-->

ملاحظات حول مدى ملائمة عدالة تجارية متخصصة في المغرب



      
                                                             
 للاستاذ : ع. بودهريس
تعريب الاساتذة زينب ادريسية حمزي
دكتورة في الحقوق، محامية بهيئة الدار البيضاء. 

منذ  بداية هذا العقد، قامت السلطات المغربية المختصة بعدة اصلاحات لا  مثيل لها في المجالات المتعلقة بالقانون الاقتصادي:الابناك،البورصة، التجارة،  الشركات… هذه  المبادئ  القانونية، اتجهت اساسا الى حماية الامن القانوني للمستثمرين ولباقي مالكي الاموال .
لكن هذا لم يكن كافيا، اذ يجب تامين ضمانة مصالحهم بواسطة عدالة مناسبة.

 كذلك فانهم مطالبين بخلق قضاء متخصص في هذا المجال، خاصة وانه  من  المؤكد ،  ولعدة اسباب ، ان اختيارا كهذا يبقى ضروريا. ورغم  ان السلطة   المركزية   تحددت باحتياجات التجار وباقي الفاعلين الاقتصاديين، لكن  ليس من المؤكد  لن التجربة الجديدة  ستكون مناسبة وانه تم وضع عدالة تجارية موازية في مكانها .

مقدمة
1- هناك عدة اسباب اقرت بها السلطة المركزية بعد عدة عقود، منذ الاستقلال  وخاصة  بعد تطور  القانون  المقارن الذي عبر  عن كفاءة  مادية كبيرة.  فرغم التغيير القانوني الذي عرفه صيف 1974  بعد احداث محاكم جديدة سميت بمحاكم  الجماعات والمقاطعات، والتي عوضت محاكم السدد، الا ان ذلك لم يعبر  عن كفاءة  قانونية متميزة .

كذلك فان رياح تحديث العدالة الدولية لن تبتدئ  الا بميلاد المحاكم الادارية في 1990، التي جاءت كتعبير لالتفاتة ملموسة لمادة حقوق الانسان،  بالنظر الى المرؤوسين في مواجهة الادارة المستبدة والخانقة .
 ان عامل عولمة اقتصاد السوق والتبادل التجاري ارغم المغرب، في العقد الحالي، على الشروع في اتخاد مبادرات  اقتصادية  ومالية جريئة : (البنوك،  القروض، البورصات،  التحويلات… ) .

 ان صدور  مدونة التجارة الجديدة في فاتح غشت 1996،  يعتبر هو كذلك جزءا من امواج التغيير واعادة الهيكلة القانونية للاقتصاد وذلك تلبية لنداءات البنك العالمي وهذه الاصلاحات هدفت الى جعل المقاولات المغربية قادرة على المنافسة من جهة، ومن جهة اخرى ارادت ان تشجع المستثمرين الاجانب على استثمار رؤوس اموالهم  في المغرب . ذلك ان مالكي الاموال،  سواء  المغاربة او الاجانب،  يلحون   على ضرورة توفر ضمانة قانونية لاموالهم ومشاريعهم .

هذه الضمانة يجب ان تترجم ليس فقط بمبادئ  قانونية وتنظيمية، ولكن ايضا بعدالة  متلائمة مع متطلباتهم ورغباتهم. وهذا  ما دفع السلطة المركزية الى خلق قوانين متخصصة  في المادة التجارية والتي تتجلى في ظهير رقم 65-97-1  الصادر في  12  فبراير 1997  الحامل لاصدار قانون رقم 53-95   الذي ينص على التنظيم التجاري .
لكن قبل ان نطل  على مدى ملائمة هذا الاختيار، أليس  من المحبذ  ان نتطرق   بإيجاز  الى اهداف العدالة التجارية ؟

2-  رغبة وانتظار التجار و باقي الفاعلين  الاقتصاديين، هؤلاء  المحترفين ينتظرون   عدالة بمعيارهم،  أي  عدالة   تكون قريبة منهم .
ان العدالة  التجارية  لا يجب  ان تكتفي  فقط بتطبيق القوانين والمساطر المعقدة بشكل صارم، بل يجب ان تهدف مبادؤها  الى تامين  العدالة  القانونية   لاملاكهم  ومصالحهم  مع وجوب  اتسامها بسمة متفهمة  تاخد بعين الاعتبار  معاملاتهم المهنية .

هذا بالاضافة الى ان الهيئة  القضائية يجب  ان يكو ن  لديها  الالمام  والدراية  المعقمة  بالمسائل  التجارية  والاقتصادية،  ليس  فقط  على الصعيد  النظري  والدراسي،  بل بالخصوص على الصعيد العملي والتطبيقي . بعبارة اخرى،  يجب ان تكون لديها القدرة على مسايرة التطورات السريعة التي تحدث على الصعيد التجاري .

 من هنا،  فالعالم  الاقتصادي في حاجة الى عدالة  تجارية  جيدة،  عدالة فعالة،  سريعة، سهلة، اقتصادية،  موثوق بها، وملائمة  للقانون وللعمل  في نفس الوقت .
 من اجل   كل هذا، فان  هذه العدالة يجب ان تتوفر على الوسائل  الكافية،  سواء  من ناحية الكفاءة  البشرية   من قضاة متخصصين وفي المستوى، او من ناحية المسطرة  التي يجب ان تكون مناسبة وفعالة .
 وهذا ما يسمح بوضع السؤال الاساسي المتمثل في معرفة من يجب ان يسهر على تطبيق هذه  العدالة التجارية، قبل ان نتطرق الى التجربة المغربية في هذا المجال  .

3-  هناك محاولة قديمة لكن محدودة  في هذا المجال  والمتمثلة  في نقل  تجربة  المستعمر  القديم،  ولكن قبلها كان هناك  توجه مغربي الى المحاكم التجارية .

 بالفعل،  وكالعادة، فان المشرع المغربي اكتفى بنقل وترجمة النصوص القانونية الفرنسية ترجمة حرفية، اذ انه استلهم قانونه من نظيره  الفرنسي،  رغم  انه في بعض الاحيان   قام   بتنقيح بعض  النصوص  ذات الطابع الغربي، التي نحس من خلالها بانها  خارجية المنشا،  لتكون  ملائمة للمجتمع المغربي .

 اما بخصوص المبادئ القانونية ذات الصبغة  الاقتصادية والمالية، وموازاة  للاقتصاد  الحر وللتطور السريع الحاصل في الغرب (خاصة في فرنسا)  في هذا المجال،  فان المشرع المغربي لم يتنازل قط  عن تجربة المستعمر القديم،  وخلق المحاكم الادارية اكبر دليل على ذلك  رغم ان الامثلة كثيرة .

فلا احد ينكران مشروع  تلك الاصلاحات كان بادئ ذي بدء  في فرنسا، والمشرع المغربي اكتفي بنقله وترجمته مع بعض التعديلات الطفيفة التي تمس الصياغة  والجزئيات فقط . لكن الجدير بالذكر ان التجربة  الفرنسية  ليست  وليدة اليوم، بل ظهرت بوادرها في العصر  الوسيط   اذ كانت تعرفي ما يسمى بالقضاء البلدي،  قبل ان تؤسس المبادئ  الحالية بعد عدة تطورات  متتالية . فالمحكمة التجارية في باريس   تاسست  على  يد الملك  شارل IX في 1563 من خلالها كان :
"من اجل الصالح العام، فان اختصار كل النزاعات بين التجار يجب ان يسوى فيما بينهم دون التقيد بدقة وحدة  القوانين والمساطر" .

اذا كان  زعم  كهذا يبقى ملائما لواقع الحال، فانه سيكون في بلد متقدم وليس اذن في بلد يتخبط منذ زمن طويل في ازمة التخلف التي لم يخرج منها بعد، رغم محاولاته لتسوية بناياته . فالسلطات العمومية  التي تستدعي   من المشرع  الاتقان، تبقى  منشغلة بطموحها العارم الى الانضمام الى صفوف القوتين الغربية والاسيوية .

اذا سلمنا بان المغرب هو بلد في طريق النمو، وان  مقاولاته يجب ان تكون في مستوى المنافسة الدولية،  فاننا سنتساءل حول مدى تناسب خلق قضاء تجاري متخصص مع متطلباته وإمكانياته الجد  محدودة  والتي يمكن  ان تعيق نجاح  هذه  التجربة .
وهنا  تظهر  فائدة   الاطلاع  على كل التجارب الاخرى في هذا المجال  من اجل  انتقاء الاصلح  والانسب .
  
1 - المحاكم التجارية ومدى نجاعة هذا الاختيار :
اذا كان تواجد  عدالة تجارية مقبولا وضروريا، فكيف يمكن اختيار العدالة الأنسب والأصح من اجل تطبيقها ؟ من اجل محاولة الإجابة عن هذا التساؤل، يجب ان نفحص مبادئ  هذه  العدالة التجارية مقارنة مع باقي المحاكم التجارية في الدول الأخرى اولا، بعد  ذلك يجب ان نشير الى ان هذه  الهيئات القضائية لا تمتلك حق التصرف الكلي والمطلق في هذا المجال خاصة مع وجود منازعات تجارية  فردية من جهة، والتوجه نحو  تفضيل الحل التحكيمي في النزاع دون اللجوء الى القضاء من جهة اخرى .

بعد ذلك نختم  بالتطرق الى أهمية إضافة كفاءة  متخصصة  في  مجال  محاكم القانون  المقارن الى الهيئة القضائية المختصة، معتمدين على تجارب أوربية في هذا  المجال ما دام  اصحاب  القرار  في بلادنا  لايثقون  الا  فيها  كل ذلك  على ضوء  مقتضيات القانون رقم 35 -95  في جميع نقط النقاش .

4-  ان العدالة التجارية تتنوع بحسب أنماط الأشخاص الذين يتوافدون عليها وذلك منذ العصر  الوسيط.  ففي فرنسا مثلا،  كانت المحكمة التجارية متواجدة في باريس، ولم يكن تكوين ولا وضعية الهيئة القضائية  فيها  متجانسا،  ونفس الشيء  بالنسبة  لمثيلاتها في دول أوربية اخرى  .

فعلاوة على انه يمكن ان تكون الهيئة القضائية مكونة من قضاة متخصصين، فان المحكمة التجارية يمكن ان تتكون من حكام تحكيميين، وهنا يكون النزاع التجاري  قد عهد الى قضاة مختارين بواسطة إطراف النزاع، او باتفاق بين التجار او مسيري شركات تجارية او صناعية .

  ان طريقة  تعيين هؤلاء  القضاة (الحكام)  لا تظهر ضمانة أكيدة لحيادهم و استقلالهم، هذا الحياد الذي يعتبر  من المبادئ  الأساسية للعدالة. علاوة على ذلك،  فكونهم مجرد تجار او فاعلين اقتصاديين  يجعل تكوينهم ابعد من ان يكون فعالا وجيدا، مما يمثل عقبة في وجه تطبيق العدالة، فالسلامة القانونية التي يبحثون عنها لا تقف عند حد العلم المعمق  بالممارسات التجارية .
 
كذلك  اليس من الافضل وضع "عدالة مركبة" مكان  "العدالة  التحكيمية"،  وذلك  بان تكون  المحكمة  التجارية  مكونة  من قضاة  محترفين الى جانب قضاة مختارين يمثلون الفاعلين الاقتصاديين. من هنا، يمكن لتجار او صناعيين او مسيري  مقاولات ان يمثلوا فئتهم المهنية الخاصة في القضايا التي تهمهم .

ان القضاء البلدي، رغم قدمه، يسمح بان يوازي في التطبيق بين القانون  والعادات التجارية، وذلك  في اطار هيئة قضائية مكونة من قضاة محترفين واخرين  مساعدين .
هذا النوع من القضاء  يوجد حتى في مجالات أخرى غير  مجال النزاعات التجارية ففي فرنسا مثلا، يوجد حتى في المحاكم المختصة بالاطفال القاصرين، كما يوجد ايضا في بلجيكا وفي البلدان المنخفضة في مجال تصفية النزاعات التجارية .  وهذا هو ما لا وجود له في الغرب لا بالنسبة لمحاكم الجماعات والمقاطعات ولا بالنسبة
للمحاكم التجارية المحدثة  بالقانون رقم 53 - 95 ، مع العلم ان قضاة محاكم الجماعات المقاطعات ليسوا أكفاء في المادة التجارية .

ان  المحاكم المحلية،  وفي اطار فض النزاعات  التجارية البسيطة،  تحاول تسوية الأمور بين الاطراف المتنازعة بطريقة حبية، وهذا غير موجود  في اطار المحاكم التجارية المغربية، التي هي ملزمة فقط بتسوية الخلاف المحال عليها .

5 - لجوء ممكن لكن اتفاقي للتحكيم و لاساليب لا قضائية في تسوية بعض النزاعات التجارية :
ان القانون رقم 53 - 95  قد يظهر تطبيق هذا المبدأ خاصة وان فصله الخامس ينص على انه :
"ان الاطراف يمكنهم، باتفاق بينهم، ان يحيلوا النزاع - الذي هو من اختصاص المحاكم  التجارية -  على  مسطرة تحكيمية تماشيا مع مقتضيات الفصول من 306   الى 327   من قانون المسطرة المدنية "لكن ذلك لم يكن له مفعول كبير مادام  المشرع، سواء  كان الاختصاص للمحاكم العادية  او للمحاكم التجارية، ترك للاطراف كامل الحرية في اختيار اللجوء  الى محكمين يكونون معينين بادئ  ذي بدء   او الى مؤسسة كفاة لتدعمهم في هذا المجال  (تحكيم مؤسستي)  .

لكن ورغم ان العدالة الاجتماعية جاءت  بإيجابيات لا يستهان بها لصالح  الفاعلين الاقتصاديين، الا انها   لا تخلو من سلبيات : مساطر  معقدة، طويلة ومكلفة، وغياب السرية المتطلبة  في عالم الاعمال .
 بالإضافة الى ذلك، فكون مقتضيات الفصل 5  في هذا المجال يكون محددا يظهر جليا ان هناك  تركا معتمدا للباب مفتوح على مصراعيه للمستثمرين والمقاولين الاجانب من اجل الالتجاء الى التحكيم الدولي، ولكن مع بعض القيود .

وعلى كل حال، لم يكن من الضروري ادخال هذا النص في القانون رقم 53 - 95 مادامت الاطراف المعنية بالامر يمكنها الانتفاع من نظام  التحكيم المؤسس من طرف  قانون المسطرة المدنية بدون اي سند في هدا الموضوع .

بالإضافة الى ذلك، وامام  عدم فعالية هذا النظام، وفي غياب اي تشريع مغربي مرتبط بالتحكيم التجاري الدولي، فان المستثمرين الأجانب (سواء  كانوا   اشخاص طبيعيين او معنويين)  يتواجدون في وضعية متميزة تسمح لهم بفرض نوع معين من الحلول فيما يتعلق بنزاعاتهم مع الاطراف المغاربة خارج المغرب .

في المقابل،  فان هؤلاء  المستثمرين الاجانب، وفي اطار الخلاف القائم  بينهم  وبين المستثمرين الوطنيين، يمكنهم ان يطلبوا منهم خلال فض النزاع ان ياخذوا بعين  الاعتبار تطبيق كل من القانون والعادات المهنية في نفس الوقت لكي يضمنوا السلامة القانونية  لمشاريعهم،  وهم بذلك  يطبقون المثل الذي يقول : "تسوية سيئة خير من دعوى جيدة" . فهم يستعملون طرقا لا قانونية في  تسوية النزاعات التجارية .

 وبعبارة اخرى، فالمغرب لا زال يعيش في مؤخرة هذا المجال مقارنة حتى مع بعض دول افر يقيا الجنوبية او الدول العربية   المتقدمة في  مادة التحكيم التجاري الدولي،  كالجزائر وتونس ومصر والاردن.  ذلك ان المشرع في  هذه الدول قدر إمكانية استعمال الصلح او الوساطة كوسيلة سابقة على التحكيم، وبذلك بقيت الصفة القضائية غير  متغيرة.

ليس اللجوء او الاستعانة بالمحتسب هي الوسيلة التي يمكن ان تسد الثغرة، خاصة وان عمله، بالإضافة الى انه متوقف على وزارة الداخلية، ينحصر  في الإثبات والتقرير وتحرير محاضر  المخالفات دون  ان تكون له سلطة اتخاذ القرار في فرض غرامة او الامر باغلاق  مؤقت للمؤسسة المدانة عند الاقتضاء .

بمقتضيات الفصلين 10 و11  من القانون رقم 02-82   السالف الذكر،  يملك الامين(المسؤول الاساسي لاهل الحرفة والمعين من طرف انداده) سلطة التوفيق والصلح فيما بين التجار او بين تاجر ومستهلك او  زبون، ثم يقوم بتحرير المحضر سواء  بالصلح بين الاطراف او بفشل محاولاته .
 وبالاضافة اختيار إقصاء كفاءة المحاكم التجارية،  فانه  لم يتم  اعطاء اية أهمية  تذكر لمجموع القضايا التجارية الخاصة .

  6 - اللامبالاة تجاه مجموع القضايا التجارية الخاصة :
يمكننا على الفور ان نستنتج وعلى غرار ما عليه الحال بالنسبة  للقضاء  المدني ان المشرع اراد   تخصيص   كفاءة  جيدة للمحاكم التجارية بهدف تسهيل المهمة على المتقاضين الذين يمكنهم الانتفاع بهذا القضاء المتخصص . ومن اجل هذا الهدف، جاء الفصل 9   من القانون رقم 53 - 95  بالمقتضيات التالية :
"ان المحاكم التجارية مختصة في  مجموع النزاعات التجارية  التي  تستوجب موضوعا مدنيا" .

 ومع ذلك،  في فرنسا، فرغم ان هذه المحاكم التجارية لها صلاحية واسعة  في المادة التجارية، الا انها لا تنفرد  بحق التصرف المطلق.  فبالفعل هناك  نصوص خاصة تعهد لبعض اللجان الادارية بسلطة قضائية.  كما هو الحال مثلا بالنسبة للجنة المنافسة وعمولة عمليات البورصة التي تختص في الحكم في المسائل المتعلقة بقانون المنافسة وفي المساطر المنظمة لعمل سوق البورصة او المحافظة على الاستثمار المحول الى قيم منقولة .

لكن  في المغرب،  وعكس ذلك،  فرغم ان السلطات العمومية  تراهن يوما بعد يوم  على تطور بورصة الدار البيضاء وعلى تشجيع الاستثمار الخاص في هدا المجال، فان "لجنة أدبيات القيم  المنقولة" مكلفة اساسا بتامين الوقاية للاستثمار الموظف في  القيم المنقولة وباقتراح المعايير ألازمه لهذا الغرض" .

 ومن اجل ذلك، فان هذه اللجنة تراقب فقط كون المعلومات، المنشاة والمنشورة،  والمعطاة من طرف الأشخاص المعنويين لحاملي القيم المنقولة وللعموم مطابقة للقوانين والتنظيمات المعمول بها .
بالاضافة الىا ذلك،  فانها تسهر على العمل الجيد لاسواق القيم المنقولة، كما  تساعد الحكومة في إطار ممارستها لصلاحياتها قي ميدان  تنظيم وتقنين هذه الأسواق .

الا انها، وبمقتضى الفصل الاول من الظهير المؤسس لها، لا تتوفر على اية صلاحية قضائية، فهي الهيئة الوحيدة المماثلة للهيئة الفرنسية لعمليات البورصة، ولكن دون ان تكون مكلفة بنفس  مهام هاته الاخيرة.
فضلا على ذلك، فرغم ان المحررين المغاربة لمشروع القانون المتعلق بالمنافسة  و الاسعار اخذوا غالبية المقتضيات  من المشرع الفرنسي في هذه المادة، ونادوا بخلق " لجنة المنافسة"،  فان الفصل 9   من هذا المشروع ينص على ان هذه الهيئة :
"يمكن ان تكون مستشارة من  طرف :

3- القضاء المختص،  على التطبيقات المضادة للتنافس وعلى قائمة الاعمال  التي قامت بها".  من هنا نستطيع القول بانه ليس لها لا صلاحية  استشارية اختيارية فقط.
 في النهاية، وبعدما تم التطرق لمختلف اوجه العدالة التجارية، نلاحظ بان ما ينتظره التجار وباقي المتقاضين المماثلين هو كفاءة مختصة تمتزج لديها تجربة  مهمة في مجال  المشاريع والاعما ل بتكوين قانوني جيد .
لكن يجب ان نسلم بان الموارد المالية الكافية التي يتطلبها قضاء مختص ورفيع لا تتوفر في بلد كالمغرب، وهذا مايبرر ضعف هذا القضاء فيه .

7- من اجل كفاءة مختصة للمحاكم العادية : 
في الوقت الذي نقوم بتقليد الدول الصناعية، فانه من الواجب الرجوع الى حصيلة الاجوبة عن الاستمارة المرسلة من طرف ادارة الاعمال القانونية للجنة الاوربية للدول الاعضاء في هذه المنظمة المحلية وللدول الغير اعضاء الذين يستفيدون من برنامج التعاون القانوني، (32 حكومة من ضمن 35 في المجموع) من اجل معرفة ما اذا كانت غالبيتهم اختارت القضاء المتخصص .

لكن،  عوض ان نذكر مختلف اختيارات مجموع الدول التي اجابت عن الاستمارة السالفة الذكر، سوف نكتفي بذكر اجوبة   غالبية الدول الأعضاء في الاتحاد  الأوربي، بالإضافة الى بعض دول اوربا الوسطى  والشرقية .
كذلك، وفي اطار بحث هذه الاجوبة، سوف نفاجا بمعرفة ان الغالبية  العظمى لهذه  الدول عهدت النزاعات  التجارية   لمحاكم   القانون  العام . وهذا هو الحال  بالنسبة للنمسا (ما عدا في فيينا) ، والدانمارك (لكن مع تواجد   بعض المساعدين الذين لا ينتمون الى هيئة القضاء في محاكم المقاطعات  ومحاكم الاستئناف)،  وفيرلاندا،  والمانيا، واليونان، وايرلاندا،  وايطاليا، والليكسنبورك (حيث توجد  المحاكم التجارية كغرف خاصة في محاكم المقاطعات)  و البرتغال (المحاكم الابتدائية تسمى محاكم "كمارا" او "سيركيلو" حسب  الاحوال)،  واسبانيا، والسويد (غرف  مختصة في القضايا التجارية) ، وفي المملكة المتحدة  يمكننا  ان نضيف كذلك ان المحاكم  ا لعادية هي  محاكم متخصصة في المادة التجارية في البيلاروس، وفي بلجيكا  (غرفة متخصصة)، والجمهورية التشيكية، وهنغاريا (مع فرع متخصص) .

 اما بخصوص فيدرالية  روسيا فاننا لا نجد  فيها الا محاكم تحكيمية (المجلس الاعلى، محاكم الجهة، ومحاكم المقاطعات) .
 ومن بين  اولائك الذين اختاروا  القضاء التحكيمي او المختص، توجد  كل من البيلاروس (المحاكم الاقتصادية) وكرواتيا (محاكم تجارية ومجلس اعلى تجاري) وبلجيكا (محاكم تجارية مع عودة الى محاكم الاستئناف العادية) وسويسرا (محاكم تجارية  لكن ايضا محاكم عادية بالنسبة للقضايا ذات القيمة الضئيلة) واخيرا فرنسا .

 فبخصوص هذا البلد الذي تبناه مشرعنا المغربي، فمن المهم ملاحظة انه بالاضافة الى المحاكم التجارية، فان المحكمة الابتدائية   هي ايضا مختصة في المادة التجارية اذ لم توجد محكمة تجارية في دائرة اختصاصها .
الا ان المشرع المغربي  اختار  وضعية متناقضة تماما .  فما دامت  مقتضيات الفصل 9   من القانون  رقم 53 - 95   تنص على ان  المحكمة  التجارية تختص في : " مجموع  النزاعات التجارية التي تضم مادة مدنية" .
 لكن اذا كانت مسطرة كهذه تبدو متفهمة ومقبولة اذا ما اعتبرنا انه عموما :
"قاضي الموضوع هو قاضي الاستثناء"

بالفعل فان ذلك يقتضي ان : "التاجر  يمكنه ان يتفق مع الطرف الاخر، الذي يمكن ان  لا يكون تاجرا، من اجل اسناد النظر في النزاع ا لقائم أثناء ممارسة مهمة تجارية، للمحكمة التجارية" .
 مع ذلك، ورجوعا  الى  فرنسا، فان التجار وباقي المحترفين لميدان التجارة فيها، لا يلتجئون الى المحاكم التجارية من اجل فض النزاع القائم بينهم وبين  المستهلكين ولو كان هذا النزاع قد قام اثناء  مزاولة  نشاطهم  التجاري، شانها  في ذلك  شان باقي الدول الغربية التي تتوفر على  رمز استهلاك في المستوى . وهذا دليل إضافي، اذ كنا في حاجة  اليه، على المحاباة التي يحظى بها مالكي الأموال .

 وعلى كل حال، وبعد كل ما سبق،  كان من الممكن اختصار القضاء المتخصص الجديد  في المادة التجارية والابقاء على الغرف التجارية الموجودة  في  المحاكم  الابتدائية، اذ من خلالها يتم  فض الخلافات والنزاعات القائمة بحسب طبيعتها  وقيمتها، كما هو منصوص عليه سلفا في النصوص  الموجودة  في  مادة  التنظيم القضائي.

 ويبقى اخيرا المشكل الأكثر تعقيدا والمتمثل في مدى إمكانية الاخذ بعين الاعتبار التطبيقات والعادات المهنية من طرف المحاكم العادية، بالاضافة الى التكوين القانوني المعمق والمتخصص  للقضاة المتخصصين في  الماة التجارية .
 من  اجل معالجة ذلك،  كان من الواجب من جهة انشاء  هيئة استشارية في المادة التجارية، على غرار المادة الاجتماعية .  وهكذا يمكن للقضاة المتخصصين ان يكونوا مساعدين من طرف ممثلين للتجار وممثلين لباقي الفاعلين الاقتصاديين، والذين  يكونون  مختارين بواسطة لائحة موضوعة مسبقا بمباراة للهيئة التي تنتمي للمجال  التجاري  ولباقي التنظيمات المهنية الممثلة .

 اضافة الى ذلك، هناك  مشكل مطروح  وهو  متعلق بتخصص القضاة العاملين  قي هذا المجال، اذ يجيب ان يؤمن لهم التكوين الجيد والمستمر،  بالاضافة الى تكوينهم القانوني العام السابق  .
اذ اليس من الضروري وجودة هذا التخصص من اجل السير الجيد للمحاكم التجارية والمحاكم الادارية ؟
كما يمكننا، وفي اطار مراجعة النصوص المنظمة لقضاة محاكم الجماعات والمقاطعات، ان نطرح السؤال حول مدى كفاءتهم في المادة التجارية خاصة عند نظرهم في النزاعات ذات القيمة النقدية البسيطة، فهل هذه الكفاءة تضاهي كفاءتهم في المادة المدنية ؟
اذ من الضروري اضافة مساعدين اقتصاديين مختارين قضائيا الى جانب القضاة الرسميين .
اما بالنسبة لمسالة خلق غرفة تجارية لدى المجلس الاعلى، فقد كان من الضروري احداثها منذ زمن بعيد، دون انتظار خلق المحاكم التجارية . 

لكن حتى اذا وقفنا عند  حدود تقدير مقتضيات  القانون رقم 53 - 95 ، فانه يمكننا ان نلاحظ عدة تناقضات وقصور  تترجم  السرعة التي تم بها نسخ هذا النص، وذلك نابع بالاساس من التقليد السيء للتشريع الفرنسي.
عدالة تجارية غير مقنعة :
عند التذكير بالاهداف المسطرة لخلق المحاكم  التجارية، سوف  نكتفي بالاشارة الى بعض التناقضات الموجودة بين القانون والتطبيق، سواء على مستوى  الاختصاص  الترابي  او الاختصاص  النوعي  او على مستوى المسطرة .  هذا التناقض الذي لا يتماشى مع الاهداف المسطرة للعدالة التجارية بالنسبة للفئة التي يعنيها الامر.

8 -  مدى قرب العدالة من المتقاضين :
 ان البند الثاني من الفصل الاول للقانون  رقم 53 - 95  يحيل على المرسوم   الذي سوف يحدد عدد المحاكم  التجارية  ومقرها في "الجهات" وحوافزها .
بالرجوع الى الجهات، فان طموح المسؤولين عن عدالة الدولة يبدو محدودا، اذ انه تم التصريح بانه فقط : "8 محاكم تجارية و3   محاكم استئناف سوف يتم انشاؤها في اهم اقطاب النشاط الاقتصادي" .
وهذا بعد ان تكونت لجنة مجموع القضايا المتعلق بالمستثمرين والفاعلين الاقتصاديين  في 16 دجنبر   1996،   اي قبل نشر الظهير المتعلق باصدار القانون رقم 53-95    في الجريدة الرسمية . اذن فالامر يتعلق "بمحكم جهوية" وذلك  على غرار المحاكم  الإدارية .
ان هذا الاختيار عرف عدة عراقيل متمثلة أساسا  في الصعوبات المالية التي عرفتها الحكومة  بالإضافة الى النقص الحاصل في القضاة المتخصصين في هذا المجال  .

لماذا  اذن تام خلق هذا النوع   من القضاء ؟
 ايضا  ومما  لاشك  فيه انه يتم  الاضرار  بمبدا   تقريب القضاء من المتقاضين .  ذلك ان التجار والفاعلين  الاقتصاديين  الذين  يتواجدون  في الجهات  الصغيرة سوف يجدون بالتاكيد  صعوبة  كبيرة،  اذ عليهم التنقل  بعيدا   عن مكان تواجدهم    من اجل  التقاضي امام المحاكم، المحاكم التجارية المختصة . كذلك، سوف يتم منح امتيازات  لبعض الجهات على حساب الجهات الأخرى .

ومن جل  تفادي هذه اللامساواة امام العدالة، فانه من الاحسن الابقاء على الوضعية الحالية، فبوجود 66 محكمة ابتدائية  والتي توجد في كل واحد ة منها غرفة  تجارية،  فان مبدا تقريب العدالة التجارية للمتقاضين يكون  مضمونا أكثر . ونفس  الشيء  اذا  ما عهدنا  الى محاكم الجماعات والمقاطعات الموجودة امر النظر  في النزاعات  التجارية  ذات القيمة الضعيفة .

فضلا على ذلك، فكون الفصل  12  من القانون رقم 53-95  ينص على انه :
" يمكن للاطراف، وفي كل الأحوال، ان يتفقوا كتابة على  ان يعينوا المحكمة  المختصة "، لا يغير شيئا،  لانه في هذا المجال  نذكر بان مسالة  الاختصاص  المحلي  لا تعتبر من النظام  العام  بخلاف  الاختصاص  النوعي.
بالاضافة الى ذلك، فان تطبيق هذه المقتضيات لن يتم بدون ضرر، باعتبار ان الطرف القوي سوف يفرض قانونه في العقد على الطرف الضعيف . هذا الخطر يكمن ايضا في مقتضيات الفصل 6 من القانون رقم 53-95 .

عدالة  مصممة  لكي تكون ملائمة  لمتقاضين أثرياء :
 انطلاقا  من النص،  فان  المحاكم التجارية  مختصة  بالنظر ابتدائيا  وانتهائيا في القضايا التي لا تتعدى قيمتها 9 الاف درهم، وابتدائيا فقط في القضايا التي تتعدى قيمتها هذا المبلغ . من هنا يمكننا ان نلاحظ ان معدل قيمة القضايا المرفوعة امام المحاكم التجارية مرتفع  مقارنة مع نظيره  في القضايا  المرفوعة أمام القضاء المتخصص .

 لكن ذلك سوف  يضر  اساسا بالتجار  الصغار  الذين  سوف لن  يستفيدوا   من هذا القضاء،  في  حين ان النجار الميسورين  سوف  يستفيدون   من إمكانية  الانتفاع   بمسطرة مزدوجة (قضاء  عادي وقضاء متخصص) .
انطلاقا  مما سبق  ذكره، يمكن  القول  بان الحد الادنى المحدد لقيمة  القضايا المرفوعة امام المحاكم اللابتدائية يجب ان يرتفع هو أيضا لكي يتماشى، ليس مه ارتفاع مستوى المعيشة فقط، ولكن اساسا مع انخفاظ   قيمة العملة وهذه الملاحظة  صالحة  ايضا بالنسبة للحد الادنى المحدد لقيمة القضايا المرفوعة امام محاكم الجماعات والمقاطعات والتي تصل حاليا الف درهم .

  في الحقيقة، فان المساواة القانونية للمتقاضين امام العدالة التجارية تبقى شكلية ما دام ان التجار الصغار  ليس لهم نفس حظوظ التجار الكبار وهم بذلك يحسون أكثر من غيرهم بمرارة هذه اللامساواة .
بالإضافة الى ذلك هناك مشكل مدى كفاء ة قضاة محاكم الجماعات والمقاطعات، حيث ان وضعيتهم وتكوينهم يجب ان ينمي لكي يمكنهم تناول النزاعات التجارية ذات القيمة الضعيفة بشكل جيد  كما يجب ان نذكر ايضا بهشاشة وضعية المتقاضين غير التجار والمستهلكين الذين  يكونون مجبرين على الامتثال امام العدالة التجارية من طرف خصومهم التجار، هذه العدالة التي تكون في غير صالحهم،  خاصة  اذا كان  الحكم غير قابل للاستئناف.  كما ان هذه اللامساواة تبرز اكثر اثناء سير المسطرة أمام المحاكم التجارية ومحاكم الاستئناف التجارية .

10- مسطرة تكون فيها البساطة والفعالية ابعد من ان تكون مكتسبة وموجودة :
ان العدالة  التجارية يجب ان تتميز مبدئيا، وكنظيرتها المدنية، بمسطرة سهلة، بسيطة، سريعة واقتصادية. لكن بتفحص المساطر الاساسية الموجودة في هذه   المادة، سوف نشك في فعالية تحقيق تلك الاهداف السالفة الذكر. 
فان كان المشرع قد حدد على طول العنوان IV من القانون  رقم 53-95 (الفصول م 13  الى 17 ) المسطرة الواجبة التطبيق امام المحاكم التجارية باجال قصيرة امرة فانه ليس من المؤكد ان تحترم  بالفعل .

هذا بالإضافة الى  ان المسطرة تكون كتابية، وذلك يجعل وجود  محام الى  جانب المتقاضي أمرا ضروريا، وهذا ما يشكل مصاريفا  اضافية   يتحملها  ذلك  المتقاضي (اتعاب المحامي) الذي يمكن ان لا يقدر عليها خاصة اذا كان تاجرا صغيرا . لكن يمكن لهذا الاخير ان يطلب من رئيس المحكمة الاذن له بان يمثل نفسه امام العدالة  دون  مساندة المحامي .
 اضافة الى ذلك، فحتى عند اللجوء  الى محام رسمي فان ذلك لا يشكل ضمانة ولا دليلا على دفاع مناسب  وجيد  لانه، وعلى غرار القاضي، فان ذلك المحامي لا يكون  مختصا في المادة التجارية بالمستوى المطلوب .

 هذا بالاضافة الى ان هناك بعض المحامين الذين  يرفضون القضايا ذات القيمة الضعيفة، ويتخصصون في تلك  التي تعهد بها اليهم الشركات والفاعلين الاقتصاديين ويحصدون وراء ذلك مبالغ مالية مهمة . وهذا ما يبرز ايضا التجاء بعض التجار الصغار الى محاكم الجماعات والمقاطعات . وهنا ايضا  تبرز مسالة اللامساواة بين الفئات المختلفة من التجار، وهي مسالة   لم يعرها المشرع أي  اهتمام  . ذلك المشرع الذي ينادي ويهدف  دائما الى مبدا  المساواة  (المزيف) امام  القضاء  سواء  كان مدنيا  او تجاريا .

وعلى اية حال، وما دام القاضي المختص ليس مساندا من طرف  مساعدين  يمثلون مختلف الفئات من تجار  وفاعلين اقتصاديين،  فانه  سيبقى  دائما  مجبرا على الرجوع الى اختصاصيين في هذا المجال من اجل مساعدته في فك رموز النزاع، وعلى اخذ  معايير  جديدة  في ادارة بحث الادلة (البحث، خبير الخطوط والحسابات…) . 
 كذلك،  وحسب  مقتضيات  القانون   رقم 53-95 ، فان قانون  المسطرة المدنية هو الذي سيطبق مع ما يستتبع ذلك من مشاكل البطء  والازعاج   الذي يتميز بها .

  فعوض ان يتم اظهار السرعة،  فانه يتم التواري تارة  وراء ستار كثرة القضايا  ذات القيمة الضعيفة التي   تعرفها  المحاكم، الى جانب  العجز المالي الملحوظ، وتارة اخرى وراء ستار عدم تماشي قواعد المسطرة المطبقة مع طبيعة النزاعات المعروضة والتي لا تتطلب مسطرة عادية .
 ان مجموع القضايا المعروضة يتم تناولها بنفس الطريقة  والمنهج  من طرف  قضاة لا  ياخذون بعين الاعتبار خصوصية   كل  حالة  على حدة.  فبخصوص مسطرة الامر بالاداء مثلا، فاذا كانت الفقرة الثانية من الفصل  22 من القانون رقم 53-95   تنص على  ان اجل  الاستئناف والاستئناف  نفسه لا يوقفان  تطبيق الامر المحكوم به، وذلك  يمكن ان يشكل ضمانة غير كافية بالنسبة للطرف المدان في حالة غيابه مادام ان رئيس المحكمة يحكم على الاوراق الموجودة بين يديه فقط . فان الفقرة الثالثة  من نفس  الفصل  حاولت ان تتدارك هذا الموقف وذلك بنصها على السماح لمحكمة الاستئناف التجارية بتوقيف جرئي او كلي  لتنفيذ الامر .

 كما انه  كان من الاجدر  فرض غرامة في حالة الاستئناف التعسفي او التهورى من اجل ردع المتقاضين  سيئي النية .
 ان المسطرة امام محاكم الدرجة الثانية تكاد تكون بطيئة ومزعجة تماما كما هو الحال بالنسبة للمحاكم الابتدائية،  خاصة وان الفصل  19  في فقرته الاولى يحيل الامر ا ليها متعمدا .
 اخيرا، ورغم المهلة  المعطاة   للوكيل المكلف  بالتنفيذ من اجل  اتمام  مهمته، فان الاحالة على مقتضيات قانون المسطرة المدنية في مادة  التنفيذ الجبري للاوامر من  شانه ان يعيق السير الجيد للمسطرة  في المادة  التجارية .

اذن فهناك مجال بالتاكيد  للخوف من استمرار المشاكل  المتعلقة بتبليغ وتنفيذ قرارات العدالة، حيث  لا نرى أي منفذ معقول  بالنسبة للمتقاضين الحسني النية .  وهذا ما يدفع  التجار للالتجاء  الى التحكيم او الى اساليب اخرى غير قضائية من اجل نزاعاتهم تماشيا مع الفصل الخامس السالف الذكر .
فلماذا اذن   تم اختيار عدالة تجارية متخصصة ما دامت تصرفات وعقلية الهيئة القضائية واعوانها والمتقاضين سيئي النية، الكثيرين  والمتزايدين،  تشكل العقبة الكبرى  في وجه التطبيق  الجيد  والسليم   للنصوص القانونية ؟

خلاصة :
11- تجربة مشكوك فيها :
 في ظل هذه الظروف المؤسفة، فان عمل المحاكم التجارية يكاد  يشكل  ضياعا   ماديا كان من الاجدر تفاديه . لذا فقد كان من الضروري تفادي الخوض في  صناعة  نصوص تشكل تطبيقاتها عبئا لا تستطيع الدولة تحمله،  الا اذا كان  ذلك على  حساب الاسبقية الاجتماعية . حيث انه من الملاحظ ان هناك  مواصلة  تفضيل الاثرياء  والميسورين   وباقي المروجين الماليين عوض الاعتناء الفعلي بمصير الفقراء  والمعوزين، الذين يتزايدون يوما بعد يوم، في  مجال الموارد المالية والقانونية والقضائية . وحتى اذا  اقتصرنا على العدالة التجارية، دون الاخذ بعين الاعتبار المحيط  العام الذي تتواجد  فيه، سوف نلاحظ  بان المبادرين  لهذه  المحاولة لم ياخذوا بعين الاعتبار التجارب السابقة من خلق لمحاكم الشغل (المحاكم الاجتماعية)، ومحاكم الجماعات والمقاطعات  من غير مساس تلك المتعلقة بالمحاكم الادارية الحالية .

هناك اصرار اذن على التقليد الاعمى للبلدان التي تتوفر على مستوى عيش وشركات وثقافة مغايرة  تماما لمستوى عيش وشركات  وثقافة بلادنا . كما يتم  اخذ قرارات  بدون تروي وتفكير  سليم وناضج، في حين  يجب قلب طريقة معالجة المواضيع  بالاعتماد بما فيه الكفاية على دراسات اولية معمقة وعلى ابحاث جد منظمة .
فيجب فعل  الكثير للوصول الى عدالة رسمية  قريبة من المتقاضين، عدالة تتسم  بالسرعة وبضرورة القيام   باصلاحات  واسعة  وجدرية من اجل الوصول ا ليها .

 كذلك لسنا مستعدين لتشجيع الممارسات القضائية البديلة، سواء  تلك المخصصة للفاعلين الاقتصاديين او للفئات الشعبية  المحرومة التي تعاني  من لا مساواة  لا تطاق امام الجهاز  القضائي  في الدولة .   
ان المشاركة  الفعالة  في خلق  القوانين وفي اعمال الميكانيزمات والاساليب التي تهدف الى اعطاء عدالة  بديلة  ليست معدة  حتى بواسطة ابحاث  تاخذ  بعين الاعتبار حاجيات ومصالح المتقاضين .
 واخيرا، نبقى بطبيعة الحال بعيدين  جدا عن عدالة مصممة فعلا  للكل، عدالة تاخد بعين الاعتبار امال وحاجيات فئات الشعب، اجتماعية واقتصادية ومهنية .

مجلة المحاكم المغربية ،  عدد 85، ص 109
Sbek net
كاتب ومحرر اخبار اعمل في موقع القانون والقضاء المغربي .

جديد قسم :