-->

التقييد الاحتياطي محمد خيري استاذ التعليم العالي بكلية الحقوق

( تعليق على امر قضائي )
التقييد الاحتياطي
محمد خيري استاذ التعليم العالي بكلية الحقوق
جامعة الحسن الثاني - عين الشق الدار البيضاء

صدر عن المحكمة التجارية بالدار البيضاء امر قضائي في الملف رقم 19129- 4  - 99 بتاريخ 4/12/99 استنادا الى المادة 20 من القانون المحدث للمحاكم التجارية والى المادة 148 وما يليها من قانون المسطرة المدنية والمتعلق بالامور المبينة على طلب .
ويتضمن الامر الصادر عن المحكمة المذكورة ما يلي :
1-    نامر السيد المحافظ على الاملاك العقارية بعين الشق الدار البيضاء  باجراء  تقييد  احتياطي  لفائدة بنك الوفاء على الملك موضوع العقاري عدد 1215/33 الى ان يتم الفصل بصفة نهائية في دعوى ابطال عقد الهبة المذكورة" .
2-    نامر بالرجوع الينا في حالة وجود صعوبة
ومضمون هذا الامر يتضمن شيئين اثنين :
الامر الاول : يتعلق بالتقييد الاحتياطي على مطلب التحفيظ .
الامر الثاني : يتعلق بالرجوع الى المحكمة مصدرة في حالة وجود صعوبة .
وسنحاول بحث كل امر على حدة .

الامر الاول : الامر باجراء تقييد احتياطي على مطلب التحفيظ
1-1-    بالرجوع الى الفصل 85 من ظهير 12 غشت 1913 المتعلق بالتحفيظ العقاري نجده يوضح بكيفية صريحة الغاية من اجراء التقييد الاحتياطي والعقارات التي يمكن اجراء التقييد الاحتياطي بشانها .
فقد ورد في القفرة الاولى من الفصل 85 المذكور ما يلي :
" يمكن لكل من يدعي حقا في عقار محفظ ان يطلب تقييدا احتياطيا قصد الاحتفاظ الموقت بهذا الحق" .
ويستنتج من هذا الفصل بان التقييد الاحتياطي يتعلق فقط بالعقارات المحفظة والتي لها رسم عقاري وليس مجرد مطلب، ولهذا فلا مكن المطالبة باجراء تقييد احتياطي على العقارات التي توجد في طور التحفيظ .

1-2-    والظاهر ان المحكمة وقعت في خلط بين مجرد مطلب التحفيظ والذي يعتبر فيها العقار في وضعية خاصة تسمى بعقار في طور التحفيظ اي ان مسطرة التحفيظ جارية ولم يتخذ المحافظ بعد قراره بشان تاسيس الرسم العقاري، وبين عقار محفظ انتهت بشانه مسطرة التحفيظ ويتوفر على رسم عقاري نهائي .

ولهذا يجب على من يدعي حقا عينيا على عقار في طور التحفيظ ان يلتجئ اما الى اقامة تعرض على مسطرة التحفيظ الجارية ان كان ينازع طالب التحفيظ في ملكيته او في التصرف الواقع بشان العقار طبقا للفصل 84 تحفيظ للقيام بايداع الوثائق اللازمة للتمسك بالحق المطالب به، واذا لم تتم المطالبة بهذه الحقوق خلال مسطرة التحفيظ فانه يستحيل على المدعى بهذا الحق ان يطالب به بعد التحفيظ ولو عن طريق التقييد الاحتياطي .

1-3-    وهناك تفسير اخر وهو ان المحكمة ربما اعتمدت على مقتضيات الفصل 172 من ظهير 2 يونيه 1915 المحدد لتفاصيل تطبيق نظام التحفيظ العقاري والذي ورد في ما يلي :
" في حالة الاستعجال يمكن لرئيس المحكمة في مختلف حالات الرهون الاجبارية ان يامر بناء على طلب بكل تسجيل تحفظي او تقييد احتياطي، ولا يكون لهما اي اثر لغاية الحكم النهائي المطلوب تسجيله …" ومع ذلك فهذا الفصل بدوره لا يتعلق بمطالب التحفيظ بل يتعلق بحالات الرهن الاجباري التي يمكن تقيدها على العقارات المحفظة بناء على حكم قضائي ولو بدون رضى المدين وفي حالة الاستعجال يمكن اللجوء فيها الى الرهن الجبري محددة حصرا .

1-4-    وللزيادة في التوضيح ينبغي الاشارة الى ان تقييد الاحتياطي وان كان يتعلق بالعقارات المحفظة وحدها فهو ليس تسجيلا بالمعنى الصحيح اذ لو كان كذلك لاصبح الحق ثابتا منذ تسجيله فهو عبارة عن اشارة بالتسجيل توضع على السجل العقاري ولا يمكن اعتباره تسجيلا بالمعنى القانوني وهذه الاشارة وهذا التقييد الاحتياطي يمكن ان يجرد من كل اثار التقييد ويصبح وكانه لم يكن حسب الحالات. ورغم هذه الصفة الاحتياطية والمؤقتة، فان التقييد الاحتياطي يحفظ لصاحبه رتبة الاولوية في التسجيل، ولولا طريق التقييد الاحتياطي لما احتفظ له بهذه الاولوية. اما العقار الذي يوجد في طور التحفيظ فلا يمكن ان يستفيد من هذه المقتضيات .

وبما ان الامر الصادر بناء على طلب يتعلق في جوهره بالمنازعة بشان ابطال عقد هبة تتعلق بعقار لم يحفظ بعد فمعنى هذا ان عقد الهبة المتنازع بشانه اما ان يكون مودعا بالمحافظة العقارية وفقا للفصل 84 المشار اليه انفا وان مسطرة التحفيظ لا تزال جارية في اسم الواهب ان كان هو طالب التحفيظ ووقع ايداع عقد الهبة لياخذه المحافظ بعين الاعتبار اثناء انشاء الرسم العقاري بحيث اذا قرر المحافظ تاسيس الرسم العقاري فيتم تاسيسه اولا في اسم طالب التحفيظ ثم يعمل بعد ذلك على تقييد عقد الهبة المودع طبقا للفصل 84 تحفيظ .

واذا لم يتم اللجوء الى هذه الوسيلة فيتعين على المستفيد من الهبة عند ايداعه لعقد الهبة طلب اجراء خلاصة اصلاحية لتصبح مسطرة التحفيظ جارية في اسم المستفيد من الهبة ان كانت تشمل كامل العقار موضوع مطلب التحفيظ .
حيث يتعين نشر الخلاصة الاصلاحية بالجريدة الرسمية على اعتبار ان طالب التحفيظ الاصلي لم تبق له الصفة في متابعة المسطرة وكل منازعة تتعلق بهذا المطلب يجب ان تكون موضوع تعرض لا موضوع تقييد احتياطي.

1-5-    ان الامر الصادر عن المحكمة لم يكتف بمطالبة المحافظ باجراء التقييد الاحتياطي بل طالب بالابقاء عليه الى غاية صدور حكم نهائي في الموضوع .
وفي هذا مخالفة صريحة لمقتضيات الفصل 86 تحفيظ عقاري الذي بين بان التقييد الاحتياطي بموجب اذن من رئيس المحكمة ينتج مفعوله لمدة ستة اشهر، ويظهر ان الامر الصادر تجاوز مفهوم النص وامر المحافظ باجراء التقييد الاحتياطي على المطلب رغم عدم امكانية ذلك مع ابقاء هذا التقييد قائما ان يتم الفصل في دعوى ابطال الهبة .
فلكي يبقى مفعول التقييد الاحتياطي ساريا، يجب ان يتم بناء على مقال الدعوى حيث تودع نسخة منه بالمحافظة العقارية خلال اجل شهر من صدور الامر الاستعجالي .

1-6-    الاوامر المبنية على طلب هل تحتاج الى تعليل ؟
ان الاوامر القضائية الصادرة بناء على طلب لا تخضع مبدئيا لاي شكل معين ولكن مسالة التعليل ينبغي التمييز فيها بين حالة قبول الطلب ورفضه .
فقبول الطلب لا يستلزم مبدئيا التعليل سوى الاستناد الى النصوص القانونية التي توضح اختصاص المحكمة للبث في مثل هذه الطلبات وكذا المقتضيات التي تنص على هذه الاوامر الفصول 148 وما يليها من قانون المسطرة المدنية .

اما رفض الطلب فيستوجب التعليل لان صاحب الطلب يهمه معرفة اسباب الرفض لاستئنافه ان بدا له ان رفض المحكمة غير مبني على اساس .
ونرى بان التعليل ينبغي ان يكون في كلتا الحالتين .
فبالنسبة للامر الذي نحن بصدده نرى بان صيغته جاءت ناقصة حيث اكتفت المحكمة بذكر ما يلي :
بناء على المادة 20 من القانون رقم 53-95 المحدث للمحاكم التجارية والمادة 148 وما يليها من قانون المسطرة المدنية .
وحيث ان الطلب وجيه ومعلل
وقد كان على المحكمة ان تستند في امرها هذا على المقتضيات القانونية المرتبطة بالاجراء المطلوب وهو التقييد الاحتياطي مع اضافة : وبناء على الفصلين 85 و86 من ظهير 12 غشت 1913 المتعلق بالتحفيظ العقاري. اذ ستمكن المحكمة من الرجوع الى هذين الفصلين قبل استصدار امرها للتعرف على مدى انسجام الطلب المقدم مع مقتضيات المذكورة ام انه مخالف لها .

1-7-    كما ان صيغة الامر الموجهة للمحافظ غير واردة في نص المادة 86 الذي يشير الى الاذن وليس الامر وقد كانت نماذج الامر بالتقييد الاحتياطي المعمول بها بالمحاكم تستعمل العبارة التالية : ناذن للسيد …. بتسجيل التقييد الاحتياطي في الرسم العقاري رقم …. وذلك لضمان حقه ( بيع او شفعة مثلا ) (1) .

الامر الثاني : نامر بالرجوع الى المحكمة في حالة وجود صعوبة .

القاعدة ان الاوامر الاستعجالية تكون مشمولة بالنفاذ المعجل وبقوة القانون ولهذه الغاية تذيل الاوامر الصادرة عن المحكمة عادة بالصيغة التالية :
نصرح بالرجوع الينا في حالة وجود صعوبة والملاحظ ان المحكمة استعملت عبارة " نامر" بدل نصرح وهي صياغة في غير محلها .

3- موقف المحافظ من الامر الصادر
ان محافظ الملكية العقارية الموجه اليه الامر سيجد نفسه مضطرا لعدم تنفيذ الامر الصادر بعلة وجود صعوبة قانونية تتمثل في مخالفة الامر المذكور لمقتضيات الفصلين 85 و86 من ظهير 12 غشت 1913 وهو موقف سليم في نظرنا. فكيف سيتصرف الطرف الذي صدر الامر لصالحه امام قرار المحافظ القاضي بعدم اجراء تقييدا احتياطي على مطلب بناء امر المحكمة

هناك ثلاثة احتمالات :
1-3- الرجوع الى المحكمة مصدرة الامر لاثارة مسالة وجود صعوبة في التنفيذ، وعندها ستتاكد فعلا من وجود صعوبة قانونية لم يتم الانتباه اليها عند صدور الامر وستعمل على الغاء امرها وهو الموقف السليم الذي ينبغي ان تسير فيه المحكمة .

2-3- الطعن في قرار المحافظ بعلة رفض اجراء تقييد احتياطي بناء على امر صادر من المحكمة اعمالا للفصلين 96 و97  من ظهير 12 غشت 1913 .
وسيكون مال هذا الطعن هو الرفض لامحالة لان المحافظ سيتمسك في قراره المتخذ بمقتضيات الفصلين 85 و86 من ظهير التحفيظ العقاري .


-------------
1)    نموذج رقم 10 الامر الاحتياطي الصادر في كتاب الامر في القانون القضائي المغربي، دليل عملي، وزارة العدل .
-----------
3-3- الاستغناء عن اجراء التقييد الاحتياطي بالمرة والبحث عن الاجراء السليم الذي يحفظ للمعني بالامر حقوقه .

الاستنتاجات
يستنتج من هذا التحليل ما يلي :
1-    ان دفاع الطرف الصادر لفائدته وقع في خلط بين مجرد مطلب للتحفيظ وبين العقار المحفظ مما جعله يسير في اجراءات لا تدخل في نطاق التقييدات الاحتياطية، وفي ذلك ضياع للجهد وللوقت ولربما لمصالح الطرف المعني وتكليف للمحكمة بفتح ملف بدون طائل .
2-    ان المحكمة سايرت دفاع المعني بالامر في طلباته ومن غير ان تتاكد من مطابقتها للمقتضيات القانونية المتعلقة بموضوع الاجراء المطلوب، مما ادى الى نتيجة سلبية تمثلت في عدم تنفيذ الامر الصادر من طرفها، وقد كان بالامكان تلا في ذلك بداية حرصا على مصداقية الامر والقرارات الصادرة عن المحاكم .
ولعل مرد ذلك راجع بالاساس الى الضغط الذي تعاني منه المحاكم عموما في عدد الملفات المعروضة عليها في هذا المجال مما لا يسمح لها بتفحص جميع الطلبات بالدقة والعناية اللازمتين .
3-    الاستنتاج الثالث والاخير هو الانطباع الذي سياخذه المحافظ عن مثل هذه الاوامر وحتى الاحكام التي تصدر في ميدان التحفيظ العقاري والتي لن تجد طريقها للتنفيذ لمعارضتها لبعض احكام قانون التحفيظ العقاري .
وان الضرورة تستوجب بذل العناية والاهتمام اللازمتين للقضايا العقارية عموما والعقار المحفظ خصوصا من طرف كل المتدخلين في هذا المجال سواء القضائية او غير القضائية .

* مجلة المحاكم المغربية، عدد 84، ص 202 .

Sbek net
كاتب ومحرر اخبار اعمل في موقع القانون والقضاء المغربي .

جديد قسم : التعليق على الاحكام و القرارات