-->

المحاماة صنو القضاء ومشكاته



بقلم القاضي على الزكور
المستشار في محكمة جنايات حلب



المحاماة مهنة حرة تؤدي خدمة عامة، وهي ذات غايات قومية وانسانية تستهدف الدفاع عن الحقوق الطبيعية، والموضوعية، للافراد والوطن والامة والانسانية، وهي تسعى لتحقيق الوحدة والتقدم، وبناء المجتمع العربي الاشتراكي الموحد، وتامين سيادة القانون للجميع تحت شعار الحق والعروبة(1). وهي قديمة كالقضاء وشريفة كالفضيلة، ولازمة كالعدالة، ولا توجد مهنة اكثر منها جمالا ولا احق منها الانشغاف، وهي المهنة التي يمكن ان تجعل صاحبها نبيلا ولو كان من اصل وضيع، وان تجعله غنيا دون وفرة المال والسحت، وان تجعله كبيرا دون الجاه الفارغ وسعيدا دون الثروة المادية. ففي هذه الصناعة يلتقي النبوغ والتفوق والجاه مع الثروة الادبية وايضا المادية(2).

وقد عرفها البشر منذ عرفوا القضاء وأدركوا معنى الحق والحياة ، وانصرفوا عن استعمال القوة والسيطرة والهمجية في حل الخصومات والمنازعات بينهم.

والقضاء كما يقول ابن خلدون هو" منصب الفصل بين الناس في الخصومات حسما للتداعي وقطعا للتنازع". وهو وتلك المهنة او الصناعة الشريفة الرفيعة التي تصنع الاساس المتين للدول الراقية الا وهو العدل الذي يعتبر بحق اساس الملك على مر الدهور والعصور.

والقضاء والمحاماة هما صنوان في دوحة العدالة وصرحها الشامخ. وهما اداة حضارية شاملة تبعث في الامة الحياة والقدرة والنمو. وتحقق الاستقرار والامن والسعادة، وتقضي على الظلم والجشع والفساد وتنشر الحرية والمساواة بين الناس، وتسعى  لسيادة القانون. والقضاء والمحاماة يقتبسان صفة من صفات الخالق عز وجل (3). فالحكم صفة من صفات الله تعالى حيث يقول في سورة الانعام: { ان الحكم الا الله يقص الحق وهو خير الفاصلين}. أي يتتبع الله تعالى الحق ويحكم به وهو خير الحاكمين على الاطلاق.
ويقول ايضا في سورة الرعد: { ولله يحكم لا معقب لحكمه وهو سريع الحساب}.
أي الله سبحانه وتعالى يحكم في خلقه بما يشاء ولا راد لحكمه وهو سريع المحاكمة.
ويقول في سورة التين: { أليس الله باحكام الحاكمين} أي هو اقضى القاضين ويستحسن ان يقول القارئ والسامع لهذه الاية: " بلى وانا على ذلك من الشاهدين" كما ورد في الحديث النبوي الشريف.
والدفاع عن الضعفاء والمظلومين واصحاب الحقوق صفة من صفات الله تعالى ايضا(4) حيث يقول في سورة الحج: { ان الله يدافع عن الذين امنوا ان الله لا يحب كل خوان كفور}.
أي ان الله تعالى يتولى الدفاع عن  المؤمنين الصادقين تجاه المشركين الخائنين للامانة والكافرين بنعم الله.
فالقضاء الذي يحقق العدل الذي هو اساس الملك بحاجة الى من ينير له الطريق(5) ويبدد الظلمة ليصل الى الحق المجرد ويحكم به.

وهنا ياتي دور المحاماة في البحث عن الادلة وتقديمها الى القضاء وفي ابراز الواقعة واماطة اللثام عن جوانبها الخفية وتوضيحها بشكل لا يدع مجالا لاي لبس او غموض لكي ياخذ العدل مجراه. فالمحاماة اذن هي صنو القضاء ومشكاته في ان واحد وهي التي تساعد في الكشف عن الحقيقة وعن طريقها يصل القضاء الى احقاق الحق والحكم بالقسط والعدل.

ولهذا فقد درجت القوانين على وجوب الاستعانة بالمحامين في القضايا الجنائية وقضايا الاحداث ونصت المادة 104 من قانون اصول المحاكمات على انه لا يجوز للمتداعين - من غير المحامين - ان يحضروا امام المحاكم لنظر الدعوى الا بواسطة محامين يمثلونهم بمقتضى سند توكيل واستثنت من تجيز له المحكمة المرافعة بنفسه في دعوى له او لزوجه او لاقاربه لغاية الدرجة الثالثة والقضايا التي تنظر فيها محاكم الصلح والقضايا الشرعية عدا دعاوي النسب والارث والوقف.

وهكذا نجد بان المحاماة والقضاء صنوان في دوحة العدالة وان المحاماة لا تزدهر وتسمو الا اذا كان هناك قضاء عادل ومستقل وان علينا ان نبحث واجبات المحامين والقضاة لنلتزم بها حق الالتزام وان نشير الى حقوق المحامين والقضاة فنمارسها ونطالب بها ولا نقبل بالتنازل عنها مهما كانت المعوقات والظروف.

واجبات المحامين:
نص قانون المحاماة رقم 14 تاريخ 23/4/1972 على حقوق المحامين وواجباتهم ويمكن تلخيص اهم الواجبات الملقاة على عاتق السادة المحامين بما يلي:
1- على المحامي الذي يسجل اسمه لاول مرة في جدول المحامين ان يحلف امام محكمة الاستئناف بحضور النقيب او رئيس مجلس الفرع او من ينوب عنه اليمين التالية:
" اقسم بالله العظيم ان اقوم باعمالي بامانة ونزاهة وان احافظ على سر المحاماة واحترام القوانين العامة والا اقصر في الاحترام الواجب للمحاكم والسلطات العامة" (6).
2- يحظر على المحامي الذي يتولى عضوية المجالس العامة من تشريعية او بلدية او ادارية قبول الوكالة بنفسه او بواسطة شريكه او أي محام يعمل لحسابه ضد المجالس التي يشترك فيها او الدوائر التابعة لها خلال مدة عضويته(7).
3- لا يجوز لمن تولى وظيفة عامة او خاصة او كان مشاورا حقوقيا لجهة ما وترك العمل ان يقبل الوكالة بنفسه او بواسطة شريكه او أي محام اخر يعمل لحسابه في دعوى ضد الجهة التي كان يعمل لديها.
كما لا يجوز ان يعمل مشاورا حقوقيا ضد تلك الجهة او لدى اية جهة كانت لها علاقة مباشرة بعمله الاصلي وذلك كله ما لم تمض سنتان على انتهاء عمله لدى الجهة المذكورة(8).
4- لا يجوز لمن يمارس المحاماة بعد تركه القضاء ان يقبل الوكالة بنفسه او بواسطة شريكه او اي محام يعمل لحسابه في  دعوى كانت معروضة عليه. ولا يجوز لمن كان محكما او خبيرا في قضية ان يقبل الوكالة فيها(9)
5- لا يجوز للمحامي العربي السوري ان يسجل اسمه في اكثر من نقابة قطرية واحدة (10).
6- على كل محام ان يتخذ مكتبا لائقا ومكرسا لاعمال المحاماة ولا يحق له اتخاذ اكثر من مكتب واحد الا اذا انتخب نقيبا او عضوا في مجلس النقابة فيحق له اتخاذ مكتب اخر في دمشق خلال مدة عضويته فقط (11).
7- على المحامي ان يرتدي اثناء مرافعاته عن الموكلين الرداء الخاص بالمحامين (12). وعليه ان يمتنع عن ذكر ما يمس كرامة الخصم ما لم تستلزم ذلك حالة الدعوى او ضرورة الدفاع، وللمحكمة ان تقرر حذف الالفاظ النابية التي لا مبرر لها. وعليه ان لا يتعدى حدود وكالته وان يسلك الطريق التي يراها ناجعة في الدفاع عن موكله (13).
8- على المحامي ان يسلم موكله النقود  والاعيان التي استلمها لحسابه والاوراق الاصلية التي في حوزته وان يعطي موكله بناء على طلبه ونفقته صورا عن اوراق الدعوى(14).
9- على المحامي ان يتفق مع موكله على اتعابه خطيا ولا يجوز له ان يبتاع الحقوق المتنازع عليها او بعضها ولا ان ياخذ اسنادا للامر بأتعابه ولا ان ينقل ملكية الاسناد لاسمه ليدعي بها مباشرة (15).
10- لا يجوز للمحامي ان يعلن عن نفسه بشكل لا يتفق مع تقاليد المحاماة وان يسعى وراء الموكلين مباشرة او بواسطة احد(16). ويحظر عليه قبول الوكالة ضد من سبق ان توكل عنه في موضوع النزاع وما يتعلق به مباشرة، وعليه ان يمتنع عن ابداء اية مساعدة ولو من قبيل الشورى لخصم موكله في نفس النزاع او في نزاع مرتبط به(17).
11- لا يجوز للمحامي ان يقبل وكالة ضد زميل له في الدعاوى الجزائية الا بعد الحصول على اذن من مجلس الفرع. وعلى ان يبت المجلس المذكور خلال عشرة ايام من ورود الطلب اليه تحت طائلة اعتبار الموافقة حاصلة حكما(18).
12- على المحامي تلبية  التكليف الصادر عن رئيس الفرع او الطلبات التي ترد من المحاكم او من قضاة التحقيق مباشرة اذا كان هنالك قرار من لجنة المعونة القضائية. او اذا لم يجد احد المتخاصمين من يقبل التوكل عنه او اذا تعذر على الوكيل ممارسة المهنة والى ان يقوم الموكل بتوكيل محام اخر ويقوم تكليف السلطات القضائية او رئيس مجلس الفرع او ممثله مقام الوكالة الصادرة عن صاحب الشان (19).
هذه هي اهم المجلات المترتبة على المحامين وكل مخالفة لها تستدعي المؤاخذة المسلكية امام مجلس الفرع.

واجبات القضاة:
نص قانون السلطة القضائية الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 98 لعام 1961 على حقوق القضاة وواجباتهم ويمكن تلخيص اهم الواجبات الملقاة على عاتق السادة القضاة بما يلي:
1- على القاضي قبل مباشرة وظيفته في المرة الاولى ان يحلف اليمين التالية:
" اقسم بالله ان احكم بين الناس بالعدل وان احترم القوانين". وتؤدى هذه اليمين امام محكمة النقض بهيئتها العامة مؤلفة من الدائرتين المدنية والجزائية اذا كان القاضي من قضاتها وامام محكمة استئناف المنطقة اذا كن من القضاة الاخرين(20).
2- لا يجوز الجمع بين الوظائف القضائية وبين مهنة اخرى او أي عمل تبعي اخر يؤديه بالذات او بالواسطة اذا كان من شانه ان يضر باداء واجب الوظيفة او كان غير متفق مع ما يقتضيه المنصب عدا التدريس في كليات الحقوق(21).
3- لا يجوز للقاضي بغير موافقة مجلس القضاء الاعلى ان يكون محكما ولو بغير اجر ولو كان النزاع غير مطروح امام القضاة "الا اذا كان احد اطراف النزاع من أقاربه وأصهاره لغاية الدرجة الرابعة(22).
4- على  القاضي ان يقيم في البلد الذي به مقر عمله وعليه ان لا يتغيب عن مقر عمله قبل اعلام المرجع المرتبط به وان لا ينقطع عن عمله لسبب غير ملجئ بدون اجازة واذا ادخل القاضي بهذا الواجب نبه الى ذلك كتابة فان عاد رفع الامر الى مجلس القضاء الاعلى(23).
5- يحظر على القضاة ابداء الاراء والميول السياسية. ويحظر كذلك على القضاة الاشتغال بالسياسية(24).
6- لا يجوز للقضاة افشاء السر المداولات (25).
7- لا يجوز ان يجمع في محكمة واحدة قضاة حكم او قضاة نيابة عامة تربطهم ببعضهم صلة مصاهرة او قرابة من الدرجة الرابعة فما دون. واذا وقعت المصاهرة اثناء وجود القاضيين في محكمة واحدة فعلى احد الفريقين ان يقدم طلبا بنقله والا فينقل الصهر(26).
8- على القضاة ان يرتدوا اثناء الجلسات وفي المناسبات خاصة الرداء والشارات التي تحدد بقرار من وزير العدل يصدر بالاتفاق مع مجلس القضاء الاعلى (27).
هذه هي اهم الواجبات المترتبة على القضاة اضافة للواجبات المترتبة عليهم والناجمة عن قانون الموظفين. وكل مخالفة لها تعد زلة مسلكية توجب الاحالة الى مجلس القضاء الاعلى.

حقوق المحامين وحقوق القضاة
لم يكتف القانون بفرض الواجبات على المحامين والقضاة. وانما اقر لهم حقوقا تساعدهم على القيام بهذه الواجبات واهم هذه الحقوق بالنسبة للسادة المحامين هي:

حقوق المحامين(28).
1- حصر مهمة الحضور امام المحاكم وتمثيل المتقاضين والدفاع عنهم بالمحامين ولا يجوز لغيرهم القيام بهذه المهمة وهناك بعض الاستثناءات الطفيفة جدا اقتضتها الضرورة الملحة والمصلحة العامة.
وكذلك حصر مهمة تنظيم عقود الشركات التي يزيد مبلغ التعاقد فيها على ثلاثة الاف ليرة سورية بالمحامين الاساتذة ولا يجوز تحت طائلة المسؤولية القانونية والملاحقة بالتعويض للموظف المختص تسجيل العقود المذكورة اذا لم تكن منظمة من قبل محام استاذ.

2- حرية المحامين في قبول القضايا او رفضها:
المحامون يعملون في مهنة حرة، ولهذا فالمحامي مخير في قبول القضايا او رفضها والامر متروك لتقديره هو بالذات ولكن القانون خرج عن هذه القاعدة في بعض الحالات الضرورية تحقيقا للمصلحة العامة واعتبر قبول الوكالة واجبا وملزما وقد عددنا هذه الحالات في بحث واجبات المحامين ولا حاجة للتكرار كما ان المحامي حر في اعتزال الوكالة التي قبلها الا اذا كانت مبرزة امام جهة قضائية فلا يتم الاعتزال الا ضمن الشرطين التاليين:
أ‌- بموافقة مسبقة من الجهة التي تضع يدها على الدعوى.
ب‌- تبليغ الموكل هذا الاعتزال عن طريق مجلس الفرع مرفقا بموافقة الجهة القضائية المذكورة.
واذا اعتزل الوكيل تستمر اجراءات الدعوى في مواجهته وعليه ان يمضي في عمله الى ان يتم تبليغ موكله او يباشر الموكل الدعوى بنفسه في الحالات التي يجيزها القانون.

3- تقاضي اتعاب المحاماة: يحق للمحامي ان يتقطع اتعابه بشكل ممتاز من المبالغ المحكوم بها لموكله بناء على ابراز وثيقة الاتفاق بينه وبين موكله لدى دائرة التنفيذ بدون حاجة لمراجعة المحكمة وعند وقوع اعتراض من الموكل فان على المذكور مراجعة المحكمة خلال اسبوع من تاريخ الاعتراض للبت في الخلاف. ويبقى في هذه الحالة ما يعادل المبلغ المتفق عليه محجوزا في دائرة التنفيذ، ويكون حكم المحكمة ذات الاختصاص فيما يتعلق بحق المحامي باقتطاع اتعابه بالصورة السابقة قطعيا غير تابع لطريق من طرق المراجعة دون ان يؤثر ذلك على اختصاص مجلس الفرع كما هو وارد في المادة 50 من هذا القانون، حيث جعل من اختصاص مجلس الفرع الفصل في دعاوى تقدير اتعاب المحامين وقراراته تقبل الاستئناف وقرار محكمة الاستئناف مبرم.

4- حرية المحامين في اداء مهمتهم: المحامي حر في ان يسلك الطريق التي يراها ناجعة في الدفاع عن موكله وله ان ينيب عنه في الحضور والمرافعات محاميا اخر على عهدته في دعاواه الشخصية او الدعاوى الموكل بها بكتاب يرسله الى المحكمة ما لم تمنع الانابة سند الوكيل والمتمرن ينوب عن استاذه حكما.
ولكن هذه الحرية لا تعفيه من المسؤولية المسلكية التي تترتب على الاهمال غير المبرر وعلى الجهل الفاضح الصادر عنه او عن من ينيبه فيما اذا سبب  ضررا لموكله ويستلزم تضمين المحامي الاضرار اللاحقة بموكله من جراء ذلك.

5- حقوق المحامين في الاتعاب المحكوم بها:
ان نصف اتعاب المحامين المحكوم بها تؤول الى صندوق تقاعد المحامين، والنصف الاخر يؤول الى صندوق تعاون الفرع على ان يدفع فورا وحين اخراج الحكم وتوزع على جميع المحامين الاساتذة بالتساوي في نهاية كل شهر. ولهذا فلم يعد ثمة مجال للحكم بتهادر الاتعاب.

6- حصانة المحامين(29): لكل انسان ان يدافع عن حقه امام القضاء دون ان يخشى التعرض لاية مسؤولية بسبب هذا الدفاع. ولا تترتب اية دعوى ذم او قدح على الخطب والكتابات التي تلفظ  او تبرز امام المحاكم عن نية حسنة وفي حدود حق الدفاع القانوني المادة 407 ع وان هذا المبدا العام يشمل المحامين دون ادنى ريب لانهم يعملون بالنيابة عن موكليهم ويستفيدون من جميع الحصانات المقررة لصالح موكليهم ومع ذلك فقد نص قانون المحاماة رقم 14 لعام 1972 في الفقرة الثانية من المادة 53 على هذا المبدا كما يلي:
" على المحامي ان يمتنع عن ذكر ما يمس كرامة الخصم ما لم تستلزم ذلك حالة الدعوى او ضرورة الدفاع وللمحكمة ان تقرر حذف الالفاظ النابية التي لا مبرر لها".
واذا بدر من المحامي اثناء المحاكمة ما يعتبر تشويشا مخلا بالنظام وموجبا للمسؤولية التأديبية او الجزائية ينظم رئيس المحكمة محضرا ويرسله الى النيابة العامة ويرسل صورة عنه الى رئيس مجلس الفرع تقوم النيابة العامة باجراء التحقيق وتبلغ رئيس مجلس الفرع ليوفد من يمثل الفرع في التحقيق.
ولا يجوز ان يكون رئيس المحكمة التي وقع فيما الحادث  ولا احد اعضائها من الهيئة التي تحاكم المحامي.

ويرى الزميل القاضي الكبير الاستاذ نصرت منلا حيدر عضو المحكمة الدستورية العليا في بحثه القيم عن حصانة القاضي وحصانة المحامي المقدم الى مؤتمر المحامين العاشر لاتحاد المحامين  العرب المنعقد بدمشق عام 1968: بانه يحق للمحكمة ان تخرج المحامي من الجلسة لان القيد اتى على عدم جواز اتخاذ أي تدبير فيه حجز لحرية المحامي، أي ان ما هو ممنوع على المحكمة هو التوقيف دون ان يمتد الى باقي التدابير ما دامت لا تتضمن حجز الحرية، ومن هذه التدابير الاخراج من الجلسة، وقد نصت عليه المادة 139/2 من قانون اصول المحاكمات وبمقتضاها " للرئيس ان يخرج من الجلسة من يخل بنظامها" غير انه لا يمكنه ان يطبق باقي المادة على المحامي اذا رفض الخروج أي لا يمكنه الحكم عليه فورا بالحبس اربعا وعشرين ساعة او بتغريمه عشر ليرات سورية حكما غير قابل لطريق من طرق الطعن يبلغه الرئيس الى النيابة العامة لتنفيذه ويكتفي بتنظيم المحضر ويرسله الى النيابة العامة.

اما اذا وقع جرم جزائي من المحامي لا علاقة له بنظام الجلسة فلا يتمتع المحامي باية حصانة ويخضع للقواعد العامة المتعلقة بالجرم المشهود واذا كانت الجريمة تدخل في اختصاص المحكمة تفصل فيها في الحال والا فتحيلها مع المدعى عليه موقوفا الى المحامي العام " المادتان 168 و170 من الاصول الجزائية".
وان حصانة المحامين تمتد الى خارج الجلسات التي يجريها المحاكم فتشمل مكتب المحامي حيث لا يجوز تفتيشه او حجزه ولا تفتيش المحامي اثناء مزاولته عمله ولا استجوابه الا بعد ابلاغ رئيس مجلس الفرع ليحضر او يوفد من ينتدبه من اعضاء المجلس ولا يعتد باسقاط المحامي حقه بذلك تحت طائلة بطلان الاجراءات.

ومثل هذه الحصانة للمحامي ومكتبه ضرورية جدا للمحافظة على الاسرار الموجودة لديه وهي من اسرار المهنة التي لا يجوز إفشاءها، وتشمل هذه الحصانة المراسلات التي تجري عادة بين المحامي وموكله فلا يجوز ضبطها واذا  ضبطت قبل ان تصل الى المحامي فينبغي ان تسلم اليه بدون ان تفض كما تشمل المكالمات الهاتفية التي يجريها المحامون عادة مع موكليهم كل ذلك في سبيل المحافظة على اسرار المهنة وحق الدفاع.

7- ومن حقوق المحامين ايضا ان يتصلوا بموكليهم الموقوفين اتصالا حرا وبمعزل عن أي رقيب.
فقد اعطت المادة 72 من قانون اصول المحاكمات الجزائية الحق لقاضي التحقيق ان يقرر منع الاتصال بالمدعى عليه الموقوف مدة لا تتجاوز عشرة ايام قابلة للتجديد مرة واحدة.
ولا يشمل هذا المنع محامي المدعى عليه الذي يمكنه ان يتصل به في كل وقت وبمعزل عن أي رقيب.

8- لقد اكدت الفقرة 6 من المادة 69 من قانون المحاماة رقم 14 لعام 1976 ان القضاء والمحاماة صنوان في دوحة العدالة وصرحها الشامخ وذلك عندما نصت صراحة على ان كل اعتداء يقع على محام خلال ممارسته مهنته وبسبب  ممارسته لها يجعل المعتدي معاقبا  بالعقوبة التي يعاقب بها فيما لو كان الاعتداء على قاض.
هذه هي اهم حقوق السادة المحامين.
اما حقوق السادة القضاة فهي.

حقوق القضاة:
1- القضاة يؤلفون السلطة الثالثة في الدولة:
وهي السلطة القضائية المستقلة ويضمن رئيس الجمهورية هذا الاستقلال يعاونه في ذلك مجلس القضاء الاعلى. ولا سلطان على القضاة في قضائهم لغير القانون (30).

2- حقوق القضاة
هي الضمان الاكيد لاستقلال القضاة في مواجهة السلطة التنفيذية وبالتالي لضمان حقوق المتقاضين وهي صيانة القضاة من العزل والنقل ويتمتع بها جميع القضاة. والمقصود بالعزل هو الصرف من الخدمة والمقصود بالنقل هو النقل من بلد اخر او من وظيفة محددة في مرسوم التعيين الى وظيفة اخرى.

ويدخل في مفهوم الحصانة القضائية عدم السماح باقامة الدعاوى الجزائية على القضاة بصدد الجرائم التي يرتكبونها اثناء قيامهم بالوظيفة او خارجها الا من قبل النائب العام للجمهورية وبناء على اذن من لجنة قضائية مؤلفة من رئيس محكمة النقض واثنين من اقدم  مستشاريها، او بناء على طلب من مجلس القضاء الاعلى عندما يتبين له اثناء محاكمة القاضي المسلكية وجود جرم جزائي وليس للمدعي الشخص ان يحرك دعوى الحق العام في هذه الجرائم.

3- العطلة القضائية والإجازات: 
يستفيد القضاة في كل سنة من اول تموز لغاية أيلول من العطلة القضائية وتنظم هذه العطلة بقرار من مجلس القضاة الاعلى كل عام ويستفيدون ايضا من الإجازات المحددة بقانون الموظفين(31).

4- يستفيد القضاة من أحكام الترفيع 
المبينة في قانون الموظفين ويتقاضى المثبتون منهم تعويض مكتبة قدره مائة ليرا سورية اضافة الى الراتب وذلك تأمينا لشراء المراجع الفقهية والقانونية.

5- الأقدمية(32). 
تحدد اقدمية القضاة بقرار يصدر عن مجلس القضاة الاعلى ويفيد في معرفة القاضي الذي يراس الجلسة في المحاكم الجماعية اذا تساوى قضاتها في الدرجة كما يفيد في احقية الترفيع وباحقية التقدم في المراسم اذ يتقدم في المراسم القاضي الاعلى درجة ومن ثم الاقدم في الدرجة الواحدة. وان القضاة الذين مارسوا اعمالهم القضائية مدة لا تقل عن خمس عشرة سنة يتمتعون عند تركهم الوظيفة بالامتيازات الادبية لهذا المنصب على ان يتقدمهم من هم في مرتبتهم من القضاة العاملين. ويلي رئيس محكمة النقض الوزراء في التقدم ومنصب الشرف.

6- الإحالة على التقاعد والاستقالة(33)
يحال القضاة حكما على التقاعد عند إكمالهم ستين سنة شمسية ولا يجوز تمديد خدمتهم ولا حرمانهم من التقاعد لاي سبب، واستثناء من احكام قانون موظفي الدولة وقوانين التقاعد لا يترتب على استقالة القاضي سقوط حقه في التقاعد او التعويض وفي هذه الحالة يسوى تقاعد او تعويض القاضي على اساس اخر مرتب كان يتقاضاه كما يسوي مرتبه التقاعدي او تعويضه على هذا الاساس في جميع احوال احالته على التقاعد.

وتحسب المدة التي مارس فيها القاضي المحاماة بالفعل في حساب التقاعد بشرط ان يدفع عنها العائدات التقاعدية على الا تقل خدمته في القضاء والدوائر القضائية عن خمس عشرة  سنة كاملة ما لم  يحل دون اتمامها المرض او الوفاة، ويتخذ الراتب الاول الذي يتقاضاه القاضي اثر تعيينه للوظيفة بعد مدة المحاماة المذكورة مباشرة، اساسا لحساب العائدات التقاعدية وتحسب هذه العائدات وفقا لاحكام قانون التقاعد النافذ المفعول عند التعيين.

7- لقد حرص قانون العقوبات على سمعة القضاة وكرامتهم: 
فشدد عقاب من يتعرض لهم في جرائم صرف النفوذ او جرائم التحقير او القدح والذم او اعمال الشدة والعنف وذلك لكي يحول بينهم وبين ذوي النفوس الضعيفة الذين تحدثهم انفسهم بالاعتداء على رجال القضاء.
هذه هي اهم حقوق السادة القضاة اشرنا اليها بايجاز واختصار مع حقوق السادة المحامين للتذكير والمقارنة.

هذا، ولابد من الاشارة مرة ثانية الى ان قانون المحاماة رقم14 لعام 1976 حذا حذو قانون العقوبات فنص في المادة 69/6 على ان كل اعتداء يقع على محام خلال ممارسته مهنته وبسبب ممارسته لها يجعل المعتدي معاقبا بالعقوبة التي يعاقب بها فيما لو كان الاعتداء على قاض وهذا مذهب عادل وحيد ويؤكد عمليا بان القضاء والمحاماة صنوان في دوحة العدالة.

ولا بد لنا من ان نطالب السلطة التشريعية بنصوص اخرى لصالح السادة المحامين تاكيدا لفكرة المساواة مع القضاء التي ندعو اليها وأهمها وهي ان الدعوى العامة يجب ان لا تحرك على المحامي لجرم ناشئ عن طبيعة عمله او بسبب ممارسته عمله الا بعد الحصول على اذن بالملاحقة من مجلس فرع النقابة واذا قرر مجلس الفرع عدم الاذن بالملاحقة فلا مجال لاجرائها ولو اتخذ المتضرر صفة الادعاء الشخصي.

أي ان الادعاء الشخصي من قبل المتضرر لا يعد كافيا لتحريك الدعوى العامة على المحامي لجرم ناشئ عن ممارسته لمهام عمله كمحام ولابد من صدور اذن بالملاحقة عن مجلس فرع النقابة وذلك لكي تحول بين السادة المحامين وبين الملاحقات الكيدية التي قد توجه لهم بقصد الاساءة اليهم وتشويه سمعتهم والنيل من كرامتهم.

ولا يوجد أي محذور من الحصول على اذن مسبق من مجلس الفرع طالما ان هذا المجلس له حق الرقابة على جميع المحامين بدون استثناء ويحاكم تأديبيا كل محام اخل بواجب من واجبات المحاماة المبينة في قانون المحاماة وفي النظام الداخلي للنقابة او تصرف تصرفا يحط من كرامة المهنة او قدرها او تصرف في حياته الخاصة تصرفا اقترن بفضيحة شائنة.

كما لا مجال للخوف على حقوق المتضرر المحق في دعواه وشكواه اذ ان مجلس الفرع يتكون من رئيس واربعة اعضاء ينتخبون من قبل الهيئة العامة للفرع من المحامين الاساتذة المشهود لهم بالكفاءة والنزاهة والاستقامة وسيقومون بمنح الاذن فورا اذا كان المدعي الشخصي محقا في دعواه ويرفضون منحه اذا كان الامر عكس ذلك كما هو الحال بالنسبة للسادة القضاة.

يستنتج من كل  ما تقدم بان المحاماة والقضاء من المهن  الشريفة الرفيعة المقدسة، المحاطة بالاجلال والاكبار والاحترام في جميع الأقطار والأمصار وفي مختلف العصور وبين جميع الامم الاصيلة والعريقة في مشارق الارض ومغاربها. ولذا فلا عجب مطلقا اذا علمنا انه كان يسود في المحاكم قديما جو من الخشوع والصفاء والقدسية. وكانت قاعات المحاكم ترش بالماء المقدس للدلالة والتاكيد على ان هذه القاعات مكان للعبادة وعلى ان من يتصدى للعمل  في هذه القاعات المقدسة من قضاة ومحامين التجرد عن كل ما يمكن ان يمس طهارتها وقدسيتها وان يبتعد عن الاهواء والميول والنزاعات.

ولا عجب ايضا ان نرى الاسلام وهو دين ودولة يؤكد هذه النظرة فقد ورد في الحديث النبوي الشريف ( عدل ساعة خير من عبادة ستين سنة). وجاء القران الكريم  بالايات البينات التي سبق الاشارة اليها في مطلع هذا المقال ليؤكد بما لا يدع مجالا للشك بان تتبع الحق والدفاع عنه والقضاء به صفة من صفات الله سبحانه وتعالى.
هذا وقد اوصى القديس الفونس ليغوري اليسوعي الايطالي الذي يعتبر المحاماة هي اشرف صناعة بعد درجات الكهنوت أوصى المحامين بقوله:
" استعينوا بالله قبل المدافعة لان الله هو مصدر القول واكبر المدافعين عن الحق".

ولهذا فلا بد لنا نحن القضاة والمحامين ان ندرك حقيقة مهمتنا ونعرف مواقعنا في هذا المجتمع وبين افراد الامة من ثم علينا ان نتحلى بالاخلاق الكريمة والمزايا الحميدة وبالطهارة الثورية التي لا تعرف المحاباة لاعز الناس واقربهم، تلك الطهارة التي عبر عنها الرسول العربي سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام بقوله ( والله لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها).

وعندما يعرف القضاة والمحامون دورهم الاساس والهام في هذا المجتمع الذي يعيشون فيه، وهو دور صعب وشاق جدا، حيث تتراكم على عاتقهم المسؤوليات الجسام، وبين ايديهم ارواح الناس واعراضهم وحرياتهم واموالهم وأسرارهم ومقدراتهم فيؤدونه خير الاداء.
ويلتزمون بواجباتهم المترتبة عليهم حق الالتزام ويخلصون في العطاء والفداء، ويتمسكون بحقوقهم مهما كانت المعوقات والظروف.
تعرف الامة قدرهم ومكانتهم فتقدم لهم الدعم والتاييد بلا حدود ولا قيود وتضمن لهم الكرامة والعزة مع الإجلال والإكبار والاحترام.
عن مجلة " المحامون" السورية

هوامش
(1) المواد1 و2 و3  من قانون المحاماة رقم 14 العام 1972.
(2) أقوال القاضي الفرنسي الكبير داغوسو الواردة في كتاب المحاماة للمحامي اللبناني ميشال شبلي.
( 3 و4 و5) القاضي الاستاذ نصرت منلا حيدر عضو المحكمة الدستورية العليا في بحثه المقدم الى المؤتمر العاشر لاتحاد المحامين العرب عام 1968 عن حصانة القاضي وحصانة المحامي.
(5 و6 و7 و8 و9) المواد 12 و13 و14 و15 و16 و17 من قانون المحاماة رقم 14 لعام 1972.
(10 و11 و12 و13 و14 و15 و16 و17 و18) المواد 52-65 من قانون المحاماة رقم 14 لعام 1972.
(19 و20 و21 و22 و23 و24 و25 و26) المواد 77 و80 و81 و82 و88 و119 من قانون السلطة القضائية الصادر بالمرسوم التشريعي رقم -91- لعام 1961.
(27) المادة 104 من قانون اصول المحاكمات المادة 51 وما يليها من القانون رقم 14 لعام 1972.
(28) القاضي الاستاذ نصرت منلا حيدر في بحثه عن حصانة القاضي والمحامي. المادتان 53 و69 من قانون المحاماة رقم 14 لعام 1972.
(29) دستور الجمهورية العربية السورية الصادر عام 1973.
(30) المادتان 92 و114 من قانون السلطة القضائية.
(31) المادتان 120 و121 من قانون السلطة القضائية.
(32 و33 ) المواد 101-104 من قانون السلطة القضائية.

* مجلة المحاكم المغربية، عدد 61، ص 15.

Sbek net
كاتب ومحرر اخبار اعمل في موقع القانون والقضاء المغربي .

جديد قسم : أبحاث قانونية مغربية