-->

العقم وأسباب الخيار



  بقلم ذ/ عبد العزيز فتحاوي
المستشار بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء

ان من ضمن الحالات التي تعرض على القضاء الشرعي، ان تطلب الزوجة تطليقها لعقم زوجها، وثبوت  عدم  انجابه،  واثناء  مناقشات مع بعض السادة القضاة استوحيت فكرة طرق هذا الموضوع، لاسيما، ان جانبا من هذه المناقشات، يصنف العقم ضمن مقتضيات الفصل 56  من مدونة الاحوال الشخصية ويعتبره ضررا يمس الزوجة ويوجب التطليق.
وللوصول الى المبتغى :
يكون حريا بنا ان نصنف حالة العقم، اعتبر ضررا ام عيبا يدخل ضمن اسباب الخيار المتعارف عليها شرعا ؟

أولا - العقم والضرر
بمراجعة لفصول مدونة الاحوال الشخصية المغربية، خصوصا الفصل 56 وكذا مقتضيات الفقه الاسلامي،  تبين ان العقم، لا يمكن  البتة ان يشكل ضررا، ويصنف ضمنه، بدليل ان الفصل 56 استعمل عبارة " اضرار" اذ بالفقرة الاولى منه :
" اذا ادعت الزوجة على زوجها اضراره بها. باي نوع من انواع الضرر، الذي  لا يستطيع معه دوام العشرة بين امثالها،  وثبت ما ادعته وعجز القاضي على الاصلاح بينهما طلقها عليه ..
كما ان الفقه بدوره، استعمل نفس العبارة، فهذا صاحب العاصمية يقول :
ويثـبـــت الاضــــــــــرار بالشـهـــــود                                او بسمـــــاع شـاع فـي الوجــــــود
وان تكن قــــــــــد خالعــــت واثبتـــت                                اضراره ففــــــي اختــــــلاع رجعت
الى ان يقول :
كـــــذا اذا عـــدل بالاضــــرار شهـــــد                               فالرد للخلع مــــع الحلـف اعتمـــــد

وعبارة " اضرار" جاءت على وزن " افعال" اي تقتضي سلوكا ايجابيا من طرف الزوج له يد فيه، كالضرب او التجويع والهجر في الفراش وغيره وتعويفات الفقهاء كلها تنصب في هذا الاتجاه، اي السلوك الايجابي للزوج، فقد عرف الشيخ احمد الدريدير الضرر فقال : " وهو ما لا يجوز شرعا كهجرها بلا موجب شرعي، وضربها كذلك وسبها وسب ابيها، بمثل ما يقع من رعاع الناس" (1) .
كما عرفه الشيخ محمد التاودي يقول : " بضرب وشتم في غير حق او التجويع او عدم الكلام، او نحو ذلك ما يقضي العرف انه ضرر .(2)

واذا كان الضرر المؤدي للتطليق، يقتضي عملا ايجابيا من الزوج على المساق السابق، فان العقم لا يد للخلق فيه بل فهو ( من الواحد الاحد) خالق الخلق سبحانه وتعالى، ومن تم فالعقم لا يصنف ضمن هذه الزمرة وبالتالي فلا يعتبر ضررا يوجب التطليق .

ثانيا : العقم واسباب الخيار
1)  هل يعتبر العقم عيبا ؟
ان ضرورة تاصيل الحالة العقم استدعت طرح هذا السؤال :
أيعتبر العقم عيبا فيستوجب الخيار ؟
للاجابة على هذا السؤال رجعنا الى كتاب الله العزيز، ووقفنا عند قوله سبحانه عز وجل من سورة الشورى : { لله ملك السموات والأرض،  يخلق ما يشاء، يهب لمن يشاء اناثا، ويهب لمن يشاء الذكور ويزوجهم ذكورا واناثا، ويجعل من يشاء عقيما انه عليم قدير } (3) .
وقد فسر ابو عبد الله محمد بن احمد الانصاري القرطبي في تفسيره الجامع لاحكام القران في قوله تعالى : { ويجعل من يشاء عقيما"} أي لا يولد له، يقال رجل عقيم وامراة عقيم، وعقمت المراة تعقم عقما (4) .
ويقال ريح عقيم اي لا تلقح سحابا ولا شجرا، ويوم القيامة يوم عقيم لانه لا يوم بعده. وعقمت المراة تعقم عقما.
----------------------
1)  انظر هامش الصفحة 302 من مؤلف البهجة في شرح التحفة للتسولي ج .ك.
2)  وقال الشيخ محمد عرفة الدسوقي عند شرحه لقول الشيخ احمد الدردير "ولا فلا رد به، اي لا يضر عدم النسل كالعقم، انظر في ذلك الصفحة 278 من .. الدسوقي ج 2.
3)  انظر الآيتين 46 و47 من سورة الشورى .
4)  تفسير الجامع لاحكام القران للقرطبي - صفحة 48 ج . 16.
---------------------
وقال الشاعر :
" عقم النساء فما يلدن شبيهه               ان النســــاء بمـثلـــه عقــم
وحكى النقاش ان هذه الاية نزلت في الانبياء خصوصا وان عم حكمها، فقد وهب الله تعالى للنبي لوط عليه السلام الاناث ليس معهن ذكر، ووهب لابراهيم عليه السلام الذكور ليس معهم انثى،  ووهب لاسماعيل واسحاق عليهما السلام، الذكور والاناث وجعل عيسى ويحيى عليهما السلام عقيمين.
ونستخلص من هذا التفسير، ان العقم طال حتى الانبياء والرسل، وعلى الاتجاه الذي يعتبر العقم عيبا، فهل يصح ان تكون بالانبياء عيوب ؟
للجواب عن هذا السؤال، رجعنا الى مؤلف النبوة والانبياء لمؤلفه محمد علي الصابوني.
اذ يقول : " ان السلامة من العيوب المنفرة هي من خصائص الانبياء الكرام، فانه لا يمكن ان تكون فيهم عيوب خلقية او خلقية" (1)

كما رجعنا الى قوله تعالى في سورة ال عمران :
{ فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب، ان الله يبشرك بيحيى مصدقا بكلمة من الله وسيدا وحصورا ونبيئا من الصالحين }(2) .
لنعرف ما المقصود من قوله تعالى بان يحيى عليه السلام كان حصورا ونستدل به على ان العيوب لا تطال الانبياء، وان العقم اذا طالهم فليس عيبا.
فنجد ان ابن كثير في تفسيره ساق ما جاء به القاضي عياض من كتابه الشفاء اذا يقول هذا الاخير : " اعلم ان ثناء الله تعالى على يحيى انه كان حاصرا حصورا ليس كما قال بعضهم انه كان هيوبا او لا ذكر له بل قد انكر هذا حذاق المفسرين ونقاد العلماء، وقالوا : هذه نقيصة وعيب، ولا يليق العيب بالانبياء عليهم السلام، وانما معناه انه معصوم من الذنوب، اي لا ياتيها كانه حصور عنها، وقيل : مانعا نفسه من الشهوات، وقيل ليست له شهوة في النساء، وقد بان لك من هذا، ان عدم القدرة على النكاح نقص، وانما الفضل في كونها موجودة نعم، يمنعها اما بمجاهدة كعيسى او  بكفاية من الله عز وجل كيحيى عليه السلام،
-------------------
1-  انظر صفحة 50 من مؤلف النبوة والانبياء.
2-  الاية 39 من سورة ال عمران .
------------------
ثم هي في حق من قدر عليها وقام بالواجب فيها، ولم تشغله عن ربه، درجة عليا، وهي درجة نبينا صلى الله عليه وسلم، الذي لم يشغله كثرتهن عن عبادة ربه، بل زاده ذلك عبادة بتحصينهن وقيامه عليهن واكسائه لهن وهدايته إياهن، بل قد صرح انها ليست من حظوظ دنياه هو،  وان كانت من حظوظ دنيا غيره (1).
فقال : (( حبب إلي من دنياكم ))
وقال ابن كثير تعليقا على القاضي عياض :
" هذا لفظه، والمقصود انه مدح ليحيى بانه حصور من الفواحش والقاذورات، ولا يمنع ذلك من تزويجه بالنساء الحلال وغشيانهن وإيلادهن، بل قد يفهم وجود النسل له من دعاء زكرياء  المتقدم حيث قال : { هب لي من لدنك ذرية طيبة } كانه قال ولدا له والله سبحانه وتعالى اعلم".
"ومن ثم نستنسخ قاعدة اصلية، وهي ان الانبياء لا تخلق بهم عيوب، وتبعا لذلك فالعقم اذا كان بهم فليس عيبا، وطالما انه ليس عيبا بالانبياء فليس بعيب في سائر البشر، واذ لم يكن عيبا بسائر البشر فلا يستوجب التطليق". (2)
ثم ان العقم ليس بمرض ولا عيب ونقص بدني او عقلي، وانما هو ابتلاء من الله عز وجل .

وان الولد والعقم يدخل في باب الرزق والهبة الربانية، بدليل ان الاية الكريمة من سورة الشورى، جاء فيها لفظ "يهب".
كما ان العقم لا يخرج عن كونه من متاع الدنيا، فهذا الجليل الرقيب يبين ذلك في الاية 14 من سورة ال عمران : { زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطر المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والانعام والحرث، ذلك متاع الحياة الدنيا، والله عنده حسن المآب } .

وخلاصة القول فان الابتلاء بالعقم كالابتلاء بالفقر سواء بسواء وان امكن اعتبار الفقر عيبا او ضررا لامكن ذلك في العقم.
---------------------
1)  انظر الصفحة 312 من تفسيرات ابن كثير ج. I.
2)  لقد عرف المجلس الاعلى العيب في قراره الصادر بتاريخ 14/04/1982 المنشور بمجلة القضاء والقانون ع. 132 ص 151 بقوله : " العيب هو نقصان بدني او عقلي في احد الزوجين من شانه ان يجعل الحياة الزوجية مضطربة او غير مثمرة لا استقرار فيها".
--------------------
2) موقع العقم من اسباب الخيار غير المتفق عليها
لقد تطرق جانب من الفقه الى اسباب الخيار، او العيوب التي تخول الخيار لاحد الزوجين، من رد صاحبه او البقاء معه، وعددها، ونذكر من ذلك قول الشيخ خليل رحمه الله : "ببرص وعديطة وجذام لا بجذام الاب وبخصائه وجبه، وعنته، واعتراضه، ويقرنا ورتقها وبخرها  وعفلها وافضائها".
وفصل ذلك الحرشي بقوله : " وحاصل العيوب في الرجل والمراة ثلاثة عشر، اربعة يشترك فيها الرجل والمراة، وهي: الجنون، والجذام، والبرص، والعديطة، واربعة خاصة بالرجل : هي الخصاء، والجب، والعنة والاعتراض، وخمسة خاصة بالمراة وهي : القرن، والرتق، والبخر، والعفل، وافضائها. (1)

وعلى الاتجاه الذي يعتبر العقم عيبا فلا ذكر له ضمن اسباب الخيار، المحصورة اعلاه، وقد اشار بعض الفقهاء الى حالة العقم عند مناقشته لاسباب الخيار ولم يعتبرها موجبة للرد، فهذا الحرشي عندما تطرق لقول الشيخ خليل : " وبخصائه وجبه وعنته واعتراضه" علق عليه بقوله : "هذه العيوب المختصة بالرجل يعني ان الزوجة اذا وجدت بزوجها، احد هذه العيوب الاربعة فلها ان ترده منها، الخصي وهو الذي قطع منه الذكر والانثيان وقيده في الجواهر، بما اذا لم ينزل، لان الخيار انما هو لعدم تمام اللذة لا للوط، ولذلك لا ترد العقيم والخصي المقطوع الانثين اذا انزل مثله .".

وشرح الشيخ علي العدوي ذلك بقوله:
" لان الخيار انما هو لعدم تمام اللذة فقط لا لعدم الوطء او عدم الولديه ولذلك لا برد بالعقم يرد بالخصاء قائم الذكر مقطوع الانثين الذي لم ينزل، ولو قلنا لعدم الوطء لما كان رد بذلك".
ونجد ان الفقه عندما عدد العيوب المذكورة والمتفق عليها، فتح المجال لعيوب لم تذكر ولكن قيد الخيار فيها باشتراط السلامة منها مسبقا، فاذا لم يشترط احد الزوجين على الاخر السلامة من عيب معين يمكن ان يظهر، فلا يثبت له الخيار ابدا .
فهذا صاحب العاصمية يقول في ذلك :
" ولا ترد من عمى وشلل                  نحوه الا بشرط يمتثل"
---------------------
(1) انظر ص 236 من مؤلف الحرشي على مختصر خليل ج. III.
--------------------
وقال التسولي في شرح ذلك:
" لا ترد المراة بشيء من العمى والشلل والعور ونحو ذلك(1) من غير العيوب الاربعة التي هي الجنون والجذام والبرص، وداء الفرج الا مع اشتراط السلامة من ذلك الشيء الخاص كاشتراطه كونها سليمة (2) .
والعيوب غير المقررة وغير المتفق عليها، لابد من اشتراط السلامة منها، ولا يعتبر فيها العرف، وهذا ما اكده عبد الرحمن الجزري بقوله : "هذه احكام العيوب التي تجعل لكل من الزوجين الحق في الفسخ، وهناك عيوب اخرى كالسواد والقرع والعمى والعور والعرج والشلل وكثرة الاكل، فانها لا تعتبر الا اذا اشرط احد الزوجين السلامة منها صريحا، ولا يعتبر العرف في هذه الحالة، فان العرف كالشرط في غير النكاح، لان النكاح مبني على التسامح في مثل هذه الامور (3) .

وغرضنا من هذه المنافسة، هو ما اذا كان يثبت الخيار لاحد الزوجين اذا اشترط على الاخر الولديه وعدم العقم، واننا نذهب الى جواز ذلك وامكانيته ما دام ان الفقه اجاز الخيار، اذا اشترط الزوج غنى زوجته وكونها ذات مال، فقد اكد التسولي ذلك بقوله : " اشتراط كونها ذات مال قدره كذا او جميلة، ولو بوصف الولي يوجب الخيار للزوج، اذا وجدها على خلاف ذلك كما في ابن عرفة" .

*
* *
وختاما فان مسالة العقم، لا يمكن لاي مخلوق الجزم فيها براي، فكم من عقيم ولسنوات عدة وبعد جزم الطب، يفاجأ بالقابلية للانجاب، فتتحقق مشيئة الله عز وجل، وهاهو يؤكد سبحانه وتعالى ذلك في سورة الذاريات .
{ وبشروه بغلام عليم، فأقبلت امراته في صرة فصكت وجهها وقالت عجوز عقيم قالوا كذلك قال ربك، انه الحكيم العليم}.
-------------------
1)  ان عبارة " نحو ذلك" تفتح المجال لكل عيب غير العيوب المتفق عليها.
2)  انظر ص 319 من مؤلف البهجة في شرح التحفة للتسولي ح I .
3)  انظر ص 179 من كتاب الفقه على المذاهب الاربعة ج 4، وهذا ما اكده الدسوقي عندما تطرق لقول الدردير " فان عبر بشرط السلامة فلا خيار" اذ يقول فيه "ظاهرة ان العرف ليس كالشرط  وهو ظاهر كلام غيره ايضا ولعل الفرق بين والنكاح وغيره في كثير من الابواب حيث جعل العرف فيها كالشرط والنكاح مبني على المكارمة، انظر ص 280 من حاشية الدسوقي، ج V .
------------------
ويقول ايضا :
{ هنالك دعا زكرياء ربه، قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة انك سميع الدعاء، فنادته الملائكة وهو قائم في المحراب، ان الله يبشرك بيحيى مصدقا بكلمة من الله وسيدا وحصورا ونبيئا من الصالحين، قال رب انى يكون لي غلام، وقد بلغني الكبر وامراتي عاقر، قال كذلك، الله يفعل ما يشاء } .
وقال ابن كثير في تفسير قول الله تعالى { كذلك الله يفعل ما يشاء }:
" اي هكذا امر الله عظيم لا يعجزه شيء" (1) .

------------------------
1-  البهجة في شرح التحفة، ص 319، ج I.
انظر الاية 30 من سورة الذاريات.
انظر الاية 38، 39، 40 من سورة ال عمران.
انظر الصفحة 312 من تفسير ابن كثير، ج I.
-----------------------

* مجلة المحاكم المغربية، عدد 74، ص 67 .


Sbek net
كاتب ومحرر اخبار اعمل في موقع القانون والقضاء المغربي .

جديد قسم : أبحاث قانونية مغربية