-->

المبادىء العامة في الشريعة الاسلامية في مايتعلق بالتحكيم التجاري الدولي

المبادىء العامة في الشريعة الاسلامية في مايتعلق بالتحكيم التجاري الدولي

بقلم حسان محاسني المحامي بالمملكة العربية السعودية -جدة
والشريك في شركة وايت اندكس الامريكية - نيويورك
 تمهيد :
تبرز اهمية هذا البحث عندما يتفق اطراف النزاع على ان قواعد الشريعة الاسلامية هي التي  تحكم  النزاع  عند  عرضه  على  هيئات  التحكيم  التجاري الدولية او اذا كان احد اطراف النزاع ينتمي الى دولة تطبق الشريعة الاسلامية   كالمملكة العربية السعوديةوعمان  وقطر. ذلك، لان الشريعة  الاسلامية ذات طبيعة  خاصة  لكونها شريعة سماوية، تتضمن مبادىء لايجوز للافراد الخروج  عنها  وان  ارتضوا ذلك. والمثال  على  ذلك  موضوع  الفائدة،  فهي محرمة بالشريعة الاسلامية تحريما قاطعا لانها ربا استنادا لقوله تعالى "واحل الله البيع  وحرم الربا" (سورة البقرة 2/270) .

فهذا النص في الشريعة الاسلامية هو نص امر وملزم لايجوز الخروج عنه، بينما القوانين  الوضعية  هي  من  صنع البشر، لذلك كان  من الجائز الاتفاق على  الخروج عنها بين المتعاقدين، الا ما كان منها مايخالف النظام العام والاخلاق العامة. والنظام العام  وان  كان  عاما  في  لفظه  الا انه  يبقى  مقيدا بالزمان والمكان فما يمكن ان يدخل في نطاق دائرة النظام العام لايكون كذلك في بلد اخر. والمثال على ذلك، كون اموال الزوجة منفصلة عن اموال الزوج في سورية هومن النظام العام ولايجوز الاتفاق على ما يخالفه . وكون التركة توزع بين الاولاد للذكرمثل الانثيين وان لاوصية لوارث هو من النظام العام. بينما الامر ليس كذلك في امريكا مثلا. لذلك فان اتفاق اطراف النزاع على تطبيق  احكام  الشريعة  الاسلامية  على النزاع كثيرا ما يثير اشكالات في مدى الالتزام بهذا الشرط ومدى حدوده وبالتالي ماهية القواعد اوالمبادىء الشرعية التي يجب ان تحكم النزاع.
لذلك لابد لنا قبل الدخول في موضوع البحث من القاء نظرة سريعة على مصادر الشريعة الاسلامية التي لها علاقة بموضوعه.

مصادر التشريع الاسلامي 
يستقي التشريع الاسلامي احكامه من المصادر التالييية:
اولا القران  الكريم:
وهو المصدر الاول للتشريع الاسلامي وهو  كلام  الله المنزل على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، وسائر المصادر الاخرى  هي  بيان  للقران  الكريم وتفريع عنه وراجعة اليه. وقد اجمع المسلمون في  جميع  العصور على ان القران حجة قطعية ولايجوز العمل بما يخالف احكامه الا اذا كانت هناك وقائع لانص عليها في القران فتؤخذ احكامها من المصادر التشريعية التالية:
ثانيا السنة النبوية:
وهي المصدر الثاني من مصادر التشريع الاسلامي ويقصد بها كل ما نقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قول او فعل اوتقرير (ويقصد بذلك سكوت الرسول على فعل احد اصحابه وعدم انكاره، او بموافقته واظهار استحسانه له). ويستثنى من ذلك ما صدر عن الرسول بمقتضى طبيعته البشرية من ماكل وملبس او اجتهاد في الراي حسب خبرته، الانسانية من خلال تجاربه في الزراعة والتجارة لانها لا تعتبر تشريعا منه.
والحجة في اعبتار السنة مصدرا للتشريع ماورد في القران  الكريم  من  قوله  تعالى : " وما اتاكم الرسول فخذوه ومانهاكم عنه فانتهوا".(سورة الحشر 59/7).
ولا خلاف بين المسلمين في ان السنة النبوية حجة ودليل من ادلة الاحكام الشرعية.

الاجتهاد :
والمراد به هو بذل الجهد للتوصل الى الاحكام من ادلتها ومعرفة الوسائل التي ارشد الشارع اليها لايجاد الحكم للواقعة  الجديدة التي لانص عليها.
فالاجتهاد والحالة هذه يرمي الى تحقيق امرين:
الاول: فهم النصوص الواردة في ا لقران والسنة  واستنباط  الاحكام  منها  بطريق  الاستنتاج  و الفهم التي تحتاج الى بعد نظر وعمق  تامل واهلية خاصة من العلم اضطلاع بقواعد الشريعة واصولها.
الثاني: ايجاد الاحكام للوقائع الجديدة التي لم يرد نص بعينه بشانها. والتي تنشا وتتجدد مع الزمن والحاجة اليها مستمرة ودائمة.
لذلك بحث فقهاء الشريعة الاوائل في توضيح المصادر  الاجتهادية  ووضعوا  القواعد  الدقيقة  لها وانتهوا الى انها تكون عن طريق اجماع المجتهدين من امة محمد عليه الصلاة السلام ، بعد وفاته على حكم شرعي لانص فيه.
كما تكون عن طريق القياس وهواعطاء حكم واقعة لها نص  ثابت  على  واقعة  اخرى  تشابهها  لوجود  علة مشتركة بينهما أي الحاق امر لم ينص على حكمه في القران والسنة او الاجماع بامر نص عليه في احد هذه المصادر لاشتراكهما في علة الحكم.
او ان يتم الاجتهاد عن طريق ا لاستحسان وهو العدول عن حكم المسالة عن نظائرها الى حكم اخر لدليل شرعي في القران اوالسنة.
وبذلك يعتبر الاستحسان من اهم المصادر الاجتهادية واخطرها واعظمها اثرا في تطور التشريع الاسلامي.
كما اجاز الفقهاء الاجتهاد ايضا عن طريق المصالح المرسلة. والمقصود بالمصالح المرسلة هي المحافظة على المقاصد الاساسية للشريعة الاسلامية. فكل ما يحقق هذه الغاية جائزا اعتماده عن طريق الاجتهاد فيه.
ويعتبر العرف مصدر للاجتهاد في الشريعة الاسلامية ايضا، وهو كل ما اعتاد الناس والفوه من فعل اوقول.
ولامجال هنا للخوض في شروط واحكام وقواعد الاجتهاد في الشريعة الاسلامية لانها تخرج عن موضوع هذا البحث المحدد الهدف.


التعريف بالتحكيم ومشروعيته في الاسلام
يعرف التحكيم بانه اتخاذ الخصمين حاكما برضاهما للفصل في خصوماتها ودعواهما.
فالتحكيم والحالة هذه لايختلف عن القضاء  الا  في  ان  الدولة  هي  التي  تعين القاضي وتلزم الناس بالتقاضي امامه وتنفذ الاحكام التي تصدر عنه. بينما في التحكيم فالخصوم هم الذين يختارون المحكم الذي يفصل في خلافاتهم، وهم  الذين يلزمون انفسهم بتنفيذ ما حكم به المحكم  بوازع من ضميرهم وتحت تاثير الضغوطات والعلاقات الاجتماعية لاطراف النزاع.
هذا وقد اجمع فقهاء المسلمين على مشروعية التحكيم، واستدلوا على مشروعيته من قوله تعالى :
"وان خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من اهله وحكما  من  اهلها   ان  يريدا  اصلاحا  يوفق  الله بينهما ان الله كان عليما خبيرا". (سورة النساء 4/35)
وفي السنة ما روي عن ابي شريح انه قال "يارسول الله ان قومي اذا اختلفوا في شيء  فاتوني  فحكمت  بينهم  فرضي  على  ا لفريقان. فقال الرسول الله عليه وسلم: ما احسن هذا"
الاتفاق على التحكيم مع شرط تطبيق احكام الشريعة الاسلامية.
بما ان التحكيم عقد شانه سائرالعقود، فلا بد فيه من احترام شروط المتعاقدين. الا ان السؤال الذي يطرح نفسه هو  مامدى  التزام الخصمين بالاتفاق على تحكيم هيئة دولية وعلى ان يتم الفصل بالنزاع وفق احكام الشريعة الاسلامية؟ وبالتالي هل يتوجب على المحكمين اعمال  هذين  الشرطيين  ام لا؟ هذا ما سوف نجيب عليه في الفقرات التالية:
الاتفاق عل تحكيم هيئة دولية بالنسبة للشريعة الاسلامية
ان غالبية القوانين الوضعية لا تمنع تحكيم شخص اجنبي اوهيئة دولية في نزاع داخلي بين مواطني الدولة وجهات اجنبية الا في حالات خاصة.
 لذلك  فالتحكيم  الدولي  التجاري  و غير  التجاري  لايثير ان أية مشكلة في القوانين الوضعية وبالتالي في الدول التي تطبق قوانين وضعية، سيما اذا كان  النزاع ذا طابع دولي.
اما بالنسبة  للشريعة الاسلامية، فالامر مختلف بالنسبة  للتحكيم  الاجنبي  سواء  كان  النزاع  داخليا  اودوليا .  كما ان للدولة في نظرالشريعة الاسلامية مفهوما مختلفا عن المفاهيم الاخرى المتعارف عليها حديثا كماسياتي شرحه.
ويمكن هذا الاختلاف في ان فقهاء الشريعة يشترطون في المحكم شروطا محددة الا انهم اختلفا فيها على اقوال:
القول الاول: وهو ان يكون المحكم اهلا للقضاء.
القول الثاني: وهو ان يكون المحكم مستجمعا بعض الشروط الفتوى دون باقي الشروط.
القول الثالث: وقد انفرد به ابن تيمية حيث  قال انه لايشترط في من يتولى التحكيم شروط القاضي العشرة التفق عليها بين معظم الفقهاء، بل يجوز عنده ان يتولى التحكيم اشخاص اخرون لهم وظائف عامة ( كشاف القناع للبهوتي ج 6 صفحة 309).
القول الرابع: ويكفي في من يتولى التحكيم  ان يكون مسلما وهو قول ابن حزم الظاهري.(المحلي ج 9 ص 435).
والذي يهمنا من شروط تولي القضاء هو شرط الاسلام، لانه شرط ايضا حسب القول الراجح في من يتولى التحكيم كما تقدم.
ان اشتراط الاسلام في القضاء وفي التحكيم بالتبعية مرده الىان انقضاء ولاية ولا تجوز لغير المسلم على  المسلم  لقوله  تعالى "ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا" (سورة النساء4/141) ثم ان المفروض على القاضي ان يطبق احكام الشريعة الاسلامية، وغير المسلم لايفترض فيه  العلم باحكام الشريعة التي يريد تطبيقها.
اما تولية القضاء لغير المسلم على غير المسلم فقد منعها جمهور الفقهاء ولم يجيزوها ،  لان  شرط الاسلام عندهم شرط  شرط ضروري لابد منه في من يتولى القضاء سواء كان قضاؤه  على المسلمين اوعلى غيرهم .
وذهب اصحاب المذهب الحنفي الىجواز تنصيب غير المسلم للقضاء على غير المسلمين وعللوا ذلك بانه  مثل اهلية الشهادة ، وغير المسلم اهل للشهادة على غيرالمسلم فهو اذن اهل لتولي القضاء عليهم.
من هذا المنطلق لايجوز تحكيم غير المسلم في قضايا المسلمين اوغيرالمسلمين في البلد الذي يطبق  الشريعة  الاسلامية ،  حسب  راي  جمهور الفقهاء، وانما يجوز تحكيم غير المسلم في قضايا غيرالمسلمين حسب راي المذهب الحنفي. وبما ان الاسلام  لم  يفرق  بين  المسلم الوطني والمسلم الاجنبي لذلك فمن الجائزان يتولى القضاء اوالتحكيم مسلم من بلاد اخرى  الامر  الذي  يستدل  منه  على  جواز  التحكيم  من  قبل هيئات دولية اجنيبة بالنسبة للشريعة الاسلامية على ان يكون المحكمون مسلمون باتفاق اغلب المذاهب.
وعند وضع اللائحة التنفيذية لنظام التحكيم في المملكة السعودية التي تعتمد على  الشريعة الاسلامية  باعتباره القانون الاساسي  لديها، نصت صراحة في المادة 3 من اللائحة المذكورة على ان يكون المحكم من المسلمين الا انها لم تشترط ان  يكون  من المواطنين حصرا، وانما اجازت ان يكون من الاجانب المسلمين وبذلك اتاحت الفرصة لامكانية اللجوء في فض المنازعات الى التحكيم الدولي من قبل هيئات التحكيم الدولية شريطة ان يكون من يتولى التحكيم فيها مسلم.
لذلك فان ا شترط التحكيم اواقامته امام هيئة دولية اجنبية امر جائز في الشريعة الاسلامية  من حيث المبدا ضمن الشروط التي حددها الفقهاء ومن اهمها ان يتولى التحكيم محكمون مسلمون.
القواعد العامة التي تطبق في التحكيم بالنسبة للشريعة الاسلامية.

ان المفترض مسبقا ان يتم التحكيم في  بلد  يطبق  الشريعة  الاسلامية ،  اوان يكون احد اطراف النزاع ينتمي الى بلد يطبق الشريعة ا لاسلامية كالمملكة العربية السعودية على سبيل المثال.
لان  المسالة  تثار  في  هاتين  الحالتين  فقط  اما  في  الحالات  الاخرى،  أي عندما يتم التحكيم في بلد يطبق قانونا وضعيا، وان كان مستمدا من الشريعة الاسلامية اوكان احد اطراف النزاع منتميا الى ذلك البلد كما هو الحال  في  سورية  اولبنان  و مصر  على  سبيل  المثال ، فالمشكلة غير قائمة لان الامر مختلف في تلك البلاد.
ونظر لاختلاف الامر في الحالة الاولى بين التحكيم الداخلي  عنه  في  التحكيم  الدولي  كان لابد من ان نفرد فقرة لكل من التحكيم الداخلي والتحكيم الدولي تسهيلا للبحث.
اولا- التحكيم الداخلي في بلد اسلامي يطبق احكام الشريعة الاسلامية:
ان المبدا الاساسي في التقاي بمقتضى احكام  الشريعة  الاسلامية  هو  تحقيق  العدالة بين اطراف النزاع مع مراعاة مبدا المساواة ايضا على ان لايؤدي الامر الى الاخلال بالقواعد الامرة في الشريعة الاسلامية أي ا لتي جاء بها نص صريح بالقران وا لسنة.
وهذا المبدا نفسه هوالذي يطبق في التحكيم ،لذلك لا يختلف التحكيم عن القضاء في ظل الشريعة الاسلامية.
وكذلك الحال بالنسبة للبيانات بمفهومها العام ولاجراءات التقاضي . فما هو  واجب  التطبيق منها امام القضاء يطبق من قبل المحكم في النزاع. ولايختلف الحال على ماهو عليه في التحكيم سواء كان  المحكم مفوضا بالصلح  ام ليس كذلك. ذلك لان الاحكام الشرعية كلها مقامة على قواعد العدالة والانصاف.
ويمكن الاهتداء الى ذلك من نص الاية الكريمة:
"ان الله يامركم ان تؤدوا الامانات الى اهلها واذا حكمتم بين الناس ان تحكموا بالعدل" (سورى ا لنساء 4/58) 
وذلك بخلاف ما هو عليه في القوانين الوضعية فالقاضي مقيد بنص القانون لايجوز له  الخروج  عنه. كما يجوز للخصوم في التحكيم ان يتفقوا على تطبيق قانون اجنبي على النزاع دون القانون الوطني، ولهم ان يحددوا الاسس التي يتوجب على المحكم  العمل  فيها . واذاكان المحكم مفوضا بالصلح جاز له ان يطبق قواعد العدالة والانصاف دون نصوص القانون اذا كانت اكثرعدالة من نص القانون على ماه عليه الاجتهاد القضائي.
بينما لايجوز للمحكم في بلد يطبق الشريعة الاسلامية ان يطبق القانون الاجنبي على النزاع،  حتى  وان  اتفق الطرفان على ذلك لان في الامر انتقاضا من الاحكام الشرعية.
ثانيا- التحكيم الدولي في بلد اسلامي يطبق احكام الشريعة الاسلامية:
لواتفق مثلا شخص سعودي في السعودية، حيث تطبق الشريعة الاسلامية،  مع  شخص  اجنبي  على  تحكيم هيئة دولية في النزاع القائم بينهما، يمكن ان نتصور هنا احد احتمالين: اما ان يسكت  عقد التحكيم المبرم بينها عن  القانون  الواجب  التطبيق  على  النزاع ،  اوان  ينص  عقد التحكيم على ان احكام الشريعة الاسلامية هي الواجبة ا لتطبيق.
فاذا نص عقد التحكيم على تطبيق احكام الشريعة الاسلامية، فلا شك ان الشرط واجب الرعاية لان العقد شريعة المتعاقدين. وعندها يتوجب على المحكمين تطبيق احكام الشريعة الاسلامية وان كانت تتعارض مع القوانين الوضعية النافذة في الدولة التي ينتمي اليها احد اطراف النزاع، مادام قد اختار بنفسه تطبيق احكام الشريعة الاسلامية.
الا ان الامر يصبح اكثر تعقيدا في الاحتمال الثاني أي عندما لا ينص عقد التحكيم على تطبيق احكام الشريعة، وكان احد الخصوم ينتمي الى بلد يطبق احكام الشريعة والمثل على ذلك المملكة السعودية.
قد يتبادر الى الذهن للوهلة الاولى ان الحكم  الدولي  في  هذه  الحالة  غير  ملزم  باحكام  الشريعة  الاسلامية ،  وانما  يتوجب عليه تطبيق قواعد العدالة والانصاف على النزاع تاسيسا  على  عدم  وجود ما يلزمه بالتقييد باحكام الشريعة الاسلامية سواء من قبل اطراف النزاع او من القواعد العامة المعتمدة في مجال التحكيم، الا ا ن الامر على خلاف ذلك للسببين التاليين:
السبب الاول: ان احكام الشريعة الاسلامية اساسها  العدالة  والانصاف. ولايتصور ان يكون هناك قانون وضعي اكثر عدالة  وانصافا من احكامها واذا لم يوفق المحكم الى تحقيق العدالة فلا يكون مرد ذلك الى احكام  الشريعة  الاسلامية  نفسها، وانما يكون بسبب عدم اطلاع المحكم عليها بشكل كامل وهعدم تطبيقها تطبيقا سليما.
السبب الثاني: في حال صدور حكم عن المحكم الدولي  مبني  على  احكام  متعارضة  مع القواعد الامرة في الشريعة الاسلامية ، فمما لا شك فيه  ان هذا الحكم يصبح غير قابل للتفيذ على المحكوم عليه في بلد  مثل  المملكة  العربية  السعودية  وذلك  لمخالفته لاحكام الشريعة كما لو تضمن الحكم بفائدة على سبيل المثال.
وبالتالي يصبح عديم النفع ما لم يتم تنفيذه  طواعية  او عن  طريق غير ا لسلطة التنفيذية في بلد المحكوم عليه التي تطبق الشريعة الاسلامية. الامر الذي يؤدي من حيث  النتيجة الى الانتقاص من القوة التنفيذية لاحكام المحكمين الدوليين.
ولايختلف الامر  حتى  وان  فوض  المحكمون  بالصلح ،  لان  التحكيم  بالصلح  وان  كان يمنح المحكمين بعض الحرية بقصد الوصول الى تحقيق العدالة والانصاف، الا ان الصلح لا يجوز ان يقام على ما يتعارض مع الاحكام الامرة في الشريعة الاسلامية.
قواعد الاثبات التي تطبق في التحكيم
لئن كانت القواعد العامة في الاثبات هي التي تطبق في التحكيم الداخلي، لان فقهاء المسلمين لم يفرقوا في هذه الناحية بين اثبات الحق العام امام القضاء واثباته امام المحكم، الا ان اغلب  قواعد  الاثبات  ليست  من  النظام  العام ولاتحكمها نصوص امرة، وبعضها فيه خلاف بين الفقهاء مثل الاثبات بواسطة الادلة الخطية فبعضعم لا يعتبرها دليرلا كاملا في الاثبات، سيما وان  بعض  فقهاء  الشريعة  اجازوا  ان تقام البيئة بجميع طرق الاثبات، فقد جاء في كتاب الطرق الحكمية لابن قيم الجوزية في هذا لصدد ما يلي " ليس  في  القران  ما يقضي  ان لا يحكم الا بشاهدين اوبشاهد وامراتين، فان الله سبحانه وتعالى انما امر بذلك اصحاب الحقوقان يحفظوا حقوقهم بهذا النصاب، ولم يامر بذلك الحكام ان  يحكموا  به ،  فضلا عن ان يكون قد امرهم ان لايقضوا الا بذلك، ولهذا يحكم الحاكم بالنكول عن اليمين، او اليمين  المردودة ،  والمراة الواحدة، والنساء المنفردات لا رجل معهن، وغير ذلك من طرق الحكم التي لم تذكر في القران….. وطرق الحكم شيء وطرق حفظ الحقوق شي ء اخر،  وليس  بينهما  تلازم، فتحجفظ الحقوق بما لايحكم به الحاكم مما يعلم صاحب الحق انه يحفظ ه حقه، ويحكم الحاكم بما لا يحفظ به صاحب الحق حقه ولاخطر على باله  من  نكول  عن اليمين، ورد اليمين، وشاهد ويمين مما اراه الله لنبيه صلى الله  عليه وسلم فقال تعالي "انا انزلنا اليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما اراك الله".
يستدل مما تقدم ان الشريعة  الاسلامية  لم  تاخذ بنظرية حصر طرق الاثبات، على خلاف ما هو عليه الحال في اغلب القوانين الوضعية التي حصرت طرق الاثبات واعطت لكل طريقة حجية معينة لايجوز للقاضي الخروج عنها.
ومن هذا المنطق فالقاضي غير مقيد بالنسبة للاثبات بطرق محددة، وانما الامر متروك الى تقديره وهوالذي يقدر قيمة الدليل في الاثبات، وهذا يسري ايضا على التحكيم لعدم وجود مايبرر الاختلاف في  الاثبات ،  ما دامت  طرق الاثبات غير مقيدة وهذا اقصى مايمنح للقاضي من حرية للفصل في الدعوى الا انه يجب ان لاننسى ان هناك حالات نادرة جاء النص على بيان كيفية اثباتها  بشكل حصري، مثل جريمة الزنا، وجميعها لا علاقة لها بالتحكيم لان التحكيم فيها غير جائز.
لذلك فان الاثبات لا يثير أي اشكال في قضايا  التحكيم  سواء تم التحكيم داخليا او دوليا، اما بالنسبة للشروط المطلوبة بالنسبة للشاهد فالمذاهب الاسلامية فيها خلاف بالنسبة الى بعض هذه الشروط مما يجعل القضية اجتهادية  في  اكثر  حالاتها. ومادام الامر كذلك فلا يبنى على ا لاخذ باحد الاقوا ل دون غيرها اثار قانونية تؤثر على حكم المحكم.
التحكيم في القضايا التجارية
ان الامور التجارية والعلاقات بين التجار كثيرا ما تحكمه الاعراف والعادات المتبعة لديهم في كل زمان  ومكان ولها اثر كبير في فصل الخلافات التي تنشا بينهم في علاقتهم التجارية بعضهم مع بعض، والشريعة الاسلامية  التي  تسعى  الى تحقيق العدالة لجميع افراد المجتمع، لم تبخس التجار حقوقهم فاخذت بالعرف بين التجار كمصدر من المصادر الاجتهادية في التشريع بشكل عام وبين التجار بشكل خاص.
فاقرت الشريعة قاعدة عامة مفادها ان "العادة محكمة" يعني ان ا لعادة عامة كانت  او خاصة   تجعل حكما لاثبات حكم شرعي، والعادة هي ما يستقر بين الناس من الامور المتكررة  واصل هذه القاعدى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ماراه المسلمون حسنا فهو عند الله حسنا".
والعادة المتعارف عليها في سائر البلاد تسمى  العرف  العام  والمتعارف  عليها  عند قوم اوفي بلدة، يطلق عليها  اسم العرف الخاص. والحكم العام يثبت بالعرف العام وبه يتخصص النص. فبيع المعدوم باطل في الشريعة الاسلامية وهذا  حكم  شرعي  ثابت  بالنص، ولكن بناء على تعامل الناس في كل البلاد اجازوا عقد الاستصناع أي اجارة العامل لصنع نموذج ما على ان يتولى هو بنفسه تامين المواد الاولوية اللازمة  له وعلى  مسؤوليته  وكذلك عقد السلم وهوشراء المحاصيل الزراعية قبل نضجها وظهور صلاحها.
اما العرف الخاص، فلا يثبت به الاحكام خاص وعلى ذلك فان البيع بشرط متعارف عليه  في  عرف  البلد، صحيح ومعتبر، فلو باع التاجر صوفا بشرط ان يغسله له البائع صح البيع ووجب على البائع الوفاء بالشرط. ولكن لوجرى البيع بهذا الشرط في بلد غير متعارف فيه البيع بهذا الشرط كان الشرط فاسدا وا لبيع فاسدا.
ولقد اقرت  الشريعة  الاسلامية  ايضا  قاعدة   عامة  نصها :  "استعمال الناس حجة يجب العمل بها." وهي من تفرعات القاعدة السابقة كما اقرت ايضا القواعد العامة التالية بالنسبة للعرف والعادة:
الحقيقة تترك  بدلالة العادة.
 انما تعتبر العادة اذا اطردت اوغلبت
 العبرة للغالب الشائع لا للنادر.
المعروف عرفا كالمشوط شرطا.
التعيين بالعرف كالتعيين بالنص.
 المعروف بين التجار كالمشروط بينهم.
وا لقاعدة الاخيرة هي التي كرست  مبدا  العمل  بالاعراف  التجارية  و جعلتها بمثابة  النص الصريح في عقود التجار دونما حاجة الى النص عليها. وهذه المبادى ء مطابقة للاعراف الحالية في التجارة الدولية. مما يجعل  الاعتماد  في  التحكيم  الدولي  على  الاعراف  والعادات  التجارية  الدولية ، مما يجعل الاعتماد في التحكيم الدولي على الاعراف والعادات التجارية لحل النزاعات التي تنشا بين التجار، امرا جائزا بالشريعة الاسلامية، كما ه جائز في التحكيم الداخلي وكما هو جائز ايضا في القضاء العادي.
وان اهم الاعراف بين التجار، وهو التعامل فيما بينهم  بحسن  النية ،  لان التجارة تقوم على ا لثقة، واذا فقد حسن النية بين التجار في معاملاتهم، تعثرت التجارة وتعذر التعامل بين التجار بالسرعة  المطلوبة وكذلك التعاقد عن  طريق وسائل الاتصال الحديثة السريعة، ولاقتضى الامر الى ضرورة توثيق جيمع عقودهم عن طريق الكتابة. وهذا امر شبه متعذر في التجارة الدولية والبورصات  العالمية لما تقتضيه من مرونة وسرعة في التعامل.
واقرار مبدا حسن النية بين التجار يبنى عليه اقرار مبدا حسن النية  في  تنفيذ العقود ايضا بينهم وهو ا لاساس الذي تقوم بشانه المنازعات التي تستوجب التحكيم لحلها.
ومبدا حسن النية في التعامل وفي تنفيذ العقود  يعتبر  من  اساسيات  المبادىء  المقررة  في  الشريعة  الاسلامية واساسه قول رسول ا لله صلى الله عليه وسلم:  
" لاايمان لمن لا امانة له، ولادين لمن لاعهد له"
وقوله: اربع من كن فيه كان منافقا: اذا حدث كذب، واذا  وعد اخلف، واذا عاهد غدر، واذا خاصم فجر".
والغدر على النقيض من حسن النية  لدى الانسان ويعتبر من اشد الاعمال كرها في الاسلام، لذلك نهي عنه.
هذا بالاضافة الى الايات الكريمة  التي  اوجبت  الوفاء بالعقود والعهود من حيث الاصل وذلك كقوله تعالى " ياايها الذين امنوا اوفوا بالعقود(سورةالمائدة 5/1).
ويعتبر اتلاف البضائع من قبل ربان السفينة الامين عليها من اهم الاعراف في  التجارة  البحرية التي تعفيه من مسؤولية ردها وذلك بالقائها في البحر اذا ما شارفت سفينته على  الغر بسبب ما. وذلك بخلاف القاعدة الاصلية  التي تعتبر الناقل البحري  امينا  على  البضاعة  التي  استلمها ويتوجب عليه حفظها وردها بالحالة التي استلمها بها.
ولئن كان اعفاء الناقل البحري في هذه الحالة اصبح مكرسا بنصوص  صريحة  في  القانون  النافذ  لدى  كل دولة فان القاعدة في الشريعة الاسلامية التي تنطبق على هذه الحالة هي قاعدة "الضرورات تبيح المحظورات " الا ان اختيار ربان السفينة لبضاعة دون  اخرى  للبدء .  في  التخلص منها.  يعود الى ارادته وفقا للاعراف الدولية في هذا الصدد.
طبيعة التحكيم في الشريعة الاسلامي
لابد لنا من الوقوف على طبيعة التحكيم في  الشريعة  الاسلامية  لانه  ينبنى  على  تحديد هذه الطبيعة واعطاء الوصف الصحيح للتحكيم، نتائج هامة نجدا، سواء في اجراءات  التحكيم التي يتبعها  المحكمون اثناء النظر في النزاع، وسواء في ا لطريقة التي ينتهون اليها بالفصل في النزاع .

وبقصد الوصول الى تحديد طبيعة التحكيم سوف نتناول بالبحث النقاط التالية قد تتداخل مع التحكيم مما قد يعطيه وصفا مختلفا.
اولا - التحكيم ليس توفيقا اوحلا وديا بين الخصوم:
ويقصد  بالتوفيق  اوالحل  الودي  للنزاع  ان  يتولى شخص اواكثر متطوعا من تلقاء نفسه اوبناء على تكليف من احد اطراف النزاع، اواحد فاعلي الخير التوسط بين اطراف النزاع بقصد التوفيق بينهم في مااختلفوا بشانه وذلك بتقديم حلول اواقتراحات تنال من رضى وقبول الاطراف.
فالتوفيق والحالة هذه ليس من الضروري ان يتم باتفاق الاطراف فقد يتم بالاستناد الى رغبة احدهم اوحتى دون تكليف من احد منهم، اوان يتم طواعية من الشخص الذي يرغب في السعي للتوفيق بين اطراف النزاع.
فالتوفيق بين ا لاطراف والحل الودي والحالة هذه، لايرتقي الى درجة التحكيم الذي يستلزم حسم النزاع بين الاطراف، بينما يقتصر دور التوفيق على مجرد تقديم التوصيات والحلول لاطراف النزاع، وهي غير  ملزمة  لهم  ان  ان  شاؤوا  قبلوا  بها وان شاؤوا رفضوها فيعود الامر في النتيجة الى مشيئتهم مما يستدل معه على ان التحكيم لس عملا توفيقيا بين المتنازعين وانما يختلف في طبيعته عن  التوفيق، تاسيسا على ان الفرقاء هم الذين يختارون المحكمين وهم الذين يسعون الى التحكيم وقرار المحكمين ملزم لهم فيما قضى  ويعتبر فاصلا في اساس النزاع وليس مجرد تقديم حلول واقتراحات .
ثانيا - التحكيم ليس صلحا: 
يعرف الصلح بانه عقد يقطع او ينهي النزاع بين  الخصوم  برضاها . فهو في هذا المعنى يتقارب مع الهدف من التحكيم، الا انه في حالة الصلح يتنازل كل من المتصالحين او احدهما للاخر عن بعض حقه لضمان الوصول  الى  الصلح  ولولا هذا التنازل لما حصل الصلح ولكان كل من الطرفين حصل على حقه كاملا.
بينما في التحكيم فان طرفي النزاع لم يتنازلا  عن  حقهما  اوبعضه ، وانما لجا كل منها الى التحكيم ليطالب بحقه كاملا. لذلك فلا يعتبر التحكيم والحالة هذه صلحا بين اطراف النزاع. وحتى في حالة تفويض المحكمين بالصلح  فلا يعني هذا تفويض المحكمين بالتنازل عن حقوق اطراف النزاع بعضهم لبعض، بل هو مجرد اصطلاح قانوني يخول المحكمين التجاوز قليلا عن صراحة النصوص في سبيل الوصول الى تحقيق العدالة والانصاف بين الطرفين.
ثالثا- التحكيم ليس توكيلا:
تعرف الوكالة بانها عقد ينيب او يكلف به شخص غيره ليقوم بعمل او تصرف قانوني لمصلحته، فالوكيل بمقتضى عقد الوكالة يعمل لمصلحة موكله وضمن حدود الوكالة، ولايجوز له ان يتجاوز والا تعرض للمسؤولية عن تصرفاته.
اما في التحكيم وفي مطلق الاحوال، أي سواء كان اطراف النزاع هو  الذين اختاروا المحكمين او ان كلا منهم اختار محكمه فان المحكم بعد اختياره لايعد وكيلا عمن اختاره ولا يلزم بما كلف به الدفاع  عن وجهة نظر من اختاره،  وبالتالي  ليس  له ان يدافع عن وجهة نظر احد الاطراف دون الطرف الاخر الا في حدود ما قدم اليه من مستندات واوراق بقصد الوصول الى قرار للفصل في النزاع. بخلاف  ماهو  عليه  الحال بالنسبة للوكيل أي يتوجب عليه ان يدافع عن وجهة نظر موكله من الزاوية التي يرسمها له وبمعزل عما لديه من ادلة ومستندات.
فالمحكم والحالة ه يتوجب عليه ان يقف موقف الحياد بين طرفي النزاع مما يخرجه عن مفهوم الوكيل الذي يتوجب عليه الدفاع عن وجهة نظر موكله. الامر الذي ينفي عن التحكيم كونه توكيلا.
رابعا - التحكيم ليس من قبيل الخبرة:
تعرف الخبرة بانها استشارة فنية من ذوي  الاختصاص  في  نزاع  ما، وراي الخبير في النزاع ليس ملزما لاطراف النزاع بل هو مجرد مشورة فنية، قابلة للجدل ولاثبات في النزاع وهو ملزم للطرفين 
خامسا- التحكيم عمل قضائي صرف:
تبين لنا مما تقدم ان مهمة المحكم هي الفصل في النزاع  بقرار  حاسم وملزم للطرفين، على الرغم من اختلاف فقهاء الشريعة حول امكانية  الرجوع عن التحكيم قبل اعطاء المحكمين حكمهم،  واثر الحكم  الذي  يصدر  على  تنفيذه . الا انهم لايختلفون  فيما بينهم على ان مهمة المحكم الفصل في النزاع وانه يتوجب عليه ان يقف بين الطرفين  موقف الحياد ويتوخى  تحقيق  العدالة والانصاف الامر الذي يجعل التحكيم في حقيقته قضاء في الخصومة شانه في ذلك شان القضاء العادي لذلك يتوجب ان يتجلى المحكم بصفات القاضي  وشروطه ،  واهمها ان يقف موقف الحياد بين اطراف النزاع، وان لايفصل فيه الا بعد ان يثبت لديه حقيقة المدعى به وفق طرق الاثبات المقبولة من الناحية المنطقية لاثباته.
وبذلك يتفق مفهوم التحكيم في الاسلام مع ما هو عليه التحكيم الدولي التجاري في الوقت الحاضر.
التحكيم بالصلح في ظل الشريعة الاسلامية وطبيعته
تنص قوانين بعض الدول على امكانية "التحكيم بالصلح "  ضمن  النصوص  التي  تنظم  احكام التحكيم، الا انها لم تبين ما هو المقصود بالتحكيم  بالصلح وما اذا كان يشكل نظاما تحكيميا مختلفا عن التحكيم بمقتضى نصوص القانون وهو الاصل في التحكيم.
وتنص  هذه القوانين في العادة  على ان المفوض بالصلح معفى من تطبيق اجراءات التقاضي المتبعة امام المحاكم، كما تنص على ان الحكم الذي يصدره عن المحكم المفوض بالصلح غيرقابل للاستئناف.
ويحاول البعض ان يضفي على ا لتحكيم بالصلح ميزة اخرى غير تلك  التي  نص  عليها  القانون، وهي الاعفاء من تطبيق اجراءات التقاضي المتبعة امام المحاكم، وكون الحكم  غير قابل للاستئناف. الا انهم اختلفوا في الميزة التي تسبغ على التحكيم بالصلح.
فذهب فريق الى ان احكام بالصلح مخول بتطيق احكام عقد الصلح المقررة في القانون وهي  امكانية التنازل عن حقوق بعض اطراف النزاع بهدف امكانية الوصول الى حل معقول في النزاع. ويعتمد هؤلاء في حجتهم على عبارة  الصلح نفسها التي  اوردها  القانون ، بالاضافة الى نص المادة 1850 من مجلة الاحكام العدلية، التي كانت مطبقة في الدولة العثمانية والدول الاسلامية التابعة لهاوالتي تنص على انه:
"اذا اذن الخصمان بالصلح للحكمين اللذين اذناهما بالحكم توفيقا لاصوله  المشروعة  ففعلا صح  صلحهما . بينما اذا وكل احد الخصمين هذا الحكم ووكل الخصم الاخر الحكم الاخر بالصلح في الامر الذي تنازعا فيه فصالحهما الحكمان توفيقا للمسائل المندرجة في كتاب  الصلح فليس لاحد الخصمين ان يمتنع عن قبول الصلح".
بينما ذهب فريق اخر الى ان للمفوض بالصلح ميزة تطبيق قواعد العدالة وا لانصاف دون تطبيق نصوص القانون. وبذلك يكونون قد منحوا المحكم بالصلح من الصلاحيات ما فوق تلك الممنوحة للمحكم العادي.
 وتروى حادثة قضائية منقولة عن القضاء السوري تعذر علينا الحصول على رقمها وتاريخها، مفادها ان شخصا تعاقد مع تاجر بناء على شراء شقة على الخريطة لاتخاذ منها عيادة له كلفه باكمالها له من الداخل وفق شروط  محددة  واشترط في العقد حل النزاع الذي قد يحدث بينهما عن طريق التحكيم وعلى ان يتم وفق احكام الشريعة الاسلامية.
وحدث النزاع بين الطرفين في تفيذ شروط العقد واحيل  الامر الى التحكيم  حسب الاتفاق. فتمسك البائع باحكام الشريعة الاسلامية التي لاتجيز بيع المعدوم أي بيع البناء على الخريطة على خلاف القانون المدني السوري النافذ الذي يجيز هذا البيع.
فلم يكن امام المحكمين بسبب هذا الشرط من خيار الا فسخ عقد البيع كليا،  وكانت  اسعار  العقارات  قد ارتفعت  في  ذلك الوقت ارتفاعا فاحشا مما يلحق افداح الضرر بالطرف الذي وضع  هذا الشرط في العقد وهو المشتري ظنا منه انه في مصلحته.

الا ان المحكمين وجدوا من شرط تفويضهم بالصلح في العقد ما يخولهم التجاوز على صراحة الشرط القاضي بمراعاة احكام الشريعة الاسلامية، وتفسيره بان القصد من وضعه هوتحقيق مصلحة المشتري وليس الاضرار به لذك جعلوا اثره ينصرف الى اكمال تجهيز البناء من الداخل وليس الى ابرام عقد البيع من عدمه.

لذلك فالحكيم ليس صلحا بين اطراف النزاع.
يرد اذن على اصحاب الراي السابق في ان منح المحكم صلاحية تطبيق قواعد العدالة وا لانصاف، وهي سلطات واسعة، الى جانب كون الحكم الذي سوف يصدرعنه مبرما غيرقابل للاسئتناف، امريتنافى  مع  منطق الامور حيث تجعل المحكم طليقا بلا ادنى رقابة عليه، واوسع صلاحيات من القاضي الذي تعينه الدولة وتختاره بدقة بعد ان تتوافر لديه عليه، واوسع صلاحيات  من  القاضي  الذي  تعينه  الدولة وتختاره بدقة بعد ان تتوافر لديه الشروط المؤهلة. لذلك ليس من منطق  الامور منح هذه الصلاحية الواسعة للمحكم بالصلح.

ومهما كان نصيب حجة اصحاب الراي الثاني من الترجيح، فان اعطاء المحكم بالصلح في ظل الشريعة الاسلامية صلاحية تطبيق قواعد العدالة والانصاف عند الفصل في النزاع، هو تحصيل حاصل. لانه في ظل نظام القوانين الوضعية قد يجد  المحكم  نفسه  مكتوف  اليدين  ولايستطيع ان ينصف الخصوم بسبب شكليات القانون وغموض  نصوصه واحيانا  جموده . الا ان الامر مختلف  عند  تطبيق  احكام الشريعة الاسلامية في حل النزاع تحكيميا، ذلك لان نصوص القران والسنة نصوص امرة لايجوز الخروج عنها في اكثر الاحيان كما انه لايتصور عدم عدالتها وانصافها بحسب طبيعتها.

اما ما عدا نصوص القران والسنة، فهي احكام اجتهادية وللمحكم  ان  يجتهد  فيها رايه، لذلك اشترط اغلب الفقهاء ان يتمتع المحكم بصفات المجتهد، ولا يتصور في المجتهد ان يخرج عن قواعد العدالة والانصاف التي هي من اساسيات الشريعة الاسلامية.
نستدل من ذلك على ان المحكم في ظل الشريعة الاسلامية سواء كان مفوضا  بالصلح  او لم يكن، فانه يتوجب عليه اعمال قواعد العدالة وا لانصاف لانها واحكام الشريعة  امران لا يفترقان.

لذلك فان ورد المحكم بالصلح في ظل الشريعة الاسلامية  ينصرف  الى  شيء اخر غير الدالة والانصاف لانها امور ملتصقة بعمل المحكم وملزم حتى وان لم يكن مفوضا بالصلح.
ومما لاشك فيه ان ما ورد في نص المادة 1850 من مجلة الاحكام العدلية  المستمدة  من  المذهب  الحنفي  مقام  على اساس سليم وبالتالي يخول المحكم امكانية التوفيق بين متطلبات طرفي الخصومة اكثر من صرفها الى ا نها قضاء صرف بكل ما تحمله هذه الكلمة من معان.

تنفيذ احكام هيئات التحكيم الدولي
ان حكم المحكمين في الشريعة ا لاسلامية يتم تنفيذه طواعية  من  قبل  الخصوم  وفي حال عدم امتثالها لتنفيذه رضاء فلابد من عرضه على القضاء لبحث موافقته للاصول والاحكام الشرعية من عدمه. والذي يصدر فيما بعد عن القضاء ياخذ  نفس  القوة  التفيذية  للاحكام  القضائية  ويتم  تنفيذه  جبرا من قبل السلطة  المعنية وجاء في كتاب در المحتارعلى الدر المختار بهذا الصدد مايلي "وفائدة الزام الخصم ان المتبايعين اذا حكما حكما  فالحكم  يجبر المشتري على تسليم الثمن والبائع على تسليم المبيع ومن امتنع يحبسه" ولم يبين كيف يتم حبسه هل من قبل المحكم مباشرة ام عن طريق القضاء.
وجاء في المرجع نفسه انه اذا قضى المحكم بالفصل  في  خلاف  مجتهدا  فيه  ورفع  حكمه الى قاضي مولى من السلطان فان وافق مذهبه امضاء لانه لا فائدة من نقضه ثم ابرامه. وان لم يوافق مذهبه ابطله وحكم في النزاع لان حكم المحكم  لاينهي خلافا في القضايا الاجتهادية لقصور ولايته على المحكمين دون غيرهما.

الامر الذي يستدل منه على انه لابد من رفع حكم المحكم الى القاضي للنظر فيه اذا لم يتم تنفيذه طواعية من قبل اطراف النزاع.
وتاسيسا على هذه القاعدة الشرعية بني نظام التحكيم في المملكة  العربية  السعودية  حيث  نصت المادة 20 على انه "يكون حكم المحكمين واجب التنفيذ عندما يصبح نهائيا، وذلك بامر من الجهة المختصة اصلا بنظر النزاع ويصدر هذا الامر بناء على  طلب احد ذوي الشان بعد التثبت من عدم وجود ما يمنع من تنفيذه شرعا".
وجاء في المادة 21 منه على انه "يعتبر  الحكم  الصادر  من المحكمين بعد اصدار الامر بتفيذه حسب المادة السابقة في قوة الحكم الصادر من الجهة التي اصدرت الامر بالتنفيذ".

اما  بالنسبة  لحكم  التحكيم  الذي يتم خارج المملكة بما في ذلك هيئات التحكيم الدولية، فالامر مختلف حاليا بعد ان اصبح لكل دولة في العالم سيادتها على اقليمها. بخلاف ما كان عليه الحال سابقا في دولة الاسلام التي كانت تعتبر جميع بلاد المسلمين دولة واحدة.
فلم يعد من الجائز تنفيذ احكام التحكيم  الاجنبية  الا  بعد اعطائها  قوة التنفيذ من قبل ا لقضاء الوطني ما اصطلح على  تسميته باكسائه صيغة التنفيذ اسوة بالاحكام الاجنبية عندما يراد تنفيذها في الداخل.

وفي العادة يتم اكساء صيغة التنفيذ لاحكام المحكمين الاجانب او هيئات التحكيم الولية من قبل القضاء  الوطني بناء على معاهدة دولية اواتفاقية ثنائية بين بعض الدول بناء على نص قانوني يجيز تنفيذ احكام المحكمين الاجانب والاحكام  الاجنبية  بناء  على شرط المعاملة بالمثل. ويشترط  بالاضافة الى ذلك ان لايتعارض حكم المحكمين مع النظام العام في الدولة المطلوب تنفيذه فيها.

وعندما يعرض حكم المحكمين عل القضاء الوطني فانه يتولى النظر في منطوق الحكم للتاكد من انه لا يتضمن ما يخالف النظام العام دون النظر في اساس النزاع وما بني عليه الحكم وكيف تم تحقيق الدعوى والادلة التي اعتمدت لاصدار ا لحكم، لان العبرة في ذلك هو لمنطوق الحكم.
ا لا ان الامر يصبح اكثر تعقيدا فيما لو اشترط نص  القانون  ان  لايكون  حكم المحكمين متعارضا مع احكام الشريعة الاسلامية  عند اكسائه صيغة التنفيذ كما هو عليه الحال في نص الفقرة ه من المادة 37 من اتفاقية  الرياض  القضائية المبرمة في ظل جامعة الدول العربية.
في هذه الحالة  لايكتفي بالنظر في الفقرة الحكمية لقرار المحكمين، بل قد يعاد بحث  موضوع النزاع من جديد للتاكد من عدم مخالفة حكم المحكمين لاحكام الشريعة الاسلامية .  اذ قد تكون المخالفة ليست في ظاهر الحكم فقط وانما قد تكون في سبب الالتزام أي في موضوع الدعوى، اوفي طريقة اثباتها، اوفي مضمون الحكم.

وهذا النظام باكساء  احكام  المحكمين  صيغة  التنفيذ يعرف باسم نظام المراجعة، وقد تشترطه بعض الدول صراحة في انظمتها على الرغم من عدم وجود نص لديها بان لايكون الحكم مخالفا لاحكام الشريعة  الاسلامية . اوقد يقرره  القضاء  حتى  على الرغم من عدم وجود نص قانوني كما هو عليه الحال في مصر بالنسبة لتنفيذ الاحكام الاجنبية(1).
وان ما ينطبق على احكام المحكمين الاجانب ينطبق  على الاحكام الصادرة عن هيئات التحكيم الدولية بالنسبة لتنفيذها في الداخل.

-------------------------------------------
الدكتور فؤاد عبد المنعم رياض في كتاب الجنسية ومراكز الاجانب.

مجلة المحاكم المغربية عدد 72، ص 60

Sbek net
كاتب ومحرر اخبار اعمل في موقع القانون والقضاء المغربي .

جديد قسم : التحكيم التجاري