-->

المجلس الدولي للتحكيم التجاري



كلمة الاستاذ الان بلانتء عضو في معهد فرنسا
ورئيس هيئة التحكيم الدولية لدى غرفة التجارة الدولية
 ان مايقلق في الفترة الحالية ليس تطور المجتمع بحد ذاته بما ان التطور دائم الوجود، ولكن سرعة التطور التي وصلت ف بعض  انحاء العالم الى درجات تجعلها تفلت من كل مراقبة. ومايجعلها اكثر اثارة للقلق هو كون تقدم التقنيات يعطي الاولوية للمردود والفعالية ويعيد النظر في ا قدم  المراجع  الاخلاقية والادبية. ويشكل هذا التاخر خطرا "خاصا" على القانون والتحكيم، ويدفع الى تفكير جديد يجب ان يتسم بطابع مستقبلي وان ياخذ  بعين  الاعتبار الطبيعية المختلطة للتحكيم الدولي.

اولا - الاعتبار الاول:
ان التحكيم له ركيزة ذات طابع تعاقدي. ان شرط التحكيم اواتفاق التحكيم،  يحدد  الالتزامات  المتبادلة  للاطراف  وشروط  حل خلافاتها: تشكيل المحكمة، مكان الحكم واللغة المستعملة، الاجراء الذي يجب اتباعه، القانون المطبق ويسير الاتجاه العام الى تزايد دورالاطراف في هذا الميدان.
وتشمل العلاقة التعاقدية وضع المحكم بذاته. يؤدي القبول بمهمة تحكيمية الى  انشاء  علاقة  خاصة  بين  المحكم  والاطراف  تخلق  التزامات  وحقوق، والشيء نفسه ينطبق على رئاسة الهيات ا لتحكيمية . ويقبل الرئيس اوالمحكم بالقيام بمهمة محددة، حتى لو كان اختيارالرئيس اوالمحكم  لم  يتم شخصيا "عن طريق طرف ما، لان اختياره حتى ان لم يكن عن طريق طرف ما، ولكن حسب شكليات محددة مسبقا "باتفاق مشترك  او  باتخاذ  مرجع  في  تسوية تحكيمية اوفي سلطة تعيين، لايمحى التزاماته ازاء الاطراف المعنية بتحكيم النزاع. عندما توقع الاطراف بندا "يشيرالى مركز مكلف بادارة التحكيم، تمتد عنئذ العلاقات التعاقدية اليه: فمن  ناحية يجب ان تكون الخدمة التي يوفرها متماشية مع الالتزام الذي التزم به ازاء الاطراف،  ومن جانب اخر، يجب ان تنشا علاقة تعاقدية بين المركز وكل من المحكمين الذين يعينهم.

يتمثل الواجب الاول للمحكم بتسوية النزاع المعروض عليه، كل النزاع  والنزاع  وحده . وعليه  ان  ينجز  مهامه حتى النهاية بدون ان يتلكا عن ذلك ابدا "بالاستقالة خلال المهلة المحددة  له مثلا" الا في ظروف اضطرارية جدا. عندما يطلب منه تحرير وثيقة الاعلان  عن  المهمة، ان هذا الامرايضا يكتسي طابعا تعاقديا": يسمح له معرفة دقيقة للنتائج  والحجج الاساسية المطروحة، وان يحدد مدى النزاع وطابعه وربما ان يحددى ايضا القانون  المطبق لحله. وعندما  يقبل المحكم المهمة عليه ان يتعهد ولو ضمنيا "بالقيام بمهمته طبقا للقانون اوالنظام الذي تختاره الاطراف". ويجب ان يفعل ذلك طبقا "لارادة الاطراف ، مما يتطلب منه ان تسلح بارادة العمل، وان يخصص وقته لكي يحل النزاع باسرع وقت ممكن ومن ناحيةى اخرى ان يحترم مبدا السريى الا اذا قررت الاطراف غير ذلك.

واذا كان لايعبتر نفسه مؤهلا " للقضية فعليه منذ البداية ان يرفض عرض التحكيم المعروض عليه.
يجد التحكيم مبررا "لوجوده لانه يعطي للاطراف امكانية المشاركة في تشكيل السلطة القضائية مما يعزز ثقتها في كل المراحل التي يمر بها حل القضية. اذا كان الامريتعلق بعناصرلغوية اوبتطبيق بعض الانظمة القانونية الخاصة. ان السلطات القضائـية الوطنية بنفسها استجابت الى طلب الاطراف في تقاريرها المختلفة برفض النظرفي الطلبات المقدمة عندما تخضع لشرط تحكيمي واضح وخطي وباعادة الاطراف الى التحكيم التي اتفقت عليه مع مراعاة قرارات القضاة فميا يتعلق بالتدابير المؤقتة.

ان العلاقة التعاقدية التي تربط المحكم  بالاطراف لاتعني انه يفقد استقلاليته بل على العكس ، اذ انه مكلف بادلاء حكمه بشان النزاع بكامل الاستقلالية. وستعتمد هذه الاستقلالية الى حد كبير عل ا ستقلاليته عن وسط الاعمال، والمستشارين القانونيين والحكومات وربما عن الراي العام والحركات الثقافية.
ان افضل  طريقة للتاكد من هذه الاستقلالية بسيطة ومعقدة في ان واحد.
تكمن في اقامة حواربين المحكمين والاطراف، حتى قبل  تشكيل المحكمة، على اساس المعلومات التي يوفرها كل من المحكمين والتي تبين الاسباب التي يمكن على اساسها ادانته اوالتشكيك في حكمه في وقت لاحق حتى لو كانت هذه الاسباب بالنسبة للمحكم قابلة للاعتراض. يجب استبعاد أي امكانية للشك لاجل عرض كامل وواضح للوقائع ولاعطاء الاطراف امكانية النظر في العناصر المقدمة لها وتقييمها.

لايترتب على المحكم ان يكون مستقلا فحسب، يجب ان يظهرعدم انحيازه امام المعنيين. وبهذا الصدد لايجب النظر في اجراءات التحقق المسبق من استقلالية المحكم كانها موجهة ضد المحكمين، بل يجب اعتبارها دعما لان المحكمين عالبا ما يصابون بالاحباط او بالعياء عندما يشكك بهم مترافعون سيئوا النية.

تقابل التزامات المحكم ازاء الاطراف، التزامات مماثلة للاطراف ازاء المحكمين. فكما قال الشيخ صلاح بكل وضوح ودقة، ان واجب الاطراف الاول هو احترام المحكم ومهمته، أي الاعتراف باستقلالية قناعته التامة وبقدرته على قيادة التحكيم حسب المعايير السائدة . ليس المحكم محاميا. ولايجب على الاطراف ان تعتبره محاميا. على العكس، عليها ان تتذكر ان انعدام الحياد لدى محكم ستولد ردة فعل لدى محكم اخر وتضع مسؤولية حل النزاع على عاتق الرئيس.
عندما يتم تعيين المحكم، انه يناط بمهمته ولا يمكن ان يتم تغييره على طلب احد  الاطراف لاسباب مختلفة لاسيما لانه لايرضيهم. ويجب تطبيق هذه القواعد حتى لو كان احد الاطراف ادارة عامة اومؤسسة تابعة للدولة.

ينطوي احترام المحكم على ان تمتنع الاطراف من ممارسة أي ضغط وربما أي تهديد ازاء اعضاء هيئة تحكيمية وان تساهم بكل طيب نية وحسن تصرف في القضية مع احترام كل التعليمات التي وجهتها المحكمة . ان واجب المشاركة في التحكيم على وجه جيد، يتطلب اعلام الهيئة التحكيمية، ويمنع اللجوء الى الاعاقة اوالى طرق المماطلة من شانها ان تمنع السلطة القضائية من سلطتها. ويجب على الاطراف  ان تحترم القواعد المطبقة في مجال المكافات: وبهذا الصدد من المستخدمين تجنب العلاقات المالية المباشرة بين الاطراف والمحكمين ولكن من المناسب ايضا ان تدفع مكافات بالتناسب مع العمل المنجزلا سيما في غضون دراسة القضية.
 في المستقبل، ستتطور نتائج تعزيزهذه العلاقة التعاقدية في مجال المسؤولية سواء اكانت مسؤولية المحكمين اومسؤولية مراكز التحكيم في مجال ادارة الاجراء، سوف يكون من الصعب ادخال هذه المسؤولية في مهنة غير منظمة ولكن يجب التحسب لها لان المناعة التي تمنح  لقاضي الدولة قد لاتمتد الى كل نشاط المحكم الذي يرتكز مهمته على طابع تعاقدي، يدجب اذن "تحديد الشروط التي سيتم  خلالها ادخال مسؤولية المحكمين وما هو مدى هذه المسؤولية وباية احوال سيتم استبعادها اوعلى العكس تاكيدها. انه فرع من قانون التحكيم يشهد تطورا جديرا بالاهتمام".

ثانيا - الاعتبار الثاني:
تكتسي مهمة المحكم طابعا قضائيا ايضا. فالتحكيم مصاغ بشكل يسمح له توفيرقرار"قاننيا" يشكل مخرجا مما يميزه عن الوساطة والتوفيق. وتعترف معاهدة نيويورك لعام 1958 بهذا  الطابع المميز بما انها تحدد الشروط التي يجب احترامها لكي يتم تنفيذ الاحكام الصادرة عن هيئة التحكيم.
لقد ساد الاعتقاد لمدة طويلة ان الوساطة والوفاق يسمحان بحل نزاعات عديدة . كانت هذه الممارسة التقليدية سائدة في الحضارات القديمة حيث لم يخطر في ذهن المعنيين رفض تطبيق الاحكام التي اقرها اشخاص يتمتعون بالهيئة الاجتماعي  الكافية. واليوم، لقد ابعدت احتياطات التجارة عنها طرق التسويات القديمة التي كانت تلجا الى محترفين محنكين وغيرمنحازين.
ان الاعمال في التجارة الدولية معقدة وصعبة والعقود مختلفة ومتنوعة والاستحقاقات بعيدة والاطراف المعنية عديدة والخدمات متشابكة. تتعلق بعض النزاعات بمواد خاص كالاستثمارات والبراءات والمعلوماتية. وترغب الشركات في اجابة قانونية عل صعوباتها لانها لاتكتفي بالعودة الى نتائج  الوساطة والمفاوضات.

يترتب على المحكم المكلف بمهمة قضائية اعتماد سلوك يقترب من سلوك القاضي. فواجبه هواحترام تسلمه التركة وممارسة نفوذه في اجراء ا لتحقيق لتكوين قناعته الشخصية التي ستكون ركيزة قراره النهائي. يترتب على المحكم ان يتاكد من احترام قواعد المعركة القانونية الصادقة والكاملة انها ضمانة اساسية ضد ما هواعتباطي. يجب ان يسمح تنظيم الدعوى بالتوازن بين القوى المتواجدة بدون الافراط في الاجراءات وبدون بطء. ويهيمن المبدا التواجدي على التحكيم مثلما يهيمن على الدعوى المدنية والتجارية الاعتيادية.
يستطيع المحكم ويجب ان يتجنب فخخ وعوائق الاجراءات الثقيلة الموجودة في عدالة الدولة: من زحمة الى بطء الى غفيلة الاجراء. وتتطلب استقلالية ايضا ان يحترس من فخخ الاجراء، والاعاقة ، والمساومة. اما مسؤوليته فهي شخصية.

يجب ان يجعل من التحكيم قضيته  وان يتبنى قواعد سلوك صارمة للغاي تسمح له تجنب أي شك. ولايكفي أن يكون مؤهلا وذا خبرة ومستقلا. يجب ان يكون منفتحا امام تعددية العالم الثقافية وان يبتعد عن الزدراء، العجرفة اوحتى الا ينفذ صبره ازاء احد الاطراف.
يجب ان يكون حكمه مقعد الاستنباط ومحرر بشكل واضح وكامل. يحب ان يحترم اللغة القانونية الملائمة لكي ينفذ بدون مشكلة معينة. وفي معظم البلدان يجب ان يكون معللا. لهذه الغاية ، يجب ان تتبع الهيات التحكيمية مداولات كاملة وصادفة حتى لحظة القرار. وكل محكم حر بان يعبر عن راي مختلف. ان رفض المشاركة في كل  التحكيم يعني التشكيك بالصفة الاساسية للتداول والاتصال لاخذ قرارجماعي والاعراب عن قدرة وارادة الاقناع.
لايستمد المحكم شرعيته  من جهاز الدولة او من انتخاب سياسي اومهني.

يستمدها لان متقاضيه اختاره اختيارا حرا. وعليه اذا ان يتحمل مسؤولية قراراتخذه بكل ضميره ويترتب عليه ان يكون  اكثر صرامة في تصرفاته من أي قاضي تابع للدولة، وعلى أية حال انه يمارس نشاطه في وسط يتميز بالتنافس القوي يتم فيه تكوين السمعة اوفقدانها وبالتالي فقدان الزبائن. انها مسالة مصداقية شخصية.
سيبقى التحكيم هشا لانه لايحظى لا بالاطر التي يوفرها التنظيم القضائي العام ولا باي افتراض غير الافتراض الذي تمنحه الدول بارادتها.
احيانا يشتبه فيه كما تبينه المحاولات العديدة لادانته اوالرفض في تنفيذه. ومما يزيد من الصعوبات التي يواجهها هو المزيج الموجود بين القضايا الخاص ومصلحة الدولة، فمن اجل التهرب من العدالة ، تميل البلدان الى تعديل القانون المطبق، وتخلق اذا غررا اضافيا من شانه ان يعقد الخالافات ويرفع التكاليف ويؤدي الى انشاء انظمة ضمانات او تامين مكلفة، لان الامن له ثمنه.
تتاصل  جذور القانون في الحضارات. وكلها جديرة بالاحترام. الا ان القانون عبارة عن تقنية تتطور تدريجيا مع احتياطات المجتمع لتسهيل التعاون بين مختلف مجالات الحضارة لصالح التقدم العام.

ان التخلي نهائيا عن التفوق الاجباري لنظام قانوني تفيذ حرية المبادرة. وانها تفيد ايضا ابراز ثقافة مشتركة ذات طابع شمولي. في المستقبل، ان احدى نتائج تطور التحكيم في قضايا التجارة الدولية ستكون ظهور ثقافة دولية تحكيمية حقيقية ، مستقلة عن الروابط الوطنية واللغوية والثقافية. وسوف ترتكز هذه الثقافة المشتركة على صعوبة الممارسة والاعلام، على طبيعة الخدمة الموفرة، على التجربة المشتركة، على احتياجات تدريب المتهنين، على مستوى المعلومات والطاقات المطلوبة . وستساهم الحركة المستمرة من القيم في اطارتوسع وتجدد مستمرين للقيم المتبادلة.
في حضارة يتزايد الخلاف بها باستمرار، تحتاج التجارة الدولية الى قانون وعدالة. لايكتفي بنزاعات الحضارة، يجب عليها البقاء والانتعاش بالرغم من كل خلافات المصلحة والثقافة. وعلى رفاهيتها وتنميتها يرتكز تشغيل الرجال وامن الممتلكات ورفاهية الامم. ومازال التحكيم يهدىء توترات قد تؤدي الى نزاعات مؤلمة  عل صعيد الدول. ان ممارسته تبين ان القانون هو في ان واحد عمل دؤوب ووسيلة في النظام الدولي.

مجلةالمحاكم المغربية عدد 72، ص 19        

Sbek net
كاتب ومحرر اخبار اعمل في موقع القانون والقضاء المغربي .

جديد قسم : التحكيم التجاري