-->

تجربة المحاكم التجارية بعد مرور سنتين على دخولها حيز التطبيق محكمة الدار البيضاء كنموذج -



الاستاذ طيب محمد عمر
المحامي بهيئة الدار البيضاء

لاشك ان التحولات السياسية والاقتصادية العالمية التي لم يكن للمغرب خيرة لكيلا يسايرها قد اضطرته، هي ورغبته ايضا في التغيير على كثير من المستويات، الى اصدار مجموعة من النصوص والمدونات، تم استلهام جلها من قوانين دول اجنبية دخل المغرب معها في شراكات تقتضي بعض التوافق والانسجام في الاليات القانونية والتشريعات .

واذا كان من بين تلك الاليات مدونة التجارة والقانون المحدث للمحاكم التجارية، فان القضاء لا يمكنه، بالاضافة الى مؤهلاته الذاتية، ان يعمل الا في اطار الامكانات المادية والبشرية المخولة له من بيانات ومعدات، واطر كتابة الضبط واعوانها المؤهلين، والخبراء الاكفاء المختصين، وهي الامكانات التي يتاثر عطاؤه بنوعيتها وقيمتها، كشان تاثره بمجموعة من العوامل الاخرى التي تتداخل وتتفاعل فيما بينها، منها بصفة خاصة النصوص القانونية، ومستوى صياغتها ووضوحها، وما اتت به من مستجدات، ومدى قدرتها على تحقيق ما كان وراء سنها من غايات، ومنها مضمون ما يرفع الى القضاء من مقالات، ومستوى ما يطرح لديه من ابحاث ودراسات، في الفقه والقضاء، ضمن كل المذكرات والمحررات .

واذا كان الغرض من احداث المحاكم التجارية ليس هو ايجاد بنايات لها، وتعيين قضاة بها، وسن مسطرة تخالف تلك المعمول بها في الحقل المدني، بل هو احداث محاكم متخصصة فعالة من شانها ان تؤهل القضاء ليلعب دوره في التنمية ويسايرها، فلا ينبغي ان يبقى منطلق احداث تلك المحاكم هو فكرة التجربة والخطا، والاقتصار على الواجهات التشريعية، والاعتماد على سياسة المراحل الانتقالية التي تصبح فيما بعد امرا واقعا، في ميدان يجب ان يطبعه الاستقرار والتخطيط البعيد المدى .

ورغم كون مدة عامين غير كافية لتقييم حصيلة عمل المحاكم التجارية تقييمها لا يبخسها حقها، ولا يغض الطرف عما قد يبدو من دواعي تقويمها، من منطلق الغيرة على القضاء، والتطلع لرؤيته في احسن صورة، فان تلك المدة قد راكمت، على اي حال، تجربة قضائية تنتزع ممن رصدها وتتبعها كل الاحترام والتقدير، من جهة، لما بذله ويبذله السادة القضاة من مجهودات جبارة لايجاد الحلول للنوازل المعروضة عليهم، وللبت فيها في اقصر وقت ممكن رغم كثرتها وتنوعها، وللدعم الكبير الذي توليه الوزارة لموضوع المحاكم التجارية من جهة ثانية، ولما تتحمله اطر واعوان كتابة الضبط من عناء ومشقة من جهة ثالثة .

واذا كان تشخيص وضعية المحاكم التجارية يقتضي وقفة متانية من اجل التقييم والتقويم، وهي الوقفة التي ستكون مجدية، اليوم اكثر من امس، اذ الفرق بين هذا وذاك، هو من جهة اولى استشعار ما للسلطة القضائية بصفة عامة، وللقضاء التجاري بصفة خاصة، من دور في التنمية، ووجود مسؤولين هم الذين يسعون الى سماع الراي الاخر، ولا يقلقهم النقد، من جهة اخرى .

ويبدو ان جل عوائق سير العمل القضائي لدى المحاكم التجارية، التي سيتم سرد ما يبدو انه هام منها، ليتم التفكير في سبل ازالتها، فتكتمل للتجربة فوائدها، تجد مسبباتها في عوامل  تشريعية واخرى بشرية وثالثة مادية، وهي العوامل التي تتميز احيانا عن بعضها، وتتداخل فيما بينها لتخلق مشكلات مركبة، احيانا اخرى .

1-    ان السياسات التعليمية التي كان المغاربة موضوعا لتجاربها المتعددة المناهل والغايات قد ادت الى نتيجة لن يصفها ذو شجاعة في الراي ومن لا عقدة نقص لديه الا بكونها غير مرضية، فبعض المتحملين لمسؤولية العمل الحقوقي منهم ضحية سياسات اهمال باقي اللغات ورفع شعارات التعريب والعروبة، ومنهم ضحية سياسة البرامج ومحتواها، فكانوا بذلك ناقصي تكوين في مختلف المجالات الثقافية واللغوية والقانونية، مما تترتب عنه، في بعض الحالات، ضعف الانتاج على مستوى ما يقدمه المحامون من عمل للقضاة، وعلى نوعية ومضمون ما يحرره الخبراء من تقارير وخبرات، وعلى صعيد ما يصدره القضاء من احكام وقرارات .
ولكي لا يبقى الامر بكاء على الاطلال،  فان اعادة البناء ليس بعزيز على ارادة المغاربة، اذ ان تقبل فكرة تغيير العقلية اولا، وتوفير الامكانات المادية الكافية ثانيا بمقدورهما معا ان يجعلا من الحقوقي المغربي قاضيا كان او محاميا او موثقا، او خبيرا او اطار كتابة ضبط ند نظيره في ارقى الدول، ان لم يكن احسن منه، والحل يبقى للارادات الحسنة وللقرار السياسي من اجل دعم التكوين واعادة التكوين وتفعيلهما، داخل المغرب وخارجه وبكل الوسائل الممكنة .

وهكذا فلا بد من تعديل برامج كليات الحقوق بادخال مواد جديدة لمقرراتها، باتفاق بين قيدومي الكليات ومسؤولي القضاء وهيئات الدفاع والتوثيق العصري والمحاسبة، على نحو يؤدي الى التخصص الفعلي في مادة من مواد القانون، ان لم يكن في فرع منها .

والقول نفسه يصدق بالنسبة لبرامج المعهد القضائي بتوجيهها نحو التخصص وتلقين اللغات، مع تخصيص اقسام منها للتكوين المستمر للقضاة والملحقين والمنتدبين القضائيين، دون ان يغيب عن ذاكرتنا مستوى تحرير الاحكام والغيرة عليها حتى لا تتعرض للالغاء بحرص قضاة من السلف، وهو الشعور الذي لوحظ فتوره في هذه الايام لدى بعض الخلف، ودون ان ننسى ضرورة انشاء معاهد لتكوين المحامين القدماء منهم والمحدثين .

خلق تواصل وحوار مستمر عن طريق تنظيم ندوات دراسية وتداريب تكوينية ولقاءات داخل المغرب وخارجه، بين جميع الفاعلين القانونيين من جامعيين وقضاة ومحامين وتقنيين مختصين .

2-    يلاحظ ان المحكمة التجارية بالدار البيضاء في حاجة لعدد اكبر من السادة القضاة والقاضيات، الذين ينبغي اختيارهم وتهيؤهم اللازم قبل تحمل المسؤوليات، ومتى تحملوها وتمرسوا بالعمل بالمادة التجارية وجب ان يترك لهم الوقت الكافي لتطوير العمل القضائي وترسيخ قواعده، اذ ان هاجس تخليق العمل القضائي واصلاحه،  والذي كثيرا ما كان وراء قرارات النقل، قد لا يكون مبررا وحده، عند الثبوت، ليتم الاكتفاء بتلك القرارات بدل غيرها .

3-    كما ان تلك المحكمة تشكو من خصاص كبير فيما يتعلق اولا باطر كتابة الضبط المؤهلة حقا لتنوء بمسؤولية العمل داخل المحكمة التجارية، في اطار ما اتى به قانون الاعمال من مستجدات، لاسيما فيما يتعلق بصعوبة المقاولات، وفيما يتعلق ثانيا بضرورة تخصيص كتابة متكاملة لكل قاض مقرر، سيكون مضطرا آنئذ هو ايضا ليدرس الملفات قبل وبعد الجلسات، لتجهيزها والسهر على تنفيذ ما اتخذته المحكمة من قرارات، وتحسيس كتابة الضبط بما تتحمله في هذا المجال من مسؤوليات .


4-    يلاحظ بان المكلفين بالحواسيب ان كان لهم تكوين متين في ميدان المعلوميات،  فلا يبدو انهم ملمون بسير العملية القضائية وبما يعترض سير عمل كتابة الضبط من معوقات، الامر الذي يؤدي الى ارتباك في العمل ناتج عن الاختلاف احيانا بين ما هو مختزن في الحاسوب،  وبين ما هو مدون في السجلات، اضافة الى ان الاقتصار على حاسوب واحد لتزويد المحامين وغيرهم بالمعلومات، يؤدي الى فوضى في سير العمل واكتظاظ الممرات، وهو ما يقتضي اما تكوين اطر كتابة الضبط التكوين المعلوماتي اللازم، واما تدريب المختصين في المعلوميات على عمل كتابة الضبط التدريب التام، حتى تسير العملية القضائية المعلوماتية فكرا واحد، كما ان الزيادة في عدد الحواسيب واعادة تنظيم برمجتها امر اضحى من الاولويات.

5-    لقد لوحظ عند دخول القانون المحدث للمحاكم التجارية حيز التطبيق، بان الاقتصار على ست تجاريات وثلاث استئنافيات، قد لا يساير مبدا تقريب القضاء من المتقاضين، وان التطورات الاقتصادية الداخلية منها والخارجية، وكثرة القضايا والملفات ، قد تتطلب عددا اكبر من المحاكم، والامر ان كان يفرض نفسه اليوم على صعيد البلاد كلها بصرف النظر عن الجهات، فلن يكون نشازا القول بان ولاية الدار البيضاء وحدها تحتاج الى اكثر من تجارية الى جانب الابتدائيات .


6-    وكفترة انتقالية فقد كان من المستحسن، كما لوحظ ذلك في حينه، ان يحدد الاختصاص القيمي للمحاكم التجارية المنصوص عليها في المادة 6 انطلاقا من مبلغ معين كحد ادنى، لكي تبقى بعض القضايا البسيطة امام محاكم اخرى، حتى لا يرحل تاجر من جمعة سحيم الى الدار البيضاء، او يصعد اخر من الزاك الى اكادير، او يهبط ثالث الى الحسيمة الى فاس من اجل القيمة الزهيدة لبعض الكمبيالات، وينصب محاميا قد لاتلبي، للاسف، بعض المحاكم استخباره الهاتفي عما جد من المعلومات، او كان لازما النص على احداث غرف تجارية لدى المحاكم الابتدائية تبقى مختصة فيما عهد به الى المحاكم التجارية وتطبق مسطرتها، وذلك حيث لا توجد هذه المحاكم الاخيرة، وفق ما هو معمول في فرنسا، التي يفوق فيها عدد المحاكم التجارية عدد المحاكم الابتدائية .

7-    اما عن البناية التي توجد فيها المحكمة التجارية بالدار البيضاء، فليست صالحة لتفي بالغرض المطلوب، لاسباب متعددة منها اولا انها قد ضاقت بمن يمشي فيها من البشر كل يوم فاهتز لذلك الزليج الذي فرشت به ارضها، وامتلات قاعات جلساتها وممراتها على نحو اصبحت لا تسوعب معه نهائيا كل الوافدين عليها من رجال المحاماة وغيرها، ومنها ثانيا ثمن كرائها الذي تقول مصادر مطلعة بانه يصل الى مبلغ 370.000 درهم شهريا، وهو ما لا يبدو مقبولا، كما لا يقبل منطق سليم وجود بنايات اخرى مستعملة كمحاكم بجهات اخرى من ولاية الدار البيضاء مؤجرة بمبالغ مرتفعة ايضا، وهو التسيير الذي ان يعمل في اتجاه تشتيت المحاكم وتقزيم بناياتها، مع ان هناك ادارات قد تم تجميعها في بنايات واحدة محترمة راى المسؤولون فيها انها تليق بها وبمقامهم، والحال انها لا ولن تصل الى هيبة المحاكم وسمو مكانة رجال القضاء وجلالهم، واذا نظر الى المسالة من الجانب المالي فقط، فان ما يدفع شهريا مقابل يمكن ان يسدد قيمة فاتورات ثمن بناء مجمعات قضائية ستكون حقا هي المحترمة، وستصير بعد حين ملكا للدولة .


8-    ينبغي التفكير في امكانية تعيين تاريخ الجلسة، بمجرد وضع المقال حتى لا يستدعي المدعي، مع ما يتطلبه التبليغ من وقت واجراءات، وحتى يطمئن لمصير مقاله، وهو الامر الذي يمكن البحث عن صيغته التشريعية، اوبالاحرى العملية لدى بعض المحاكم الابتدائية التي تطبقه والتي تعمل بقانون المسطرة المدنية او لدى من تحيل قوانينها عليه، كبعض المحاكم الادارية .

9-    ان الوصل المنصوص عليه في المادة 13 من القانون المحدث للمحاكم التجارية، والذي تسلمه كتابة الضبط، ببيان عدد المستندات المرفقة بالمقال ونوعها، يثير اشكالين اولهما متعلق بتاويل النص، حيث يبدو ان المدلول الذي يعطي ذلك الاجراء المسطري بعض الاثر، هو الزام المدعي بان يرفق بمقاله عند وضعه جميع الوثائق التي ينوي استعمالها، والا ما كانت لهذا الاجراء اهميته العملية الكاملة، التي اقتضت من المشرع تنصيصا اخص مما يتضمنه النص العام الوارد في الفصل 32 من قانون المسطرة المدنية المقتصر على الاشارة الى الوثائق المرفقة " عند الاقتضاء" .


10-    والامر الثاني المرتبط بالاول والهادف الى نفس غايته، والذي يبقى تنظيميا وليس تاويليا، وان استعطى التعود عليه والانضباط له فليكن تشريعيا. هو الزام كل من ادلى بالوثائق ان يرفق صورا منها بنسخ مقاله او مذكراته، والزام كتابة الضبط بان ترفق بالاستدعاء الموجه بعد انجاز الخبرة نسخة منها، ليتاتى لمن استدعي ان يطلع على صور الوثائق والخبرات، دون حاجة الى اضاعة وقته واضاعة وقت غيره والبحث عن القاضي، وكاتب الضبط، واحيانا حتى عن الملفات .

11-    كما يجب الاعتناء بالاستدعاء وما يرتبط به من مشاكل كعدم ضبط بياناته، ونسيان تضمينه مراجع ملف المحامي، واهمال ضم نسخة المقال اوالمذكرة او الخبرة اليه، او التراخي في تسليمه لمن سيقوم بتبليغه .


12-    الاهتمام بالتبليغ، ونقص الوسائل المؤدية الى تمامه، وتقصي معوقاته كتملص المستدعى، من التوصل بدعوة القضاء للمثول امامه .

13-    لقد جعل المشرع بمقتضى المادة 22 من القانون المحدث للمحاكم التجارية " السندات الرسمية" من بين الوثائق التي يمكن استصدار امر بالاداء بناء عليها، وهو ما يجعل التساؤل مشروعا عن الفرق بين معاملة مدنية تبقى خاضعة لاختصاص رئيس المحكمة الابتدائية، مهما علت قيمتها، وبين معاملة تجارية زهيدة القيمة، لم يتات لاطرافها اثباتها بورقة تجارية فلا يستفيدون من المزايا التي يخولها التقاضي امام المحاكم التجارية، والحال ان المعاملات التجارية مبنية اكثر من نظيرتها المدنية على التسيير والسرعة في الاثبات، مما يقتضي تعديل النص والاكتفاء بما هو عرفي من السندات .


14-    ان القانون المحدث للمحاكم التجارية ان كان قد استعمل الية الاجال لتفعيل المسطرة امام المحاكم التجارية، فقد اقتصر على استعمالها فيما يتعلق باختصاص المحكمة دون اختصاص رئيسها، اذ لم يحدد لها اجالا للبت رغم طابع السرعة الذي يجب ان تتسم به اوامره .

وهكذا واعتبارا لكثرة الاشغال الملقاة على عاتق السيد رئيس المحكمة التجارية والسادة القضاة الذين ينوبون عنه، فان الاوامر القضائية المبنية على طلب، وحتى الاوامر الاستعجالية نفسها تسير ببطء كبير، الامر الذي يدفع ببعض المتقاضين الى السكوت عن ابراز الطابع التجاري للنزاع، لاستصدار اوامر قضائية من المحاكم الابتدائية التي لازال رؤساؤها يبتون في بعض ساعات، فتكون اوامرهم اجدى فيما يخص الطارئ من الوقائع، وكل المستعجلات، مما يقتضي تعيين نواب للسيد رئيس المحكمة التجارية متفرغين للبت في تلك الطلبات، وان يكون رهن اشارتهم ما يكفي من الاعوان والكاتبات .

15-    عند سحب الوثائق التي كانت سندا لاستصدار امر قضائي بالحجز او بغيره، اثر صدوره، فلا تتاح للصادر في مواجهته ذلك امر فرصة معرفة سنده، مما يقتضي الزام الاطراف بضرورة رفاق كل نسخ مقالاتهم بصور مستنداتهم حتى تبقى بملف المحكمة .

16-    ينبغي ايجاد صيغة عملية تمكن الدائن المرتهن لاصل تجاري من التعرف على هوية مكري العقار، وتلك التي تمكن هذا الاخير من التعرف على من يستفيد مما يثقل الاصل التجاري الموجود بالعقار المملوك له من رهون او حجوز، ليشعر كل واحد منهما الاخر عند الرغبة في تحقيق الرهن او الرغبة في الافراغ .

17-    يلاحظ بخصوص هاجس السرعة والفعالية الذي واكب احداث المحاكم التجارية، فيلاحظ بانها سرعة غير متوازنة وفعالية لا يبدو انها اكيدة، اذ في الوقت الذي تكون فيه تلك السرعة معتدلة في الفترة الممتدة بين وضع المقال وتعيين تاريخ الجلسة، ترتفع هذه السرعة، بشكل مفاجئ بعد عرض القضية على انظار المحكمة على نحو لا يسمح في غالب الاحيان بتمكين الاطراف من حقهم الفعلي في تهييئ الدفاع، بحيث يتم تاخير ملفات مهمة جدا لمدة اسبوع فقط، في الوقت الذي قد تستمر فيه اجراءات تنصيب القيم واتمامها شهورا متعددة، والامثلة على ذلك موجودة ومتكررة، كما ان حدة تلك السرعة تتضاءل عند حجز الملف للمداولة، حيث يمكث بها مدة  تتعدى تلك التي خولت للاطراف لتامين حقهم في الدفاع، مع ان القانون قد اشترط ضرورة تحديد تاريخ النطق بالاحكام، وهو ما لا يتم احترامه في بعض الاحيان، ثم ان حدة تلك السرعة تخف الى حد التوقف عندما تصل القضية الى مرحلة التنفيذ، مما مؤداه ان السرعة والفعالية تتسع انابيبها احيانا وتضيق احيانا اخرى الى ان يشتد ضيقها الى حد الاخناق عند مرحلة التنفيذ الذي هو الغاية القصوى من رفع كل دعوى، الامر الذي قد يفرغ تلك السرعة والفعالية من كل جدوى .

18-    هناك مواضيع الاختصاص النوعي التي خلقها القانون المحدث للمحاكم التجارية من جهة، ومدونة التجارة من جهة اخرى، وهو الامر الذي ان كان مقبولا، في المرحلة ………. الاجتهاد القضائي وتتحدد معالمه في موضوع الاختصاص، فان من اسباب عرقلة سير العمل امام المحاكم التجارية ما تسمح به المادة الثامنة من القانون المذكور من امكانية استئناف الحكم الصادر في الدفع بعدم الاختصاص النوعي باستقلال عن الحكم البات في الجوهر، وما يتطلبه ذلك ممن صدر الحكم ضد مصالحه من اجراءات اهما التبليغ وما يقتضيه في وقت واجراءات، وهو الامر الذي يبدو ان احد حلين يكفيان لتجاوزه، اولهما يتاتى اعماله فورا، والثاني يتوقف على تدخل المشرع، فالاول هوان يتم التبليغ التلقائي من طرف كتابة الضبط بمجرد صدور الحكم، وهي التلقائية التي لا يوجد نص صريح يمنعها، والثاني هو ان يتم تعديل المادة الثامنة بتضمينها النص على انه " يتعين على كتابة الضبط ان توجه الملف الى محكمة الاستئناف التجارية داخل اجل 8 ايام يبتدئ من تاريخ صدور الحكم"، الامر الذي من شانه اولا ان يتجاوز مسطرة التبليغ، ومن شانه ثانيا ان يوضح دوما، وجهة نظر محكمة الدرجة الثانية في موضوع الاختصاص .


19-    رغم اشارة المادتين 2 و3 الى النيابة العامة في شخص وكيل الملك والوكيل العام للملك ونوابهما وكتابة ضبط، فان القانون لم يبين صلاحياتها، وان كان اختصاصها في اطار ما هو معهود اليها بمقتضى قانون المسطرة المدنية ( ولاسيما بموجب الفصلين 9 و10)، وفيما عهد اليها به بمقتضى مدونة التجارة بخصوص السجل التجاري وبصعوبات المقاولات، ولا يثير اي نقاش، فانها لكي يكون لها اختصاصها المنشود في موضوع التنفيذ والاكراه البدني وجرائم لجلسات، واختصاصها في اطار علاقتها بالاعوان القضائيين، وبالمتابعات فيما يتعلق بما قد ينتج عن دراسة الملفات التجارية، من جرائم اقتصادية اشارت اليها تلك المدونة والقوانين المنظمة للشركات وغيرها، مما اصبح يعرف بالقانون الجنائي للاعمال، فقد كان يستحسن اسناد النظر في تلك الجرائم لهيئات جنحية لدى المحاكم التجارية بحكم تخصصها في الموضوع، ولاحتمال وجود ارتباط بين النزاعات المعروضة عليها، وبين ما قد يوصف منها وصفا جنحيا، مع اعطاء النيابة العامة السلطة نفسها التي لمثيلتها لدى المحاكم الابتدائية على الاعوان القضائيين، والا فان الوضع الحالي، يقتضي اقعاد قضاة النيابة وادماجهم في العمل القضائي، كقضاة مقررين، وتكليف عدد قليل من زملائهم من المحاكم الابتدائية ومن محكمة الاستئناف بالقيام دوريا بما تقوم به النيابة العامة لدى المحاكم التجارية .

20-    اذا كان من بين ما يسجل للمحاكم التجارية من ايجابيات، هو تجاوز مرحلة نسخ الاحكام المخطوطة غير المقروءات، والتمكن اليوم من تسلم نسخ مطبوعات واضحات، فان المدة الفاصلة بين صدور الاحكام، وبين تاريخ تسليم نسخها مدة طويلة نسبيا، الامر الذي يقتضي الزيادة في عدد القضاة، وفيما هو رهن اشارتهم من اطر كتابة ضبط واعوانها ومن حواسيب وراقنات .


21-    لاشك ان وجود ادارتين للسجل التجاري تبعد احداهما عن الاخرى بما يزيد على عشرة كيلومترات تخترق مدينة الدار البيضاء انطلاقا من مقر المحكمة التجارية بدرب عمر، الى المعهد العالي للتجارة وادارة المقاولات بطريق المطار، امر متعب وضار .

22-    التفكير في ايجاد انجع الوسائل واسرعها لتمكين ادارة التسجيل من ممارسة عملها بعد صدور الاحكام على نحو لا يحرم المتقاضي من حقه في تهيئ دفاعه، اذ احيانا تباشر اجراءات التبليغ ويحال الملف على تلك الادارة، فيعسر على المحامي الاطلاع عليه لممارسة حقه في الطعن، الامر الذي ينبغي معه الاحتفاظ على الاقل بصور الوثائق في ملف لا يحال، وهو الامر الذي يسير في ذات الاتجاه مع ما سبق اقتراحه من ضرورة الزام كل من ادلى بوثيقة بان يرفق صورا منها بكل نسخ مقاله، وكل نسخ مستنتجاته الكتابية .


23-    اما عن الخبراء، فاعتبارا لما يلعبونه من دور في توجيه المحكمة الى اتخاذ موقف من النزاع المعروض عليها، فلا مندوحة اولا من التشدد في شروط قبولهم تلافيا لقبول من لاخبرة له، وثانيا من حرص المحاكم على تعيين خبراء موجودين فعلا بعناوينهم، تعيين خبراء مختصين حقا فيما ينتدبون لابداء الراي فيه، مع تحديد اتعاب مناسبة لما يبذلونه من مجهودات، ومراقبتهم اثناء انجاز مهامهم، من طرف الجهة القضائية التي عينتهم، وحرصها على احترام الاجال الممنوحة لهم لانجاز الخبرات، وضرورة اشعار الاطراف عن طريق محاميهم فور وضع التقارير، وارفاق نسخ منها بالاستدعاء .

هذا مع الانتباه الى استفحال ظاهرة تعيين بعض السادة الاعوان القضائيين، وبعض اعوان التنفيذ لخبراء بطريقة مباشرة او غير مباشرة عن طريق اللجوء اليهم لتقييم المحجوزات المراد بيعها، وان لم تكن في حاجة الى ذلك .

24-    اما عن التنفيذ، فان النص التشريعي الذي احدث مؤسسة قاضي التنفيذ لدى المحكمة التجارية دون بيان اختصاصاته، ودون تعديل القانون رقم 80-41 المتعلق بهيئات الاعوان القضائيين وتنظيمها، والذي كان قد احدث تلك الهيئات لدى المحاكم الابتدائية، وجعلهم مسؤولين امام رؤسائها ووكلاء الملك لديها نص محتشم وقاصر البيان، وقد تسربت عدوى حشمته الى اولئك الاعوان، الذين لا يخضعون في حقيقة الامر الا لمن ذكر سابقا، دون قاضي التنفيذ لدى المحكمة التجارية، ودون وكيل الملك لديها، والذي لا يسعفهم باي عون او قوة عند الحاجة اليه، ومتى لجؤوا الى وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية التي يعملون في اطارها، فانهم لا يستطيعون اللجوء الى غيره،اذ لا يمكنهم ان يتعدوا حدود اختصاصهم الترابي، فيكون البديل هو الاستعانة بزملائهم الذين يعملون حيث يجري التنفيذ، وذلك في اطار " تكليف من الباطن"، وهو ما يقتضي كله تدخل المشرع لتوضيح وتوسيع صلاحيات قاضي التنفيذ، وتوضيح وتوسيع صلاحيات النيابة العامة لدى المحاكم التجارية، ومد اختصاص هذه المحاكم للنظر في القضايا الجنحية الاقتصادية، وانشاء هيئة للاعوان القضائيين تابعين للمحاكم اياها وحدها .

25-    والى ان يتاتى ذلك، ومع حث السادة الاعوان القضائيين على تحرير محاضر تبليغ الانذارات فور انجازها ومحاضر التنفيذ ومحاولاته وجعلها رهن اشارة المحامين، فمن المستحسن ان يوضع طلب التنفيذ بالمحكمة التي ستباشر بدائرة نفوذها اجراءاته، اذ ان احالة الانابات واعادة ارجاعها و" التكليف من الباطن" كل ذلك يتطلب وقتا طويلا، يسهم في تعطيل سير العمل القضائي، وينعكس اثره السيء على الجميع .


26-    ليس هناك مانع قانوني يحول دون تسليم النسخ التنفيذية للاحكام غير المشمولة بالنفاذ المعجل، وليس هناك نص يقضي بالاقتصار على تنفيذ الجزء المشمول بالنفاذ المعجل من الحكم، مع انه بعد تبليغه ومرور اجل الطعن يكون قابلا للتنفيذ في مجموعه، الا اذا ادلى المنفذ ضده بما يثبت طعنه، وكونه موقفا للتنفيذ .

27-    ضرورة احترام قاعدة الترتيب في ملفات التنفيذ، دون الخروج عن هذه القاعدة لاي سبب كان، اذ ان الاحكام الصادرة عن المحاكم التجارية، ينفذ بعضها في ايام معدودات، بينما الصادرة قبلها قد تبقى في رفوف الاعوان من بين المحفوظات .


28-    مطالبة كل رافع دعوى تستهدف اصلا تجاريا بشكل او باخر، وكل طالب تنفيذ يستهدف الموضوع نفسه بان يدلي بنسخة حديثة من " النموذج" للاستعانة بما يشمهل من معلومات اثناء سير الدعوى وحتى عند التنفيذات .

29-    ضرورة اشعار الاطراف بعوائق التنفيذ ايا كان مصدرها واسبابها ولماله وبماله .
30-    توحيد المسطرة بخصوص الانذارات العقارية، وطرق التنفيذ المتعلقة بها .
31-    اللجوء الى محل البيوعات المعد لهذا الغرض داخل المحاكم، كلما تعلق الامر بعقارات او بمنقولات لا يعسر نقلها، او لا يكلف نقلها مصاريف كبيرة اولا يتطلب مكانا فسيحا لاحتوائها .

ذلك ان البيع بعين المكان اضافة الى كونه يؤدي الى البعد عن رقابة القضاء، واحيانا حتى عن رقابة طالب التنفيذ، فانه في اغلب الاحيان، يتم باثمنة زهيدة، لاشخاص محترفين اعتادوا شراء المبيعات باتفاق مع بعض الجهات .

ويقتضي وضع حد لهذه الظاهرة، اعتماد وسائل الاشهار الاكثر اتساعا وانتشارا، واستصدار اوامر بتعيين خبراء، بعد فشل محاولات البيع بالمزاد العلني، يعملون مشتركين ويقيمون المبيع بابراز عناصر التقدير الماخوذة من ادارات المحافظة العقارية او التسجيل، ودعوتهم الى مكتب قاضي التنفيذ متى اختلفت تقديراتهم بشكل متباين غير معقول، مع الحد من ظاهرة المشاركة في المزاد العلني بواسطة البطاقات الوطنية دون الحضور الشخصي، والتشدد في المطالبة بالتسبيقات عند بدء المزاد او عند زيادة السدس، على ان تكون بشيكات معتمدة او اية ضمانة اكيدة .

لذلك فان قضاءنا ومحامينا وموثقينا واطرنا وخبراءنا واعواننا، لا يعيشون اليوم في معزل عن رقابة المتقاضي المغربي والمستثمر الاجنبي، وتبقى الضمانات الحقيقية لنمو البلاد هي نزاهة الاحكام وعدلها وفعالية اجراءات استصدارها وتنفيذها، وهو امل لاشك اننا واصلون اليه، ان تم تمتين الثقة في القضاء وتحسين احواله، وتاهيل رجالاته، وكل من يعمل في اطاره، لتحمل مسؤولياته على احسن اوجه، ليطمئن كل من المواطن والاجنبي على حقوقه وامواله وممتلكاته .

الدار البيضاء في 07/05/2000

* مجلة المحاكم المغربية، العدد 84، ص 48 .

Sbek net
كاتب ومحرر اخبار اعمل في موقع القانون والقضاء المغربي .

جديد قسم :