسؤولية مع ميلاد الشركة اي منذ تسجيلها بالسجل التجاري وتستمر الى غاية تصفيتها اي ولو بعد حلها، نظرا لما تقرره المادة 363 من قانون شركات المساهمة والاولى من قانون الشركات الاخرى .

ومن المعروف ان النقاش الفقهي والقضائي، تركز بقوة على مسؤولية المديرين والمتصرفين مهمشا الى حد كبير مسؤولية الشركة ذاتها. ويظهر هذا الموقف بجلاء خاصة بصدد المسؤولية المدنية حيث يستفاد ضمنيا ان ذلك راجع الى السهولة التي يجري بها تطبيق مقتضيات قانون الالتزامات والعقود التي وضعت اصلا للاشخاص الذاتيين والتي مددت بالقياس على الاشخاص المعنويين. لكن السهولة المتبادرة الى الذهن لا تمنع الصعوبات من الظهور لاسيما حين يجب تدقيق الحد لصلاحيات ممثل الشركة مع صلاحيات الشركة ذاتها وبالتالي تحديد مسؤولية كل منهما ( تعليقات على قرار الغرفة المدنية، 28/2/1990، بمجلة الاشعاع، العدد الثالث، 1990، ص.184) يتعين ان نسجل بان الاصلاح لم يعر لهذه المشكلة اي اهتمام. بل يمكن القول انه عقدها من خلال ما يوحي به من تضخيم لعدد الجرائم والتي قد يفضل المتضررون منها تاسيس دعواهم على الجوانب المدنية دون الجنائية. على هذا المستوى لا يسعنا الا ان نلاحظ بان المادتين 373 و374 من قانون شركات المساهمة تصبان في نفس التعقيد. ولا يمكن التكهن بما سيسفر عنه الاجتهاد القضائي في هذه المرحلة من حياة الاصلاح القانوني .

وعلى العكس من ذلك يجب الاعتراف بان الاصلاح جاء بقواعد تحسينية في باب المسؤولية المهنية، اي ما يترتب عن صعوبات المقاولة حيث بين ما يرجع على الشركة وما يقع على المسيرين وما يشملهما معا. ويجدر التذكير هنا بفكرة التقريب بين انظمة الشركات التي انطلقنا منها لان قانون شركات المساهمة يكاد يضع المسيرين المسؤولين عن الصعوبة في وضعية اعضاء شركات الاشخاص الذين يعاملون كتجار يسري عليهم الجزاء الذي يقع على شركتهم في حالة تصفيتها .

وتبقى المسؤولية الجنائية حائزة على القسط الاكبر من اهتمام المشرع والفقه ومن هلع المقاولين. نسجل اولا بان النصوص الجديدة تلزم الصمت فيما يخص المسؤولية الجنائية للشركات ذاتها، بينما تفصل القول بشكل ملفت للنظر بالنسبة لمسؤولية المسيرين الجنائية بصفة عامة. وهذا لا يعني بان القانون المغربي يستبعد المسؤولية المذكورة، فالمادة 127 من القانون الجنائي تقرر بان الاشخاص المعنويين لا يتعرضون الا للعقوبات المالية والعقوبات التكميلية المنصوص عليها في الفقرات 5 و6 و7 من المادة 36، كما يمكن ان تطبق عليهم التدابير الوقائية العينية المقررة في المادة 62. يفيد هذا النص الاعتماد الضمني لمبدا المسؤولية الجنائية للاشخاص المعنويين وبالتالي للشركات، ما عدا شركة المحاصة لانها ليست شخصا معنويا. غير ان مقتضيات القانون الجنائي المشار اليها تثير مناقشة فقهية لما يكتنف اعمالها من صعوبة ( انظر بالفرنسية م. الادريسي العلمي المشيشي، الوجيز في القانون الجنائي، دار النشر المغربية، 1974، ص. 297، نفس الكاتب النصف  في الاعمال، المجلة المغربية للقانون والسياسة والاقتصاد، عدد 7، 1980. ص77، نفس الكاتب المصادرة الخاصة في اجتهاد القضاء المغربي، المجلة الفرنسية للعلوم الجنائية والقانون الجنائي المقارن، عدد2، 1991، ص. 324. محيي الدين الامزازي، المسؤولية الجنائية للشركات في القانون المغربي، المجلة المغربية للقانون والسياسة والاقتصاد، عدد 17، 1985، ص 9، ادريس بكدروري، المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي، الحدث القانوني، عدد 3، 1998، ص 4). تتجلى الصعوبة في كون القانون الجنائي المغربي نادرا ما ينص على الشخص المعنوي بمناسبة تجريم فعل معين وذلك بخلاف القانون الفرنسي، كما ان تشريع الشركات لا يهتم الا بالمسيرين.

ويجدر الانتباه الى ان القانون الجنائي لم يوضع للاشخاص الطبيعيين وحدهم ولا يخرج عن نطاقه الا الحيوان والجماد (خلافه م. الامزازي، سابق). كما ان المشرع المغربي نهج منطقا مغايرا للمشرع الفرنسي سواء في هذه المسالة او في غيرها، حيث فضل توسيع مدلول بعض المفاهيم الجنائية، على عكس المشرع الفرنسي الذي اثر التوقف عند حالات محددة مثل ما فعل عند تجريم النصب واخيرا عند مساءلة الاشخاص المعنويين. وهذا ما يغيب عن المنطق المتخوف (ادريس بكدوري، سابق) ولاشك ان  النهج التشريعي المغربي يتساهل مع مفهوم الشرعية الذي ضيق التشريع الفرنسي مدلوله، هو بالفعل اكثر حماية للمواطن، بناء عليه يكون القاضي ملزما بالبحث عن الجاني الحقيقي ولا مانع له من تطبيق المادة 127 من القانون الجنائي على الشركة نفسها كلما تبين ان الجريمة التي اقترفها المسير صادرة عنها. ومما لاشك فيه ان عددا كبيرا من الجرائم التي نص عليها التشريع الجديد يمكن ان يقترف من لدن الشركات لا فرق بين انواعها في ذلك. وهذا لا يعني ان العقوبة سوف تنزل حتما وبشكل اعمى على المسير والشركة اذ يبقى العمل بالقواعد المعروفة لتحديد المسؤولية قائما، بحيث يتعين على المسير ان يكون حريصا في تجنب الوقوع في الجريمة، ويتحتم على الشركة بدورها ان تمارس المراقبة والتتبع لشؤونها حتى لا تمتد اليها طائلة العقاب. ولاشك ان لامر صار صعبا شيئا ما في الوقت الراهن بالنظر للتشدد الظاهر على التشريع الجديد، لكنه لا يصل الى درجة التهويل الذي يقوله البعض وتخرج مناقشته عن اطار هذه الدراسة .

* مجلة المحاكم المغربية، عدد 80، ص 23 .
Sbek net
كاتب ومحرر اخبار اعمل في موقع القانون والقضاء المغربي .

جديد قسم :