-->

مسؤولية الناقل البحري للبضائع عن تغيير ميناء التفريغ


                                                          الأستاذ محمود حسن 
                                                                                                                                   مساعد بكلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس 

الحكم
المحكمة الابتدائية بتونس
حكم استئنافي تجاري بحري عدد 22061/11
بتاريخ 12 يوليوز1991

نقل بحري - عقد نقل بضائع - مكان افراغ الحمولة منصوص عليه في وثيقة الشحن - تغييره من طرف الناقل البحري ( لا) تعلله بتوجيهات ديوان الموانئ - عدم مواجهة المرسل اليه بها - تمسكه بالفصلين 12 و20 من وثيقة الشحن ( لا) مسؤولية الناقل البحري - الزامه بالتعويض ( نعم ) .
-------------------
* ارتأينا نشر هذا الحكم مع التعليق عليه خصوصا وان التعليق يتناول المقارنات بين القانون التونسي والتشريع المغربي المنظم للتجارة البحرية .
------------------
تعويض عبارة عن مصاريف اضافية ناتجة عن تغيير ميناء افراغ الحمولة - جواز تقديرها من خبير ولو دون حضور اطراف النزاع - عدم ادلاء الناقل بما يعارض قيمة المصاريف المقدرة - اعتماد التقدير من المحكمة ( نعم) .

المبادئ
مادام اتضح من وثيقة الشحن، شريعة الطرفين، ان وقع الاتفاق على ان يكون ميناء التفريغ هو ميناء رادس، فان ادلاء بشهادة مسلمة من ديوان الموانئ القومية لتبرير تغيير ميناء الافراغ بميناء حلق الوادي ل ايمكن ان يعارض بها المرسل اليه، ويبقى  اتفاقه  مع الناقل البحري نافذا بينهما .
ان كان هناك تغيير في ميناء الافراغ المتفق عليه، تحمل تبعته الناقل اذا ما خالف صريح الاتفاق المضمن بوثيقة الشحن .
يمكن للمرسل اليه اثبات وتقدير المصاريف الاضافية التي تكبدها والناجمة عن تغيير ميناء الافراغ بتقرير منجز من خبير لكونه عبارة عن دراسة مقارنة لتكاليف الرفع والنقل للبضاعة من مينائي حلق الوادي ورادس. وعليه فلا يمكن للناقل معارضة ذلك التقرير واعتباره اختبارا يستدعي احضار اطراف النزاع، ويجوز للمحكمة اعتماده مادام لم يدل الناقل عليه بما يعارض قيمة المصاريف المقدرة .
الشركة التونسية للملاحة / ضد شركة "ستامكا" .

نصه 
الحمد لله وحده 
اصدرت الدائرة الحادية عشرة بالمحكمة الابتدائية بتونس بوصفها محكمة استئناف لاحكام النواحي بتونس الحكم الاتي في المادة المدنية بجلستها العلنية المنعقدة بقاعة الجلسات بقصر العدالة بتونس يوم 12 يوليوز1991 برئاسة السيد عبد الرؤوف بن الشيخ وعضوية المستشارين السيدتين يمينة عصام ونجيبة الشريف الحكم الاتي :
بين المستانفة : الشركة التونسية للملاحة من جهة .
والمستانف ضدها : الشركة التونسية للف الورق المقوى " ستامكا" من جهة اخرى .

الاجراءات 
بعد الاطلاع على عريضة الدعوى القائمة بها المدعية وهي الشركة التونسية للف الورق المقوى " ستامكا" لدى محكمة ناحية تونس في 3/2/1990 والمقيدة تحت عدد 10183 ضد المدعى عليها الشركة التونسية للملاحة في طلب الحكم باداء مصاريف تغيير ميناء الافراغ. وبعد الاطلاع على الحكم الصادر في الدعوى المشار اليها ابتدائيا يوم 13/2/1991 والقاضي ابتدائيا بالزام المدعى عليها بان تؤدي للمدعية 717.295 درهم مقابل المصاريف الاضافية الناتجة عن تغيير ميناء الافراغ، و100,480 درهم مصروف الاختبار و60,000 درهم كاتعاب محاماة معدلة وحمل المصاريف القانونية على المحكوم عليها ورفض الدعوى فيما زاد على ذلك .

من حهة الاصل 
حيث اتضح من الاطلاع على اوراق القضية ومن المرافعة المتلقاة فيها انه :
من حيث الوقائع 
حيث ان شركة "ستامكا" معتادة على استيراد بضائع لاستعمالها في نشاطها التجاري والصناعي تنقل لها بواسطة النقل البحري .
حيث ان المقابل الذي تؤديه عن كل إرسالية يدخل في ثمن البضاعة واجرة نقلها ان (  C et F) على ان يكون مكان افراغ الحمولة وتسليمها اليها بميناء رادس .
حيث هكذا اشترت المدعية بهذه الشروط .
بواسطة وثيقة الشحن عدد 111002 المؤرخة في 20/9/1989 بضاعة تتكون من 30 طنا من لصاق الاميدون شحنت على متن الباخرة " الجم" في ملك الشركة التونسية للملاحة من ميناء انفير الى ميناء رادس ( وثيقة رقم 2 ) .
بواسطة وثيقة الشحن عدد 111003 بنفس التاريخ 12 طنا من نفس البضاعة على متن نفس الباخرة (وثيقة رقم 2) .
بواسطة وثيقة الشحن عدد 502365 بتاريخ 27/9/1989 بضاعة تتكون من 40 طنا من ورق الكرافت الابيض شحنت على متن الباخرة صفاقس على ملك المدعى عليها لتنقل من ميناء مدينة سات الى رادس ( وثيقة رقم 3 ) .

لكن حيث ان البضاعة الانف ذكرها لم تنقل الى ميناء رادس وهو الميناء المتفق عليه في وثيقة الشحن وانما نقلت الى ميناء حلق الوادي وافرغت هناك مثلما يستفاد ذلك من  الاشعارات بوصول البضاعة الموجهة كلها الى المدعية من حلق الوادي المدلى بنسخة منها رفقة هذه العريضة ( الوثائق 4-5-6) .

حيث اضطرت شركة " ستامكا" الى تسلم بضاعتها من ميناء حلق الوادي ونقلها الى مدينة سليمان حيث يوجد مصنعها وادت مقابل مصاريف النقل مبلغ 1.046.845 بواسطة الفاتورة عدد 374 مكرر المؤرخة في 17/10/1989 ( وثيقة رقم 7) .
حيث وجهت المدعية برقيتين " تيلكس" مؤرختين في 5/10/1989 الى المدعى عليها تحفظت فيهما بشان التاخير في افراغ البضاعة وافراغها بحلق الوادي عوضا عن رادس مع انذار المدعى عليها بانها تتحمل المصاريف الاضافية التي تكبدتها المدعية بسبب تغيير ميناء الافراغ المتفق عليه في وثيقة الشحن ( الوثيقتان رقم 8 و9) .

حيث ان المساعي الصلحية التي بذلت مع الشركة التونسية للملاحة لم تسفر عن نتيجة فان شركة ستامكا تكون مضطرة الى سلوك الطرق القضائية من اجل الحصول على تعويض عن الاضرار المادية التي لحقتها بسبب عدم تنفيذ الناقل البحري لالتزاماته المنصوص عليها في وثائق الشحن .

أ‌- من حيث المسؤولية 
حيث يستفاد من الفصل 209 من مجلة التجارة البحرية ان وثيقة الشحن يجب ان تذكر بها كل العناصر المنصوص عليها في هذه الوثيقة ومن بينها بالخصوص المكان المقصود والشروط المتعلقة باجرة النقل .
وحيث ان وثيقة الشحن تجسم عقد النقل المبرم بين الناقل والمرسل اليه بالخصوص والشروط التي يجب ان ينفذ في اطارها هذا العقد .

وحيث انه عملا بالفصل 242 من مجلة الالتزامات والعقود، فان الشروط المتفق عليها في وثيقة الشحن ومن بينها ميناء افراغ الحمولة وتسليمها وكيفية اداء اجرة النقل بالخصوص تقوم مقام القانون بين الناقل والمرسل اليه ولا يجوز مخالفتها بقرار منفرد من الناقل .
وحيث ان الفصل 131 من مجلة التجارة البحرية يعتبر كل مجهز مسؤولا شخصيا عن افعاله واخطائه وتعهداته.
حيث في هذه النازلة ان الشركة التونسية للملاحة اخلت بالتزاماتها التعاقدية بما انها غيرت بقرار انفرادي صادر عنها مكان افراغ البضاعة المتفق عليها في وثائق الشحن .
وحيث انها تتحمل مسؤولية ذلك .

ب‌- من حيث التعويض 
حيث مما لاشك فيه ان اخلال المدعى عليها بتعهداتها العقدية الحق بالمرسل اليها اضرارا مادية تتمثل فيما يلـي:
ادائها لنفقات اضافية للنقل البري للبضاعة من ميناء الوصول الى مدينة سليمان حيث يوجد مصنع المدعية، اذ ان اجرة النقل البري من حلق الوادي الى سليمان تفوق اجرة النقل من ميناء رادس الى سليمان وذلك لان المسافة الاولى اطول .

حيث حول هذه النقطة لاحظ الخبير مصطفى شعبان في تقريره ان النقل من حلق الوادي الى سليمان يكلف 11,500 د للطن الواحد ( وهو ما ادته المدعية حسب فاتوراتها عدد 374 مكرر ) في حين ان النقل من رادس الى سليمان لا يكلف سوى 8,00 د للطن الواحد. وهكذا تكون شركة "ستامكا" ادت مبلغها اضافيا قدره930 316 د عن النقل البري .
التاخر في شحن البضاعة ونقلها برا بواسطة الشاحنات من الميناء الى سليمان، اذ ان ذلك يسبب تاخيرا نسبته 35 % عندما يتم من ميناء حلق الوادي عوضا عن ميناء رادس .
ان هذا التاخير يترتب عنه اداء مصاريف اضافية عن بقاء البضاعة قيد الانتظار في الميناء وحددت ب 174,646 د من طرف نفس الخبير علاوة على مصاريف اخرى استنتجها نفس الخبير وادتها المدعية زيادة بدون موجب وقدرته ب 720 225 دينار .

حيث يستفاد من تقرير نفس الخبير ان المصاريف الاضافية التي تحملتها شركة "ستامكا" بسبب عدم تنفيذ المدعى عليها لتعهداتها العقدية تقدر اجماليا بمبلغ 298 717 د ( الوثيقة رقم 10 ) .
حيث لو ان المدعى عليها افرغت الحمولتين في الميناء المتفق عليه في وثيقة الشحن أي رادس لما ادت المدعية هذا المبلغ .
حيث ان المدعية محقة وعلى صواب في المطالبة بالزام المدعى عليها بان تسدد لها هذا المبلغ .

حيث ان اخلال المدعى عليها بتعهداتها العقدية اضطر المدعية الى تحمل مصاريف اضافية تتمثل في اجرة الخبير مصطفى شعبان التي تقدر بمبلغ 480 100 د ( الوثيقة رقم 11 ) علاوة عن المصاريف الناتجة عن اقامة هذه الدعوى .
حيث تكون المدعية محقة ايضا في المطالبة بتعويض قدره 000 100 د عن في التوصل ببضاعتها الى جانب 000 100 د مصاريف تقاضي واجرة محاماة .

ولهاته الاسباب تطلب الحكم بالزام الشركة التونسية للملاحة بان تؤدي الى الشركة التونسية للف الورق المقوى " ستامكا" المبالغ الاتي تفصيلها والمترتبة عن النفقات الاضافية الناتجة عن تغيير ميناء افراغ الحمولة وقدرها 298 717 د وعن اجرة الخبير المنتدب لتقويم الاضرار وتبلغ 480 100 د عن الاضرار الناتجة عن الاخلال التعهدات العقدية وقيمتها 000 100 د وعن مصاريف التقاضي واجرة المحاماة ومجموعها 100000 د، اي ما مجموعه 778 1.017 د مع الفائض القانوني ابتدا من تاريخ صدور الحكم وذلك بالنفاذ العاجل .

وحيث استأنفته الطاعنة بواسطة نائبها الاستاذ توفيق بن محمود الذي تمسك بان منوبته لا ينسب اليها اي خطا تعاقدي ذلك ان سلطة الميناء حلق الوادي المتمثلة في الديوان القومي للموانئ القومية التونسية هي وحدها التي تقرر الميناء والرصيف الذي يجب على الباخرة الارساء به وذلك بالاعتماد على الاماكن التي تكون في وقت معين مؤهلة لقبول الباخرة علما انه بامكان سلطة الميناء عدم السماح لأي باخرة الدخول الى الميناء وابقائها خارج الميناء اذا لم توفر المكان الشاغر والمناسب للارساء .

وحيث ان الفصل 12 من وثيقة الشحن اقتضى ان  الباخرة لها كل الصلاحيات للارساء بكل الموانئ التي تكون في طريقها المعتاد او خارج هذه الطريق والاتجاه، كما يمكن للباخرة الارساء باي ميناء للشحن او لتفريغ البضائع او تغيير وجهتها لاي سبب كان. والشاحنون او المرسلة اليهم البضائع يتنازلون عن كل مطالبة نتيجة لذلك.

وكذلك اقتضى الفصل 20 من نفس الوثيقة انه على المرسل اليه البضائع تسلم بضائعه بمجرد ان تكون الباخرة مستعدة لتفريغ البضائع وذلك باي مكان توجد به كما انه بامكانه تغيير مكانها اثناء الشحن او التفريغ ومغادرة ميناء الوصول في أي وقت اذا ظهر لربان الباخرة ضرورة ذلك سواء افرغت البضائع ام لا.

وعليه فان الطاعنة لما غيرت مكان الارساء المتفق عليه بوثيقة الشحن لم ترتكب اي خطا بل قامت بذلك طبق الوثيقة المذكورة، هذا ولاحظ الاستاذ بن محمود ان تقرير الاختيار المدلى به يمكن اخذه بعين الاعتبار اذ وقع تحريره بصفة منفردة بطلب من المستانف ضدها بدون اذن من المحكمة وبدون ان يقع استدعاء المستانفة لحضور اعمال الاختيار طبقا لما يقتضيه القانون في مثل هذه الحالة، وعليه فان تقرير الاختبار يكون بذلك باطلا بالنسبة الى الطاعنة وتبعا لذلك فان الدعوى  بقيت مجردة اذ لا يمكن ان تستند على عمل باطل .

لذا فهو يطلب الحكم بقبول مطلب الاستئناف شكلا وفي الاصل بنقض الحكم الابتدائي والقضاء من جديد بعدم سماع الدعوى لتجردها من ناحية وعدم ثبوت خطا من جانب المستانفة من ناحية ثانية والحكم بالزام المستانف ضدها بان تؤدي للمستانفة مبلغ 000 300 د لقاء اتعاب التقاضي واجرة المحاماة عن الطورين الابتدائي والاستئنافي .

هذا وقد ادلى الاستاذ بن محمود صحبة تقريره المدلى به بجلسة يوم 12/4/1991 بوثيقة صادرة عن ديوان الموانئ القومية مؤرخة في 21/2/1991 مفادها ان عملية ارساء الباخرة يقررها الديوان المذكور.
 وطلب على هذا الاساس اعتماد هذه الوثيقة والحكم وفق مستندات الاستئناف .
وحيث اجاب الاستاذ بن عياد نائب المستانف ضدها متمسكا اولا بدفع شكلي ذلك ان محضر الاستدعاء للجلسة لا يبين المقر الحقيقي للمستانف ضدها كما انه لم يبلغ اليها في مقرها. هذا وبعد عرضه الوقائع متمسكا بدعواه وذلك من الناحية الموضوعية لاحظ ان اسانيد الطعن لم تات بشيء جديد وان الدفوعات مردودة ذلك ان وثيقة الشحن في فصليها 12 و20 تنص على تغيير الميناء او التوقف عندما تقتضي ذلك الضرورة وانه لا علاقة لهما في قضية الحال وطالما ان الطاعنة لم تثبت حالة الضرورة، فانه لا مجال لتطبيق هذين الفصلين .

هذا وان الخطا التعاقدي يبقى قائما ذلك ان وثيقة الشحن تقوم حجة بين جميع الاطراف الذين يهمهم الشحن وانها تجسم عقد النقل المبرم بين الناقل البحري والمرسل اليه بالخصوص والشروط التي يتوجب ان ينفذ في اطارها هذا العقد وان هذه الشروط لا يمكن مخالفتها بقرار منفرد من  الناقل البحري. هذا علاوة على ان الطاعنة لم تثبت ان سلطة الميناء امرت باخرتها  بافراغ الحمولة في ميناء حلق الوادي ومنعت عليها الارساء في ميناء رادس المتفق عليه عقديا .

اما في خصوص المصاريف الاضافية الناتجة عن تغيير الميناء فهي ثابتة بالفواتير وتقرير الاختبار الذي يتوجب اعتماده ذلك ان الناقل البحري لم يثر اية منازعة جدية تتعلق بمضمون تقرير الاختبار والتقديرات التي وصل اليها .
وعلى هذا الاساس طلب الاستاذ بن عياد الحكم بسقوط الاستئناف وفي جميع الحالات رفضه شكلا والحكم برفضه اصلا واقرار الحكم الابتدائي والزام الطاعنة بان تؤدي 000 300 د مصاريف تقاضي عن هذا الطور .

المحكمة 
حيث كانت الدعوى في اداء مصاريف اضافية ناتجة عن تغيير ميناء الافراغ .
وحيث تمسكت الطاعنة بان ليس لها خطا، ذلك ان سلطة ميناء حلق الوادي المتمثلة في الديوان القومي للموانئ القومية التونسية هي وحدها التي تقرر الميناء والرصيف التي يجب على  الباخرة الارساء به، وقدم وثيقة صادرة عن ديوان الموانئ القومية مؤرخة في 21/2/1991 .
وحيث في خصوص هذا الدفع فقد اتضح من وثيقة الشحن، شريعة الطرفين، انه وقع الاتفاق على ان يكون التفريغ هو ميناء رادس .

وحيث ولئن ادلت الطاعنة بالشهادة المسلمة من ديوان الموانئ القومية الذي يتدخل في تغيير ميناء الافراغ، فانه لا يمكن به معارضة المرسل اليه الذي يبقى اتفاقه مع الناقل  البحري هو النافذ بينهما وان كان هناك تغيير فتبعة ذلك محمولة على الناقل اذا ما خلف صريح الاتفاق المضمن بوثيقة الشحن وحيث في خصوص الفصل 12 من وثيقة الشحن المتمسك به لا يتعلق بافراغ البضاعة زمن وصول الباخرة بالميناء المتفق عليه وانما جاء منظما لاحكام عملية الجر والوقوف المؤقت وتغيير الوجهة عندما تقتضي ذلك الضرورة وعليه فانه لا يخص صورة الحال واتجه بناء على ذلك رفضه وعدم الاخذ به .

وحيث في خصوص الفصل 20 من الوثيقة المذكورة، فانه جاء منظما لعملية التفريغ والشحن للبضاعة بواسطة الربان ومقاول الشحن ومحددا دور الربان والمقاولين وكذا المصاريف الناجمة عن ذلك ومتعرضا في النهاية لحالة استثنائية وهي حالة الاضطرار الناجمة عن القوة القاهرة وهو ما لم يثبته الناقل البحري في صورة الحال، ضرورة ان الوثيقة المدلى بها من ديوان الموانئ القومية لم تبين حالة الاضطرار وجاءت ناصة بصفة عامة على الاعتبارات والمقاييس الموضوعية لارساء البواخر بمينائي حلق الوادي ورادس .

وحيث في خصوص الدفع المتعلق بالاختبار، فانه ولئن لم يقع استدعاء الناقل البحري لحضوره، فذلك لا يعيب مقوماته باعتباره وثيقة إثبات وتقدير للمصاريف الإضافية الناجمة عن تغيير ميناء الإفراغ بناء على دراسة مقارنة لتكاليف الرفع والنقل للبضاعة من مينائي حلق الوادي ورادس وعليه فلا يمكن معارضة ذلك التقرير واعتباره اختبارا يستدعي إحضار أطراف النزاع .
وحيث مادام لم تدل المستأنفة بما يعارض قيمة المصاريف المطلوبة فانه يتجه اعتماد القيمة المشار اليها .
وحيث والحالة ما ذكر باتت الدفوعات الطاعنة في غير طريقها واتجه ردها .
وحيث خابت الطاعنة في استئنافها وتعين تحميلها المصاريف القانونية وتخطئتها بالمال المؤمن .

ولهاته الأسباب 
قضت المحكمة بقبول الاستئناف شكلا وفي الموضوع باقرار الحكم الابتدائي واجراء العمل به .

تعليق
مسؤولية الناقل البحري للبضائع عن تغيير ميناء التفريغ
هل يجوز للناقل البحري ان يغير ميناء الارساء المتفق عليه في وثيقة الشحن لكي يفرغ الحمولة بميناء اخر ولو كان يبعد عن الميناء المحدد في وثيقة الشحن الا بمسافة قصيرة ؟ هذا هو السؤال الذي اجاب عنه بالنفي الحكم المنشور اعلاه .
ان وقائع النزاع الذي نظرت فيه، بواسطة الحكم، المحكمة الابتدائية بتونس - بوصفها محكمة درجة ثانية تستانف امامها احكام قضاة الناحية الخاضعين لدائرة نفوذها الترابي - تتلخص في كون شركة " ستامكا" استوردت بضاعة، وقصد نلقها الى التراب التونسي عن طريق البحر، عهدت الى الشركة التونسية للملاحة بتنفيذ عملية النقل على متن سفنها بواسطة وثائق الشحن تضمنت اتفاق الطرفين على ان يتم افراغ الحمولة بميناء رادس .

ولئن قام الناقل  البحري بعملية النقل، الا انه لم يفرغ الشحنات في الميناء المتفق عليه في وثائق الشحن، بل افرغها بميناء حلق الوادي، وهو ما اعتبرته المرسل اليها اخلالا من جانب الناقل بالتزاماته العقدية الحق بها ضررا ماديا .
ولقد بادرت المرسل اليها الى توجيه تحفظاتها(1) الى الناقل البحري بخصوص الاضرار التي لحقتها من جراء تغييرها ميناء التفريغ المتفق عليها في وثائق الشحن وانذرته بان يتحمل المصاريف الاضافية التي اضطرت الى انفاقها نتيجة ذلك، ثم طلبت بصفة مباشرة من خبير مختص ان يتولى تقدير الخسارة اللاحقة بها من جراء الضرر الانف ذكره، وذلك بواسطة تقرير يحرره لهذا الغرض .
ثم اقامت المرسل اليها دعوى امام قاضي ناحية تونس تطلب بواسطتها الحكم بالزامه بان يؤدي لها النفقات الاضافية التي قدرها الخبير مع المصاريف القانونية المترتبة عن ذلك .
في معرض جوابه عن هذه الدعوى لئن دفع الناقل البحري بالخصوص، بكونه لا يملك حرية ارساء بواخره في الميناء الذي يختاره ذلك " ان سلطة الميناء بمينائي حلق الوادي واردس المتمثلة في 
------------------------
1) يبدو انها وجهتها في اطار الفصل159 من مجلة التجارة البحرية، وان كان هذا الفصل يوجب على المتسلم تقديم تحفظات كتابية " في صورة تلف البضاعة او تعيبها او تضررها ….."، الا ان الضرر المتحفظ في شانه هنا، لا يندرج في احدى هذه الصور، وانما هو ضرر مادي لحق المرسل اليه شخصيا من جراء تغيير الناقل البحري لميناء الافراغ، مما يبعث على الاعتقاد بان تقديم تحفظات كتابة قبل القيام على الناقل بدعوى المسؤولية ليس وجوبيا، على ان التحفظات المقدمة يمكن ان تفيد  المرسل اليه باعتبارها انذارا يوجه الى الناقل على ضوء الفصل 269 من مجلة الالتزامات والعقود، لمطالبته باداء التعويض المتخذ بذمته نتيجة اخلاله بالتزامه العقدي واثبات حالة المطل التي اصبح عليها مما يبرر الحكم عليه بالوفاء .
------------------------
ديوان الموانئ القومية هي وحدها التي تقرر الميناء ورقم الرصيف الذي يمكن لاية باخرة الارساء به حسب طاقة الاستيعاب …". فان قاضي الدرجة الاولى استجاب للطلب بموجب حكم صدر في 13 فبراير1991 استانفه الناقل البحري. الا ان محكمة الدرجة الثانية، بمقتضى الحكم المنشور اعلاه، تبنت نفس الاتجاه .
ولتعليل قضائها على هذا النحو بادرت محكمة الطور الاستئنافي بالتذكير - فيما يخص أساس المسؤولية - بان وثيقة تشكل شريعة الطرفين، وانه تم بواسطتها " الاتفاق على ان يكون ميناء التفريغ هو ميناء رادس". وهو ما جعل نفس المحكمة تصرف النظر عن لشهادة المسلمة من الديوان القومي للموائئ التونسية المدلى بها من طرف الناقل البحري، معتبر انه لا يمكن مواجهة المرسلة اليه بهذه الوثيقة، اذ يبقى اتفاقه مع الناقل البحري هو النافذ بينهما وان كان هناك تغيير فنتيجة ذلك محمولة على الناقل اذا ما خالف صريح الاتفاق المضمن بوثيقة الشحن" .

وهكذا فان الاتجاه الذي اتخذه قضاة الاصل في صورة الحال، بدرجتيهما، يستدعي بصفة اخص التمعن في الاسس التي تقوم عليها المسؤولية المدنية التي يتحملها الناقل البحري للبضاعة عند تغييره لميناء الارساء المتفق عليه في وثيقة الشحن وتفريغه للحمولة في ميناء اخر، الشيء الذي يجد معن الشاحن او المرسل اليه نفسه مرغما على تسلم بضاعته في ميناء لم تتجه اليه ارادته عندما تعاقد مع الناقل البحري، وقد لا يتناسب مع موقع نشاطه الصناعي والتجاري الذي من اجله استورد البضاعة وقام بشحنها لتنقل عن طريق البحر، وهو ما تظلم منه المرسل اليه في قضية الحال .

ان اقرار الحكم المنشور اعلاه باستحقاق المرسل اليه لتعويض، مرده كون العهدة التي يتحملها الناقل البحري، في حالة اخلاله باحد شروط عقد النقل مبنية على قرينة المسؤولية مما يتجه معه التمعن، انطلاقا من هذه الزاوية في ابعاد وطبيعة الالتزام الذي تلقيه هذه القرينة على عاتق الناقل البحري ( I) والصرامة التي اتبعها هذا الحكم عند النظر في الوسائل المثارة من طرف الناقل لدرء المسؤولية عنه الشيء الذي يطرح بدوره صعوبة الاعتداد بالقوة القاهرة كسبب لاعفاء الناقل البحري من التبعة (II) .

I- إبعاد الالتزام الملقى على عاتق الناقل البحري 
تكون مسؤولية الناقل مفترضة كيفما كان نوع النقل الذي يمتهنه اي بحريا او جويا او بريا وسواء تعلق الامر بنقل اشياء او مسافرين، وذلك يعزى الى كونه يتحمل على عاتقه التزاما بتحقيق نتيجة. الى جانب ذلك فان الناقل البحري، اساس النزاع الذي بت فيه الحكم المنشور اعلاه، تم بواسطة " وثيقة الشحن"، الشيء الذي يستوجب التمعن في اهمية العناصر الواجب تضمينها فيها ومنها بالخصوص التنصيص على مكان تفريغ البضاعة المنقولة (أ) والاساس القانوني الذي ينبني عليه تحميل الناقل عواقب اخلاله بهذه الشروط (ب) .

أ‌- أهمية التنصيص في وثيقة الشحن على مكان التفريغ 
ان وثيقة الشحن تجسد العقد المبرم بين الشاحن والناقل وتتضمن الشروط المتفق عليها بين الطرفين. هذا ما يستفاد من الفصل 206 من مجلة التجارة البحرية، وهو يعرف عقد النقل الذي يتم بوثيقة شحن بكونه اتفاقا يتلقى " بمقتضاه ناقل بحري بضاعة يسلمها اليه شاحن مع الالتزام بتسليمها في المكان المقصود ….." ولا يتعلق الامر هنا بعقد شكلي (2)، اذ تثبت الرابطة العقدية بوثيقة الشحن فحسب التي يوجب الفصل 207 من نفس المجلة على الناقل، او الربان بوصفه وكيل الناقل، تسليمها الى المرسل .

ولا يتعارض تعريف النقل المستمد من الفصل 206 م ت ب مع تعريف اوضح لنفس العلاقة التعاقدية، ورد في الفصل 627 من المجلة التجارية ضمن الباب الخامس المتعلق بوجه عام بعقد النقل وبوساطة عميل النقل، اذ يفيد النص الانف الذكر، بان عقد النقل " هو اتفاق يلتزم بمقتضاه متعهد النقل مقابل ثمن ان يتولى ايصال شخص او شيء الى مكان معين" (3) .

ان المكان الذي يتفق عليه  الطرفان لكي يوصل اليه الناقل الشيء محل التعاقد، وبه تتم عملية تسليمه الى المرسل اليه يكون من بين الشروط الجوهرية لعقد النقل .
----------------------------
2) ان عدم خضوع عقد النقل لشكلية محددة وامكانية اثباته باية وسيلة كتابية، اي حتى بداية حجة  بالكتابة يتجلى ايضا وبصفة اوضح من الفصل 207 من التشريع المغربي للتجارة البحرية الصادر بمقتضى ظهير 31 مارس1919 الذي يفيد بانه " يثبت ايجار السفينة او عقد النقل البحري بمشارطة ايجار او بتذكرة شحن او باي محرر اخر". انظر هذا النص في مجموعة القانون البحري، سلسلة النصوص التشريعية المغربية، تقديم وتهييء عبد العزيز توفيق، توزيع دار الثقافة، الدار البيضاء، 1990، الطبعة الاولى، ص. 115) .
حول الطابع الرضائي لعقد النقل البحري يراجع :
- Abdellah Boudahrain, Droit maritime marocain, Casablanca, 1986, p. 139, n° 260.
نجاة بضراني، القانون البحري ج. 1، السفينة، وجدة، 1993، الطبعة الاولى، ص. 234.
3) يستفاد من استقراء الفصل 4 من القانون عدد 13 لسنة 1962 المؤرخ في 24 ابريل1962 المتعلق بادراج مجلة التجارة البحرية ان احكام الفصل 627 من المجلة التجارية تنطبق على النقل البحري مادام انها لا تتخالف مع احكام مجلة التجارة البحرية. وتجدر الاشارة الى عدم ملاءمة الصياغة بالعربية للفصل 4 الانف الذكر وعدم تناسق فحواه اذا ورد نصه انه " لا تنطبق على النقل البحري احكام الفصول 627 الى 669 بدخول الغاية من المجلة التجارية المتعلقة بعقدي النقل ووساطة عميل النقل وذلك بالقدر الذي لا تتخالف فيه مع احكام المجلة المذكورة". ( ر ر ج ت عدد 22 بتاريخ 27 ابريل 1962 وعدد 23 بتاريخ 4 ماي 1962) ولعل الصياغة التي تعبر بصفة سليمة عن قصد المشرع تتجلى من صياغة ترجمة نفس الفصل باللغة الفرنسية التي تفيد :
«Sont inapplicables aux transports maritimes, les dispositions des articles 627 à 669      inclusivement du Code de commerce, relatives aux contrats de transports et de commission de transport, dans la mesure ou elles sont contraires aux dispositions du présent code », (J.O.R.T., n° 22, du 27 avril 1962 et n° 23 du 4 mai 1962 ).
 مما يجعل النص العربي لهذا الفصل في حاجة الى مراجعة صياغته .
-------------------------------------
ولعل ذلك ما جعل الفصل 209 من م ت ب. - الذي خصص للعناصر التي من الواجب على الناقل ذكرها في وثيقة الشحن - يوجب ان تتضمن هذه الاخيرة عدة عناصر من بينها " المكان المقصود" (4).
ولقد اوجب المشرع على الناقل تضمين هذه العناصر في وثيقة الشحن التي يسلمها الى الشاحن لكونها تبين الشروط التي سينفذ في اطارها العقد ولان ما يبين فيها من عناصر - لاسيما ما يتعلق منها بالمكان الذي ستفرغ فيه الحمولة - يحدد نطاق الالتزام الذي تعهد الناقل بتنفيذه .
والاهمية الاخرى التي يكتسيها بيان المكان الذي ستفرغ فيه الحمولة من الباخرة، بغرض تسليمها الى المرسل اليه، يجسد المرحلة التي بانجازها على الوجه وفي الوقت المتفق عليهما، يعتبر الناقل قد نفذ التزامه وينقضي بذلك العقد .

لم تكن هذه الاعتبارات خافية على المحكمة الابتدائية بتونس وهي تصدر بتاريخ 12 يوليوز1991 الحكم المنشور اعلاه. ذلك ان المحكمة لتعليل قضائها بمسؤولية الناقل الناتجة عن تغيير ميناء افراغ الحمولة وانزالها من الباخرة بميناء حلق الوادي عوضا عن ميناء رادس المشار اليه في وثيقة الشحن، بادرت بالتذكير بان وثيقة الشحن تشكل " شريعة الطرفين" وانه وقع بموجبها" الاتفاق على ان يكون ميناء التفريغ هو ميناء رادس".

يبدوا واضحا ان المحكمة الابتدائية بتونس استندت ضمنيا الى الفصل 242 من مجلة الالتزامات والعقود، اذ هو الذي يكرس مبدا العقد شريعة الطرفين، مادام ينص صراحة ان " ما انعقد على الوجه الصحيح يقوم مقام القانون فيما بين المتعاقدين ولا ينقض الا برضائهما، او في الصورة المقررة في القانون".

ان ادراج هذا النص ضمن احكام مجلة الالتزامات والعقود كان نتيجة تاثر المشرع التونسي بمبدا سلطان الارادة (5). وتوخى المشرع نفس الاتجاه في الاحكام التي خصصها لعقد النقل البحري ذلك ان الفصل 164 من م ت ب المتعلق بحرية " الاتفاقات في مادة النقل البحري" يفيد نية المشرع 
-----------------------
4) وهو ما يوجب بيانه، لنفس الغرض، الفصل 210 من القانون المغربي للتجارة البحرية، الذي يلزم بدليل استعماله صيغة الوجوب، ان تتضمن تذكرة الشحن نفس العناصر المنصوص عليها في الفصل 209 من التشريع التونسي، ومن بينها بالخصوص " مكان اقلاع السفينة ومكان وصولها"، ( انظر هذا النص في المجموعة السابق ذكرها، ص. 116).
5) يراجع في هذا الصدد، محمد الزين، النظرية العامة للالتزامات، ج 1، العقد، تونس 1993، ص. 40، فقرة رقم 40 وهو نفس الاتجاه الذي توخاه المشرع المغربي، عبر الفصل 230 من ظهير 12 غشت 1913 المكون لقانون الالتزامات والعقود والذي جاء نصه مماثلا للفصل 242 من المجلة التونسية، علما ان النصين استوحى فحواهما من الفصل 1143 من القانون المدني الفرنسي. ( يراجع في هذا الخصوص. مامون الكزبري، نظرية الالتزامات، الطبعة الثانية، 1972، الدار البيضاء، ص. 245-246 ).
------------------------
الصريحة في جعل الهدف من صياغة احكام الكتاب الرابع من هذه المجلة  - الذي يستهل بالفصل 164 - هو "بيان وتحديد حقوق وواجبات الطرفين في الاتفاقات المتعلقة بالنقل البحري ..." الا انه لم يغب عن المشرع توضيح حقيقة قصده والهدف الذي يرمي اليه من بيان ذلك، مادام انه يضيف في نفس الفقرة الاولى من الفصل 164 ان تدخله في علاقات طرفي التجارة البحرية جاء " فقط لتلافي ما قد يظهر من نقصان او التباس او غموض …"، فيما يبرمه الطرفان من اتفاقات. ويتجلى تكريس مبدا سلطان ارادة الطرفين، والطابع المكمل الذي اضفى على العديد من قواعد مجلة التجارية البحرية، بصفة اكثر وضوحا وتاكيدا من نص الفقرة الثانية من الفصل 164. ذلك انها تترك" للطرفين الحرية في ابرام اتفاقاتهما على النحو الذي يريانه …" ولا شيء يمنعهما من الاتفاق " على تطبيق اي قانون …" ولو كان اجنبيا او اية اتفاقية نموذجية، او اقتباس فحوى ما يتفقان عليه من التزامات متبادلة في عدة قوانين او اتفاقات نموذجية في ان واحد. كما يجوز - يضيف نفس الفصل 164 في نهايته - للطرفين ان يختارا احداث اتفاقيات نموذجية جديدة .

مع ذلك، فان الامر لا يتعلق بحرية مطلقة مادام انه توجد الى جانب ذلك احكام في مجلة التجارة البحرية تتضمن ايضا قواعد تفرض قيودا على ارادة الطرفين، ولها اذن طابع امر ولم يفت نفس الفصل 164 التذكير في خاتمة نصه بضرورة مراعاة هذه القيود و" التحاجير" الواردة بنفس المجلة. هل هذا يعني ان مكان التفريغ من العناصر التي تحدد باتفاق الطرفين وبكل حرية من طرفهما ؟ لئن لا يوجد جواب صريح بشان هذه النقطة صلب احكام مجلة التجارة البحرية، يبدو ان النطاق الواسع والمرن الذي ورد عليه الفصل 164 م ت ب يجيز الاجابة عن هذا التساؤل بالايجاب. وهو نفس الاتجاه الذي يبدو ان الحكم المنشور اعلاه قصده مادام اعتبر ان مكان التفريغ المحدد في وثيقة الشحن ملزما للطرفين ولا يجوز للناقل تغييره بارادته المنفردة.

ولئن ينطبق هذا ايضا على معظم الشروط الاخرى للعقد - وهي لا تقل اهمية عن مكان التفريغ - كتاريخ الشحن واسم السفينة وخاصة الشروط المتعلقة باجرة النقل، فانها في مجال الممارسة نجد انها تفرض من طرف الناقل وليس بوسع الشاحن مناقشتها بصفة فعلية ويكتفي - اذا اراد التعاقد - بالاذعان لها وبقبولها، وتنفيذها، وهو ما جعل الفقه يصنف عقد النقل البحري في فئة عقود الاذعان (6) .
----------------------
(6) Abdellah Boudahrain, op. Cit. p. 139, n° 260 
Martine Remond_Gouilloud, Droit maritime, éd. Pedone, Paris, 1988, p. 305-306, n° 533.
-------------------
ولعل الواقع العملي يجعل من الاجدر اعتبار ان عنصر " مكان التفريغ" يندرج بدوره في اطار نفس الفئة، اي هو شرط من شروط عقد الاذعان الذي محله النقل البحري، اذ في الحقيقة فان الشاحن يختار الباخرة المتجهة الى ميناء يناسبه لكي تفرغ فيه حمولته. لكن يصعب التصور ان يقوم شاحن بمناقشة ناقل بشان الميناء المتجه اليه او ان يقترح عليه تغيير وجهته. ولعل هذا سبب اخر جعل الفصل 209 يوجب تعيين " المكان المقصود" في وثيقة الشحن وجعل المشرع يعتبر هذا النص من بين القواعد التي تهم النظام العام. واشار لذلك صراحة صلب الفصل 214 من نفس المجلة. الا ان اعتبار ان مكان التفريغ هو بدوره من العناصر التي يفرضها الناقل وقت التعاقد معه ويكتفي الشاحن بقبولها، لن يغير في شيء من النتيجة التي وصل اليها الحكم المنشور اعلاه، من ضرورة الزام ناقل باحترام ما تعهد به، لاسيما اذا كان الامر يتعلق بعناصر جاءت في اطار عقد اذعان معد من طرفه، يكون فيه الشاحن الطرف الضعيف اقتصاديا في العقد ويستوجب النظر في مدى احترام الناقل البحري لالتزاماته باكثر صرامة تجاهه وهو تشدد تفرضه ايضا ضرورة ان الامر يتعلق بناقل يتقاضى اجرة مقابل هذا النشاط التجاري ويجعل منه مهنة اعتاد على تعاطيها. وكل هذه الاعتبارات لا يمكن ان تتضافر من جانبها لكي توصل في النهاية الى نفس الحل الذي توصل اليه الحكم المنشور اعلاه .
الا ان التساؤل يطرح ايضا بخصوص الاساس او الاطار القانوني الذي استندت اليه المحكمة لمساءلة الناقل البحري عن اخلاله بالتزامه بتحقيق نتيجة ؟

ب‌- الاساس القانوني لمسؤولية الناقل البحري
ولو انه لا يمكن، مبدئيا، ان يؤاخذ على محكمة تنظر في دعوى محلها المسؤولية المدنية التعاقدية وسببها اخلال المدين باحد التزاماته المنصوص عليها في العقد، ان تؤسس قضاءها بمساءلة المدين بالاستناد على الفصل 242 من م ل ع، فان ما تجدر ملاحظته هو ان الامر  يتعلق بنص تشريعي مدني يتضمن قاعدة عامة تطبق على كل الروابط العقدية المنشاة طبقا للقانون طالما لا تكون خاضعة لاحكام خاصة لها طابع امر .
و لعل هذا ما جعل فقه القضاء الصادر تطبيقا للفصل 242 م ل ع وان كان غزيرا فانه يتعلق بعقود مدنية (7). ويبدو انه على الاقل ضمن احكامها المنشورة لم يسبق للمحكمة الابتدائية بتونس ان وجدت نفسها في حاجة الى التذكير بان العقد شريعة الطرفين لكي تفصل في مادة التجارة 
------------------------
7) انظر على سبيل المثال، مبادئ فقه القضاء المشار اليها اسفل الفصل 242 من طرف بلقاسم القروي الشابي، في مجلة الالتزامات والعقود، سلسلة " المجلات القانونية المثراة"، طبعة ثانية، 1990، تونس، المطبعة الرسمية للجمهورية التونسية، ص. 91-94 .
----------------------
البحرية وبالاخص في نزاع نشب بسبب سوء تنفيذ عقد نقل بضائع، وكان من السهل على المحكمة الاكتفاء بتاسيس قضائها على الفقرة الثانية من الفصل 209 من م ت ب. الذي يشكل نصا خاصا ويكرس نفس القاعدة فيما يعتبر " وثيقة الشحن ….. التي تكون بيد المرسل تقوم حجة بين جميع الاطراف الذين يهمهم الشحن …." (8) .
الا انه حتى لو تم الطعن بالتعقيب في هذا الحكم فلا يعتقد ان تؤاخذ محكمة القانون على هذا الحكم انه اسس قضاءها على الفصل 242 م ل ع عوضا عن الفصل 209 م ت ب مادام هذا النص الاخير رغم طابعه الخاص، لا يتعارض مع النصل الاول بل يتكامل معه لان المشرع اقتصر بموجبه على التذكير بنفس المبدا الذي سبق ان اضفاه في مجلة الالتزامات والعقود على سائر العقود المبرمة على وجه صحيح. ومن المؤكد ان فحوى الفقرة الثانية من الفصل 209 م ت ب وردت الاشارة اليها ضمنيا في الحكم لما برر استبعاده للشهادة المتمسك بها من طرف الناقل، الصادرة عن الديوان القومي للموانئ التونسية لتبرير تغيير ميناء التفريغ ولنفي ارتكاب اي خطا، مادام الحكم قد اعتبر انه لا يمكن مواجهة المرسل اليه بهذه لشهادة لكون " اتفاقه مع الناقل البحري هو النافذ بنيهما، وان كان هناك تغيير فتبعة ذلك محمولة على الناقل اذا ما خالف صريح الاتفاق المضمن بوثيقة الشحن" .

لكن اللافت للانتباه هو ان الناقل البحري استدل بالشهادة المسلمة له من الديوان القومي للموانئ التونسية بخصوص توضيحه لسبب تغيير ميناء التفريغ واعتمدها لكي ينفي عن نفسه اي خطا. وكانه لجا الى ذلك لحمل المحكمة على ان تعتبر مسؤولية الناقل مبنية على الخطا المفترض. ولئن صافد الحكم بصواب لما لم ياخذ بما دفع به الناقل، فانه لم يبين بوضوح مبنى المسؤولية المدنية العقدية التي جعلها على عاتق الناقل البحري، اي هل اعتبرها مفترضة بمجرد عدم تحقيقه للنتيجة التي تعهد بها ام انها مقامة على خطاه المفترض .

ان توضيح هذه النقطة لا تخفى اهميتها، ففي حالة اعتبار مسؤولية الناقل مبنية على الخطا المفترض. يكفيه ان يثبت انه بذل العناية اللازمة، اي انه لم يرتكب خطا في تنفيذ العقد، مثلما حاول الناقل البحري اثباته في صورة الحالة حتى يدرأ عنه المسؤولية ويحبط دعوى التعويض المقامة من طرف الشاحن. اما اذا كان الالتزام بتحقيق النتيجة التي يتعهد بها الناقل يفرز قرينة على مسؤوليته في حالة عدم التنفيذ كليا او جزئيا، فانه لن يعفى منها الا اذا اثبت وجود سبب اجنبي اعاقه عن التنفيذ .
--------------------
8) ان الطابع الامر للفصل 209 م ت ب بخصوص ضرورة المكان المقصود في وثيقة الشحن الى جانب باقي العناصر المشار اليها في هذا الفصل، يتجلى بصفة اخص من فقرته الاخيرة فيما تفيد ان " كل نظير لوثيقة الشحن خلا من التنصيص على البيانات الخمسة الاولى المذكورة ( والمكان المقصود يشكل العنصر الرابع في النص) لا يعتبر الا كبداية حجة كتابية". اي ان ذكر مكان تفريغ الحمولة يكون شرط  صحة بالنسبة لوثيقة الشحن .
--------------------
قبل كل شيء، ان التعريف الذي يخصص الفصل 206 من م ت ب لعقد النقل يفيد بان التزام الناقل البحري هو من قبيل الالتزام بتحقيق نتيجة. وهذا وحده يكون كافيا لاعفاء الشاحن من عبء اثبات خطا الناقل عند مطالبته بتعويض. الا ان الاهم من ذلك هو ان طبيعة هذا الالتزام تجعل اقتصار الناقل البحري على محاولة التمسك بعدم ارتكابه اي خطا، بدون جدوى ذلك ان الالتزام بتحقيق نتيجة يترتب عن عدم تنفيذه تحميل الناقل البحري مسؤولية مفترضة (9) وليس مسؤولية مبنية على الخطا. هذا ما يستفاد ايضا من الفصل 131 من م ت ب الذي يعتبر كل مجهز مسؤولا شخصيا ليس فقط عن اخطائه بل عن افعاله وتعهداته، وكذلك عن التعهدات التي يلتزم بها الربان اثناء تادية وظيفته. ويجعله ايضا مسؤولا مدنيا عن افعال او اخطاء الربان والطاقم، اثناء تادية وظائفهم. كما ان نفس قرينة مسؤولية الناقل البحري يكرسها الفصل 144 من نفس المجلة الذي يحيل على الفصل 131 بشان كل تلف او ضرر او تعيب، ومن جانب  فان الفصل 145 يلقي على الناقل التزاما بالضمان يفيد بدوره ان مسؤوليته مفترضة. وحتى في حالة اعتبار ان هذا الضمان المنصوص عليه في الفصل الاخير ينحصر في " جميع ما يلحق البضاعة من تلف او تعيب اواضرار لعدم بذله عناية معقولة …" فان نذلك لا يغير من مبنى العهدة التي يتحملها والتي تبقى قرينة المسؤولية، ما دامت هذه النصوص تتكامل بالخصوص مع ما ورد في الفصل 640 من المجلة التجارية الذي يعتبر ان الناقل" يضمن من وقت تسلمه الاشياء المراد نقلها ضياعها كلا، او بعضا او تعيبها، او التاخير في تسليمها" .

من البديهي ان اختيار المشرع التونسي في المجلة التجارية البحرية تمكين الشاحن من اقامة دعواه على الناقل على  اساس قرينة المسؤولية العقدية يتيح له، بوصفه متضررا، ضمانات اوفر لحصوله على تعويض عن الضرر اللاحق به من جراء عدم تنفيذ عقد النقل كليا او جزئيا وهو ما يجعل التشريع التونسي في هذا الخصوص  يتميز بطابع حمائي للشاحن وبوصفه الطرف الضعيف اقتصاديا في العقد (10). ولتحقيق هذه الغاية، جاء الفصل 214 من م ت ب ليعتبر ان القواعد الواردة بالفصول 
--------------------
(9) Martine Remond_Gouilloud, op. Cit. , P. 143, n° 269.
Slaheddine Mellouli, «la responsabilité du transporteur maritime des marchandises », C.E.R.P Tunis, 1993, p. 281
10) يقلص من مفعول هذا الوازع الحمائي تعدد الحالات التي يمكن ان تؤدي الى اعفاء الناقل البحري من المسؤولية. هي حالات يفوق عددها الحالات المنصوص عليها في القواعد العامة للقانون المدني. كما تقلصت هذه الحماية منذ دخول معاهدة هامبورغ حيز التنفيذ، فانها حذفت حالات الاعفاء لتستقر بالخصوص على حالة عامة تعفي من الناقل من المسؤولية اذ اثبت عدم ارتكابه خطا، وهي معاهدة صيغت تحت ضغوط دولية لم تراع مصالح البلدان النامية، التي تعرف بكونها " دول شاحنين" ( يراجع في هذا الصدد :
Slaheddine Mellouli, op. Cit. , p. 209, et S.
الا انه في قضية الحال، مادام ان الشاحن والناقل من ذوي الجنسية التونسية، فان العلاقة العقدية تبقى خاضعة لمجلة التجارة البحرية، التي تبقى مع ذلك اصلح للمرسل اليه .
----------------------
206 الى 231، اي التي تنظم علاقات طرفي عقد النقل البحري تهم النظام العام مضيفا ان نطاقها يبتدئ منذ ان يضع الناقل البحري يده على البضاعة الى ان يسلمها الى المرسل اليه. بطبيعة الحالة يفترض ان يتم هذا التسليم في الميناء المتفق عليه في وثيقة الشحن .
هذه الاعتبارات، وان لم يتطرق اليها الحكم الحالي بصفة صريحة، فان تعليله يوحي بانه يعتبر مسؤولية الناقل البحري مفترضة .

ويتجلى ذلك من تسجيل الحكم في مستهل تعليله ان محل الدعوى يتمثل في " اداء مصاريف اضافية ناتجة عن تغيير ميناء الافراغ"، ومن صرفه النظر عن الدفع المثار من الناقل الذي مفاده انه لم يرتكب خطا في ذلك، معتبرا ان هذا لا يؤثر في التبعة التي يتحملها نتيجة مخالفته " صريح الاتفاق المضمن بوثيقة الشحن" .
كما ان ما يبعث اكثر على الاعتقاد ان الحكم يعتبر المسؤولية التي حملها على عاتق الناقل مفترضة هو ان اعتبر ضمنيا كذلك ان السبب الاجنبي كالقوة القاهرة او الامر الطارئ هو وحده كفيل بدرء المسؤولية على الناقل اذ اثبت ذلك .

وفي هذا الصدد لعل الناقل البحري نفسه لم يكن اقتناعه قويا بدفعه الاول بعدم ارتكاب خطا. وهو ما جعله يحاول تعزيزه بدفع ثان اسسه على الفصل 12 و20 من بنود وثيقة الشحن للتمسك بوجود قوة قاهرة اعاقته عن التنفيذ، وكان لزاما على الحكم ان ينظر في هذا الدفع الثاني بالنظر لاهميته وهو ما يفيد اقتناعه ضمنيا بان مسؤولية الناقل مفترضة وان السبب الاجنبي، ان وجد، وحده كفيل بابعاد العهدة على الناقل. ولئن صرف النظر عن هذا الدفع بدوره فانه علل ذلك بعدم اثبات المدين الناقل لوجود قوة قاهرة ولو انه كان يجدر بالحكم ان يدقق تعليله اكثر بخصوص هذه النقطة بان يعتبر ان الناقل لم يثبت توفر شروط القوة القاهرة. وهي شروط من الصعب اثبات توفرها جميعا علاوة على تميزها في مادة التجارة البحرية .

II- صعوبة تفضي الناقل البحري من المسؤولية 
يبدو ان الاساس الذي انطلق منه الحكم المنشور اعلاه  - وهو الفصل 242 م ل ع. - لمواجهة الناقل بعواقب اخلاله بالالتزامات الملقاة على عاتقه بموجب وثيقة الشحن، فيما يتعلق بمكان التفريغ المتفق عليه  -. وهذا ما يفهم من اعتبار الحكم ان ما اتفق عليه المرسل اليه مع الناقل البحري " يبقى  …. نافذا بينهما"، وان تغيير ميناء الافراغ المتفق عليه تحمل تبعته على الناقل اذا ما خلف صريح الاتفاق المضمن بوثيقة الشحن". وهكذا، استبعد الحكم الدفوع المستدل بها من طرف الناقل معتبرا ان هذا الاخير لم يثبت وجود قوة قاهرة اعاقته عن الوفاء بالالتزام .

ومن جديد يتضح ان المحكمة نظرت في السبب الاجنبي المثار من طرف الناقل البحري واستبعدته معتمدة في ذلك شروط هذا العنصر مثلما وردت في قواعد مجلة الالتزامات والعقود (أ) رغم ان الامر يتعلق بنقل بحري تم بموجب وثيقة شحن ومع ان امكانية اعفاء الناقل من المسؤولية في هذه الحالة، وان كانت لا تتعارض مع القواعد المدنية بوصفها نصا عاما، فانها تتميز بخصوصيات وردت في صلب المجلة التجارية البحرية علاوة على ان هذه الاخيرة تضع امام الناقل البحري اسبابا اخرى - اضافة الى القوة القاهرة او الامر الطارئ  - يمكن ان تؤدي الى اعفائه من المسؤولية (ب) .

أ‌- هل ان شروط السبب الاجنبي متوفرة على ضوء مجلة الالتزامات والعقود ؟
بالنسبة للالتزامات العقدية يستفاد من الفصل 282 من م ل ع ان المدين يعفى من عواقب عدم اللوفاء بها" اذ اثبت سببا غير منسوب اليه منعه من الوفاء او اخره عنه كالقوة القاهرة والامر الطارئ …" في الحقيقة لم يرد ذكر هذا النص ولا النص الموالي له - بصفة صريحة في الحكم المنشور اعلاه. الا ان صياغة التعليل الذي برر به الاتجاه الذي نحا اليه، وتاكيده بان وثيقة الشحن تشكل اتفاقا بين الطرفين يبقى نافذ المفعول بينهما طالما لم يثبت الناقل وجود قوة قاهرة، تدل دلالة ضمنية لكنها واضحة ان المحكمة اختارت تمشيا ينطلق من القواعد العامة الواردة في المجلة المدنية .

لكن الملاحظة الاولى التي تتبادر الى الذهن تتعلق بكون المحكمة كان امامها نص هو نسبيا اقرب الى محل النزاع واكثر خصوصية من قواعد مجلة الالتزامات والعقود ينظم امكانية اعفاء الناقل البحري من الضمان الملقى على عاتقه، وهوالفصل 654 من المجلة التجارية الذي يجيز " اعفاء الناقل من الضمان الكلي او الجزئي من اجل عدم الوفاء بتعهداته او الاخلال بها او التاخير فيها بشرط ان يثبت ان ذلك ناشىء عن قوة قاهرة او خطا ينسب للمسافر". ولئن لا يوجد تعارض بين هذا النص والفصل 282، م ل ع. من شانه ان يبرر اعمال مبدا النص الخاص يسبق على النص العام، الا ان خصوصيته المتمثلة في كونه يطبق على نقل يشكل عملا تجاريا يجعله اقرب الى اعتماده من طرف المحكمة ولو بصفة ضمنية، مراعاة كذلك لمميزات وخصوصية قواعد القانون التجاري بصفة عامة، علما ان محكمة التعقيب سبق لها في مناسبة ان اسست قضاءها على النصين معا، في قرار واحد ابرزت فيه " ان الامر الطارئ مشبه بالقوة القاهرة في درء المسؤولية. وكلاهما ينتج نتائج قانونية واحدة بدون ميز او تفرقة حسب مقتضيات الفصلين 654 من المجلة التجارية و282 من مجلة الالتزامات والعقود (11). ولربما كان هذا الاتجاه ذو الاساس المزدوج، الذي سبق اعتماده من طرف محكمة القانون يجعل اتباعه من طرف المحكمة الابتدائية بتونس - وهي تبت كمحكمة درجة ثانية - امرا مستساغا لو انها نسجت على نفس المنوال ولو بصفة ضمنية .

ومادام ان الحكم المنشور اعلاه اعتبر ان القوة القاهرة هي الكفيلة بدرء المسؤولية عن الناقل البحري لكن هذا الاخير لم يثبتها في هذه النازلة، فان التساؤل الذي يطرح نفسه يتعلق بمعرفة مدلول القوة القاهرة الذي قصدته المحكمة. ومادام منطلق هذه الاخيرة كان الفصل 282 م ل ع تجدر محاولة البحث عن هذا المدلول صلب احكام المجلة المدنية .
يمكن العثور على الجواب في النص الموالي، ويفيد الفصل 283 م ل ع. " ان القوة القاهرة التي لا يتيسر معها الوفاء بالعقود هي كل شيء لا يستطيع الانسان دفعه ..." ورغبة في مزيد من التوضيح، يقدم نفس النص في فقرته الاولى امثلة لبعض الحالات يمكن ان تشكل قوة قاهرة (12). الى جانب ذلك فان المدين ملزم باثبات انه استعمل كل الحزم في درء السبب الممكن اجتنابه لكي يعتبر قوة قاهرة (13) وان لا يكون الحادث المستدل به من قبيل القوة القاهرة ناتجا عن خطا سبق ان ارتكبه المدين (14) .

مراعاة لهذه المعايير فان الحادث الذي قد يثيره المدين، لا يعتبر سببا اجنبيا ولا يؤدي الى اعفائه من المسؤولية الا اذا اثبت انه - علاوة على عدم وجود اي خطا صادر عنه. فان الحادث غير ممكن التوقع، ومستحيل الدفع وجعل الوفاء بالالتزام مستحيلا (15) .
--------------------
11) قرار تعقيبي مدني عدد 7793 في 29 ابريل 1971 ن م ت 1972، ص، 64 .
حول المقارنة بين القوة القاهرة والامر الطارئ يراجع :
François_ Paul Blanc,  «la force majeure et le cas fortuit en droit civil marocain, note sous Casablanca 23 octobre, 1984 », R.M.D., 1986, n° 4, p. 220.
ولعله بسبب وحدة النتائج التي تترتب عن القوة القاهرة والامر الطارئ جمعهما المشرع الجزائري في اطار واحد وهو " السبب الاجنبي"  وهو ما تفيده المادة 307 من القانون المدني الجزائري الذي ينص على ان الالتزام ينقضي "اذا اثبت المدين ان الوفاء به اصبح مستحيلا عليه لسبب اجنبي عن ارادته" واتبع نفس الخيار ايضا في المادة 176 المخصص" للتنفيذ بطريق التعويض" مستبدلا هنا العبارة الواردة في المادة 307 بصياغة موازية وهي" …. ما لم يثبت ان استحالة التنفيذ نشات عن سبب لا يد له ( اي المدين) فيه …"، حول هذه النقطة يراجع محمد صبري السعدي، شرح القانون المدني الجزائري، النظرية العامة للالتزامات، ج. 1، الطبعة الاولى، 1992-1993، عين مليلة  - الجزائر، ص. 387 وما يليها .
12) " كالحوادث الطبيعية من فيضان ماء وقلة امطار وزوابع وحريق وجراد وكهجوم جيش العدو او فعل الامير" .
13) الفقرة الثالثة من الفصل 283، م ل ع .
14) الفقرة الاخيرة من نفس الفصل، كما يراجع : محمد المالقي، محاضرات في شرح القانون المدني التونسي، كلية الحقوق والعلوم السياسية والاقتصادية، مركز الدراسات والبحوث والنشر تونس، 1980، ص. 267 .
15) محمد الزين، مرجع سابق، ص. 277، فقرة رقم 370 وما يليها .
-----------------------------
ان تقدير العناصر المحتج بها من طرف المدين، بهدف التفضي من المسؤولية تعتبر من المسائل الموضوعية ويرجع النظر فيها لمحاكم الموضوع دون رقابة عليها من محكمة التعقيب الا من حيث التعليل (16). ولاجل هذا لا يعتقد ان يؤاخذ قضاة القانون على الحكم المنشور اعلاه كونه لم ياخذ بعين الاعتبار السبب الذي حاول الناقل البحري ان يبرر بواسطته افراغه الحمولة في غير الميناء المتفق عليه. وعلل الحكم المتخذ صرفه النظر عن ذلك بان هذا السبب لا يشكل قوة قاهرة .

لكن ربما يلاحظ على هذا الحكم انه"اختزل" اعتباره عدم توفر شروط القوة القاهرة، دون ابراز العناصر التي لم يرها متوفرة اي هل هي استحالة التوقع ام  استحالة الدفع ام وجود خطا سابق من الناقل قد يكون تسبب في عدم تنفيذ الالتزام بالميناء المتفق عليه ؟ لكن عدم توضيحه لهذا الجانب لن يعتبر من قبيل ضعف التعليل مادام ان يبدو ان كل واحد من هذه العناصر غير متوفر في السبب المثار من طرف الناقل البحري، وهو انه ليس هو الذي يختار الميناء الذي يفرغ فيه حمولة سفنه بل ان الديوان القومي للموانئ التونسية هو الذي يحدد ذلك ويرخص للسفن الارساء بميناء رادس او ميناء حلق الوادي .

لكن حتى في حالة مسايرة منطق الناقل البحري في هذا الدفع، فان هذا يعني انه كان يعرف مسبقا هذا الوضع قبل التعاقد مع الشاحن والاتفاق معه على تفريغ الحمولة بميناء رادس وهو ما تم ذكره في وثيقة الشحن، ورغم ذلك فانه لم يدرج في هذه الوثيقة، في المكان المخصص للميناء المتفق عليه، عبارة تفيد مثلا : " …. او اي ميناء مجاور تحدده السلطة المختصة" اي الديوان القومي للموانئ التونسية، ويمكن اعتبار، انطلاقا من عدم وجود اي بيان ومن هذا القبيل، ان عنصر انعدام التوقع غير متوفر. وغياب هذا العنصر كاف لصرف النظر عن السبب الاجنبي المثار مادام ان الشروط الانف ذكرها من الواجب توفرها معا ويجوز الاكتفاء ببعضها.

ذلك ان عدم امكانية التوقع لا يؤخذ بعين الاعتبار الا اذا ثبت زمن التعاقد (17) اي قبل ابرام العقد. والامر ليس كذلك في هذه النازلة، علما ان الناقل البحري محترف للنشاط الذي يتعاطاه بصفة عادية مقابل اجرة مما يبرر ايضا الصرامة التي سلكتها المحكمة تجاهه عند النظر في المبرر الذي اثاره وطلب اعتباره من قبيل القوة القاهرة. وما دام ان عدم امكانية التوقع غير متوفرة، فانه لا توجد جدوى من التاكد مما اذا كانت استحالة الدفع يمكن اعتبارها قائمة .
----------------------
16) على سبيل المثال : قرار مدني تعقيبي عدد 7713 في 8 ابريل 1971، م ق ت. سنة 1972 عدد 6، ص. 43، قرار تعقيبي مدني، عدد 1048 في 6 ابريل 1978، ن م ت. 1979، ص. 173 .
17) محمد الزين، مرجع سابق، ص.277، فقرة رقم371، ويراجع ايضا:
Slaheddine Mellouli, op. Cit. , p. 233. 
----------------------
لكن التساؤل الذي قد يتبادر للذهن يتعلق بمعرفة هل يمكن اعتبار ان وجوب خضوع سفن الناقل البحري - مثلما ذكر - لتعليمات الديوان القومي للموانئ التونسية فيما يخص ميناء الارساء من قبيل " فعل الامير" الذي يعتبره الفصل 283 م ل ع يشكل قوة قاهرة ؟ الا ان الجواب على هذه النقطة لا يكون الا بالنفي لنفس الاسباب الانف شرحها ومادام ان هذا السبب معروف مسبقا لدى الناقل، بل اكثر من ذلك يفترض فيه انه كان يتوقع حصوله مادام ان نشاط النقل مهنته وليس من الصعب عليه الاحتياط منه على الاقل بتنبيه الشاحن الى امكانية تغيير الميناء في حالة صدور تعليمات من السلطة المختصة تلزم الناقل بذلك (18) .

كما ان عدم اخبار الشاحن مسبقا لهذا الاحتمال يمكن اعتباره ايضا خطا سابقا من الناقل اذ ان كل متعاقد يتحمل التزاما باعلام الطرف الذي يتعاقد معه بكل ما يهمه بخصوص ظروف تنفيذ العقد المبرم (19).
لكن اذا كان الاتجاه الذي نحا اليه الحكم المنشور اعلاه فيما يخص مبدا مساءلة الناقل البحري سليما على ضوء احكام الفصلين 282-283 م ل ع يتجه للتاكد من مدى مراعاة هذا الاتجاه كذلك لاحكام المجلة التجارية البحرية التي تنص بدورها على حالات يعفى فيها الناقل البحري من تحمل التبعة في حالة عدم تنفيذه العقد حسب الشروط المتفق عليها .

ب‌- تقييم السبب المثار من الناقل على ضوء احكام المجلة التجارية البحرية .
علاوة على القوة القاهرة او الامر الطارئ، فان الفصل 145 م ت ب لئن يستفاد منن فقرته الاولى انه يضع على عاتق الناقل البحري قرينة المسؤولية " لضمان" جميع ما يلحق البضاعة من تلف او تعيب او اضرار لعدم بذل عناية معقول …." فانه ينص ايضا على امكانية اعفائه من تحمل التبعة اذا اثبت الناقل ان احد الاسباب المشار اليها في اطاره - وعددها تسعة - هو الذي اعاقه عن الوفاء بالالتزام. ان القوة القاهرة والامر الطارئ يوجدان من بين هذه الاسباب. تضاف اليها اسباب اخرى يختص بها النقل البحري لما له من مميزات. واخرها السبب الناتج " عن تغيير طريق السفينة…." ولعل هذا السبب يقترب اكثر من الحالة التي بت فيها الحكم المنشور اعلاه مادام ان السفينة كان ينتظر ان تفرغ حمولتها في ميناء رادس الا انها افرغتها في ميناء حلق الوادي .
----------------------
18) يراجع في هذا الاتجاه، محمد المقالي، مرجع سابق، ص. 268 .
19) محمد الزين، مرجع سابق، ص. 240، 241، فقرة رقم 325، والمراجع المشار اليها في الهامش رقم 22 .
----------------------
لكن يتعذر تطبيق هذا السبب على الحالة التي ناقشها  هذا الحكم. ذلك من جهة ان هذا الدفع لم يثره الناقل صراحة ولا يمكن بالتالي للمحكمة ان تؤسس عليه مناقشتها لقضية الحال. ومن جهة اخرى حتى في حالة الافتراض انه قصده ضمنيا عندما اوضح الاسباب التي جعلته يغير الميناء المتفق عليه، فان الحالة التاسعة الواردة في الفصل 145 لا تعتبر تغيير طريق السفينة سببا يعفي الناقل من المسؤولية الا اذا وجد ما يبرره كما يوجب على الناقل ان لا يلجا لهذا التدبير الا بعد اخذ راي الضباط او عميد الملاحين وكل هذه الشروط غير متوفرة في هذه النازلة. اضافة الى كون كل الحالات الواردة في الفصل 145 م ت ب لها طابع استثنائي شانها في ذلك شان كل القواعد القانونية المنظمة لاسباب الاعفاء من المسؤولية. ولا يجوز التوسع في النص الوارد على سبيل الاستثناء. وبالنظر لذلك يصعب اعتبار ان ارساء سفينة بميناء مجاور للميناء المتفق عليه يشكل تغييرا للطريق حسب المفهوم المقصود في الفصل 145 م ت ب .

يضاف الى ذلك ان الفقرة الاخيرة من نفس الفصل تجيز للشاحن ان يثبت ان الضرر الذي لحقه ناتج عن خطا الناقل او مستخدميه ويحبط هكذا السبب الذي يطلب الناقل اعفاءه من المسؤولية على اساسه. وهذا جانب تتكامل فيه الفقرة الاخيرة من الفصل 145 م ت ب مع الفقرة الاخيرة من الفصل 283 م ل ع اذ تلتقيان في كون الخطا المتقدم من المدين لا يجيز تمتيعه بالاعفاء من المسؤولية الذي ينشده. والخطا الذي ارتكبه الناقل المستانف هو عدم اعلامه الشاحن مسبقا بالاحتمال الذي قد يطرا بخصوص ميناء التفريغ مثلما سلف التطرق الذلك اعلاه .

لكن رغم كون الفصل 145 م ت ب. اعتبر القوة القاهرة او الامر الطارئ من بين الاسباب التي تعفي الناقل من المسؤولية، فان احكام المجلة التجارية البحرية لا تتضمن تعريفا لهذين السببين. وفي هذا المجال من البديهي الاعتماد على التعريف الوارد في الفصل 283 م ل ع بوصفه نصا عاما. وهو ما يؤدي الى اعتبار النتيجة التي توصل اليها الحكم المنشور اعلاه تكون وجيهة حتى عند النظر اليها على ضوء الفصل 145 م ت ب هذا مع ان الحالات التي يمكن ان تشكل قوة قاهرة في مجال التجارة البحرية لها بدورها مميزاتها حسب طبيعة هذا النشاط وهو ما يفسر كون الاسباب المستمدة من رداءة الاحوال الجوية او الزوابع تشكل من بين الحالات التي تطرح على المحاكم بعدد يفوق حالات اخرى. وبخصوصها ايضا طبق عليها فقه القضاء نفس الشروط الواردة في القاعدة العامة وهو ما جعل محكمة التعقيب لا تعتبر رداءة الاحوال الجوية في رحلة بحرية من قبيل القوة القاهرة معللة ذلك بعدم توفر شرط عدم امكانية التوقع مادام انها رات ان مثل هذه الحالات لا تخفى على ممارسي هذه الرحلات. ولعلها ذهبت في نفس القرار الى اكثر من ذلك لاثبات عدم توفر شرط امكانية التوقع ولمعانية ثبوت خطا متقدم من الناقل يتمثل في كون " ربان السفينة لم ياخذ بنشرة الرصد الجوي التي افادت بتوقع الزوبعة التي تعرضت لها السفينة …" (20) .

ونفس التشدد توخاه فقه القضاء في بعض الانظمة المقارنة حتى بالنسبة لحالات الزوابع البحرية التي اعتبرها قوة قاهرة، اذ لا تكون كذلك الا اذا بغلت قوتها 8 درجات على الاقل ولو وقعت في شهر نوفمبر (21). او كانت قوتها تترواح بين 8 و10 درجات مما يجعلها من قبيل ما يصعب التغلب عليه (22) .
لكن بغض النظر عن عدم توفر شروط القوة القاهرة المثارة من طرف الناقل في قضية الحال، حتى على ضوء احكام الفصل 145 م ت ب، فان التساؤل الذي يطرح نفسه يتعلق بمعرفة هل كان بامكان الناقل البحري التمسك باعمال القياس على القاعدة الواردة في الفصل 181 من نفس القانون. الا ان الملاحظ ان الناقل استدل بالفصلين 12 و20 من وثيقة الشحن واجابته المحكمة بانهما لا ينطبقان على النزاع. الا انه لم يثر - لا في الطور الابتدائي ولا في المرحلة الثانية - اي دفع مستمد من الفصل 181 الانف الذكر، رغم انه كان يمكن ان يفيده لو طلب اعمال القياس على اساسه .

يستفاد من هذا النص انه " اذا حال الحصار او اية قوة قاهرة اخرى دون دخول السفينة الى الميناء المقصود فعلى الربان اذا لم تصدر له اوامر في الموضوع او كانت الاوامر التي تلقاها متعذرة التنفيذ ان يقوم بما فيه منفعة المستاجر اما بالذهاب الى ميناء مجاور او بالرجوع الى المكان الذي اقلع منه". حقا ان هذا النص لئن ورد ضمن العنوان الثالث المخصص لعقود النقل البحري، فان الفصل الانف الذكر ورد في الباب الاول من هذا العنوان اي المخصص للقواعد العامة " لمشارطة ايجار السفينة". والحال ان النزاع الذي بت فيه الحكم المنشور اعلاه تم بواسطة وثيقة الشحن. مع ذلك فان الحالة التي تطرق اليها الفصل 181 بخصوص المؤجر، يبدو انها يمكن ان تعترض ايضا ناقلا بحريا يقوم بنشاطه بواسطة وثيقة شحن، وبالتالي لا يوجد تعارض بين الحالتين اذا ما منعت  السفينة من الدخول الى الميناء المتفق عليه اما بسبب حصار او اية قوة قاهرة اخرى. فالفصل 181 يوجب عندئذ على الربان (23) …. ان يقوم بما يراه في منفعة المستاجر ومن ذلك الذهاب الى ميناء مجاور .
---------------------
20) قرار تعقيبي مدني عدد 12710 في 6 مارس 1986، ن م ت. 1986، ج. 1، ص. 209
كما تراجع الاحكام الاخرى المشار اليها من طرف صلاح الملولي، مرجع سابق، ص. 226، هامش رقم 69 (باللغة الفرنسية) .
21) Bordeaux 9 octobre 1985, B.T. 86, 410, cité par Maritime Remond_Gouilloud, op. Cit. , P. 334, n° 585.
22) قرار تجاري عن المجلس الاعلى المغربي، 11 مارس 1985، م م ق 1986، عدد 3، ص. 160، لكن هذا الحل لم تتبعه المحكمة الابتدائية بالدار البيضاء رغم ان الامر يتعلق بزوبعة بحرية بلغت قوتها 10 درجات وقعت في شهر دجنبر اذ اعتبرت المحكمة ان تلك الفترة تكثر فيها الزوابع على المغالاة في التشدد الذي عومل به الناقل من طرف محكمة الدرجة الاولى للعاصمة الاقتصادية المغربية ( حكم ابتدائية الدار البيضاء، 2 اكتوبر 1986، م م ق 1986، عدد 5،  ص. 298 ) .
23) وهو تابع للمؤجر والناقل .
---------------------
في النزاع موضوع المناقشة الحالية، لعل الناقل البحري وجد نفسه في وضعية مشابهة، اذ حسب ذكره لم يرخص له في الدخول الى ميناء رادس المتفق عليه، وانما حدد له ميناء حلق الوادي ليفرغ فيه حمولة السفينة .
بالنسبة لعنصر القوة القاهرة ما دامت انها غير واردة مثلما سلف شرحه، فان نفس الحل يطبق في شانها حتى في حالة التمعن فيها على ضوء الفصل 181. لكن هل يمكن اعمال القياس على الحالة الاولى المشار اليها في هذا النص، وهي حالة الحصار لكي نستنتج انه تعذر على الناقل الارساء بالميناء المتفق عليه للسبب الذي سبقت الاشارة اليه، وبالتالي يكون قد نفذ العقد على الوجه المطلوب بدون جواز مساءلته، مادام انه على ضوء الوضع الذي وجد نفسه فيه، اتجه الى ميناء مجاور وبذلك يكون قد قام بما فيه منفعة الشاحن ؟

يبدو انه من الصعب اعمال القياس بين هذه الحالة والحالة التي ينظمها الفصل 181. اذ بغض النظر عن هذا النص ينظم النقل بواسطة " مشارطة ايجار" فان الطابع الخاص لمجلة التجارة البحرية لا يجيز التوسع في تاويل قواعدها  سيما وان الفصل 209 الذي يوجب بالخصوص تحديد " المكان المقصود" الوارد في الفصل 181 لها مدلول خاص يتجاوز عدم ترخيص  ديوان الموانئ لسفينة بالارساء في الميناء المقصود بل تعين حالات محاصرة السفينة في زمن حرب من طرف قوات معادية مما يجعلها في وضعية تعيقها عند دخول الميناء المقصود (25) .
ان وجود هذه الفوارق يقلص بشكل هام من حظوظ التوفق في حالة اللجوء الى القياس. الذي يبقى غير وارد في هذه النازلة بالذات لسبب اخر اساسي وهو ان الناقل لم يطلب تطبيقه، ويتعذر على المحكمة اثارته من تلقاء نفسها .
------------------------
24) حسب الفصل 214 من م ت ب.
25) وهو ما يبعث على الاعتقاد ان القياس في هذه الحالة غير جائز لكونه يشكل خرقا للفصل 532 م ل ع الذي يعتبر ان " نص القانون لا يتحمل الا المعنى الذي تقتضيه عبارته بحسب وضع اللغة وعرف الاستعمال  ومراد واضع القانون" .
----------------------
خاتمة 
لئن استندت المحكمة للحكم الاستئنافي المنشور اعلاه على قواعد تكون اقرب الى احكام مجلة الالتزامات والعقود، فانه لعلها اختارت هذا الاطار لكون مجلة التجارة البحرية، عند استقراء احكامها، يتضح ان الاضرار التي تنضم عواقبها هي عبارة عن خسارة تلحق بالمرسل اليه بالخصوص نتيجة تلف البضاعة او تعيبها (26) كما لا تتضمن  احكام المجلة التجارية البحرية نصا يقر بصراحة البعد القانوني للشروط الوارد ذكرها في الفصل 209 م ت ب. وبالخصوص منها فيما يلزم بذكر المكان المقصود في وثيقة الشحن. ولئن اكد الحكم المنشور اعلاه ان هذه الاخيرة تشكل شريعة الطرفين بما فيها من بيانات، فان الابعاد التي ساهم هذا الحكم في ابرازها تتمثل في كونه اكد ان القوة الملزمة لوثيقة الشحن لا تنحصر في الحقيقة في مكان التفريغ المتفق عليه في هذا السند وانما تشمل كل العناصر التي من الواجب الاشارة اليها بصريح الفصل 209 م ت ب .

ومن جهة اخرى رغم عدم تضمن المجلة التجارية البحرية نصا خاصا (27) ينظم اثار الضرر المادي اللاحق بالمرسل اليه شخصيا نتيجة اخلال الناقل بالتزاماته بافراغ الحمولة في الميناء المتفق عليه، فان الحكم الحالي يكون بالضرورة ساعد على سد الثغرة فيما يفيد ان نفس قرينة المسؤولية التي يتحملها الناقل يواجه بها في حالة اخلاله بالتزام بتحقيق نتيجة سواء كان الضرر ناتجا عن مساس بالبضاعة لتلف او عيب او نقص اصابها، او كان الضرر يختلف عن ذلك، يتمثل في خسارة مادية لحقت بالمرسل اليه دون اصابة البضاعة باي ضرر منصب مباشرة عليها. ان الطابع الشمولي لقرينة المسؤولية التي يتحملها الناقل تبرر حق مواجهته بالضمان الذي تعهد به لما تسلم البضاعة وذلك في الحالتين .
-----------------------
26) انظر على سبيل المثال نص الفصول من 145 الى 148. 
27) فيما عدا القاعدة العامة التي تنص على مسؤولية المجهز الواردة في الفصل 131 م ت ب.
-----------------------

* مجلة المحاكم المغربية، عدد 77-78، ص 141.

Sbek net
كاتب ومحرر اخبار اعمل في موقع القانون والقضاء المغربي .

جديد قسم :