-->

التعديلات الجنائية الأخيرة أثرها على حقوق الإنسان


ان قيمة الانسان الحقيقية تتمثل فيما يتمتع به من حقوق وحريات داخل  مجتمع  منظم يكفل له حقوقه الاساسية وحرياته اللازمة لوجوده كانسان اجتماعي متفاعل مع ابناء جنسه على المستوى الدولي.
ونظرا لقدسية تلك الحقوق والحريات، فقد نالت من الفكر الانساني تلك الخطوات  المتميزة  التي  توجت على المستوى الدولي سنة 1948 بصدور الاعلان العالمي لحقوق الانسان الذي لا زال المجتمع  الدولي يحتفل بذكراه التي كانت منطلقا لصدور كثير من العهود والمواثيق، والذي استلهم المشرعون مبادئه وضمونها كلا او بعضا في دساتير بلدانهم وقوانينها الداخلية، بل ذهب البعض منهم الى ابعد من  ذلك باحداث جهات رسمية تعنى بحقوق الانسان وحرياته.

وان من بين حقوق الانسان على المجتمع ان يوفر له كل الضمانات كلما  التجأ الى القضاء  او  توبع  امامه ،  تلك الضمانات التي تشكل في مجموعها ما اصطلح على  تسميته بحقوق الدفاع التي صيغت في الاعلان العالمي لحقوق الانسان في شكل مبادئ…

ولقد  اخذ  المغرب  بتلك  المبادئ  بمصادقته  على  الاعلان  العالمي  لحقوق الانسان يوم انضمامه الى هيئة الامم المتحدة، تلك المبادئ التي ترجمها في الدساتير المغربية الاربعة وقانون المسطرة الجنائية والقانون الجنائي.
وان سمة عدم الاستقرار التي  تطبع جميع القوانين  تقضي بادخال التعديلات  التي  يفرضها  عليها  التطور الاجتماعي  و المناخ الحضاري، مما يجعل تلك الضمانات في احيان كثيرة تتأرجح بفعل تلك التعديلات بين المد والجزر.
وهكذا اقدم المشرع المغربي على ادخال بعض التعديلات الجنائية على فترتين كانتا على التوالي في تاريخ 31/12/1991 وتاريخ 10/9/93.

وبالقاء نظرة على  التعديلات الجديدة، يتبين انها:
احاطت حقوق الانسان بعدد من الضمانات الجديدة في الجوانب الاجرائية الاكثر مساسا بحريته.
ونعني بتلك الجوانب:
الوضع تحت الحراسة
الاعتقال الاحتياطي 
الافراج المؤقت.
اضافة الى ضمانات قانونية اخرى.

I- التعديلات الجديدة واثرها على حرية الانسان وحقوق الدفاع 
اولا: الوضع تحت  الحراسة
يعتبر اجراء الوضع تحت الحراسة من اهم الصلاحيات المخولة لضابط الشرطة القضائية واخطرها مساما بحقوق الفرد وحريته.
وقد شملت التعديلات الجديدة الوضع تحت الحراسة من حيث المدة ومن حيث حقوق الموضوع تحت  الحراسة.
1- من حيث المدة:
تحدد المادتان 68 و82 الوضع تحت الحراسة في مدة 96 ساعة تمدد الى 48 ساعة اضافية باذن كتابي يصدره وكيل الملك.
واذا تعلق  الامر بالاخلال بسلامة الدولة الداخلية والخارجية، وان المشرع في المقتضيات الجديدة  حدد المدة في 96 ساعة قابلة للتمديد مدة واحدة وباذن كتابي من وكيل الملك او الوكيل العام للملك كل فيما يخصه، وذلك خلافا للمقتضيات السابقة التي كانت تضاعف مدة 96 ومدة 48 ساعة اذا اقتضى الامر التمديد.
ويتضح بالمقارنة بين المقتضيات الجديدة والقديمة ما يلي:
تخفيض المدة الزمنية للوضع تحت الحراسة في الجرائم المتعلقة بسلامة الداخلية والخارجية.
تعليق تمديد مدة الوضع تحت الحراسة على اذن كتابي لوكيل الملك او الوكيل العام للملك كل فيما يخصه.
حصر التمديد في مرة واحدة 

2- من حيث الموضوع تحت الحراسة:
 خول التعديل المدخل على الفصل 69 من ق.م.ج للمشبوه فيه الموضوع تحت  الحراسة الحق في ان تشعر عائلته بوضعيته وذلك بان جعل لزاما على ضابط الشرطة القضائية القيام بالاشعار المذكور فور اتخاذ قرار الوضع تحت الحراسة.
وقد كان المقتضى القديم للفصل 69 يشكو فعلا من هذا النقص المتدارك الذي كان يعاني منه المشبوه  فيه وعائلته لفقدان اية رابطة اتصال بنيهما، الشيء الذي كان يقلق راحة اسر المشبوه فيهم وهي تلتمس الوجهة التي قصدها غائبها بحثا وسؤالا. وما يترتب عن ذلك من ضياع للجهد والمال ومن اضعاف لامكانيات تهيئ  دفاع المشبوه فيه وحرمان عائلته من حق التمتع بالحماية الواجبة لها من قبل المجتمع والدولة، اذ من حق تلك العائلة على الدولة اخبارها بوضعية احد افرادها المشبوه فيه حتى يتسنى لها بعد العلم القيام بكل ما يضمن للمشبوه فيه حقه في الدفاع ويضمن لها بالتبعية حقها في الحماية الواجبة من المجتمع والدولة.

كما الزم المشرع في ذات الفصل ضابط الشرطة القضائية ايضا بان يوجه يوميا الى وكيل الملك والوكيل العام للملك لائحة باسماء الاشخاص الذين وضعهم تحت الحراسة خلال الاربع والعشرين ساعة السابقة، سعيا من المشرع الى  توفير المزيد من الضمانات لاحترام الاجل المحدد للوضع تحت الحراسة وتفاديا للاعتقالات التحكمية وتمكينا للسلطة القضائية من مراقبة ضابط الشرطة القضائية.

ثانيا: الاعتقال الاحتياطي
اعتقال الانسان وحرمانه من حريته ومن ممارسة حقوقه اجراء صارم لما يقيمه من شكوك حول شخصية المتهم ولما يسببه له من انهيار في الشخصية نتيجة الالقاء به وسط عالم من القسوة والحياة الصعبة. وقد اكدت المادة 152 من ق.م.ج ان الاعتقال تدبير استثنائي اذا امر به وجب ان تراعى فيه القواعد التي يفرضها القانون.
وان المقتضيات الجديدة للفصل 154 نجدها  تتضمن بالمقارنة مع المقتضيات السابقة الايجابيات التالية:
تخفيض مدة الاعتقال الاحتياطي من اربعة اشهر الى شهرين
حصر عدد تمديدات الاعتقال الاحتياطي في خمس مرات ولنفس المدة بعد ان كانت تلك التمديدات غير محددة العدد، ليضع المشرع بذلك الحد لاي تعسف تمكن ان يطال هذا التدبير الاستثنائي الذي يمس اقدس حق للانسان الا وهو حريته.
اطلاق صراح الظنين المعتقل احتياطيا بقوة القانون عند عدم اتخاذ قاضي التحقيق القرار باحالة الظنين على غرفة الجنايات اثناء مدد الاعتقال الاحتياطي .

ثالثا: الإفراج المؤقت
الافراج المؤقت هو رفع حالة الاعتقال واسترجاع المتهم مؤقتا لحريته الى حين البت في الدعوى العمومية.
وقد انصب التعديل المدخل على  الفصل 156 من ق.م.ج من جهة على الاجال التي خولها المشرع للغرفة الجنحية للبت في طلبات الافراج المؤقت ومصير تلك الطلبات عند انصرام تلك الاجال من جهة اخرى.
وهكذا نجد ان المقتضيات الجديدة قد اشتملت على ما يلي:
1) من حيث اجال البت في الطلب :
تحديد اجل 15 يوما الموالية للطلب لبت الغرفة الجنحية في الافراج المؤقت في القضايا الجنحية.
تحديد اجل 30 يوما الموالية للطلب لبت الغرفة  الجنحية في الافراج المؤقت في القضايا الجنائية.

2) من حيث اثر عدم البت في الطلب داخل الاجل.
لقد احسن المشرع صنعا عندما نص في  المقتضى الجديد بالافراج المؤقت والمباشر عن المتهم عند انصرام الاجل المحدد دون ان تبث الغرفة الجنحية في الطلب وعند انعدام أي اجراء اضافي للتحقيق على خلاف المقتضى السابق الذي لم يقرر فيه المشرع أي اثر عند عدم بت الغرفة الجنحية ( غرفة الاتهام سابقا) داخل الاجل المحدد، الشيء الذي كان يضر بحقوق الظنين ويحرمه من حقه القانوني في طلبه الرامي  الى استرجاع حريته مؤقتا.
كما ان التمييز الذي اخذ به المشرع في تحديد كلا الأجلين للبت في طلبات الافراج المؤقت تمييز منطقي يتماشى مع نوعية القضايا كما ان الافراج المؤقت والمباشر عند انصرام الاجل دون بت الغرفة في الطلب تستلزمه طبيعة  الاعتقال الاحتياطي الذي يعد تدبيرا استثنائيا ويفرضه حق الانسان في الحرية التي يجب ان لا تسلب منه الا بحكم قضائي.

3) من حيث اثر استئناف  الحكم القاضي بالافراج المؤقت.
يشتمل المقتضى الجديد للفصل 406 من ق.م.ج على الامور التالية:
الافراج عن الظنين عند بت المحكمة في طلبه رغم استئناف النيابة العامة.
استئناف النيابة العامة لا يوقف الافراج عن الظنين الا في القضايا المتعلقة بمقدسات البلاد والنظام العام والاتجار غير المشروع في المخدرات.
وجوب الافراج وبقوة القانون عن الظنين المعتقل من اجل القضايا المذكورة عند انصرام اجل 15 يوما الموالية لاستئناف النيابة العامة دون بت المحكمة في الاستئناف المرفوع اليها.
وبهذه المقتضيات الجديدة، ينحو المشرع نحو تمتيع الظنين بحقه في استرداد حريته التي سلبت منه بفعل تدبير استثنائي تكريسا لقاعدة ان المتهم بريء حتى تثبت ادانته وحيلولة دون تحول الاستثناء الى قاعدة.

رابعا: الضمانات القانونية الجديدة للمتهم
1- بالنسبة للايداع في السجن
اصبحت مسالة الايداع في السجن للمتلبس بجنحة المعاقب عليها بالحبس مع عدم التوفر على الضمانات الكافية للحضور في ظل المقتضيات الجديدة للفصل 76 من ق.م.ج تخضع للسلطة التقديرية لوكيل الملك، خلافا للمقتضيات السابقة التي كانت  تجعل في الحالة المذكورة امر الايداع في السجن شيئا مؤكدا لا مفر منه. ويستفاد كل ذلك من المقتضيات الجديدة التي صيغت فيها مسالة الايداع في السجن للمتهم من طرف وكيل الملك على سبيل الامكان بعد ان كانت مصاغة فيما قبل على سبيل الوجوب.
ولعل الجديد ايضا في هذا المجال هو ان السلطة التقديرية المخولة لوكيل الملك تتوقف على ما يتوفر عليه المتهم من ضمانات  كافية للحضور، الامر الذي يغدو معه المتهم في منأى عن الايداع في السجن عند توفره على الضمانات المذكورة.
كما اجازت المقتضيات الجديدة لوكيل الملك تقديم المتهم للمحكمة حرا اذا قدم الضمانة المالية المحددة له او ضمانة شخصية، الامر الذي يعد جديدا كل الجدة لعدم احتواء النص القديم على نظيره. الامر الذي يوحي بالقول برعاية حقوق المتهم بالمحافظة على حريته وتمتعه بها.

2- بالنسبة لتنصيب محامي عن المتهم
احاط الفصل 76 المتهم بضمانة قانونية جديدة تتمثل في اشعاره من قبل وكيل الملك بحقه في تنصيب محام عنه  حالا تعزيزا لحقوق الدفاع وحماية لحرية المتهم في تبيان اوجه دفاعه عما الصق به من اعمال. ولقد عمق الفصل 127 من ق.م.ج من هذه الضمانة القانونية عندما اعاد صياغة العبارة التي تخول للمتهم الحق في اختياره محاميه عند استنطاقه من قبل قاضي التحقيق وذلك باضافة كلمة " حالا" سعيا من  المشرع وحرصا منه على سلامة الاستنطاق الاولي ونزاهة التحقيق خدمة لمصالح المتهم ورعاية لحقوقه وحريته.
تلك الضمانة القانونية التي تم تكريسها في الفصل 17 من ظهير 6 اكتوبر1972  والفصل 2 من ظهير الاجراءات الانتقالية .

3- بالنسبة للاستنطاق. 
أحاط الفصل76 والفصل 127 من ق.م.ج المتهم بضمانة قانونية تتمثل في حق المتهم في  الخضوع الى فحص طبيب خبير عندما يقوم بطلب ذلك بنفسه او بواسطة محاميه او اذا ما عاين وكيل الملك او قاضي التحقيق آثارا تبرر القيام بالفحص المذكور، حماية لحق المتهم في السلامة الشخصية واعمالا للضمانات المخولة له في الفصل 225، 231 من القانون الجنائي التي تحرم كل وسائل التعذيب والضغط.

4- بالنسبة للاحالة على المحكمة والغرفة الجنائية.
يشتمل المقتضي الجديد للفصل 17 من ظهير 6 اكتوبر1972 على تحديد المشرع لمدة 15 يوما على الاكثر بين ايداع المتهم في السجن واحالته على المحكمة، ويعتبر هذا التحديد ضمانة قانونية للمتهم بالمقارنة مع المقتضيات السابقة التي لم  تكن تتضمن أي تحديد للمدة بين تاريخ الايداع بالسجن وتاريخ الاحالة على المحكمة. وتتجلى ايجابية هذا التحديد في وضع حد لكل تعسف محتمل في ابقاء المتهم رهن الاعتقال اضرار بحقه في الحرية.
كما شمل التعديل الجديد للفصل 2 من ظهير الاجراءات الانتقالية تحديد اجل 15 يوما على الاكثر لاحالة المتهم داخلها على غرفة الجنايات وهو تعديل يتوفر على نفس الايجابيات السالفة.

ووعيا من المشرع بان الحماية الحقة لحقوق الانسان وحرياته لا يمكن ان تكفل في غياب المحامي، بالنظر الى ما يضطلع به المحامي من رسالة سامية تهدف الى سيادة العدل وحماية الحق وتحصين الحرية،  فقد ضمن المشرع للمحامي في التعديلات الجديدة بعض الحقوق التي وان كانت لا تلبي طموحات المحامي وما يصبو اليه من اجل اداء رسالته، فانها تشكل بطبيعتها خطوة ايجابية نحو تكريس حقوق الانسان.  وهكذا يمكن تفصيل الحقوق المخولة للمحامي في التعديلات الجديدة حسبما يلي:
الحق في حضور الاستنطاق الاولى لدى وكيل الملك ( الفصل 76 ق.م.ج)
الحق في حضور الاستنطاق لدى  قاضي التحقيق حول هوية المتهم ( الفصل 127 ق.م.ج)
الحق في حضور الاستنطاق في  ميدان الجنايات ( الفصل 2 من  ظ .أ. ن والفصل 17 من ظ 6/10/7)
الحق في الاتصال بكامل الحرية بالمتهم والاطلاع بالمحكمة على ملف القضية ( الفصل من ظ أ. ن)

II- اشكالية التطبيق العملي لهذه التعديلات واثارها؟
تتضمن التعديلات الجنائية المذكورة ايجابيات مهمة في مجال تكريس حقوق الانسان وحريته بما خولته للمتهم  من ضمانات قانونية جديدة  الا ان التساؤل المطروح و بإلحاح يهم  القوة الالزامية التي تتوفر عليها المقتضيات القانونية الجديدة والاثار المترتبة عموما عند عدم احترامها سيما ما يتعلق منها بالضمانات المقررة لفائدة المتهم من جهة والحقوق المخولة للمحامي بمقتضى تلك التعديلات من جهة اخرى.
وعموما، والى حين بلورة الايام لهذه المقتضيات على  الواقع العملي واستقرارها، تظل المقتضيات القانونية الجديدة مجرد خطوة اولى في حاجة الى خطوات تعقبها في سبيل تدعيم حقوق الانسان واحترام حرياته.
الأستاذ محمد بنعمر المحامي المتمرن  
بهيئة الدار البيضاء
* مجلة المحاكم المغربية عدد 70، ص 69. 

Sbek net
كاتب ومحرر اخبار اعمل في موقع القانون والقضاء المغربي .

جديد قسم : أبحاث قانونية مغربية