-->

المعطيات القانونية لدعوى استرجاع ضريبة النظافة

الاستاذ عبد الفتاح بنوار محام بهيئة الرباط

ان الدعاوي التي يرفعها المكري في مواجهة المكتري، والرامية الى اداء ضريبة النظافة، توضع أحيانا في قالب مسطري غير متناسق مع الطبيعة القانونية لهذا النوع الخاص من الدعاوي الكرائية.

كما ان بعض الأحكام الصادرة فيها تتضمن تعليلا اساسيا مفاده ان ضريبة النظافة يتحمله المكتري" بقوة القانون"، وهذه إشارة ضمنية الى القاعدة الواردة في الفصل الثالث من ظهير 25 دجنبر1980.

ويما ان الفصل642 من قانون الالتزامات والعقود، والذي لازال ساري المفعول الى جانب التشريع الجديد المطبق على الكراء السكني والمهني، ينص من جهته على ان المكري " يلتزم  … بدفع الضرائب وغيرها من التكاليف المفروضة على العين المكراة، ما لم ينص العقد او العرف بخلاف ذلك" فإننا نلمس على الفور ان الإشكالية المطروحة تكمن اساسا في تحديد الطبيعة القانونية لدعوى المكرى الرامية الى اداء ضريبة النظافة.
ان تحديد الطبيعة القانونية لهذه الدعوى يعتبر ضروريا لأنها غير قابلة لازدواجية الأساس القانوني (1)، أي انه لا يمكن التوفيق بين القاعدة الواردة في الفصل الثالث من ظهير 25/12/1980 وتلك التي يتضمنها الفصل642 من قانون الالتزامات والعقود.

-------------------
(1) كما هو الشان بالنسبة لدعوى الفسخ التي ترتكز على احدى الاسباب المنصوص عليها في الفصل692 من قانون الالتزامات والعقود والتي يمكن ان تقام في إطار الفصل او طبقا للمسطرة المنصوص عليها في ظهير25/12/1980
راجع قرار المجلس الاعلى رقم 1884 الصادر بتاريخ 24 يوليوز1985 في الملف عدد 97197، منشور بمجلة القضاء والقانون عدد137، صفحة135.
------------------
ومن جهة أخرى، فان البث في الصفة في دعوى استرجاع ضريبة النظافة يقتضي التمييز بين المنازعة في استمرار العلاقة الكرائية قبل كل دفاع في الجوهر، وبين المنازعة التي تتخذ شكل وجه من اوجه الدفاع.

1- الطبيعة القانونية لدعوى المكري الرامية الى اداء ضريبة النظافة.
ينص الفصل الثالث من ظهير 25/12/1980 على ان المكتري " يؤدي …. علاوة على وجيبة الكراء - مقابل إثبات - واجبات الخدمات والمواد المتعلقة باستعمال الأماكن المكراة، او تعويضا إجماليا عن التكاليف الكرائية كما هي محددة في النصوص التنظيمية الجاري بها العمل. وفي حالة عدم اتفاق الأطراف يحدد هذا التعويض من طرف القاضي".

ويستنتج من هذه المقتضيات ان التكاليف الكرائية تقع على عاتق المكتري بقوة القانون.
وهنا يجب ملاحظة ان ضريبة النظافة لا تدخل ضمن التكاليف الكرائية.
ذلك ان ضريبة النظافة تعتبر من جملة التحملات البلدية، وإنها تفرض على صاحب الملك الملزم باداء ضريبة المباني دون ان يكون ذلك متوقفا على استعمال الأماكن الخاضعة لها (2) او على استفادة المالك او الغير الفعلية من الخدمات البلدية.
كما يجب ملاحظة انه في حالة كراء المحل الخاضع لضريبة النظافة، فان المكتري لا يكون ملزما بادائها للمالك الا إذا كان قد التزم بها،  وهذا ما يستفاد من الفصل642 من قانون الالتزامات والعقود الذي نص على ان المكري " يلتزم …. بدفع الضرائب وغيرها من التكاليف المفروضة على العين المكراة، ما لم ينص العقد او العرف بخلاف ذلك"
ومن الأكيد ان هذا الفصل يقرر قاعدة عامة تظل سارية المفعول، وتطبق على جميع عقود كراء المحلات السكنية والمهنية متى توافرت عناصر تطبيقها، طالما ان ظهير25/12/1980 لم يستثن ضمن أحكامه تطبيق هاته القاعدة باستثنائها من عموم مقتضياته (3).
-------------------------
(2) ان ضريبة النظافة تفرض حتى على الأماكن التي يسكنها  مالكوها، بل حتى على العقارات المغلقة.
(3) ان المشرع استبعد بالفصل8 من ظهير 25/12/1980 الفصول687،688،697 والفقرة الثانية من الفصل698 من قانون الالتزامات والعقود. ومن ضمن الفصول التي بقيت سارية المفعول الى جانب مقتضيات التشريع الجديد المطبق على الكراء السكني والمهني، نجد الفصل692 والفصل659 من قانون الالتزامات العقود (راجع فيما يخص هلاك العين المكراة، قرار المجلس الاعلى رقم2444، الصادر بتاريخ11 نونبر1987 في الملف المدني عدد 353/85، منشور بمجلة قضاء المجلس الاعلى عدد41 نوفمبر1988، صفحة 32).
--------------------
وقد اصدر المجلس الاعلى قرارا بتاريخ 18 ماي1981 جاء فيه:
حيث التزمت الشركة المدعى عليها المطلوبة في النقض بالتحملات البلدية حسب الفقرة الثامنة من الفصل الثاني من عقدة الكراء الموجودة بالملف، وان الفصل642 من قانون الالتزامات والعقود يبرر ذلك، وان الشركة أصبحت ملزمة بما التزمت به طبقا للفصل230 من نفس القانون(4).
" حيث ان ضريبة النظافة من جملة التحملات البلدية.
" وحيث ان ضريبة النظافة…. تفرض في وقت واحد مع ضريبة المباني على صاحب الملك الذي يؤديها لمصلحة الضرائب المختصة على ان يسترجعها من المكتري ان كان هذا الأخير قد التزم بها.
" وحيث ان الحكم المطعون فيه لم يراع ما سبق فجاء مبنيا على تعليل خاطئ فتعرض بسبب ذلك للنقض"(5).

وهذا القرار يزيل كل غموض حول طبيعة هذه الدعوى وذلك بجعلها " دعوى استرجاع" تستمد أساسها القانوني من الفصلين230 و642 من قانون الالتزامات والعقود.
كما جاء في قرار لاحق أصدره المجلس الاعلى بتاريخ 30 مارس1987 ما يلي: " لكن حيث ان الثابت من وثائق الملف ان ضريبة النظافة قد وجبت فعلا وأدلي بما يثبت تحصيلها جبائيا عن العين المكتراة، وان من حق المكري الملزم بها الناقل عبأها الى المكتري ان يسترجعها منه وديا او قضائيا "(6).

فغني عن البيان إذن ان المكري الملزم باداء ضريبة النظافة لا يمكنه ان يطالب باسترجاعها من المكتري إلا اذا كان قد نقل عبأها اليه بمقتضى العقد، وان المطالبة بها عن طريق القضاء تعتبر دعوى استرجاع لا من قبيل دعاوي الأداء التقليدية.
-------------------
(4) ينص الفصل230 من قانون الالتزامات والعقود على ما يلي:
" الالتزامات التعاقدية المنشأة على وجه صحيح تقوم مقام القانون بالنسبة الى منشئيها، ولا يجوز إلغاؤها الا برضاهما معا او في الحالات المنصوص عليها في القانون".
(5) المجلس الاعلى، الغرفة الاجتماعية، القرار رقم261 الصادر بتاريخ 18 ماي1981 في الملف الاجتماعي عدد 508/89، منشور بمجلة المحاكم المغربية، عدد 43، 1986، صفحة78.
(6) المجلس الاعلى، الغرفة المدنية، القرار رقم 600، الصادر بتاريخ 30 مارس1987 في الملف المدني عدد 1496/86، منشور بمجلة قضاء المجلس الاعلى عدد، 40، دجنبر1987، صفحة11
---------------------

2- حول الصفة في دعوى استرجاع ضريبة النظافة.
من البديهي انه لا يمكن سماع الدعوى الا ممن له الصفة لإثبات حقوقه، وهذه القاعدة تعتبر من صميم النظام العام.
واثبات الصفة في دعوى استرجاع ضريبة النظافة يكون عادة بواسطة شهادة الملكية او عقدة الكراء او حكم سابق حاز قوة الشيء المقضي به(7) كما هو الشان في باقي النزاعات الكرائية.

لكن القوة الثبوتية لعقدة الكراء و كذا حجية الشيء المقضي به تعتبران نسبية في النزاعات الكرائية بصفة عامة، وفي دعوى استرجاع ضريبة النظافة بصفة خاصة، وذلك بسبب قابلية العين المكتراة للتفويت أثناء قيام علاقة كرائية.

حيث يجدر التذكير انه في حالة تفويت العين المكراة، فإن المالك الجديد يحل محل من تلقى الملك عنه في كل حقوقه والتزاماته الناتجة من الكراء القائم قبل التفويت ( الفصل694 من قانون الالتزامات والعقود)(8).

فالمالك الذي يقوم بتفويت العين المكراة لأحد فروعه مثلا(8)، والراغب في إخفاء واقعة التفويت على المكتري، قد يستمر في مقاضاة هذا الأخير، مستدلا لاثبات الصفة بحكم سابق او مستشهدا بعقدة الكراء الموجودة بين يديه.
والذي نريد ان نصل اليه هوانه اذا ما نازع المكتري في استمرار العلاقة الكرائية بينه وبين المدعي، وجب التمييز بين المنازعة قبل الدفاع في الجوهر، وبين المنازعة أثناء مناقشته.
فإذا نازع المكتري، قبل كل دفاع، في استمرار العلاقة الكرائية بسبب تفويت العين المكراة، فان هذه المنازعة دفعا بعدم القبول لانعدام الصفة في التقاضي.

اما إذا نازع المكتري في استمرار العلاقة الكرائية أثناء الدفاع في جوهر القضية، فان مثل هذا الدفع يعتبر غير مقبول عملا بأحكام الفصل49 من قانون المسطرة المدنية(10).
---------------------
(7) مع العلم ان هناك وسائل إثبات أخرى لم نذكرها وان كانت بدورها شائعة كالإقرار القضائي او الغير القضائي.
(8) ينص الفصل694 من قانون الالتزامات والعقود على انه: " لا يفسخ عقد الكراء بالتفويت الاختياري او الجبري للعين المكتراة، ويحل المالك الجديد محل من تلقى الملك عنه في كل حقوقه والتزاماته الناتجة من الكراء القائم، بشرط ان يكون هذا الكراء قد اجري بدون غش، وان يكون له تاريخ سابق على التفويت".
(9) ان تفويت العين المكراة لأحد فروع المالك والذي غالبا ما يتم عن طريق الهبة، هي حالة شائعة وكثيرا ما يخفيها المالك السابق على المكتري.
(10) ينص الفصل49 من قانون المسطرة المدنية على انه: " يجب ان يثار في ان واحد وقبل كل دفاع  في الجوهر الدفع
--------------------
فالقاضي يكون ملزما في هذه الحالة الأخيرة بالتصريح بقبول الدعوى بناء على عقدة الكراء المدلى به او استنادا الى الحكم السابق المستدل به، على ان يتأكد عند البت في جوهر الدعوى من وجود السبب المبني عليه الطالب.

والسبب في دعوى استرجاع ضريبة النظافة يكمن من جهة في التزام المكتري بادائها، ويكمن من جهة أخرى في  إثبات التحصيل الجبائي للضريبة المطلوب استرجاعها.

وحتى وان فرض ان كان المكتري قد التزم باداء ضريبة النظافة، فان عدم إثبات التحصيل الجبائي من طرف المدعي يؤدي حتما الى الحكم برفض الطلب لانعدام السبب، وذلك قياسيا على ما جاء في قرار المجلس الاعلى بتاريخ 14/9/1983، والذي جاء فيه:
"... ان المحكمة قضت عن صواب برفض الدعوى ولم تأخذ حجية الشيء المستدل به لانتفاء شروط قيامها لكون الشيء المطلوب في هذه الدعوى وان كان هو مقابل الكراء الذي سبقت المطالبة به في الدعوى السابقة الا ان الفترة الزمنية المطالب بها حاليا ليست هي نفس الفترة السابقة علاوة على ان السبب المبني عليه الطلب حاليا لم يعد موجودا بسبب انتقال حق استغلال الرخصة الى الغير وبذلك فن القرار المطعون فيه لم يخرق مقتضيات الفصل451 من قانون الالتزامات والعقود (11).

وهكذا يتضح ان مراقبة التحصيل الجبائي للضريبة المطلوب استرجاعها تعتبر وسيلة منطقية ومجدية لحماية المكتري الذي فوت عليه فرصة المنازعة في صفة المدعي ، ما دام انه يتعين على القاضي ان يبت دائما طبقا للقوانين المطبقة على النازلة ولو لم يطلب الأطراف ذلك بصفة صريحة(12).
--------------
بإحالة الدعوى على محكمة أخرى لتقديمها امام محكمتين مختلفتين او لارتباط الدعوتين والدفع بعدم قبول والا كان الدفعان غير مقبولين".
(11) المجلس الاعلى، القرار رقم 1903 الصادر بتاريخ14/9/1983 منشور بمجلة قضاء المجلس الاعلى، عدد 35/36، مارس 1985، صفحة37.
(12) الفصل الثابت من قانون المسطرة المدنية.
---------------

* مجلة المحاكم المغربية، عدد 64-65، ص67.

Sbek net
كاتب ومحرر اخبار اعمل في موقع القانون والقضاء المغربي .

جديد قسم : أبحاث قانونية مغربية