-->

اشكالية جناية المواقعة بغير الرضا ( الاغتصاب ) في قانون العقوبات الليبي



احمد محمد بونة  استاذ بجامعة خليج سرت ليبيا
تمهيد وتقسيم :
الحرية الجنسية حماها المشرع الليبي  كغيره  من التشريعات الاخرى، باعتبار ان الاعتداء على هذه الحرية يتمثل في اكراه الشخص على مسلك جنسي يرفضه وتاباه الشرائع والاعراف والقيم الاجتماعية التي تحصر السلوك الجنسي المشروع بين الزوجين فقط .
لقد نص المشرع الليبي على جريمة المواقعة وبين عقوباتها  في  الباب  الثالث  من الكتاب الثالث من قانون العقوبات تحت عنوان ( الجرائم ضد الحرية والعرض والاخلاق) في المواد ( من 424 - 407)، الا اننا نكتفي في هذا المقام بدراسة  جريمة  المواقعة  المنصوص عليها  في  المادة       ( 407 ق ع ل ) المعدلة بالقانون رقم 70 لسنة 1973 م في شان اقامة حد الزنا وتعديل بعض احكام قانون العقوبات .

كما نقوم باطلالة على القانون المذكور اعلاه كلما كان ذلك لازما، ونشير ايضا الى القانون رقم 10 لسنة  1985 م بتقرير بعض الاحكام الخاصة بجرائم الاداب العامة الذي اعتبر الجرائم المرتكبة ضد الحرية والعرض والاخلاق المنصوص عليها في الباب الثالث من الكتاب الثالث من قانون العقوبات ومن بينها جريمة المواقعة دون الرضا معتبرا اياها من الجرائم المخلة بالشرف التي يحرم من تطبق عليه من ميزات هامة في الحياة العملية .

فتنص المادة (407 من ق ع ل) المعدلة بالقانون رقم 70 لسنة 1973 في شان اقامة حد الزنا وتعديل بعض احكام قانون العقوبات على انه :
1) كل من واقع اخر بالقوة اوالتهديد اوالخداع يعاقب بالسجن مدة لا تزيد عن عشر سنوات .
2) وتطبق العقوبة ذاتها على من واقع ولو بالرضا صغيرا دون الرابعة عشرة او شخصا لا يقدر على  المقاومة  لمرض  في  العقل او الجسم، فاذا كان المجني عليه قاصرا اتم الرابعة عشرة ولم يتم الثامنة عشرة فالعقوبة بالسجن مدة لا تزيد على خمس سنوات .
3) واذا كان الفاعل من اصول المجني عليه او من المتولين تربيته او ملاحظته او ممن لهم سلطة عليه او كان خادماعنده اوعند من تقدم ذكرهم يعاقب بالسجن ما ببين خمس سنوات وخمس عشرة سنة .
4) وكل من واقع انسانا برضاه يعاقب هو وشركه بالسجن مدة لا تزيد على خمس سنوات.
كما تنص المادة الاولى من قانون اقامة حد الزنا رقم 70 لسنة 1973 م على ان " الزنا هو ان ياتي رجل وامرة فعل الجماع بغيران تكون بينهما علاقة الزوجية المشروعة".
وتنص المادة الثانية في الفقرة الاولى من القانون ذاته على ان " يجلد الزاني بالجلد مائة جلدة ويجوز تعزيره بالحبس مع الجلد".

من خلال هذه النصوص نلاحظ ان هناك تجريما لفعل الجماع غير المشروع في قوانين اثنين، الاول قانون العقوبات، والثاني القانون الخاص في شان اقامة حد الزنا .
ففي العمل فان النيابة العامة تقوم باحالة المتهم الى المحاكمة بتهمتين، الاولى بارتكابه فعل الزنا غير المشروع طبقا لقانون حد الزنا رقم 70 لسنة 1973 م، اما الثانية فهي جناية المواقعة طبقا لاحكام ( المادة 407 ق ع ل)، على اعتبار ان قانون حد الزنا اولى بالتطبيق واستبعاد احكام قانون العقوبات وذلك بايقاف تنفيذ عقوبة الحد المنصوص عليه في هذا القانون ولااستبدال غيرها بها ولا تخفيضها ولا العفو عنها" .

كما استقر قضاء المحكمة العليا الليبية على عدم تطبيق احكام ( المادة 407 ق ع ل) الا في حالة امتناع اقامة الحد في جريمة الزنا عند تخلف دليلها الشرعي او سقوط احد الاركان الواجب توافرها فيه، وذلك ما جاء في احد احكامها بان " امتناع اقامة الحد في جريمة الزنا ليس من شانه افلات الجاني من العقاب عن فعل الوطء المحرم متى ثبت ارتكابه له وفقا لوسائل الاثبات المقررة في المسائل الجنائية، اذ ان القانون رقم 70 لسنة 1973 م في شان اقامة حد الزنا لم يلغ نص المادة 407 من قانون العقوبات والخاصة بالعقاب على المواقعة .

كما ان القانون المذكور قد تضمن ما يؤكد رغبة المشرع في العقاب تعزيرا على المواقعة وذلك باضافته في المادة الثامنة منه فقرة رابعة الىالمادة 407 من قانون العقوبات تعاقب على المواقعة بالرضا لطرفيها، وكذلك ما نص عليه في الفقرة الاخيرة من المادة العاشرة من قانون اقامة حد الزنا من احكام القانون المذكور لا تخل باحكام القانون العقوبات، وهذا المسلك من المشرع ليس فيه خروج على نصوص الشريعة الاسلامية ومبادئها العامة، ذلك لان امتناع اقامة حد الزنا لتخلف الدليل الشرعي او لانتفاء ركن من الاركان اللازمة لاقامته لا ينفي عن فعل الوطء المحرم كونه معصية وهو بهذا الوصف يعطي الحق لولي الامر ان يقرر له العقاب المناسب حماية للمجتمع وصونا للاعراض ولا يكون هناك تعارض بين عدم قيام جريمة الوطء المحرم كجريمة زنا معاقب عليها حدا وقياما كجريمة مواقعة معاقب عليها تعزيزا لكونها من المعاصي" (1) .

غير ان الذي يهمنا في هذا السياق هو جناية المواقعة حسب نص المادة (407 ق ع ل) اما قانون اقامة حد الزنا فاننا سنتعرض له بالقدر اللازم من خلال ثنايا هذا البحث .
كما نشير الى القانون رقم 10 لسنة 1985م بتقرير بعض الاحكام الخاصة بجرائم الاداب العامة، حيث اعتبر الجرائم المرتكبة ضد الحرية والعرض والاخلاق المنصوص عليها في الباب الثالث من الكتاب الثالث من قانون العقوبات - جناية المواقعة دون الرضا هنا - من الجرائم المخلة بالشرف يترتب على الادانة به الحرمان من تولي بعض المناصب والصلاحيات .
وعليه يمكن تقسيم هذا الموضوع الى المباحث الاتية :
المبحث الاول : اركان جناية المواقعة .
المبحث الثاني : الشروع في المواقعة .
المبحث الثالث : عقوبة جناية المواقعة بغير الرضا .
المبحث الرابع : الظروف المشددة .
وعلى ذلك تتضح الصورة .
---------------
جلسة 27 اكتوبر 1981 م، مجلة المحكمة العليا الليبية، س 18، عدد 2 و 3، ص 98 وما بعدها .

المبحث الاول
" اركان جناية المواقعة"
تقوم جناية المواقعة على ركنين اساسيين هما :
1- الركن المادي
2- الركن المعنوي
وعليه سنعالج هذين الركنين كل في فقرة مستقلة .

الفقرة الاولى : الركن المادي
ونفصل القول في عناصر الركن المادي الذي يتحقق بمواقعة الغير دون رضاه، وذك في عنصرين اثنين فنقول:
العنصر الاول : فعل المواقعة : يتحقق فعل المواقعة بالاتصال الجنسي اي بايلاج الجاني عضو التذكير في قبل او دبر المجني عليها - او عليه - ويستوي في ذلك ان يكونا ( الجاني والمجني عليه) من جنس مختلف ذكر وانثى او من جنس واحد كاتيان الذكر للذكر .

وقد خالف قانون العقوبات الليبي بهذا المسلك غيره من التشريعات (1) التي لا تعتد في المواقعة الا باختلاف الجنسين، اي مواقعة رجل لامراة في المكان الطبيعي للوطء - اي القبل - حيث اقتبس ذلك من نص المادة (519 عقوبات ايطالي ) (2) واستقر عليه الفقه والقضاء في ايطاليا، كما استقر عليه ايضا قضاء المحكمة العليا الليبية حيث قضت في حكم لها بان " القانون الليبي اذ عبر في جريمة المواقعة المنصوص عليها في المادة (407 ق ع ل) بعبارة ( كل من واقع اخر) انما قصد بذلك عقاب من يرتكب هذه الجريمة على اي من الجنسين بغير تفرق بين الذكر والانثى،  فكلمة المواقعة الورادة في النص انما تنصرف الى مواقعة الذكر للانثى واتيان الذكر للذكر - وبهذا المعنى جرى نص المادة 519 من قانون العقوبات الايطالي الذي نقلت عنه المادة…
------------------
1- كما لقانون الجنائي المغربي قانون العقوبات المصري .
2- التي تعتبر المصدر التاريخي للمادة (407 من ق ع ل ) .
-------------------
407 واستقر عليه اجماع الفقه والقضاء في ايطاليا  - وحتى كان ذلك فلا محل للتحدي لان بعض التشريعات الاخرى قد نهجت علىغير هذا المذهب متى كان النص المراد تفسيره هو منقطع الصلة بهذه التشريعات وغير مستمد او مقتبس منها" (1) .
واذا تم الايلاج في قبل او دبر فيستوي -  بعد ذلك ان يكون الجاني قد ادخل كل او جزء من عضوه التناسلي، بلغ الشهوة (2) ( الوطر ) ام لا، كما لا يشترط فض غشاء البكارة عند المراة .
وبطبيعة الحال فان فعل المواقعة لا يقع من زوج على زوجته حتى وان ارغمها على الوطء بدون رضاها اذ  ذلك حق له بمقتضى عقد الزوجية، اما اذا انقضت عدتها من طلاق بائن فان الجريمة تقوم (3) .
ولا تقوم الجريمة بعبث يد الجاني بالاعضاء التناسلية للمراة ولو ادخل اصبعه في فرجها، او حتى ملامسة عضوه التناسلي فرجها وامنى عليه (4) .
ولا يجوز فعل المواقعة الا اذا كان احد طرفيه رجلا، اذ المتصور ان الرجل هو الجاني والمراة هي المجني عليها،  فلا تقوم الجريمة من انثى فذلك يعد هتك عرض في حالة ما تم الفعل بغير رضا المجني عليها، اما اذا تم بالرضا فلا جريمة، واما اذا تم الفعل علانية فان الجريمة التي تتحقق هي الفعل الفاضح المخل بالحياء .
----------------
1- جلسة 7 ديسمبر 1955 م، مجموعة المبادئ القانونية، ج 1، ص 309 .
2- حسن صادق المرصفاوي،  المرصفاوي في قانون العقوبات الخاص، 1991، منشاة المعارف الاسكندرية، مصر، ص، 643، مبروك السنهوري، التشديد والتخفيف في قانون العقوبات المصري، ط 1، 1993، مؤسسة الثقافة الجامعية، الاسكندرية،  مصر، ص 624، احمد الخمليشي، القانون الجنائي الخاص، ج 2، ط 2، 1405 - 1986، مطبعة المعارف الجديدة، الرباط، المغرب، ص 266، ابو المعاطي حافظ ابو الفتوح، شرح القانون الجنائي المغربي، القسم الخاص ط 1، 1403 - 1983، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، المغرب، رقم 190، ص 167 .
3- ابو المعاطي حافظ ابو  الفتوح،  المرجع السابق، رقم 190، ص 167 .
4- محمد رمضان باره، قانون العقوبات الليبي، القسم الخاص، الجزء الاول جرائم الاعتداء على الاشخاص،  ط 2، 1403، و. ر - 1993، الدار الجماهرية للنشر والتوزيع والاعلان،  مصراته، ليبيا، ص 204 مبروك السنهوري،  المرجع السابق، ص 625 .
------------
ويشترط ان يتم فعل المواقعة على انسان حي، اما اذا وقع الفعل عليه بعد وفاته (1)، او على حيوان فالجريمة لا تقوم لانعدام الحرية الحسية لديه ويمكن ان يكون جرائم اخرى كاهانة الجثث المادة (292 ق ع ل)، او القسوة على الحيوان المادة ( 502 ق ع ل) .

وهنا يثار سؤال مهم : وهو هل فعل المواقعة الذي نصت عليه المادة (407 ق ع ل ) هو ذات الفعل المنصوص عليه في قانون اقامة حد الزنا رقم 10 لسنة 1973 م ؟
واي النصين واجب التطبيق قبل الاخر ؟
للاجابة على هذا السؤال اقول :
تنص المادة الاولى من قانون اقامة حد الزنا على ان " الزنا هو ان ياتي رجل وامراة فعل الجماع بغير ان يكون بينهما علاقة الزوجية المشروعة" .
وبما ان الاحالة الواردة في المادة (10) من نفس القانون تنص على ان : " يطبق المشهور من ايسر المذاهب فيما لم يرد بشانه نص خاص في هذا القانون بالنسبة الى جريمة الزنا المعاقب عليه حدا …" (2) .
ومؤدى هذا النص يقود الى القول بانه اذا كانت عبارة معينة تحتمل التاويل بالنسبة الى فعل من الافعال بحيث يجب الحد على قول ويمتنع على قول اخر فانه يجب  الاخذ بالمذهب القائل بالمنع لانه المذهب الايسر، والايسر هو ما فيه مصلحة المتهم(3)، ومن جهة اخرى فان راي الامام ابي حنيفة ان فعل الوطء من الدبر لا يوجب الحد لا على الوطء ولا على الموطوء ذكرا كان او انثى،  واذا ان الوطء حراما لان الزنا هو الوطء الحرام في القبل، فاللواط  ليس بزنا ولا في معنى الزنا من اشتباه الانساب وتضيع الولد ولم يوجد ذلك في الفعل (4) .
------------------
1- حسن صادق المرصفاوي، المرجع السابق، ص 644، ادواز غالي الذهبي، الجرائم الجنسية للتشريع الليبي المقارن، ط 1، 1973، المكتبة الوطنية، بنغازي، ليبيا، ص 111 .
2- راجع القانون رقم 8 لسنة 1975 م الذي ينص على ان يستعاض عن عبارة " المشهور في مذهب الامام مالك"  اينما وردت في التشريعات الحدود بعبارة المشهور من ايسر المذاهب .
3- جلسة 25 يونيه 1974 م، مجلة المحكمة العليا الليبية، س 11، عدد 2، ص 195 .
4- علاء الدين ابي بكر بن مسعود الكاساني، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، ط 2، 1982 م، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان، ص 7، ص 33، وما بعدها .
-----------------
وينبني على ذلك ان تبطيق حد الزنا لايتم الا بايلاج ذكر الفاعل في قبل انثى لا تربط بينهما علاقة الزوجية المشروعة، وبالتالي فان اتيان الانثى في دبرها واتيان الذكر للذكر يعتبر مواقعة يطبق عليه نص المادة ( 407 ق ع ل ) .
وعليه فان أي علاقة غير مشروعة بين ذكر وانثى تخضع لتطبيق حد الزنا اولا، اما اذا تخلف احد شروطه فان المادة (407 ق ع ل) اولى بالتطبيق .

العنصر الثاني : انعدام الرضا :
ينعدم الرضا عند المجني عليه متى تم الفعل بدون مساهمة ارادية في تنفيذه، كالاكراه المادي باستعمال العنف ضده يفقده القدرة على المقاومة، ويجب ان يكون العنف من اجل اشباع الحاجة الجنسية لدى الجاني، ولا يعتبر في حكم العنف الدي يعدم ارادة المجني عليه تحطيم سور او كسر باب او نافذة اذا تلاه رضا المجني عليه بالوقاع بعد ذلك(1)، وكذلك افعال العنف التي ترتكب ضد الغير - الخادمة او احد اقارب المجني عليه - ان رضي هو بالافعال الصادرة من الجاني (2) .

وقد يقوم بالاكراه اكثر من شخص لارتكاب المواقعة وعندها يكونون فاعلين اصليين، والقانون لا يشترط استمرار الاكراه طيلة الاتصال الجنسي، بل يكفي ان يكون هوالوسيلة التي مكنت المجني عليه للجاني لاتمام غرضه، والعبرة في هذا الشان بتاثير الاكراه على ارادة المجني عليه، وهو امر موضوعي يفصل فيه قاضي الموضوع  دون رقابة عليه من محكمة النقض ( المحكمة العليا ) عندما يكون سائغا وموصل الى النتيجة التي انتهت اليها .
------------------
وعليه اذا بدا الفعل بالقوة اوالخديعة فصادف قبولا من المجني عليه افضى في النهاية للوقاع، فان الفعل من جانب المراة لا يعتبر هتك عرض، بل تتحقق عندها  المواقعة  بالرضا، وهذا ما حكمت فيه محكمة النقض المصرية في حكم لها بان " هتك العرض اذا بدئ في تنفيذه بالقوة فصادف من المجني عليه قبولا ورضا صحيحين  فان ركن القوة يكون منتفيا فيه، لان عدم امكانية تجزئة الواقعة المكونة له لارتكابه في ظروف وملابسات واحدة، بل في وقت واحد تنفيدا لقصد واحد لا يمكن معه القول بان المجني عليه لم يكن راضيا بجزء منه وراضيا بجزء اخر، كما ان العبرة في هذا المقال ليست بالقوة لذاتها، بل بها على تقدير انها معدمة للرضا، فاذا ما تحقق الرضا ولم يكن للقوة اي اثر في تحققه فان مساءلة المتهم عنها لا يكون لها ادنى مبرر ولا مصوغ"،  راجع نقض مصري 25 مارس 1940، مجموعة القواعد القانونية في 25 عاما، 20، رقم 34، و35، ص 1190) .
2- مبروك السهنوري المرجع السابق، ص 630 .
-----------------
وقد يكون الاكراه معنويا كافشاء سر يهدد بحياة المراة الزوجية، او التهديد بالحاق اذى بشخص اخر عزيز  عليك كالتهديد باتهامه بجرائم خطيرة على مستقبله كجرائم امن الدولة (1)، قد يكون بمباغتة المراة او خداعها بالمواقعة بعد جعلها في وضع ملائم اثناء الكشف الطبي على جسمها، او اثناء القيام بعمليات تدليك لها، او ممارسة التداريب الرياضية اوالرقص، اوالدخول عليها فجاة في الحمام، وكان يدخل الجاني الى سرير امراة ظنته زوجها وتمت مواقعتها على هذا الظن، ومن يضبط امراة متلبسة بجريمة سرقة مثلا فيهددها بتسليمها للشرطة ويكشف امرها اذا لم تمكنه من نفسها فتفعل فانه يعد مرتكبا لجرمية المواقعة، ومن يعرض علىالمجني عليه خدمة مقابل تمكينه من نفسه .

يدق الامر هنا هل بموفقته على ذلك يعتبر رضاه متوافرا ام غير متوافر ؟
يرى بعض الفقه (2) ان المجني عليه لا يتوافر فيه الرضا مادام قد استجاب لرغبة الجاني في مقابل الخدمة التي رغب فيها، كاستخراج جواز سفر او رخصة او اصدار حكم لفائدة امراة او لاحد اقاربها، او تمكنيها من الحصول على عمل او أي فائدة اخرى .

ومع مسايرتنا لهذا الراي واحترامه الا اننا نشدد في هذا الصدد على ان الخدمة التي انصاع المجني عليه لتمكين الجاني من نفسه يجب ان تكون الحاجة اليها ملحة جدا ولا مفر منها، ومحكمة الموضوع هي التي لها كلمة الفصل في ذلك بتقديرها لكل ظروف وملابسات الدعوى المعروضة امامها، اما اذا كان في وسعه الاستغناء عنها فان رضاه يكون متوفرا، كما يرى الاستاذ الدكتور احمد الخمليشي، ونحن نشاطره الراي بانه من الصعوبة بمكان التفرقة بين وسائل الضغط التي تسلب الارادة وبين وسائل الضغط التي تستجيب لها المراة عند رغبتها في الحصول على ذلك المقابل الذي تم عرضه عليها .
----------------
1- احمد الخمليشي،  المرجع السابق، ص 267 .
2- احمد الخمليشي،  المرجع السابق، ص 267 .
---------------
وتتحقق المواقعة بدون رضا المجني عليها وان كانت " بغيا" (1) او اكره الجاني عشيقته حتى لو كان له بها اتصال سابق مما يوحي بان رفضها غير جدي وانها راضية في حقيقة الامر .
اما اذا حملت المراة رجلا على ان يواقعها بالقوة او بالتهديد او بالحيلة، فانها لاتكون مرتكبة لجريمة المواقعة على الرغم من ان فعلها قد تحقق فيه الوطء فعلا، لان الفعل لم يتم منها بل بسعيه، ومن ناحية اخرى فان الرجل لا يعد جانيا وان كان مواقعا، لان فعل الوقاع لم يصدر منه بالقوة او التهديد او الحيلة، بل حدت رغما عن انفه (2) .

وعلى كل حال فان هذه الجريمة تعتبر هتك عرض من الجاني حسب نص المادة (408 ق ع ل)، ومثالها ايضا اذا ما جاءت امراة اثناء الليل الى فراش رجل واستلقت بجانبه على انها زوجته فاتاها على هذا الاساس، وكما اذا حملت مجنونا او صغيرا على وقاعها .
ولكن اي الفعلين اسبق : هتك العرض ام المواقعة ؟
-----------------
1- " كانت بعض التشريعات القديمة تعتبر مواقعة العاهر (La pubblica méritrice) بغير رضاها جريمة مقترفة بظرف مخفف، على  ظن ان اثيانها كرها ليس فيه جسامة اغتصاب غيرها من العفيفات .
وكان هذا هو مسلك التشريع الايطالي في العصور الوسطى، وظل حكمه كذلك حتى اوائل القرن العشرين، اذ بقي هذا الحكم منصوصا عليه في القانون سنة 1889، ثم عدل التشريع الايطالي عن هذا الحكم بعد ذلك.
وقيل تبريرا لهذا العدول ان العاهرة التي تسلم جسدها على سبيل الاتجار لمن يطلبه لا تتجرد مع هذا من حقها في التصرف بحرية في نفسها في مجال العلاقات الجنسية، وبذلك فالجريمة التي تقع عليها رغم ايرادتها لا تختلف في شيء عن تلك التي تقع غيرها من العفيفات، كما ان الخطورة الاجرامية، التي يفصح عنها مسلك الجاني لا تختلف باختلاف المركز الاجتماعي لضحيته .
واذا كان القانون لا يفرق من حيث العقوبة بين اتيان العفيفات العاهرات، فان في الفقه الايطالي مع ذلك اتجاها يــرى (الاعتبارات خلقية) وجوب مراعاة القاضي لظروف الواقعة، ويوصيه باستعمال سلطته التقديرية عند تجديد مقدار العقوبة حتى لا تكون هناك جفوة بين الواقع والتطبيق السليم للقانون"، اورده عوض محمد عوض، الجاني والمجني عليه في جريمة المواقعة، دراسة مقارنة للتشريعين المصري والليبي، مجلة دراسات قانونية، المجلد الثالث، 1973 م، منشورات الجامعة الليبية، كلية الحقوق، بنغازي، ليبيا، هامش 3، ص 150 وما بعدها .
2- عوض محمد عوض، المرجع السابق، ص 133 .
--------------------
في الواقع : ان كل مواقعة يسبقها بالضرورة هتك عرض والعكس غير صحيح، فجريمة هتك العرض المنصوص عليها في المادة (408 ق ع ل) تتحقق بكل فعل يمس بجزء من جسم الانسان يدخل فيما يمكن اعتباره عورة ويخدش عاطفة الحياء عنده، فالحدث الذي يكون جريمة هتك العرض هو نفسي يتمثل في عدم الرضا بالفعل ذاته مما يثلم كرامة المجني عليه لاخلاله بحيائه العرضي .

اما المواقعة فهي دائما تالية لفعل هتك العرض ولا يتصور فعلها بدونه بحكم الطبيعة البشرية، وفي هذا السياق قضت المحكمة العليا الليبية في حكم لها بان " قضاء هذه المحكمة قد استقر على ان افعال هتك العرض التي يقارفها الجاني في حالة المواقعة تعتبر جزءا لا يتجزا من النتيجة الاخيرة اي المواقعة وتنطوي فيها لان طبيعة الجريمة المذكورة تقتضي اثبات هذه الافعال .

كما ان الجاني ياتيها بحكم الطبيعة البشرية، فضلا عن انه لا يتصور ارتكابه المواقعة،  مجردة عن الافعال المكونة لهتك العرض، كما ان هذه الافعال، هتك العرض والمواقعة ينظمها فكر جنائي واحد وتتم بنشاط اجرامي واحد ايضا" (1) .
ومما يؤيد ذلك ايضا حكم المحكمة العليا الليبية حيث جاء فيها " ان افعال هتك العرض التي تسبق فعل المواقعة والتي يرتكبها الجاني بنشاط اجرامي واحد بهدف المواقعة التي تتم في نفس المكان والزمان هذه الافعال تعتبر جزءا لا يتجزا من النتيجة الاخيرة التي انتهت اليها وتنطوي فيها لان فعل المواقعة لا ياتى الا اذا باشره الجاني مقترنا بتلك الافعال بحكم الطبعية البشرية وتكون الواقعة في هذه الحالات فعلا واحدا  يكون جريمة واحدة وهي جريمة المواقعة ويعتبر التعدد فيها ظاهريا ومجرد اداة من المادة 76 عقوبات ويتعين العقاب عليه بعقوبة الجريمة الاشد وهي جريمة المواقعة" (2) .
------------------
1- جلسة 27 فبراير 1973 م، مجلة المحكمة العليا الليبية، س 9، عدد 2 و3، ص 210 .
2- جلسة 22 يونيه 1971 م، مجلة المحكمة العليا الليبية، س 8، عدد 2، ص 63 .
----------------

الفقرة الثانية : الركن المعنوي
( القصد الجنائي ) في جناية المواقعة
يتحقق القصد الجنائي في جناية المواقعة بامرين :
احدهما توافر العلم لدى الفاعل بحقيقة نشاطه المادي اي بمواقعة شخص اخر ذكر او انثى - وعلمه بان الفعل غير مشروع .
ثانيهما انعدام رضا الشريك، ففي حالة ما اذا كانت انثى فان قصدها يتحقق بتمكين شخص اخر بايلاج قضيبه في قبلها او دبرها مع علمها بعدم مشروعية ذلك الوطء، كما ينطبق ذلك في حالة ما اذا كان الموطوء ذكرا يجب ان تنصرف ارادته الى تمكين شخص اخر - ذكر-  من ايلاج قضيبه في دبره .
والعلم بحقيقة الوقائع المادية المكونة للجريمة يتوفر بمجرد البدء في الفعل المادي نفسه مما يكشف بوضوح عن قصد الجاني، والقصد المعتبر في هذه الجناية هو القصد العام بانصراف العلم والارادة الى الوقائع التي تقوم عليها الجناية مما يقضي الى فعل الوقاع .

اما اذا ثبت ان الجاني اعتقد ان صلته بالمجني عليها مشروعة فان ذلك ينفي القصد الجنائي لديه، كمن يجامع زوجته التي طلقها طلقا رجعيا بعد انقضاء عدتها منه معتقدا ان عدتها لم تنته بعد، ففي هذه الحالة ينتفي قصده لانتفاء علمه بانها بانت منه وصارت اجنبية عليه (1) .

والعلم بعدم رضا المراة بالصلة الجنسية يتحقق بمقاومتها وجديته، واما اذا كانت هي قابلة لذلك بداخلها وتمتنع في الظاهر، او كان يعتقد الجاني انه الحياء الطبيعي الذي يكون عند كل انثى فتلك مسالة يترك الامر فيها لتقدير قاضي الموضوع حسبما يتبين له من ظروف وملابسات كل دعوى .
وارتكاب العنف يعتبر قرينة على العلم بعدم الرضا وان المراة جادة في رفضها بتلك المقاومة، وفي العمل فان الجاني في اغلب القضايا يدفع بان ما ابدته
-----------------
1- محمد رمضان باره، المرجع السابق، ص 210 وما بعدها، حسن صادق المرصفاوي، المرجع السابق، ص 645، مبروك السنهوري، المرجع السابق، ص 637، ادوار غالي الذهبي، المرجع السابق، ص 127 .
----------------
المراة من مقاومة هو في الواقع لا يرقى الى الرفض الجاد وبخاصة اذا كانت له علاقات سابقة بالمومس(1) .
وفي حالة توافر القصد الجنائي فلا عبرة بالباعث على الاغتصاب او بدوافع ارتكابه، فيستوي ان يكون بباعث الشهوة او التشفي والانتقام الى غيرها من البواعث (2) .
وفي هذا الصدد جاء في حكم للمحكمة العليا الليبية بانه لا عبرة بالبواعث بما اثاره الجاني من ان المجني عليها هي التي الهبت شعوره بمسلكها فحالات الانفعال والهوى لا تعفي من المسؤولية الجنائية ولا تنقصها طبقا للمادة (95 ق ع ل) (3) .

المبحث الثاني
الشروع ( في المواقعة)
البدء الفعلي في التنفيذ يكون الجريمة التامة اذا تم ايلاج كما بيناه في فعل المواقعة، اما اذا اوقف فعل الجاني او خاب اثره لاسباب لا دخل للارادته فيها فان عقابه يتم بمقتضى احكام الشروع المواد ( 459 و60 و407 ق ع ل) .
فيتحقق الشروع في حالة ما اذا كانت الافعال التي تسبق التنفيذ الفعلي تدل عليه كان يوقع الجاني المجني عليه ارضا ويخلع له سرواله حتى ركبتيه ويضع يده على فمه تمهيدا لمواقعته، الا ان المجني عليه بدا يصرخ طالبا الاستغاثة الامر الذي جعل الشاهدين يهبان لنجدة المجني عليه، بحضورهما الىالمصدر الذي ينبعث منه الصراخ مما اضطر المتهم الى ترك المجني عليه (5)
----------------------
1- مبروك السنهوري، المرجع السابق، ص 638 .
2- ابو المعاطي حافظ ابو الفتوح، المرجع السابق، رقم 192، ص 169، محمد رمضان باره، المرجع السابق، ص 210، مبروك السنهوري، المرجع السابق، ص 636 .
3- جلسة 17 اكتوبر 1978 م، مجلة المحكمة العليا الليبية،  س 15، عدد 3، ص 277 وما بعدها .
4- المحاولة في القانون الجنائي المغربي .
5- جلسة 23 فبراير 1982م، مجلة المحكمة العليا الليبية، س 19، عدد 2، ص 139 وما بعدها، وانظر حكم مشابه، جلسة 19 مارس 1974م، مجلة المحكمة العليا الليبية، س 10، عدد 4، ص 205 .
--------------------
وجاء في حكم اخر بانه " لما كان لا يشترط لتحقيق الشروع المنصوص عليه في المادة 59 من قانون العقوبات ان يبدا الفاعل تنفيذ جزء من الافعال المكونة للركن المادي للجريمة بل يكفي لاعتبار الفعل شروعا في حكم المادة المشار اليها ان يبدا الجاني تنفيذ فعل سابق على تنفيذ الركن المادي للجريمة ويؤدي اليه حالا ومباشرة، فاذا كانت الافعال التي اثبتها الحكم في حق الطاعن استنادا الى اقوال المجني عليها من ان الطاعن طرحها ارضا وقيد يديها بحبل ووضع منديلا على فمها لمنعها من الصراخ وتجرد من ملابسة وشرع في فتح سروالها فانها تعتبر من افعال الشروع في جريمة المواقعة بالقوة لانها كانت ستؤدي اليها حالا ومباشرة ولم تتم الجريمة لسبب لا دخل لارادة الطاعن فيه، وهو كما اثبته الحكم تظاهر المجني عليها بالرضا بمواقعة لها بعد ان يحضر لها كوبا من الماء فانتهزت فرصة انصرافه لاحضار الماء وهربت الى خارج المنزل من نافذة حجرة كانت مفتوحة" (1) .
ومما هو جدير بالملاحظة ان قانون اقامة حد الزنا رقم 71 لسنة 73 م يخلو من النص الصريح علىعقوبة الشروع في حالة ارتكاب جريمة الزنا المنصوص عليها في القانون ذاته، وعليه فان احكام الشروع المنصوص عليها في قانون العقوبات هي الواجبة التطبيق في هذا الشان، وذلك حسب الاحالة الواردة في المادة العاشرة : الفقرتين الاولى والثالثة من قانون رقم 71 لسنة 73 م بشان اقامة حد الزنا وتعديل بعض احكام قانون العقوبات.

وفي حالة ما اذا اتجهت ارادة الفاعل الى مجرد المساس بعورة انسان اخر دون ان يشكل جريمة المواقعة وهو عالم بان فعله يخل بالحياء العرضي لمن وقع عليه الفعل، فان عقابه لا يصل الى درجة الشروع في المواقعة، بل يعاقب حسب نص المادة ( 408 ق ع ل ) الخاص بجريمة هتك العرض .
------------------
1- جلسة 17 اكتوبر 1978 م، مجلة المحكمة العليا الليبية، س 15، عدد 3، ص 277 .
-----------------
المبحث الثالث
عقوبة جناية المواقعة بغير الرضا
الذي يهمنا في هذا البحث هو جناية المواقعة بغير الرضا التي نص عليها المشرع الليبي في المادة (407 ق ع ل) على انه :
1) كل من واقع اخر بالقوة اوالتهديد او الخداع يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على عشر سنوات .
2) وتطبق العقوبة ذاتها على من واقع ولو بالرضا صغيرا دون الرابعة عشرة او شخصا لا يقدر على المقاومة لمرض في العقل اوالجسم، فاذا كان المجني عليه قاصرا اتم الرابعة عشرة ولم يتم الثامنة عشرة فالعقوبة بالسجن مدة لا تزيد على خمس سنوات .
3) واذا كان الفاعل من اصول المجني عليه او من المتولين تربيته او ملاحظته او ممن لهم سلطة عليه او كان خادما عنده او عند من تقدم ذكرهم يعاقب بالسجن ما بين خمس سنوات وخمس عشرة سنة...".

يتضح من خلال هذا النص ان المشرع اولى عناية خاصة بعناصر القوة او التهديد او الخداع، بان جعلها مؤشرات ترادف عدم الرضا عند المجني عليه، وبالتالي يستحق العقاب حسب النص السابق بيانه كلما وقع الفعل بدون رضا المجني عليه ومتى تم فعل المواقعة على هذا النحو فان ارادة المجني عليه تكون منعدمة بما يشلها عن المقاومة (1) .

وعليه فان جناية المواقعة تكون متوافرة اذا تم الاكراه  باستعمال العنف بالقوة المادية للتغلب على مقاومة المجني عليه، وان يكون الجاني قاصدا من عنفه اشباع الحاجة الجنسية لديه باغيا مواقعة الضحية، ولا يشترط في القوة ان تكون على درجة معينة من الجسامة، بل يكفي ان تكون قد حملت المجني عليه للاستجابة لرغبة
-----------------------
1- راجع احكام المحكمة العليا الليبية الاتية : جلسة 2 فبراير 1971 م، س 7، عدد 3، ص 202، جلسة 22 يونيه 1971، س 8، عدد 2، ص 63، جلسة 7 يناير 1975، س 11، عدد 4، ص 106 .
---------------------
الجاني، كما لا يشترط ان تترك القوة اثرا ما على جسم المجني عليه، ولكنها تتوافر كلما كان من شانها شل مقاومته حتى وان لم تترك اثرها عليه (1) .
كما لا يعتد برضا المجني عليه في حالة ما اذا تم تهديده بالقوة، وفي هذا الصدد حكمت المحكمة العليا الليبية بتوافر ركن القوة اذا كان الجاني قد شهر على المجني عليها سكينا ليرغمها على مواقعتها، وواقعها بالقوة تحت تاثير ذلك التهديد (2) .
كما جاء في احد احكامها ايضا بان اتيان النائم يجعل ركن القوة متوافرا لانعدام ارادة المجني عليه (3) .
ففي حالة ما اذا اولج الجاني عضوه التناسللي والمجني عليها نائمة ولم تنتبه الا والحال كذلك فانه لا خلاف حول توافر اركان الجناية .
وسواء اكان ذلك نوما تلقائيا ام احداثه الجاني باعطاء المجني عليها مادة منومة او مخدرة عن اي طريق كان (4)، او عن طريق التنويم المغناطسي وبالتالي فان ارادتها ووعيها ينعدمان فلا تستطيع المقاومة نظرا لتاثير تلك المواد متى مارس معها الجاني الصلة الجنسية .
كما ان الاغماء في حكم النوم تتحقق به جريمة المواقعة بغير الرضا على اعتبار ان المجني عليه تمت مواقعته وهو في حالة عدم الوعي .
ولا يعتد برضا المجني عليه اذا صدرت تحت غش او تدليس كايهام امراة من مطلقها انه ما زال زوجا لها واخفى حقيقة الطلاق عنها ثم يتصل بها جنسيا وهي راضية معتقدة بانها ما زالت في عصمته، غير انه يمكن التحفظ على هذه الصورة بانه يتعين لتحقق الجناية ثبوت ان المراة لم تكن لترضى بهذه الصلة غير المشروعة متى علمت بحقيقة الامر،  اما اذا تناهى الى علمها انفصام عرى الزوجية وهي راضية
------------------
1-انظر جلسة 16 اكتوبر 1976 م، مجلة المحكمة العليا الليبية، س 13، عدد 3، ص 114 .
2- جلسة 23 مايو 1972 م، مجلة المحكمة العليا الليبية، س 8، عدد 4، ص 208 .
جلسة 28 نوفمبر 1979 م، مجلة المحكمة العليا الليبية، س 15، عدد 2، ص 175 .
3- جلسة 27 يونيه 1964 م، مجموعة المبادئ القانونية الليبية، جـ 1، ص 308 .
4- سواء عن طريق الشم ام الحقن …. الخ .
-----------------
بذلك الاتصال علىالرغم من ذلك فالجريمة التي نحن بصددها لا تقوم (1) وتصبح مواقعة بالرضا .
وفي فرض اخر كما اذا دخل الجاني الى فراش امراة وهي نائمة فتعتقد وهي بين النوم واليقظة بانه زوجها راضية بمواقعته فيقتضي وطره منها (2) .
وقد جرى قضاء المحكمة العليا الليبية على اعتبار ركن القوة متوافرا لانعدام الارادة عند المجني عليه (3)، ونحن لا نؤيد هذا المسلك لانه صعب الاثبات والخوض فيه لا يصل الى نتيجة منطقية في اغلب الاحيان، فالارادة المدركة الواعية هي التي تدرك حقيقة الفعل وماهيته، اما اذا كانت معيبة فذلك ولا شك مما يصعب فهمه الفهم الصحيح الذي يجعل القاضي يقع في اشكالات عديدة ولا يطمئن وجدانه عند اصداره الحكم في تلك المسالة، اذ التدليس على المطلقة التي انقضت عدتها، والنائمة التي تظن ان من يطرقها زوج لها او عشيق اعتاد طلبها في ساعة من ساعات الليل فان اثبات ذلك من الصعوبة بمكان (4) .

ومن نافلة القول بان عنصر الاكراه في المواقعة عند توافر شروطه وذلك سواء اكان المجني عليه ذكرا او انثى عفيفة او ساقطة لا يشترط استمراره الى حين تمام الفعل، بل المقصود هو وقوعه رغما عن ارادة المجني عليه (5) .
والمعول عليه في هذا الشان بوقت ارتكاب الجريمة بمعنى بداية الاكراه المكون للركن المادي للجريمة لا بنهاية الفعل والفراغ منه(6). ويجب ان يكون المجني عليه قد رضخ للجاني رغم ارادته فعلا - هذا ما عبرت عنه المادة 407 ق ع ل - اما اذا كان راضيا بما يقوم به الجاني وانه يمانع فقط ويخامره الرضا  بداخله فتلك مواقعة بالرضا .
---------------
1- محمود محمود مصطفى، شرح قاون العقوبات، القسم الخاص، ط 6، 1964، رقم 269، ص 540 .
2- نقض مصري، جلسة 14 مايو 1951 م، مجموعة احكام النقض، س 2، رقم 391، ص 1089 .
3- جلسة 27 يونيه 1964 م، مجموعة المبادئ القانونية الليبية، ج 1، ص 308 .
4- يؤيد هذا الراي، مبروك السنهوري، المرجع السابق، ص 632 وما بعدها .
5- جلسة 12 يناير 1982 م، مجلة المحكمة العليا الليبية، س 19، عدد 61 ص 151 .
6- جلسة 2 مايو 1980 م مجلة المحكمة العليا الليبية، س 17، عدد 2، ص 206 .
------------
وفي العمل فان المتهم في جناية المواقعة دائما يحاول تبرئة نفسه بالقول : بان المجني عليه ارتضى مواقعته ليدفع عن نفسه عنصر الاكراه، ويتم اثبات الاكراه بشتى طرق الاثبات في المسائل الجنائية، وتقدير مدى تاثير التهديد على ارادة المجني عليه تستخلص من واقع الحال كصراخه والاستنجاد بالغير او حال تلبس الجاني بفعله وهو يرتكب فعله اثناء تنويم او تخذير المجني عليه، او ظهور علامات العنف على جسم المجني عليه الى غيرها من القرائن البسيطة التي يمكن اثبات عكسها، كل ذلك تستقل به محكمة الموضوع التي لها اليد الطولي في القضية المعروضة امامها على بساط البحث دون رقابة عليها من محكمة النقض متى كانت مستندة في ذلك على اسباب سائغة تقود حتما للنتيجة التي انتهت اليها .

المبحث الرابع
الظروف المشددة
نصت المادة ( 407 ق ع ل) على عدة ظروف تشدد بموجبه عقوبة جناية الموافقة بغير الرضا، وهذه الظروف هي صغر السن، الشخص المريض عقلا او جسما، او كون الفاعل من اصول المجني عليه او من المتولين تربيته، او من لهم سلطة عليه او خادما عنده او عند من سبق ذكرهم اي ( الصفة التي تلحق الفاعل) .
ونفصل القول في هذه الظروف :
1) صغر السن :  تنص المادة ( 407/2 ق ع ل ) علىان " تطبق العقوبة ذاتها على من واقع ولو بالرضا صغيرا دون الرابعة عشرة او شخصا لا يقدر على المقاومة لمرض في العقل اوالجسم، فاذا كان المجني عليه قاصرا اتم الرابعة عشرة ولم يتم الثامنة عشرة فالعقوبة بالسجن مدة لا تزيد على خمس سنوات" .

ويلاحظ ان الشطر الاخير من هذا النص الذي مفاده " فاذا كان المجني عليه قاصرا اتم الرابعة عشرة ولم يتم الثامنة عشرة فالعقوبة بالسجن مدة لاتزيد على خمس سنوات"، قد الغي بموجب الفقرة الرابعة المضافة الى المادة ( 407 ق ع ل) بحكم المادة الثامنة من قانون رقم 70 لسنة 73 م في شان اقامة حد الزنا وتعديل بعض احكام قانون العقوبات .

وبهذا فان المشرع قد اعتد بعدم الرضا التام في نص الفقرة الاولى من المادة ( 407 ق ع ل) بالنسبة لرضا الصغير الذي لم يتم الرابعة عشرة من العمر، فقد نص في الفقرة الثانية من المادة نفسها بان " تطبق العقوبة ذاتها على من واقع ولو بالرضا صغيرا دون الرابعة عشرة او شخصا لايقدر على المقاومة لمرض في العقل او الجسم …." .

وعليه فان السن المعتبر اثناء المحاكمة هو سن الصغير عند ارتكاب الجريمة ضده، فلا يحق للمتهم ان يحتج بجهله لسن المجني عليه واعتقاده بانه كان يظن ان سنه تتجاوز الرابعة عشرة، وذلك تطبيقا للمادة ( 422 ق ع ل) فالمشرع قد وضع قرينة لا تقبل اثبات العكس (1) في هذه الحالة كان تقدم مومس قاصر نفسها طوعا الى شخص باعتبار ان عمرها يتجاوز الرابعة عشرة كما ان الظاهر يشير الى ذلك كضخامة جسدها او طوله الى غيرها من المؤشرات الاخرى .

وما لم يدفع الجاني امام المحكمة بانه كان يستند على الوقائع ترجح هذا الاعتقاد كشهادة الميلاد التي تدل على ان سنه اعلى من اربعة عشرة سنة ميلادية لان السن تحسب بالتقويم الميلادي، وذلك حسبما جاء في المادة (13 ق ع ل) التي تنص على انه " اذا رتب القانون الجنائي اثرا قانونيا على زمن بحسب ذلك الزمن بالتقويم الميلادي ولا يدخل يوم البدء في حسبان المدد" .

وعلى محكمة الموضوع ان تاخذ بشهادة الميلاد او صورة من كتيب العائلة او اي مستخرج اخر من سجلات المواليد، وفي هذه الحالة لا اختيار لها في ذلك والا ادى عملها هذا الى اصدار حجتها بدون مبرر قانوني (2) .
وتقدير هذه المسائل والظروف والملابسات مما يدخل في اختصاص محكمة الموضوع بدون رقابة عليها من المحكمة العليا مادامت مبنية على اسباب سائغة تقود عقلا ومنطقا الى النتائج التي توصلت اليها .
كما انه يعد في حكم الصغير الشخص الذي لايقدر على المقاومة لمرض في العقل او الجسم مهما كانت سنه المادة ( 407 ق ع ل ) .
------------------
1- جلسة 20 يناير 1970 م، مجلة المحكمة العليا الليبية، س 6، عدد 1، و2 و3، ص 134 .
2- جلسة 16 مايو 1978 م، مجلة المحكمة العليا الليبية، س 15، عدد 3، ص 181 .
ومما هو جدير بالملاحظة هنا ان المشرع الليبي لم يعتد في صغر السن بالجهل اوالغلط بسن المجني عليه، وذلك حسب النص المشار اليه في المادة ( 422 ق ع ل) اما في حالة الشخص غير القادر على المقاومة لمرض في العقل اوالجسم فانه لم ينص على ذلك مما يعني انه يعتد بالغلط الواقع على المرضى في العقل اوالجسم اثناء وقوع الفعل عليهم، ففي حالة ما اذا كان الجاني لا يعلم ان من وقع عليه الفعل شخص مريض وثبت ذلك امام المحكمة المعروضة عليها القضية فانه يعاقب بمقتضى المادة ( 407/4 ق ع ل) المضافة بالقانون رقم 70 لسنة 1973 م، التي تنص على انه " كل من واقع انسانا برضاه يعاقب هو وشريكه بالسجن مدة لا تزيد على خمس سنوات" .

وتقدير ذلك مسالة موضوعية تفصل فيها محكمة الموضوع بما لها من سلطة البت في ذلك بعد ان تتاكد من ان الجاني لم يكن عالما بالفعل الذي يصدر منه على المجني عليه حسب الادلة المنطقية التي تسوقها في حكمها دون رقابة عليها من المحكمة العليا في هذا الشان .

ويلاحظ ايضا ان القانون رقم 10 لسنة 1985 م، بشان تقرير بعض الاحكام الخاصة بجراءم الاداب العامة انه في مادته الاولى قد اعتبر من الجرائم المخلة بالشرف الجرائم ضد الحرية والعرض والاخلاق المنصوص عليها في الباب الثالث في الكتاب الثالث من قانون العقوبات التي من بينها جريمة المواقعة بغير الرضا، ففي حالة الادانة بهذه الجريمة فانه تترتب عليها الاثار المنصوص عليها في المادة الثالثة من القانون ذاته وهي :
1- الحرمان من التصعيد لامانات المؤتمرات الشعبية واللجان الشعبية والاتحادات والنقابات والروابط المهنية.
2- عدم الصلاحية لتولي شؤون الوصاية والقوامة .
3- عدم قبول الشهادة امام الجهات ذات الاختصاص القضائي في غير المسائل الجنائية .
4- الحرمان من الحصول على شهادة حسن السيرة والسلوك .
5- عدم الصلاحية لتولي وظيفة مامور الضبط القضائي ولو كان قد رد الى المحكوم عليه اعتباره، وعلى المحكمة ان تامر بنشر منطوق الحكم على نفقة المحكوم عليه .

غير انه يثور سؤال مفاده هل تطبق احكام الفقرة الرابعة من المادة ( 407 ق ع ل) على الصغير الذي يقع عليه فعل المواقعة برضاه اذا تجاوز الرابعة عشرة من عمره ولم يتم الثامنة عشرة منه ؟
يلاحظ في هذا الشان ان المشرع باضافته فقرة رابعة الىالمادة ( 407 ق ع ل ) فان نص هذه الفقرة اصبح متعارضا مع حكم الفقرة الثانية من المادة نفسها الذي ينص على انه " … فاذا كان المجني عليه قاصرا اتم الرابعة عشرة ولم يتم الثامنة عشرة فالعقوبة بالسجن مدة لا تزيد على خمس سنوات" .

يتضح من هذا النص ان القاصر في هذه الحالة يعد مجنيا عليه لا شريكا في المواقعة وان اتم الرابعة عشرة ولم يتم الثامنة عشرة من عمره فيعاقب بمقتضاها اذا تمت برضاه، اما اذا تم الفعل بدون رضاه فان العقوبة المقررة هو نص المادة ( 407 ق ع ل ) .

وفي بداية صدور القانون رقم 70 لسنة 1973 م في بشان اقامة حد الزنا وتعديل بعض احكام قانون العقوبات ولمحاولة التوفيق بين الفقرتين الثانية من المادة ( 407 ق ع ل ) والرابعة التي اضيفت بحكم قانون اقامة حد الزنا اجتهدت بعض المحاكم في ليبيا بقولها : ان النص العام لا ينسخ نصا خاصا، بل يسري العام على اطلاقه ويرد الخاص استثناء عليه، وان النص الخاص لا ينسخ نصا عاما، بل يسري العام على ما كان عليه من الاطلاق في التطبيق ويرد الخاص استثناء عليه .

وفي التطبيق العملي على وقائع اي دعوى من هذا القبيل فان المجني عليه لا يعد شريكا في المواقعة ولا في هتك العرض الا اذا كان قد اتم الثامنة عشرة سنة من عمره، اما اذا لم يكن قد اتمها فلا يعتبر شريكا بل مجنيا عليه حسب حكم الفقرة الثانية من المادة ( 407 ق ع ل ) التي لم تنسخ صراحة ولا ضمنا الا بتشريع يماثلها في القوة .

وتطبيقا لذلك فقد  برات محكمة الاستئناف بنغازي المتهمة من تهمة المشاركة في فعل المواقعة وحكمت لها باعتبارها مجنيا عليها لا مشاركة في تلك الواقعة لانها لم تبلغ الثامنة عشرة من عمرها عند ارتكاب الجريمة وفقا لاحكام قانون العقوبات (1) .
---------------------
1- جلسة 17 يناير 1981 م، مجلة المحكمة العليا الليبية، س 21، عدد 4، ص 235 .
الا ان المحكمة العليا الليبية حسمت موضوع الخلاف بعد ذلك في احد احكامها بان اعتبرت حكم الفقرة الثانية من المادة ( 407 ق ع ل ) منسوخا ضمنا بحكم الفقرة الرابعة اللاحقة لها تطبيقا للمبدا العام المنصوص عليه في المادة الثانية من القانون المدني الليبي فقد جاء في ذلك الحكم بان " المشرع قبل اضافته الفقرة الرابعة الى كل من المادتين ( 407 و408 من ق ع ل ) كان يعتبر الصغير الشريك في جريمة المواقعة او هتك العرض بالرضا مجنيا عليه فيهما، ثم اضاف الى كل منهما الفقرة الرابعة التي وردت بتاثيم فعل كل من يرتكب المواقعة اوهتك العرض بالرضا بصفة مطلقة وبدون تخصيص، وجاء حكمها متضاربا مع حكم الفقرة الثانية بمعاقبة طرفي الجريمة، ومن تم فان حكم الفقرة الثانية يعتبر منسوخا ضمنا بحكم الفقرة الرابعة اللاحقة لها .

ووفق ما جرى به قضاء هذه المحكمة، ولاجدال في ان العلاقة بين حكم الفقرة الثانية وبين حكم الفقرة الرابعة من المادة ( 407 ق ع ل ) ليست علاقة نص خاص بنص عام في مفهوم نص المادة ( 12 ق ع ل) التي عالجت التفرقة بينهما، كما اورد الحكم المطعون فيه، ذلك ان النص العام يحمل على عمومه بينما يطبق النص الخاص كلما احتوى على عناصر النص العام الى جانب اشتماله على عنصر او اكثر يكون لازما لتطبيقه فلا تضارب ينهما رغم وجود عامل متصل بذات الموضوع الذي يتناوله كل من النصين، اما اذا كانت الواقعة ينطبق عليها اكثر من نص باحكام متناقضة، فهذا يعني وجود تضارب بين النصوص يستحيل التوفيق بينهما، ولما كانت الفقرتان الثانية والرابعة من المادة ( 407 ق ع ل ) السالفة الذكر متضاربتين متناقضتين وكانت الفقرة الثانية سابقة في وجودها على الفقرة الرابعة، والعمل بالفقرة الرابعة تطبيقا للالغاء الضمني المقرر من المبدا العام المنصوص عليه في المادة الثانية من القانون المدني، فضلا عن ان حكم الفقرة الرابعة يتمشى مع حكمه اتجاه المشرع الجديد في تاثيم فعل المواقعة او هتك العرض بالرضا على طرفيه وعلى اطلاقه دون تخصيص وعلى نقيض التشريع السابق الذي كان لا يؤثم هذا الفعل اذا رضي به من وقعت عليه الجريمة، غاية ما في الامر انه جعل من ظرف السن دون الرابعة عشرة بالنسبة له في حكم عدم الرضا المطلق بما ياخذ حكم حصول الفعل بالقوة اوالتهديد اوالخداع المنصوص عليه في الفقرة الاولى من كل من المادتين ( 407 و408 ق ع ل )، ويجعل من طرف صغر سنه بين الرابعة عشرة والثامنة عشرة في حكم عدم الرضا النسبي بما يحمل من وقعت منه الجريمة المساءلة الجنائية ولكن بشكل اخف" (1) .

وعليه فان الصغير الذي لم تبلغ سنه الرابعة عشرة من عمره وترتكب في حقه جناية المواقعة برضاه فلا يعاقب حسب نصوص قانون العقوبات الليبي وذلك تطبيقا لنص المادة ( 80 ق ع ل)، اما الصغير الذي اتم الرابعة عشرة من عمره ولم يبلغ الثامنة عشرة عند ارتكاب الفعل وكانت له قوة الشعور والارادة فانه يسال جنائيا تحت طائلة الفقرة الرابعة من المادة ( 407 ق ع ل) على ان تخفض العقوبة في شانه بمقدار ثلتي المادة ( 81 ق ع ل) .

2- الصفة التي تلحق بالفاعل : تنص المادة ( 407/3 ق ع ل) على انه " اذا كان الفاعل من اصول المجني عليه او من المتولين تربيته او ملاحظته او ممن لهم سلطة عليه او كان خادما عنده او عند  من تقدم ذكرهم يعاقب بالسجن ما بين خمس سنوات وخمس عشرة سنة" .
يتضح من النص السابق بيانه ان المشرع شدد عقوبة الجاني في حالة ما اذا تمت بدون رضا المجني عليه المادة  (407 ق ع ل) .

كما ان المادة الثانية من القانون رقم 10 لسنة 1985 م بشان تقرير بعض الاحكام الخاصة بجرائم الاداب العامة نصت على انه " تزاد عقوبة الجرائم المشار اليها في المادة السابقة الى الثلثين اذا كان الجاني من العاملين باجهزة الشرطة اوالامن الشعبي المحلي او ممن لهم صفة مامور الضبط القضائي .
وتزاد العقوبة الى الضعف اذا كان الجاني من المكلفين بحماية الاداب العامة او رعاية الاحداث او كان رئيسا للمجني عليه في العمل او ممن عهد اليه برعايته او تربيته او تثقيفه او علاجه او الاشراف عليه اوالقيام بشان من شؤونه" .
وعليه فان زيادة العقوبة على النحو السابق بيانه على جريمة المواقعة بغير الرضا باعتبار ان هذه الجريمة تعتبر احدى الجرائم المخلة بالشرف، وذلك مؤسس على
-----------------------
1- جلسة 26 ابريل 1984 م، مجلة المحكمة العليا الليبية، س 21، عدد 4، ص 235 وما بعدها .
---------------------
نص الفقرة الثالثة من المادة ( 407 ق ع ل) والمادة الثانية من القانون رقم 10 لسنة 1985 م بشان تقرير بعض الاحكام الخاصة بجرائم الاداب العامة .
ولكن في حال التطبيق العملي يبرز بعض التعارض بين احكام الفقرة الثالثة من المادة ( 407 ق م ل)، والمادة الثانية من القانون رقم 10 لسنة 1985 م، وبذلك لا مفر من العمل باحاكم القانون الجديد فيما وقع فيه التعارض وذلك تطبيقا لمبدا الالغاء الضمني حسبما قررته المادة الثانية من القانون المدني الليبي (1) .

ويتبين التعارض هنا من ان نص الفقرة الثالثة من المادة (407 ق ع ل) ينص على انه " اذا كان الفاعل من اصول المجني عليه او من المتولين تربيته او ملاحظته او ممن لهم سلطة عليه او كان خادما عنده اوعند من تقدم ذكرهم يعاقب بالسجن ما بين خمس سنوات وخمس عشرة سنة" .
وان المادة الثانية من القانون رقم 10 لسنة 1985 م نصت على زيادة عقوبة الاشخاص المذكورين الى الضعف مما يتعين اعمال قاعدة الالغاء الضمني المنصوص عليها في المادة الثانية من القانون المدني الليبي، وبتطبيقها تكون عقوبةالجاني في جريمة المواقعة دون الرضا - الواقعة على صغير السن - كالاتي :
1- صلة القرابة، اذا كان الفاعل من اصول المجني عليه او من المتولين تربيته او ملاحظته او ممن لهم سلطة عليا عليه او كان خادما عنده او عند من تقدم ذكرهم، فانه يعاقب حسب مقتضيات نص المادة ( 407/3 ق ع ل) وهي السجن ما بين خمس سنوات وخمس عشرة سنة .
2- ويلاحظ ان عبارة ( من اصول المجني عليه) المنصوص عليها في المادة ( 407 ق ع ل) جاءت على اطلاقها، وبالتالي فان العقوبة تشدد على الجاني عند وقوع الجريمة من الاب او اب الاب وان علا، وكذلك من اب الام وان علا، ويستوي ان يكون المجني عليه هو الابن او ابن الابن وان نزل، او البنت او بنت البنت وان نزلت،
-----------------
1- تنص المادة الثانية من القانون المدني الليبي علىانه " لايجوز الغاء نص تشريعي الا بتشريع لاحق ينص صراحة على هذا الالغاء، او يشتمل على نص يتعارض مع النص التشريعي القديم او ينظم من جديد الموضوع الذي سبق ان قرر قواعده ذلك التشريع" .
-----------------
وبالتالي يكون تشديد العقاب على الجاني مهما يكن اذا كان من اصول المجني عليه مطلقا .
كما يلاحظ ان الاب او الجد من الرضاع لا ينطبق النص عليه، كما لا  ينطبق ايضا على الاب بالتبني واصوله (1).
2- صفة العمل : اذا كان الجاني من العاملين باجهزة الشرطة اوالامن الشعبي المحلي او ممن لهم صفة مامور الضبط القضائي فان عقوبته تزاد الى حد الثلثين طبقا لنص الفقرة الاولى من المادة الثانية من القانون رقم 10 لسنة 1985 م المشار اليه سابقا، ولكن اية عقوبة التي تشملها الزيادة ؟
المقصود بالعقوبة هنا هي ما نصت عليه الفقرة الاولى من المادة ( 407 ق ع ل) وهي السجن مدة لا تزيد على عشر سنوات، ويجب مراعاة ان زيادة العقوبة الى الثلثين انما ينصب على مقدار العقوبة التي يوقعها القاضي وذلك حسب نص المادة ( 29 مكررة ق ع ل) التي تنص على انه " كلما نص القانون على ان العقوبة تزاد او تنقص في نطاق حدود معينة لظرف مشدد او مخفف فان الزيادة او النقص انما تنصب على مقدار العقوبة التي يوقعها القاضي ما لم ينص القانون على غير ذلك"، بمعنى انه يعاقب الجاني بمقتضى المادة ( 407/1 ق ع ل) ثم يزيد ذلك العقاب بمقدار الثلثين، كان تحكم المحكمة على الجاني بتسع سنوات سجنا نافذا فالعقوبة تزاد بمقدار الثلثين أي بخمسة عشرة سنة سجنا نافذا .

3- صفة التكليف : تنص المادة ( 2/2 من القانون رقم 10 لسنة 1985 م) بتقرير بعض الاحكام الخاصة بجرائم الاداب العامة او رعاية الاحداث او كان رئيسا للمجني عليه في العمل او ممن عهد اليه برعايته او تربيته او تثقيفه او تدريبه او علاجه او الاشراف عليه او القيام بشان من شؤونه" .
ويقصد بالعقوبة المقصودة بالزيادة هنا هي عقوبة السجن مدة لا تزيد على عشر سنوات التي نصت عليها الفقرة الاولى من المادة ( 407 ق ع ل) ومقدار الزيادة هنا المقصود به ما يوقعه القاضي بالفعل في حكمه تطبيقا للمادة ( 29 مكررة ق ع ل )
-------------------
1- ادوار غالي الذهبي، المرجع السابق، ص 139 .
-------------------
كما لو حكم القاضي على جان بسبع سنوات سجنا نافذا فان العقوبة تضاعف الى اربعة عشرة سنة سجنا نافذا.
ومن ناحية اخرى اذا كان الجاني من المكلفين بحماية الاداب العامة او رعاية الاحداث او كان رئيسا للمجني عليه في العمل فان القانون الخاص الذي يحدد اختصاص الوظيفة للجاني في كل من هذه القوانين هو الذي يجب الرجوع اليه لتحديد تلك الوظيفة لمعرفة مركزه القانوني في ذلك السلك .
وفي حالة ما اذا كان الجاني يتولى رعاية المجني عليه او تربيته او تثقيفه او تدريبه او علاجه او الاشراف عليه او القيام بشان من شؤونه فانه بمجرد ان يكون قد عهد اليه بذلك من والديه اومن لهم حق الوصاية او الولاية عليه بحكم من المحكمة او احد اقاربه، ومثال ذلك كأن يكون المجني عليه تلميذا او متدربا عند الجاني، وبعبارة اخرى من يكون له نفوذ عليه سواء أكان قوننيا ام فعليا .

ويخرج عن ذلك زوج الاخت فانه لا يعتبر من المتولين تربية او ملاحظة او الاشراف على اخت الزوجة او ممن لهم سلطة عليها بمقتضى القانون، اما في حالة ما اذا كانت تقيم معه في بيت واحد مع اختها  ويتولى الجاني الاشراف الفعلي والنفقة عليها فان التشديد يقوم، اما اذا توافرت رابطة المصاهرة فقط دون الاشراف الفعلي فلا يكن القول بتوافر ظرف التشديد في حقه (1) .

ولكن ما العمل اذا ما توافرت اكثر من صفة في الجاني ؟
للاجابة عن هذا السؤال يمكن الحديث عنه في حالتين :
الحالة الاولى : في حالة توافر اكثر من صفة من الصفات المذكورة في النص السابق بيانه في الجاني مما يستوجب تشديد العقاب في واقعة واحدة، فهنا يجب الحكم بالزيادة الاشد اذا كان هناك اختلاف في مقدار الزيادة المنصوص عليها، كان يكون الجاني من العاملين باجهزة الشرطة فتزاد عقوبته بمقدار الثلثين المادة (2/1) من القانون رقم 10 لسنة 1985 م وفي نفس الوقت يكون رئيسا للمجني عليه في العمل مما يقتضي ان تزاد العقوبة الى الضعف طبقا لنص المادة ( 2/2 ) من القانون رقم 10 لسنة 1985 م .
-----------------------
1- جلسة 28 مايو 1974 م، مجلة المحكمة العليا الليبية، س 11، عدد 1، ص 148 .
----------------------
ففي هذه الحالة وهي توافر صفتين في واقعة واحدة فانه تزاد العقوبة بمقدار الثلثين، فقط، كان يحكم على الجاني بست سنوات سجنا نافذا فتزاد العقوبة بمقدار الثلثين فتصبح العقوبة عشر سنوات سجنا نافذا .
الحالة الثانية : في حالة ما اذا توافر بالفاعل اكثر من صفة تتطلب نفس التشديد في واقعة واحدة كأن يكون الجاني من المكلفين برعاية الاحداث ورئيسا للمجني عليه في العمل، ففي هذه الحالة على الرغم من توافر اكثر من صفة في الجاني الا انه يجب ان تزاد العقوبة مرة واحدة فقط بمقدار الضعف، كان يحكم على الجاني بثمان سنوات سجنا نافذا، فتزاد العقوبة بمقدار الضعف أي تصبح ستة عشرة سنة سجنا نافذا،  فهذه الصفات نص عليها المشرع على سبيل التبادل على اعتبار ان توافر احداها يكفي لتشديد العقاب، ومن ناحية اخرى فان توافر اكثر من صفة منها لا يؤدي الى تشديد العقاب اكثر مما يقتضيه توافر واحدة منها في الواقعة نفسها (1).

وفي كل الاحوال فانه اذا توافرت شروط تشديد العقاب علىالجانب فانه لايخل بحال من الاحوال من تطبيق العقوبات التبعية المنصوص عليها في المادة 2 من القانون رقم 10 لسنة 1985 م بشان تقرير بعض الاحكام الخاصة بجرائم الاداب العامة السابق بيانها .
-----------------
1- راجع محمد رمضان باره، المرجع السابق، ص 221 .
----------------

قائمة المراجع
1) ابو المعاطي حافظ ابو الفتوح، شرح القانون الجنائي المغربي، القسم الخاص، الطبعة الاولى 1403، 1983، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، المغرب .
2) احمد الخمليشي، القانون الجنائي الخاص، الجزء الاول، الطبعة الثانية 1405 - 1986، مطبعة المعارف الجديدة، الرباط، المغرب .
3) محمد رمضان باره، قانون العقوبات الليبي، القسم الخاص، الجزء الاول، جرائم الاعتداء على الاشخاص، الطبعة الثانية، 1403 و. ر - 1993، الجماهيرية للنشر والتوزيع والاعلان، مصراته، ليبيا .
4) محمود محمود مصطفى، شرح قانون العقوبات، القسم الخاص، الطبعة السادسة، 1964، دار مطابع الشعب، القاهرة، مصر .
5) مبروك السنهوري، التشديد والتخفيف في قانون العقوبات المصري، الطبعة الاولى 1993، مؤسسة الثقافة الجامعية، الاسكندرية، مصر .
6) علاء الدين ابي بكر بن مسعود الكاساني، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، الطبعة الثانية، 1982 م، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان .
7)عوض محمد عوض، الجاني والمجني عليه في جريمة المواقعة، دراسة مقارنة للنشر بعين المصري والليبي، مجلة دراسات قانونية، المجل الثالث 1973 م، منشورات الجامعة الليبية، كليةالحقوق، بنغازي، ليبيا .
8) مجلة المحكمة العليا، يصدرها المكتب الفني بامانه العدل والامن العام، طرابلس، ليبيا .
9) مجموعة التشريعات الجنائية، الجزء الاول، العقوبات، 1424، ميلادية، اعداد ادارة القانون بامانة العدل والامن العام، طرابلس، ليبيا .
10) مجموعة القواعد القانونية، تصدر عن وزارة العدل بمصر .
11) مجموعة احكام النقض، تصدر عن وزارة العدل بمصر .
11 مكرر) ادوار غالي الذهبي، الجرائم الجنسية في التشريع الليبي المقارن، الطبعة الاولى، 1973، المكتبة الوطنية، بنغازي، ليبيا .

* مجلة المحاكم المغربية، عدد 86، ص 81
.

Sbek net
كاتب ومحرر اخبار اعمل في موقع القانون والقضاء المغربي .

جديد قسم :