-->

الرجعة … الإشهاد بها… رد على تعليق


                                                                                                     
 للأستاذ الاجراوي مستشار بالمجلس الاعلى 

نشرت مجلة المحاكم المغربية في عددها رقم 49  الصادر عن  شهري   ماي/ يونيو1987  تعليقا  على  قرار  المجلس  الاعلى  عدد 150 الصادر في 16 مارس1981 بالملف الاجتماعي رقم 88867 للأستاذ عبد الناصر عصامي بعنوان الاشهاد على الرجعة بين قانون الأحوال الشخصية والعمل القضائي . وقد اشتمل التعليق على:
1- مقدمة تطرق فيها المعلق المحترم الى قرارات المجلس الاعلى الصادرة في موضوع الإشهاد  بصفة  عامة  وما يتعلق بالاستثناء الوارد في الفصل5 من مدونة الأحوال الشخصية والإشهاد على الرجعة بصفة خاصة مؤكدا على أهمية  الموضوع  وملاحظا ان ابرز ما يواجه الباحث في قرار المجلس هو 1) اعتبار ان الرجعة كالنكاح أي بمثابة عقد جديد مع ما يستتبع  ذلك  من شكليات. 2) ما ورد في حيثياته من  انه حتى على فرض ثبوت ممارسة الزوج لحق الرجعة فان ذلك لا يفيده ما دام لم يتم عن طريق إشهاد عدلين بل اكثر من ذلك فان إعلام المرأة برجعتها من طرف العدل الواحد لا يفيد!

2- كما اشتمل التعليق على عرض انتقادي لقرار المجلس المذكور ناقش فيه  مفهوم الرجعة وكيفية ممارسة الزوج لهذا الحق واتجاه القرار-  موضوع التعليق - على ضوء الفقه المالكي ومدونة الأحوال الشخصية وركز على حكم"الإشهاد على الرجعة" مؤكدا انه بمجرد أمر مستحب لا يلزم المرتجع القيام به وانما يستحب له ذلك خلافا لما يفيد القرار المنتقد وانتهى المعلق الى  الإعراب  عن رأيه الخاص في الموضوع ملاحظا وجاهة الرأي القائل بوجوب الاشهاد على الرجعة مقترحا الأخذ به كما وقع الاخذ بآراء خارج المذهب في قضايا  معروفة  عالجتها  مدونة  الأحوال  الشخصية مستدلا في النهاية برأي المرحوم السيد قطب في الموضوع، والواقع ان  التعليق  ابرز الخطوط الرئيسية في موضوع الرجعة وعالج اهم الجوانب القانونية لهذا التصرف القانوني الشخصي مستدلا بنصوص الفقه وبأهم مصادر التشريع ومنطلقا الى اضافة مقتضيات قانونية تكمل الموضوع  وتحسم النزاع.

ونحن نشاطر السيد المعلق الراي فيماانتهى إليه وما لاحظه من سكوت مدونة الأحوال الشخصية عن معالجة موضوع:الإشهاد بالرجعة كما فعلت بالنسبة للاشهاد على النكاح حيث أخذت بآراء مخالفة لرأي الجمهور في هذا الشان حسما للنزاع واستئناسا بالقولة المأثورة عن سيدنا عمر بن عبد العزيز: " تحدث للناس اقضية بقدر ما أحدثوا من فجور !"

وقد اثار انتباهنا في هذا التعليق أمران:
اولهما الأسلوب " غير اللائق" الذي انتقد به المجلس الاعلى الذي هو بلا مراء أسمى مؤسسة قضائية في البلاد حيث نسب اليه في طليعته " التخبط" غير مقدر للمدلول الحقيقي لهاته الكلمة ولا مكترثا بما يقتضيه وضعها في التعليق. ومن المعلوم  ان " التخبط " يعني التردد  والسير على غير هدى ولا بصيرة واصله من خبط يخبط من باب ضرب وزنا ومعنى، ويقال فلان يخبط خبط عشواء أي يسير معتسفا متهورا لا يستهدف غاية على سبيل الاستعارة القائمة على تشبيه من ذكر بالناقة العمياء التي تلقي بحوافرها كيفما اتفق دون تحديد لموقعهما، واغلب استعمالات التخبط قبيحة تشمئز منها النفوس لأنها تعني التردد والحيرة وعدم الاتزان والسير بدون قصد ولا هدف وقد شبه الشاعر زهير ابن ابي سلمى الموت في حصاده النفوس دون قصد ولا روية بمن يخبط خبط عشواء في بيته المشهور:

رأيت المنايا  خبط عشواء من تصب     تمته ومن تخطئ يعمر فيهرم

ومن هنا يتبين للقارئ فظاعة هذا الوصف البذيئ خصوصا مع اعتبار وضع الكلمة الذي يقتضي الاعتياد والتكرار وان الأمر يتعلق بمجموعة من القضايا كانت ولا تزال موضوع التخبط ولم يكتف التعليق بهذا الوصف بل أضاف اليه في الصفحتين 35 و36 من نفس المجلة أوصافا اخرى هي الخلط بين الأشياء المتباينة وعدم التمييز بين الرجعة والمراجعة وبين الركن والشرط والمجلس الاعلى ليس من دأبه النزول الى مستوى الرد على مثل هاته القوادح لأنه واع بمسؤوليته مؤمن برسالته يعرف سلفا مواقع أقدامه لا يخبط ولا يتخبط وانه يمارس مهامه عن روية وتبصر، وبالرجوع للمقتضيات المتعلقة به في قانون التنظيم يتألف من عدة غرف وكل غرفة تشتمل على عدة أقسام وكل قسم يتألف من مجموعة من المستشارين لا يقل عددهم عن خمسة … ومن الطبيعي ان يقع اختلاف في وجهات النظر قد يترتب عليه اختلاف في وجه الحل بين اقسم واخر، والاختلاف في وجهات النظر ظاهرة معروفة في جميع محاكم العالم بما فيها محاكم البلدان التي سبقناها كثيرا في هذا المجال، كما ان هذا الاختلاف هو اساس تقرع المذاهب الفقهية ولا يصح ان توصف هاته الظاهرة بالتخبط، ومن هنا ندرك الغاية التي يهدف إليها المشرع من امكانية عرض الدعوى على غرفتين  مجتمعتين او على المجلس الاعلى بجميع غرفه اعترافا منه بإمكانية اختلاف وجهات النظر  في بعض القضايا  وبما يجب في هاته الحالة من مناقشة جميع الآراء وانتقاء الرأي الذي تتفق عليه الأغلبية وتلك هي القاعدة التي تقوم عليها الديمقراطية في جميع مظاهرها بما فيها حرية القضاء في ظل القانون.

ام الأمر الثاني الذي اثار انتباهنا فيتعلق بمدى ارتباط التعليق بموضوع القرار المعلق عليه، والغريب في الأمر ان القرار موضوع التعليق لا يعالج موضوع الإشهاد على الرجعة واكثر من ذلك ان القرار لم يقل شيئا في موضوع الإشهاد بالرجعة لان هذا الموضوع لم يكن محل نزاع بين طرفي الدعوى التي بت فيها القرار المعلق عليه اذ بالرجوع الى وقائعه يتجلى ان النزاع القائم بين طرفي الدعوى يدور حول وقوع الرجعة التي مارسها المرتجع يوم 13/4/79 واعلم بها المرتجعة  بواسطة عدل يوم 26/10/79 داخل امد العدة كما يدعي ذلك المرتجع او خارجه كما تدعي ذلك المرأة.

والمجلس ابرز في وقائع القرار موضوع النزاع القائم وناقش الوسائل ورد عليها في حدود هذا النزاع ولم يتعرض بتاتا لحكم الإشهاد على الرجعة من حيث الاستحباب او الوجوب لان هذا الموضوع لم يكن محل نزاع في الدعوى كما لم يبت في كفاية وفعالية الإخبار بالرجعة بواسطة العدل الواحد لان هذا - أيضا - لم يكن موضوع نزاع بين الطرفين، وان تنصيصات القرار أوضحت في الوقائع موضوع النزاع حيث أفادت ادعاء الرجل انه ارتجع المرأة بتاريخ 13/4/79 واعلمها بالرجعة بواسطة العدل الواحد في 26/10/79  طالبا إرجاعها اليه مصحوبة بالحوائج المذكورة  بمقاله ولم تنازع المرأة لا في وقوع الارتجاع ولا في الاعلام بل دفعت بان الارتجاع كان خارج امد العدة كما ان المجلس أكد في جوابه عن الوسيلة الثانية من وسائل النقض: ان جوهر النزاع ليس هو مدى  ما لوثيقة الرجعة من قوة اثباتية ولكن جوهر النزاع هو: هل صادفت الرجعة محلا او لا؟   
وعلى هذا الأساس فان المجلس لم يكن في حاجة لمناقشة موضوع: الإشهاد بالرجعة لانه لم يكن موضوع نزاع بين الطرفين ولاشك ان الإشهاد بالرجعة مجرد امر مستحب لا يلزم الزوج القيام به على المشهور المعمول به في المذهب، والقول بوجوده وارد أيضا وهو ضعيف لا عمل عليه وهو على كل حال ليس بركن لان الركن هو: ما لا تتم الماهية الا به وأركان الرجعة أربعة معروفة كما انه -  على القول المشهور-  ليس بشرط لان الشرط هو: ما يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم لذاته، ولا يمكن اعتبار الإشهاد بالرجعة شرطا في صحتها الا على القول بالوجوب الذي هو قول ضعيف لا عمل به.

ولست ادري كيف اعتبر التعليق " الإشهاد بالرجعة" شرطا في الوقت الذي يتمثل فيه بأنه مندوب غير لازم مسايرة للقول المشهور المعمول به ورتب على ذلك القول: بالخلط بين الركن والشرط والحال انه ليس هناك " شرط" يمكن اختلاطه بالركن مع ان الأمر في غاية الوضوح، وبما ان الإشهاد بالرجعة وكذلك فعالية الأخبار بها بواسطة العدل الواحد لم يكونا محل نزاع بين طرفي الدعوى فان المجلس الاعلى ركز نظره على موضوع النزاع القائم والذي هو: وقوع او عدم وقوع الرجعة داخل أمد العدة ! وقد لاحظ قضاة الموضوع ان المرأة كانت مشبهة في هذا الادعاء بمضي مدة كافية لاستيعاب ثلاثة قروء بين الطلاق والارتجاع وان عناصر تطبيق قول المختصر: وصدقت في القضاء عدة القرء والوضع بلا يمين ما أمكن" متوافرة في الدعوى وان تصديق المرأة للشبهة يعني أنها في موقف المدعى عليه وان الرجل هو المدعي المطالب بالإثبات وان إثبات وقوع الرجعة في العدة كإثبات النكاح المتنازع  فيه يتم بواسطة عدلين بناء على ما نص عليه المختصر في باب الشهادات حيث قال: ولما ليس بمال ولا آئل كعتق ورجعة عدلان قال الزرقاني ومثلهما النكاح والوقف والطلاق غير الخلعي والوكالة في غير مال.

ومما سبق يتجلى ان الفرق واضح بين" الإشهاد بالرجعة" الذي هو امر مستحب في مشهور المذهب وبين إثبات وقوع الرجعة في العدة عند مواجهة مدعيها بالإنكار وهو موضوع القرار المعلق عليه ورد المجلس الاعلى على الوسيلة الثالثة من وسائل النقض مستمد من الفقه المقرر في قول المختصر المشار له سلفا الذي يؤكد على ان الدعاوي غير المالية كالنكاح والرجعة وما شاكلهما تثبت بشهادة عدلين وما دام المرتجع لم يثبت وقوع الرجعة في العدة فان الإخبار بها بواسطة عدل… او عدلين لا يفيد مدعي الارتجاع في ثبوت الرجعة على الوجه المذكور هذا ما عناه المجلس في جوابه عن الوسيلة الثالثة لان مرجع الإشارة في " لم يتم ذلك" الواردة في الجواب راجع الى إثبات الرجعة داخل العدة الذي هو محط النزاع أي مادام المدعي لم يثبت وقوع الارتجاع في العدة فان الأخبار بالرجعة لا يفيد، ولا يصح اعتبار " ذلك" راجعا الى" الإشهاد على الرجعة" لان هذا الاحتمال تستبعده القاعدة الأصولية: الموضوع يخصص ! وهكذا فقد يتجلى بوضوح ان قرار المجلس يعالج موضوع إثبات وقوع الرجعة في العدة  الذي هو محط النزاع القائم في الدعوى وى يعالج موضوع الاشهاد بالرجعة ولا موضوع الإخبار بها بواسطة عدل واحد اللذين هما محل اتفاق بين الطرفين لان المرأة لا تنازع لا في وقوع الرجعة والإشهاد بها ولا في الاخبار بها وانما تنازع في وقوعها داخل العدة وقديما قال الشاعر العربي.

وكم معنى بدا لك مستقيما وآفته في الفهم السقيم

هذا وقد اثار التعليق في مقدمته موضوع الاستثناء الوارد في الفصل الخامس من مدونة الأحوال الشخصية واعتقد ان هذا الموضوع لا صلة له بقرار المجلس الذي كان موضوع التعليق والذي ارتكز على عدم الإثبات وليس على تقرير وسيلة الإثبات وبذلك فان من المناسب إرجاء مناقشته لفرصة ملائمة.

* مجلة المحاكم المغربية، عدد 59، ص 104.                                              

Sbek net
كاتب ومحرر اخبار اعمل في موقع القانون والقضاء المغربي .

جديد قسم : مدونة الاسرة