-->

نظرات في إثبات الرجعة التمييز بين الإشهاد على الرجعة وإثباتها

عبد العزيز فتحاوي
 قاضي بالاحوال  الشخصية والميراث 
 بابتدائية البيضاء آنفا 

ان موضوع اثبات الرجعة يطرح اشكالات عدة من الناحية العملية لاسيما اذا تم انكار هذه الرجعة من طرف الزوج او توافر حمل وعقب ابانها وان هذه العجالة التي تقتضيها ضرورة النشر لا تفي الموضوع سؤله وحقه.
وقد ارتأيت قبل نشر اشكالات هذا الموضوع في مؤلف صغير ان  انظر فيه نظرات .

التمييز بين الإشهاد على الرجعة وإثباتها :
ان من المسلم به قانونا ان الاشهاد شيء والاثبات شيء اخر والاشهاد على الرجعة ليس هو اثباتها، وقد استمالني ما ذهب اليه الدكتور صلاح الدين زكي في مؤلفه : احكام قانون الاسرة في الفقه الاسلامي والتشريع المغربي" (1) من تمييز بين الاشهاد على الرجعة واثباتها بخلاف عدة مؤلفات في هذا المجال .

والاشهاد على الرجعة اثار جدلا فقهيا حتى انقسم المذهب المالكي بشان ذلك في اتجاه مشهور واخر غير مشهور.
----------------------
(1) انظر الصفحتين 298 و299 .
----------------------
والمشهور في مذهبنا هذا هو عدم اشتراط الاشهاد على الرجعة، وان تخلف ذلك لا يؤثر في صحة هذه الرجعة، وهذا الجانب في الفقه عندما عارضه قول العزيز الحكيم : " { وأشهدوا ذوي عدل منكم } (2). عاد وتذرع بان هذا الامر انما هو للندب والاستحباب ليس الا (3) ولسد الذريعة لما يمكن ان يطرا من تنكر لهذه الرجعة اصلا. على ان الراي غير المشهور في المذهب المالكي يرى وجوب الاشهاد على الرجعة. اما الشرع المغربي فقد سكت عن الاشارة للاشهاد بالفصل 68 من مدونة الاحوال الشخصية وانما اشار الى ان الرجعة تتم بدون صداق ولا ولي. وهذا السكوت جعل الفقهاء الوضعيين يفسرون موقف المشرع المغربي كل حسب هواه.

ويحضرني ما ذهب اليه الاستاذ عبد الكريم شهبون حين تعليقه على هذا الفصل من ان مدونة الاحوال الشخصية اخذت بالراي المشهور في المذهب المالكي ولم تامر بالاشهاد على الرجعة (4).
الا ان الدكتور الكشبور سار سيرا غريبا في تفسيره للفصل 68، وقال بالحرف بان سكوته عن الاشهاد قد يفيد وجوبه اعمالا لمفهوم مخالفة ذلك النص (5) فالدكتور الكشبور وصل الى نتيجة خاطئة لان المسلك اليها كان خاطئا واذكر ان مقتضيات الرجعة انما ينظمها الكتاب الثاني من مدونة الاحوال الشخصية الذي احال في فصله 82 على الراجع او المشهور او ما جرى به العمل من مذهب الامام مالك، وان هذه الاحالة تسد القصور الذي يشوب الفصل 68 من م ح ش وتغنينا عن الاجتهاد والتخمين وطالما ان المؤلف المذكور قد جانب الصواب في تطبيق مفهوم المخالفة فلا باس ان اعرف هذا الاخير واوضح ما أشكل.

فالمقصود من مفهوم المخالفة ان يقرر نص ما اجراءات ومقتضيات معينة ويرتب على توافرها حكما معينا .
ومفهوم المخالفة يعني ان تتخلف هذه الاجراءات فينتفي الحكم الذي قرره المشرع لينطبق حكم منافي ومخالف.
ولا مثل لذلك بالفصل 68 نفسه فالزوج اذا ارتجع زوجته خارج العدة فلا تصح الرجعة استنادا للمفهوم المخالف للفصل نفسه .
----------------------
(2) الاية 2 من سورة الطلاق .
(3) قال الشيخ خليل في باب الرجعة " وندب الاشهاد".
(4) انظر الصفحة 286 الجزء أ. من مؤلفه شرح مدونة الاحوال الشخصية .
(5) انظر الصفحة 312 من مؤلفه قانون الاحوال الشخصية "  الزواج والطلاق".
----------------------
وكمثال ساخر جاء في تحفة ابن عاصم في باب اثبات نفقه الزوجة :
ناكرها في قولها في الحين فالقول قوله مع اليمين
أي ان الزوج اذا حضر وادعى الانفاق فلا نفقة لزوجته اذا ادى  اليمين، اما اذا سكت ولم يدع الانفاق ولم ينكر الزوجة في دعواها، فالمفهوم المخالف لقول المتحف يحتم القضاء للزوجة بنفقتها.
فمن هذا المنطلق ومن مقتضيات الفصل 68 والفصل 82 من م ح ش يمكننا الجزم حسب المشهور في المذهب المالكي انه لا وجوب للاشهاد على الرجعة.
ولعل تمييزي في اول هذه العجالة بين الاشهاد على الرجعة واثباتها لم يكن مجانيا او اعتباطا ذلك لانه خلط الاوراق على كل من الدكتور الكشبور (6) والدكتور شهبون (7)، وذلك عندما تطرقا لقرار المجلس الاعلى عدد 150 بتاريخ 16/3/1981 الصادر في الملف الاجتماعي عدد 88867 والمنشور بمجلة قضاء المجلس الاعلى عدد 28 ص 144، والذي جاء فيه :
" اعلام المراة برجعتها من طرف العدل الواحد ……. لا يفيد ما دام لم يتم ذلك بحضور عدلي الاشهاد بالرجعة، لان الرجعة كالنكاح لا تثبت الا بعدلين". فقد ذهب الدكتور الكشبور الى ان المجلس الاعلى في قراره هذا خالف راي جمهور فقهاء المالكية اذ اعتبر ان الرجعة هي بمثابة نكاح جديد يشترط فيها ان تتم بواسطة عدلين منتصبين للاشهاد.

واضاف المؤلف المذكور من عنده انه لا يجوز للمحكمة ان تعتد بالبينة الشرعية لاثباتها الا اذا بررت ذلك باسباب جد معقولة خروجا عن القاعدة العامة الخاصة بالاثبات، في حين ذهب الاستاذ شهبون الى ان هذا القرار سد الفراغ "  يعني فراغ المدونة من وجوب الاشهاد على الرجعة".
واضاف بانه لا تثبت الرجعة الا بعدلين كالنكاح .

تحليل قرار المجلس الاعلى المذكور :
واقول بان استقرائي للقرار المذكور بكافة وقائعه وتعليلاته، جعلني اقف على قصور واضح في التمييز بين الاشهاد والإثبات، فالقرار المذكور لم يتطرق لضرورة الاشهاد على الرجعة بعدلين،
-------------------------
(6) انظر الصفحة 312 من المرجع السابق .
(7) انظر الصفحة 287 الجزء أ من المرجع السابق .
-------------------------
وانما  اثار مسالة اعلام الزوجة برجعتها من طرف عدل واحد، عندما ثار النزاع حول العلم بالرجعة الذي يعتبر امرا لاحقا للرجعة بدليل ان قيام الزوج بارتجاع (8) زوجته الشيء واعلامها بالرجعة شيء اخر، ومسالة العلم من عدمه لا تخرج عن كونها مسالة اثباتية لا علاقة لها بالاشهاد في شيء.

والا لو فسرنا قرار المجلس الاعلى تفسير الفقيهين المذكورين لكان مخالفا للمشهور في المذهب المالكي الذي يحيل عليه الفصل 82 من م ح ش ولو قلنا جدلا انه اخذ بالراي غير المشهور في المذهب المالكي لمخالف الفصل المذكور ومس قاعدة " لا اجتهاد مع النص" في الصميم(9).

وتعميما للفائدة اضيف بشان القرار المذكور انه اذا حتم ضرورة اعلام الزوج لزوجته بالرجعة يكون قد خالف الفقه المالكي، الذي يذهب الى ان الاعلام بالرجعة مستحب فقط. 
وفي ذلك يقول الخرشي معلقا على قول الشيخ خليل : " واصابت من منعت له" "وكما يندب للمطلق الاشهاد على الرجعة كذلك يندب له اعلامها ايضا(10)".

ومن نافلة القول فما ذهب اليه المجلس الاعلى من ضرورة توافر عدلين في اثبات الرجعية يوافق ما ذهب اليه الفقه المالكي على اعتبار ان الرجعة ليست بمال ولا تؤول الى المال حتى يعتمد بشانها عدل واحد ويمين او امرأتان ويمين (11).

مدى حجية اللفيف العدلي 
في إثبات الرجعة :
ان التساؤل الذي يطرح علميا هو ما اذا كان اللفيف العدلي يقوم مقام العدلين في اثبات الرجعة.
-------------------------
(8) استعملت عبارة ارتجع لان استئناف العلاقة الزوجية بعد الطلاق اما رجعة، او مراجعة او ابتداء نكاح. فالاولى تكون في عدة الطلاق الرجعي وتستعمل لها عبارة ارتجع، والثانية تكون عند بينونة الطلاق وتستعمل لها عبارة راجع، والثالثة تكون عند البينونة الكبرى.
(9) اذا احالت المدونة على قاعدة فقهية بمقتضى نص كالفصل 82 فان هذه القاعدة تعتبر بمثابة نص قانوني كنصوص المدونة سواء بسواء.
(10) انظر الصفحة 87 من مؤلف الخرشي على مختصر الشيخ خليل الجزء الرابع .
(11) انظر الصفحة 192 من مؤلف وسائل الاثبات في الفقه الاسلامي للدكتور محمد بن معجوز.
------------------------
اشير هنا الى ان شهادة اللفيف (12) كانت اول الامر تعتبر بمنزلة الشاهد واليمين، ولم تكن تقبل الا في الدعاوي المالية، الى ان جرى العمل بفاس ان اصبحت تقبل في كل شيء وهذا ما اكده التاودي عند شرحه للامية الزقاق اذ قال : " والعمل الان بها في الاموال وغيرها(13)".

كما ذهب المجلس الاعلى في قراره عدد : 354 الصادر بتاريخ 21/3/1987 المنشور بمجلة قضاء المجلس الاعلى عدد 39 ص 141 الى ان : " شهادة اللفيف التي يتلقاها العدول نيابة عن قاضي وتسجل عليه بمثابة شهادة العدول في اثبات الحقوق وليست مجرد لائحة شهود. ولا يلزم شهودها باداء اليمين .
وجاء عن ابي الشتاء بن الحسن الغازي الشهير بالصنهاجي قوله :
شهادة اللفيف كالعدلين جرى بها العمل دون يمين

فمن هذا المنطق اجزم بان اللفيف العدلي يقوم مقام العدلين في اثبات الرجعة. 
اما قول الدكتور الشكبور بان اعتماد البينة الشرعية يجب ان يكون مبررا باسباب معقولة .
يغنينا عنه استماع المحكمة لشهود اللفيف كل على حدة بعد اداء اليمين القانونية اذا نازع الطرف الاخر. وهذا ما تسير عليه ابتدائية البيضاء انفا بشان اللفيفيات.

وقد صادفت ان صاحب العمل الفاسي ذكر ان القاضي ابن سود كان ينهج هذا النهج(14).
وجاء في نظمه :
وشاع فيما ذكر الجيلالي تخصيص اللفيف بالاحوال
وعند تحليف الذي شهد له مع اللفيف قد وجدنا عمله
وحلف ابن سودة الشهود من اللفيف لفجور زيد (15).
-------------------------
(12) جرى العمل ان يقبل في اللفيف العدلي 12 رجلا. اما الشهادة التي يقل فيها هذا النصاب فتسمى في فقه الوثائق : تلقيه.
(13) انظر الصفحة 324 من مؤلف مواهب الخلاف على شرح التاودي للامية الزقاق الجزء 1.
(14) انظر الصفحة 245 من مؤلف وسائل الاثبات في الفقه الاسلامي للدكتور بن معجوز المزغراني .
(15) جاء ذكرها في بحث الاستاذ الواحد العلوي المحامي العام بالمجلس الاعلى، بعنوان : " مقدمة في الوثائق وفقهها في التشريع الاسلامي".
-------------------------

* مجلة المحاكم المغربية، عدد 66، ص 71 .

Sbek net
كاتب ومحرر اخبار اعمل في موقع القانون والقضاء المغربي .

جديد قسم : أبحاث قانونية مغربية