-->

الصدقة حيازة المتصدق عن المتصدق عليه سكنى المتصدق بالمتصدق به



عدم فساد الحيازة اذا كانت في الثلث فاقل
الرسم العقاري  تسجيل الصدقة حيازة قانونية تغني عن المادية
حيازة المتصدق للمتصدق به، نيابة عن ولديه المتصدق عليهما القاصرين صحيحة بناء على قاعدة الواحد بالشخص لها جهتان.
سكنى المتصدق بالدار المتصدق بها لا تبطل الصدقة، اذا كان ذلك منحصرا في الثلث فما دون. عملا بالفقه المعمول به، المشار اليه بقول الشيخ خليل " الا ان اقلها".
تسجيل الصدقة بالرسم العقاري، وما ينتجه من الحيازة القانونية يغني عن الحيازة الفعلية لان الاولى اقوى .
استنادا الى ذلك فان منازعة الطاعن. بكون شرط الحيازة منعدما لان المتصدق تولاها بنفسه ولانه ظل ساكنا بالدار الى ان مات وإدلائه بموجب يثبت ذلك لا تنفعه .


محكمة الاستئناف بالدار البيضاء ( الغرفة الشرعية )
الملف عدد 758/94  بتاريخ 7 شوال 1415 ( 08/03/1995 ) -
---------------------------------------------------------------



ورثة الهالك بوسليم علي
ضد
بوسليم جامع وبوسليم حفيظة
باسم جلالة الملك
بناء على مقال الاستئناف والحكم المستانف ومستنتجات الطرفين ومجموع الوثائق المدرجة بالملف.
وبناء على تقرير السيد المستشار المقرر الذي لم تقع تلاوته باعفاء من الرئيس وعدم معارضة الطرفين .
وتطبيقا لمقتضيات الفصل 134 وما يليه والفصل 328 وما يليه والفصل 429 من قانون المسطرة المدنية.
وبعد الاستماع الى مستنتجات النيابة العامة والمداولة طبق القانون .

من حيث الشكل : بناء على المقال الاستئنافي المقدم من طرف ورثة الهالك بوسليم علي بن سليمان وهم بوسليم لحسن وبوسليم عبد الله وبوسليم فاطمة وبوسليم ابراهيم، بواسطة نائبهم الاستاذ المصطفى الطيب كريني والمؤدى عنه الرسوم القضائية بتاريخ 8 ابريل1994 والذين يستانفون بمقتضاه الحكم الصادر عن المحكمة الابتدائية بالمحمدية بتاريخ 11/03/1994 تحت عدد 30 في الملف رقم 22/91 والقاضي برفض المقال وابقاء الصائر على الطرف المدعي والذي لا دليل بالملف على ما يفيد تبليغه اليهم مما يتعين معه قبوله شكلا .

من حيث الموضوع : الوقائع، تقدم ورثة الهالك بوسليم علي بن سليمان وهم عصبته اشقاؤه بوسليم لحسن وبوسليم فاطمة وبوسليم عبد الله وبوسليم ابراهيم باستثناء زوجته امجوط الحاجة رقية بمقال افتتاحي للدعوى امام ابتدائية المحمدية مؤدى عنه الرسوم القضائية بتاريخ 22 يوليوز1991 في مواجهة السيدين بوسليم جامع وبوسليم حفيظة ومن ينوب عنها بحضور السيدة امجوط الحاجة رقية يعرضون فيه انهم ورثة الهالك بوسليم علي بن سليمان الذي خلف ما يورث عنه شرعا ومن جملة ذلك عقارات منها قطعة ارضية محفظة مساحتها 740 م2 شيد على مساحتها 130 م2 منها دار للسكنى مركبة من طابق سفلي وعلوي، ويتركب الطابق السفلي من بين وغرف ومرحاض، ويتركب الطابق العلوي من اربعة غرف ومرحاض ومطبخ والباقي حديقة مع مشتملات اضافية والكائنة بكلم 17 جماعة وقيادة عين حرودة، ذات الصك العقاري عدد 37140 س غير ان العارضين لما ارادوا تسجيل حقوقهم، التي انتقلت اليهم عن طريق الارث بخصوص هذا العقار، فوجئوا برسم صدقة عدد 292 صحيفة 234 كناش عدد 22 تاريخ 23/03/1988 لكن بالرجوع الى رسم الصدقة المذكور وامعان النظر فيه، سوف يلاحظ على انه مخالف للقواعد الشرعية المنظمة لامثاله. ذلك ان هذا الرسم تضمن ان الهالك بوسليم علي بنسليمان تصدق بتاريخ 24/8/1987 بالسكنى المذكورة اعلاه مع مشتملاتها، لكل من بوسليم جامع بنسبة الثلثين، وبوسليم حفيظة بنسبة الثلث، غير ان العدلين بدل الاشهاد بمعاينة ان المتصدق عليهما تحوزا بالمصدق به، أي الدار المذكورة، ووضعا يدهما عليها، فان هذه الصدقة ورد فيها شرط هو ان المتصدق بقي حائزا ويتصرف في المتصدق به، لكن هذا الشرط باطل ومبطل لرسم الصدقة المذكورة، لانه مناف لشروطه واركانه، استنادا الى القواعد الشرعية، التي تؤكد على ان التبرعات والعطايا، يشترط لصحتها، ان يجوزها المتبرع عليه من المتبرع، قبل حصول المانع من المرض المخوف، الذي يحكم الاطباء بانه يكثر منه الموت، وبالفلس حوزا يكون بمعاينة الشاهدين لعقد التبرع، كما يقول صاحب التحفة :
والحوز شرط صحة التحبيس     ***   قبل حدوث موت او تفليس
ويقول ايضا :
وبانسحاب نظر المحبس    ***   للموت لا يثبت حكم الحبس
وساقوا قول ابو زيد عبد الرحمن الفاسي فيما جرى العمل به فقال :
وعن معاينة حوز يكفي     *** عقد كري ونحوه في الوقف
مؤكدين ان الهالك المتصدق ظل حائزا للسكنى المتصدق بها بجميع مشتملاتها، بل كان ساكنا بها حسب ما هو ثابت برسم الصدقة نفسه، غير انه حسب القواعد الشرعية، يتعين على المتصدق، اخلاء السكنى، ومعاينة العدلين لهذا الاخلاء،  تمشيا مع قول الناظم :
ومن يحبس درا سكناه فلا    ***   يصح الا ان يعاين الخلاء
وعليه فان هذه الصدقة باطلة ويتعين ابطالها، ومن جهة ثانية كون الصدقة المذكورة، تضمنت كما سبق وذكر شرطا وهو قبض المتصدق المتصدق به الى ان يبلغ المتصدق عليهما. ان هذا الشرط ايضا باطل لقول القاسم.
والاب لا يقبض للصغير مع     ***   كبيره والحبس ارث ان وقع

كما ان هناك قولا، وللاب فيما اذا وهب لابنه الكبير والصغير التقديم للكبير او الاجبني لقبض ما يختص به الصغير، فان لم يقدم احد لقبض ما يجب للصغير حتى مات الاب بطلت الصدقة وساقوا اجتهادا صادرا عن المجلس الاعلى عدد 94 تاريخ 10/1/1968 المنشور بمجلة القضاء والقانون عدد 114، هبة لشروط صحتها الاشهاد والحيازة، من اجل ذلك يطلبون الحكم بابطال والغاء رسم الصدقة عدد 292 صحيفة 234 كناش عدد 22 تاريخ 23/3/1988 بالتشطيب على رسم الصدقة عدد 292 صحيفة 234 كناش عدد 22 وتاريخ 23/3/1988، وبالتالي التشطيب على كل من بوسليم جامع وبوسليم حفيظة مع الصك العقاري عدد 37140 س شمول الحكم بالنفاذ المعجل، تحميل المدعى عليهما الصائر، وادلوا بنسخة من رسم الاراثة، وبنسخة من رسم التركة، وبنسخة من رسم الصدقة.

واجاب المدعى عليهم بمذكرة اوضحوا فيها من حيث الشكل، بان المدعين اقاموا دعواهم على بوسليم حفيظة مع انها قاصرة مزدادة 14/2/1972 دون مقاضاتها في شخص من يتولى امرها،  مما يجعل الطلب معيبا شكلا وبالتالي عدم قبوله، ومن حيث الموضوع، فان السيدة رقية التي ادخلت في الدعوى بحاضرة فقط لا تنازع ابدا في وثيقة الصدقة، لان المتصدق زوجها اراد من انشاء رقم الصدقة التصدق، بما كان في ملكه، وتحت تصرفه من عقار موصوف ومحدد في الرسم على متبينة صدقة خالصة لوجه الله، فقصد بها ثواب الله ورضوانه، ومن ثم فان اي نزاع في الصدقة، هو نزاع في نية المتصدق، الذي بعد ان تصدق حاز نيابة عن المتصدق عليهما، الى ان يبلغا سن الرشد، وقد سجل رسم الصدقة في المحافظة العقارية، برهانا على تمام الحيازة، ومن المعلوم ان الحيازة الكاملة في العقار المحفظ، تتم بنقل الحقوق الى من تلقى  الحق بادراج رسم التفويت في الرسم العقاري، ليصبح العقار بعد التسجيل في ملكية كاملة في حوزة المتصدق عليه، ومعلوم انه وفق القانون العقاري، فان التسجيل في الصك العقاري للتفويتات العقارية، كيفما كانت صيغتها يعطى الملكية الكاملة لمن تسجل لفائدته، ومن ثم، فان التسجيل في الصك العقاري، يظهر الملك من كل الشوائب، ويصبح حجة على الغير، ويثبت به الحق المسجل لفائدته في التصرف فيه باي تصرف قانوني. ان رسم الصدقة مسجل في الرسم العقاري، في تاريخ 20/5/1991 بينما المتصدق توفي في 24/5/1991، ان نقطة وقوع التسجيل قبل الوفاة او بعدها، ليس لها اثر، لان المطلوب هو الحيازة التي جرت في حياة المتصدق عن المتصدق عليهما من قبل من له الولاية عليهما، وان العارض يدلي بوصل التسجيل في الرسم العقاري. واكد على ان الحيازة تمت وسجلت في الرسم العقاري، وذلك حجة قوية ملتمسين عدم قبول الطلب شكلا وموضوعا برفضه، وارفق ذلك بنسخة من رسم وفاة الهالك بوسليم علي بن سليمان، وبصورة مصادق عليها من وصل تسجيل امام المحافظة العقارية 20/5.

وعقب على ذلك المدعون بمذكرة مفادها حول الدفع الشكلي : انه لم يقع اثبات سن بوسليم حفيظة، كما لم يقع الادلاء بمن يتولى امرها من مقدم او وصي، كما انهم وجهوا دعواهم، في مواجهة بوسليم حفيظة او من يتولى امرها. كما لم يلحقها اي ضرر وانها دافعت عن حقوقها في الدعوى الحالية.

وفيما يتعلق بالموضوع ان الطرف المدعى عليه، لم يتعرض لمناقشة والرد على الوسائل القانونية والواقعية التي ارتكز عليها العارضون، في المطالبة بابطال رسم الصدقة، والتشطيب عليه من الصك العقاري، مؤكدين على ان النزاع ينحصر في كون رسم الصدقة الحالي، غير متوفر على شروط الصحة، المتمثلة في حيازة المتصدق عليهما من المتصدق، سنة على الاقل، قبل حصول المانع من المرض المخوف الذي يحكم الاطباء بانه يكثر منه الموت، او بالفلس حوزا يكون بمعاينة شاهدين لعقد الصدقة. قال الشيخ التاودي : عليه وكذا سائر التبرعات من هبة او صدقة او نحلة، فان لم تخرج حتى مات المحبس او فلس او مرض ومات منه بطل، وقال ابن سلمون : ولا بد من حوزه في حياة المحبس وقبل فلسه ومرض موته، والا بطل ذلك ، اي الحوز بالشهادة على المعاينة ولا يجزئ فيه الاقرار. وساقوا قول المتحف :
وان يكن موضع سكناه يهب  *  فان الاخلاء له حكم وجب

واكد المدعون على ان الهالك، ظل حائزا وساكنا ومقيما في المتصدق به ويتصرف حسبما هو ثابت في رسم الصدقة نفسه، وحسب اقرار المتصدق عليهما نفسها، وساقوا اجتهادا صادرا عن محكمة الاستئناف بالبيضاء قرار تحت عدد832  تاريخ 18/6/1986. ملف عدد 1341/85، وكذا قرار صدر عن المجلس الاعلى تحت عدد 499 تاريخ 28 مارس1989 ملف شرعي عدد 282/87 التبرعات.. شرط الحيازة بالمعاينة مؤكدين على عدم توفر شروط الصحة في الصدقة، اما عن تسجيلها في المحافظة العقارية، فهذا لا ينفي عنها صفة انها باطلة، طالما انها تتضمن شرطا باطلا وهو حيازة المتصدق، الذي بقي فعلا حائزا وساكنا ويتصرف في المتصدق به الى ان توفي يوم 24/5/1991. وانه ما دامت هذه الصدقة باطلة فقها وقضاء، فان الحقوق المسجلة بالرسم العقاري بناء على رسم الصدقة المذكور، تعتبر باطلة عملا بمقتضيات الفصل 41 من ظهير 12/8/1913 المتعلق بالتحفيظ العقاري، الذي ينص على ان كل ما ضمن بالرسم العقاري من تسجيل وتقييد احتياطي، يمكن ان يشطب عليه بموجب حكم عقاري او حكم اكتسب قوة الشيء المقضي به من اجل ذلك يطلبون الحكم بابطال رسم الصدقة والتشطيب عليه من الصك العقاري والامر بتسجيل العارضين ورثة الهالك المذكورين اعلاه كمالكين للمتصدق به وارفقوا ذلك بنسخة من اجتهاد صادر عن محكمة الاستئناف بالبيضاء، وبنسخة صادرة من قرار صادر عن المجلس الاعلى، ورد على ذلك المدعى عليهم بمذكرة اكدوا فيها على ان قانون التحفيظ لا يعتبر المالك واضع يده ولا يتصرف فيه قانونا وفعليا، الا اذا سجل في الرسم العقاري واذا سجل الرسم اصبح الملك منقولا للحائز له، الذي بمقتضاه يحاجج به الغير، ان المشرع لم ينشئ الرسوم العقارية لمجرد الزينة، ولكن لحماية المالك والملك ملتمسين الحكم برفض الطلب كما تقدم المدعون بطلب رام الى الادلاء بموجب اثبات نسب الاثبات هوية وتصرف المدعى عليه وارفقوا ذلك بموجب اثبات نسب مضمن تحت عدد 943 كناش عدد 130 تاريخ 22/1/1993 توثيق المحمدية.

وعقب على ذلك المدعى عليهم بمذكرة اوضحوا فيها، بانه بغض النظر عن حجية الرسم، فان بوسليم جامع ليس فرعا وارثا للهالك، وكذلك بوسليم حفيظة، ذاكرين ان المدعين كما انهم اقاموا هذه الدعوى الحالية، فقد اقاموا دعوى ببطلان عقد تنازل تم بين الهالك امجوط لحسن وامجوط رقية بدعوى مرض الموت، انتهت برفض الطلب ملف عدد 2178 تاريخ 29/6/1992 وارفقوا مذكرتهم بنسخة من الحكم المذكور، كما ادلوا بوصل تنازل وشهادة من الرسم العقاري 140/37 وتوصيلين .

وحيث اجرت المحكمة الابتدائية بحثا حضره بوسليم جامع، الذي صرح بانه لا يعرف ابويه وعند بلوغه عرف والده الهاكل وزوجته، مصرحا ان الهالك قام بتربيته وتصدق عليه اثناء حياته وقد تبناه. كما حضرت بوسليم حفيظة، وصرحت بان الهالك والدها وان رقية والدتها، ولا علم لها بواقعة التبني، واكدت رقية بانها تبنت حفيظة، وصرح جامع بان التسجيل برسم الصدقة بالصك العقاري تم قبل وفاة الهالك، وان المتصدق هو الذي قام بهذا العمل، وعقب الطرفان على البحث وادلى المدعون برسم مضمون بعدد 111 صحيفة 103 كناش عدد 1 تاريخ 16/12/1993 بتوثيق المحمدية يفيد ان الهالك كان قيد حياته يسكن بمنزله الكائن بمركز عين حرودة الى ان توفي سنة 1991 .
وحيث احيل الملف على النيابة العامة فالتمست تطبيق القانون .

وحيث ادرجت القضية في عدة جلسات وانتهت الاجراءات بصدور الحكم المطعون فيه والمبين مضمونه اعلاه، بعلة ان رسم الصدقة المذكور لم يطعن فيه باي نوع من انواع الطعن، سواء المتعلقة بمرض الموت او باي عيب من عيوب المرض، وان ما ذهب اليه المدعون من كون معاينة حيازة المتصدق نيابة عن المتصدق عليهما مبطل للعقد باعتبارها ليست حيازة شرعية مردود، مادام الفقه الاسلامي والمالكي المعمول به لدينا على الخصوص، يجيز هذا النوع من التصرف، اذ يقول ابن عاصم بالاندلسي في منظومته .
والاب حوزه لما تصدق * به على محجوره لن يتقى
وللمعينين بالحوز تصح

وانه  استنادا الى الفقه المالكي، فان الصدقة لا يشترط لصحتها القبض أي الحيازة، وانها شرط لتمامها بمعنى ان الشيء المتصدق به يملك بمجرد العقد اي القول على المشهور عندهم ولقول اصحاب الهبة جائزة اذا كانت معلومة قبضت او لم تقبض، وانه اضافة الى ذلك، فان الحيازة عند المالكية تكون اما حسية واما حكمية والحسية هي التي بها يملك المتصدق عليه العين المتصدق بها. ويتصرف فيها دون اعتراض من المتصدق، والحكمية تكون في حالة من العطية القاصر تحت ولاية المتصدق - كما في حالة هذه النازلة. فالحيازة هنا تصح ويكفي الاشهاد عليها. كما انه من جهة ثالثة  واضافة الى ما ذكر في الحيثيات اعلاه، فان العقار موضوع الصدقة هو محفظ، ولم ينازع اصلا في كون المتصدق هو الذي قام باشهار عقد الصدقة بالصك العقاري موضوع الطلب، مما تكون معه الحيازة القانونية وهي اقوى من المادية قد تمت، وبالتالي يكون الغرض من الحيازة قد استنفذ باعتبار ان المتصدق قد نقل ملكية الرقابة والسلطات المفترعة عنها والمنصوص عليها في ظهير 2 يونيه1995 المطبق على العقارات المحفظة، الى المتصدق عليهما، مما يبقى معه طلب المدعين غير مبني على اساس ويتعين رفضه .

فاستانفه المدعون مصرحين ضمن اوجه استئنافهم الوسيلة الاولى، خرق حقوق الدفاع، ان العارضين ادلوا بواسطة دفاعهم بعدة اجتهادات قضائية واراء فقهية ووثائق ومستندات حاسمة، عجز الطرف المدعى عليه عن مناقشتها او الطعن فيها، غير ان المحكمة الابتدائية مرت عليها مر الكرام، دون استقصاء العناصر القانونية والواقعية التي بني عليها الحكم المطعون فيه.

الوسيلة الثانية : خرق مقتضيات الفصل 9 من ق م م وان هذه القضية كانت تروج امام القضاء الفردي، واصبحت تروج امام القضاء الجماعي وان هذه الهيئة لم تحترم مقتضيات الفصل 9 من قانون المسطرة المدنية لكونها لم تامر باحالة الملف على النيابة العامة في اطار الفصل المذكور.

الوسيلة الثالثة : خرق مقتضيات الفصل 50 من ق م م ان حيثيات الحكم الابتدائي المطعون فيه، لم تتضمن تحليلا موجزا لوسائل دفاع العارضين المتمثلة في الاجتهادات القضائية والاراء الفقهية، ولم يتم التنصيص على المستندات المدلى بها والمقتضيات القانونية، وعابوا على الحيثية التي تقول بان الصدقة لا يتشرط في صحتها القبض اي الحيازة وانما هي شرط لتمامها، لكون الفقه والقضاء ولاسيما المجلس الاعلى، يعتبر ان سائر التبرعات لابد فيها من شرط الحيازة بالمعاينة وهذا ما هو غير متوفر في النازلة الحالية، وان التعليل الذي ذهبت اليه المحكمة الابتدائية فيه تحريف للوقائع، وخرق لما استقر عليه الفقه والقضاء في هذا الباب، اضافة الى كون رسم الصدقة نفسه تضمن هذا الشرط الباطل.

الوسيلة الرابعة : خرق مقتضيات الفصل 41 من ظهير 12/8/1913 المتعلق بالتحفيظ العقاري، ان الحكم الابتدائي اعتمد في حيثياته على تسجيل الرسم الصدقة في الصك العقاري على علته وعلله، لكن في هذا خرق لمقتضيات الفصل 41  من ظهير التحفيظ العقاري، من اجل ذلك يلتمسون :
الغاء الحكم الابتدائي وبعد التصدي الحكم بابطال وعدم صحة رسم الصدقة عدد 292 صحيفة 234 كناش عدد 22 تاريخ 23/3/1988، وامر السيد المحافظ على الاملاك العقارية بالمحمدية، بالتشطيب على رسم الصدقة المذكور وبالتالي التشطيب على كل من بوسليم جامع وبوسليم حفيظة من الصك العقاري عدد 37140 س، وتسجيل العارضين محلهم، تحميل الطرف المستانف عليه كافة الصوائر، وارفقوا ذلك بنسخة من الحكم المستانف.

واجاب المستانف عليهم بمذكرة اوضحوا فيها من حيث الشكل بالنسبة لحفيظة قاصرة ( وقد رشدت الان) وتجيز المسطرة في الموضوع : بان الهالك تصدق فعلا على من ليسوا بورثة وهو حفيظة وجامع، وان الحيازة وقعت في حياة المتصدق بدليل تسجيل رسم الصدقة في الرسم العقاري في اسم المتصدق عليهما، وانه من المعلوم ان الحيازة اما واقعية وهي وضع اليد، واما قانونية كما هو الحال بالنسبة للقانون العقاري الذي لا يعتبر اي تفويت كان بعوض او بغير عوض يحتج به في مواجهة الغير، ما لم يسجل في الرسم العقاري في اسم المفوت له، والحال في نازلتنا وقد ادلى بما يثبت " شهادة المحافظة"' بان القيد تم فعلا، وانتقلت الحيازة الفعلية والقانونية الى المحوز لهما وهما المتصدق عليهما، واصبحا يتصرفان في ملكهما تصرف المالك الحائز بحكم ما قصده المتصدق، مؤكدين ان المتصدق قصد بفعله وجه الله، فان ابطال الصدقة فيه رجوع عن الصدقة وهو مذموم شرعا.
هذا وان زوجة الهالك امجوط رقية لم تنازع في الصدقة لعلمها ان ما فعله زوجها كان ابتغاء مرضاة الله. ملتمسين تاييد الحكم الابتدائي .

وعقب على ذلك المستانفون بمذكرة واضحوا، فيها بان تسجيل عقد بالمحافظة لا يظهر الملكية كما هو الشان في مسطرة التحفيظ، حينما تتم وانهم لا زالوا ينازعون في صحة الصدقة المتنازع عليها اعتبار لما ياتي : ان الوثائق المدلى بها من طرف العارضين، تدل على ان الهالك بوسليم علي كان مصابا بمرض مزمن وخطير وقت تحرير عقد الصدقة المتنازع، وانه توفي بسبب هذا المرض، وبذلك لا تصح الصدقة او الهبة إذا وردت عن مريض ( انظر التحفة) ثم ان المتصدق بقي حائزا لما تصدق به وكان يتصرف فيه حتى وفاته ( انظر الاشهاد عدد 111). ان الحيازة شرط جوهري لصحة الصدقة او الهبة ( انظر التحفة) وان المسطرة الجاري بها العمل في هذا المضمار وبالاخص الدار المتصدق بها، هو ان يتوجه عدلان الى عين المكان، وان يشاهدا ان الواهب افرغها ولم يرجع لها ( انظر التحفة).

ان تسجيل عقد الصدقة بالمحافظة دائما هو الاشهار به للعموم فقط، وهذا لا يمنع كل ذي حق ان ينازع في شكله وفي محتواه، اذا كان ذلك يخالف القانون والقواعد الشرعية، وان حيازة بمفهوم القانون، هو قبض الشيء المهاب ووضعه ماديا في حيازة المستفيد من التبرع، فان هذا كله لم يتم وان الحكم الابتدائي لما ذكر في منطوقه بان اشهار عقد الصدقة بالسجل العقاري، تكون معه الحيازة القانونية ثابتة واقوى من الحيازة المادية، يكون قد خالف القانون والقواعد الشرعية الجاري بها العمل، واشاروا الى اجتهادين صادرين عن المجلس الاعلى 4/5/1976، ملتمسين الحكم بما جاء في مقالهم الاستئنافي .

كما تقدم المستانفون بمذكرة مؤشر عليها بتاريخ 21/11/1994 تبين انها تاكيد لما سبق بسطه مشيرين الى انهم ادلو بلفيف عدلي عدد 117 شهد شهوده على ان الهالك ظل حائزا ومتصرفا الى ان وافاه الاجل المحتوم سنة 1991 كما ادلوا ايضا بلفيف عدد 943 اثبتوا بمقتضاه ان المتصدق عليه بوسليم جامع كان له ولي هو مبارك بن احمد كما ان البحث الذي اجري ابتدائيا اثبت ان المتصدق ظل فعلا حائزا ومتصرفا في المتصدق به الى ان توفي 1991 والمتصدق عليهما ليسوا بابناء المتصدق انهم عززوا دفوعهم باقوال الفقهاء واجتهادات قضائية - انظر القرار الصادر من محكمة الاستئناف بتاريخ 18/6/1986 ملف عدد 1341/83. واجتهاد صادر عن المجلس الاعلى تحت عدد 494 تاريخ 28 مارس1989، وقرار عنه تحت عدد 949 تاريخ 13/6/1989، مؤكدين على ان تسجيل اي عقد عن الصك العقاري لا ينفي عنه صفة البطلان اذا كان باطلا ولا يعطيه صبغة العقد الصحيح طبقا للفصل 41 من ظهير 12/8/1913 والتمسوا الغاء الحكم الابتدائي والحكم بما طلب سابقا، وارفقوا ذلك بنسخة من قرار صادر عن محكمة الاستئناف بالبيضاء، وبنسخة من قرار صادر عن المجلس الاعلى عدد 499، وقرار تحت عدد 949 .

وحيث احيل الملف على النيابة العامة، فالتمست تطبيق القانون وحيث ادرجت القضية بعدة جلسات الى حين جلسة 22 فبراير1995، بحيث حضر الاستاذ حسن العلوي بالاصالة والنيابة عن الاستاذ المصطفى الطيبي كريني اما الاستاذ محمد الكبير ابو عقيل فقد توصل ولم يحضر، كما ان السيد المحافظ على الاملاك العقارية بالمحمدية رفض الطي عندها حجزت القضية في المداولة قصد النطق بالحكم يوم 8 مارس1995 .

المحكمة
حيث ركز المستانفون في معرض بيان اوجه استئنافهم على انه و قع خرق لحقوق الدفاع ذلك انهم ادلوا بواسطة دفاعهم بعدة اجتهادات قضائية واراء فقهية ووثائق ومستندات حاسمة، غير ان الخصم لم يناقشها كما ان المحكمة الابتدائية لم تقف عند ذلك كما وقع خرق مقتضيات الفصل التاسع من قانون المسطرة المدنية، لكون هيئة القضاء الجماعي لم تامر باحالة الملف على النيابة العامة كما وقع خرق مقتضيات الفصل 50 من قانون المسطرة المدنية لكون حيثيات الحكم الابتدائي لم تتضمن تحليلا موجزا لوسائل دفاع العارضين المتمثلة في الاجتهادات القضائية والاراء الفقهية ولم يتم التنصيص على المستندات المدلى بها واكدوا على ان الفقه والقضاء ولاسيما المجلس الاعلى يعتبر ان سائر التبرعات، لابد فيها من شرط الحيازة بالمعاينة، وذكروا ان رسم الصدقة تضمن شرطا باطلا، كما وقع خرق مقتضيات الفصل 41 من ظهير 12/8/1913 المتعلق بالتحفيظ العقاري .

حيث بخصوص الوجهين الاول والثاني اللذين ابداهما الطاعنون فان الابن في نازلة الحال ان الهالك بوسليم علي بن سليمان بن محمد المتصدق قيد حياته على الولدين بوسليم جامع وبوسليم حفيظة بجميع قطعة ارض محفظة مساحتها سبعمائة واربعون مترا مربعا شيد على مساحة مائة وثلاثين مترا مربعا دارا للسكنى مركبة من طابق سفلي وطابق علوي والباقي حديقة الدار وذلك بنسبة للذكر مثل حظ الاثنين والدار فارغة من شواغل المتصدق المذكور بذكره، صدقة قصد بها وجه الله العظيم ورجاء ثوابه الحميم والدار الاخرة، وحاز المتصدق ما تصدق به على الولدين المذكورين نيابة عنهما، الى ان يبلغا مبلغ القبض لانفسهما ويتوليا النظر في ما لهما حوزا تاما معاينة - هذا ما تضمنه رسم الصدقة المراد ابطاله من طرف المدعين.

وحيث اكد المستانفون ابتدائيا واستئنافيا، على ان المتصدق عليهما لم يحوزا الشيء المتصدق به، وان الهالك المتصدق ظل حائزا للدار المتصدق بها وبقي ساكنا بها ولم يقع اخلاؤها ومعاينة ذلك من طرف عدلين، وحيث ان هذا الادعاء - على فرض مجاراة الطرف المدعي  - فيه، فان المتصدق لم يشغل مما تصدق سوى مساحة مائة وثلاثين مترا مربعا دار سكناه من اصل سبعمائة واربعين مترا مربعا المتصدق به. فيكون ما شغله اذن على زعم الطرف المدعي اقل من الثلث.

وحيث من المعلوم فقها انه فيها يرجع للاخلاء ان الواهب او المتصدق اذا وهب دار سكناه للغير، فشرط الاخلاء مقيد بما اذا لم يسكن اقلها، اما اذا سكن اقلها وهو الثلث فما دونه  - وهذا على الراجح -  فان الهبة لا يضرها هذا السكن وتصير كلها للموهوب له المحجوز وما يصدق على الدار الواحدة، يصدق ايضا في المتعدد والى هذا اشار الشيخ خليل رحمه الله تعالى في مختصره " ولا ان بقيت عنده الا لمحجوره الا ما لا يعرف بعينه ولو ختم عليه ودار سكناه الا ان يسكن اقلها". وقد جاء في حاشية الامام الشيخ سيدي محمد بن احمد بن محمد بن يوسف الرهوني على شرح الشيخ عبد الباقي الزرقاني لمتن الامام الجليل ابي المودة خليل رحم الله الجميع " ففي سماع عبد الملك بن الحسن من ابن القاسم ما نصه. وسالته عمن تصدق بصدقة على ولده بدار ولم يزل ساكنا في ناحية من الدار حتى مات، ما حد الذي اذا سكنه الاب لم يكن للولد فيه صدقة، فقال اذا سكن الثلث فادنى، فالصدقة ماضية وان سكن اكثر من الثلث فلا صدقة قال القاضي رضي الله عنه هذا مذهب مالك رحمه الله، لان الثلث اخر حد اليسير واول حد الكثير وهو عند مالك في جميع المسائل يسير، الا في ثلاثة مواضع وهي معالقة المراة الرجل وما تحمل العاقلة من الدية، والجوائح في الثمار وبالله التوفيق .

وما نقله في ضيح عن المتيطية نحوه في المعين في الدور المتعددة والحكم واحد. ونحوه في المفيد لكنه لم ينسب للمدونة شيئا منها ونصه ان كانت الصدقة على من في حجره بدور لها عدد مجتمعة او متفرقة، فسكن دارا واحدة منها وقيمتها ثلث جميع الصدقة فأقل، جازت الصدقة فيما سكن وفيما لم يسكن، قال ابن زرب من تصدق على ابنه الصغير بصدقة، وعمر منها الثلث فدون، جازت الصدقة كلها، فتحصل مما سبق ان الراجح، ان الاقل في كلام المصنف هو الثلث فدون فتامله بانصاف، انظر صفحة 215 و216 من الجزء السابع من حاشية العلامة الرهوني لما جاء عن العلامة الشيخ عبد الباقي الزرقاني على مختصر الشيخ خليل "والا دار سكناه فلا تصح هبتها له وكذا ثوب لبسه - الا ان يسكن اقلها ويكري له الاكثر - فلا يضر وتصير كلها للمحجور" .

وحيث يخلص مما سبق ان شرط الاخلاء في دار السكنى المتصدق بها على المحجور نص عليه الفقه كما هو مفصل اعلاه، ومن ثم فان ما استدل به الطاعنون من رسم اشهاد عدلي، والذي يشهد شهوده بان الهالك المتصدق، ظل ساكنا قيد حياته بمنزله لا يفيدهم في شيء بناء على ما سبق تبيانه، ونفس الشيء يقال على موجب اثبات نسب والمتعلق بالمتصدق عليه بوسليم جامع بن مبارك، كما ان ما استدل به الطاعنون من اجتهاد صادر عن المجلس الاعلى، بخصوص ان سائر التبرعات لابد فيها من شرط الحيازة بالمعاينة، فان ذلك لا يصدق على نازلة الحال وهو استدلال في غير محله، يجب ان ينزل على ما جاء في باب الصدقة او الهبة، على الراشد بخلاف نازلتنا والتي يتعلق موضوعها بما يتصدق به على المحجور .

وحيث بخصوص الوجه الرابع الذي ابداه الطاعنون فانه اذا جازت حيازة المتصدق عن الصغير الموهوب له كما مر سابقا فقد تبين ايضا ان المتصدق بوسليم علي بن سليمان بن محمد، قام بتسجيل الصدقة لفائدة المتصدق عليهما قيد حياته في الرسم العقاري عدد 17140 P كل حسب نسبته وذلك قبل حدوث المانع، اذ من المعلوم قضاء انه ما دامت الصدقة موضوع النزاع، تتعلق بعقار محفظ فانه لا يكفي في صحتها اشهاد الشاهدين بمعاينة حيازتها من المتصدق عليه في حياة صاحب الصدقة، بل لابد من تسجيلها بالرسم العقاري عملا بمقتضيات الفصلين 66 و67 من ظهير التحفيظ العقاري الصادر في 12/8/1913، الذي ينص على ان كل تصرف عيني في عقار محفظ يعتبر غير موجود بالنسبة للغير، وغير منتج لاي اثر ولو بين الاطراف الا من تاريخ تسجيله بالرسم العقاري ( انظر في هذا الصدد القرار الصادر عن المجلس الاعلى تحت رقم 464 تاريخ 26 ابريل1994، وحيث انه بذلك فان الحيازة القانونية قبل حصول المانع  - وهو الحاصل في نازلتنا - تغني عن الحيازة الفعلية، لانها اقوى منها واكبر، ومعلوم ان الصغر  يندرج في الاكبر.

وحيث ان ادعاء الطرف المدعي بكون رسم الصدقة تضمن شرطا باطلا يتجلى في حيازة المتصدق المتصدق به نيابة عن محجوريه المكفولين له مردود، لكون هذه الحيازة من جهة حلت محلها قبل حصول المانع حيازة المتصدق عليهما حيازة قانونية بتسجيل رسم الصدقة في الرسم العقاري، ومن جهة ثانية فان الاصل عند الامام مالك تقدير الشخص الواحد ذي الوجهين كاثنين.

وحيث ان الطاعنين لما ادعوا بكون الهالك المتصدق توفي اثر مرض خطير فانهم اكتفوا بالادعاء دون اثبات، اذ من المعلوم ان قوام الدعوى هو الاثبات مما يتعين معه رد ما ذكر، وحيث بخصوص الوجه الثاني الذي ابداه الطاعنون فان الثابت ان النيابة العامة وضعت ملتمسها الكتابي ابتدائيا، وانه لا ضير ان يحال الملف عليها سواء من طرف القضاء الفردي او القضاء الجماعي، ومن ثم بناء على هذا وذاك،  فان الحكم الابتدائي كان مصادفا للصواب فيما قضى به ويتعين بالتالي تاييده مع تحميل المستانفين الصائر.
الرئيس                                                 المستشار المقرر                                      المستشار
محمد الرافعي                                عبد الكبير ضريف                                عبد العزيز صحاوي
النائب                                     كاتب الضبط
       سعيد بومزراك                                       مصطفى حسن

* مجلة المحاكم المغربية، عدد 74، ص 87 .



Sbek net
كاتب ومحرر اخبار اعمل في موقع القانون والقضاء المغربي .

جديد قسم : اجتهادات قضائية