المحكمة الادارية بالرباط
امر رقم 211 بتاريخ 20/12/2000، ملف رقم 216/00 س
----------------------------------------------------------------
شركة ميديا تروست ضد الحكومة المغربية
القاعدة :
- الاعتداء المادي يكون واضحا عندما تلجا الادارة الى تنفيذ اجراء يتبين من ظاهره عدم امكان اسناده الى تنفيذ نص تشريعي او تنظيمي.
- التمسك بعيب الاختصاص ضد قرار اداري لتبرير حالة الاعتداء المادي هو طلب يرمي في حقيقة الامرالى ازالة اثار قرار اداري قابل للطعن بالالغاء .
- عدم اختصاص قاضي المستعجلات لمراقبة مشروعية قرار اداري وازالة اثاره…. نعم .
باسم جلالة الملك
نحن احمد الصايغ، رئيس المحكمة الادارية بالرباط وبصفتنا قاضيا للمستعجلات .
وبمساعدة السيد عبد الحكيم الاحرش : كاتب الضبط .
وبناء على المادة 19 من القانون المحدث للمحاكم الادارية .
أصدرنا الامر الاتي نصه يوم 25 رمضان 1421 موافق ل 20 دجنبر 2000 .
بين : شركة ميديا تروست، الكائن مقرها بشارع الجيش الملكي زنقة محمد الرشيد عمارة ايمان الدار البيضاء .
النائب عنها: الاستاذ النقيب عبد الرحيم الجامعي والاستاذ حمادي ماني .
من جهة .
وبين : - الحكومة المغربية، ممثلة في شخص الوزير الاول بمقرها بالرباط .
- الدولة المغربية في شخص الوزير الاول بمقره بالرباط .
- العون القضائي بمكاتبه بوزارة المالية بالرباط .
النائب عنها : الأستاذ النقيب محمد الصديقي والاستاذ ادريس لشكر المحاميان بهيئة الرباط .
من جهة اخرى .
الوقائع
بتاريخ 8 دجنبر 2000 تقدمت شركة ميديا تروست بمقال امام كتابة ضبط هذه المحكمة مؤدى عنه بنفس التاريخ تعرض فيه :
انها تصدر جريدتين أسبوعيتين هما جريدة لجورنال باللغة الفرنسية وجريدة الصحيفة باللغة العربية، ولقد طبعت العارضة ووزعت العدد 145 من اسبوعية لوجورنال المتعلق بالفترة ما بين 25 نونبر وفاتح دجنبر 2000 والذي تضمن ملفا صحفيا تحت عنوان " اليسار" والجيش والسلطة، وهو ملف تضمن اخبارا تتعلقة باحداث 16 غشت 1972 مع نص لرسالة ترجمت الى اللغة الفرنسية كان قد حررها من قبل السيد محمد الفقيه البصري تشير الى بعض الاسماء من القادة السياسيين وعلاقتهم بتلك الاحداث وبالعدد الصادر من جريدة الصحيفة يوم الجمعة فاتح دجنبر 2000 استعرضت هذه الاخيرة مانشر بجريدة لوجورنال اسوة بعدد اخر من الجرائد الصادرة خلال نفس الاسبوع سواء باللغة العربية او اللغة الفرنسية وعلى اثر دلك اجتمعت الحكومة وتدارست هذا الموضوع وخلصت الى ان ما تم نشره يهدف المس بالاستقرار وبالمؤسسات ويشوش على مشاريع الاصلاح وقررت الحكومة انشاء لجنة للمتابعة، ومساء يوم السبت 2 دجنبر 2000 اعلنت الحكومة في بلاغ رسمي قرار منع الجريدتين المشار اليهما من الصدور معللة ذلك بان ما تم نشره يمس باستقرار البلاد واضاف البلاغ بان قرار المنع الهدف منه حماية المصالح الوطنية وحرمة المؤسسات وهو القرار الذي اضر بمصالح الجريدتين وبحرية التعبير المجسدة في طبع ونشر الصحف والذي يعتبر اعتداء ماديا يقتضي التصريح برفعه للاسباب التالية :
اولا : ان قرار المنع صدر عن الحكومة التي تعتبر جهة ادارية وسياسية لاحق لها في الاعتداء على حرية الصحافة لان الفصل 77 من قانون الصحافة يخول حق منع الصحف من الصدور للوزير الاول وبالتالي فان الحكومة لما مارست هذا الاختصاص تكون قد خرقت الفص 77 المشار اليه وان عملها هذا يعتبر اعتداء
ماديا يجب وضع حد له ورفعه لتعود الأوضاع الى حالتها الطبيعية .
ثانيا: ان قرار المنع الذي اتخذته الحكومة يعتبر خرقا للمادة 9 من الدستور وهو الحق في التعبير عن الراي .
وان الحكومة بتصرفها الذي تجسد في قرار المنع الذي هو من اختصاص الوزير الاول طبقا للفصل 77 من قانون الصحافة يعتبر خرقا للمادة 4 من الدستور التي تنص على سيادة القانون، كما ان المنع الصادر في حق الجريدتين خرقت به الحكومة مبدا المساواة للجميع امام القانون وهو المبدا المنصوص عليه في المادة 5 من نفس الدستور، وذلك يتجلي حينما لم تضع الحكومة نفسها كبقية المغاربة اشخاصا طبيعيين او اعتباريين او مؤسسات على قدم المساواة امام القانون وانتهكت صلاحيات سلطات اخرى ولم تحترم حرمة هذه السلطات التي يعطيها القانون ويجيزها حق الحجز والمنع والتوقيف الى جانب الاعتداء على قيم الدستور والاتفاقية الدولية للحقوق المدنية والسياسية والاعلان العالمي والعهد الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي صادق عليه المغرب ونشر بالجريدة الرسمية سنة 1979، وان هذا التصرف تبعا لما ذكر يعتبر اعتداء ماديا على حق العارضتين في التعبير وحقهما في النشر .
ثالثا : ان القرار الذي اتخذته الحكومة يعتبر عقوبة وان العقوبة لا يمكن ان تقرر الا وفق القانون اما بواسطة القضاء او من الجهات التي حددها الفصل 77 من قانون الصحافة وانه لا يوجد أي مقتضى قانوني يفرز تصرف الحكومة وان هذا العمل يعتبر تعديا على اختصاصات السلطة القضائية .
رابعا: ان قرار المنع الصادر ضد الجريدتين في بلاغ الحكومة هواعتداء مادي غير مشروع منصب على احدى الحريات الاساسية ذلك ان هذا القرار احتج عليه الراي العام والمنظمات والجمعيات وكل المجتمع المدني كما احتجت عليه منظمات حقوق الانسان والنقابة الوطنية للصحافة لكل ذلك يلتمس الفريق المدعي التسجيل على ان البلاغ الصادر عن الحكومة يوم السبت 02/12/2000 بمنع جريدة لوجورنال الصادرة باللغة الفرنسية والصحيفة الصادرة باللغة العربية من قبل الشركة العارضة قرار صدر من جهة غير مؤهلة قانونا دستوريا او تنظيميا باتخاذه التسجيل بان منع الجريدتين المذكورتين بمقتضى البلاغ المذكور هو خرق لمقتضيات المادة 77 من قانون الصحافة الذي يجرده من كل مشروعية .
التصريح بان منع الجريدتين يشكل اعتداء خطيرا ماديا على حق الملكية الذي يضمن القانون لشركة ميديا تروست ويمنعها من استعمال حقها هذا الحق الدستوري المقدس الذي لا يمكن الاعتداء عليه .
- الحكم بان قرارالمنع الصادر ضد الجريدتين من قبل المدعى عليهم يشكل اعتداءا ماديا خطيرا للحريات الأساسية الحكم وبالتالي بايقاف قرار المنع ورفعه بصفة نهائية لتتمكن الجريدتان الموقوفتان الممنوعتان من استرجاع نشاطهما والتمتع بحرية الصدور والنشر والتوزيع .
- الحكم بجعل القرار الصادر مشمولا بغرامة تهديديه وقدرها 100.000 درهم عن كل يوم من تاريخ صدور الامر الاستعجالي الى تاريخ تنفيذه .
- الحكم بالنفاد المعجل للامر الصادر على الاصل وقبل التسجيل .
وارفق المقال بصورة من بلاغ الحكومة الصادر في الجرائد الوطنية .
وبلغ المقال الى الفريق المدعى عليه وكلف بالجواب لجلسة 13 دجنبر 2000 بهذه الجلسة حضر الاستاذ النقيب محمد الصديقي والتمس تسجيل نيابته عن الطرف المدعى عليه والتمس اجلا لاعداد الدفاع وحضر الاستاذ الجامعي والاستاذ ماني ولم يمانعا في التاخير، لكن ذ. الجامعي التمس تحديد مدة قصيرة نظرا لحالة الاستعجال ولظروف القضية وملابساتها .
فاخرت القضية لجلسة 15 دجنبر 2000 .
وبهذه الجلسة حضر الاستاذ الجامعي عن الشركة المدعية وكذا الاستاذ ماني وحضر الاستاذ النقيب الصديقي عن الدولة المغربية واعطيت الكلمة للاستاذ النقيب الجامعي فصرح بان المقال هو تحليل الوقائع وانه يؤكد مقاله مع حفظ حقه في الملاحظات بعد مرافعة نائب الطرف المدعى عليه .
واعطيت الكلمة للاستاذ النقيب الصديقي عن الطرف المدعى عليه والتمس المناداة على الملف 219/00 س حتى يتمكن من المرافعة فيهما معا .
وعقب ذ. الجامعي بانه لا علاقة له بصحيفة الغد موضوع الملف 219/00 س وانه لا يظن انه ستكون هناك نفس الملاحظات وانه من المستحسن ان تكون المرافعة في كل ملف بصفة مستقلة .
والتمس ذ. لشكر تسجيل نيابته الى جانب ذ. الصديقي وصرح ذ. الصديقي بانه ليس له أي اعتراض على تعقيب ذ الجامعي وانه من باب النجاعة التمس المرافعة فيهما معا وحول الملف المعروض صرح بانه : فيما يخص الفصل 19 من القانون المحدث للمحاكم الادارية والذي ينص على ان السيد رئيس المحكمة يبت في الطلبات التحفظية والطلبات والوقتية وان الطلب المتعلق بالملف وهو طلب المنع بصفة نهائية لا يدخل ضمن الطلبات الوقتية اوالتحفظية وان ما يترتب عن الطلب هوالدفع بعدم الاختصاص اما بالنسبة للدفع الثاني فانه يتعلق بمناقشة جوهر القضية، وانه بالرجوع الى المقال فان المدعية تكيف القضية على انها اعتداء مادي والذي يرجع الاختصاص فيه الى المحاكم العادية والمحاكم الادارية ولكن قبل هذا ينبغي ان نتطرق الى محاولة تبيان ما هو الاعتداء المادي . فالاعتداء المادي هو تصرف مادي تمارسه السلطة الادارية تنتفي فيه المشروعية ولا يستند الى أي نص قانوني او قاعدة من القواعد التنظيمية، فهل هذا المنع الذي نحن بصدده يدخل ضمن الاعتداء المادي، الامر هو ان هناك قرارات صادرة في اطار الفصل 77 من قانون الصحافة، وهذه القرارات صادرة من سلطة خولها القانون صلاحية اصدراها وان هذه القرارات لا تنتفي فيها المشروعية ونحن هنا أمام وضعية تنتفي فيها تماما حالة الاعتداء المادي وعليه يكون المقال معرضا للرفض والتمس اساسا الحكم بعدم الاختصاص واحتياطيا برفض ا لطلب وادلى بالجريدة الرسمية التي تضمنت قرار منع الجرائد من الصدور المؤرخة في 14/12/2000 .
وعقب ذ. الجامعي بخصوص ما اثاره دفاع المدعى عليه فبالنسبة للدفع الاول فان طلب الحال ليس طلبا تحفظيا ولا وقتيا، بل هو طلب رفع ا عتداء مادي لا يدخل ضمن الطلبات التحفظية والوقتية وان الدولة لما دفعت بعدم الاختصاص فقد كان على اساس ان الطلب هو وقتي وتحفظي وعليه يكون دفعها غير سليم، وانه من باب المسلمات ان القضاء الاداري في المغرب يقول بالإجماع ان الاختصاص الذي كان مخولا لرؤساء المحاكم الابتدائية نقل بكامله الى رؤساء المحاكم الادارية وان القضاء قال بان القاضي الاستعجالي الاداري يبث في طلبات الاعتداء المدني كما ان لرؤساء المحاكم الادارية ان ينظروا في كل قضية لها صبغة استعجاليه ولا يمكن تفسير الفصل 19 بالتفسير الذي فسره القضاء . وبان هناك عدة مراجع ومن جملتها القرار الصادر عن المجلس الاعلى سنة 1996 وكذا ما نشر في مجلة ريمالد والتي جاء فيها بان القضاء المغربي قد اعطى بعدا للقضاء الاداري وان القضاء الاداري ينظر في طلبات الاعتداء المادي، والتمس القول بعدم الاستجابة الى الدفع المتعلق بعدم الاختصاص اما بالنسبة للدفع الثاني والمتعلق بمناقشة جوهر القضية، فان الدعوى قدمت يوم 08/12/00 وبان اول جلسة كانت يوم 13/12/00 وقد كان على القاضي الاستعجالي البت فيها بصفة فورية، وان الجريدة الرسمية المدلى بها من طرف نائب الطرف المدعى عليه لم تصدر الا بتاريخ 14/12/00 . وان القانون لا يسري باثر رجعي وانما يسري باثر فوري وذلك من تاريخ نشره بالجريدة الرسمية . وبالتالي لا يمكن القول بان القرار صدر عن السيد الوزير الاول يوم 2/12/00 . بل انما صدر من طرف الحكومة وكل الجرائد الوطنية ( الاحداث - الصحراء- بيان اليوم- الشرق الاوسط - الصباح بالعربية والفرنسية - العلم - الاتحاد الاشتراكي ووكالة المغرب العربي ) قد اصدرت يوم 14/12/00 بان الحكومة قد قامت بمنع ثلاث صحف وبالتالي فان الطعن في قرار المنع يمكن ان ينصب على القرار ولو بالسماع، وان لا يمكن الاحتجاج بالمرسوم الذي صدر بالجريدة الرسمية بتاريخ 14/12/00 لان المحكمة قد وضعت يدها على الملف، كما ان المرسوم لا يمكن ان يكون له اثر رجعي، ولا اثر على الدعوى والمراكز القانونية الا من تاريخ نشره . وما على محكمتكم الا ان تبث حسب الوقائع والاحداث لان القرار الصادر بالمنع جاء عن جهة غير مختصة في اصدار مثل هذه القرارات، كما انه يتسم بعدم المشروعية فيمكن ان يكون ماسا بحق من الحقوق الاساسية وهو يعتدي على حق الملكية . وان الحكومة لا يمكنها ان تتخذ هذا القرار لانه يجب ان يصدر من طرف السيد الوزير الاول اما الايقاف فيصدر من طرف السيد وزير الداخلية، وان النص لم يعط الحق للحكومة باصدار هذا القرار. وان دستور 1996 حدد الاختصاصات ولم يوسع صلاحيات الوزير الاول ولى اي وزير على حساب الحقوق الأساسية، بل بالعكس فانه لا يعطي للحكومة المس بالحقوق الاساسية والحريات العامة للافراد . وان هذا المنع يودي الى حرمان الراي العام من معرفة الاخبار، وما دام ان هذا القرار يمس احد الحقوق الاساسية فاننا نكون امام اعتداء مادي وبالتالي تعتبر الحكومة لا صفة لها تماما في اصداره وان قرارها هو قرار معدوم، والقرار المعدوم هو اعتداء مادي، والاعتداء المادي يتم ايقافه اذا نفذ ورفعه ان لم ينفذ . وان التلويح بالاعتداء المادي يعتبره القضاء كالاعتداء المادي نفسه . والتمس القول بان الحكومة ليس لها حق الاعتداء على حرية النشر وان الاعتداء وقع على حرية الحقوق الأدبية لا بالنسبة لجريدة لوجورنال وانما كذلك بالنسبة لجريدة الصحيفة، مع العلم ان هذه الاخيرة قد قامت فقط بنقل خبر من جريدة لوجورنال يوم 27/11/00 كما فعلت عدة صحف منها اليمينية والأغلبية، ولم يقع الاعتداء المادي على هذه الصحف باستثناء جريدة الصحيفة، وان الأوصاف التي جاءت في البلاغ الحكومي على ان هذا الامر بالغ الخطورة واهتزت به اركان المؤسسات الدينية والحزبينة، فما هي هذه المؤسسات الدينية والحزبية التي اهتزت أركانها وكذا المؤسسات السياسية والعسكرية . وان قرار بنجمان اعتبر قرار السيد مدير الامن مسا بحرية التجمع واعتداء ماديا على الكرامة وقام بالغائه، وبان حرية التجمع جزء من النظام العام . وبان القرار الصادر عن الحكومة بني على اسباب سياسية ويجب على القضاء الاداري التدخل لالغائه ورفع الاعتداء المادي والتمس الحكم وفق ملتمساته الواردة بالمقال .
اكد ذ. ماني مرافعة ذ. الجامعي وعقب ذ. الصديقي بان ليس هناك نزاع فيما يخص الفصل 19 وان الوثيقة المدلى بها هي وثيقة رسمية وان قرار الحكومة لا وجود له واكد ملتمساته .
وصرح ذ . لشكر بانه يجد نفسه مضطرا للتعقيب، وذلك انه قد يصدر حكم او قرار . وان الصحافي لا يهمه في الخبر الشكليات وانما المضمون، وان الصحيفة لا يمكن ان توصل للناس والراي العام الا المضمون وليس الشكليات، والتمس الاستجابة للمذكرة الدفاعية .
وادلى ذ. الجامعي بمجموعة من الجرائد وعقب بان هناك تبريرا لصالح الدعوى على ان السيد الوزير الاول والحكومة اصدرا قرارا يوم 02/12/00 ولم ينشر بالجريدة الرسمية الا يوم 14/12/00 . وبان هذا الخبر جاء على لسان الناطق الرسمي باسم الحكومة وحتى البارحة ووزير الثقافة يتكلم عن قرار للحكومة وقد كان على الحكومة ان تتبرا من هذا القرار وتقول انه صدر عن السيد الوزير الاول . وبان الحكومة لم تطبق القانون وخرقت الفصل 77 وانه ليس لها الصلاحية في ا صدار قرار لا شان لها به . وعلى المحكمة القول هل للحكومة الحق في اصدار هذا القرار والتمس الحكم وفق ملتمساته .
فعقب ذ الصديقي بان هناك بلاغا صحافيا وانه ليس هناك قرار، لان القرار صدر عن السيد الوزير الاول طبقا لمقتضيات الفصل 77 من قانون الصحافة، وان السيد الوزير الاول يصدر قراراته بصفته رئيسا للحكومة .
وعقب ذ . ماني انه من المبادئ العامة ان المرسوم او القانون كيفما كان فانه يسري باثر فوري بعد نشره بالجريدة الرسمية وان الحكومة تقول في بلاغها انها قررت منع الصحيفتين وان هذا القرار صدر بالجريدة الرسمية يوم 14/12/00 ولا يمكن الاعتماد على لا هذه الوثيقة مادامت انها جاءت بعد تنفيذ القرار.
وبعد الاستماع الى مرافعات دفاع الاطراف قررنا وضع القضية في المداولة لجلسة 20/12/00 .
وبعد المداولة طبقا للقانون
وعليه فان قاضي الامور المستعجلة :
حيث يهدف الطلب الى اصدار امر برفع الاعتداء المادي المتمثل في منع جريدتين هما لوجورنال والصحيفة من الصدور بناء على قرار اتخذته الحكومة يوم 2 دجنبر 2000 .
وحيث ان الشركة المدعية التي لا تجادل في صدور القرار الاداري بمنع الصحيفتين المذكورتين تتمسك بكون الجهة التي صدر عنها وهي الحكومة غير مختصة في اصداره مما يعني انها تتستدل في طلبها بوجود عيب الاختصاص في اصدار مثل هذا القرار .
لكن حيث ان العيب الذي يؤدي الى انعدام القرار الاداري ويجعله عملا ماديا هو مخالفة القرار للقانون بدرجة يتعذر معها القول بانه يعتبر تطبيقا لقانون او لائحة، وهكذا لا يكفي ان يكون القرار الاداري مخالفا للقانون بل يجب ان تكون تلك المخالفة بالغة الجسامة بحيث تنقطع كل علاقة بين القانون بمعناه الواسع وبين القرار الاداري، وحيث ان هذا المعيار يتفق الى حد كبير مع طبيعة ووظيفة القرار الاداري، اذ القرار الاداري يجب ان يستند باستمرار الى قاعدة قانونية، فادا انقطعت الصلة كلية بينه وبين القاعدة القانونية اصبح قرارا منعدما وعملا ماديا صرفا .
- وحيث انه من الثابت فقها وقضاء ان حالات الانعدام في القرارات الادارية لا تخرج عن حالتين :
- حالة اغتصاب السلطة .
- وحالة مخالفة القرار الاداري للقانون مخالفة موضوعية جسيمة تجعل الموظف وكانه قد خرج عن نطاق الوظيفة الادارية بصورة مطلقة وهذه الحالة تسمى بحالة الاعتداء المادي، والاعتداء كما يعرفه الفقه هو ارتكاب الادارة لخطا جسيم ا ثناء قيامها بعمل مادي يتضمن اعتداء على حرية فردية او على ما ل مملوك لاحد الافراد .
وبناء على ما تقدم يمكن ارجاع فكرة الاعتداء المادي الى العناصر الاتية:
1- اتيان الادارة لعمل مادي تنفيذي سواء تعلق الامر بتنفيذ قرار اداري ام لا ( متى ) شاب هذا العمل خطا جسيم .
2- ان يشتمل التنفيذ على عيب جسيم يخلع عن عمل الادارة الصفة العامة ويحوله الى تصرف مادي وفي جميع الحالات يتعين ان تكون المخالفة القانونية بالغة الجسامة، وقد ادرج الفقه من جملة حالات الاعتداء المادي: الاعتداء على الاموال المنقولة والاعتداء على الحريات العامة كمصادرة جريدة بدون مبرر او بدون وجه حق .
وحيث انه بالنسبة للنازلة المعروضة والرامية الى ر فع الاعتداء المادي المتمثل فلي نظر الطاعنة في منع صدور الصحيفتين المشار اليهما بدون سند قانوني وعلى اساس ان من اصدر امر منعها لا يتوفر على الاختصاص لاتخاذ مثل هذا القرار فانه يتبين من ظاهر ما ادلى به ومما لا تجادل فيه الطاعنة نفسها ان قرار المنع صدر عن الحكومة ونفذ بواسطة الجهاز التابع لها .
وحيث ان الطاعنة اقتصرت على التمسك بوجود عيب الاختصاص دون ان تثبت توافر شروط ومقتضيات الاعتداء المادي المتمسك به والتي من اهمها ارتكاب الجهة التي نفذت القرار المذكور خطا جسيما من شانه ان يفقد كل مشروعية لاجراءات التنفيذ المذكورة، اذ لا يكفي التمسك بعيب الاختصاص مادامت الجهة التي أصدرت القرار الاداري المذكور جهة ادارية وان مجرد عدم اختصاصها لاصدار هذا المقرر على فرض ثبوته لا يعني ان هناك اعتداء ماديا من طرف السلطة المذكورة مادامت عملية منع الصحف تستند الى القرار الاداري المشار اليه .
وحيث ان اختصاص قاضي المستعجلات للبت في النازلة من هذه الزاوية يتوقف اولا وقبل كل شيء على ثبوت توفر عناصر الاعتداء المادي المشار اليها والحالة ان وجود قرار اداري يقضي بمنع الصحف المذكورة من الصدور وما تبعه من صدور مرسوم لاحق عن الوزير الاول في هذا الصدد يجعل اختصاص قاضي المستعجلات غير وارد في النازلة لان من شان البت في قرار المنع المذكور المس بجوهر الموضوع وضرورة مناقشة مشروعية او عدم مشروعية قرار المنع الشيء الذي يتعين معه التصريح بعدم اختصاص قاضي المستعجلات للبت في الطلب .
لهذه الاسباب:
نصرح بعدم الاختصاص للبت في الطلب وابقاء الصائر على صاحبه .
قاضي المستعجلات
مجلة المحاكم عدد85، ص 174
امر رقم 211 بتاريخ 20/12/2000، ملف رقم 216/00 س
----------------------------------------------------------------
القاعدة :
- الاعتداء المادي يكون واضحا عندما تلجا الادارة الى تنفيذ اجراء يتبين من ظاهره عدم امكان اسناده الى تنفيذ نص تشريعي او تنظيمي.
- التمسك بعيب الاختصاص ضد قرار اداري لتبرير حالة الاعتداء المادي هو طلب يرمي في حقيقة الامرالى ازالة اثار قرار اداري قابل للطعن بالالغاء .
- عدم اختصاص قاضي المستعجلات لمراقبة مشروعية قرار اداري وازالة اثاره…. نعم .
باسم جلالة الملك
نحن احمد الصايغ، رئيس المحكمة الادارية بالرباط وبصفتنا قاضيا للمستعجلات .
وبمساعدة السيد عبد الحكيم الاحرش : كاتب الضبط .
وبناء على المادة 19 من القانون المحدث للمحاكم الادارية .
أصدرنا الامر الاتي نصه يوم 25 رمضان 1421 موافق ل 20 دجنبر 2000 .
بين : شركة ميديا تروست، الكائن مقرها بشارع الجيش الملكي زنقة محمد الرشيد عمارة ايمان الدار البيضاء .
النائب عنها: الاستاذ النقيب عبد الرحيم الجامعي والاستاذ حمادي ماني .
من جهة .
وبين : - الحكومة المغربية، ممثلة في شخص الوزير الاول بمقرها بالرباط .
- الدولة المغربية في شخص الوزير الاول بمقره بالرباط .
- العون القضائي بمكاتبه بوزارة المالية بالرباط .
النائب عنها : الأستاذ النقيب محمد الصديقي والاستاذ ادريس لشكر المحاميان بهيئة الرباط .
من جهة اخرى .
الوقائع
بتاريخ 8 دجنبر 2000 تقدمت شركة ميديا تروست بمقال امام كتابة ضبط هذه المحكمة مؤدى عنه بنفس التاريخ تعرض فيه :
انها تصدر جريدتين أسبوعيتين هما جريدة لجورنال باللغة الفرنسية وجريدة الصحيفة باللغة العربية، ولقد طبعت العارضة ووزعت العدد 145 من اسبوعية لوجورنال المتعلق بالفترة ما بين 25 نونبر وفاتح دجنبر 2000 والذي تضمن ملفا صحفيا تحت عنوان " اليسار" والجيش والسلطة، وهو ملف تضمن اخبارا تتعلقة باحداث 16 غشت 1972 مع نص لرسالة ترجمت الى اللغة الفرنسية كان قد حررها من قبل السيد محمد الفقيه البصري تشير الى بعض الاسماء من القادة السياسيين وعلاقتهم بتلك الاحداث وبالعدد الصادر من جريدة الصحيفة يوم الجمعة فاتح دجنبر 2000 استعرضت هذه الاخيرة مانشر بجريدة لوجورنال اسوة بعدد اخر من الجرائد الصادرة خلال نفس الاسبوع سواء باللغة العربية او اللغة الفرنسية وعلى اثر دلك اجتمعت الحكومة وتدارست هذا الموضوع وخلصت الى ان ما تم نشره يهدف المس بالاستقرار وبالمؤسسات ويشوش على مشاريع الاصلاح وقررت الحكومة انشاء لجنة للمتابعة، ومساء يوم السبت 2 دجنبر 2000 اعلنت الحكومة في بلاغ رسمي قرار منع الجريدتين المشار اليهما من الصدور معللة ذلك بان ما تم نشره يمس باستقرار البلاد واضاف البلاغ بان قرار المنع الهدف منه حماية المصالح الوطنية وحرمة المؤسسات وهو القرار الذي اضر بمصالح الجريدتين وبحرية التعبير المجسدة في طبع ونشر الصحف والذي يعتبر اعتداء ماديا يقتضي التصريح برفعه للاسباب التالية :
اولا : ان قرار المنع صدر عن الحكومة التي تعتبر جهة ادارية وسياسية لاحق لها في الاعتداء على حرية الصحافة لان الفصل 77 من قانون الصحافة يخول حق منع الصحف من الصدور للوزير الاول وبالتالي فان الحكومة لما مارست هذا الاختصاص تكون قد خرقت الفص 77 المشار اليه وان عملها هذا يعتبر اعتداء
ماديا يجب وضع حد له ورفعه لتعود الأوضاع الى حالتها الطبيعية .
ثانيا: ان قرار المنع الذي اتخذته الحكومة يعتبر خرقا للمادة 9 من الدستور وهو الحق في التعبير عن الراي .
وان الحكومة بتصرفها الذي تجسد في قرار المنع الذي هو من اختصاص الوزير الاول طبقا للفصل 77 من قانون الصحافة يعتبر خرقا للمادة 4 من الدستور التي تنص على سيادة القانون، كما ان المنع الصادر في حق الجريدتين خرقت به الحكومة مبدا المساواة للجميع امام القانون وهو المبدا المنصوص عليه في المادة 5 من نفس الدستور، وذلك يتجلي حينما لم تضع الحكومة نفسها كبقية المغاربة اشخاصا طبيعيين او اعتباريين او مؤسسات على قدم المساواة امام القانون وانتهكت صلاحيات سلطات اخرى ولم تحترم حرمة هذه السلطات التي يعطيها القانون ويجيزها حق الحجز والمنع والتوقيف الى جانب الاعتداء على قيم الدستور والاتفاقية الدولية للحقوق المدنية والسياسية والاعلان العالمي والعهد الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي صادق عليه المغرب ونشر بالجريدة الرسمية سنة 1979، وان هذا التصرف تبعا لما ذكر يعتبر اعتداء ماديا على حق العارضتين في التعبير وحقهما في النشر .
ثالثا : ان القرار الذي اتخذته الحكومة يعتبر عقوبة وان العقوبة لا يمكن ان تقرر الا وفق القانون اما بواسطة القضاء او من الجهات التي حددها الفصل 77 من قانون الصحافة وانه لا يوجد أي مقتضى قانوني يفرز تصرف الحكومة وان هذا العمل يعتبر تعديا على اختصاصات السلطة القضائية .
رابعا: ان قرار المنع الصادر ضد الجريدتين في بلاغ الحكومة هواعتداء مادي غير مشروع منصب على احدى الحريات الاساسية ذلك ان هذا القرار احتج عليه الراي العام والمنظمات والجمعيات وكل المجتمع المدني كما احتجت عليه منظمات حقوق الانسان والنقابة الوطنية للصحافة لكل ذلك يلتمس الفريق المدعي التسجيل على ان البلاغ الصادر عن الحكومة يوم السبت 02/12/2000 بمنع جريدة لوجورنال الصادرة باللغة الفرنسية والصحيفة الصادرة باللغة العربية من قبل الشركة العارضة قرار صدر من جهة غير مؤهلة قانونا دستوريا او تنظيميا باتخاذه التسجيل بان منع الجريدتين المذكورتين بمقتضى البلاغ المذكور هو خرق لمقتضيات المادة 77 من قانون الصحافة الذي يجرده من كل مشروعية .
التصريح بان منع الجريدتين يشكل اعتداء خطيرا ماديا على حق الملكية الذي يضمن القانون لشركة ميديا تروست ويمنعها من استعمال حقها هذا الحق الدستوري المقدس الذي لا يمكن الاعتداء عليه .
- الحكم بان قرارالمنع الصادر ضد الجريدتين من قبل المدعى عليهم يشكل اعتداءا ماديا خطيرا للحريات الأساسية الحكم وبالتالي بايقاف قرار المنع ورفعه بصفة نهائية لتتمكن الجريدتان الموقوفتان الممنوعتان من استرجاع نشاطهما والتمتع بحرية الصدور والنشر والتوزيع .
- الحكم بجعل القرار الصادر مشمولا بغرامة تهديديه وقدرها 100.000 درهم عن كل يوم من تاريخ صدور الامر الاستعجالي الى تاريخ تنفيذه .
- الحكم بالنفاد المعجل للامر الصادر على الاصل وقبل التسجيل .
وارفق المقال بصورة من بلاغ الحكومة الصادر في الجرائد الوطنية .
وبلغ المقال الى الفريق المدعى عليه وكلف بالجواب لجلسة 13 دجنبر 2000 بهذه الجلسة حضر الاستاذ النقيب محمد الصديقي والتمس تسجيل نيابته عن الطرف المدعى عليه والتمس اجلا لاعداد الدفاع وحضر الاستاذ الجامعي والاستاذ ماني ولم يمانعا في التاخير، لكن ذ. الجامعي التمس تحديد مدة قصيرة نظرا لحالة الاستعجال ولظروف القضية وملابساتها .
فاخرت القضية لجلسة 15 دجنبر 2000 .
وبهذه الجلسة حضر الاستاذ الجامعي عن الشركة المدعية وكذا الاستاذ ماني وحضر الاستاذ النقيب الصديقي عن الدولة المغربية واعطيت الكلمة للاستاذ النقيب الجامعي فصرح بان المقال هو تحليل الوقائع وانه يؤكد مقاله مع حفظ حقه في الملاحظات بعد مرافعة نائب الطرف المدعى عليه .
واعطيت الكلمة للاستاذ النقيب الصديقي عن الطرف المدعى عليه والتمس المناداة على الملف 219/00 س حتى يتمكن من المرافعة فيهما معا .
وعقب ذ. الجامعي بانه لا علاقة له بصحيفة الغد موضوع الملف 219/00 س وانه لا يظن انه ستكون هناك نفس الملاحظات وانه من المستحسن ان تكون المرافعة في كل ملف بصفة مستقلة .
والتمس ذ. لشكر تسجيل نيابته الى جانب ذ. الصديقي وصرح ذ. الصديقي بانه ليس له أي اعتراض على تعقيب ذ الجامعي وانه من باب النجاعة التمس المرافعة فيهما معا وحول الملف المعروض صرح بانه : فيما يخص الفصل 19 من القانون المحدث للمحاكم الادارية والذي ينص على ان السيد رئيس المحكمة يبت في الطلبات التحفظية والطلبات والوقتية وان الطلب المتعلق بالملف وهو طلب المنع بصفة نهائية لا يدخل ضمن الطلبات الوقتية اوالتحفظية وان ما يترتب عن الطلب هوالدفع بعدم الاختصاص اما بالنسبة للدفع الثاني فانه يتعلق بمناقشة جوهر القضية، وانه بالرجوع الى المقال فان المدعية تكيف القضية على انها اعتداء مادي والذي يرجع الاختصاص فيه الى المحاكم العادية والمحاكم الادارية ولكن قبل هذا ينبغي ان نتطرق الى محاولة تبيان ما هو الاعتداء المادي . فالاعتداء المادي هو تصرف مادي تمارسه السلطة الادارية تنتفي فيه المشروعية ولا يستند الى أي نص قانوني او قاعدة من القواعد التنظيمية، فهل هذا المنع الذي نحن بصدده يدخل ضمن الاعتداء المادي، الامر هو ان هناك قرارات صادرة في اطار الفصل 77 من قانون الصحافة، وهذه القرارات صادرة من سلطة خولها القانون صلاحية اصدراها وان هذه القرارات لا تنتفي فيها المشروعية ونحن هنا أمام وضعية تنتفي فيها تماما حالة الاعتداء المادي وعليه يكون المقال معرضا للرفض والتمس اساسا الحكم بعدم الاختصاص واحتياطيا برفض ا لطلب وادلى بالجريدة الرسمية التي تضمنت قرار منع الجرائد من الصدور المؤرخة في 14/12/2000 .
وعقب ذ. الجامعي بخصوص ما اثاره دفاع المدعى عليه فبالنسبة للدفع الاول فان طلب الحال ليس طلبا تحفظيا ولا وقتيا، بل هو طلب رفع ا عتداء مادي لا يدخل ضمن الطلبات التحفظية والوقتية وان الدولة لما دفعت بعدم الاختصاص فقد كان على اساس ان الطلب هو وقتي وتحفظي وعليه يكون دفعها غير سليم، وانه من باب المسلمات ان القضاء الاداري في المغرب يقول بالإجماع ان الاختصاص الذي كان مخولا لرؤساء المحاكم الابتدائية نقل بكامله الى رؤساء المحاكم الادارية وان القضاء قال بان القاضي الاستعجالي الاداري يبث في طلبات الاعتداء المدني كما ان لرؤساء المحاكم الادارية ان ينظروا في كل قضية لها صبغة استعجاليه ولا يمكن تفسير الفصل 19 بالتفسير الذي فسره القضاء . وبان هناك عدة مراجع ومن جملتها القرار الصادر عن المجلس الاعلى سنة 1996 وكذا ما نشر في مجلة ريمالد والتي جاء فيها بان القضاء المغربي قد اعطى بعدا للقضاء الاداري وان القضاء الاداري ينظر في طلبات الاعتداء المادي، والتمس القول بعدم الاستجابة الى الدفع المتعلق بعدم الاختصاص اما بالنسبة للدفع الثاني والمتعلق بمناقشة جوهر القضية، فان الدعوى قدمت يوم 08/12/00 وبان اول جلسة كانت يوم 13/12/00 وقد كان على القاضي الاستعجالي البت فيها بصفة فورية، وان الجريدة الرسمية المدلى بها من طرف نائب الطرف المدعى عليه لم تصدر الا بتاريخ 14/12/00 . وان القانون لا يسري باثر رجعي وانما يسري باثر فوري وذلك من تاريخ نشره بالجريدة الرسمية . وبالتالي لا يمكن القول بان القرار صدر عن السيد الوزير الاول يوم 2/12/00 . بل انما صدر من طرف الحكومة وكل الجرائد الوطنية ( الاحداث - الصحراء- بيان اليوم- الشرق الاوسط - الصباح بالعربية والفرنسية - العلم - الاتحاد الاشتراكي ووكالة المغرب العربي ) قد اصدرت يوم 14/12/00 بان الحكومة قد قامت بمنع ثلاث صحف وبالتالي فان الطعن في قرار المنع يمكن ان ينصب على القرار ولو بالسماع، وان لا يمكن الاحتجاج بالمرسوم الذي صدر بالجريدة الرسمية بتاريخ 14/12/00 لان المحكمة قد وضعت يدها على الملف، كما ان المرسوم لا يمكن ان يكون له اثر رجعي، ولا اثر على الدعوى والمراكز القانونية الا من تاريخ نشره . وما على محكمتكم الا ان تبث حسب الوقائع والاحداث لان القرار الصادر بالمنع جاء عن جهة غير مختصة في اصدار مثل هذه القرارات، كما انه يتسم بعدم المشروعية فيمكن ان يكون ماسا بحق من الحقوق الاساسية وهو يعتدي على حق الملكية . وان الحكومة لا يمكنها ان تتخذ هذا القرار لانه يجب ان يصدر من طرف السيد الوزير الاول اما الايقاف فيصدر من طرف السيد وزير الداخلية، وان النص لم يعط الحق للحكومة باصدار هذا القرار. وان دستور 1996 حدد الاختصاصات ولم يوسع صلاحيات الوزير الاول ولى اي وزير على حساب الحقوق الأساسية، بل بالعكس فانه لا يعطي للحكومة المس بالحقوق الاساسية والحريات العامة للافراد . وان هذا المنع يودي الى حرمان الراي العام من معرفة الاخبار، وما دام ان هذا القرار يمس احد الحقوق الاساسية فاننا نكون امام اعتداء مادي وبالتالي تعتبر الحكومة لا صفة لها تماما في اصداره وان قرارها هو قرار معدوم، والقرار المعدوم هو اعتداء مادي، والاعتداء المادي يتم ايقافه اذا نفذ ورفعه ان لم ينفذ . وان التلويح بالاعتداء المادي يعتبره القضاء كالاعتداء المادي نفسه . والتمس القول بان الحكومة ليس لها حق الاعتداء على حرية النشر وان الاعتداء وقع على حرية الحقوق الأدبية لا بالنسبة لجريدة لوجورنال وانما كذلك بالنسبة لجريدة الصحيفة، مع العلم ان هذه الاخيرة قد قامت فقط بنقل خبر من جريدة لوجورنال يوم 27/11/00 كما فعلت عدة صحف منها اليمينية والأغلبية، ولم يقع الاعتداء المادي على هذه الصحف باستثناء جريدة الصحيفة، وان الأوصاف التي جاءت في البلاغ الحكومي على ان هذا الامر بالغ الخطورة واهتزت به اركان المؤسسات الدينية والحزبينة، فما هي هذه المؤسسات الدينية والحزبية التي اهتزت أركانها وكذا المؤسسات السياسية والعسكرية . وان قرار بنجمان اعتبر قرار السيد مدير الامن مسا بحرية التجمع واعتداء ماديا على الكرامة وقام بالغائه، وبان حرية التجمع جزء من النظام العام . وبان القرار الصادر عن الحكومة بني على اسباب سياسية ويجب على القضاء الاداري التدخل لالغائه ورفع الاعتداء المادي والتمس الحكم وفق ملتمساته الواردة بالمقال .
اكد ذ. ماني مرافعة ذ. الجامعي وعقب ذ. الصديقي بان ليس هناك نزاع فيما يخص الفصل 19 وان الوثيقة المدلى بها هي وثيقة رسمية وان قرار الحكومة لا وجود له واكد ملتمساته .
وصرح ذ . لشكر بانه يجد نفسه مضطرا للتعقيب، وذلك انه قد يصدر حكم او قرار . وان الصحافي لا يهمه في الخبر الشكليات وانما المضمون، وان الصحيفة لا يمكن ان توصل للناس والراي العام الا المضمون وليس الشكليات، والتمس الاستجابة للمذكرة الدفاعية .
وادلى ذ. الجامعي بمجموعة من الجرائد وعقب بان هناك تبريرا لصالح الدعوى على ان السيد الوزير الاول والحكومة اصدرا قرارا يوم 02/12/00 ولم ينشر بالجريدة الرسمية الا يوم 14/12/00 . وبان هذا الخبر جاء على لسان الناطق الرسمي باسم الحكومة وحتى البارحة ووزير الثقافة يتكلم عن قرار للحكومة وقد كان على الحكومة ان تتبرا من هذا القرار وتقول انه صدر عن السيد الوزير الاول . وبان الحكومة لم تطبق القانون وخرقت الفصل 77 وانه ليس لها الصلاحية في ا صدار قرار لا شان لها به . وعلى المحكمة القول هل للحكومة الحق في اصدار هذا القرار والتمس الحكم وفق ملتمساته .
فعقب ذ الصديقي بان هناك بلاغا صحافيا وانه ليس هناك قرار، لان القرار صدر عن السيد الوزير الاول طبقا لمقتضيات الفصل 77 من قانون الصحافة، وان السيد الوزير الاول يصدر قراراته بصفته رئيسا للحكومة .
وعقب ذ . ماني انه من المبادئ العامة ان المرسوم او القانون كيفما كان فانه يسري باثر فوري بعد نشره بالجريدة الرسمية وان الحكومة تقول في بلاغها انها قررت منع الصحيفتين وان هذا القرار صدر بالجريدة الرسمية يوم 14/12/00 ولا يمكن الاعتماد على لا هذه الوثيقة مادامت انها جاءت بعد تنفيذ القرار.
وبعد الاستماع الى مرافعات دفاع الاطراف قررنا وضع القضية في المداولة لجلسة 20/12/00 .
وبعد المداولة طبقا للقانون
وعليه فان قاضي الامور المستعجلة :
حيث يهدف الطلب الى اصدار امر برفع الاعتداء المادي المتمثل في منع جريدتين هما لوجورنال والصحيفة من الصدور بناء على قرار اتخذته الحكومة يوم 2 دجنبر 2000 .
وحيث ان الشركة المدعية التي لا تجادل في صدور القرار الاداري بمنع الصحيفتين المذكورتين تتمسك بكون الجهة التي صدر عنها وهي الحكومة غير مختصة في اصداره مما يعني انها تتستدل في طلبها بوجود عيب الاختصاص في اصدار مثل هذا القرار .
لكن حيث ان العيب الذي يؤدي الى انعدام القرار الاداري ويجعله عملا ماديا هو مخالفة القرار للقانون بدرجة يتعذر معها القول بانه يعتبر تطبيقا لقانون او لائحة، وهكذا لا يكفي ان يكون القرار الاداري مخالفا للقانون بل يجب ان تكون تلك المخالفة بالغة الجسامة بحيث تنقطع كل علاقة بين القانون بمعناه الواسع وبين القرار الاداري، وحيث ان هذا المعيار يتفق الى حد كبير مع طبيعة ووظيفة القرار الاداري، اذ القرار الاداري يجب ان يستند باستمرار الى قاعدة قانونية، فادا انقطعت الصلة كلية بينه وبين القاعدة القانونية اصبح قرارا منعدما وعملا ماديا صرفا .
- وحيث انه من الثابت فقها وقضاء ان حالات الانعدام في القرارات الادارية لا تخرج عن حالتين :
- حالة اغتصاب السلطة .
- وحالة مخالفة القرار الاداري للقانون مخالفة موضوعية جسيمة تجعل الموظف وكانه قد خرج عن نطاق الوظيفة الادارية بصورة مطلقة وهذه الحالة تسمى بحالة الاعتداء المادي، والاعتداء كما يعرفه الفقه هو ارتكاب الادارة لخطا جسيم ا ثناء قيامها بعمل مادي يتضمن اعتداء على حرية فردية او على ما ل مملوك لاحد الافراد .
وبناء على ما تقدم يمكن ارجاع فكرة الاعتداء المادي الى العناصر الاتية:
1- اتيان الادارة لعمل مادي تنفيذي سواء تعلق الامر بتنفيذ قرار اداري ام لا ( متى ) شاب هذا العمل خطا جسيم .
2- ان يشتمل التنفيذ على عيب جسيم يخلع عن عمل الادارة الصفة العامة ويحوله الى تصرف مادي وفي جميع الحالات يتعين ان تكون المخالفة القانونية بالغة الجسامة، وقد ادرج الفقه من جملة حالات الاعتداء المادي: الاعتداء على الاموال المنقولة والاعتداء على الحريات العامة كمصادرة جريدة بدون مبرر او بدون وجه حق .
وحيث انه بالنسبة للنازلة المعروضة والرامية الى ر فع الاعتداء المادي المتمثل فلي نظر الطاعنة في منع صدور الصحيفتين المشار اليهما بدون سند قانوني وعلى اساس ان من اصدر امر منعها لا يتوفر على الاختصاص لاتخاذ مثل هذا القرار فانه يتبين من ظاهر ما ادلى به ومما لا تجادل فيه الطاعنة نفسها ان قرار المنع صدر عن الحكومة ونفذ بواسطة الجهاز التابع لها .
وحيث ان الطاعنة اقتصرت على التمسك بوجود عيب الاختصاص دون ان تثبت توافر شروط ومقتضيات الاعتداء المادي المتمسك به والتي من اهمها ارتكاب الجهة التي نفذت القرار المذكور خطا جسيما من شانه ان يفقد كل مشروعية لاجراءات التنفيذ المذكورة، اذ لا يكفي التمسك بعيب الاختصاص مادامت الجهة التي أصدرت القرار الاداري المذكور جهة ادارية وان مجرد عدم اختصاصها لاصدار هذا المقرر على فرض ثبوته لا يعني ان هناك اعتداء ماديا من طرف السلطة المذكورة مادامت عملية منع الصحف تستند الى القرار الاداري المشار اليه .
وحيث ان اختصاص قاضي المستعجلات للبت في النازلة من هذه الزاوية يتوقف اولا وقبل كل شيء على ثبوت توفر عناصر الاعتداء المادي المشار اليها والحالة ان وجود قرار اداري يقضي بمنع الصحف المذكورة من الصدور وما تبعه من صدور مرسوم لاحق عن الوزير الاول في هذا الصدد يجعل اختصاص قاضي المستعجلات غير وارد في النازلة لان من شان البت في قرار المنع المذكور المس بجوهر الموضوع وضرورة مناقشة مشروعية او عدم مشروعية قرار المنع الشيء الذي يتعين معه التصريح بعدم اختصاص قاضي المستعجلات للبت في الطلب .
لهذه الاسباب:
نصرح بعدم الاختصاص للبت في الطلب وابقاء الصائر على صاحبه .
قاضي المستعجلات
مجلة المحاكم عدد85، ص 174