-->

مدخل لدراسة التسويق والتسيير في مهنة المحاماة



  ذ. محمد سكام                                                                                                                                                  محام بهيئة الدار البيضاء

تعرف اغلب المهن عبر العالم، تغييرا ملحوظا، يرجع بالاساس الى تغيير الاوضاع السياسية، الاقتصادية  والاجتماعية .  فالمهن  الحرة  في  فرنسا مثلا تستعد لمواجهة التقلبات الاستراتيجية، التي بدات تعرفها اوربا مع بداية 1993، هذه السنة التي ستشكل لا محالة، منعطفا تاريخيا مهما جدا، فأصبحنا نرى نشوء اتحادات بين مختلف المهن الحرة القانونية، كمهنة المحاماة والتوثيق والائتمانيات … الخ .

في امريكا الشمالية، تعرف هذه المهن تنافسا لا مثيل له، نظرا لتداخل بعض الاختصاصات، اما في الدول العربية،  فما زالت مهنة  المحاماة منطوية على نفسها. غير مبالية بما يحدث من حولها، وهذا راجع بالاساس، الى النظرة الضيقة، التي نرى من خلالها مهنتنا، لا نرى  الحل الا من خلال حلول تشريعية، وكان هذا الحل، هو الوحيد الكفيل بالرفع من مستوى المهنة المادي والمعنوي. ونذكر انه خلال المناظرة التي نظمتها كلية  الحقوق  بالدار البيضاء، حول المهن الحرة، لاحظ بعض الزملاء، وهم محامون بهيئة الدار البيضاء، بان المحامي لحد الساعة، لم  يستطيع  ان  يكتسح  مجال الاختصاص، الذي اعطاه اياه المشرع، ونتساءل لماذا يجب التركيز فقط على توسيع نطاق اختصاص المحامي كحل للخلاص،  فاذا  كنا لا نستطيع  ان  نحقق هذا التوسع، فلنكتسح على الاقل ما لدينا من حقوق، ولنعمل على المحافظة عليها، لانه للاسف، اصبحنا مهددين، حتى فيما هو حق خالص للمحامي .

اذن ونحن نتكلم عن الاستراتيجية، يجب التفكير في مشكلة جديدة لمهنة المحاماة، وبذلك لا نقصد الحل  التشريعي، لان  المحللين  لقانون  المهنة  الجديد، يعرفون جيدا بان الاطار العام والمبادئ العامة لم تتغير، اللهم بعض المقتضيات التنظيمية، بل القصد من سن خطة جديدة،  هو  العمل  في  اطار  تسييري تسويقي (Marketing- Management) جديد في ظل ما يسمى بسياسة تسويق الخدمات (Marketing de services) ما دام ان المحاماة، من المهن التي تعمل على تسديد الخدمات للمواطنين بصفة عامة. لكن ذلك لا يتاتى الا في ظل تسيير متميز، على هذا  المستوى  نفرق  بين  نوعين  من  التسيير :
التسيير الجامد ( Management Hard) الكلاسيكي، الذي يطبعه الروتين، والذي يحاول المحافظة على الاطار العام، كما هو  دون حضور روح التجديد.

التسيير المرن ( Management Soft)، الذي يعتمد سياسة تغييرية مستمرة، بحسب تحول الظروف المحيطة بالمهنة، على هذا المستوى نطرح الدور الذي يجب ان تلعبه المؤسسات المختلفة، التي تسير بطريقة او باخرى، بصفة مباشرة او غير مباشرة، مهنة المحاماة، ونقصد بذلك مختلف الهيئات الوطنية، وجمعية هيئات المحامين وجمعيات واتحادات المحامين الشباب، فهل ينحصر دور هذه التجمعات، في التسيير الاداري لقضايا المحامين، او يجب ان تفكر في طريقة واسلوب جديد، لتحقيق الكرامة المادية والمعنوية للمحامي وذلك باستغلال الاساليب الاستراتيجية الاقتصادية المعاصرة.

اولا : مبادئ التسويق والتسيير :
يعرف الاقتصاديون التسويق، بانها العملية التي تقيم بها قدرة المستهلك الشرائية، وتحول الى طلب فعلي، والتي تنقل الخدمات الى المستهلك الاخير. ومن بين النشاطات المرتبطة بالتسويق " دراسة السوق" (Market research). وفيها يجري تقييم للطلب المحتمل على خدمة ما، و" التسويق التجريبي" Test Marketing) وفيه نحاول معرفة واكتشاف مدى نجاحها في تلبية حاجة المواطنين.

ومن بين هذه النشاطات التسويقية الاعلان، وهو اخبار الاغيار، بوجود الخدمة وبضرورتها وبفعاليتها وباقناعهم باللجوء اليها. وقد اصبح من الضروري ليس فقط الاستجابة للطلب، بل الاستجابة ايضا لرغبات وتطلعات الاشخاص، سواء أكانت هذه الاشخاص معنوية او طبيعية .
وتتلخص مبادئ التسويق في النقط التالية :

1) يجب الاهتمام بالمستهلك اكثر من الاهتمام من اي شيء اخر :
يجب ان تدرس حاجيات المستهلك بصفة دقيقة وان تعطى الاولوية للطلب قبل العرض، بهذه الطريقة يتم تحقيق ما يسمى باختفاء "اكتفاء السوق" ( saturation de marché ) وهكذا تساهم الافكار الجديدة في تجنب هذا الاكتفاء.

2) وضع سياسة للايصال :
الايصال هو ايصال الخطاب والافكار الى المخاطب بطريقة بليغة يسهل فهمها، وحسب تعبير " لاسويل" (Laswell) فان التواصل يتحقق، عندما تتساوى المعادلة بين المرسل والمتلقي.
المرسل  ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ< المتلقي
( ارسال الخطاب            ( التواصل ) (Feed Bach)             ( تفسير الخطاب)

ولكي يكون الخطاب مصدقا يجب ان يكون المخاطب ذا مصداقية، في هذا الصدد يعطي السيد "ميشال كيثار" مثالا حيا حين دخول الجيوش الكندية الى كيبيك، فكان لزاما تغييره نظرة المواطنين الكيبيكيين لهذا الجيش، فتم اختيار اشخاص ذوي مصداقية عالية قصد مخاطبة المواطنين واقناعهم بدور الجيش وضرورة تواجده بهذه المنطقة، وبالفعل لم يمر وقت قصير حتى استطاع هؤلاء الاشخاص ان يوصلوا الخطاب دون عناء كبير.
( V.M. Guitard Avocats et publicité : Un bon mélange - Colloque : le Marketing des cabinets d'Avocats - Montreal, 3 octobre 1990 - Quebec, 7 octobre 1990 )

3) تنويع الخدمات :
يجب ان يهتم المحامون بالتفكير في تنويع الخدمات التي يقدمها مكتب المحامي، ومن منظور تسويقي، فان الزبناء يدرسون بدقة لمعرفة متطلباتهم وتطلعاتهم، حتى تسهل معرفة الحلول المناسبة، لتحقيق هذه المتطلبات والتطلعات، مثلا بعض الموكلين يحبون ان يخبروا برسالة، حول تطور الملف داخل المحكمة لان في نظرهم، التوصل برسالة من مكتب المحامي، يفسر الاهتمام الذي يوليه المكتب لملفه.

4) يجب التوفر على معطيات حقيقية ودقيقة :
لمواجهة التطور والتغيير ومواكبة التقلبات، يجب على المحامي ان يكون في الصدارة في التوصل بالمعلومات، والاخبار التي لها ارتباط وثيق بمهنته، وبذلك يكون في مأمن من المفاجآت التي قد تحدث ارتباكا وبلبلة في سير عمل المكتب.
فهذه المعلومات والمعطيات تساعد مهنتنا على فتح ابواب جديدة تدخل في اختصاصات الدفاع، ونسرد على سبيل المثال القوانين الضريبية والادارية الجديدة التي ستمنح المحامين مجالا خصبا للعمل، فهل نحن مستعدون أتم الاستعداد للعمل في هذا الميدان ؟ هل نحن في مستوى تقديم هذه الخدمات الجديدة، بالاسلوب الذي يرغب فيه الموكل ؟

5) يجب سن استراتيجية تسويقية مستقبلية :
هذه الاستراتيجية المستقبلية، تعني اجتناب تلقي الحدث، لان الحدث يجب ان يكون قد خطط له مسبقا، وفق منهجية معينة، عوض الانتظار والتأقلم مع التغيير، وربما قد يطرا هذا التأقلم وربما لا، وبعبارة أوضح يجب ان تصير الامور كما نحب ان تصير وكما سطر لها ان تصير، وهذا النوع من التسيير يسمى " بالتسيير الارادي" ( Gestion Volontariste) وهو التسيير المرن (Soft)، الذي تكلمنا عنه سابقا، بحيث ان التسيير الجامد ( Hard) يرفض هذه الفكرة، ويظل يعمل اليوم بإتقان، ما كان يجب عمله منذ سنين مضت، وفي حين انه يجب، على العكس من ذلك، اعتماد الخيال وبعد النظر، حتى نستطيع ان نعمل اليوم بإتقان ما كان مستحيلا عمله .

6) اعتماد استراتيجية تجديدية :
يجب اعتماد استراتيجية تجديدية، على اساس خلق اساليب جديدة متطورة، للرفع من المستوى المادي والمعنوي للمهنة، الدراسات التسويقية، لا تهتم بتحليل الماضي، بل تخطط للمستقبل، لغد افضل باقل تكلفة وبامتيازات اكثر.

7) يجب تنسيق وسائل العمل :
يهتم التسويق بدراسة الخدمة، انطلاقا من دراسة السوق، الى وصول هذه الخدمة الى الزبون، فهناك عدة مراحل يجب قطعها تسويقيا، وتنقسم هذه المراحل، الى مراحل ميدانية واخرى تحليلية، الغرض منها وضع استنتاجات عملية، لسن استراتيجية تسويقية ناجعة.
( «Le Marketing Industriel» Armand - DAYAN,  Que sais-je ? Ed. P.V.F. 1982).

ثانيا : التسويق والتسيير في مهنة المحاماة :
1- من اهم الجوانب التي يجب التفكير فيها، معرفة حاجيات الزبناء والخدمات المقدمة بصفة، ولكي نعرف ذلك جيب ان نجيب على مجموعة من الاسئلة ؟
2- ما هي الخدمة او الخدمات التي يقدمها المحامي ؟
3- الى من توجه هذه الخدمات وما هي نوعية الموكلين الذين يرغبون في مثل هذه الخدمات ؟
4- ما هي متطلبات الموكلين الانية والمستقبلية ؟
5- كيف يمكن ان نحسن نوعية هذه الخدمات ؟

نلاحظ اذا بان التركيز موجه اساسا نحو النقطة المتعلقة بالخدمات، اذ لا يكفي ان يحترم المحامي الضوابط القانونية والتنظيمية المهنية، بل يجب ايضا تحسين طريقة العمل، واظن انه لم يسبق لنا ان طرحنا على  انفسنا مثل هذه الاسئلة، لكن كيف يمكن ان نعرف نوعية حاجيات الموكلين ؟ يمكن ان نقوم باختيار مجموعة من الموكلين واستجوابهم حول متطلباتهم. بعد ذلك نحلل النتائج المحصل عليها، ويمكن ان يكون التحليل تصنيفا بحسب نوعية الموكلين، شركات صغرى، متوسطة، كبرى، بحسب تموقعها : داخل تراب الهيئة او خارجه، بحسب نوعية النشاط : قطاع عام او قطاع خاص. ربما لن يعطي هذا البحث نتائج مدققة وحاسمة ومحددة، لكن بامكاننا ان نعرف تطلعات اغلبية الموكلين، ومن الممكن ان يحصل التفاعل ( feedbach ) بين المحامي وبين موكليه .

نخلص الى القول بان مهنة المحاماة، يجب ان تقدم خدمات متميزة حتى تستطيع ان تواجه المنافسة لانه لحد الان، لم نصل بعد الى فرض احتكار مطلق، والمنافسة تنقسم الى قسمين : منافسة تاتي من مهن منظمة، واخرى تاتي من مهن غير منظمة، ومن حرف طفيلية ( لمعرفة ميدان المنافسة، انظر الشكل رقم 1) .
بعد الاطلاع على الشكل رقم 1، يطرح التساؤل حول استراتيجية التغلب على المنافس، لتاخذ مثالا في ميدان العقود مثلا.

الوضعية الاولى :
التوثيق المحاماة المهن الاخرى
50 % 15 %      35 %
يلاحظ بان التوثيق يحتل الصدارة في تحرير العقود بنسبة 50 % من مجموع العقود الاخرى المبرمة بين الاشخاص،  بينما تحتل المحاماة الدرجة الاخيرة بنسبة 15 % بعد المهن الاخرى التي لها نسبة 35 %

الوضعية الثانية :
التوثيق المحاماة المهن الاخرى
50 % 50 %      0 %
بسن استراتيجية تسويقية محكمة، يكون العمل على واجهة منافسة الأضعف في الحلقة ( المهن الاخرى ) فتتساوى مهنة التوثيق ومهنة المحاماة من حيث النسبة ( 50 % = 50 % )

الوضعية الثالثة :
المحاماة التوثيق المهن الاخرى
 75 % 25 %     0 %
يتضح من خلال هذا المثال بان مفهوم الاستراتيجية هو استعمال جميع الطاقات لتغيير التوازن، لصالح عنصر معين، وجعله مستقرا لفائدة نفس الطرف، في هذا الاطار يجب التعريف بين الاهداف (Objectifs) وبين الاستراتيجية التي يجب ان تشتمل على :
هدف معين محدد من حيث الزمان والمكان .
برنامج عمل محدد يهدف الى تغيير التوازن لتحقيق الهدف المنشود .
وسائل السياسة الاستراتيجية الكفيلة بتحقيق برنامج العمل .
لكن الاستراتيجية تعتبر فقط مجرد خطة شاملة، لذا وجب توافر المحركات الاساسية وعددها ثلاثة :
1. المحرك التسويقي .
2. المحرك المالي او المادي .
3. المحرك المتعلق بالابحاث وبالتنمية .

تعتبر هذه المحركات اساسية في تحقيق الاهداف، اذ ان مواجهة المنافس، يتطلب استعدادا متميزا، يعتمد التكوين في العلوم القانونية وفي العلوم الاخرى، التي لها صلة وثيقة بميدان المحاماة، مع الاعتماد على المتخصصين في علم التسويق والتسيير، واظن انه يجب التفكير في خلية للتسويق تكون مهامها :
رصد تطور المهنة ومقارنتها مع تطور المهن الاخرى.
معرفة حاجيات الموكلين .
اقتراح استراتيجية معينة لتحقيق الاهداف المسطرة .
تسطير برنامج عمل لتحقيق هذه الاهداف .
استعمال قنوات التسويق الفعالة لتمرير الخطاب ( الدعاية الاستثمار … الخ) .
تحقيق استراتيجية العلاقات العامة الضرورية لتطوير المهنة .

والخلاصة ان اثار التسويق هي :
1- متطلبات مستمرة للموكلين .
2- بحث مستمر نحو التمييز .
3- تنظيم محكم للوظيفة التسويقية .

يبقى ان نحدد المخاطب في هذه الاستراتيجية، واول مخاطب سيكون طاقم المكتب، ثم زملاؤنا الذين نقتسم معهم نفس المهنة، ثم بعد ذلك يجب الاستمرار لمخاطبة المحيط الخارجي، من قضاة واداريين في ادارات العدل والخبراء …. دون ان ننسى التركيز على موكلينا، الذين تربطنا معهم علاقات وطيدة، ولنترك جانبا بعض الافكار التي اساءت كثيرا الى علاقاتنا العامة، كان اول عدو للمحامي هو موكله، وان الصراع مستمر بين المحامي وبين السلطات العمومية، بل العكس من كل ذلك، يجب تعزيز الحوار ومد الجسور على مختلف الواجهات، حتى تحقق مهنة الدفاع اهدافها المنشودة .

* مجلة المحاكم المغربية، عدد 71، ص 24 .


Sbek net
كاتب ومحرر اخبار اعمل في موقع القانون والقضاء المغربي .

جديد قسم : أبحاث قانونية مغربية