-->

مصادرة وسائل النقل كعقوبة إضافية بين النص الجنائي العام، والنص الجنائي الخاص

 للأستاذ أبو مسلم الحطاب
 المستشار بالمجلس الاعلى

ينص الفصل : 14 من مجموعة القانون الجنائي على ان " العقوبات اما  اصليا او اضافية، فتكون اصلية عندما يسوغ الحكم بها وحدها دون ان تضاف الى عقوبة اخرى . وتكون اضافية  عندما  لا يسوغ  الحكم  بها  وحدها  او عندما تكون ناتجة عن الحكم بعقوبة اصلية"، كما ينص الفصل 36 من نفس المجموعة على ان " العقوبات الاضافية هي …….5 ) المصادرة الجزئية للاشياء المملوكة للمحكوم عليه، بصرف النظر عن المصادرة المقررة كتدبير وقائي في الفصل .

فما هي المصادرة ؟ ومتى يحكم بها اذا تعلقت بوسائل النقل، طبقا لاحكام  مدونة  الجمارك ،  وظهير  21  مايو  1974  المتعلق  بالمخدرات، وظهير 12 نونبر1932 المتعلق بالتبغ ؟ 
قبل الجواب عن هذه الاسئلة ،  ينبغي  التذكير  بان  المصادرة كعقوبة اضافية تخضع لمبدا " لا جريمة ولا عقوبة الا بنص" طبقا للفصل 3 من مجموعة القانون : الجنائي ولا يمكن ان يحكم بها الا تبعا لعقوبة اصلية، وبحكم واحد، فاذا اغفلت المحكمة الحكم بها، فلا سبيل الى تدارك ذلك الا عن طريق الطعن وبالطرق المقررة في القانون، واذا فات اجل الطعن فلا يمكن اصلاح الخطا بدعوى مبتدئة(1).


--------------------------
1) محمود ابراهيم اسماعيل، شرح الاحكام العامة في قانون العقوبات المصري ط 2. ص 673، دار الفكر العربي القاهرة .
-------------------------
أولا : مفهوم المصادرة
ينص الفصل : 42 من مجموعة القانون الجنائي على ان " المصادرة هي تمليك الدولة جزءا من املاك المحكوم عليه او بعض املاكه".

ثانيا : حالات الحكم بالمصادرة 
اذا كان من حق المحكمة ان تقضي بالمصادرة في حالة الحكم بالمؤاخذة عن فعل يعد جناية طبقا لمقتضيات الفصل 43 من المجموعة، فان هذا الحق مقيد، في حالة الحكم بالمؤاخذة عن فعل يعد جنحة او مخالفة بوجود نص قانوني صريح، طبقا للفصل 44 من المجموعة.

ويبدو ان اهم النصوص الخاصة التي تناولت المصادرة واوجبت الحكم بها، ولا سيما عندما يتعلق الامر بوسائل النقل، هي :
1- مدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة المصادق عليها بالظهير الشريف رقم 77.339 بتاريخ 25 شوال 1397 ( 9 اكتوبر1977).
2- الظهير الشريف بمثابة قانون رقم 1.73.283 بتاريخ 28 ربيع الثاني 1394 ( 21 مايو1974) المتعلق بالمخدرات .
3- الظهير الشريف الصادر بتاريخ 12 رجب عام 1351 ( 12 نونبر1932) المتعلق بالتبغ .

وقبل بحث احوال وجوب الحكم بمصادرة وسائل النقل ( في اطار النصوص الانفة الذكر) يكون من المفيد ايراد الفصل : 4 من الظهير الشريف رقم 1.59.413 بتاريخ 28 جمادى الثانية 1382 الموافق 16 نونبر1962 بالمصادقة على مجموعة القانون الجنائي الذي ينص على انه " تسري احكام هذه المجموعة ايضا على المسائل التي تنظمها قوانين او نظم خاصة وذلك في كل ما لم يرد به نص صريح في تلك القوانين او النظم" والذي تتجلى اهميته في تحديد الاطار الذي يجب فيه تطبيق النصوص الخاصة المشار اليها اعلاه، فيما يتعلق بمصادرة وسائل النقل ( التي هي بيت القصيد في هذه الاشارات السريعة).

1- بالنسبة لمدونة الجمارك:
ينص الفصل 212 من هذه المدونة على ما يلي :
" يؤمر بمصادرة وسائل النقل التي استعملت او كانت معدة لاستعمالها في ارتكاب المخالفة عندما تكون هذه الوسائل على ملك من شاركوا في الغش او في محاولته، او حتى عندما تكون على ملك شخص اخر اجنبي عن المخالفة وتكون اعدت على الخصوص لاجل ارتكاب الغش، او اذا ارتكب هذا الغش من طرف المكلف بسياقة السيارة".
ويستفاد من هذا النص انه يميز بشان المصادرة بين ثلاث فئات :
فئة المشاركين في الغش او في محاولته، وهذه الفئة لا جدال في وجوب مصادرة وسائل النقل التي على ملكها متى استعملتها او اعدتها للاستعمال في ارتكاب المخالفة ( مع العلم ان المصادرة في هذه الحالة تتوقف على الادانة من اجل المخالفة باعتبارها عقوبة اضافية).
فئة الاجانب عن المخالفة، وهذه الفئة لا تصادر وسائل النقل التي على ملكها الا اذا عدت على الخصوص لارتكاب الغش، ولذلك اذا استعملت هذه الوسائل في الغش دون سابق اعداد، كما يقع غالبا بالنسبة لسيارات الاجرة والطائرات والبواخر … فلا محل للمصادرة وجوبا او جوازا). وتختلف طرق الاعداد وتقنياته باختلاف انواع الغش.
فئة المكلفين بسياقة السيارات، المرتكبين للغش، وهؤلاء لا تترتب مصادرة السيارات التي يسوقونها على فعلهم هذا، الا اذا ارتكبوا الغش، وكانوا مكلفين بسياقة تلك السيارات، فينتج عن ذلك انهم اذا لم يرتكبوا الغش، او ارتكبوه ولم يكونوا مكلفين بالسياقة بان سرقوا تلك السيارات او ساقوها بدون علم مالكها او من يتولى حراستها، فلا محل للمصادرة كذلك.

1- بالنسبة لظهير 1974:
ينص الفصل : 11 من هذا الظهير على انه " يتعين على المحاكم في جميع الحالات المنصوص عليها في الفصول السابقة ان تصادر المواد او النباتات المحجوزة تطبيقا للفصل : 89 من القانون الجنائي …. وتامر كذلك بحجز ادوات ومنشات تحويل المواد او النباتات او صنعها والوسائل المستعملة لنقلها ….".
وقد نصت على هذه المصادرة جميع التشريعات العربية الصادرة لمكافحة المخدرات، ومنها على وجه الخصوص، التشريع المصري الصادر سنة 1977 الذي اوجب في الفصل 42 منه مصادرة وسائل النقل المضبوطة التي استخدمت في ارتكاب الجريمة في جميع الاحوال قال الفقه هناك، تعليق على هذا النص  - المشابه للفصل 11 من ظهير 74 : فرض القانون في المادة 42 مصادرة الادوات ووسائل النقل التي تكون قد استخدمت في ارتكاب الجريمة وينبغي ان تكون هذه الاشياء مملوكة للمتهم المقضي بادانته … اما اذا قضى ببراءته فلا محل للمصادرة هنا، ما دامت حيازة هذه الاشياء مشروعة في ذاتها (2) وان هذه المصادرة وان كانت وجوبية، فانه من حسن سير العدالة ومن دواعي الاطمئنان في علاقات الناس، يلزم ان تكون الادوات ووسائل النقل المستعملة في ارتكاب الجريمة ملكا للمتهم الذي قضي بادانته ليمكن مصادرتها، فاذا كانت مملوكة لغيره وجب ردها الى هذا الغير، اذا ما اثبت حسن نيته وعدم علمه بالجريمة التي استعملت فيها الادوات ووسائل النقل، ويؤكد هذا المعنى القاعدة العامة في الجزاء التي توجب الا يعاقب سوى من ارتكب الجريمة المعاقب عليها ( قاعدة شخصية العقوبة)، وكذلك مفهوم المخالفة لنص المادة 30/2 من قانون العقوبات المصري…. (3)".

واذا كان الفصل : 11 من ظهير 74 يربط وجوب مصادرة وسائل النقل باستعمالها لنقل المخدرات دون تمييز في ملكيتها بين مرتكب الجريمة والاجنبي، كما فعلت مدونة الجمارك، فان الفصل 133 من مجموعة القانون الجنائي - الذي يوجب الفصل 4 من ظهير62 السالف الذكر الرجوع اليه كقاعدة عامة  - يشترط العمد أي القصد الذي لا يتحقق الا بتوافر عنصري الارادة والعلم، وعلى هذا اذا استعمل الاجنبي وسيلة للنقل على ملكه في ارتكاب الجريمة دون علم، فلا محل للمصادرة، لعدم وجود نص صريح ينص على المصادرة في هذه الحالة، ولان النص يفسر لفائدته باعتباره متهما في حدود عقوبة المصادرة.

2- بالنسبة لظهير 32 :
ينص الفصل : 81 من هذا الظهير على انه " يصدر الحكم بمصادرة السلع والاشياء الواقع عليها الغش والخداع وايضا ادوات النقل …." ولو كان مالكها حسن النية (4)، وواضح ان صيغة هذا الفصل تفيد الوجوب رغم عدم التعبير بمادته، لان مع صيغ الوجوب - كما هو مقرر عند علماء الاصول - استعمال الجمل الخبرية في الانشاء أي الطلب، لكون مضمونه لم يكن قد تحقق في الواقع، عند ايراده، على حد قوله تعالى {والمطلقات يتربصن بانفسهن} وقوله تعالى { والوالدات يرضعن اولادهن حولين كاملين}.
--------------------------
1) رؤوف عبيد، شرح قانون العقوبات التكميلي، ط 4، ص 86 دار الفكر العربي .
2) السيد حسن البغال وفؤاد محمد علي، قانون المخدرات العربي الجديد، ط 1 ص 267.
3) قرار المجلس الاعلى عدد 110 بتاريخ 10/12/1970،  قضاء المجلس الاعلى عدد 20، ص 50.
-------------------------
بيد ان هذا النص يجب ربطه ايضا بالفصل 133 من مجموعة القانون الجنائي عملا بالفصل 4 من ظهير 1962، وذلك سعيا وراء تحقيق الانسجام والتنسيق - على الاقل - بين النصوص الجنائية الخاصة، اعتبارا لطبيعة العقوبة ( المصادرة) ووحدتها النوعية، اذ لا يعقل ان يؤخذ النص المطلق على اطلاقه، بل يجب تقييده بغيره من النصوص الاخرى، خاصة كانت او عامة، طالما لم يكن هناك نص صريح يخالفها، ولان النصوص الزجرية تفسر لصالح المتهم، خصوصا وان هذه النصوص الخاصة ترد على محل واحد وهو المصادرة .

وهكذا يتجلى، من هذه الاشارات السريعة، ان مصادرة وسائل النقل من سيارات وشاحنات وطائرات وبواخر وغيرها (5) بالنسبة للاجنبي عن الفعل المجرم، تتطلب ان يعدها خصيصا للغش او نقل المخدرات او التبغ، او يكون مكلفا بسياقتها، او يكون على علم باستعمالها لنقل ما ذكر، وان العلم مفترض حتى يثبت العكس، حرصا على اطمئنان الافراد في تعاملهم، وتشجيعا لذوي النيات الحسنة على فعل الخير بمساعدة غيرهم، سيما وانه لا يتاتى تفتيش الاشخاص لمعرفة ما يحملونه معهم، قبل نقلهم، من الجهات التي تملك وسائل النقل.

والامل معقود في ان يكون لهذا ( الراي المتواضع) صداه في الفقه وفي القضاء، وان يتناول الموضوع ذوو الاختصاص والمهتمون بالجرائم الاقتصادية في التشريع المغربي، توحيدا للمفاهيم القانونية، وتصحيحا لوضعية مقلقة لفئة كبيرة من المواطنين حسني النية المثبتين لها، الذين يسوقهم القدر الى الوقوع في حالات قد يكون لهم فيها القضاء هو الملجأ الاخير.
---------------------------
4) اذا كانت على ملك الافراد، اما اذا كانت على ملك الدولة فانها لا تصادر سواء بالنسبة لطبيعتها كمال عادل، او بالنسبة لمالكها، وهي الدولة، فلا يمكن اذن ان تكون المصادرة منها اليها ( انظر قرار محكمة النقض الفرنسية بتاريخ 11/8/1948، دالوز1848/1/186، اشار اليه الدكتور علي فاضل حسن في كتابه، "المصادرة في القانون الجنائي المقارن"، عالم الكتب القاهرة ص 347، هامش 7).
---------------------------

* مجلة المحاكم المغربية، عدد 63، ص 29.

Sbek net
كاتب ومحرر اخبار اعمل في موقع القانون والقضاء المغربي .

جديد قسم : أبحاث قانونية مغربية